| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
منذ توقيع الاتفاقية النووية مع طهران، حوّلت واشنطن «حزب الله» اللبناني الى ما يشبه كيس الرمل الذي تسدد ضده الضربات السياسية ارضاء لمعارضي الاتفاقية النووية من الاميركيين. هكذا، لم تفصل اسابيع قليلة توقيعين مهرهما الرئيس باراك أوباما، الاول لقانون «حظر التمويل الدولي لحزب الله»، والثاني لسلسلة المراسيم التنفيذية التي ألغى بموجبها مفاعيل مراسيم سابقة كانت تفرض عقوبات مالية واقتصادية على حكومة الجمهورية الاسلامية في ايران.
والمفارقة تكمن، حسب المعارضين، في ان أوباما وقّع على عقوبات قد تؤذي حكومة لبنان ومصارفه، وفي الوقت نفسه منح ايران مئات المليارات من الدولارات، ما من شأنه ان يسمح لطهران باغراق «حزب الله» بتمويل اكبر بكثير مما يمكن للقانون الموجه ضد «حزب الله» ولبنان حجبه.
على انه في الوقت نفسه الذي تجعل واشنطن من لبنان كبش فداء لتمرير الاتفاقية الايرانية، يبدو ان الادارة الاميركية تحاول ان تجعل من لبنان حقل تجارب في اطار التقارب الذي تسعى لتنفيذه مع الايرانيين في الاشهر الاحدى عشرة الاخيرة المتبقية من حكم الرئيس أوباما.
هكذا، تتناقل الاوساط الاميركية تقارير مفادها ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري «بادر للاتصال بنظيره الايراني جواد ظريف للتباحث في المجالات التي يمكن للبلدين تحسين علاقتهما فيها، كجزء من عملية بناء الثقة بينهما».
وتوضح المصادر أن لبنان يتصدر هذه «المجالات» التي تعتقد واشنطن انه يمكنها ان تتعاون فيه مع الايرانيين، وان يؤدي التعاون في لبنان الى توليد ايجابية تتم اضافتها الى ايجابية في اماكن اخرى، مثل في العراق وفي «الحرب ضد الارهاب».
ويبدو ان الادارة الاميركية تعتقد انه كلّما ازدادت مجالات التعاون السياسي والديبلوماسي مع الايرانيين، ساهم ذلك بتعزيز العلاقة بين البلدين.
ويمكن للادارة الاميركية اظهار ليونة اكثر من المعتاد في لبنان، فالبلد لا يشكل اهمية استراتيجية بالنسبة لواشنطن، التي لم تمانع قبل سنة او اكثر في ان يتولى «حزب الله» اليد العليا امنيا، مقابل الحفاظ على استقرار البلد.
وينقل بعض المعارضين للادارة الاميركية ان لواشنطن قنوات غير مباشرة مع «حزب الله»، غالبا عن طريق «عسكريين وامنيين لبنانيين».
توسيع التعاون مع «حزب الله» ليشمل، الى جانب الاستقرار الامني في لبنان، انفراجات سياسية، هو ما تسعى اليه واشنطن. لهذا السبب، حاول كيري التوصل مع ظريف الى «خطة عمل» تأخذ لبنان الى الخطوة التالية لتثبيت وضعه الامني القائم لتشمل تقديم غطاء سياسي لانفراجات على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وهو منصب شاغر منذ 19 شهرا، الى جانب «تشكيل حكومة وحدة وطنية تنفذ اصلاحات سياسية واقتصادية يحتاجها اللبنانيون بشدة»، حسب المصادر الاميركية.
وتتابع المصادر انه «لطالما كانت السياسة التقليدية للادارات (الاميركية) المتعاقبة هو دعم حكومات الدول، التي يمكنها تثبيت الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي»، وفي العقدين الاخيرين، «المشاركة في الحرب الكونية ضد الارهاب».
كذلك تقول المصادر نفسها انه منذ حكم الرئيس السابق جورج بوش الابن، حاولت واشنطن والعواصم المعنية بالشأن اللبناني التوصل الى تسوية ينخرط بموجبها مقاتلو «حزب الله» بالقوى الامنية اللبنانية، على غرار ما فعلت الميليشيات اللبنانية بعد انتهاء الحرب الاهلية في البلاد في العام 1990.
وتضيف المصادر الاميركية ان «حزب الله منخرط اصلا في الدولة اللبنانية، ولديه نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة، وهناك تنسيق بين ميليشيا الحزب والقوات الامنية اللبنانية. لذا، تعتقد واشنطن ان المزيد من التنسيق بين الحكومة اللبنانية والحزب المؤيد لايران يصب في مصلحة انخراط الحزب في الدولة».
على ان المدى الذي ينخرط فيه «حزب الله» بالدولة اللبنانية يعتمد على «مدى موافقة ايران على ذلك»، وهو ما يبدو ان كيري يعمل عليه بالتنسيق مع ظريف.
وتختم المصادر الاميركية ان كيري يدرك ان ظريف «لا يملك حزب الله، ولكن لظريف نفوذا في طهران، ويمكنه ان يستخدم نفوذه لتنفيذ هذا النوع من التقارب الذي يعمل عليه الوزير الايراني والرئيس حسن روحاني منذ انتخابه في العام 2013».
لماذا لم يؤدِ التنسيق بين كيري وظريف الى انتخاب رئيس لبناني حتى الآن؟ تجيب المصادر الاميركية ان «الغطاء الاقليمي والدولي لانتخاب رئيس لبنان متوافر منذ زمن، لكن العلة الوحيدة تكمن في تعذر الاتفاق بين اللبنانيين انفسهم».
هناك فرق بين فتح الطريق امام اللبنانيين لانتخاب رئيس، حسب الاميركيين، وقيام كل طرف اقليمي ودولي بممارسة ضغوط على الفرقاء اللبنانيين المحسوبين عليهم لفرض انتخاب رئيس ما. وتوضح المصادر أنه «حتى الآن. هناك توافق دولي وإقليمي على السماح للبنانيين بانتخاب رئيسهم، لكن لا ضغوطات لفعل ذلك… ربما على اللبنانيين ادراك ان مصلحتهم تتوقف عليهم من دون الرعاية الخارجية في بعض الاوقات».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق