الثلاثاء، 28 فبراير 2017

فلترحل المعارضة السورية

حسين عبدالحسين

لم نكن نتصور أن قوة عالمية ستستخف بذكاء العرب كما فعلت الولايات المتحدة، وسيطة السلام المزعومة بين العرب والاسرائيليين، والتي تعين مبعوثيها للسلام، غالباً من اليهود الأميركيين المتدينين مثل دينيس روس وجارد كوشنر، فيما أعلنت واشنطن مؤخراً تعيين اليهودي الأميركي دايفد فريدمان، وهو من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، سفيراً لها في اسرائيل.

اليوم، أصبحت روسيا ومصر تضاهيان الولايات المتحدة في الاستخفاف بعقول العرب، وذلك بتنظيم كل من موسكو والقاهرة أزلامهما من المعارضين السوريين المزعومين في وفود، والإصرار على مشاركتهم في المفاوضات في مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد. روسيا، التي تتدخل عسكرياً بشكل مباشر لمصلحة الأسد، ومصر، التي أعلنت حكومتها مرارا انحيازها للأسد، ترعى وفودا يفترض انها معارضة للأسد، وهي وفود سورية فقدت اي شعور بالكرامة، إذ انها لم تكلف نفسها عناء ابتكار تسميات لوفودها، بل اكتفت بتبني اسماء اسيادها: منصة موسكو ومنصة القاهرة.

مفهوم أن يلعب المعارضون السوريون، ممن قضوا أوقاتاً ممتعة في معتقلات الأسد الفاخرة (وهي غير المعتقلات الاخرى التي تلتهم السوريين)، أدواراً تقوض دور المعارضة السورية، ولكن من غير المفهوم هذا الفشل الرهيب والاداء المزري الذي يقدمه المعارضون السوريون الحقيقيون، الذين جلّ ما يفعلونه هو تقديم غطاء للأمم المتحدة، المنحازة للأسد، يظهرها وكأنها تسعى الى التوصل الى تسوية بين الطرفين.

لا يبدو أن المعارضين السوريين، الحقيقيين لا منصات عواصم العالم، يدركون المطلوب منهم، ولا يبدو انهم يعرفون ان دور المعارضة، اي معارضة، لا يقتصر على الانتقال بين ردهات الفنادق الفاخرة واستوديوهات البرامج الحوارية على الفضائيات. لا يبدو أن المعارضين يعرفون ان انجازاتهم وتأييد السوريين لهم يفرضهم على مؤتمرات السلام، في جنيف أو أستانة، وان شرعية تمثيلهم لا تأتي من دعوات المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا لهم للمشاركة في هذه المؤتمرات.

فليخرج المعارضون السورين من ردهات فنادقهم الفاخرة إلى مخيمات اللجوء. فلينظموا صفوف السوريين سياسياً، وليشاركوا في عملية إغاثة اللاجئين السوريين معيشياً وأمنياً وتعليمياً وتنظيمياً. فليعمل المعارضون السوريون على إحصاء سوريي الشتات في سجلات، ربما يمكن استخدامها كلوائح شطب في انتخابات حكومة منفى. فليجمع المعارضون السوريون التبرعات، من متمولي سوريا والعالم، وليوظفوا شركات تدقيق ومحاسبة لتقديم تقارير تثبت شفافيتهم وتبعد عنهم تهم الفساد والسفر في كابينات الدرجة الأولى.

ولتعمل المعارضة على لم شمل السوريين، مسلمين ومسيحيين وعلويين ودروز. ولتقدم خطاباً يتمحور حول الحرية والمساواة بين كل السوريين في سوريا الجديدة. ولا ضير من دفاع المعارضة عن التنظيمات الإسلامية، والتوجه الى العالم بطلب تحديد اسباب تسميته بعض الفصائل السورية المقاتلة أرهابية. المجموعات الإرهابية هي مجموعات عنفية غير حكومية عابرة للحدود، مثل داعش. لكن عندما ينحصر عنف المجموعة في موطن مقاتليها، تنتفي صفة الارهاب، وتكتسب المجموعة صفة "متمردين"، على غرار العراق الذي سعت أميركا فيه لتحييد "المتمردين العراقيين"، وأبعادهم عن "القاعدة" الارهابية العابرة للحدود. ثم تحالفت أميركا مع المتمردين ضد القاعدة لطرد الاخيرة من العراق.

إن كانت هذه الاقتراحات البسيطة متعذرة على معارضة كسولة ومعتادة على الثرثرة، في المقاهي وعلى الفضائيات، فلا ضير من التظاهر، كما يتظاهر الأسد وجماعته، إنهم أركان دولة تعمل. يسمي بشار الجعفري نفسه "الموفد الدائم للجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة"، وهو ما يشي بحرفية هي في الواقع وهمية. يتظاهر الأسد وكأنه يدير بيروقراطية جبارة، فيها مراسم رئاسة، ووزارات، ومجلس شعب، وإدارات، فيما الحقيقة هي أن الأسد يرأس نظاماً أمنياً، ويدير ميليشيات مرتزقة من الشبيحة.

لا خلاف في أن الأسد هو من أكثر المحظوظين في العالم، فهو عندما انتفض السوريون ضده، صدف أن الأميركيين طفح كيلهم من الحروب، وأن روسيا وجدت فجأة قوتها، وأن إيران حظيت برئيس أميركي عاملها بأفضل مما عامل حلفاءه. فوق كل حظوظ الأسد أن المعارضة المطالبة برحيله هي من أكثر معارضات العالم فشلاً، ما سمح له بالتفنن في تهميشها واختراقها والتلاعب بها. 

هكذا، إن كانت المعارضة السورية عاجزة عن تقديم أداء يختلف عن أدائها الحالي المزري، فلتعتزل، ولتترك أزلام موسكو والقاهرة يفاوضون حليفهم الأسد في أستانة وجنيف. لترحل المعارضة، بدلاً من أن تكون ورقة تين تغطي عورة العالم المتقاعس عن إنقاذ السوريين من المحرقة.

في المؤتمر الأول للمعارضة، وكان في أنطاليا التركية في ربيع 2011، كان المعارضون أنفسهم يجتمعون داخل صالات الفندق ويطلقون الخطابات الفارغة والمواقف السخيفة. أما في ردهات الفندق وحدائقه، كان الشباب السوري الثائر يعمل مثل خلية نحل. أقام الشباب يومها "صفحة الثورة السورية" على فايسبوك، وهي صفحة تحولت إلى مصدر أنباء ضاهى أكبر وكالات الإعلام العالمية. تواصل ثوار سوريا من الشباب مع تنسيقيات الداخل، شاركوا بدعم تنظيم التظاهرات، مالياً وإعلامياً. تواصلوا مع ممثلي المجتمع المدني الدولي، مثل جمعية "آفاز"، التي شارك ممثلون عنها في أنطاليا. 

تظاهر ثوار سوريا، غنّوا، رقصوا، رسموا، كتبوا، صوّروا، وزّعوا الورود، وماتوا. لا تليق المعارضة السورية الحالية بالثورة السورية، ولا بالثوار وتضحياتهم. للإنصاف، مازال بعض الثوار السوريين ينشطون بعيداً عن المعارضة، ولكن هؤلاء الناشطين لم يعودوا في سوريا، بل صاروا خارجها، يشاهدون سوريا تحترق والسوريين يموتون. يبكون، ونبكي معهم. 

الاثنين، 27 فبراير 2017

أميركا: القطاع الزراعي يعاني تراجع الصادرات

واشنطن - حسين عبدالحسين

وكأن الولايات المتحدة لا يكفيها تدهور قطاع الصناعة لوحده، المستمر في التراجع منذ نهاية سبعينات القرن الماضي والذي أنتج ما بات يُعرف اليوم بـ «حزام الصدأ» في الولايات التي نهضت في الماضي بسبب ازدهار الصناعة فيها، يعاني «حزام المزارع» الأميركي اليوم أيضاً من تقهقر وتقلص. وتعود أسبابه الكثيرة إلى الاحتباس الحراري أولاً، الذي سمح بزرع مساحات واسعة كانت متجمدة حتى الماضي القريب مثلاً في روسيا، وتطور التقنيات الزراعية التي أتاحت لمعظم الدول مضاعفة إنتاجها والتحول من دول زراعية مستوردة إلى مصدرة. وبسبب التغييرات في السوق العالمية، تدنّت حصة الولايات المتحدة في السوق العالمية للحبوب من 65 في المئة في منتصف السبعينات إلى 30 في المئة اليوم.

وعلى عكس قطاع الصناعة، حيث تتمتع النقابات العمالية بنفوذ سياسي واسع حملت الرئيس دونالد ترامب إلى بناء حملته على وقف تدفق اليد العاملة الوافدة الشرعية منها وغير الشرعية، بهدف توفير فرص عمل صناعية للأميركيين وحدهم، لا يتمتع مزارعو الولايات المتحدة بنفوذ سياسي يُذكر، ما عدا قطاعات إنتاج محاصيل محددة، مثل مزارعي الذرة الذين يتمتعون بدعم واسع من الحكومة الفيديرالية.

والزراعة على عكس الصناعة تتنوع في أساليبها، فبعضها يعتمد على المكننة في شكل شبه كامل، فيما يتكل بعضها الآخر على اليد العاملة خصوصاً في مواسم القطاف، ما يعني أن وعود الرئيس ترامب بالحد من تدفق اليد العاملة الاجنبية تؤذي عدداً كبيراً من القطاعات الزراعية.

وفي سياق الحد من اليد العاملة غير الأميركية، أرسلت إدارة ترامب الشرطة الفيديرالية التابعة لمكتب الهجرة لمطاردة العمّال المقيمين في شكل غير شرعي، وبلغ عدد المرحّلين في الأيام العشرين الأولى من عمر الإدارة، 683 عاملاً. وتسببت حملة ترامب ضد العمال الأجانب بإحجام عدد كبير منهم عن التنقل، حيث التزموا بيوتهم أو الأماكن التي يتسنى لهم فيها البقاء بعيداً عن أعين رجال مكتب الهجرة. وبسبب وعود ترامب بخفض الضرائب الأميركية قياسياً، وتحديداً على الشركات من 35 في المئة حالياً إلى 15 في المئة فقط، وبالتخلص من عدد كبير من القوانين الأميركية الناظمة للسوق، وبسبب إنفاق تريليون دولار على تحديث البنية التحتية وترميمها على مدى العقد المقبل، شهدت أسواق المال صعوداً أطلق عليه العاملون فيها اسم «فقاعة ترامب». وأدى ارتفاع الأسهم المالية الى ازدياد الدولار في مقابل العملات العالمية.

وهكذا، مع إحجام العاملين الأجانب عن المشاركة في سوق العمل خصوصاً المزارع، ارتفع سعر اليد العاملة الأميركية في شكل غير مسبوق، ما رفع تكلفة الإنتاج على المزارعين الأميركيين. ترافق ذلك مع زيادة في قيمة الدولار، ما جعل الصادرات الزراعية الأميركية أقل تنافسية في السوق العالمية.

وفي ظلّ العناصر التي تشكل «العاصفة المثالية» ضد قطاع الزراعة الأميركي، توقعت دراسات اقتصادية صادرة حديثاً، أن يتراجع معدل مدخول مزارعي الولايات المتحدة 9 في المئة هذه السنة مقارنة بالعام الماضي، وهي السنة الرابعة على التوالي التي تتدنى فيها مداخيل المزارعين، ما يجبر عدداً كبيراً منهم على التوقف عن ممارسة المهنة.

ويستمر تقهقر قطاع الزراعة الأميركي منذ منتصف القرن الماضي على الأقل. وكانت الزراعة بدأت التراجع لمصلحة قطاع الصناعة الصاعد، وما لبث الأخير أن بدأ يهبط مع نهاية السبعينات، لمصلحة قطاع الخدمات. وهكذا، شهدت الولايات المتحدة مع حلول عام ٢٠١٥، هبوطاً بواقع 24 في المئة في المساحة المزروعة فيها، والتي بلغت 912 مليون هكتار، وهي الأدنى منذ منتصف القرن التاسع عشر. وفي وقت يتقهقر «حزام المزارع» الأميركي بسبب سياسات ترامب، المفترض أنها تسعى إلى دعم الصناعة وتقليص «حزام الصدأ»، لا يبدو أن سياسات ترامب القاضية بالتعييب على الشركات الأميركية التي تنقل مصانعها الى دول غير الولايات المتحدة تجدي.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة «ريكسنورد» الصناعية نيتها نقل ٣٥٠ وظيفة من أميركا إلى المكسيك، ضمن اطار خطة تقضي بتوفير 30 مليون دولار سنوياً. كما تبحث شركة «كاتربيلر» والتي يجلس مسؤولوها على طاولة المجلس الاقتصادي الذي عيّنه ترامب، في إمكان نقل عدد من مصانعها في الولايات الأميركية الجنوبية إلى المكسيك المجاورة، كجزء من عصر النفقات وزيادة الأرباح.

«نمو اليد العاملة يتباطأ في الولايات المتحدة»، قالت رئيسة الاحتياط الفيديرالي جانيت يلين. وأضافت أن هذا التباطؤ «هو واحد من أسباب كثيرة، مسؤولة عن نمو اقتصادنا بوتيرة بطيئة». واعتبرت في إطلالتها الأخيرة امام الكونغرس، انه «لطالما كانت الهجرة مصدراً مهماً لنمو القوة العاملة، لذا يشكل إبطاء وتيرة الهجرة على الأرجح، إبطاء نسب نمو الاقتصاد».

هذه هي الحكمة التي يجمع عليها الاقتصاديون، لجهة أن الاقتصادات الغربية والصين، صارت تعاني من شيخوخة السكان، التي تؤدي بدورها إلى رفع تكاليف اليد العاملة، وتالياً تكاليف الإنتاج، وتجعل من الصادرات أقل تنافسية حول العالم، ما يؤثر سلباً في نمو هذه الاقتصادات.

ولطالما شعرت أميركا بأنها تتمتع بنعمة إقبال المهاجرين عليها، وهي النعمة التي يبدو أن ترامب لا يفهمها، وانه بسبب شعاراته السياسية الشعبوية غير المدروسة، يمضي في الحد من توافد اليد العاملة على الولايات المتحدة بهدف حماية الصناعة، وهو بسياسته هذه يؤذي الصناعة ومعها قطاعات كثيرة، منها الزراعة والسياحة، إذ تبحث الفنادق عمَن يعملون في خدمة الغرف من دون أن تتحول أجرة الليلة في كل فندق الى مبلغ ضخم ينفر السياح ويبعدهم.

«العقل المُدبّر» لترامب يُقلق العالم بقيادته «الجمهوري» نحو «اليمين المتطرف»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الراديكالية التي يمثلها بانون بدت جلية في إطلالته في مؤتمر «المحافظين» السنويعكس المؤتمر السنوي الذي يعقده اليمين المحافظ في الحزب الجمهوري الاميركي تبدل المزاج داخل هذا الحزب، وجنوحه نحو اليمين المتطرف، مع صعود حركة دونالد ترامب وانتخابه رئيسا للبلاد. وتحدث هذا العام في المؤتمر، الذي اختتم أعماله، اول من أمس، سلسلة من كبار مسؤولي الحزب، تصدرهم ترامب ونائبه مايك بنس. لكن الاضواء تسلطت على مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، الذي يعتبره كثيرون العقل المدبر لحركة ترامب والاب الروحي لعقيدتها المتطرفة. وأطل بانون في ندوة جمعته مع رئيس موظفي البيت الابيض، الذي يمثل الجناح المعتدل في الحزب راينس بريبس، وهي اطلالة بانون الرسمية الاولى منذ انتخاب ترامب رئيسا في 8 نوفمبر الماضي. ويمثل بانون، البالغ من العمر 63 عاما، سلسلة من التناقضات، فهو سبق ان تطوع في البحرية، قبل ان يتخرج في جامعة هارفرد المرموقة ويعمل في مصرف «غولدمان ساكس»، احد اعمدة سوق الاسهم المالية «وال ستريت». وبعد ان جمع ثروة، انتفض بانون على نفسه، وأعلن نفسه معاديا لـ «وال ستريت»، والشركات الاميركية المساهمة، وللنظام العالمي بأكمله، والعولمة. وانتقل بانون الى هوليوود، حيث عمل منتجا ومخرجا للافلام.

وفي العام 2010، أخرج بانون وثائقيا كتب نصه وحمل عنوان «الجيل صفر»، حمل فيه على «المؤسسة الحاكمة» المتمثلة بالحزبين الجمهوري والديموقراطي، واتهمهما بأنهما تحولا الى حزب واحد يحمي الشركات وكبار المتمولين على حساب الاميركيين العاديين، الذين خسروا وظائفهم بعد انتقال المصانع من أميركا الى دول حول العالم، في طليعتها الصين والمكسيك. وترافق صدور وثائقي بانون مع صعود «حركة الشاي» اليمينية المتطرفة داخل الحزب الجمهوري، التي حملت الحزب الى استعادة الغالبية في «مجلس النواب» في انتخابات 2010، وفي «مجلس الشيوخ» في انتخابات 2014، قبل استعادة الجمهوريين البيت الابيض العام الماضي.

والى سيطرة الحزب الجمهوري على البيت الابيض والكونغرس، يسيطر الحزب على 77 من 99 من «الكونغرسات» المحلية التابعة للولايات، كما ينتمي 33 من اصل 50 محافظا للولايات الى الجمهوريين.

ومع تربع الجمهوريين على رأس قيادة الولايات المتحدة بأجنحتها الفيديرالية والمحلية، اتجهت انظار مناصريهم الى الوعود التي أطلقها الجمهوريون، لناحية القضاء على قانون الرعاية الصحية الذي أقره أوباما في العام 2010، والقضاء على صناديق الرعاية الاجتماعية عموما، وتخفيض الضرائب، والغاء التشريعات بهدف تحرير الاعمال من القيود. لكن بانون ينوي الذهاب الى أبعد من ذلك، فعقيدته تنقلب على العولمة بأكملها. والعولمة والتجارة الحرة هي في صلب عقيدة الحزب الجمهوري تقليديا.

كما ينوي بانون القضاء على «المؤسسة الحاكمة» وتقويض «الدولة الادارة». هذه الراديكالية التي يمثلها بانون بدت جلية في اطلالته في مؤتمر «المحافظين» السنوي، فهو أطلق تسمية «المعارضة»، لا على الحزب الجمهوري وحده، بل على «الاعلام الاميركي» الذي اتهمه بانون بأنه مملوك من قبل «الشركات المساهمة العالمية». وقال بانون ان انسحاب ترامب من اتفاقية «الشراكة عبر الهادئ»، كانت لحظة مفصلية في التاريخ الاميركي، وان أميركا مع موعد للعودة الى «الاقتصاد القومي»، بدلا من ان تكون مجرد سوق من دون ابواب في الاقتصاد العالمي. ومع انتشار فكرة بانون عن «الاقتصاد القومي»، يبدو مفهوما معاداة المهاجرين غير الشرعيين، الذين يشغلون وظائف وضيعة في البلاد. ويعتقد بانون ان ترحيل هؤلاء يعطي وظائفهم للعاطلين عن العمل الاميركيين.

دوليا، يعتقد بانون ان النظام العالمي، الذي رعته الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أثبت فشله، وان على الغرب العودة الى القوميات المحلية، واقامة تحالفات بين هذه القوميات، ثم قيامها بالانقضاض على اعدائها، وفي طليعتهم «الاسلام الراديكالي».

هذه الافكار المتطرفة لدى الرجل، الذي يعتبر القوة الفكرية خلف ترامب تخيف الاميركيين، لا الديموقراطيين فحسب، بل الجمهوريين ممن يعتبرهم بانون من الخانعين والمشاركين في المؤسسة الحاكمة، وينوي التخلص منهم سياسيا. ويبدو ان في عقل بانون، لا مجال للتسويات، فهو لا يؤمن بالتغلب على المعارضة سياسيا، بل يؤمن بضرورة «القتال» للقضاء عليها كليا. وتنطبق فكرة بانون حول السياسة المحلية على رؤيته لكيفية تعامل أميركا مع الشؤون الدولية.

بيد ان افكار بانون تتناقض مع افكار العدد الاكبر ممن عينهم ترامب في ادارته، فالمدنيون في الادارة الاميركية هم في معظمهم من ارباب «وال ستريت» والعولمة، فيما العسكريون هم ابناء «المؤسسة الحاكمة» ممن اقسموا الدفاع عن الدولة اثناء خدمتهم العسكرية، وممن يتبنون افكارها وطرق عملها. كذلك، سبق لترامب ان وعد علنا، ومرارا، نيته الابقاء على بعض تقديمات الحكومة الفيديرالية، مثل صندوقي التقاعد والطبابة للمتقاعدين والفقراء، وهي وعود تتناقض مع رؤية بانون.

وعقيدة بانون، ومعاداته للنظام العالمي والمؤسسة الحاكمة والدولة الاميركية والاعلام ليست فريدة من نوعها، بل هي تنتمي الى مدرسة فكرية اوروبية معروفة بـ مدرسة «التقليديين»، وهي تتبع كتابات الايطالي الراحل جوليان ايفولا، الذي شكّلت كتبه في الثلاثينات منطلقا فكريا للحركات الفاشية. كما يعلن بانون اعجابه بمفكر آخر من «التقليديين»، هو الروسي الكسندر دوغين، الذي يعتبر العراب الفكري للرئيس فلاديمير بوتين، ولبرنامجه السياسي المحلي والعالمي.

وفي مؤتمر «المحافظين السنوي» الذي انعقد في فندق «غاي لورد» شرق العاصمة الاميركية، كان واضحا ان بانون هو النجم الذي غصت القاعة بالحاضرين اثناء حديثه، والذي كان يتنقل وسط حشود تلاحقه. كذلك حمل صفة نجومية كل العاملين، السابقين والحاليين، في موقع «برايتبارت» اليميني المتطرف، الذي يملكه بانون، وراحت وسائل الاعلام تطارد هؤلاء وتحاول تدبيج مقالات عنهم وعن حياتهم وآرائهم وصعود معلمهم من شخص مجهول قبل ستة اشهر الى أشهر شخصية اليوم في الولايات المتحدة.

الرئيس الأميركي يُصعّد الحرب «المفتوحة» ضد الاعلام

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تكاد العاصمة الاميركية تتوقف عن الحياة السياسية وتتفرغ لمشاغبات الرئيس دونالد ترامب وتغريداته وحربه ضد الاعلام، التي كان آخرها اقدامه بشكل غير مسبوق على حظر مشاركة صحف «نيويورك تايمز» و«بوليتيكو» و«لوس انجليس تايمز»، وشبكات تلفزيون «سي ان ان» و«بي بي سي» البريطانية، في المؤتمر الصحافي اليومي الذي يعقده الناطق باسم البيت الابيض شون سابيسر.

وانفجرت الأزمة بين ترامب والاعلام بعدما وصف الرئيس الاميركي عددا من المؤسسات على انها «اعلام مزيف»، واطلق عليها تسمية «عدوة الشعب الاميركي». وفيما ترامب يهدد ويتوعد، كشفت وسائل اعلامية ان رئيس موظفي البيت الابيض رينس بريبس تواصل مع «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) ليحض المسؤولين فيه على تكذيب قصة، وردت في عدد من الوسائل الاعلامية، وجاء فيها ان المكتب يجري تحقيقات في اتصالات اقامها عدد من مساعدي ترامب بالاستخبارات الروسية، اثناء الحملة الرئاسية الانتخابية العام الماضي.

وكان لافتا ان ترامب ومستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، بدآ باستخدام عبارة «قتال» لوصف مواجهتهم ضد الوسائل الاعلامية التي يصفونها بالمعارضة. وكلمة قتال قد تحمل دعوات الى المتطرفين اليمينيين من انصار ترامب الى التحرش باعلاميي هذه المؤسسات، والتعرض لهم، وربما ايذائهم.

وانضم الحزب الديموقراطي المعارض الى المواجهة السياسية الحامية بين ترامب والاعلام، ووجه اسئلة عبر رئاسة الكونغرس الى البيت الابيض حول اتصال بريبس بالـ «اف بي آي»، وهو اتصال يتنافى مع القوانين الاميركية اذ انه يعتبر بمثابة تدخل السلطة التنفيذية في مجريات التحقيق وصلاحيات السلطة القضائية.

وكان الديموقراطيون اعلنوا انهم، نزولا عند رغبة انصارهم، قرروا تبني سياسة مواجهة متشددة ضد ترامب وادارته. وقال مشرعون ديموقراطيون انهم لا يمانعون ان يلعبوا دور «حزب لا»، وهو اللقب الذي اكتسبة الحزب الجمهوي اثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما. وكان الديموقراطيون انقسموا الى مجموعتين، اعتبرت الاولى انه يمكن اتخاذ موقف معتدل يستقطب المعتدلين الجمهوريين ممن يتعرضون لهجوم ترامب وجناحه المتطرف، ومجموعة اخرى طالبت بخوض اقسى مواجهة ممكنة ضد ترامب وحكمه. ويبدو ان انصار المواجهة الشاملة ضد ترامب هم الذين فرضوا رأيهم، وذلك بدعم من القواعد الشعبية للحزب.

في هذه الاثناء، أطلّ ترامب في خطاب عنيف في المؤتمر السنوي الذي تعقده «لجنة العلاقات العامة للمحافظين» في الحزب الجمهوري، حمل فيه على الاعلام وعلى معارضيه. ويستمر مساعدو ترامب في تكرار الحديث عن تزوير في الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها تقنيا ولكنه حل ثانيا في التصويت الشعبي بعد كلينتون. وتحولت القضية الى مشكلة للجمهوريين دفعت بعض كبار مسؤوليهم، مثل محافظ ولاية نيوهامبشير جون سنونو، الى الطلب من البيت الابيض اثبات مزاعم الرئيس التي اشار فيها الى تزوير في الاقتراع حصل في الولاية.

الأزمة السياسية العنيفة التي تعصف بالعاصمة الاميركية صارت أزمة مفتوحة، وغير مسبوقة في نوعها، وهي صارت تعوق معظم اعمال الحكومة والكونغرس، مع ما يعني ذلك من امكانية انعكاسها على شعبية ترامب، التي ستعاني في حال فشل الرئيس في الوفاء بالوعود التي قطعها للاميركيين اثناء حملته الانتخابية، والتي تتطلب حكومة تعمل من دون تشويش وكونغرس يشرّع.

دراسة أميركية تحذّر ترامب من التحالف مع الأسد و... روسيا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

حذّرت دراسة أميركية، أعدها عشرة من كبار المسؤولين الاميركيين السابقين والباحثين من الحزبين الجمهوري الحاكم والديموقراطي المعارض، الرئيس دونالد ترامب من التحالف مع الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا تحت عنوان الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).

وجاء في الدراسة ان تحالفا من هذا النوع سيأتي على حساب تكلفة عالية في ارواح المدنيين السوريين، ولن يساهم في حل المشاكل السياسية المحركة للحرب السورية. كما ان من شأن عقد تحالف أميركي مع الأسد وروسيا لمحاربة داعش «تقوية نفوذ ايران في دمشق، في وقت تحتّم مصالح الولايات المتحدة الاخرى في المنطقة احتواء الطموح الايراني (بالتمدد) داخل معاقل العرب السنة».

وجاءت الدراسة برعاية مركز ابحاث «بروكنغز»، الذي عقد ندوة أمس خصصها للاعلان عن الدراسة في قاعة غصت بالحاضرين وتكلم فيها اربعة من المشاركين في الاعداد، هم مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأسبق جورج بوش الابن ستيفن هادلي، ووكيلة وزير الدفاع السابقة ميشال فلورنوي، وسفير أميركا السابق في اسرائيل مارتن انديك، والباحثة كريستين سيلفربرغ.

وبعدما اوردت «الراي» ان جنرالات ترامب الثلاثة - مستشار الأمن القومي اتش آر ماكماستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الأمن القومي جون كيلي - يعتقدون بضرورة اعادة التوزان بين ايران وخصومها العرب، وفي شكل أخص بين الشيعة والسنة، في الشرق الاوسط، كمدخل لأي حل يؤدي الى تثبيت الاستقرار في المنطقة، ورد في دراسة «بروكنغز» دعوات مشابهة لإعادة التوازن بين ايران وخصومها، وكأن السياسة المذكورة بدأت تلاقي رواجا في اوساط المعنيين بالسياسة الخارجية الاميركية، وكأن هذه السياسة بدأت تتحول الى اجماع في واشنطن، بعد سنوات من اصرار الرئيس السابق باراك أوباما وفريقه على التوصل الى «تسوية كبرى» تقضي بمصالحة مع ايران، وباعادة ايران الى دورها السابق للعام 1979، والذي كانت تلعب فيه دور الضامن لاستقرار المنطقة والمصالح الاميركية.

وحددت الدراسة خمس مشاكل في الشرق الاوسط هي: «ست ازمات في عموم المنطقة في ليبيا، وسورية، والعراق، واليمن، واسرائيل والفلسطينيين، وافغانستان»، و«دول فاشلة فقدت سيطرتها على مناطق ريفية ونائية سمحت لداعش والقاعدة اتخاذها مقرات لها»، و«ايران شيعية تستغل الانقسامات والتوتر داخل العالم العربي السني من اجل تحقيق اطماعها بالهيمنة»، وانهيار سعر النفط بشكل حرم بعض الحكومات العربية الموارد التي تستخدمها من اجل شراء المعارضة، ودخول روسيا عسكريا الى سورية بهدف حرمان الولايات المتحدة من العودة الى المنطقة.

وقدمت الدراسة ستة حلول رتبتها حسب اهميتها، وتصدرتها الحرب على «ارهابيي داعش والقاعدة» وتدميرهم، وهي اولوية اعلنها ترامب اصلا. يلي القضاء على داعش ضرورة احتواء أميركا «لأطماع ايران بالهيمنة، و (وقف) تذكيتها الحرب الطائفية في المنطقة، و (مواجهة) طموحاتها لحيازة اسلحة نووية». في المرتبة الثالثة في اولويات أميركا، حسب الدراسة، «تأكيد أمن حليفتنا اسرائيل، وشركائنا التقليديين في المنطقة: مصر، والأردن، والمغرب، والعربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي».

في المرتبة الرابعة في الاولويات «منع تمدد الفوضى من الشرق الاوسط الى اوروبا وافريقيا عبر اللاجئين والكوادر الارهابية». اما في المرتبة الخامسة في الاولويات الاميركية، فحلّت ضرورة «استمرار تدفق النفط باسعار مقبولة الى حلفائنا في اوروبا وآسيا، والى شريكينا التجاريين الصين والهند».

في قعر الاولويات الاميركية، تقول الدراسة، تأتي ضرورة مساندة أميركا للاصلاحات السياسية والاقتصادية في دول المنطقة، وهو ما من شأنه تأمين استقرار وثبات أكثر في المنطقة عموما.

واعتبرت الدراسة ان ولا واحدة من الاولويات التي تبنتها تقضي بشن حرب أميركية جديدة على الأرض، وان بسبب استخراج أميركا للطاقة الاحفورية، صارت الولايات المتحدة بغنى عن النفط الشرق الاوسطي، وهو ما يسمح بتوجيه هذا النفط الى شركاء أميركا ممن يحتاجونه. وتابعت ان شركاء أميركا يتحملون اعباء اكبر في الحروب اليوم، مثل في الحرب ضد داعش، التي تشارك فيها القوة الجوية الاميركية وقوات خاصة فقط، وهو نوع من المشاركة يختلف عن التورط العسكري الكبير الذي فرضه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن على القوة العسكرية الاميركية، كما يمكن توسيع التدخل الاميركي لانهاء عملية التقنين التام في المشاركة العسكرية الذي فرضه الرئيس السابق باراك أوباما.

ختاما، اظهرت الدراسة تخبطا لناحية اعتقادها ان جيلا قياديا جديدا يبرز في العالم العربي هو على عكس اسلافه، لا يوجه الغضب العربي باتجاه اسرائيل، بل يسعى للتعاون معها، من باب عداء العرب واسرائيل المشترك لايران، ومن باب اعتقاد هؤلاء القادة العرب الجدد انه يمكن لاسرائيل تأمين مصالح العرب عبر نفوذها داخل واشنطن، والى الاعلان عن العلاقات العربية مع اسرائيل، التي تبقى سرية حتى اليوم.

لكن هذه التكهنات التي قدمتها دراسة «بروكنغز» تبقى تكهنات، وتشكل صدى لما قاله رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحافي الذي تلى لقاءه ترامب في البيت الابيض، وهي تكهنات تبدو وكأنها تجافي الواقع ومن باب التمني والمناورة السياسية.

الجمعة، 24 فبراير 2017

تقرير / تصعيد إيران ضد إسرائيل يُحيّر الأميركيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ليس مفهوما لدى غالبية المسؤولين الاميركيين، الحاليين والسابقين، او الخبراء، سبب التصعيد المفاجئ الذي اعلنته ايران ضد اسرائيل، كما جاء على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله، الذي هدد بقصف مفاعل ديمونا الاسرائيلي النووي، في وقت دعا مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي الفلسطينيين الى شن انتفاضة ثالثة ضد الاسرائيليين.

ويقول المعنيون بشؤون الشرق الاوسط ان «ايران تعرف قواعد اللعبة جيدا مع اسرائيل، وتعرف الخطوط الحمر، رغم محاولتها دائما تجاوزها».

هذه الخطوط الاسرائيلية الحمراء على ايران، حسب مصادر واشنطن، هي عدم تجاوز مقاتلي ايران و«حزب الله» حدود محافظة القنيطرة السورية الجنوبية المجاورة لهضبة الجولان التي تحتلها اسرائيل. وتحاول ايران و«حزب الله»، منذ انهيار سلطة الأسد على هذه المحافظة مع بدء الثورة السورية في العام 2011، التسلل الى هذه المنطقة، واقامة بنية تحتية عسكرية يمكنها شن هجمات منها ضد اسرائيل.

وتعتقد اسرائيل، حسب الاميركيين، ان الحدود اللبنانية - الاسرائيلية مقفلة عسكريا بسبب «عقيدة الضاحية»، التي كرسها الاسرائيليون في حرب يوليو 2006، والتي قضت بالحاق اسرائيل دمارا شاملا بمناطق «حزب الله» ومناصريه، وهي معادلة صارت تردع الحزب عن شن عمليات عسكرية ضد اسرائيل خوفا من ردة فعل الاسرائيليين والدمار الهائل الذي سيلحق بمناصريه واحيائهم.

وتضيف المصادر الاميركية ان ايران رأت فرصة سانحة في انهيار سيطرة الأسد على جنوب سورية لاقامة منطقة عسكرية بديلة عن الجنوب اللبناني، لكن اسرائيل نجحت حتى الآن في اصطياد كل القوافل العسكرية المتجهة جنوبا، من سلاح ومقاتلين، حاولت ايران ارسالها الى القنيطرة، بما في ذلك نجل القائد العسكري الراحل في «حزب الله» جهاد عماد مغنية، والأسير الذي حرره الحزب في حرب 2006 سمير القنطار.

ويتساءل الاميركيون، انه في وسط الاوضاع القائمة، وفي وقت تعرف ايران ان لا ثغرات حدودية متاحة امامها لشن حرب ضد الاسرائيليين، وفي وسط انغماس ايران و«حزب الله» في الحرب السورية، «ما جدوى تهديد اسرائيل او التحريض ضدها؟»

وينقسم الاميركيون في الاجابة عن هذا السؤال، فيرى بعضهم ان تصريحات نصرالله وخامنئي موجهة للداخلين اللبناني والايراني، فيما يرى البعض الآخر ان ايران تتمنى لو انتفض الفلسطينيون لأن ذلك سيكون اداة تستخدمها ضد الاسرائيليين من دون ضرورة فتح جبهات في جنوبي لبنان او سورية. كذلك، تعتقد قلة من المسؤولين والخبراء الاميركيين ان كلاً من اسرائيل وايران تصعد كلاميا ضد الاخرى على أمل دفعها الى ارتكاب مغامرة تفتح باب مواجهة واسعة وتعديل في ميزان القوى لمصلحتها.

الاسرائيليون، حسب مقالات وتصريحات اصدقائهم في العاصمة الاميركية، يعتقدون ان تشديد الضغط على ايران وفرض عقوبات عليها بسبب «دعمها الارهاب» قد يدفع طهران الى الرد بالتصعيد في ملفها النووي، وهو تصعيد يقدم فرصة لاسرائيل، عن طريق صديقها الرئيس دونالد ترامب، للانقضاض على الاتفاقية النووية، وتاليا عودة العقوبات الدولية بموجب بنود الاتفاقية نفسها.

ويبدو ان ايران، بالطريقة نفسها، تعتقد انها في حال صعدت ضد اسرائيل، التي ترى نفسها في موقع قوة بسبب وصول رئيس أميركي متهور مثل ترامب الى السلطة، قد تقوم اسرائيل بمغامرة تفتح فيها حدود لبنان وتفتح معها المواجهة العسكرية على مصراعيها، مع امكانية التوصل لهدنة افضل من قرار مجلس الأمن 1701، الذي يفرض الهدوء على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية اليوم.

ما مدى رغبة كل من ايران او اسرائيل في التصعيد؟ وما مدى استخدام كل منهما الخطابات النارية من اجل تحقيق نقاط سياسية داخلية؟ الاجابات عن هذه الاسئلة تحيّر الاميركيين المعنيين في العاصمة واشنطن، خصوصا في ظل غياب فريق سياسة خارجية اميركي متماسك يمكنه تقديم اجابات افضل من التكهنات المتوافرة.

جنرالات ترامب يعادون ايران... بواقعية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أكمل تعيين الرئيس دونالد ترامب الجنرال ايتش آر ماكماستر مستشاره للأمن القومي التشكيلة الرئاسية المعنية بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، لينضم الى وزيري الدفاع جايمس ماتيس والأمن القومي جون كيلي. وفي ظل تراجع دور وزارة الخارجية على مدى العقود الماضية، امام صعود «مجلس الأمن القومي» التابع للبيت الابيض، والذي صار صاحب الكلمة العليا في السياسة الخارجية، وفي ظل تعيين ترامب لهاو في السياسة الخارجية هو ريكس تيلرسون، الذي يأتي من عالم الطاقة بعد ادارته شركة «اكسون» العملاقة، صار مؤكدا ان السياسة الخارجية الأميركية في زمن ترامب ستكون في قبضة جنرالاته الثلاثة.

وبدت اولى بوادر صعود الجنرالات وتراجع المدنيين في مؤتمر ميونيخ المنعقد قبل ايام، والذي شهد مشاركة ماتيس ونائب الرئيس مايك بنس، وغياب تيلرسون. وفي وقت لاحق، طار ماتيس، لا تيلرسون، الى بغداد، في اول زيارة لمسؤول أميركي رفيع الى العراق في عهد ترامب.

وجنرالات ترامب الثلاثة يعتقدون ان ايران تشكل مشكلة في منطقة الشرق الاوسط.

ماكماستر وماتيس سبق ان خدما في المارينز في العراق، ويعزو الاميركيون الى ماكماستر مشاركته في استنباط وتصميم خطة «زيادة القوات» والتحالف مع عشائر غرب العراق السنية، وتجنيدها في اطار «قوات الصحوات». وكان ماكماستر قائدا للمارينز في بلدة تلعفر القريبة من الحدود العراقية - السورية، وهو يعرف الارض التي تدور عليها الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) جيدا، ويعرف العشائر وزعماءها ومناطق انتشارها.

ومثل زملائه ممن ادوا خدمتهم العسكرية في العراق، يعتقد ماكماستر ان دور ايران مزعزع للاستقرار في العراق وعموم المنطقة، وهو كان من اول مؤيدي اعادة تشكيل الصحوات بموجب الخطة التي اقترحها رئيس الاركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي ابان بدء تشكيل التحالف الدولي العسكري ضد داعش في العام 2014. ولا يعتقد ماكماستر انه يمكن تثبيت غرب العراق او شرق سورية من دون التعاون مع العشائر السنية المنتشرة فيها، وينقل البعض انه كان من مؤيدي تسليح المعارضة السورية المسلحة، يوم أيد التسليح رئيسه السابق في العراق ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) دايفد بترايوس، وكذلك فعلت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، لتصطدم دعوة ديمبسي وبترايوس وكلينتون برفض قاطع من الرئيس السابق باراك أوباما.

ويوم حاولت واشنطن اعادة احياء «قوات الصحوات» العشائرية السنية غرب العراق، رفض رئيس حكومة العراق حيدر العبادي، ومن ورائه طهران، اي عملية تسليح لميليشيات في العراق من دون المرور بوزارة الداخلية العراقية، فلم تنجح واشنطن في تسليح العشائر السنية ولا ميليشيات البيشمركة الكردية.

وامام اصرار ايران وميليشياتها احتكار الهجوم العسكري في المناطق السنية العراقية، اذعنت واشنطن، وقدمت غطاء جويا للميليشيات العراقية عن طريق التنسيق مع حكومة العبادي. كذلك، اضطرت واشنطن لاستبدال ارسال مدربين عسكريين لإعادة تشكيل «الصحوات» بمستشارين لتدريب القوات النظامية العراقية، والمشاركة في ادارة عملياتها ومعاركها ضد داعش.

هكذا، تحول المستشارون العسكريون الاميركيون الى ضيوف لدى ايران وميليشياتها في العراق، ووجد أوباما نفسه مجبرا أكثر على مسايرة ايران، خصوصا في سورية، فانهارت خطط تدريب المعارضة السورية المعتدلة بعدما فرض فجأة، مجلس الأمن القومي على القيادة الوسطى في الجيش الاميركي، والجنرال مايكل ناكاتا الذي كان مكلفا تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، توقيع المعارضين وثائق يتعهدون فيها قتال «داعش» فقط، وهو ما ادى الى انهيار البرنامج، الذي لم ينضم اليه اكثر من 15 ألف مقاتل سوري.

لكن مع خروج أوباما من الحكم ودخول ترامب، الذي يعلن معاداته ايران ليل نهار، وبوجود تشكيلة من الجنرالات المخولين وضع سياسة أميركا الدفاعية والخارجية، من المرجح ان تحاول واشنطن العودة الى خططها السابقة، والقاضية بتسليح الميليشيات السنية، واعادة خلق توازن سني - شيعي في المنطقة.

واعادة التوازن السني - الشيعي هي النصيحة التي قدمها جايمس بايكر، وزير الخارجية الأسبق، الى الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، يوم سلمه تقرير بايكر - هاملتون لتثبيت الأمن في العراق. يومها قال بايكر لبوش ان مشكلة حرب العراق انها اطاحت بالتوزان السني - الشيعي الذي امضت اميركا الثمانينات والتسعينات في تثبيته، وان الحل يكمن باعادته. وفعلا، سلّم بوش العراق الى أوباما بعد ان اعاد التوازن الطائفي داخل البلاد، وتاليا انخفض منسوب التوتر في العراق وعموم المنطقة.

الا ان أوباما عاد واخلّ بالتوازن بتفضيله ايران الشيعية على العرب السنة، فانهار العراق مرة اخرى، على رغم محاولات الجنرالات الذين نجحوا في تثبيته، مثل بترايوس وماتيس وماكماستر وجون آلن، دفع أوباما الى التراجع عن خطة «التسوية الكبرى» مع ايران، والعودة الى سياسات موازنة القوى المختلفة.

فهل يعيد جنرالات ترامب التوزان الشيعي - السني الذي خلّفه بوش واطاح به أوباما؟ الدلائل تشير الى ان الجنرالات سيسعون الى اعادة التوازن، لكن العملية معقدة، اذ ان سحب المستشارين العسكريين الاميركيين من العراق قد ينسف التقدم ضد داعش ويعكسه، فيما العودة الى موازنة ايران قد يضع سلامة هؤلاء المستشارين الاميركيين في خطر.

«الواقعية» هي التي ستحكم سياسات جنرالات ترامب، حسب مصدر رفيع في وزارة الدفاع الأميركية، وهو ما يعني ان الجنرالات سيسعون الى اعادة التوازن السني - الشيعي في الشرق الاوسط، لكن ببطء مشوب بواقعية وتحين الفرص.

حرب السيسي على الاسلام

حسين عبدالحسين

لفتنا الشهر الماضي إقحام وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون، اثناء جلسة الاستماع المخصصة للمصادقة على تعيينه، اسم“الاخوان المسلمين” ضمن التنظيمات الارهابية التي تنوي ادارة الرئيس باراك ترامب القضاء عليها، رغم ان “الاخوان” ليس على لائحة التنظيمات الارهابية الاميركية. واعتقدنا وقتذاك ان خطوة تيلرسون لم تكن صدفة، بل انها وشت بنية ترامب شن حرب على “الاخوان”.

ومنذ ذلك اليوم، ذاعت اخبار نفر من الديبلوماسيين العرب، يتصدرهم مصريون، ممن يسعون لدى ادارة ترامب لاقناعها باضافة “الاخوان المسلمين” الى لائحة الارهاب الاميركية، وهو سعي لاقى معارضة من كبار الباحثين المعنيين بالشؤون المصرية، وفي طليعتهم اريك تراغر، من “معهد شؤون الشرق الادنى” ذات التوجه اليميني القريب من حزب ترامب الجمهوري. الخبراء الاميركيون، على اختلاف مذاهبهم السياسية، لا يرون حكمة في وضع “الاخوان” على لائحة الارهاب لاسباب متعددة، منها عدم مطابقته المواصفات القانونية الاميركية المطلوبة لتصنيف التنظيم ارهابياً، ومنها التباين بين تنظيمات مثل الاخوان، واخرى متطرفة مثل “القاعدة” و”داعش”. 

لكن المصريين من مؤيدي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وديبلوماسييه، يكررون انهم وحدهم من يفهمون “خطر الاخوان”. وفي جلسة مغلقة في واشنطن، قال مسؤول عربي ان السيسي هو اكثر من يعلم مساوئ الاخوان ونياتهم الارهابية، فرد عليه أميركي بالقول: “وهل كان السيد السيسي يعرف مساوئ الاخوان يوم وقف امام (الرئيس المصري السابق محمد) مرسي وأقسم اليمين وزيراً للدفاع؟”

طبعا الاميركيون ممن عايشوا فترة الثورة المصرية، والانقلاب الذي تلاها، يعلمون ان الاحداث المتتالية في مصر كانت عبارة عن إنقلاب أول، تلاه إنقلاب ثان. فالرئيس السابق حسني مبارك لم يعلن إستقالته ابدا، بل ان واشنطن — بالتنسيق مع فريق الجنرالين حسين طنطاوي وسامي عنان — اجبرت مبارك على تعيين مدير الاستخبارات المصرية الراحل عمر سليمان نائًبا له. بعد ذلك، ناول العسكر سليمان بيان إستقالة مبارك، فقرأه، وتسلم العسكر السلطة. لكن فريقاً آخر من الجيش المصري تعاون مع “الاخوان المسلمين”، الذين كانوا قد فازوا بالحكم في صناديق الاقتراع، للاطاحة بطنطاوي. وكان الفريق العسكري المصري الآخر المتعاون مع “الاخوان” بقيادة السيسي، الذي لم يلبث ان إنقلب على “الاخوان المسلمين”، واطاح بهم، وإنفرد بالحكم.

ومع وصول ترامب الى الرئاسة الاميركية، يعتقد السيسي انه أمام فرصة للقضاء كليا على “الاخوان”، وهو لذلك يقدم “خبرته” عن خبث هذا التنظيم، ويقدم “إسلامه” المعتدل كبديل عن إسلام التنظيم. وفي هذا السياق، وبسعي ديبلوماسي عربي، نشرت إحدى أكبر الصحف الاميركية مقالة مطولة عن أمر السيسي للأزهر بتعديل وتطوير تعاليمه، وهي مقالة صبت في خانة فريق ترامب، المؤيد الاكبر للسيسي كحليف لأميركا، من بين ثلاث دول عربية، في حربها على الاسلام.

وهنا نقول حرب ترامب على الاسلام، لا على الاسلام السياسي او التنظيمات الاسلامية المعتدلة او المتطرفة. وسبب قولنا هذا يعود الى الهرطقة التي يبثها العرّاب الفكري لحرب ترامب على الاسلام، وهو باحث اكاديمي مجري - بريطاني - اميركي يدعى سبستيان غوركا، وهو يعمل حاليا مساعداً لمستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية، العنصري الابيض المتطرف ستيفن بانون. وغوركا، الذي يطل غالبا على قناة فوكس اليمينية والذي يحاضر في الكليات العسكرية الاميركية، يعلن ان مشكلة أميركا والغرب هي مع “النص الاسلامي” الوارد في القرآن، وان حل مشكلة “الارهاب الاسلامي المتطرف” يكمن في تعديل هذه النصوص.

وغوركا لا يعرف العربية، وكل معلوماته عن الاسلام مستقاة من مصادر غربية مترجمة عن العربية، وهو لم يسبق ان زار دولا اسلامية او عربية، ولكنه مع ذلك، ينصب نفسه خبيرا في شؤون الاسلام والارهاب المنبثق عنه. ويعلن غوركا ان الاسلام، مثل الشيوعية التي كافحها والده الكاثوليكي في المجر، هي عقيدة توتاليتارية يجب التخلص منها، وهو اعلان يشبه قول مستشار ترامب للأمن القومي، المعزول مايكل فلين، الذي قال يوما ان الاسلام ليس ديناً، بل واجهة لعقيدة سياسية متطرفة.

ومن ترامب وغوركا وبانون وفلين يشعّ العداء، لا ضد “الاخوان المسلمين” والتنظيمات الاسلامية فحسب، بل ضد المسلمين انفسهم، وضد دينهم بكل تفسيراته ومذاهبه، فتمتلئ مواقع اليمينيين الاميركيين بمقالات عن كيف تنص التعاليم الاسلامية على ارتكاب “جريمة الشرف” (وهي لا تنص على ذلك)، او كيف يحرض النص القرآني على “قطع رؤوس” الاعداء المسيحيين (لا يرد ذلك في كتاب المسلمين).

ومن يشوهون الاسلام من الاميركيين والاوروبيين يتمتعون بصداقة السيد السيسي وبعض العرب، وهي صداقة تمنح مصداقية لكل التزييف الذي يقوله ترامب وغوركا وصحبهم عن الدين الاسلامي، وهو ما يحوّل حرب السيسي ضد خصومه السياسيين، اي “الاخوان”، الى حرب اميركية ضد الاسلام نفسه.

ربما لا يعرف السيسي ان حربه الصغيرة داخل مصر تغطي حربا كبيرة في الولايات المتحدة واوروبا. وربما يعتقد السيد السيسي ان العالم مثل مصر، يمكن استخدامه كعصى ضد خصومه، ثم الانقلاب عليه. لكن أميركا ليست مصر وترامب ليس مرسي، وكلّما ادرك السيسي وبعض العرب ذلك، كلما كان ذلك في مصلحتهم، وفي مصلحة العرب والمسلمين، واميركا والعالم.

الثلاثاء، 21 فبراير 2017

اللغة الترامبية

حسين عبدالحسين

لم يصل الرئيس دونالد ترامب الى الرئاسة صدفة، بل هو ثمرة التحريض الذي يتولاه الحزب الجمهوري، وخلفه كبار رجال الاعمال واصحاب المصالح الكبرى، ممن يحرّضون ضد الحكومة منذ زمن الحرب الاهلية منتصف القرن التاسع عشر. هؤلاء المتمولون الاميركيون يسعون الى اضعاف الحكومة المنتخبة، وخفض ضرائبها، وتقليص تشريعاتها التي تحمي المستهلكين والبيئة والفقراء والمتقاعدين. وكلّما ضعفت الحكومة، انفلت رأس المال من عقاله، وأمعن في احتكاره وفي استغلاله افراد الطبقات الأقل دخلا.

وترافق تحريض رأس المال الاميركي ضد الحكومة مع قيام القطاعات المختلفة بشراء الكونغرس بغرفتيه، عبر عملية منظّمة معروفة بـ"لوبي"، واستند رأس المال في عملية التحريض الى شعبوية عنصرية بيضاء ودينية مسيحية، وحرّك سكان الأرياف ضد أهل المدن، مع ما يعني ذلك من تمجيد صورة متخيلة عن القرية الاميركية الصغيرة، الطيبة، التي يعرف ناسها بعضهم البعض، والذين يخافون الله ويتكلون على انفسهم، لا على الحكومة، فيتسلحون ويعيشون في مناطق نائية على شكل مستوطنات زراعية.

وصورة الاميركي الريفي لاقت رواجاً، منذ الثمانينات. قبل ذلك، أي في الخمسينات، أطلق اليمين صورة الأميركي الأبيض المسيحي الذي يعيش في ضواحي المدن، حيث راح المقاولون يبنون مساحات شاسعة من السكن، فانتقل البيض وابناء الطبقة المتوسطة الى الضواحي، وغرقت المدن في فقرها وجريمتها.

والأميركي الريفي هو بالضروة قليل التعليم، فظّ الأخلاق، يسمي الأمور بأسمائها. والأميركي الريفي هو نقيض الأميركي المديني، المثقف والنخبوي وصاحب الاخلاق العالية، والذي يستخدم مفردات عميقة وافكاراً معقدة. الحزب الجمهوري أمعن في تمجيد الريفي الأمّي والتشهير بالمثقف النخبوي، حتى حوّل الجمهوريون مفردتي مثقف ونخبوي الى شتيمة، وكانوا غالبا ما يستخدمونها ضد الرئيس السابق الديموقراطي باراك أوباما، حامل شهادة دكتوراه القانون من جامعة هارفرد، الأرقى في العالم.

هكذا، وقف السيناتور الجمهوري، تيم كوتون، في مجلس الشيوخ، ليبدي معارضته لمشروع قانون مطروح بالقول ان "بعض الأفكار تافهة الى درجة أن المثقفين وحدهم يصدقونها". وكوتون نفسه يحمل شهادة محاماة من هارفرد النخبوية، لكن يبدو أن الشعبوية تقضي بأن يتصرف وكأنه ريفي يكره المثقفين والنخبويين.

تمجيد الأمية هذا، هو الذي أوصل دونالد ترامب الى الرئاسة. فترامب ثري ابن ثري، أفلس أكثر من ثلاث مرّات، خبرته في معظم المواضيع سطحية، عباراته طفولية، وشخصيته بحاجة الى نضوج. لكن الجمهوريين يبحثون عن أميين يثرثرون على سجيتّهم، لأن في اعتقادهم ان البساطة الفكرية تشي بصدق، فيما النخبوية تعني التلاعب بالالفاظ والتذاكي على الناس.

حصل الجمهوريون على مطلبهم، ووصل البيت الابيض أكثر رئيس اضحوكة في تاريخ العالم. تغريداته مليئة بالاخطاء الاملائية، وكذلك بيانات البيت الابيض. حتى تغريدات وزيرة الثقافة بيتسي ديفوس، والبيانات الصادرة عن وزارتها، تشوبها أخطاء لغوية. يسأل الاعلاميون ترامب عن "معاداة السامية"، يجيبهم أنه اكتسح الانتخابات. ربما لم يفهم السؤال. في اليوم التالي يسألونه عن "سي بي سي"، وهي تلخيص معروف لكتلة اعضاء الكونغرس من الافارقة الاميركيين، يسأل ترامب: "من؟".

في ظلّ اضمحلال الكونغرس العامل لدى المتمولين، ومع الرثاثة التي اصابت الرئاسة مع انتخاب ترامب، بقيت جامعات أميركا وإعلامها وحدها في المواجهة. لهذا السبب، نرى هجوم ترامب وتشهيره يتركز على الإعلام، الذي يسميه مزيفاً بشكل مستمر، على أمل ان تعلق الصفة في ذهن الناس. وبلغت الأمية بترامب وجماعته أن اقترحت مستشارته فكرة انه يقدم "وقائع بديلة" عن التي يقدمها الاعلام.

لكن الشعب الأميركي، من غير الأقلية الريفية البيضاء، يبدو انه لا يصدق ترامب، وهو ما دفع هذا الشعب الى مساندة الإعلام، فأظهرت تقارير كبرى وسائل الإعلام، مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"اتلانتيك" زيادة في أعداد القراء والمشتركين بنسب تعدت 200 و300 في المئة احياناً. فيما شهدت شبكات تلفزيون "ام اس ان بي سي" و"سي إن إن" ارتفاعاً غير مسبوق في نسب مشاهديها، وتالياً في معلنيها ومواردها.

في فيلم هوليوود الكوميدي "بروس اولمايتي" (2003)، يمنح رب العالمين قدراته للبطل جيم كاري، الذي يسخّر هذه القدرات للحصول على كل ما يرغب فيه، لكن قدراته لا تنجح في الحصول على قلب حبيبته، لأن الخالق منح الناس عقولاً وحرية اختيار، ولا ينجح كاري في خطب ود حبيبته الا بعد أن يتخلى عن قدراته، ويتعلم أن حب الناس لا يكون بالقوة. ربما على ترامب مشاهدة هذا الفيلم، الذي قد يساعده على الفهم بأن حتى رئيس الولايات المتحدة لا يمكنه فرض حبه على الناس، بل عليه ان يستحق هذا الحب. لكن فلسفة من هذا النوع قد تبدو عميقة جداً على رئيس شبه أمّي مثل ترامب، يحيا في وسط مجموعة تمجد الأمية وتقدس الجهل.

واشنطن تفقد توازنها خارجياً وتيلرسون... «صامت»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أسبوعان مضيا على المصادقة على تعيين ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية الاميركية، ومازالت وزارته حتى الآن من دون المؤتمر الصحافي اليومي المعتاد. يتحادث الوزير مع نظرائه حول العالم، يعلم الصحافيون بالمحادثات من اعلان وزارات الدول الاجنبية. مكاتب الوزارة الاميركية خالية منذ ان هجرها ديبلوماسيو الرئيس السابق باراك أوباما.

حاول تيلرسون تعيينا «يتيما» بتقديمه المخضرم اليوت ابرامز لمنصب نائب وزير، لكن الرئيس دونالد ترامب بعدما التقى ابرامز ووافق على تعيينه، تراجع عن موافقته، في الغالب بتحريض من مستشاره للشؤون الاستراتيجية سيتفن بانون، الذي قدم لترامب مقالة كان كتبها ابرامز، اثناء الترشحيات الرئاسية، انتقد فيها ترامب.

هكذا، التقى ترامب رئيسي حكومة كندا جستن ترودو واسرائيل بنيامين نتنياهو بغياب تيلرسون، وهو أمر مخالف للأعراف، وحضر بدلا عن وزير الخارجية توماس شانون، الديبلوماسي المعين في منصبه من قبل ادارة أوباما، والذي ترأس الوزارة بالوكالة في الوقت الذي تطلبته المصادقة على تعيين تيلرسون.

وهكذا، طار تيلرسون الى المانيا حيث يعقد وزراء دول مجموعة العشرين لقاء مخصصا للقمة المقررة لزعماء هذه الدول في يوليو المقبل. لم يشارك تيلرسون في التحضيرات فعليا، واكتفى ببعض اللقاءات الجانبية مع نظرائه المشاركين.

وكان تيلرسون شكل وفده الى المانيا من ثمانية ديبلوماسيين اميركيين، خمسة منهم يشغلون مناصبهم بالوكالة.

وفي الاجتماع مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، اول من امس، لم يكن مفهوما هدف تيلرسون. دخل الوفدان الاميركي والروسي القاعة، ثم تم السماح للمصورين بالدخول لالتقاط الصور وتسجيل حديث موجز للوزيرين. توجه لافروف بالتهنئة لتيلرسون امام الاعلاميين في مجاملة معروفة بين الديبلوماسيين، وعندما حان دور تيلرسون، رفض الكلام فيما تولى اعضاء في الوفد الاميركي اخراج الاعلاميين من الغرفة. وقبل خروجهم، سمع الاعلاميون لافروف يتوجه الى تيلرسون بالقول: «لماذا تخرجهم من الغرفة (قبل ان تدلي بتصريح)؟».

اذا، بلغ تدهور الديبلوماسية الاميركية ان رئيسها لا يدلي بتصريح حتى من باب المجاملة، ووصل الدرك بالوزير الاميركي والتزامه الصمت ان نظيره الروسي، المقلّ عادة في تصريحاته وابتساماته ودردشاته مع الاعلاميين، ان تفاجأ من الجلف الاميركي، وحاول حض تيلرسون على الحديث.

وتيلرسون هذا مازال يلتزم الصمت منذ اعلان تعيينه وزيرا، ولولا جلسة الاستماع امام «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ»، لكانت العامة تجهل صوته ونبرته.

وعما دار في اللقاء بين الوزيرين، يلتزم الاميركيون الصمت، لكن «الراي» علمت من مصادر ديبلوماسية أوروبية في العاصمة الاميركية، نقلا عن نظيرتها الروسية، ان «لافروف كان يستعد لتعنيف تيلرسون، خصوصا على خلفية تكرار المسؤولين الاميركيين القول ان العقوبات الاميركية على روسيا لن يتم رفعها ما لم تنه موسكو احتلالها لشبه جزيرة القرم الاوكرانية».

وكانت الموفدة الاميركية الدائمة الى مجلس الأمن نيكي هايلي اول من صرحت بربط العقوبات بانسحاب روسيا من القرم. وفي وقت لاحق، وعلى خلفية محاولته التملص من علاقته بالروس، غرّد الرئيس دونالد ترامب انه «يتوقع» ان تعيد روسيا القرم الى اوكرانيا، وهي تصريحات يبدو انها أغضبت موسكو وخيبت آمالها في بناء صداقة مع ترامب تؤدي الى رفع العقوبات الاميركية، من دون شروط، واتمام صفقة النفط مع اكسون، التي كان يترأسها تيلرسون قبل وزارته، وهي صفقة تبلغ قيمتها نصف تريليون دولار، وتقوم بموجبها اكسون وشركة روزنفت الحكومية الروسية بالتنقيب عن النفط واستخراجه في محيط القطب الشمالي.

ويبدو ان تيلرسون بدا ضعيفا وقليل الحيلة الى درجة دفعت الروس الى الاحجام عن مهاجمته. ونقل الاوروبيون عن الروس ان «لافروف شعر ان لا فائدة من تعنيف وزير لا علم لديه بالتفاصيل»، واكتفى بتقديم «نقاط الكلام» الروسية المعروفة.

ومنذ خروج أوباما من البيت الابيض وواشنطن فاقدة لتوازنها داخليا وخارجيا بالكامل. مرّ شهر على تسلم ترامب السلطة، واسبوعان على المصادقة على وزير خارجيته، لكن لا مقابلات تجرى في مبنى الخارجية مع موظفين محتملين ولا تعيينات متوقعة، بل المزيد من الضياع، وهو ما يشي بأنه للمرة الأولى منذ اكثر من نصف قرن تعيش الولايات المتحدة من دون وزارة خارجية فعليا، وتاليا من دون سياسة خارجية مفهومة.

الجمعة، 17 فبراير 2017

تداعي الحكومة الاميركية

حسين عبدالحسين

لطالما أعطت الولايات المتحدة الاميركية العالم دروسا في الديموقراطية، وقدمت نفسها مثالا في الحكم ليحتذيه البشر. ويوم انتخبت غالبية فلسطينية حركة حماس، قادت واشنطن حملة مقاطعة عالمية ضد الحكومة الفلسطينية المنتخبة، حتى بعد مشاركة سلطة محمود عباس، المرضي عنه اميركيا واسرائيليا، فيها. رفض الاميركيون خيار الفلسطينيين انتخاب حكومة اسلامية لا تعترف باسرائيل، وفاتهم — او هم تغاضوا عن قصد — عن ان في اسرائيل حكومة يهودية لا تعترف بفلسطين.

اليوم وصل التضارب بين الارادة الشعبية، من جهة، والقوانين والدساتير، من جهة اخرى، شواطئ الولايات المتحدة. انتخب اكثر من 60 مليون أميركي رجلا مهزوزا شبه أميّ رئيسا لهم. دونالد ترامب لا يعترف بالنظام العالمي بأكمله، ولا بتحالف الاطلسي، ولا بقضاة أميركا، ولا بوكالاتها الاستخباراتية، ولا بالعلم الطبي او البيئي، ولا بالاحداث، ولا بوسائل الاعالم. هو رجل يعاني من امراض نفسية تتصدرها النرجسية وحب الذات، ولكنه وصل الرئاسة بارادة شعبية وانتخابات نزيهة. هذه هي المعضلة التي تعيشها أميركا اليوم، وهي معضلة تواجه كل ديموقراطيات العالم بين الحين والآخر. 

لندع مواقف ترامب وعنصريته تجاه المسلمين او سياسته في سوريا او تجاه الصين جانبا. أدرك الاميركيون انهم انتخبوا مهرجا مسرحيا أقرب الى اضحوكة منه الى رجل دولة. مراكز الادارة الاميركية، على كل المستويات، ما تزال شاغرة، بعد اكثر من 100 يوم على انتخاب ترامب. 

بعد خروج الرئيس السابق باراك أوباما من البيت الابيض، خرجت معه الحكومة الاميركية بأكملها، وحلّ محلها ترامب وزمرة من ازلامه لا يتعدون اصابع اليد الواحدة. ازلام ترامب هم، مثل معلمهم، نرجسيون يتصارعون لتوسيع نفوذهم والتآمر على بعضهم البعض. العاملون في ادارة ترامب لا تعليمات لديهم. يستفيقون صباحا على تغريدات يكتبها رئيسهم في منتصف الليل، ويسعون في النهار لتبرير ما قاله الرئيس ولتقديم سياسات تتوافق مع آرائه التافهة.

ايران كانت اول من تنبهت الى فقدان واشنطن توازنها، فامتحنتها بتجارب صاروخية باليستية. أرعد مسؤولو ترامب وهددوا، فكررت ايران التجارب، فجاء الرد الاميركي على طراز اصحابه، باهتاً لا قيمة له. كوريا الشمالية ادركت كذلك انها امام فرصة استعراض على حساب أميركا. وعد الكوريون بتجربة صاروخ نووي. غرّد ترامب: “لن يحصل ذلك”. اطلقت كوريا الشمالية صاروخها. صمت ترامب، وشاهد ردة فعله على اطلاق الصاروخ — ربما للمرة الاولى في تاريخ الرئاسة الاميركية — حشد من الاميركيين ممن كانوا يرتادون مطعم ترامب في فلوريدا، حيث اولم الرئيس الاميركي والسيدة الاولى على شرف ضيفه رئيس حكومة اليابان وقرينته. في العادة يذهب الرئيس وحاشيته الى موقع آمن لادارة الأزمة، لكن ترامب لا يبدو انه يعرف اصلا انها أزمة. قال احد الشهود العيان ان ترامب بدا صامتا وهادئا اثناء ورود انباء اطلاق الصاروخ الكوري، في وقت سارع المستشارون اليابانيون الى عرض الاطلاق مباشرة على كومبيوتر محمول امام رئيس حكومتهم. الارجح ان ترامب لم يكن هادئا، بل كان قليل الحيلة لا يعرف اين كوريا الشمالية ولا خياراته المتاحة في التصدي لها.

وفيما يسخر الاميركيون والعالم من ترامب، وحدها بعض الحكومات العربية تسابقت لنيل رضى رئيس أميركي يبدو انه في طريقه الى الهاوية. أعلن ترامب حظر دخول المسلمين الى الولايات المتحدة، هلل له مسؤولون عرب وأيدوه، فيما كان ملايين الاميركيين، في طليعتهم قادة كنائس مسيحية ومعابد يهودية، يتظاهرون ضد ترامب وعنصريته ضد المسلمين. 

لم تتأخر رحلة ترامب الى الهاوية. القضاء انهى حظره للسفر. الاستخبارات اجبرت مستشاره للأمن القومي مايكل فلين على الاعتراف انه كذّب بنفيه الحديث مع مسؤولين روس حول العقوبات الاميركية على موسكو، فاستقال فلين بعد أقل من 25 يوما على دخوله السلطة، في سابقة في التاريخ الاميركي. 

من يعرف أميركا يعرف ان خطى ترامب لن تطول، وان التحقيق في علاقة ترامب مع الروس لن يتوقف مع خروج فلين، وان المعارضة الاميركية ستطارده في المحاكم على خلفية استغلاله موقعه لاثرائه الشخصي. سيرى العرب ممن يراهنون على ترامب ان لا ترامب، ولا صهره اليهودي الاميركي جارد كوشنر، سينفعهم.

«الخطر الإيراني» سيطر على القمة الأميركية - الإسرائيلية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في كواليس لقاء القمة الذي عقده الرئيس دونالد ترامب ورئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو في البيت الابيض، ان القسم الاعظم من اللقاء تم تخصيصه للحديث عن ايران، وان الرجلين لم يتطرقا الا لماماً للمواضيع الاخرى، مثل مفاوضات السلام المتعثرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين او الوضع في سورية.

وقال المطلعون على فحوى المشاورات بين ترامب ونتنياهو ان الاخير سيطر على اللقاء، وكان الاكثر كلاما، وان ترامب بدا مستمعا معظم الاوقات وهو يومئ برأسه. وافتتح نتنياهو اللقاء بالاشارة الى الخطر الذي تشكله ايران على وجود دولة اسرائيل، وعلى دول المنطقة في شكل عام.

وكرر نتنياهو، في اللقاء المغلق كما في المؤتمر الصحافي، ان الخوف من ايران يعم المنطقة، وانه دفع الدول العربية - خصوصا الخليجية - للتقارب مع اسرائيل للمرة الاولى منذ عقود، وان أميركا واسرائيل يجب ان تبنيا على هذا التقارب لدفعه قدما وتطويره.

لكن المتابعين شككوا بمصداقية المسؤول الاسرائيلي، وقالوا ان ايران لا تخيف دول الخليج حسبما يزعم نتنياهو، والدليل انه في الوقت نفسه الذي كان يستضيف فيه ترامب ضيفه الاسرائيلي، كان رئيس ايران حسن روحاني يزور عمان والكويت، ويبدي ايجابية تجاه المبادرة الكويتية للتقريب بين طهران والخليج.

صحيح ان هناك نوعا من التنافس بين ايران وبعض جيرانها، مثل السعودية، تقول المصادر الاميركية ان تقديرات واشنطن تشير الى تفاوت واسع بين مخاوف اسرائيل الكبيرة من ايران، وبين مخاوف العرب، وان العرب لا يعتقدون ان الخطر الايراني داهم ولا انه يدفعهم الى التعاون او التحالف مع اسرائيل.

لكن في حضرة رئيس أميركي بسيط المعرفة، قدم نتنياهو شرحا فريدا من نوعه لشؤون منطقة الشرق الاوسط، وهو شرح يتعارض حتى مع تقييم الوكالات الحكومية الاميركية للأمور في هذه المنطقة.

ويبدو ان رئيس حكومة اسرائيل يعتقد انه يمكن ان يحول ايران الى شماعة يعلّق عليها كل ما في باله، فإيران خطر تغطي على الاستيطان الاسرائيلي لاراضي الفلسطينيين وتشتت الانتباه عن العملية السلمية التي يعرقلها الاسرائيليون، وايران خطر يمكنها ان تدفع اسرائيل والعرب الى تقارب، وايران خطر يتطلب المزيد من الدعم العسكري والاميركي المالي الى اسرائيل.

ويبدو ان ترامب كان متسامحا جدا مع نتنياهو، وانه لم يقاطعه، ولم يثر معه موضوع مصادرة اسرائيل اراضي فلسطينية خاصة او مضيها في بناء الوحدات الاستيطانية. اما امام عدسات الكاميرات، فأطلق ترامب تحذيرا ناعما، وطلب من نتنياهو تفادي الاستيطان، لكن عندما سأل احد الصحافيين نتنياهو عن ردة فعله على قول ترامب هذا، تفادى رئيس الحكومة الاسرائيلي التعليق.

ختاما، تقول المصادر الاميركية ان نتنياهو حاول الربط بين «داعش» والفلسطينيين، وحاول اظهار ان الهجمات الفردية التي يقوم بها فلسطينيون ضد اسرائيليين، مثل الطعن بالسكين او الدهس بالسيارة، هي عمليات يحرّض عليها ويديرها داعش، وان اسرائيل مستعدة للانخراط في تحالف عالمي وشرق اوسطي للحرب ضد داعش.

ولأن اسرائيل هي ضد «داعش» وضد «حزب الله» اللبناني في سورية، موقفها يعني انها الاكثر تمسكا ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، او على الأقل استمرار نظامه، وهو ما يبدو انه الموقف الذي وافق عليه ترامب، وهو الموقف نفسه الذي ورثه ترامب من سلفه باراك أوباما، مع فارق ان أوباما لم يعارض نفوذ الايرانيين في سورية، الى جانب الاسد.

الثلاثاء، 14 فبراير 2017

هل يشي خروج «كبش الفداء» فلين... ببداية نهاية ترامب؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في ظلام ليل بارد، قدم مستشار الأمن القومي مايكل فلين استقالته، وخرج من البيت الأبيض، قبل أقل من مرور شهر على تسلّم الرئيس دونالد ترامب الحكم، في فضيحة يبدو أن مفاعيلها ستسيطر على العاصمة الأميركية لفترة طويلة، وسط انعدام كامل في وزن الحكومة الأميركية وغياب نفوذها خارجيا وداخليا.

وجاءت استقالة أرفع مسؤولي الادارة الاميركية وأقرب المقربين الى ترامب بعد إثبات وكالات الاستخبارات الاميركية أن فلين تحادث مع السفير الروسي في واشنطن ميخائيل كاسلك حول العقوبات، التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما على روسيا، بسبب تدخلها في الانتخابات الاميركية، عبر اختراقها حسابات إلكترونية عائدة الى سياسيين ومسؤولين في الحزب الديموقراطي.

وقبل نهاية حياته السياسية القصيرة، غرّد فلين معتبرا انه تمت التضحية به مثل «كبش الفداء»، وهو تصريح يحمل في طياته الكثير، ويشي بأنه ليس الوحيد الذي كان متورطا في المحادثات والتنسيق مع الروس اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لترامب، وبعد انتخاب ترامب رئيسا.

ويبدو أن ترامب، الذي حاول الدفاع عن فلين حتى آخر لحظة بدفعه مستشارته كيلي آن كونواي للقول إن للرئيس ثقة كاملة بفلين، قبل أقل من 7 ساعات على استقالة الأخير، رضخ للضغط السياسي الهائل الذي تعرض له من الحزب الديموقراطي المعارض والإعلام الاميركي، وحتى من داخل حزبه الجمهوري. ويبدو ان ترامب يأمل، عبر التضحية بفلين، أن يقفل ملف العلاقات بين المقربين منه وموسكو، سواء أثناء الحملة الانتخابية او بعد وصوله الى البيت الأبيض.

وكان فلين نفى أولا حدوث المحادثات عبر الهاتف مع سفير روسيا. وفي وقت لاحق، اعترف بالمحادثات، ولكنه نفى ان تكون تطرقت الى موضوع عقوبات أوباما. وأطلّ بنس عبر الاعلام الاميركي ليكرر قول فلين ان محادثات الاخير مع سفير روسيا لم تتطرق الى موضوع العقوبات. لكن الاستخبارات الاميركية، التي يبدو انها كانت تتنصت على مخابرات السفير الروسي، قدمت فحوى المحادثات حرفيا، وأكّدت انها تمحورت حول موضوع العقوبات، التي يبدو ان فلين وعد الروس برفعها مع تسلم ترامب الحكم. هكذا، اعتبر بنس ان فلين كذب عليه، فيما وجد فلين نفسه وسط الفضيحة التي أجبرته على الاستقالة.

ولم تتوقف الفضيحة عند فلين، بل يبدو انها ستطول الرئيس الاميركي نفسه، اذ مضت المعارضة، المتمثلة باعضاء الحزب الديموقراطي في الكونغرس، في توجيه تساؤلات الى البيت الابيض حول «ما الذي يعرفه الرئيس (ترامب)، ومتى عرف به»، وهو سؤال يستعيد دور الرئيس الراحل، والوحيد المستقيل في التاريخ الاميركي، الجمهوري ريتشارد نيكسون، حول معرفته بعملية خلع مكاتب الحزب الديموقراطي في ما اكتسب اسم «فضيحة واترغايت». وقال ترامب، بدوره، انه سمع عن محادثات فلين - كاسلك من الإعلام فقط.

المعارضة الاميركية لم تستكن، حتى بعد استقالة فلين، وخرج كبير اعضاء لجنة الاستخبارات في الكونغرس الديموقراطي آدم شيف للقول انه يحق للاميركيين ان يعرفوا ان كان فلين على اتصال بالروس وحده ومن دون التنسيق مع ترامب وبقية فريقه. وقد سبق لمجلس الشيوخ ان شكل لجنة تحقيقات في اتصالات ترامب او مساعديه بموسكو، بعد تقارير من وكالات الاستخبارات، الشهر الماضي، أشارت الى ان روسيا قد تكون ممسكة باوراق يمكنها ابتزاز ترامب وإدارته من خلالها.

وزاد في الطين بلّة ان وكالات الاستخبارات الاميركية، على أنواعها، تحجم عن تزويد ترامب، او العاملين في إدارته، بأي معلومات استخباراتية حساسة في حوزتها، مخافة ان تصل هذه المعلومات الى حكومات أجنبية تخاصم الولايات المتحدة، مثل روسيا.

ويبدو ان الاستخبارات الاميركية صارت تتصرف وكأن البيت الابيض نفسه تعرض لعملية زرع اجهزة تنصت، بما في ذلك «غرفة الاوضاع» في قبو الجناح الغربي التابع للمقر الرئاسي، حيث يقود الرؤساء الاميركيون اكثر الاجتماعات الأمنية حساسية او يتابعون منها العمليات العسكرية، مثل عملية قتل زعيم «تنظيم القاعدة» أسامة بن لادن في العام 2011، والتي أدارها أوباما وكبار اركان ادارته من الغرفة المذكورة.

وكانت الاستخبارات الاميركية أبدت تخوفها من «فلتان» ألسنة ترامب وأفراد فريقه بقيامها بتحذير أجهزة استخبارات حليفة، وخصوصا الاسرائيلية، من تقديم أي معلومات حساسة لادارة ترامب، مخافة وقوع هذه المعلومات في «الأيدي الخاطئة».

تجديد الصداقة الأميركية - الإسرائيلية في لقاء ترامب - نتنياهو اليوم

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يستقبل الرئيس دونالد ترامب، في البيت الابيض اليوم، رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، في لقاء يعوّل عليه الجانبان لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الحليفين، بعد التوتر الذي ساد بين الدولتين، خصوصا في الاسابيع الاخيرة من ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، الذي امتنع عن ممارسة حق الفيتو ضد قرار في مجلس الأمن دان الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية.

ويتمتع ترامب ونتنياهو بصداقة سابقة على انتخاب الاول رئيسا للولايات المتحدة. وكان نتيناهو من أوائل المؤيدين لوصول ترامب للرئاسة، وأول المهنئين له، وزيارته الى العاصمة الاميركية هي الخامسة من نوعها يقوم بها رؤساء الدول الحليفة، بعد بريطانيا والاردن واليابان وكندا.

ولرد جميل نتنياهو وتأييده، سارع ترامب الى اعلان ان ادارته تنوي نقل سفارتها من تل ابيب الى القدس، «في الاسبوع الاول لها» في الحكم. لكن الاسابيع مرت، وتحول اعلان نقل السفارة الى قول ترامب انه «يدرس» عملية النقل بجدية حتى يتخذ قراره، فيما يبدو انه تراجع واضح عن عملية نقل السفارة. كذلك، اصدر البيت الابيض بيانا أعرب فيه عن معارضته توسيع اسرائيل استيطانها في الاراضي الفلسطينية.

ويدير العلاقة بين ترامب ونتنياهو ثلاثة يهود اميركيين، هم: صهر ترامب وأقرب مستشاريه جارد كوشنر، ومرشح ترامب لمنصب سفير في اسرائيل دايفيد فريدمان، ومستشار نتنياهو رون ديرمر، والثلاثة هم من طائفة اليهود المحافظين المعروفين بالاورثوذوكس. وسبق لترامب ان أعلن ان كوشنر سيلعب دور «مبعوث سلام» للعمل على التوصل الى تسوية بين الاسرائيليين والعرب.

في السياسة، يبدو ان كل من ترامب ونتنياهو يعملان لتحصيل أكبر فوائد سياسية شخصية ممكنة من العلاقة بينهما. ترامب يعتقد انه، وهو يعلن نفسه مهندس الصفقات الصعبة، سيكون الرئيس الأميركي الذي يتوصل الى تسوية بين الاسرائيليين والعرب. اما نتنياهو، فيبدو ان سياسته لا تشذ عن القاعدة التي أطلقها وزير خارجية أميركا السابق اليهودي هنري كيسنجر، الذي قال يوما ان «لا سياسة خارجية في اسرائيل، بل منافسات داخلية على شكل سياسات».

ترامب، الذي سجّل سابقة بترشيح نفسه قبل اربع سنوات من موعد اعادة انتخابه في العام 2020، يعتقد ان بمصادقته اسرائيل، سيحوز على الصوت اليهودي الاميركي، الحاسم في ولايتين او اكثر، مثل نيويورك وفلوريدا.اما نتنياهو، فهو يجد نفسه مضطرا لمماشاة تركيبة سياسية وحكومية اسرائيلية تقترب اكثر تجاه اليمين، واليمين المتطرف، مع مرور الايام.

ويعتقد الخبراء الاميركيون ان التهديد الوحيد لنتنياهو في منصبه رئيسا للحكومة يأتي من الوزير اليميني المتطرف نفتالي بينيت، لا من أي جهة يسارية اسرائيلية، وهو ما يدفع نتنياهو الى الاتجاه نحو اليمين اكثر فأكثر، والموافقة على بناء مستوطنات جديدة في اراضي الفلسطينيين.

على انه في جعبة نتنياهو أكثر من طلبه تأييد ترامب للاستيطان، اذ يعتقد نتنياهو ان امام اسرائيل فرصة في الانفتاح على الدول العربية، وخصوصا الخليجية، في ظل خوف اسرائيل والعرب المشترك من الخطر الايراني المتصاعد. ويعتقد الاسرائيليون ان خوف العرب سيدفعهم الى الضغط على الفلسطينيين للقبول بتسوية، وان التسوية ستفضي الى معاهدات سلام اسرائيلية - عربية.

ويعمل كوشنر عن كثب مع ديبلوماسيين عرب في العاصمة الاميركية يتمتع واياهم بصداقة وثيقة. ويعتقد هؤلاء الديبلوماسيون انه من شأن التوصل لاتفاقية سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين تعزيز شعبية السلطة الفلسطينية، على حساب منافستها حكومة حركة «حماس»، المحسوبة على تنظيم «الاخوان المسلمين»، المحظور في بعض الدول العربية بتهم الارهاب.

لكن التوصل الى تسوية سلمية يبدو اسهل كلاما منه فعلا، خصوصا ان مصلحة قادة اسرائيل، وبعض قادة العرب، اقضت بالانغماس في عملية محادثات أبدية تغنيهم عن ضرورة القبول بأي تنازلات قد تضعف من شعبيتهم او تخرجهم من الحكم.

أما ترامب، فيبدو انه يسعى الى امرين متضاربين: فرض تسوية سلمية مكلفة على صعيد رصيده الشعبي مع الاسرائيليين، او دعم الاسرائيليين بشكل مطلق حتى ينال تأييد يهود الولايات المتحدة لتعزيز فرص انتخابه لولاية ثانية وتاليا التخلي عن فكرة رعاية التوصل لسلام عربي - اسرائيلي.

ولكن حتى صداقة اليهود الاميركيين مع الرئيس الاميركي يبدو انها تهتز احيانا، خصوصا بعد قيام ترامب، ومن خلفه مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، بالاطاحة بترشيح صديق اسرائيل اليهودي الاميركي المخضرم في السياسة الخارجية اليوت ابرامز الى منصب نائب وزير خارجية، وهي خطوة ازعجت حلفاء اسرائيل في العاصمة الاميركية، لكنهم أثروا التزام الصمت بهدف تفادي تعكير صفو زيارة تجديد الصداقة التي يقوم بها نتنياهو الى واشنطن.

وكان أصدقاء اسرائيل في أميركا دعوا الى تشديد الضغط على ايران بسبب «نشاطاتها المزعزعة في المنطقة»، اي تشديد الضغط على ايران وحلفائها مثل «حزب الله» اللبناني. ويعتقد الاسرائيليون ان تشديد الضغط قد يدفع ايران الى الرد بالتصعيد واختراق بنود الاتفاقية النووية، وهو ما يعطي فرصة لاميركا الى دفع المجتمع الدولي الى اعادة فرض العقوبات، حسب نص الاتفاقية، والعودة للتفاوض للتوصل الى اتفاقية جديدة بديلة.

وبين الطموحات المتضاربة للقادة المعنيين في لقاء اليوم، لا شك ان لقاء ترامب نتنياهو، والاطلالات الصحافية التي سترافقه، ستتمحور حول حديث الرجلين عن الخطر الايراني، وتوعدهما بالتصدي لايران ومنع برنامجها النووي ورعايتها المزعومة للارهاب، وهو حديث لم يعد يبدو جديا خصوصا مع التقارير المتواترة من فريقيهما، والتي تفيد بأن واشنطن وتل ابيب تسعيان الى الالتزام بالاتفاقية النووية الموقعة مع ايران، وزيادة الضغط في مجال الارهاب لدفع ايران على نقض الاتفاقية، وتاليا العودة الى المواجهة والمفاوضات معها.

الاثنين، 13 فبراير 2017

سوريا بين سياسة ترامب وعقيدته

حسين عبدالحسين

تشي تعيينات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن سياسته هي استكمال لسياسة سلفه باراك أوباما، مع بعض التعديلات التي تعيد السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى اطارها التقليدي المعروف، والذي خرج عنه أوباما بتقاربه مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وابتعاده عن حلفاء أميركا التقليديين في الشرق الأوسط.

وزير دفاع ترامب، جايمس ماتيس، هو من المخضرمين في السياسة الخارجية، وهو يرى أن على الولايات المتحدة حماية النظام العالمي، ومعاقبة المخلّين به، حتى لو كان ذلك يعني شنّ ضربات عسكرية أميركية داخل الأراضي الإيرانية. في "مجلس الأمن القومي" التابع للبيت الأبيض، عيّن ترامب العقيد المتقاعد جول رايبرن، مسؤولاً للعراق وإيران وسوريا، خلفا لروبرت مالي، صديق الرئيس السوري بشار الأسد.

ورايبرن، سبق أن خدم في العراق، ويعرف العشائر العراقية، السنية والشيعية، عن ظهر قلب، ويعرف مكامن القوة والضعف في النظام السياسي الاجتماعي العراقي، وهو كان من أكبر مؤيدي "خطة زيادة القوات"، التي قضت بالتحالف مع عشائر غرب العراق من السنة، الذين نظّموا مقاتليهم تحت لواء "قوات الصحوة". ومع ماتيس ورايبرن، تصبح عودة أميركا إلى مواجهة تمدد النفوذ الإيراني أمراً شبه حتمي.

وأمام الولايات المتحدة ثلاثة خيارات لمواجهة إيران. الأول هو مواجهة عسكرية تقليدية مباشرة. هنا، لا شك انه يمكن للقوة العسكرية الاميركية محو النظام الايراني في أسابيع. لكن هذه خطوة تعاني من معارضة غالبية الاميركيين للحرب، أي حرب. كذلك، لا أفق سياسياً لأي انتصار عسكري أميركي على ايران، بل فوضى وارتباك أميركي شبيه لما حصل في العراق.

الخيار الأميركي الثاني لمواجهة إيران هو عبر الديبلوماسية وفرض عقوبات اقتصادية. لكن العقوبات لا تؤثر في الإيرانيين ان كانت اميركية فقط لا أممية. وبناء تحالف أممي، مثل الذي أجبر ايران على توقيع الاتفاقية النووية، امر متعذر في ظلّ تجاوب إيران مع بنود الاتفاقية.

هكذا، يصبح الخيار الاميركي الثالث، والوحيد المتاح، هو الانخراط في حرب بالوكالة ضد إيران، في سوريا واليمن والعراق، وأينما تيسر. وايران، حتى اليوم، اثبتت تفوقاً في انتقاء حلفاء محليين، وتجنيدهم وتدريبهم وتمويلهم، وإدارة معاركهم، وتحقيق انتصارات إلى جانبهم. اما أميركا، فتاريخها في هذا المضمار متأرجح، ما عدا انجاز "قوات الصحوة"، وطرد "القاعدة" من العراق، وهو ما يرجح عودة واشنطن إلى هذا الخيار، خصوصا بوجود رايبارن وماتيس في القيادة الأميركية.

واذا ما انخرطت أميركا في مواجهة من هذا النوع ضد إيران، ستجد الولايات المتحدة نفسها تدعم مليشيات في سوريا تقاتل للقضاء على نظام الأسد والاطاحة به. لكن اقصاء الأسد يتنافى مع العقيدة السائدة داخل البيت الأبيض، والتي يشرف عليها مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون.

وبانون يتبنى عقيدة تعرف بعقيدة "التقليديين"، وهي مزيج من الفاشية الايطالية حسب كتابات جوليان ايفولا، والفاشية الروسية، حسب نظريات ألكسندر داغين. هذه الفاشيات تدعو إلى القضاء على النظام العالمي، والأميركي القائم، والاطاحة بالليبرالية بأكملها، واستبدال الحرية الفردية بنظريات تفوّق العرق والجنس والحضارة.

وبغياب التعاليم الليبرالية، لا تعني الهجمات الكيماوية في دمشق الكثير، ولا تقارير "منظمة العفو الدولية" عن تعذيب وقتل 13 ألف سوري في سجون الأسد، بل تتحول النظرة الغربية والاميركية إلى الأسد الى كونه رجل قوي يمكن التحالف معه ضد عدو الغرب وروسيا، أي الإسلام أو الحضارة الاسلامية بأكملها.

إذاً، الصراع بين الأجنحة داخل إدارة ترامب هو بين الليبراليين الواقعيين، من جهة، والعقائديين الفاشيين، من جهة اخرى. حتى الآن، حقق الفاشيون بقيادة بانون سلسلة من الانتصارات على الليبراليين، بلغت ذروتها مع نجاح الفاشيين بالاطاحة بترشيح المخضرم، عدو الأسد وعدو رئيس مصر عبدالفتاح السيسي، اليوت ابرامز، إلى منصب نائب وزير خارجية. ودغدغ بانون غرور ترامب بتقديمه مقالة كان قد هاجم فيها ابرامز المرشح ترامب، فتراجع الاخير عن الترشيح وسحبه. كما نجح بانون في تحجيم نفوذ مستشار الأمن القومي مايكل فلين، الذي قد يخسر منصبه بسبب "كذبه" على فريق ترامب، بما في ذلك نائب الرئيس مايك بنس، واصراره انه لم يناقش العقوبات الاقتصادية على روسيا مع السفير الروسي في واشنطن، وهو ما قدمت الاستخبارات الاميركية تسجيلات تثبت عكس ذلك لترامب وفريقه.

موقف أميركا من سوريا يتأرجح بين السياسة الخارجية التقليدية وبين فاشية التقليديين الممسكين بترامب شبه الأمي، وموقف أميركا من سوريا سيتحدد مع فوز فريق ضد آخر، او ربما فوز فريق مبدئياً وعودة الآخر فيما بعد، على غرار سيطرة "المحافظين الجدد" على الولاية الاولى للرئيس السابق جورج بوش الابن، وانحسارهم في الولاية الثانية لمصلحة السياسة الاميركية التقليدية المعروفة.

الجمعة، 10 فبراير 2017

نائبة أميركية التقت الحريري والأسد تواجه تحقيقاً داخلياً عن رحلتها

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تعرّضت عضو الكونغرس الديموقراطية عن ولاية هاواي تولسي غابارد الى ضغوطات سياسية كبيرة بعد زيارتها بيروت ودمشق ولقائها رئيس حكومة لبنان سعد الحريري والرئيس السوري بشار الاسد.

ولاحقت لجنة الشؤون الاخلاقية في الكونغرس، غابارد مطالبة إياها بالتفاصيل حول الرحلة التي كانت قامت بها بتمويل من جمعية مركزها ولاية أوهايو، والقيمين عليها من المقربين من «الحزب السوري القومي الاجتماعي». وتحت الضغط، قدمت غابارد تفاصيل الرحلة في بيان الى اللجنة، وجاء فيها انها التقت الاسد، فقرينته اسماء، فوزير الخارجية وليد المعلم، والسفير السوري في الامم المتحدة بشار الجعفري، قبل ان تلتقي الاسد مجددا قبل رحيلها من العاصمة السورية.

وكانت غابارد سافرت من واشنطن الى بيروت عبر لندن، وعادت عبر لندن ايضا. وأظهرت البيانات ان غابارد طارت في درجة رجال الاعمال، بتكلفة قاربت خمسة آلاف دولار. وبسبب الضغط السياسي الكبير، اضطرت غابارد الى تسديد تكاليف رحلتها وإعادة تقديم بياناتها.

وفِي بيروت التقت غابارد الحريري والسفيرة الاميركية إليزابيث ريتشاردز، ورافق السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم غابارد من بيروت الى دمشق، ثم الى بيروت.

وغابارد سبق ان قاتلت في صفوف الجيش الأميركي في العراق، قبل ان تصل الكونغرس وتتحول الى ابرز مؤيدي المرشح الديموقراطي السابق للرئاسة السناتور بيرني ساندرز.

وغابارد من مؤيدي الانفتاح على الاسد والتعاون معه. وجاءت زيارتها دمشق في هذا الإطار.

إلا ان اعادة تأهيل الاسد تبدو شبه مستحيلة في واشنطن، خصوصا من قبل عضو مغمور في الكونغرس، بل ان زيارة غابارد دمشق يبدو انها كبدتها خسائر سياسية ستثني اي مسؤول أميركي عن اللحاق بركبها في المستقبل.

الخميس، 9 فبراير 2017

ترامب: نحن وبوتين مجرمون

حسين عبدالحسين

مذهلة هي اجابة الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول سؤال ان كان يعتقد ان نظيره الروسي فلاديمير بوتين قاتل، عندما رد بسؤال قال فيه “اتعتقد ان بلدنا بريئة (من القتل)؟” واثار تصريح ترامب عاصفة ردود لدى الجمهوريين، الذين أطل مشرعوهم لادانة التصريح، وللاصرار ان لا مقارنة بين بلادهم، التي تقاتل دفاعا عن الحرية والديموقراطية حول العالم، و”نظام عصابات”، مثل الذي يترأسه بوتين في روسيا.

وترامب مازال على سجيته، على الرغم من تواتر تقارير تشي بأنه بدأ يعود في سياساته، خصوصا الخارجية، الى السياسات المتعارف عليها في واشنطن تقليديا، كما في ترشيحه المخضرم اليوت ابرامز لمنصب نائب وزير خارجية.

لكن مقارنة ترامب بين بلاده وفكرة ان بوتين قاتل تعكس اضطرابا لا اخلاقيا في شخصية الرئيس الاميركي، فهو كان يدافع عن اجرام بوتين بقوله ان أميركا مجرمة، وهو ما يدفع الى التساؤل اذا كان الرئيس الاميركي الجديد يعتقد ان حكومة بلاده مجرمة، فلماذا لا يسعى الى اصلاحها، بل لماذا يترأسها اصلا؟

وتصريح ترامب حول اجرام حكومة الدولة التي يترأسها يتماهى مع تصريح سابق له في مقر “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي)، قال فيه ان “للمنتصر تعود الغنائم”، معتبرا ان بلاده انتصرت في حرب العراق، وانه كان على سلفيه ان يتصرفا كمنتصرين، وان “يأخذا النفط” العراقي. ومن غير المفهوم كيف يمكن لدولة “اخذ” نفط دولة اخرى، لكن ترامب لم ينف نيته السماح بأخذ هذا النفط كجزء من خطته للقضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق”.

وترامب، الذي لا يرى مشكلة في ان تكون بلاده مجرمة، والذي لا يمانع ان تصادق ادارته انظمة مجرمة، ولا يرى مشكلة في ان تصادر حكومة أميركا الموارد الاولية في الدول التي تحتلها، هو رئيس أميركي ذو شخصية مضطربة ولا اخلاقية، وهو يشغل في الوقت نفسه منصبا رفيعا ذا نفوذ يجعله خطرا على أميركا وعلى العالم ككل.

الأمل الوحيد هو في ان تنجح المؤسسات الاميركية في لجم جموح رئيس أميركي بلا اخلاق، لم ير ضيرا في الغش في بناء امبراطوريته المالية، فتلاعب بالقوانين ولم يسدد ضرائب للحكومة، ولم يف من عملوا معه أجرتهم، واستغل نجوميته للاعتداء على النساء ممن يعملون لديه او ممن كان يقابلهم بصورة عابرة، واليوم، يتضح ان ترامب يريد ان تستولي أميركا على النفط العراقي، ويعتقد ان أميركا وروسيا هي من الدول المجرمة، وهو ما يجعل التحالف بينه وبين بوتين أمرا مقبولا.

قد تكون بعض المؤسسات الاميركية، خصوصا القضائية، نجحت في لجم جموح ترامب ونقض مرسومه الاشتراعي المعروف بـ “منع سفر المسلمين” الى الولايات المتحدة. لكن ترامب لا يبدو وكأنه ممن يتقبلون الخسارة، اذ هو مضى في التهجم على القضاة، ووعد بنقض نقضهم والعودة الى فرض مراسيمه المثيرة للجدل.

ترامب ليس وحيدا في لا اخلاقيته. الاميركيون ممن اقترعوا له، وممن تجاوز عددهم 60 مليونا، هم شركاء ايضا في لا اخلاقية ترامب، فالاخير لم ينقلب على خطابه الانتخابي، بل هو يعمل على تكريسه، على الأقل كلاميا وعلنا، فيما يتراجع عن معظم وعوده الانتخابية خلف الاضواء.

ويوم توجه اميركيون للاقتراع لترامب، كانوا يعلمون انه دعا لمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة، وانه دعا لاقامة قاعدة بيانية للمسلمين الاميركيين، ودعا لاستخدام أسلحة نووية ضد خصوم أميركا، ودعا الى “أخذ النفط” العراقي، ودعا الى القضاء على النظام العالمي الذي تقوده بلاده منذ الحرب العالمية الثانية. 

ترامب وصف أميركا وبوتين على انهم مجرمون، وهو مع ذلك مازال يتمتع بشعبية لدى فئة من الاميركيين تؤمن بأن أميركا تتصرف كخانعة ضعيفة، وان عليها العودة لاستخدام قوتها لغزو الآخرين، وقتلهم، وسرقة مواردهم. هؤلاء الاميركيون اللاخلاقيون كثر في بلادهم، لكنهم ليسوا اكثرية.

موسكو «تتخلّى» عن ترامب وتعود إلى... طهران

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لم يدم شهر العسل الاميركي الروسي طويلا بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا، وهو الذي اجمعت وكالات الاستخبارات الاميركية ان موسكو سعت بجهد لانجاحه في الانتخابات. وعلى اثر وصول ترامب الى البيت الابيض، اعتبرت روسيا ان الولايات المتحدة انقلبت في سياستها الخارجية، وان الانقلاب الاميركي من شأنه تعديل موازين القوى في العالم، بما في ذلك في الشرق الاوسط، فيسمح لموسكو بسط سيطرتها، على حساب حلفائها، مثل ايران، خصوصا في سورية.

وانتظرت روسيا الانقلاب في الموقف الاميركي تجاه موسكو، لكن الانقلاب لم يأت، بل جاء تكريس ترامب لسياسة سلفه باراك أوباما، خصوصا تجاه الروس، فأطلت الموفدة الاميركية الجديدة الى الأمم المتحدة نيكي هايلي لتقول ان بلادها لن ترفع العقوبات عن روسيا ما لم تتخل الاخيرة عن احتلالها وضمّها لشبه جزيرة القرم الاوكرانية.

تصريح هايلي كان بمثابة الرصاصة القاتلة التي انهت الود الموجز بين واشنطن وموسكو، فتراجعت روسيا عن آمالها في الاستيلاء على سورية، بمباركة أميركية، وعاد الروس لاعتبار انهم والايرانيين في صف واحد في مواجهة الاميركيين.

هكذا، تحين الروس فرصة لم تتأخر، وجاءت على لسان ترامب نفسه، الذي وصف ايران بأنها الراعية الاولى للارهاب في العالم. وعلى رغم قول ترامب في المقابلة نفسها ان واشنطن تسعى للتعاون مع موسكو، الا ان الروس تلقفوا كلام ترامب لتقديم افتراقهم عن أميركا في الموضوع الايراني، فقال المسؤولون الروس انهم لا يعتبرون ايران دولة ارهابية، بل انهم يرونها «شريكة تجارية وديبلوماسية وعسكرية» لروسيا.

وتصريح ترامب ضد ايران لم يكن الاول من نوعه، لكن ردة الفعل الروسية ضد تصريحات ترامب بخصوص ايران والارهاب كانت الاولى من نوعها، وهي تصريحات على الارجح سببها موقف أميركا في الأمم المتحدة حول القرم، لا تصريحات ترامب تجاه ايران. لكن موسكو استغلت تصريحات ترامب الاميركية لاظهار ان روسيا عادت للافتراق عن أميركا، وربما ادرك الكرملين ان انتخاب ترامب لن يعود على الروس بالفوائد التي كانوا يعتقدونها.

الافتراق الاميركي - الروسي، خصوصا في سورية، لا يعني بالضرورة عودة الرئيس بشار الأسد والقوات المتحالفة معه الى الهجوم، خصوصا في محافظة ادلب، الوحيدة المتبقية تحت السيطرة الكاملة للمعارضين للأسد ونظامه، اذ ان حسابات موسكو في سورية ليست مرتبطة بالاميركيين وحدهم، بل بالاتراك كذلك، وتحسن العلاقة الروسية - التركية يشي بأن وقف النار الساري في غالبية المناطق السورية قد يستمر، وان بهشاشة.

والافتراق الروسي - الاميركي يصب في خانة «الاخبار الجيدة» بالنسبة للايرانيين، فهم كانوا سيجدون انفسهم في وجه جبهة عالمية موحدة ضدهم، يقودها ترامب المتهور بتحريض من الاسرائيليين. لكن توزيع ترامب عداءه على الايرانيين والروس يعني ان موسكو وطهران ستستمران في تحالف الضرورة الذي يسيران فيه، منذ فترة، لاخراج الاميركيين من الشرق الاوسط واضعاف حلفاء واشنطن، قبل ان تجد القوتان الروسية والايرانية نفسيهما في مواجهة من اجل تقسيم المكاسب في المنطقة.

صحيح ان الايرانيين كانوا في موقع افضل في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، الذي حقق تقاربا غير مسبوق بين واشنطن وطهران، الا انه مازال يمكن لنظام الجمهورية الاسلامية مواجهة ترامب، الذي يستعديها، بسبب استعداء ترامب روسيا كذلك.

ختاما، اسرائيل تحرّض ترامب وادارته على خوض مواجهة ضد ايران، لكن لا يبدو ان ترامب مستعد للانخراط في مواجهة فعلية مع الايرانيين، غير التهديدات الكلامية، بسبب المزاج الشعبي الاميركي المعارض للحروب على انواعها. لذا، رأينا سقف تهديدات ترامب ومجموعته ضد ايران يتمثل باعلان عقوبات على بعض الكيانات المرتبطة بنظام طهران، ولكنها عقوبات تعرف ادارة ترامب انها لا تؤثر في الايرانيين، ولا في مجرى المواجهة المزعومة التي ينوي الرئيس الاميركي، او اسرائيل، شنّها.

الأربعاء، 8 فبراير 2017

ترامب يواصل سياسة أوباما الخارجية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ما زال الرئيس الاميركي دونالد ترامب على سجيته في تصريحاته ومراسيمه الاشتراعية المثيرة للجدل.

لكنه على ارض الواقع يبدو انه يستكمل السياسة الخارجية لسلفه باراك أوباما، التي لم تفترق كثيرا بدورها عن سياسة الرئيس الاسبق جورج بوش الابن، وهو ما يثبت انه في ما خص السياسة الخارجية، يندر ان تنقلب واشنطن على نفسها، في ما عدا حالات نادرة.

اما ابرز المؤشرات التي تدل على استمرارية السياسة الخارجية الاميركية على ما هي عليه، فجاءت مع ترشيح ترامب اليوت ابرامز، نائبا لوزير الخارجية، وهو ترشيح يتوقع ان يشهد نقاشا حاميا في جلسة الاستماع المخصصة للمصادقة عليه في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، على رغم اعتقاد غالبية المتابعين ان المصادقة نفسها ستمر بسهولة وبموافقة غالبية المشرعين من الحزبين.

ولابرامز تاريخ طويل في السياسة الخارجية يعود الى الثمانينات وزمن الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، وارتبط اسم ابرامز بفضيحة «ايران كونترا غايت»، والتي شهدت زيارة سرية قام بها مستشار الأمن القومي بد ماكفرلين الى طهران والتقى الشيخ حسن روحاني، رئيس ايران الحالي. ومقابل بيع واشنطن اسلحة الى ايران، اوعزت الاخيرة الى حلفائها في لبنان الافراج عن رهائن غربيين كانوا يحتجزونهم. ثم استخدمت واشنطن عائدات الاسلحة المرسلة الى ايران لدعم ثوار «كونترا» في نيكاراغوا، وهو ما اعطى الفضيحة اسم «ايران - كونترا غايت».

وبسبب ارتباط اسم ابرامز بالفضيحة المذكورة، خشي الرئيس الاسبق جورج بوش منحه منصبا في وزارة الخارجية، وهو ما يتطلب موافقة مجلس الشيوخ، فعين بوش ابرامز مسؤولا عن ملف الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض، وهو تعيين لا يتطلب مصادقة الكونغرس. وكان ابرامز من المحسوبين على الصقور ومن المقربين الى التيار الذي اكتسب اسم «المحافظين الجدد».

لكن على رغم تشدده في السياسة الخارجية، اشتهر ابرامز بدعمه الثابت لنشر الديموقراطية، وهو ما يجعل من تعيين ترامب له في واحد من اعلى ثلاثة مناصب في الخارجية اشارة الى تراجع ترامب عن بعض وعوده الانتخابية. ولشدة تمسكه بنشر الديموقراطية، كان ابرامز، الذي عمل باحثا في مركز ابحاث «مجلس الشؤون الخارجية» منذ انتهاء ادارة بوش الثانية في العام 2009 وحتى اليوم، في طليعة مؤيدي التظاهرات التي اكتسبت اسم «الربيع العربي».

وبسبب تمسكه بنشر الديموقراطية، وجد ابرامز نفسه في موقف متعارض مع اقرب اصدقائه، خصوصا من مؤيدي اسرائيل من الاميركيين. وابرامز نفسه من اصول يهودية، وهو من ابرز اصدقاء اسرائيل في واشنطن، لكنه افترق مع الاسرائيليين اثناء «الربيع العربي»، وكتب مرارا في دعم الثورات العربية، خصوصا في مصر، حيث تمسكت اسرائيل ببقاء الرئيس الاسبق حسني مبارك، وفي ما بعد أيدت الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، فيما عارضه ابرامز، ووقع على عرائض مع باحثين آخرين، من المحسوبين على الحزب الديموقراطي، طالبوا فيها ادارة أوباما بمحاسبة القاهرة لتجاوزاتها المتكررة في مجالي حقوق الانسان والحريات العامة.

وكان ابرامز من مؤيدي «انتفاضة الاستقلال»، التي اجبرت الرئيس السوري بشار الأسد على سحب قواته من لبنان بعد 29عاما على دخولها اليه. وابرامز من المسؤولين الاميركيين ممن زاروا بيروت، وممن عايشوا التطورات والاحداث التي رافقت التطورات اللاحقة بين العام 2005 و2009.

ويتعارض موقف ابرامز من الديموقراطية، خصوصا في مصر، مع موقف ترامب، الذي التقى السيسي في نيويورك قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية. ولطالما اثنى ترامب على السيسي، وأيد حملة السيسي ضد «الارهاب الاسلامي»، وهو ما يعني ان وجود ابرامز المحنك في ادارة ترامب قد يؤثر الى حد ما في مواقف ترامب وسياساته تجاه منطقة الشرق الاوسط.

اما الامر الوحيد الذي يتفق فيه ترامب وابرامز فهو المتعلق بايران وحلفائها في المنطقة. وكان ابرامز من ابرز المنتقدين لتهاون أوباما مع النظام الايراني، خصوصا ابان «الثورة الخضراء» في ايران العام 2009. وفي وقت لاحق، كان ابرامز من منتقدي الاتفاقية النووية مع ايران، رغم انه من غير المتوقع ان يتراجع ترامب، ولا ابرامز، عن الالتزام ببنود الاتفاقية الموقعة بين المجتمع الدولي وطهران.

ويأتي تعيين ترامب لابرامز في وقت ظهرت مؤشرات على تراجع ترامب عن ابرز وعوده في السياسة الخارجية، وتمسكه بالسياسات القائمة، تمثل في خطاب موفدته الى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي اعتبرت ان لا تراجع عن العقوبات عن روسيا من دون تخلي الاخيرة عن شبه جزيرة القرم الاوكرانية. وفي وقت لاحق، اصدر المكتب الاعلامي للبيت الابيض بيانا اعتبر فيه ان الاستيطان الاسرائيلي في اراضي الفلسطينيين امر لا يشجع على السلام، وهو ما يعتبر تراجعا لادارة دأب رئيسها على الاصرار على نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس في الايام الاولى لادارته، وهو وعد يبدو انه انهار ايضا.

الاثنين، 6 فبراير 2017

ولترامب أيضاً خطوطه الحمراء

حسين عبدالحسين

لتهديدات التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين، لم تكن تهديدات فارغة فحسب، بل من شأنها أن تكشف —في وقت مبكر من رئاسة ترامب— أن معظم تصريحاته واهية واستعراضية، لا لضعف الولايات المتحدة الاقتصادي أو العسكري، فأميركا مازالت قوية جداً ويمكنها تحطيم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران برمته خلال أسابيع، بل لأن الأميركيين يجمعون على تفادي الحرب المستقبلية.. أيّ حرب.

ويعلم ترامب أنه فاز بشعبيته الضيقة بسبب وعوده بعزل الولايات المتحدة عن العالم وشؤونه، وتركيزه على شؤون الداخل والاقتصاد والوظائف. ويعلم ترامب أنه بنى صورته على رفضه الحروب، إلى حد أنه أمعن في تكرار كذبة أنه عارض حرب العراق، في وقت كان الإعلام الأميركي يبث فيديوهات تظهر ترامب وهو يعلن تأييده لتلك الحرب.

يعلم ترامب أنه لا يمكن جمع أكثر من حفنة من الأميركيين ممن يؤيدون أي حرب، ولكنه في الوقت نفسه، وبسبب نرجسيته وجنون العظمة الذي يغرق فيه، لا يمنتع عن التصرف وكأن بإمكانه الانخراط في حرب مع الإيرانيين، ويمعن في العنتريات الكلامية اعتقاداً منه أنه يظهر افتراقاً عن سلفه باراك أوباما، الذي يبدو أن التاريخ سيتذكره كأضعف رؤساء أميركا في سياسته الخارجية.

هكذا جاءت نتيجة تهديدات ترامب الفارغة مجموعة من العقوبات على مسؤولين إيرانيين متورطين في برنامج بلادهم الصاروخي، وهي عقوبات يكاد ينعدم تأثيرها. حتى الجهات غير الإيرانية التي تبيع الإيرانيين تقنية صاروخية، لا تتأثر بالعقوبات الأميركية لأنها في الغالب هيئات لا ارتباط لها مع السوق الأميركية، لذا لا تخشى من حرمانها هذه السوق أو عزلها عن النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن.

وتهديدات ترامب الفارغة لإيران تبدو استكمالاً لسياسة أوباما الخارجية، وهو استكمال جاء بعد أيام من خطاب المبعوثة الأميركية للأمم المتحدة نيكي هايلي، الذي كرر "نقاط كلام" إدارة أوباما، خصوصاً لناحية ربط العقوبات الأميركية على روسيا باحتلال موسكو شبه جزيرة القرم. تلى خطاب هايلي بيان البيت الأبيض، الذي أبدى امتعاضاً لمواصلة اسرائيل احتلال واستيطان الأراضي الفلسطينية.

سياسة ترامب الخارجية تبدو استكمالاً لسياسة أوباما، بالضبط كما كانت سياسة أوباما الخارجية استكمالاً لسياسة سلفه جورج بوش، وهذه هي القاعدة المعروفة عن أميركا والأميركيين، إذ إن الظروف — الداخلية والخارجية — هي التي تتحكم في الرئيس أكثر مما يتحكم الرئيس بها، ومجموعة الخيارات المتاحة أمام ترامب لا تختلف عن تلك التي كانت متاحة أمام سلفه أوباما، اللهم إلا إذا أراد ترامب الإنقلاب في سياسته من دون مراعاة المزاج الشعبي المعارض للحروب، وهو ما لا يبدو أنه في نية ترامب، الذي قدم ترشيحه لولاية رئاسية ثانية قبل أربع سنوات من موعد الانتخابات، وهو من الأمور غير المألوفة في الأعراف الأميركية، ويشي بأن ترامب — مثل أسلافه — سيضع شعبيته نصب عينيه، ولن يفرط برصيده السياسي، على عكس الإنقلاب الذي وعد به أثناء حملته.

إيران تعلم أن الرغبة الشعبية الأميركية تعيق استخدام ترامب قوة أميركا الجبارة ضدها، وهو ما سمح لضباط إيران بإطلاق عنان مخيلتهم حول صواريخهم التي ستدمر الأميركيين في حال اندلاع أي مواجهة.

أما إسرائيل، فهي ستبتلع جرعة من الواقع، إذ بعدما أمل الإسرائيليون أن يسمح رئيس أميركا الأرعن لتل أبيب القيام في العلن بما كانت تقوم به ببطء وتحت جنح الظلام، وبعدما أملت إسرائيل في أن يقضي رئيس أميركا على ايران، يبدو أن ترامب ليس ترامباً، بل يبدو أنه رئيس أميركي عادي، على الرغم من مشاغباته الكلامية ومن جنون مستشاريه.

ترامب ليس ترامباً، وتهديداته لإيران ليست تهديدات، بل ترامب في سياسته الخارجية هو أوباما، وتهديداته لإيران هي مثل خطوط أوباما الحمراء في سوريا.