حسين عبدالحسين
في الشق المخصص للسياسة الخارجية في الندوة بين مرشحي الحزب الديموقراطي للرئاسة هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، حاولت كلينتون التباهي بخبرتها كوزيرة خارجية سابقة بالقول انها هي التي صممت السياسة الاميركية تجاه ايران، وانها هي التي أقامت تحالفاً دولياً لفرض عقوبات اممية على طهران، ثم فتحت حواراً اميركياً معها.
مفهوم، في ليلة انتخابية، ان يتسابق المرشحون الى نسبة اعمال سابقة الى انفسهم، لكن المشكلة تكمن في ان الاميركيين يصدقون رواية أوباما وكلينتون حول الانقلاب، الذي يفترض انهما قاداه في السياسة الخارجية، وهو زعم غير صحيح.
ومن يراجع ارشيف العقد الماضي، سيرى ان خمسة من اصل تسعة قرارات عقوبات اقتصادية في مجلس الأمن صدرت في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، اي قبل وصول أوباما الى البيت الابيض مطلع العام 2009. كذلك، من يراجع الارشيف نفسه، سيرى ان أول من أرسل موفدا اميركيا للمشاركة في مفاوضات مجموعة خمسة زائد واحد هو بوش، الذي اوفد وكيل وزير الخارجية السابق وليام بيرنز للمشاركة في المحادثات في جنيف. وكان ذلك في 20 تموز يوليو 2009.
وكما في السياسة تجاه ايران، كذلك في معظم السياسات الخارجية الاخرى، لم يبتكر أوباما الكثير، فسياسة “الانخراط” مع الرئيس السوري بشار الأسد، التي بدا وكأنه من باشر بها، كانت بدأت فعليا مع قيام وزيرة خارجية بوش كوندوليزا رايس بدعوة نظام الأسد للمشاركة في مؤتمر سلام انابوليس صيف 2007.
وفي ندوة في مركز أبحاث هدسون في 2009، اتهم مساعد وزيرة الخارجية السابق ومستشار امين عام الامم المتحدة حاليا جيفري فيلتمان اسرائيل بفتحها الباب للأسد للخروج من العزلة الدولية، التي كانت مفروضة عليه منذ حادثة اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في العام 2005، بدخولها بمفاوضات سلام مع الأسد.
وكما في ايران وسوريا، كذلك في العراق، لم يلتزم أوباما ما وعد به، لناحية سحب القوات في الاشهر الستة التي تلت توليه الحكم مطلع العام 2009، بل انه طرد مستشارة حملته الرئاسية للشؤون الخارجية سامنتا باور لقولها صراحة ان مهلة ستة اشهر كانت وعداً انتخابياً، وان أوباما في حال انتخابه رئيساً سيستمع الى ضباطه ويأخذ بنصيحتهم حول موعد الانسحاب، وهو ما حصل، اذ لم ينسحب الاميركيون من العراق حتى نهاية العام 2011، اي بعد ثلاث سنوات على بدء رئاسة أوباما.
كل هذه الامثلة تشير الى ان السياسية الخارجية للولايات المتحدة لا يصنعها الرئيس وحده. صحيح ان للرئيس الاميركي التأثير الاكبر والكلمة الفصل، الا ان السياسة الخارجية الاميركية يصنعها مزيج معقد من الطبقة الحاكمة والرأي العام والبيت الابيض، والدليل ان جزءاً لا بأس به من سياسات أوباما الخارجية كانت في الواقع إستمراراً لسياسات سلفه جورج بوش.
وعلى الرغم من ان الكثيرين يعتقدون ان انقلاباً جذرياً مقبلاً مع انتخاب هذا المرشح الرئاسي الاميركي او ذاك، الا ان التجربة تشير الى انه بغض النظر عن هوية الرئيس المقبل، من المرجح ان تبقى سياسة أميركا تجاه الشرق الاوسط — وخصوصا سوريا — على ما هي عليه، على الأقل في السنة الاولى لتولي الرئيس الجديد منصبه.
حتى جورج بوش الابن، الذي يتحمل اكبر مسؤولية في الذهاب الى الحرب في العراق، لم يشن الحرب وحده، بل ساندته في قرار شنها غالبية من الاميركيين تراوحت من صحيفة “نيويورك تايمز” الليبرالية وافتتاحياتها، الى الليبرتاريين الجمهوريين المعارضين للحروب عادة. طبعا في وقت لاحق، وقعت المصيبة وتحول الجميع الى جلادين، لكن الواقع يبقى ان حرب العراق مسؤولية اميركية جماعية تنصل غالبية المسؤولين عنها من مسؤوليتهم وألقوها على بوش وحده.
على ان الرئيس الاميركي هو الذي يحدد شكل النقاش حول السياسة الخارجية، ويتمتع بمقدرة الانحراف باتجاه او آخر، وان يأخذ في إنحرافه اميركا بشكل عام خلفه، على غرار إنجرار اميركا خلف بوش في دخول الحرب في العراق.
ان سوء سياسة أوباما الخارجية تدفع الجميع الى الاعتقاد ان اي رئيس مقبل سيقدم سياسة خارجية أفضل، وهذا صحيح، لكن الاعتقاد ان انقلاباً جذرياً سيطال السياسة الاميركية بعد رحيل أوباما هو اعتقاد مبالغ فيه الى حد كبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق