واشنطن - من حسين عبدالحسين
في أيامها الأولى في الحكم، طلبت إدارة الرئيس دونالد ترامب من المعارضة السورية العمل مع الروس، والتوقف عن المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، والتركيز على محاربة تنظيم «داعش»، حسب كتاب «روليت روسي»، الصادر أمس، عن صحافيين أميركييْن مرموقين هما مايكل ايزيكوف وديفيد كورن.
ويسرد الكتاب تفاصيل علاقة ترامب بموسكو، مستنداً إلى سلسلة من المقابلات التي أجراها الرجلان مع عدد من كبار المسؤولين في الإدارتين الحالية والسابقة، ومع المعنيين بالشؤون الدولية في العاصمة الأميركية.
وجاء في الكتاب انه بعد أيام على تعيين ترامب مستشاره للأمن القومي مايكل فلين في منصبه، اتصل فلين بأحد داعمي المعارضة السورية من المقيمين في واشنطن، وقال له «سيكون علينا أن نعمل مع روسيا». استراتيجية ترامب حول سورية، كما قدمها فلين للمعارضة السورية، كانت تقوم على «التخلي عن مطلب رحيل الأسد المسبق، الذي كانت ادارة الرئيس (السابق باراك) أوباما قد تبنته، والتركيز على تدمير (داعش) وقاعدته في مدينة الرقة السورية، وهو هدف قال فلين ان افضل طريقة لتحقيقه تكمن في التنسيق عسكرياً مع روسيا».
ووفقاً للكتاب، كان فلين قد ناقش مسبقاً هذه السياسة مع سفير روسيا (السابق) في واشنطن سيرغي كيسيلياك، وانه أثناء حديثه مع المعارض السوري، تحدث بحرية عن محادثاته مع السفير الروسي.
وينقل الكتاب عن الناشط في واشنطن المؤيد للمعارضة السورية أن فلين «كان يتحدث مع كيسلياك بكثرة».
ويشير إلى أن أحاديث فلين وكيسلياك أصبحت أمراً مألوفاً إلى درجة أن فلين، الآتي من دائرة الاستخبارات العسكرية، يبدو أنه نسي أن كل محادثاته مع السفير الروسي كانت مراقبة.
«في الوقت الذي كان فلين، باسم ترامب، يتواصل مع الروس من أجل التوصل الى تسوية في سورية»، حسب الكتاب، «كان وزير الخارجية جون كيري قد فقد الأمل من العمل مع موسكو». في صيف 2016، اعترض كيري مراراً داخل إدارة أوباما على إمكانية قيام الولايات المتحدة بأي خطوات - من قبيل تسليح وتدريب المعارضين السوريين - من شأنها أن تتعارض مع مجهوده الساعي للتوصل إلى تسوية للحرب السورية الدموية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
لكن مع حلول الخريف، أدرك كيري أن لا جدوى من مساعيه. ومع ازدياد الغضب في صفوف زملائه الديموقراطيين، خصوصاً من أعضاء الكونغرس، ضد روسيا على خلفية تدخلها في مجرى الانتخابات الاميركية، ابتكر كيري فكرة فتح تحقيق للكشف عن هذه التدخلات.
ويروي الكتاب ان بعض العاملين في إدارة أوباما أرادوا مواجهة روسيا بشكل قاس، لكن الرئيس السابق رفض القيام بما قد يبدو ردة فعل حزبية بسبب خسارة الديموقراطيين الانتخابات. على أن أوباما وفريقه عكفا على تثبيت الأدلة الاستخباراتية خوفاً من أن يخفيها ترامب بعد دخوله البيت الابيض، فراح العاملون في الادارة السابقة يجرون جلسات يطلعون فيها أعضاء الكونغرس على الدلائل الاستخباراتية السرية حول التدخل الروسي. كما ابتكر فريق الرئيس السابق وسيلة قام بموجبها المسؤولون بكتابة الدلائل في ايميلات وجهوها الى أنفسهم ومنحوها تصنيفاً سرياً، وهو ما يمنع تدميرها إلا بأمر من المحكمة، وذلك بعد اطلاع المحكمة عليها، وهو ما يعني إعادة القاء الضوء على هذه الادلة. وفي السياق، لفت الكتاب الى انه أثناء مكالمة هاتفية بين ترامب ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي في ربيع 2017، سأل الأخير ترامب عن موضوع التحقيقات في إمكانية تورطه مع الروس، حسبما ينقل الكاتبان عن مسؤولين حاليين في البيت الأبيض، ويضيفان «أن يقوم زعيم أجنبي بالتطرق الى موضوع التحقيق الروسي أغضب ترامب الى أقصى حد».
الكتاب شيّق ويتضمن سلسلة من الروايات المثيرة للاهتمام، ويأتي في وقت لا يزال الرئيس الاميركي يصارع التحقيق والمحققين، ويبحث عن وسائل للتخلص منهم أو القضاء عليهم. كما يأتي الكتاب في وقت تتراكم الادلة التي تشير الى انحياز الرئيس الاميركي، بشكل غير مبرر، الى موسكو، فهو رفض حتى الآن فرض أي من العقوبات التي أقرها الكونغرس، بإجماع الحزبين، ضد روسيا.
كذلك، في وقت تعاني بريطانيا - أبرز حليف للولايات المتحدة في العالم - من تكاثر عمليات اغتيال المعارضين الروس المقيمين في المملكة المتحدة. ورغم إعلان رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي رزمة من العقوبات ضد موسكو، من بينها طرد 23 ديبلوماسياً روسيا، لايزال ترامب متردداً في توجيه أي كلام قاس يدين فيه التورط الروسي في عمليات الاغتيال المذكورة، وهو ما يشي ان خلف الأكمة ما خلفها، وأن لترامب علاقة يخفيها مع روسيا، بغض النظر عن موضوع تدخلها في الانتخابات الاميركية، وان هذه العلاقة تعوق عمل الرئيس الاميركي وضرورة تصديه للمشاغبات الروسية، سواء داخل أميركا أو حول العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق