واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي
«أحد الأمثلة التي يجب أخذها في عين الاعتبار هي الكويت، حيث يمكن للعلاقة الطويلة والعميقة للجيش الأميركي (مع حكومة الكويت) أن تسمح بالانتقال إلى قواعد دافئة وحيث تكون مسألة كثافة الجنود على الأرض أقل أهمية بالنسبة لتحديات المنطقة»، حسب الدراسة الصادرة عن الأكاديميتين المتخصصتين في الشؤون العسكرية ميليسا دالتون ومارلا كارلين، اللتين سبق لهما أن عملتا في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
«أحد الأمثلة التي يجب أخذها في عين الاعتبار هي الكويت، حيث يمكن للعلاقة الطويلة والعميقة للجيش الأميركي (مع حكومة الكويت) أن تسمح بالانتقال إلى قواعد دافئة وحيث تكون مسألة كثافة الجنود على الأرض أقل أهمية بالنسبة لتحديات المنطقة»، حسب الدراسة الصادرة عن الأكاديميتين المتخصصتين في الشؤون العسكرية ميليسا دالتون ومارلا كارلين، اللتين سبق لهما أن عملتا في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
و«دافئة» مصطلح تستخدمه وزارة الدفاع للدلالة على قواعد عسكرية منخرطة في صراعات ليست «حارة»، أي أن الأكاديميتين دعتا، في الدراسة المذكورة التي نشرتها دورية «ديفينس وان» المتخصصة، إلى تقليص «حرارة» القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، كالموجودة في الكويت، والاستعاضة عن «هذه التحولات بمزيد من عمليات التعاون الأمني مع الشركاء الخليجيين المهمين لضمان التزام الولايات المتحدة بأمنهم».
دعوة دالتون وكارلين ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن نشر مركز أبحاث «راند»، الذي يتلقى تمويله من وزارة الدفاع، مجلداً، السنة الماضية، جاء فيه أنه مع نهاية الحروب الإقليمية والحرب على الارهاب، ومع تحول التهديدات ضد الولايات المتحدة إلى تهديدات تقليدية ناتجة عن تسلح قوى كبرى، خصوصاً روسيا والصين، لا بد من إعادة توجيه العقيدة العسكرية للولايات المتحدة من إقليمية إلى عالمية.
وتتناسق كتابات مركز «راند» ودراسة دالتون وكارلين مع استراتيجية الدفاع القومي لسنة 2019، والتي وافق الكونغرس عليها وأقّر الاعتمادات اللازمة لتمويلها، وجاء فيها ان روسيا والصين تشكلان الخطر الاستراتيجي الاكبر للولايات المتحدة، وعليه، يتم تعديل السياسة الدفاعية للتناسب مع الخطر الذي تم تحديده.
والتحوّل في سياسة أميركا الدفاعية ليس نتاج إدارة الرئيس دونالد ترامب، بل هو تتمة للسياسة التي كانت بدأت في عهد سلفه باراك أوباما، والتي أطلقت عليها إدارة الرئيس السابق تسمية «إعادة التمحور» من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ. وفيما تبدو أميركا وكأنها تتقهقر في منطقة الشرق الأوسط، تقوم بتعزيز تواجدها في منطقة الهادئ بشكل يسمح لها بمواجهة الصين بطريقة أفضل. وفي هذا السياق، افتتح أوباما قاعدة لقوات «المارينز» في أستراليا في نوفمبر 2017، وهي قاعدة ماضية في التوسع مع بلوغ عديد الجنود فيها 2500.
لكن يبدو أن الإدارات الأميركية المتعاقبة «مُدمنة» على الشرق الأوسط، إذ على الرغم من الاعلانات المتكررة من الرئيسين، أوباما وترامب، بشأن ضرورة خفض عديد القوات الأميركية في المنطقة المذكورة، ارتفع فعلياً عدد القوات الأميركية منذ وصول ترامب الى البيت الابيض، مطلع 2017، بواقع 33 في المئة، ليصل 54 ألفاً، من أصل 194 ألف جندي أميركي حول العالم، أي أن ربع القوات الأميركية المنتشرة حول العالم لا تزال متمركزة في الشرق الأوسط، على الرغم من كل إعلانات الانسحاب والتخفيض الاميركية.
وتشير الدراسات الاميركية الى أن واشنطن لا تعتقد أن مواجهتها ضد الصين وروسيا تعتمد على عديد القوات، وانه لو كانت الأرقام هي التي تقرر، لكانت الصين متفوقة على بقية جيوش العالم. بيد أن ما تسعى إليه وزارة الدفاع الأميركية هو تعزيز تفوقها النوعي والتكنولوجي على نظيرتيْها الصينية والروسية، وهي لهذا السبب، أضافت قرابة مليار دولار هذه السنة إلى موازنة الأبحاث التابعة للوزارة، فضلاً عن زيادة ملحوظة في الإنفاق على الأنظمة الصاروخية والجوية والبحرية.
وتتداول الأوساط الدفاعية الاميركية أن الحرب في سورية سمحت للولايات المتحدة بدراسة أداء وتقنيات جيش روسيا، التي قال رئيسها فلاديمير بوتين إن سورية هي بمثابة ساحة تدريب لقواته واختبار لأسلحته.
إعادة التمحور من الشرق الأوسط إلى الأدنى، التي تمضي فيها واشنطن، تعني تعديل نماذج الشراكة العسكرية مع الحلفاء. ويشير الخبراء الاميركيون الى أن ألفي جندي في سورية قاموا بما كان مطلوباً أن يقوم به 20 إلى 30 ألفاً من الجنود الأميركيين، بسبب تحالف واشنطن مع مجموعات عسكرية كردية. كذلك الأمر في العراق، حيث سمح التعاون عن كثب مع القوات الحكومية العراقية بالفوز في الحرب ضد تنظيم «داعش»، مع تدخل أميركي على مستوى القيادة، ومن دون الحاجة إلى نشر عدد كبير من القوات الأميركية.
واستناداً إلى تجربتيْ سورية والعراق، يرى الباحثون الأميركيون أنه يمكن لواشنطن خفض عدد قواتها في الخليج، من دون تقويض إمكانياتها الدفاعية، بسبب استمرار وجودها بالاشتراك مع الحلفاء والمضيفين.
أما إيران، فلا يبدو أن أياً من الخبراء الأميركيين يعتبرها تهديداً عسكرياً جدياً يتطلب الحفاظ على عدد كبير من القوات الأميركية في الخليج، بل يرون أنه بسبب ضعفها عسكرياً، لطالما لجأت إلى «حروب بالوكالة» يخوضها حلفاؤها من الميليشيات العربية في لبنان واليمن وسورية، ويسعون لتحقيق مصالح طهران من دون تورط عسكري إيراني مباشر في هذه الصراعات، أو أي صراعات مباشرة أخرى في الخليج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق