واشنطن - من حسين عبدالحسين
لفتت مصادر أميركية رفيعة المستوى، الى انقلاب جذري في موقف ألمانيا من الأزمة السورية، ابتعدت بموجبه برلين عن الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الاكراد، واقتربت من تركيا وحلفائها الاكراد.
وأوضحت المصادر ان برلين «عملت منذ اندلاع الثورة السورية العام 2011 على إقناع الغرب بالتسامح مع الأسد، وان وزير خارجيتها فرانك شتاينماير كان يسعى، حتى الأمس القريب، الى إعادة العلاقات معه (الرئيس السوري) وتقريب وجهات النظر بينه وبين عواصم العالم».
إلا انه يبدو ان المانيا «تخلّت عن موقفها اللين تجاه الأسد، واستبدلته بموقف أكثر صلابة»، حسبما بدا في آخر تصريحات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، التي قالت فيها انها تؤيد اقامة «منطقة آمنة» داخل سورية.
وأدى التغير في الموقف الالماني، المؤيد للأسد سابقاً، الى التقارب مع تركيا، التي كانت برلين تتهمها بالتواطؤ مع التنظيمات الاسلامية، بما فيها تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).
ويبدو ان التغيير في الموقف الالماني جاء بعد ان ايقنت برلين ان سياسية روسيا في سورية لا تسعى إلى مكافحة الارهاب عن طريق إبقاء الأسد، بل تحاول موسكو «استغلال الازمة السورية لمكاسب استراتيجية أبعد، خصوصاً لناحية مواجهتها مع اوروبا واميركا في اوكرانيا ومنطقة البلطيق».
واعتبرت المصادر الاميركية ان «التحول الكبير في الموقف الالماني جاء بعدما وجدت ألمانيا نفسها تواجه موجة نزوح سورية باتجاه الاراضي الاوروبية».
ويعتقد الخبراء الأميركيون ان احد الاسباب الرئيسة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى شن حملة عسكرية جوية في سورية هو اعتقاده ان فرار المزيد من اللاجئين السوريين الى اوروبا من شأنه ان يلوي ذراع الاوروبيين ويضعف مواقفهم في مواجهته في الموضوع الاوكراني.
وكان المعلق المعروف في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان والملياردير المقرّب من الحزب الديموقراطي الاميركي جورج سوروس، كتبا مقالَي رأي، الاسبوع الماضي، اوردا فيهما انهما يعتقدان ان بوتين يدك المدن السورية حتى يؤدي غزو اللاجئين السوريين الى تفكيك الاتحاد الاوروبي، وتالياً إضعاف احد اقوى حلفاء الولايات المتحدة.
وأدى الانقلاب في الموقف الالماني الى تطابق مواقفها مع الدول الداعمة لمعارضي الاسد، وفي طليعتها تركيا والسعودية وقطر. وراحت هذه الدول الاربع تطلب من الولايات المتحدة «بحث الخيارات العسكرية المتاحة» لمنع انهيار المعارضة السورية امام تقدم قوات الأسد وحلفائه، من جهة، وتقدم الاكراد من جهة اخرى.
ونقلت المصادر الاميركية عن مسؤولين سعوديين قولهم إنه «اذا كانت اميركا مستعدة لدعم مقاتلين اكراد لقتال داعش غرب الفرات، فالسعودية وتركيا مستعدتان لقتال داعش كذلك».
واعتبر المسؤولون الاميركيون التصريحات السعودية بمثابة غمز من قناة ان الاكراد يحصلون على دعم اميركي لقتال «داعش» ولكنهم ينفذون اجندتهم الخاصة بالتواطؤ مع الأسد وقتال المعارضة، لذا، لا مانع من ان تتدخّل قوات عسكرية لمصلحة المعارضة، في الشمال السوري، وان تدّعي انها ستقاتل «داعش» فتحصل على دعم اميركي.
وفي ظل الصورة الدولية والسورية المعقدة، ذكرت المصادر الاميركية ان ألمانيا وتركيا والسعودية اثارت مع الولايات المتحدة إمكانية التدخّل العسكرية المباشر لمصلحة المعارضة السورية، لكن الاميركيين استمهلوا حلفاءهم حتى يقوم وزير الخارجية جون كيري بديبلوماسية «الساعة الأخيرة».
وبعد صدور «بيان ميونيخ» القاضي بوقف الاعمال القتالية وإدخال المساعدات الانسانية، الاسبوع الماضي، أبلغت اميركا حلفاءها انه يمكن للديبلوماسية تفادي تطورات عسكرية، من شأنها ان تؤدي الى مضاعفات ومواجهات مسلحة مباشرة إقليمية ودولية.
على انه بعدما صار مؤكداًَ انه لا هدنة في سورية في اسبوع، على الأقل على حسب تصريحات الأسد، عاد حلفاء أميركا يطلبون منها التنسيق حول تدخل عسكري مباشر شمال سورية يمنع انهيار المعارضين.
وتضيف المصادر الاميركية انه من الافكار التي تم تداولها إقامة شريط آمن بعمق 60 كيلومتراً داخل الاراضي السورية، وهو المدى الذي يمكن ان تصله المدافع الارضية المرابضة على الحدود التركية. ويبدو ان السعودية وتركيا تعتقدان انه يمكن معادلة القوة النارية الروسية الجوية بقوة نارية ارضية مشابهة لمنع تقدم قوات الأسد والاكراد، وتسمح للمعارضين بالعودة الى مواقعهم فور توقف الغارات الروسية.
بكلام آخر، تقول المصادر الاميركية ان التفكير الاوروبي - العربي يقضي بمعادلة القوة النارية الروسية، ما من شأنه إلغاء مفعولها وتعديل ميزان القوى.
لكن واشنطن مازالت تطلب من حلفائها تفادي المواجهة مع الروس. وتشير المصادر الاميركية الى ان «حلفاءنا يعلمون انهم لن يقدموا على خطوات عسكرية من دون موافقتنا».
كذلك، تكمل المصادر الاميركية ان واشنطن اقترحت، كبديل عن اقامة المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية، ان تقيم المعارضة السورية، بدعم عربي واوروبي واميركي، منطقتها الآمنة على أنقاض داعش غرب نهر الفرات. هناك، يمكن التدخّل العسكري من دون اقامة اي حساب للمقاتلات الروسية إذ إن الاراضي السورية غرب الفرات تخضع لسيطرة مقاتلات أميركا وحلفائها.
غربستان وشرقستان، هو السيناريو الذي سبق ان نقلته «الراي» قبل ايام عن غرفة العمليات المشتركة بين روسيا وايران والأسد و«حزب الله»، وهو السيناريو الذي يبدو ان الولايات المتحدة تؤيده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق