حسين عبدالحسين
الخطاب المتلفز لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي يغادر منصبه خلال 11 شهراً، حول الأزمة السورية، بدا خطاباً وداعياً، خصوصاً عندما تحدث عن مهلة ١٨ شهراً لاجراء انتخابات سورية حرة، فبدا حديثه من باب التوقعات لمستقبل لن يكون الوزير الاميركي مشاركاً في صناعته.
ولأن ادارة الرئيس باراك أوباما دخلت في فترة الوقت الضائع، تحولت الانظار في العاصمة الاميركية نحو الفريقين، الديموقراطي والجمهوري، اللذان يتشكلان حول مرشحي الحزبين الى الرئاسة.
في الجانب الديموقراطي، يقود جاك سوليفان، المستشار السابق لنائب الرئيس جو بايدن، عملية تشكيل فريق السياسة الخارجية للمرشحة هيلاري كلينتون. وسوليفان هو احد اثنين ممن قادا القناة الاميركية السرية مع ايران، في سلطنة عمان، في صيف العام ٢٠١٣، والتي افضت الى الاتفاقية النووية المؤقتة. وفي فريقه وندي شيرمان، الشخص الثاني سابقا في وزارة الخارجية، والتي تحولت الى الوجه الاميركي المفاوض مع الايرانيين على مدى السنوات الماضية.
وعلى الرغم من الاعتقاد ان سوليفان وشيرمان سيكملان سياسة اميركا تجاه ايران، في حال عودتهما الى الحكم مع كلينتون، وقّع المسؤولان السابقان على عريضة ضد اقتراح "التقارب" بين اميركا وايران، الذي اطلقه المرشح الديموقراطي بيرني ساندرز. وبدا موقف سوليفان وشيرمان طلاقا للحزب الديموقراطي مع سياسة أوباما الخارجية، في ايران كما في الملفات الاخرى مثل سوريا، خصوصاً مع الخروج النهائي المتوقع لفريق مشجعي الرئيس السوري بشار الأسد من البيت الابيض، من امثال ستيف سايمون وروبرت مالي.
في الجانب الجمهوري، يدور مسؤولو السياسة الخارجية في أفق مرشحين هما ماركو روبيو وجب بوش، على الرغم ان الرجلين ليسا في المرتبتين الاوليين في الانتخابات التمهيدية. والحزب الجمهوري، في حال استعادته البيت الابيض، سيظهر مواقف اقسى في مواجهة ايران وروسيا والأسد. لكن من المبالغة التوقع أن انتخاب أميركا رئيساً جمهورياً سيعني، تلقائياً، تدخلاً اميركياً عسكرياً في سوريا.
على ان تفكير المسؤولين المتوقعين لادارة السياسة الخارجية الاميركية، من الحزبين، لا ينحصر بالأزمة السورية وحدها. هكذا، يدور نقاش بين المسؤولين المستقبليين، لا حول الأسد او الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل حول متانة النموذج القمعي لهذين الديكتاتورين، وامكان انهيار نظاميهما، وانعكاس ذلك على استقرار المناطق المحيطة ببيلديهما، وعلى الأمن والسلام العالميين ككل.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة "فورين افيرز" الأميركية مقالة بعنوان "اطفاء الاضواء على نظام بوتين: الانهيار الروسي المقبل"، جاء فيها انه على الرغم من الصورة المغايرة التي يحاول ان يعكسها، فإن بوتين ضعيف بعد ارتكابه سلسلة من الاخطاء الفادحة، وضعفه يهدد استقرار روسيا بعدما انفقت أميركا عقد التسعينات وهي تسعى لثبيت الوضع الروسي.
وقدمت المقالة نموذج النظام الروسي، الذي بدا مطابقا لنموذج الأسد، والذي يعتمد فيه بوتين على قوة نخبة مالية وامنية حاكمة، الى جانب عائدات مبيعات الطاقة، والقوة القمعية لنظامه، كل ذلك معطوفاً على خطاب قومي شعبوي يهدف من خلاله الى شد العصب الروسي وابقائه مساندا للحكم.
لكن بوتين ارتكب سلسلة من الاخطاء، فهو في محاولته منع اوكرانيا من توقيع اتفاقية تعاون مع الاتحاد الاوروبي، فاقم الامور في اتجاه حرب لا ترى المجلة انه يمكنه ان يكسبها، واحتل مناطق كالقرم، ادارتها مرهقة للخزينة الروسية، ودخل في مستنقع سوريا الذي لا يلوح في الافق مخرج له. ثم فرض بوتين عقوبات على اوكرانيا والاتحاد الاوروبي واميركا وتركيا، وهي عقوبات آذت اقتصاده اكثر من تأثيرها على الدول المستهدفة.
بقاء بوتين، حسب "فورين افيرز"، صار معتمداً على القمع وحده، وهذا نموذج ضعيف ينذر باندلاع ازمة او انهيار الحكم في اي وقت.
ولأن اخطاء بوتين القاتلة شبيهة باخطاء الأسد، الذي بدد الرصيد الدولي الذي ورثه، ثم وجد نفسه معتمداً على القمع وحده، فانهار لولا مساعدة ايران وروسيا، يعتقد فريق المسؤولين الاميركيين المقبلين ان الحلول للأزمات العالمية لا يمكن ان تعتمد على هذا النوع من "انظمة البراميل"، على حد قول أحد المستشارين في الحملات الرئاسية لشؤون السياسة الخارجية.
مع الرئيس الاميركي المقبل، من الديموقراطيين كان أم من الجمهوريين، ثمة تفكير يختلف عن تبني اوباما وفريقه الساذج محاولات بوتين والأسد على انهما مقاتلا الصف الاول للغرب في وجه الاسلام الراديكالي، وان بقاءهما هو السبيل الوحيد للاستقرار.
مع الرئيس الاميركي المقبل، مستقبل "انظمة البراميل" مثل الأسد وبوتين سيكون مصدر قلق ونقاش يوجه السياسة الاميركية المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق