واشنطن - من حسين عبدالحسين
في خطوة فاجأت معظم المراقبين، أعلنت ادارة الرئيس دونالد ترامب، أمس، طردها 60 ديبلوماسياً روسياً وإغلاقها القنصلية الروسية في مدينة سياتل بولاية واشنطن، شمال غربي البلاد.
وكان البيت الابيض استدعى الصحافيين على عجل، مساء الاحد الماضي، لعقد جلسة مغلقة صباح أمس، للاعلان عن هذه الخطوة وشرح تفاصيلها. ومع أن مسؤولي البيت الابيض لم يحيدوا عن التمسك بالهجوم بغاز الاعصاب ضد العميل الروسي المزدوج في لندن سيرغي سكريبال وابنته، الا ان التصعيد الاميركي ضد موسكو حمل في طياته رسائل عدة موجهة للداخل الاميركي، وستنعكس في الغالب على علاقات الدولتين في الخارج، خصوصاً في ملفي إيران وسورية.
تجاه الداخل الاميركي، يسعى ترامب لإظهار أنه غير مدين لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وانه يمكنه خوض مواجهة ضد روسيا لو هو أراد ذلك. وكان الاسبوعان الماضيان شهدا سلسلة من الاحداث التي أظهرت ترامب وكأنه مضطر لمماشاة بوتين، على الرغم من تطورات الاحداث، فالرئيس الاميركي هنأ نظيره الروسي إثر انتخاب الأخير لولاية رئاسية رابعة، في نفس الوقت الذي كانت لندن، أبرز حليف لواشنطن، تطرد ديبلوماسيين روساً وصفتهم بالجواسيس.
كما أن طرد ترامب أكبر مسؤولَيْن في إدارته، وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، جاء بعد أن ادلى الاثنان بتصريحات حادة ضد روسيا.
لكن بعض المراقبين رجحوا ان طرد المسؤوليْن جاء لاسباب لا تتعلق بروسيا، في حالة تيلرسون، لخلاف شخصي، وفي حالة ماكماستر، بسبب تسريب الأخير أنباء مفادها ان ترامب اتصل ببوتين على عكس رجاء فريق الأمن القومي العامل لديه بعدم القيام بذلك.
ثم ان ترامب، الذي يواجه تحقيقات في امكانية تواطئه مع روسيا للفوز في الانتخابات الرئاسية قبل عامين، يحتاج لإثبات انه ليس عميلاً لدى الروس، وانه يمكنه مواجهتهم.
وريثما تنجلي التفاصيل الحقيقية خلف طرد اميركا الديبلوماسيين الروس، للمرة الثانية في أقل من سنتين، بعد قيام الرئيس السابق باراك أوباما بطرد 23 ديبلوماسيا روسياً، في ديسمبر 2016، بسبب ثبوت تورط روسيا في مهاجمة أميركا إلكترونيا، تتجه الانظار نحو انعكاسات الخطوة الاميركية على علاقات البلدين الثنائية، وفي ملفات الشؤون الدولية حول العالم.
ثنائياً، ما يزال ترامب متأخرا عن الكونغرس في فرض المزيد من العقوبات، التي أقرها المشرعون بغالبية حزبيهم، على موسكو. اما حول العالم، فالملفات شائكة، يتصدرها موضوع الاتفاقية النووية مع ايران، التي صار من شبه المؤكد ان ترامب سينسحب منها في مايو المقبل، وسيفرض انهيارها في مجلس الأمن، ما من شأنه ان يعيد العقوبات الدولية تلقائيا على ايران.
روسيا، التي تتنافس وايران على زعامة الشرق الاوسط، تحاول الدفاع عن الاتفاقية لابقاء ايران تحت جناحها، وهي في نفس الوقت تستخدم نية الاسرائيليين وترامب القضاء على الاتفاقية لابقاء الايرانيين متراصين خلف موسكو، حسب الاوساط الاميركية.
كذلك، تتوقع واشنطن ان تحاول موسكو التصعيد عسكرياً على الأرض في سورية. وفي السياق، كرر المسؤولون الاميركيون انهم رسموا خطوطاً حمراء لروسيا وحلفائها على الأرض السورية لن تسمح أميركا بتخطيها، خصوصا شرق الفرات، حتى لو تطلب ذلك اشراك الجيش الاميركي بأكمله لابقاء روسيا وحلفائها خارج مناطق نفوذ اميركا وحلفائها في عموم الشرق الاوسط.
الوضع بين واشنطن وموسكو يتطور من أزمة الى أخرى، إنْ كان في المواجهة الالكترونية والجاسوسية بين الحكومتين، او في ملفات العالم، وهو ما ينذر بأنه، بعد بداية بطيئة، بدأت الولايات المتحدة تدرك ان بوتين لا يقوم بخطوات استعراضية فقط، بل هو عازم على خوض مواجهة مع الاميركيين، وهي مواجهة بدأ الاميركيون يقتنعون بعدم جدوى تفاديها، مع ما يعني ذلك من بدء التعبئة الاميركية لخوض جولة ثانية، بعدما كسب الاميركيون الجولة الاولى مع نهاية الحرب الباردة مع حلول العام 1990.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق