الخميس، 30 نوفمبر 2017

الصناعة الأميركية «تعود بحذر إلى الديار»

واشنطن - حسين عبدالحسين

تظهر بيانات الوكالات الفيديرالية الحكومية الأميركية أن قطاع الصناعة أضاف 156 ألف وظيفة خلال العام الماضي، وأن الشركات رفعت استثماراتها في بناء مصانع بنسبة 8.14 في المئة في الربع الأول من هذه السنة، للمرة الأولى منذ العام 2014، فيما زادت الشركات إنفاقها على تحديث ماكيناتها بنسبة 8.8 في المئة في الربع الثاني وهي النسبة الأعلى منذ عام 2015.

وعلى رغم محاولة البيت الأبيض تصوير النمو في قطاع الصناعة الأميركي على أنه من إنجازات الرئيس دونالد ترامب، إلا أن الزيادات ليست فريدة من نوعها، ويمكن مقارنتها بنمو مشابه قبل سنتين أو أكثر في عهد سلفه باراك أوباما.

بيد أن النمو الذي يشير إليه الرئيس الأميركي ربما يحصل على خلفية الثقة التي اكتسبتها الأسواق على أثر انتخاب رجل اعمال رئيساً للولايات المتحدة، وهي الظاهرة التي أطلق عليها الأميركيون اسم «نتوء ترامب»، وهي ظاهرة شهدت طفرة وارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأسهم المالية، مدفوعة بالتفاؤل فقط والتوقعات بالتغييرات التي ستحدث في عهد الرئيس الأميركي الحالي.

إلا أن ترامب لم ينجح حتى الآن في تمرير أي من التشريعات التي وعد بها، فلا انسحابه من اتفاقات التجارة الحرة حدث، على رغم انسحابه من «اتفاق الشراكة عبر الهادئ»، وهو اتفاق لم يكن حاز على مصادقة الكونغرس ولا دخل حيز التنفيذ.

ثم إن ترامب تعثر في إبطال قانون «الرعاية الصحية»، كمقدمة لقانون «خفض الضرائب» الذي وعد به، وهو ما اضطره إلى المباشرة في العمل على قانون الضرائب، بغض النظر عن قانون الرعاية، ما يجعل مهمة الرئيس أكثر صعوبة.

لكن بعيداً من التشريعات التي وعد بها ترامب والثقة التي منحها انتخابه للأسواق المالية، يعتقد الاقتصاديون أن نمو قطاع الصناعة الأميركي يأتي هذه المرة مدفوعاً بتحسن النمو الاقتصادي العالمي، ما يؤدي إلى طلب على الصناعات الأميركية. والولايات المتحدة هي بمثابة المصنع الأكبر في العالم، إذ تنتج 18.2 في المئة من صناعات العالم، تليها الصين، التي تصنع 17.6 في المئة من السلع العالمية. لكن على رغم صدارتها، تراجعت الصناعة الأميركية منذ السبعينات، إذ كانت تشكل ربع الناتج المحلي عام 1970، لتقتصر على 8 في المئة من الناتج المحلي الأميركي حالياً، ما يقدم 12.3 مليون وظيفة للأميركيين، أو 9 في المئة من حجم سوق العمل الأميركية.

وعانت الصناعة الأميركية من تقلص حجمها ودورها لأسباب عدة، كان أولها تحسّن الأوضاع المعيشية للأميركيين، ما رفع رواتبهم مقارنة بالدول النامية، فراحت المصانع الأميركية تقفل أبوابها وتنتقل إلى دول ذات عمالة أرخص. كذلك، تعاني الصناعة الأميركية من ارتفاع ضريبي، مقارنة بدول العالم، ما يبعد الأميركيين من الاستثمار في بلادهم والبحث عن دول تقدم حزم تشجيع ضرائبي أكبر.

لكن عام 2015، أصدر مركز الاستشارات المرموق «ماكنزي» دراسة مفصّلة توقّع فيها عودة الصناعات الأميركية من دول العالم إلى الولايات المتحدة. وعزا التقرير توقعاته إلى أسباب عدة، منها تقنية استخراج الوقود الأحفوري، ما خفّض أسعار الطاقة محلياً وأعاد الصناعات البتروكيماوية إلى البلد، إضافة إلى ارتفاع أسعار اليد العاملة في الدول النامية، مثل الهند والصين، أولاً بسبب ارتفاع معدل مداخيل الهنود والصينيين، وثانياً بسبب الشيخوخة التي تضرب سكان الصين وتقلّص من اليد العاملة المتاحة لمصانعهم.

ثالث الأسباب لخروج مصانع أميركا من الصين يتعلق بعملية «سرقة حقوق الملكية الفكرية» التي مارستها الصين وشركاتها على المستثمرين الأميركيين. إذ فرضت بكين على الشركات الأميركية السماح لشركائها الصينيين بنسخ تقنياتهم، وما لبث الشركاء أن استقلوا في مصانعهم، ودخلوا في مضاربة مع الأميركيين، وبأسعار أقل وانحياز حكومي، ما أخرج الأميركيين من الصين، بعدما باحوا بأسرارهم الصناعية للصينيين، الذين راحوا بعد ذلك ينافسون الاميركيين حول العالم.

لذا، عاد الأميركيون إلى البحث عن ولايات أميركية يمكنها منافسة الدول النامية، إن من ناحية انخفاض سعر الطاقة، أو من جهة التقارب في أجور العاملين. كما أن الشركات الأميركية صارت تنظر بتقدير إلى حكم القانون السائد في بلادها، والذي يحمي صناعاتها وأسرارها وقدرتها التنافسية.

كل هذه الأسباب تشير الى أن عودة الصناعات الأميركية إلى النهوض هي مؤشر إلى باكورة عودة ستحصل على نطاق أوسع، وهي عودة ترتبط بعوامل متعددة أعمق من سياسات هذا الرئيس أو ذاك، وهي عودة من المرجح أن تتسارع مع مرور الوقت، بغض النظر عن هوية سيد البيت الأبيض.

على أن عودة الصناعات الاميركية الى بيتها لا يعني أن لا دور للحكومة الفيديرالية في تسريع العملية، فإعادة تأهيل اليد العاملة عملية مطلوبة، إذ إن في البلاد ٦٠٠ ألف فرصة عمل صناعية تبحث عن أميركيين يحملون مؤهلات تمكنهم من شغل هذه الوظائف. كذلك، لا بد من إصلاح ضريبي يجبر الشركات الأميركية على التخلي عن ألاعيب إخفاء عائداتها في دول أجنبية أو بنوك خارجية لتفادي الضرائب المرتفعة مقارنة بالدول الصناعية الأخرى.

في المحصلة، إن نجح ترامب أو لم ينجح في تحقيق وعوده للصناعات الأميركية والأعمال، يرجح الخبراء استمرار نمو الصناعة الأميركية، وهو ما تسعى إليه الحكومة منذ اندلاع الركود المالي الكبير في خريف 2008، يوم استفاق الاميركيون على حقيقة أن لا يمكن لاقتصاد الخدمات أن يشكل أساساً صلباً لاقتصادهم، إذ إنه عرضة للمضاربات والفقاعات التي تؤدي إلى اهتزازات أكبر بكثير من ركود مارق قد يصيب الصناعة بين الحين والآخر.

تيلرسون خارج إدارة ترامب قريباً وبومبيو خلفاً له

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أكدت صحيفة «نيويورك تايمز» ما سبق لـ «الراي» أن أوردته في عددها الصادر يوم 19 أكتوبر الماضي، لناحية أن البيت الأبيض ينوي إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون واستبداله بمدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) مايك بومبيو، الذي سيحل محله السيناتور الجمهوري المتشدد تيم كوتن، وهو ما يعني أن مندوبة أميركا الدائمة الى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي سبق لمصادر البيت الابيض أن رددت اسمها كبديل لتيلرسون، باقية في منصبها.

وإن صحت توقعات «نيويورك تايمز»، التي نقلتها عن مصادر في البيت الأبيض مقرّبة من رئيس الموظفين الجنرال جون كيلي، فذلك يعني أن ترامب لا يعمل على إخراج تيلرسون من الإدارة فحسب، بل إن الرئيس الأميركي يسعى لإحكام قبضته على ملفات السياسة الخارجية، بعد أن سلّمها إلى نائبه مايك بنس، عرّاب هايلي.

وبومبيو سبق أن كان عضواً في الكونغرس عن الحزب الجمهوري، وهو من المقربين من ترامب، لا سياسياً فحسب، بل شخصياً أيضاً، إذ تتناقل مصادر واشنطن أنباء مفادها أن مدير الاستخبارات سعى، خلال توليه منصبه اعتباراً من مطلع هذا العام، إلى تقويض فرع الاستخبارات الآخر، أي مكتب التحقيقيات الفيديرالي (اف بي آي)، الذي كان يجري تحقيقات في إمكانية تورط ترامب ومساعديه مع موسكو أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية.

أما كوتن، فهو من الشيوخ المقربين من ترامب، ويتحادث معه ثلاث الى أربع مرات أسبوعياً، وهو من أكثر الصقور تطرفاً، وسبق له أن خدم في العراق. كما يعتبر كوتن من أبرز معارضي الاتفاقية النووية مع ايران، ومن الداعين للانخراط في مواجهة أوسع مع الايرانيين، بما في ذلك مواجهة عسكرية مسلحة.

وقد يؤدي تسليم «سي آي إي» لكوتن إلى قيامه بإعادة تنشيط الهجمات الاستخباراتية ضد من تعتبرهم واشنطن أعداءها، وفي طليعتهم إيران والميليشيات التابعة لها في منطقة الشرق الاوسط.

وخروج تيلرسون، الذي يجمع كثيرون على أنه من الحمائم ومن المقربين من وزير الدفاع جيمس ماتيس، يعني أن إدارة ترامب تعمل على استبدال الحمائم بالصقور، مع ما يعني ذلك من تغيير في السياسة الخارجية الاميركية وتحويلها الى أكثر عدائية واعتماداً على القوة.

ومن شأن استبدال تيلرسون أيضاً تقويض صوت «المؤسسة الحاكمة»، التي رفضت الانصياع لمواقف ترامب، مثل في وقوفها على الحياد أثناء أزمة الخليج. ومن المرجح أن تنتقل إدارة ترامب، مع حصول تغييرات من هذا النوع، لاتخاذ مواقف صارمة، على غرار المواقف التي يعلنها الرئيس الأميركي، غالباً في تصريحاته وتغريداته.

واشنطن «سعيدة» لإعلان القمة: مشاركة دول الخليج تعني وجود تفاهمات مسبقة

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

شكّل إعلان الكويت استضافتها قمة مجلس التعاون الخليجي الأسبوع المقبل بمشاركة الأعضاء الستة، مفاجأة في الأوساط الأميركية، المنهمكة في سلسلة من الملفات الخارجية والداخلية الضخمة، يتصدرها تجربة كوريا الشمالية صاروخاً يصل مداه واشنطن، ويليها سعي حثيث لإدارة الرئيس دونالد ترامب لإقرار قانون التخفيضات الضرائبي في الكونغرس.

ووسط انشغالات واشنطن، أعرب مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى عن «سعادتهم ودهشتهم»، وقالوا إن «الكويت قامت بديبلوماسية هادئة وناجحة»، معربين عن أملهم في أن تصل الأمور إلى خواتيمها مع «التوصل إلى رأب الصدع الخليجي وإعادة الأمور إلى نصابها».

ووجه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد دعوات المشاركة في القمة الى القادة، حيث تسلم سلطان عمان قابوس بن سعيد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رسالتين خطيتين من سموه، تتضمنان دعوتهما للمشاركة في الدورة الـ 38 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المقرر انعقادها في الكويت في 5 و6 ديسمبر الجاري.

وقال المسؤولون الاميركيون انهم سمعوا من نظرائهم الكويتيين نية الكويت استضافة قمة مجلس التعاون «قبل أيام قليلة»، وان الأميركيين أبدوا تأييدهم للمجهود الكويتي واستعدادهم لتقديم الدعم والمساندة حيثما يمكنهم المساعدة.

ورفض المسؤولون الأميركيون استباق انعقاد القمة والحديث عن أي نتائج مرتقبة، ولكنهم قالوا انه «من حيث المبدأ، لا تبدي الدول موافقتها على المشاركة في قمم إلا بعد ان تتوصل مسبقاً إلى حد أدنى من التفاهمات، التي يتم إدراجها في البيان الختامي».

كذلك، رفض المسؤولون الأميركيون الافصاح عمّا سمعوه من نظرائهم الكويتيين حول التسويات التي تم التوصل إليها أو العقبات التي تم تذليلها، بشكل سمح بانعقاد قمة المجلس بمشاركة أعضائه الستة.

وتوقعت الأوساط الأميركية أن «تساهم قمة المجلس في الكويت في تذليل عدد كبير من الخلافات بين الأعضاء، من دون أن يؤدي ذلك إلى إلغاء التباينات بالكامل، وهو أمر طبيعي في علاقات الدول الصديقة والحليفة».

الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

"خطة ولايتي" السورية

حسين عبدالحسين

بدا الاسبوع الماضي وكأن الحرب السورية تقترب من خاتمتها، مع اعلان ايران وبعض ميليشياتها الانتصار، ومع خروج شخصيات سورية معارضة لتسوية مع الرئيس السوري بشار الأسد من المجموعة السورية المقيمة في الرياض، ومع ظهور الأسد وحيداً في سوتشي أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجنرالاته. وأعقب بوتين لقاءه الأسد باتصالات مع زعماء العالم، منهم نظيره الاميركي دونالد ترامب، بالتزامن مع لقاء قمة روسي - تركي - ايراني.

لكن على الرغم من كل التحركات الدبلوماسية والضجيج الاعلامي، وعلى الرغم من الافراط في الايجابية التي يظهرها ترامب بتكراره الحديث عن التوصل الى حل سلمي في سوريا يوقف سيل الدماء فيها، لا تبدو أي من البيانات الصادرة أو الخطط المرسومة في عواصم العالم قابلة للتنفيذ على الأرض السورية لوقف القتال الدائر فيها.

تصريح وحيد يبدو أنه يفوق كل التصريحات الباقية في الأهمية، ويشي بتطورات الاحداث السورية في المستقبل القريب والمتوسط، هو ذلك الصادر عن مستشار مرشد الثورة الايراني علي ولايتي، الذي زار بيروت وحلب، وقال، بحسم لا يقبل الكثير من الجدل، إن إيران ستستعيد سيادة الأسد على كل الاراضي السورية، بما فيها شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" بإشراف أميركي، والاراضي الشمالية حيث النفوذ التركي، كما الجنوبية، الخاضعة لسيطرة قوات سورية معارضة من مشارب متنوعة.

تطور العمليات العسكرية على الأرض السورية يعكس تصريحات ولايتي. قوات الأسد والميليشيات الايرانية تطلق نيرانها في الاتجاهات التي حددها ولايتي، مع مهلة زمنية مفتوحة لاستعادة المناطق التي اشار اليها المسؤول الايراني.

وتطور العمليات العسكرية على الأرض السورية يعكس عقم معظم الحركات الدبلوماسية حول العالم، وهي تحركات تتم استعادتها للمرة الثانية والثالثة والرابعة، فاستقدام الأسد الى روسيا للوقوف في حضرة بوتين وجنرالاته كان الثاني من نوعه منذ عام 2015، فيما اعلان بوتين نهاية الاعمال العسكرية في سوريا حصل للمرة الثالثة على الأقل.

مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، بدوره، هو تكرار لسلسلة طويلة من اللقاءات والاستعراضات السياسية. اما مؤتمر أستانة فوصل إلى نسخته السادسة، فيما لقاء جنيف يدخل جولته الثامنة في أقل من ست سنوات.

كل اعلانات بوتين ومؤتمرات قادة العالم والمعارضين السوريين تبدو وكأنها تجري في عالم آخر، فالحرب السورية تدور وفق جدول زمني تفرضه تطورات ساحات المعارك وخطط "الحرس الثوري" الإيراني، ما يجعل تصريحات ولايتي حول التطورات المتوقعة في سوريا التصريحات الاقرب للواقع والاكثر مصداقية.

في ستينات وسبعينات القرن الماضي، انفقت التنظيمات الثورية العربية جلّ وقتها في اصدار بيانات الادانة والاستنكار، التي ترافقت مع تظاهرات شعبية حاشدة، ضد كل انواع المشاريع والخطط العالمية، من "مخطط سايكس-بيكو التقسيمي"، الى "خطة روجرز" و"مشروع كيسنجر" وما الى هنالك من خيالات دبلوماسية غربية وعربية قلّما تحقق اي منها على ارض الواقع.

في هذا الزمن، تكتفي الكوادر الثورية العربية بالانتقال من فضائية الى اخرى، والاطلالة على البرامج الاخبارية والحوارية المختلفة، لتصرخ وتدين، لكن لا صراخ ثوريي العرب، ولا خطط قادة العالم تبدو ذات تأثير في أرض الواقع السورية. وحدها التنظيمات المسلحة الموالية للثورة الايرانية ومرشدها ومستشاريه تبدو صاحبة رؤية وخطة وتأثير في مجريات الاحداث وتطوراتها.

على الرغم من كل ايحاءاته عن التسوية التي سيفرضها في سوريا، وعلى الرغم من الحشد الدبلوماسي الدولي الذي يسعى اليه الرئيس الروسي، لا تبدو "خطة بوتين" ذات مصداقية. وحدها "خطة ولايتي" تبدو الاكثر مصداقية وقابلية للتحقق، وهي خطة لم يطلقها الايرانيون في ممرات الدبلوماسية العالمية وقاعاتها، بل على أرض المعركة في حلب الشهباء.

تل ابيب: تقاعُس الأميركيين في التنف سمح لإيران باستكمال «الهلال»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عرضت مجموعات سورية من المعارضة المسلحة على المبعوث الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» بريت ماكغورك أن تتولى أمن المناطق السورية التي يتم استعادتها من التنظيم شرق الفرات، علماً أن عديد المقاتلين المنضوين تحت لواء هذه المجموعات يبلغ نحو 1100 مقاتل، وهم يتمركزون في قاعدة التنف على الحدود العراقية - السورية - الأردنية، بحماية عسكرية أميركية.

يؤكد المتابعون أن ماكغورك لم يوافق إلا على إرسال 100 مقاتل من المعارضة إلى المناطق المحررة، وهو لم يفعل ذلك إلا بشرط الحصول على تواقيع هؤلاء المقاتلين على تعهدات بعدم الانخراط في أي عمليات عسكرية هجومية ضد أي من الأطراف المتواجدة في المنطقة، بما فيها «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) ذات الغالبية الكردية، وقوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات المتحالفة معها والموالية لإيران.

والمقاتلون المعارضون السوريون هم جميعهم ممن سبق للسلطات الأميركية أن أجرت تحقيقات في خلفياتهم السياسية وانتماءاتهم، وتأكدت من عدم وجود أي ارتباط بينهم وبين مجموعات تعتبرها واشنطن متطرفة.

لكن لماذا يعارض ماكغورك المواجهات المسلحة بين المعارضين السوريين الموالين لواشنطن، وبين قوات الأسد والميليشيات الموالية لايران، في وقت لا ينفك الرئيس دونالد ترامب يعلن عداءه لإيران ونيته مواجهتها ومواجهة ميليشياتها؟

الإجابة تكمن في أن ماكغورك هو من المسؤولين المُعيّنين منذ عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وانه يعمل بموجب رؤية أوباما وسياسته المؤيدة للتفاهم بين الولايات المتحدة وإيران، حتى لو كان ذلك يعني سيطرة ايرانية على مناطق تسمح بوصل «الهلال الإيراني» من طهران إلى بيروت، مروراً بالعراق وسورية.

والتباين بين ميل ماكغورك إلى مصادقة إيران والتحالف معها، وبين إعلان ترامب عداءه لطهران، هو تباين أغضب إسرائيل، أقرب حلفاء أميركا في منطقة الشرق الاوسط والعالم، فالإسرائيليون يعتقدون أن «الهلال الايراني» يشكل أكبر تهديد على دولتهم، وأن تقاعس أميركا في توسيع نفوذها في محيط التنف، وإقامة حاجز معاد لإيران في وادي الفرات وصولاً إلى حدود الاردن، هو تقاعس يهدد أمن إسرائيل ويدفعها إلى الانخراط أكثر فأكثر في تسديد ضربات للميليشيات الموالية لإيران داخل سورية.

على أن التباعد بين الإدارة الأميركية وإسرائيل، يزداد وضوحاً مع مرور الأيام، وعلى الرغم من الصداقة الحميمة التي تجمع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ومستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، إلا أن الهوة بين واشنطن وتل أبيب تتسع مع مرور الوقت، فيما تعلو أكثر فأكثر أصوات المسؤولين الاسرائيليين ممن يحمّلون أميركا مسؤولية الفشل في وقف التوسع الايراني داخل سورية.

ويبدو أن التباعد بين ترامب واسرائيل بدأ منذ ما قبل دخول الرئيس الأميركي البيت الابيض مطلع العام الجاري، إذ تشير تقارير في واشنطن إلى أن المسؤولين الاميركيين في عهد أوباما حذّروا الإسرائيليين من أن مشاركتهم معلومات سرية استخباراتية مع ترامب قد تجد طريقها الى موسكو، وهو ما حصل فعلياً في مناسبتين: الأولى كشف فيها ترامب أن إسرائيل هي التي اكتشفت خطة «داعش» لتفخيخ أجهزة «أيباد» وكومبيوترات محمولة على متن طائرات مدنية، والثانية كشف فيها بعض الاسرار العسكرية حول ما تعرفه إسرائيل عن مجريات الاحداث في سورية.

تكرار ترامب كشف معلومات استخباراتية، يحصل عليها من إسرائيل، أمام الروس، زاد من التباعد بين تل أبيب وواشنطن، على الرغم من التقارب الصوري، فترامب هو الرئيس الاميركي الوحيد الذي زار حائط المبكى في القدس أثناء ولايته الرئاسية.

ويبدو أن هذا التباعد بات يجبر الإسرائيليين على اللجوء أكثر فأكثر إلى موسكو للحصول على معلومات أميركية، وهو ما يعني أن ترامب حوّل موسكو إلى منتهى المعلومات الاستخباراتية والى نقطة الارتكاز التي يقصدها أركان الاستخبارات حول العالم، مقابل خدمات يقدمها هؤلاء للروس للحصول على المعلومات منهم.

تل أبيب ممتعضة من واشنطن، لكنها عكفت على تحميل «الباقين من زمن الرئيس أوباما»، من أمثال ماكغورك وغيره في وزارتي الخارجية والدفاع، مسؤولية الأداء الأميركي الذي لا يناسب الاسرائيليين، وهو ما يعني أن العلاقة بين الطرفين، والتي تبدو ممتازة في الوقت الحالي، قد تتدهور في أي لحظة، وقد يخرج التدهور إلى العلن.

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

قلق وغضب في الولايات المتحدة من سياسة ترامب «الانبطاحية» أمام بوتين


تعاني واشنطن من انقسام حاد في سياستها الخارجية بين سيد القرار السياسي الرئيس دونالد ترامب، والادارات والوكالات الحكومية التي يديرها محترفون، والقادرة على تطبيق أو عدم تطبيق قرارات ترامب وسياساته حول العالم، وهو ما يخلق وضعاً غير مسبوق في تاريخ السياسة الأميركية: مواقف رئاسية لا ترى النور على أرض الواقع وشلل أميركي حول العالم سببه عدم قدرة الوكالات الحكومية على القيام بما تراه مناسباً بسبب «فيتو» الرئيس.

حدة الانقسام بين الطرفين قفزت الى الواجهة، على مدى الاسبوعين الماضيين، بعد جولة ترامب في آسيا، ومحاولته لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ثم الاتصال الذي جرى بينهما واستغرق أكثر من ساعة.

ورغم أن البيت الأبيض والكرملين توافقا على قمة أميركية - روسية على هامش جولة ترامب الآسيوية، إلا أنه تحت ضغط الإدارة والكونغرس، اضطر الفريق الأميركي إلى الاعتذار عن عقد اللقاء بين الرئيسين، وهو ما أثار حفيظة الروس وأجبر الاميركيين على محاولة استرضائهم بتدبير لقاء في اللحظة الاخيرة، إلا أن الروس رفضوا لقاء «رفع العتب»، وعاد كل من الزعيمين إلى دياره من دون لقاء رسمي ثنائي.

وأصدر البيت الأبيض البيان الرئاسي الذي كان مقرراً تلاوته بعد لقاء ترامب - بوتين في آسيا، وهو بيان تم تخصيصه للأزمة السورية. وحاول البيت الابيض التظاهر بأن اللقاء بين الرجلين تم فعلاً، لكن المحاولات الرئاسية الأميركية قابلها الإعلاميون الاميركيون بالتشكيك والاستهزاء.

وفي محاولة للملمة الوضع واسترضاء الكرملين، نظم البيت الأبيض اتصالاً بين الزعيمين تحدثا خلاله على مدى أكثر من ساعة، وشمل حديثهما أموراً متنوعة من سورية الى أوكرانيا وكوريا الشمالية.

«سياسة الانبطاح» التي يظهرها ترامب أمام بوتين، على حد وصف بعض المسؤولين الأميركيين، تثير غضب غالبيتهم.

في السياسة تجاه سورية، صار واضحاً الإجماع الأميركي على أن «ترامب تخلى لمصلحة بوتين عن التخطيط لما بعد الحرب السورية»، حسب المعلّق مايكل كراولي في صحيفة «بوليتيكو».

وفي شأن منطقة الشرق الأوسط عموماً، تتعالى الأصوات الأميركية، والاسرائيلية خصوصاً، التي تعتقد أن «إيران متفوقة في المواجهة الاقليمية ضد حلفاء الولايات المتحدة»، حسب مقال للكاتب البريطاني - الاسرائيلي جوناثان سباير في مجلة «فورين بوليسي».

سورية الشرق الأوسطية لا تتمتع بالأهمية نفسها التي تتمتع بها أوكرانيا الأوروبية لدى الرأي العام الاميركي. في شأن أوكرانيا، يُجمع الأميركيون من الحزبين على ضرورة مساندة الأوكرانيين عسكرياً ومالياً في التصدي للأطماع والتوسع الروسيين. لكن ترامب يبدي تردداً، بل تنازلاً، لمصلحة بوتين، في أوكرانيا.

وتخضع مواقف ترامب وحملته الرئاسية للتحقيق حول موقفها من أوكرانيا، إذ قام مساعدو ترامب وأصدقاء روس لهم بحذف فقرة من البيان الانتخابي للحزب الجمهوري في العام 2016، كانت تؤكد ضرورة الوقوف في صف الأوكرانيين في تصديهم للروس.

ويبدو أن الفضائح، التي تلاحقها التحقيقات القضائية في طبيعة علاقته مع روسيا، لم تُثنِ ترامب عن سعيه المستمر لاسترضاء بوتين، فهو خالف قانوناً صدر بغالبية في الكونغرس بغرفتيه، وقضى بزيادة العقوبات الاقتصادية على روسيا، إذ لم يفرض البيت الأبيض أي عقوبات جديدة على الرغم من مرور الموعد النهائي الذي كان حدده الكونغرس لفرض هذه العقوبات.

وعلى الرغم من الاعجاب الذي يعلنه ويكرره ترامب تجاه وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس، لكن لا يبدو أن هذا الإعجاب تحول الى قبول ترامب لمقترحات وزيره، فوزارة الدفاع طلبت من البيت الابيض الموافقة على بيع كييف سلاحاً بقيمة 47 مليون دولار، بما في ذلك صواريخ «جافلين» المضادة للدروع والدبابات، وهو ما من شأنه تعديل موازين القوى على أرض المعارك شرق أوكرانيا.

إلا أن البيت الابيض لم يمنح موافقته للصفقة المذكورة، على الرغم من أن إحدى سياسات ترامب تقضي بزيادة المبيعات العسكرية الأميركية حول العالم الى أقصى معدلاتها، لأهداف اقتصادية ومالية يعتقد ترامب أنها تصب في مصلحة إعادة انتخابه لولاية ثانية في العام 2020. ويبدو أن الرئيس يرغب في بيع السلاح الأميركي لدول العالم قاطبة، إلا للدول التي يمكن أن تنخرط في مواجهات مسلحة ضد روسيا.

مواقف ترامب «الانبطاحية» تجاه بوتين تعزز الإشاعات القائلة ان الرئيس الاميركي مدين لموسكو، وان هذا الدين يُقوّض السياسة الخارجية الأميركية حول العالم، وهو ما يبدو جلياً في سياسات أميركا في سورية وأوكرانيا وغيرهما، وهو ما قد يعطي المحقق الخاص روبرت مولر دلائل إضافية لاستخدامها ضد الرئيس وفريقه بتهم التواطؤ مع الروس ضد اميركيين وضد المصالح القومية للولايات المتحدة بشكل عام.


ماكين: ترامب انتهازي وبلا مبادئ

واشنطن - «إيلاف»، ا ف ب - وصف السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين، الرئيس دونالد ترامب بأنه «انتهازي وبلا مبادئ»، في هجوم قاس يعطي مؤشراً على الغضب بين قيادات جمهورية، بسبب دعم الرئيس للمرشح روي مور المتهم بالتحرش الجنسي للفوز بمقعد ولاية ألاباما في مجلس الشيوخ.

وقال ماكين (81 عاماً) في مقابلة مع مجلة «الاسكوير» الأميركية: «للأسف لا أعتقد أن الرئيس ترامب لديه مبادئ أو معتقدات، وأظن أنه شخص يستغل المواقف، ولا أتفق مع الطريقة التي يدير بها البيت الأبيض».

في سياق متصل، أكد السيناتور الأميركي الديموقراطي آل فرانكن أنه يشعر بـ«العار» وسيعمل على استعادة ثقة الناس، بعدما اتهم بسلوك غير لائق جنسياً، في وقت تحرك الكونغرس لمكافحة هذه الظاهرة بعد اتهامات طالت عدداً من النواب.

وقدم السيناتور اليساري الذي كان ممثلا كوميديا في السابق اعتذاره لدى عودته من عطلة عيد الشكر، ليل أول من أمس، وبعد يوم من إعلان النائب الديموقراطي جون كونييرز انسحابه من اللجنة القضائية في مجلس النواب بعد أن طالته اتهامات مشابهة.

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

بؤس الخطة السعودية للبنان

حسين عبدالحسين

في مقالة له في ”ويكلي ستاندرد“ حملت عنوان ”واقعية الرياض السياسية: السعوديون يهزون لبنان“، قدم اليوت ابرامز، مسؤول الشرق الاوسط في ”مجلس الأمن القومي“ في زمن الرئيس السابق جورج بوش الابن، ما بدا وكأنها خطة السعودية في لبنان.

وابرامز هو من الصقور، ومن اركان اليمين، ومن اصدقاء اسرائيل. اداؤه يشي بأنه ممن يتمسكون بمبادئهم، حتى لو اضطر لمخالفة الجماعة، فمساندته للديموقراطية في مصر، ومعارضته لانقلاب وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، ثم معارضته رئاسة دونالد ترامب، وهو ما كلفه منصب وكيل وزير في الخارجية الاميركية، كلها خطوات تؤكد ان الرجل صادق، وان مواقفه تشبه مبادئه، ولا مواربة فيها لمكاسب شخصية.

لكن صدق ابرامز لا يعني انه دائما على صواب، ويبدو انه تجاه الأزمة السعودية في لبنان، اكتفى بالتزام موقف التيار اليميني الذي ينتمي اليه، وكرر ”نقاط الكلام“ السائدة في اوساط هذا التيار.

يفتتح ابرامز مقالته بالقول ان ”حزب الله“ استولى على لبنان بانقلاب عسكري في ربيع 2008، وانه حان الوقت لانهاء التمييز بين لبنان والحزب المذكور، وان واشنطن وحلفاءها يجب ان يحذو حذو اسرائيل في سياستها تجاه لبنان، والمعروفة بـ ”عقيدة الضاحية“، اي تدمير كل الضاحية الجنوبية لبيروت عقابا لمناصري ”حزب الله“ في اي حرب مستقبلية، لدفعهم لاخراج الحزب الموالي لايران من بين ثناياهم.

ثم يعدد ابرامز مايراه نقاط قوة السعودية في لبنان، وهي وديعة 850 مليون دولار في ”مصرف لبنان“ لتثبيت الاستقرار النقدي، وامكانية طرد اللبنانيين المقيمين في الخليج“، وسحب ”الاستثمارات المباشرة“ للسعوديين في لبنان، ووقف تدفق السائحين السعوديين الى لبنان، الذين ارتفعت نسبتهم 86%في المئة في الاشهر السبعة الاولى من2017.

يعتقد ابرامز انه يمكن لفرض السعودية عقابا جماعيا على اللبنانيين ودولتهم ان يؤدي الى ثورة لبنانية ضد ”حزب الله“، لكن في مقاربة ابرامز مشاكل عديدة، اولها، انه لم ينجح أي حصار اقتصادي في العالم حتى اليوم، من الذي كان مفروضا على عراق صدام حسين الى الذي ما يزال مفروضا على كوريا الشمالية، في تغيير الحكم.

ثاني المشاكل في ”نقاط الكلام“ التي قدمها ابرامز، وباحثون آخرون من اليمين الاميركي، انه اذا كان ”حزب الله“ فرض سيطرته فعليا بانقلاب عسكري على لبنان، هذا يعني ان اللبنانيين مغلوب على امرهم، وان معاقبتهم لن تجدي نفعا، ولن تؤدي الى انهاء سيطرة الحزب المذكور.

ثالثا، تشوب حسابات ابرامز الاقتصادية مشاكل عديدة، فوديعة 850 مليون دولار تبدو كبيرة، ولكن عند مقارنتها بحجم القطع الاجنبي، الذي أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلة مع رويترز، والذي يبلغ 44 مليار دولار، يظهر تواضع حجم الوديعة السعودية.

ثم ان ارتفاع نسبة السائحين السعوديين الى لبنان في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي هو رقم لا قيمة له من دون مقارنته بنسب السائحين في لبنان من جنسيات اخرى. بيانات ”بنك لبنان والمهجر“ تظهر ان لبنان استقبل 650 الف سائح في الاشهر الخمسة الاولى من هذا العام، منهم أقل من 25 الف سعودي، و873 اماراتيا فقط، ما يعني ان نسبة السائحين السعوديين والاماراتيين لم تصل الى 4 في المئة، مقارنة بـ100 الف سائح عراقي، او ما يمثل 15 في المئة من اجمالي السائحين ممن زاروا لبنان في الفترة نفسه.

ارقام بلوم تظهر انه في حال منعت السعودية والامارات مواطنيها من السياحة في لبنان، فان ذلك لن يؤثر في قطاع السياحة اللبناني، الذي يشكل 20 في المئة من الناتج المحلي للبلاد.

اما الاستثمارات السعودية والاماراتية، فغالبيتها في قطاع العقارات اللبناني، وسحبها على وجه السرعة ليس بالأمر اليسير. صحيح ان عرض املاك المواطنين السعوديين للبيع في لبنان من شأنه ان يؤثر سلبا في اسعار العقارات اللبنانية، الا انه ليس من نوع التأثير الذي يتسبب بهزّات اقتصادية.

يختم ابرامز بالقول ان ”المقاربة السعودية الجديدة والاقسى (تجاه لبنان) تبدو لي اكثر واقعية، ومتناسقة بشكل غير مفاجئ مع المقاربة الاسرائيلية الجديدة“.

في لبنان مشكلة تتمثل بعدم احتكار الحكومة المنتخبة لكل ادوات العنف، ووجود تنظيم عسكري مستقل بتنظيمه وقراره على الأراضي اللبنانية. لكن حل هذه المشكلة لا تكون بالقضاء على لبنان للتخلص من ”حزب الله“، ولا بد من وجود اساليب اكثر عقلانية للتعاطي مع هذه المشكلة، بمقاربة واقعية خالية من تضخيم السعودية وادواتها، ومن دون الدعوة للقضاء على لبنان بأكمله.

الخميس، 23 نوفمبر 2017

بوتين بلا ثياب

بقلم حسين عبد الحسين

أظهرت تصريحات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، عن تطورات الأحداث جنوب سوريا، مدى ضعف موسكو في التأثير في مجريات الأزمة السورية.

لافروف قال إن بلاده لم تلتزم للإسرائيليين ببقاء الميليشيات الموالية لإيران على مسافة من حدود إسرائيل الشمالية مع سوريا، بل إن ما التزمته موسكو يقتصر على وعد للإسرائيليين بإبعاد "ميليشيات غير سورية" عن الحدود الإسرائيلية. وتابع المسؤول الروسي القول إن الميليشيات الموالية لإيران في سوريا موجودة على الأراضي السورية بطلب من حكومة دمشق، ما يمنحها شرعية ويبعد عنها تعريف "ميليشيات غير سورية"، المنصوص عليها في اتفاقية "خفض التصعيد" في الجنوب السوري.

إذن هو نوع من التلاعب الكلامي الذي تنخرط فيه روسيا منذ دخولها الحرب السورية في خريف العام 2015، وهو تلاعب أوهمت بموجبه روسيا إسرائيل أن دخول موسكو الحرب السورية سيدعم الأسد لجعله مستقلا عن القوة الإيرانية، وتاليا تمكينه من الإمساك بزمام الأمور داخل البلاد، واستعادة السيطرة والسيادة، وطرد الميليشيات الموالية لإيران.

مرّت الأيام والأسابيع والأشهر، وصار يبدو جليا أن القوة الروسية تقتصر على ممارستها حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي، لحماية الرئيس السوري بشار الأسد من أي قرارات يمكن أن تجبره وحلفاءه الإيرانيين على وقف أعماله الحربية.

ومع دخول روسيا الحرب السورية، صار يبدو جليا أيضا أن القوة العسكرية الروسية تقتصر على تأمينها غطاء جويا لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية المتحالفة معها. حتى في أدائها الجوي، بانت عيوب القوة الروسية، مع تحطم مقاتلتين أثناء محاولتيهما الهبوط على سطح حاملة الطائرات كوزنتسوف. على أن ممارسة "حق النقض" في مجلس الأمن الدولي، وتأمين غطاء جوي لقوات الأسد وإيران، لم تعطيا موسكو النفوذ الذي كانت تطمح إليه داخل سوريا، ما اضطر دبلوماسييها، وفي طليعتهم لافروف، إلى ابتكار كل أنواع البهلوانيات الكلامية والمبادرات للإيحاء بأن روسيا هي الآمر الناهي في سوريا.

ربما انطلت ألاعيب الروس في سوريا على البعض، لكن لم يمض الكثير من الوقت حتى أدركت غالبية متابعي الشأن السوري أن روسيا تتكلم أكثر مما تفعل، وتوحي أنها ممسكة بإيران والأسد، فيما هي في الواقع لا سيطرة لها عليهم.

أولى مؤشرات الاستقلال الإيراني عن روسيا ظهرت في صيف 2016، بعدما أقعلت قاذفات روسية من قاعدة عسكرية إيرانية، وتظاهرت موسكو وكأن طهران صارت في تحالف بزعامة روسية، ليعترض الإيرانيون ويمنعوا الإقلاعات الروسية، التي كان يفترض أن تبقى سرية.

ثاني محاولات روسيا تصوير المحور الذي تقوده إيران على أنه محور بزعامة روسيا، جاء يوم حاولت موسكو إقامة تحالف "سوري - أردني – عراقي" بزعامتها، ليتضح فيما بعد أن تصريحات مسؤولي الأردن والعراق حول دخولهم في الفلك الروسي كانت مجرد تصريحات، وأن الأردن مستمر كواحد من حلفاء أميركا الموثوقين في المنطقة، فيما العراق في جيب إيران.

ختاما، وعدت روسيا إسرائيل مرارا، حسب ما نقلت صحف إسرائيلية على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، بأن موسكو تمسك بسوريا والأسد، وأنها ستمنع الميليشيات الموالية لإيران، وفي طليعتها "حزب الله" اللبناني، من إقامة بنية عسكرية تحتية في الجنوب السوري يمكنها أن تضع الشمال الإسرائيلي تحت رحمتها.

لكن من يعرف روسيا ويراقبها كان يتوقع أن تكون الوعود الروسية مجرد وعود، وأن إيران ستتسلل إلى الجنوب السوري بغض النظر عمّا يعد به المسؤولون الروس، وهو ما انعكس في تصريحات لافروف، التي قال فيها إن روسيا "لم تعِد" بمنع الميليشيات الإيرانية من الانتشار في الجنوب السوري، وأن الخطر الوحيد على إسرائيل يأتي من دعم الولايات المتحدة لميليشيات في سوريا.

يبدو أن لافروف لا يأبه للعبثية التي صارت تشوب تصريحاته وتنتقص من مصداقيتها، فالقول إن أميركا هي التي تهدد إسرائيل هو ضرب من ضروب الخيال لا يصدقه إلا الذين يصدقون بهلوانيات السيد لافروف، ومن يصدقون ادعاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه استعاد مجد الإمبراطورية الروسية حول العالم.

لكن بعيدا عمّا يقوله لافروف وإعلام الكرملين، ولمن يتأمل مجريات الأحداث في الشرق الأوسط وسوريا، سيرى أن كلام لافروف وإعلام الكرملين مجرد كلام، وإن السيد بوتين هو في الواقع "إمبراطور بلا ثياب"، على حد قول المثل الشعبي الأميركي، وأن على الإسرائيليين الاعتماد على قوتهم الجوية ودعم الولايات المتحدة لإبقاء حدودهم الشمالية آمنة.

هل ترتكز التسوية على بقاء الأسد «شكلياً» مقابل تقليص دور الرئاسة؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في الاتصال الذي تلقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أول من أمس، والذي استمر أكثر من ساعة، توافق أميركي - روسي على «الانخراط في مفاوضات تسوية بمشاركة كل اللاعبين السوريين، من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة تتوقف فيها المواجهات المسلحة، خصوصاً مع اقتراب موعد اعلان الانتصار على الارهاب»، حسب مصادر الإدارة الأميركية.

وتقول المصادر ان إدارة ترامب «لم تقدم أي جديد» في موضوع مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في «المفاوضات الانتقالية»، إذ سبق للأسد أن أوفد ممثلين عنه إلى مؤتمرات جنيف في الماضي، وتم عقد جولات حوار غير مباشرة، برعاية الأمم المتحدة، بين وفدي النظام والمعارضة.

وتتابع المصادر ان «جوهر المفاوضات الدولية التي يديرها بوتين هو أن على العالم جمع الفصائل السورية الموالية والمعارضة بكل أطيافها، وتركها تتوصل لتسوية». بكلام آخر، يقتصر الدور الدولي على فرض الإطار، من دون تحديد مضمون المفاوضات السورية أو نتائجها. إلا أن المصادر الأميركية ما تلبث أن تظهر ما يناقض الهدف المعلن للتفاهم الأميركي - الروسي - الدولي حول «نتائج» المفاوضات السورية، فكل من الدول الكبرى تسعى لتأكيد تحقيق مصالحها مع إنهاء الحرب السورية، وهو ما يعني أن أي «نتيجة» للمفاوضات الروسية ستأخذ في عين الاعتبار مصلحة ست أو سبع عواصم على الأقل.

من الجانب الاميركي، حدد ترامب هدفين هما: تأكيد عدم عودة الارهاب، وهي عبارة أميركية جديدة على ما يبدو ترمز إلى بقاء قوة عسكرية أميركية شرق الفرات لرعاية وضمان أمن حلفاء أميركا أي «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، و«خروج كل القوات غير السورية من الأراضي السورية»، وهي عبارات ترمز إلى إصرار ترامب على خروج الميليشيات الموالية لإيران، خصوصاً «حزب الله» اللبناني، من سورية.

أما روسيا، فيبدو أن لها حصة الأسد، فهي سبق أن توصلت لاتفاقيات تسمح لها إقامة ثلاث أو أربع قواعد عسكرية دائمة في سورية، وهذه ستبقى بغض النظر عن نتائج التسوية السورية. أما الأسد، فيبدو أن روسيا تُحبّذ بقاءه، وإنْ شكلياً، مع إدراكها أن صلاحياته ستتقلص بشكل كبير، إما لمصلحة الايرانيين، وإما لمصلحة المعارضين السوريين ممن سيدخلون «حكومة الوحدة الوطنية» ويشاركون في كتابة دستور جديد وفي الانتخابات.

ويبدو أن واشنطن وموسكو توافقتا على ضرورة «الإشراف الدولي الصارم» على إجراء الانتخابات السورية، وهي انتخابات لا يبدو أن أياً من الاطراف الدولية تعارض ترشح الأسد للرئاسة فيها. لكن الرئاسة قد تتقلص صلاحياتها وتتم إناطتها بحكومة وحدة، على غرار النظامين السياسيين في لبنان والعراق.

الأفكار الأميركية والروسية لا تزال غامضة ومتضاربة، لكن التفاؤل أعلى من السابق، والحديث عن إجماع دولي على أن تكون روسيا عرابة التوصل إلى حل، والتخلي عن الإطاحة بالأسد كشرط سابق للتسوية أو تالياً لها.

الثلاثاء، 21 نوفمبر 2017

إستراتيجية أميركية لما بعد «داعش» في سورية: إبقاء السيطرة شرق الفرات وقطع جسر طهران - بيروت

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

وسط الحديث عن تسويات بين كبرى العواصم المعنية بالشأن السوري، استعادت دوائر السياسة الخارجية في العاصمة الاميركية دراسة كان قدمها 15 ديبلوماسياً وعسكرياً وسياسياً أميركياً، من الشخصيات المعروفة بوزنها ونفوذها لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، حملت عنوان «مكافحة التمدد الايراني في سورية».

وكان معدو الدراسة، التي صدرت هذا الصيف برعاية «المعهد اليهودي للأمن القومي الاميركي»، دعوا الى تحويل المجهود الأميركي في رعاية وإدارة الحرب ضد تنظيم «داعش» إلى وجود أميركي دائم في المناطق السورية شرق الفرات، بما يكفل قطع «الجسر البري» الذي تسعى إيران لإقامته بين طهران وبيروت، عبر العراق وسورية.

وجاء في الدراسة ان الولايات المتحدة بحاجة الى «استراتيجية في سورية»، وان قيام ترامب بقصف قاعدة الشعيرات التابعة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، رداً على مجزرة خان شيخون الكيماوية في ابريل الماضي، لم يترافق مع إعلان أميركي يوضح سياسة الولايات المتحدة في سورية.

ولفتت الدراسة إلى أن ترامب ورث وضعاً صعباً في سورية، معتبرة أن أي استراتيجية تجاه هذا البلد يمكن أن تنطلق من الخطاب الرئاسي الذي أعلن فيه ترامب نيته التصدي لإيران وأنشطتها المزعزعة لاستقرار منطقة الشرق الاوسط.

واضافت ان العقوبات الاقتصادية على الإيرانيين وتوابعهم لا تكفي لوقف التمدد الايراني، وان المطلوب هو البناء على النقطتين اللتين قدمهما وزير الخارجية ريكس تيلرسون في تصريح، عندما قال ان أميركا لن تسمح لبشار الأسد أن يكون جزءاً من التسوية في سورية، وان واشنطن ستعمل على إخراج المقاتلين الموالين لايران من سورية.

وقدمت الدراسة اقتراحات لكيفية تحقيق الأهداف الأميركية، حسب ما صورّها تيلرسون، تتلخص في إعلان واشنطن نيتها الإبقاء على مستشاريها العسكريين شرق الفرات، وإبقاء سيطرتها على المجال الجوي السوري فوق المناطق نفسها التي يستعيدها حلفاء أميركا، خصوصاً «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) ذات الغالبية الكردية، من «داعش».

واعتبرت الدراسة ان تحالف روسيا وإيران والأسد لن يجرؤ على شن أعمال عسكرية لإعادة شرق الفرات الى سيادة الأسد، إنْ أعلنت الولايات المتحدة نيتها إبقاء سيطرتها على هذا الجزء من سورية، ومنح حمايتها لحلفائها في هذه المنطقة.

واضافت ان على أميركا وحلفائها الاقليميين فرض مراقبة بحرية على شحنات الأسلحة الايرانية الى سورية، بالتزامن مع قطع «الجسر البري» الايراني، لمنع طهران من زيادة قوتها وقوة «حزب الله» اللبناني على الاراضي السورية.

ولفتت الدراسة انه على الرغم مما يبدو انها انتصارات للأسد في سورية، إلا أن مجريات الاعمال القتالية أظهرت بشكل مؤكد انهيار قدرته في السيطرة على البلاد من دون القوات الايرانية والموالية لإيران، على الأرض، وهذه بدورها كانت في طور التراجع لولا الغطاء الجوي الروسي ابتداء من خريف 2015، مشيرة إلى أن القوات الموالية لإيران في سورية تعتمد بشكل أكبر من اللازم على القوة الجوية الروسية، وذلك بسبب ضعفها وعدم قدرتها على التغلب على المعارضة السورية المسلحة من دون تحويل مناطق خصومها إلى ركام.

وختمت الدراسة بالإشارة إلى أن ما ورد فيها من مقترحات هدفه استعادة أوراق القوة الاميركية لمواجهة ايران في سورية، حيث «المصالح الاستراتيجية الايرانية كبيرة، وحيث إيران في موقع ضعف في مواجهة ضغط مضاد، لكن الخطة في سورية وحدها غير قابلة لعكس تدهور قوة أميركا وزعامتها في المنطقة لمصلحة ايران، وهو ما يتطلب استراتيجية أكثر شمولية لمواجهة كل الأخطار الايرانية».

الاثنين، 20 نوفمبر 2017

لافروف:الأسد ضمانة اسرائيل

حسين عبدالحسين

حسب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أكبر ضمانة لأمن اسرائيل وحدودها الشمالية تكمن في السماح لقوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات الايرانية المتحالفة معه باستعادة الجنوب السوري والانتشار فيه. وحسب لافروف أيضاً، الخطر الأكبر على اسرائيل يكمن في الولايات المتحدة والميليشيات التي تدعمها داخل سوريا.

تصريح لافروف يظهر مدى العبثية التي وصلتها الأزمة السورية، وعبثية عواصم العالم واستخفاف مسؤوليها بعقول البشر، إذ يريد وزير خارجية روسيا من العالم تصديق أن الولايات المتحدة، التي رفعت من قيمة المساعدات العسكرية والمالية السنوية لاسرائيل في عهد باراك أوباما، الرئيس الأميركي صاحب اكثر علاقة متوترة مع الاسرائيليين، هي التي تشكل خطراً على اسرائيل.

على رغم العبث، قد يكون السيد لافروف محقاً، فواشنطن ربما تشكل خطراً على الاسرائيليين، وهو ليس من نوع المخاطر المقصودة، بل ربما غير المقصودة، وهو ما بدأ ينعكس في التصريحات الاسرائيلية، التي أصبحت تحمّل الاميركيين مسؤولية تحوّل الأسد الى دمية ايرانية بالكامل، وتحمّل أميركا المسؤولية لتقاعسها في السيطرة على شرق سوريا بطريقة تقطع اتصال الهلال الممتد من طهران الى بيروت، عبر العراق وسوريا.

بل إن واشنطن ساعدت طهران وميليشياتها على استعادة اجزاء الهلال الايراني غرب العراق، بتقديمها غطاء جوياً يوازي بأهميته الغطاء الجوي الذي منحته موسكو لتمكين الميليشيات الايرانية في سوريا.

وكما تسببت سياسة أميركا في سوريا بمتاعب للاسرائيليين، وهي سياسة ساهم في صناعتها الاسرائيليون الذين اعتقدوا ان الحرب الاهلية بين اعدائها السنة والشيعة ستستمر الى الأبد وتشغلهم عنها، كذلك تسببت السياسة الاميركية بمصاعب لحلفاء واشنطن في عمّان، ممن وجدوا الميليشيات الايرانية تحيط بأجزاء مملكتهم شمالاً، ومن الشرق وبعض الغرب.

وكما زار المسؤولون الاردنيون موسكو ودمشق وساهموا في التوصل الى انشاء "غرفة عمان" لمراقبة "خفض التصعيد" في الجنوب السوري، كذلك طار المسؤولون الاتراك الى طهران وموسكو لتدارك أزمة اعتماد الولايات المتحدة على مقاتلين أكراد أصبح محسوماً أنهم سيستخدمون خبراتهم القتالية التي جنوها من الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية"، والسلاح الذي جمعوه في الحرب نفسها، من اجل اعادة اطلاق حربهم ضد القوات التركية داخل اراضي تركيا.

هذه الايام، يبدو التحالف مع أميركا بمثابة عبء على اصحابه أكثر منه مكسب، من إسرائيل الى الأردن فتركيا، الكل يعاني، فيما ايران، عدوة أميركا اللدودة، هي الجهة الوحيد السعيدة بتطورات الاحداث، وهو ما يعني ان في سياسة أميركا الخارجية مشكلة كبيرة لواشنطن وحلفائها.

ربما على عكس ما يصرّح به الاسرائيليون، لا تمثل استعادة الأسد السيطرة على الجنوب السوري ذاك الخطر على اسرائيل، وقد يكون لافروف محقاً بقوله إن أمن اسرائيل يكمن في سيطرة الأسد وايران على الجنوب السوري، إذ على مدى اربعة عقود من سيطرة الأسد على هذا الجنوب، عاشت اسرائيل في نعمة الأمن والأمان، ولا تزال إلى اليوم تنعم بها في جنوب لبنان كذلك، تحت أنظار إيران، التي وصل عدد ضحاياها العرب، ممن تعلن طهران نيتها تحريرهم واستعادة اراضيهم في فلسطين، الى عدد اكبر بكثير من عدد ضحاياها الاسرائيليين، الذين تعلن طهران العداء لهم.

تصريحات لافروف حول الأزمة السورية والعلاقات المتداخلة بين أميركا واسرائيل وايران قد تكون تصريحات عبثية، ولكنها عبثية قد لا تكون بعيدة كثيراً عن الواقع.

في الاسابيع الاولى للثورة السورية، دبّرت اجهزة استخبارات الأسد مقابلة لصحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية مع ابن خال الأسد وأمين خزينته رامي مخلوف، حذّر فيها رجل الاعمال السوري اسرائيل من عواقب انهيار نظام الأسد على أمن حدودها الشمالية.

اليوم، وبعد مرور أكثر من ست سنوات على اندلاع الثورة، مازال معسكر الأسد يسعى لتذكير الاسرائيليين بالموضوع نفسه: إن أكبر ضمانة لأمن حدود اسرائيل الشمالية هو الأسد، ولا بأس ان كان الى جانبه قواته الميليشيات الموالية لايران. رسالة مخلوف في الأمس البعيد كانت هي نفسها رسالة لافروف في الأمس القريب: الأسد ضمانة اسرائيل في سوريا.

السبت، 18 نوفمبر 2017

تراكم الأدلة على تورّط ترامب شخصياً في إدارة «التنسيق» مع روسيا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |


مع ازدياد التوقعات التي تشير الى اقتراب إصدار المحقق الخاص روبرت مولر قراراً اتهامياً بحق مستشار الأمن القومي السابق الجنرال مايكل فلين، يرتفع يومياً عدد التقارير التي تثبت وجود تعاون بين الرئيس دونالد ترامب ومساعديه وبين روسيا أثناء حملته الرئاسية العام الماضي، وهو تعاون أملى على ترامب، المرشح والرئيس، تفادي توجيه أي انتقاد الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم مخالفة أحدث قوانين الكونغرس، الذي ينص على عقوبات جديدة بحق روسيا، بعدم فرضه أي من العقوبات الجديدة.

وعلى مدى الأسبوع الماضي، توالت التقارير الاعلامية التي كشفت تعاون مساعدي ترامب مع الروس، بما في ذلك مراسلات بين نجله دونالد جونيور وموقع «ويكيليكس»، الذي تؤكد وكالات الاستخبارات الاميركية انه (وصاحبه السويدي جوليان أسانج) تابع لأجهزة الاستخبارات الروسية.

وفي المراسلات، يطلب موقع «ويكيليكس» من دونالد الابن تعميم بعض روابط الموقع على صفحات نشر فيها الموقع مراسلات تمت سرقتها من البريد الالكتروني لمنافسة ترامب ومرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة هيلاري كلينتون. وبعد ربع ساعة من طلب «ويكيليكس» من دونالد الابن التعميم في تغريداته على موقع «تويتر» ، قاوم دونالد ترامب الأب ببث دعاية للموقع في تغريدة مشابهة.

وإلى مراسلات ترامب الابن وعملاء الاستخبارات الروسية في «ويكيليكس»، نشر موقع «بوليتيكو» مقابلات أجراها مع صحافيين من اليونان كانوا أجروا بدورهم مقابلات مع مستشار ترامب اليوناني - الأميركي جورج بابادوبولوس، الذي اعترف خلال التحقيقات بمحاولته إخفاء معلومات عن علاقاته مع موسكو، ووعد بالتعاون مع المحققين مقابل تساهل في الأحكام المتوقعة ضده.

وبعد اعلان اعتراف بابادوبولس بالذنب، أعلن ترامب ان الأخير كان مستشاراً صغيراً في حملته، وأنه لم يكن مجازاً التحدث باسم ترامب أو حملته، وأنه لم يلتقه شخصياً بشكل منفرد. على ان الصحافيين اليونان ممن سبق ان نشروا مقابلاتهم مع بابادوبولوس قالوا ان الاخير اخبرهم انه سبق أن التقى ترامب على انفراد أثناء الحملة وبعدها، وان اتصالات هاتفية حصلت بينهما، وان ترامب المرشح وعد بابادوبولوس بمنحه اي منصب في وزارة الخارجية يختاره في حال وصول المرشح الجمهوري الى البيت الابيض.

ورجح الخبراء ان يكون بابادوبولوس أخبر المحققين عن علاقته بترامب كما سبق ان رواها للإعلام اليوناني، وهو ما يدحض أقوال الرئيس الاميركي لناحية انه لم يسبق له أن تعامل مع مستشاره بصورة شخصية.

وفي التحقيقات التي نشرتها المحاكم الاميركية، يقول بابادوبولوس إنه كان على اتصال بمسؤولين روس دعوه لزيارة موسكو، وانه حصل على موافقة من «واحد من كبار المسؤولين» في الحملة للقيام بالزيارة والتنسيق مع الروس للحصول على معلومات تدين كلينتون، وربما للتنسيق في شؤون أخرى تهم المسؤولين من الطرفين.

وكان مستشارو ترامب أوعزوا لمسؤولي «الحزب الجمهوري» بتعديل البيان الانتخابي للحزب بحذف الفقرات التي كانت تشير الى تأييد الولايات المتحدة حرية اوكرانيا ودعمها في استعادة شبة جزيرة القرم، التي انتزعتها موسكو من كييف قبل عامين.

الأدلة حول تورط ترامب شخصياً في إدارة التنسيق مع روسيا، ضد منافسيه الأميركيين في السباق الرئاسي، تتراكم، فيما يشتعل السباق بين الاعلام، من جهة، والمحققين، من جهة اخرى، للتوصل إلى نتيجة حاسمة في الموضوع، على أن ثبوت تورط ترامب مع روسيا، يعد نوعاً من العمالة الذي قد يهدد بالإطاحة برئاسته حتى قبل نهاية ولايته الاولى.

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

العلاقات الأميركية - التركية في مهب «التحقيق الروسي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في الأسابيع الأولى لانتخابه رئيساً للولايات المتحدة، بدت العلاقة بين دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان وكأنها تمر في شهر عسل، لكنه عسل ما لبث أن وصل نهايته بسرعة، ومن دون أن يثمر تحسناً في العلاقات الأميركية - التركية عن المستوى المتدني الذي كانت وصلت إليه في زمن الرئيس السابق باراك أوباما.

غضب الأتراك من أوباما تمحور حول 3 نقاط، الأولى قيام الولايات المتحدة بتسليح «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، وهي ميليشيا شرق سورية، غالبية مقاتليها من «حزب العمل الكردستاني»، الذي تصنفه أميركا وتركيا تنظيماً إرهابياً.

النقطة الثانية العالقة تمثلت في عدم قدرة واشنطن على تلبية مطالب أنقرة بتسليم الداعية الاسلامي التركي فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا، ويتهم أردوغان شريكه السابق، غولن، بالتخطيط للانقلاب الذي كاد يطيح بالحكومة التركية في يوليو 2016، وطالب أردوغان المسؤولين الأميركيين مرارا بتسليم الداعية التركي، وقال غولن علنا ما مفاده ما قيمة التحالف بين تركيا وأميركا اذا كانت أميركا لا تلبي مطالب حليفتها تركيا؟

على أن المسؤولين الأميركيين، وفي طليعتهم أوباما، أجابوا أردوغان، مراراً، انه لا يمكن للحكومة الأميركية التدخل لدى القضاء، وانه اذا كانت أنقرة تعتقد ان غولن ارتكب جريمة تستحق استرداده، فعلى القضاء التركي متابعتها مع نظيره الأميركي.

أنقرة، بدورها، تعلم انها حتى لو اثبتت قيام غولن بال تحريض على الانقلاب او تمويله، فان ذلك لا يرقى لكونه جريمة تستحق ترحيله الى تركيا.

أما النقطة الثالثة، فكانت تتمثل بعدم مقدرة واشنطن على الافراج عن رجل الأعمال الإيراني رضا ضرّاب، الذي تم اعتقاله صدفة اثناء هبوطه وعائلته في ولاية فلوريدا الجنوبية لزيارة منتجع «ديزنيلاند»، ولم يصرّح يومذاك ضرّاب، الذي يحمل الجنسيات الايرانية والتركية والمقدونية والاذربيجانية، عن النقد الذي كان بحوزته، والذي كان يتخطى الحد المسموح به للفرد ادخاله الى البلاد، وهو ما دفع الأمن الأميركي الى التحقيق معه، ليكتشف ان الرجل كان مطلوباً بتهمة تجارة ذهب مع ايران بشكل يتجاوز العقوبات الدولية والأميركية المفروضة في حينه.

تركيا تعاملت مع مشاكلها الثلاثة مع الولايات المتحدة بأساليب مختلفة، فهي قامت بتجديد علاقاتها مع الايرانيين لدفع الميليشيات الموالية لايران لمواجهة الأكراد من أعداء تركيا، وكذلك أعلنت أنقرة انفتاحها على موسكو في خطوة تهدف الى تهديد الأميركيين بالقول إن عدم وقوف الولايات المتحدة على مصالح حليفتها تركيا قد يؤدي الى خروج تركيا، عضو «تحالف الاطلسي»، من الفلك الأميركي، ودخولها في الروسي. وكانت بادرة التقارب مع روسيا اعلان أنقرة شراء انظمة دفاع جوية روسية.

حول غولن وضرّاب، قررت تركيا التعامل مع الموضوعين من خارج قنوات الاتصال الرسمية بين البلدين، فسددت أنقرة أموالا طائلة في التعاقد مع مؤسسات علاقات عامة «لوبي»، لحمل الرأي العام الأميركي على تأييد ترحيل الداعية التركي. كما استأجرت تركيا خدمات ابرع المحامين من اجل الترافع دفاعا عن ضرّاب والعمل على التوصل الى الافراج عنه.

إلا أن موضوعي غولن وضرّاب تداخلا، فمن أصحاب النفوذ الأميركيين الذين استأجرتهم أنقرة، برز رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال المتقاعد، واحد اركان حملة ترامب الانتخابية الرئاسية، مايكل فلين، الذي وعد مجموعة من الاتراك كانت تزوره، في حضور مدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) السابق جيمس ووسلي، بخطف غولن، وتخديره، وترحيله على متن طائرة خاصة الى تركيا.

بعد دخول ترامب البيت الابيض، قام بتعيين فلين مستشاره للأمن القومي. الفضيحة الاولى التي طالت فلين كانت اتصاله السري مع السفير الروسي السابق في واشنطن سيرغي كيسلياك، طالبا منه عدم قيام روسيا برد فعل على طرد أوباما ديبلوماسيين روس. وقطع فلين للسفير الروسي وعدا بأن تقوم ادارة ترامب بتعديل العلاقات بين البلدين حال تسلمها السلطة.

بعد اكتشاف الإعلام مخابرة فلين السرية، التي حاولت الادارة التستر عليها فلم تنجح، اضطر ترامب الى طرد فلين، فخرج الاخير بالتزامن مع تحقيقات استخباراتية حول مدى تورطه مع حكومات اجنبية، وعمله مأجورا لمصلحتها من دون تصريحه عن ذلك، وهي تحقيقات حاول ترامب وقفها بطرده مدير «مكتب التحقيقات الفدرالي» (اف بي آي) جيمس كومي. وجاءت عملية الطرد بعدما حاول ترامب الحصول من كومي على وعد بعدم ملاحقة فلين، لكن من دون جدوى.

ومع تسلم المحقق الخاص روبرت مولر التحقيقات حول امكانية تورط ترامب او مساعديه مع روسيا في التآمر ضد حملة منافسته المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، عرض فلين على التحقيق التعاون مقابل ضمان عدم ادانته، الا انه يبدو ان مولر يسعى الى ادانة فلين والحصول على تعاونه في الوقت نفسه، وهو ما اعاد ضرّاب الى الواجهة، فالاخير يتمتع باتصالات واسعة في تركيا، ويمكنه تقديم معلومات تدين فلين، فيستخدمها مولر لانتزاع معلومات من فلين حول تآمر محتمل بين ترامب والروس.

هكذا، تعتقد الاوساط الاعلامية ان مولر توصل الى اتفاقية قضائية مع ضرّاب، فخرج الاخير من سجنه في نيويورك، مع سند اقامة يشي بأن المحقق سيستدعيه للشهادة ضد فلين لادانته واجباره على التعاون. لكن مع اعترافات ضرّاب قد يخرج الى العلن المزيد من التفاصيل حول خطة اختطاف غولن من أميركا الى تركيا، ومعلومات اخرى.

كما يشي توصل مولر المحتمل الى اتفاقية مع ضرّاب الى نيته في التواصل مع مسؤولين في حكومات اجنبية للوقوف على دورهم في العلاقات بين روسيا وترامب.

هل يؤدي خروج ضرّاب من السجن الى انفراج في أزمة العلاقات الأميركية - التركية؟ ام ان خروج تفاصيل اختطاف غولن الى العلن سيؤدي الى المزيد من التأزيم بين البلدين؟

المستفيدون من خطة ترامب الضريبية

واشنطن - حسين عبدالحسين

تختلف الإجابة عن سؤال عمّن من الأميركيين يستفيد من خطة الضرائب التي قدمها فريق الرئيس دونالد ترامب إلى الكونغرس لإقرارها، وذلك وفق المجيب. فإذا كان من الجمهوريين من يصرّ على أن أكثر المستفيدين من ضرائب ترامب هم من ذوي الدخل المحدود وأفراد الطبقة الوسطى وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة.

الديموقراطيون بدورهم، ومعهم السيناتور الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، رون جونسون، يعتبرون أن الخفوضات الضريبية التي يعكف ترامب على إقرارها تفيد الشركات والمتمولين الكبار، من دون غيرهم من الأميركيين. أما إذا حدث وانضم عضوان في مجلس الشيوخ من الجمهوريين إلى جونسون، فيصبح مستحيلاً إقرار الضرائب الجديدة، بسبب الأقلية الضئيلة التي يتمتع بها الجمهوريون في المجلس، وهي أكثرية 52 سيناتوراً مقابل 48 للديموقراطيين المعارضين المشروع الضريبي جملة وتفصيلاً.

قصة «ضرائب ترامب» تبدأ من إعلان الرئيس الأميركي، أثناء حملته الانتخابية وبعد دخوله إلى البيت الأبيض مطلع هذه السنة، أن الضرائب على الشركات في الولايات المتحدة هي الأعلى بين اقتصادات العالم الكبيرة بنسبة تناهز 40 في المئة، وهو قول يؤيده «مكتب موازنة الكونغرس» الهيئة الحكومية المستقلة، والمعروفة بعدم حزبيتها وابتعادها من الاعتبارات السياسية.

هذا الواقع، دفع ترامب إلى إعلان نيته خفض الضرائب على الشركات إلى 15 في المئة، بهدف جذب المستثمرين إلى البلاد. لكن بموجب الخطط المطروحة حالياً للنقاش، يبدو أن الرأي النهائي بين الجمهوريين استقر على خفضها إلى 20 في المئة بدلاً من 15 في المئة.

وترامب لا يطلق تسمية «خفض ضريبي» على خطته، تفادياً لإثارة الخوف بين الجمهوريين الحريصين عادة على لجم العجز في الموازنة الفيديرالية، البالغ نحو نصف تريليون دولار سنوياً، ووقف الارتفاع الكبير للدين العامو الذي بلغ 8.19 تريليون دولار، أو ما يوازي 106 في المئة من الناتج المحلي.

فريق ترامب حاول في الأيام الأولى لإطلاقه النقاش حول الخفوضات الضريبية القول إن النمو الذي سيسبّبه خفض الضرائب سيغطي العجز الناتج عن تقليص الضرائب، لكن الجمهوريين لم يقبلوا هذا النوع من التبريرات، وأشاروا إلى قانون أصدره الحزبان عام 2010، وهو قانون معروف بـ «إدفع سلفاً» ويجبر الحكومة على تأمين الأموال المطلوبة لأي إنفاق مستحدث قبل المصادقة على الإنفاق الجديد.

ويخوّل القانون المذكور «مكتب موازنة الكونغرس» فرض اقتطاعات إلزامية من الإنفاق الحكومي، من دون العودة إلى الكونغرس لسداد تكاليف النفقات المستحدثة من دون مزيد من الاستدانة الحكومية.

ولأن المكتب ذاته أعلن أن قانون ترامب الضريبي سيرفع العجز السنوي بواقع 5.1 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، فقد تكون الوسيلة الوحيدة لسداد العجز بالاقتطاع من «الموازنة الملزمة» أي من برامج الرعاية الاجتماعية، وفي طليعتها صندوق الرعاية الصحية المخصص للمسنين ومحدودي الدخل، والمعروف بـ «ميدي كير»، وهو برنامج يتمتع بشعبية لدى شريحة واسعة من الناخبين، وربما يؤدي تقويضه إلى زعزعة وضع الجمهوريين في الانتخابات المقبلة، وهو ما دفع السيناتور جونسون، ويدفع جمهوريين آخرين في الأيام المقبلة، إلى الالتحاق بالمعارضة الديموقراطية لقانون ترامب الضريبي، وهو ما ينسف حظوظ إقراره.

وسيلة بديلة للتعويض من العجز المستحدث بسبب خفض الضرائب ممكنة من طريق ما يسميه الجمهوريون اصطلاحاً، ولو في شكل غير دقيق كلياً، «إصلاحات ضريبية»، وهذه تتضمن «تبسيط القانون» الضريبي الأميركي الشديد التعقيد حالياً، والذي يكلّف الأميركيين أموالاً طائلة وساعات كثيرة للتصريح عن ضرائبهم سنوياً، والإفادة من الاقتطاعات التي يمنحهم اياها القانون.

خلف «التبسيط» خبأ الجمهوريون زيادة ضريبية على محدودي الدخل، الذين يسددون نسبة 10 في المئة ضرائب دخل، وهي تتصاعد بحسب المدخول في سبع مراحل، حتى تصل إلى 39 في المئة للأعلى دخلاً. ويدّعي الجمهوريون أن «إصلاحاتهم الضريبية» تقلّص عدد الخانات من سبعة إلى أربعة، لكن دمج الخانات يعني إلغاء الخانة الأدنى، ودمج المستفيدين منها بخانة أعلى أي يرتفع الحد الضريبي الأدنى من 10 إلى 12، ما يعوّض من خسائر الخزينة بسبب الخفوضات التي سينالها الأعلى دخلاً، مثل ترامب الثري، من 39 إلى 5.37 في المئة، بالتزامن مع الخفوضات التي ستستفيد منها الشركات الكبيرة.

في المحصلة، ترتفع الضرائب قليلاً على محدودي الدخل، وهم الغالبية بين الأميركيين، لتتدنى على الأعلى دخلاً وكبرى الشركات، فلا يتأثر العجز السنوي.

هذه الألاعيب القانونية التقطها عدد من المؤسسات ومراكز الأبحاث الاقتصادية الرصينة، التي أجمعت على أن الضرائب ستؤدي إلى زيادات على 36 مليوناً من العائلات الأميركية بحلول عام ٢٠٢٧، وفق «مركز سياسة الضرائب»، وهي تقارير لم تقنع مؤيدي قانون «إصلاح الضرائب»، خصوصاً من الفريق الرئاسي.

وأورد المركز المذكور أن قانون ترامب سيخفض الضرائب بمعدل 8.1 في المئة على غالبية الأميركيين عام 2018، لكن بنود القانون ذاته تلغي تدريجاً مفاعيل بعض الإعفاءات الضريبية، مثل الإعفاءات على العائلات وعلى الأولاد القاصرين، ما يعني أن «24 في المئة على الأقل من دافعي الضرائب سيسددون ضرائب أعلى مع حلول عام 2027 «، وفق المركز.

الخميس، 16 نوفمبر 2017

تأييداً للإصلاحات في السعودية

بقلم حسين عبد الحسين

في مقابلة أجريتها أواخر العام ٢٠٠٩ مع السوري صادق جلال العظم، أحد أبرز المثقفين الثوريين العرب، قال لي الراحل الكبير إنه "لو تم تحسين الديموقراطية بنسبة ٢٠ أو ٣٠ في المئة، في أي بلد، لبنان أو سورية، ستكون بمثابة قفزة هائلة". وأضاف العظم "أن أهم شيء قد يحصل في سورية، هو رفع الأحكام العرفية والعودة إلى حكم القانون العادي… حتى لو تم رفع قانون الطوارئ بحدود ٤٠ في المئة، نكون حققنا قفزة هائلة".

لم أستسغ يومذاك محدودية طموح العظم، وأنا الحزين والمحبط بسبب سلسلة الاغتيالات السياسية التي ضربت لبنان، والتي يعتقد كثيرون أن الرئيس السوري بشار الأسد كان ضالعا فيها. يومذاك، على الرغم من خيبة الأمل من نشر الديموقراطية في العراق، كنت وأقراني نعتقد أن لا تسويات في لبنان أو سوريا من دون الإطاحة بالأسد ونزع سلاح "حزب الله".

بعد العام ٢٠١١ واندلاع الثورة السورية، صرنا نرى أن مبادئنا ومطالبنا الديموقراطية سليمة، ولكنها مستحيلة: الأسد يحرق البلد ولا يسلمها، والمعارضة تعاني في جزء منها من تغلغل الإسلاميين، الذين لن يحتكروا الحكم فحسب، على غرار بعثيي الأسد، بل سيسعون إلى تضييق مساحة الحرية الشخصية وفرض رؤيتهم، الأكثر خيالا من أحلامنا الليبرالية، على سوريا والسوريين.

طبعا لسنا ندافع عن الأسد أو نبرره. السوريون ثاروا مطالبين بالحرية والديموقراطية، والمطلوب من أحرار العالم تأييدهم من دون تردد، حتى لو بدت آفاق الديموقراطية السورية غامضة.

بعد تجربة نشر الديموقراطية في العراق، والتي أنتجت برلمانا من القرون الوسطى، أقصى اهتماماته إقرار قوانين تسمح بزواج القاصرات والتحريض الفارغ والشعبوي ضد إسرائيل، وبعد تجربة سوريا الدموية، ربما علينا إعادة النظر في أحلامنا.

في منطقة الشرق الأوسط ثلاثة أنواع من الأنظمة، تلك القائمة على "شرعية ثورية"، وأخرى قائمة على "المبايعة العشائرية"، وثالثة منقسمة إلى أزلام النظامين الأولين وغارقة في فوضى المنافسة الناتجة عن ذلك.

"الشرعية الثورية" أنجبت حكومات مثل "الجمهورية الإسلامية في إيران"، وهذه قائمة على حكم الأقوى، وهو ما يعطي التنظيمات المسلحة خارج الدولة قوة ونفوذا أكبر من الحكومة المنتخبة. أما نموذج "المبايعة العشائرية"، فهو ملكي، كما في الأردن ودول الخليج، وفي طليعتها السعودية.

على مدى الأشهر الماضية، عمد ولي عهد السعودية وملكها المقبل محمد بن سلمان إلى شن حملات متعددة من المتوقع أن تؤدي إلى تغييرات واسعة وجذرية في المملكة، التي تحتاج إصلاحاتها، حسب الصديق جون هانا، إلى "مطرقة لا مبضع جرّاح".

الليبراليون العرب وحول العالم ترددوا في إبداء التأييد الكامل، فالتغيير السعودي، على أهميته، لن يبلغ حجم طموحاتهم، ولن تتحول المملكة إلى جمهورية ديموقراطية ذات نظام رئاسي أو برلماني. وبعد تجارب العراق ولبنان وسوريا، صرنا نعرف أن مشكلة عدم إدراك الديموقراطية قد لا تكمن في الحكام وحدهم، إذ أن الشعوب العربية لم تبد حتى الآن استعدادا مجتمعيا للتخلي عن النظام الأبوي العشائري القائم، واستبداله بنظام "الحريات الفردية"، المعروف بالإنكليزية بـ"ليبرتي".

ولأن الديموقراطية التي نطمح إليها متعذرة، ربما لا بأس بالقبول بتغيير بنسبة ٢٠ إلى ٣٠ في المئة، حسب تعبير العظم. لا بأس في أن تنال السعوديات حق الترشح والتصويت والقيادة، حتى لو بقيت المساحات العامة المختلطة جندريا محظورة. لا بأس في التخلص من شيوخ القرون الوسطى، ممن يصرون أن "الأرض مسطحة"، أو ممن يحرضون ضد اليهود والشيعة وغير المسلمين. لا بأس من تعزيز الأمير محمد بن سلمان سلطته، إن كان حكمه سيؤدي إلى تحسينات وتطويرات.

النقاش حول حكم "المستبد المتنور" ليس وليد اليوم. في الأيام الأخيرة للسلطنة العثمانية مطلع القرن الماضي، انقسم العرب في موقفهم من السلاطين، الذين كانوا نجحوا قبل رحيلهم في تطوير قطاعات واسعة من الاقتصاد وتحديثه. لكن العرب، خصوصا من المسيحيين، طالبوا عن حق بحقوق متساوية مع المسلمين، فيما راحت رياح الاشتراكية والحداثة والجمهورية تعصف بالمنطقة. هكذا استكان عرب كثيرون لحكم "المستبد المتنور"، لولا أن السلطنة انهارت أمام القومية التركية والتتريك، فتحول استقلال العرب إلى حتمية.

ليست سطورنا هذه للتملق لولي العهد السعودي، ولا هي للمصادقة على كل سياساته، فرؤيته الإقليمية ما تزال غامضة، ومن غير المفهوم كيف ينوي مواجهة إيران، فيما أقرب حلفائه من العرب يدعمون الأسد، حليف إيران وراعي "حزب الله" اللبناني.

لكن تأييدنا الإصلاحات في السعودية، حتى لو أدت هذه إلى تغيير بنسب ٢٠ إلى ٣٠ في المئة، يبدو الأمر الصواب، إذ لا يعقل أن نشكو غياب الإصلاحات في السعودية، وفي نفس الوقت نعترض على الإصلاحات، على محدوديتها أو الأزمات السياسية التي ترافقها، إن لم تفض إلى إصلاحات كاملة وشاملة كالتي نراها في أحلامنا.

الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

التطرف الغربي المباح

حسين عبدالحسين

على مدى العقدين الماضيين، دأبت بعض الدوائر الاعلامية والفكرية الغربية على محاولة اسباغ صفة متطرفين على العرب، وخصوصا المسلمين، بأجمعهم من دون استثناء.

يقرأ باحث غربي مقالة او يشاهد فيديو يدلي فيه رجل دين مسلم مغمور بآراء متطرفة، يتم تعميم الفيديو، وتصويره بوصفه الرأي السائد بين العرب، وباعتبار ان النصوص الاسلامية هي المسؤولة عن انتاج آراء متخلفة، وهي آراء يوافق عليها البرابرة العرب والمسلمين بأجمعهم.

يقرأ احد الغربيين تصريحا او يشاهد فيديا يقول فيه شاب او شابة فلسطينية ان هدفهما قتال اسرائيل لالحاق الهزيمة بها، واستعادة بيت واراضي جدها في حيفا، مثلا، يهتز العالم على رؤوس العرب لايوائهم ارهابيين متطرفين، وعلى قناة الجزيرة الفضائية لسماحها ببث آراء عنصرية تدعو الى تدمير دولة عضو في الأمم المتحدة هي اسرائيل.

في الايام القليلة الماضية، اظهرت استطلاعات الرأي في ولاية آلاباما الاميركية ارتفاع في شعبية المرشح الجمهوري الى مقعد في مجلس الشيوخ الاميركي روي مور بنسبة 37 في المئة بين المسيحيين الانجيليين البيض، على الرغم من انتشار تقارير مفادها ان مور، يوم كان يبلغ 32 عاما من العمر، اقام علاقة غرامية مع فتاة كانت تبلغ 14 عاما، وهي علاقة بين راشد وقاصر يحرّمها القانون الاميركي ويلاحق من يتورط بها بتهم جنائية.

فوجئت بعض وسائل الاعلام الاميركية لرؤيتها شعبية مور ترتفع بين مسيحيين محافظين. ما لم تتنبه له الوسائل الاعلامية الاميركية ان مجموعات كبيرة من المسيحيين الانجيليين البيض لا يوافقون على سلسلة من التشريعات الاميركية، وفي طليعتها اعتبار عمر ال18 سناً للرشد، وسبق لكبار المسؤولين الجمهوريين ان دعوا الى تخفيض هذا السن، وجعله اقرب الى سن البلوغ عند الافراد، وهو سن التكليف الديني ايضا.

هذا الاسبوع تستضيف مجموعات اميركية من ”اصدقاء اسرائيل“ مشرعين من الكنيست الاسرائيلي في جلسة في الكونغرس الاميركي. كبير منظمي الجلسة هو الباحث والناشط دانيال بايبس، وهو نفسه الذي نظّم واستضاف الرئيس اللبناني ميشال عون يوم كان الاخير ما يزال منفيا في باريس، في الكونغرس، وهي الزيارة التي وصف فيها عون ”حزب الله“ على انه ”منظمة ارهابية“ واداة ايرانية وسورية في لبنان.

السيد بايبس نفسه مايزال في نشاطه. هذه المرة، يستضيف المشرعين الاسرائيليين في جلسة ”اعلان انتصار اسرائيل على الفلسطينيين“. ويقول بايبس انه يسعى الى تعميم مقولة جديدة، بدلا من ”حلّ الدولتين“، مبنية على ”هزيمة الفلسطينيين“، ما يعني ان كل الارض صارت من نصيب الفائز، اي الاسرائيليين. يقول بايبس ان العالم يجب ان يعرف ان اسرائيل هي من البحر الى النهر، وان لا وجود لدولة فلسطين.

بايبس مسموح له ان لا يعترف بدولة فلسطين، وان يطالب بترحيل الفلسطينيين، من دون ان يتهمه احد بالعنصرية. لكن لو كان بايبس عربيا او مسلما، ينظّم فعاليات لاعلان الانتصار الفلسطيني على الاسرائيليين، والغاء حل الدولتين، واقامة فلسطين من البحر الى النهر، وترحيل اليهود عنها، لكانت قامت قائمة العالم، وتم اتهام الناشط الفلسطيني بالعنصرية والنازية وغيرها.

وان يطالب حزب ”اسرائيل بيتنا“ بترحيل الفلسطينيين واقامة دولة اسرائيلية واحدة من البحر الى النهر، وان يكون هذا الحزب مشاركا في الحكومة الاسرائيلية، فهذه ديموقراطية. اما ان تعلن حركة حماس قبولها ما تقبله السلطة الفلسطينية، اي حل الدولتين، من دون ان تقدم حماس اعترافا باسرائيل، فارهاب وجريمة تطال كل من يلقي تحية على اي عضو في حماس.

ان يقول مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين ان الاسلام ليس دين بل عقيدة ارهابية، ما يجعل كل مسلم ارهابي يستوجب قتله، وجهة نظر، لكن لو قال التصريح نفسه معكوسا رجل دين مسلم مغمور، يتحول الى مادة ادانة لكل المسلمين.

طبعا حتى لا نقع بالتعميم الذي يقع فيه بعض الغربيين والعرب، علينا التذكير انه في كل ديرة صالح وطالح، وانه لا يجوز التعميم. في كل مجتمع ودولة وحضارة متطرفون يعيشون على الهامش. لكن ان نمنع هامشيي العرب والمسلمين عن حرية التعبير نفسها التي نجيزها لهامشيي الغرب واسرائيل هي خطوة فيها لاعدالة يجب تعديلها.

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

«تقويض» وزارة الخارجية يشلّ قدرة الولايات المتحدة على التأثير في أزمات العالم

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بدأت ثمار سياسة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، القاضية بإضعاف وزارته ودورها العالمي، تظهر إلى العلن، مع غياب الوزارة الملحوظ عن غالبية الأزمات العالمية، ومع انقطاع تواصلها وندرة معلوماتها التي كانت تستقيها من مصادرها الخاصة.

وللتعويض عن الضعف الذي أصابها في عهد الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته، بدأ الديبلوماسيون الأميركيون يعتمدون على ما يصطلح أهل السياسة في واشنطن على تسميته «المصادر المفتوحة»، أي التقارير الاعلامية والتصريحات الرسمية.

وأشارت التقارير في العاصمة الاميركية إلى أن ما يقارب 60 في المئة من أكثر الديبلوماسيين الأميركيين خبرة تركوا مناصبهم، إما بالإقالة وإما بالاستقالة، منذ وصول ترامب الى البيت الابيض مطلع العام الحالي.

وتزامن «نزيف» الخارجية الاميركية مع إعلان تيلرسون نيته تقليص نفقات وزارته بشكل كبير، ومع اعتماده على دائرة صغيرة من المساعدين، غالبيتهم ممن استقدمهم معه من عمله السابق كمدير تنفيذي في شركة «إكسون موبيل» العملاقة للطاقة.

وكانت وزارة الخارجية عانت، أثناء الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما، لأنه بعد خروج هيلاري كلينتون من الوزارة وتولي جون كيري منصبها، راح البيت الابيض يحصر قرارات سياسة أميركا الخارجية في أيدي مجموعة من العاملين في «مجلس الأمن القومي» التابع للرئيس، والذي يعمل فيه غالباً من يتم تعيينهم سياسياً، بدلاً من الديبلوماسيين المتمرسين في السياسة الدولية.

وبعد حلول ترامب في الرئاسة بدلاً من أوباما، توقفت المركزية المشددة التي مارسها الرئيس السابق، لكنها ترافقت مع عدوانية مارسها البيت الابيض تجاه الديبلوماسيين، واتهمهم أحياناً بالولاء لأوباما والديموقراطيين والعمل ضد سياسات ترامب والبيت الابيض.

وبعدما عانت الوزارة ما عانت، وجدت واشنطن نفسها أمام سلسلة من الأزمات العالمية غير المسبوقة، فللمرة الاولى في التاريخ الحديث تندلع أزمة بين حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وهي أزمة لا يبدو أن لدى الديبلوماسيين الأميركيين المخيلة ولا المقدرة على تقديم حلول لها، بل جلّ ما يعملون عليه منذ اندلاعها هو كيفية إدارتها والتعامل معها للحفاظ على المصالح الاميركية.

ويقول ديبلوماسيون سابقون لـ «الراي» إن المركزية تؤذي الوزارة، وكذلك غياب الانضباط في البيت الأبيض، وانه إذا كان يمكن لحكومات الدول نيل الحظوة لدى الرئيس الأميركي بمجرد إقامة صداقة مع أقاربه، أو الحجز في فنادقه لإفادة شركات الرئيس مالياً، يصبح دور الديبلوماسيين الأميركيين في تقييم صداقات واشنطن وعداواتها ومواقفها بشكل عام دوراً هامشياً لا فائدة منه.

وكما في الخليج، كذلك في لبنان، حيث أربكت أزمة إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من الرياض، وزارة الخارجية الاميركية وأخذتها على حين غرة، فالديبلوماسيون الأميركيون لم يتوقعوا الاستقالة من سياسي يعد أحد أصدقاء أميركا وحلفائها، من دون أن يبلغها بالأمر مسبقاً.

أما بعد الاستقالة، فلم تنجح واشنطن في إقامة اتصال مع الحريري في الرياض والحصول منه على معلومات حول حقيقة الموقف، وأظهرت التقارير الديبلوماسية المتداولة في العاصمة الاميركية سطحية المعلومات الاميركية حول اسباب استقالة رئيس الحكومة اللبناني، وحول امكانيات عودته عن الاستقالة، وآفاق المرحلة المقبلة.

ويقول المتابعون ان معلومات واشنطن حول الأزمة اللبنانية بمعظمها مستقاة من الإعلام ومن حكومات بعض الدول الصديقة، لكن الإدارة الأميركية لا علم يقين لديها عمّا يجري، ولا تصور لديها حول ما المطلوب حصوله مستقبلاً.

يعتقد بعض الخبراء الاميركيين، خصوصاً من الحزب الديموقراطي، ان تيلرسون يعمل على إضعاف «الخارجية» تلبية لمطالب صديقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استاء جداً من دور هذه الوزارة أثناء وجود كلينتون على رأسها، لكن صحة هذه المعلومات تبقى في باب التكهنات، إذ إن الأرجح أن بوتين لا يحقد على مؤسسات الحكومة الاميركية، بل هو يدرك أن هذه المؤسسات تنفذ سياسات الحكام، وانه إذا كان يتمتع بصداقة مع الحكام، فلا يهم من يدير الوزارات الاميركية.

على ان الاستقالات الجماعية للديبلوماسيين الاميركيين هو موضوع أكبر وأبعد من رئاسة ترامب، ويؤثر في السياسة الخارجية الاميركية وقدراتها الديبلوماسية على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما قد يسرّ بوتين وخصوم الولايات المتحدة الآخرين، لكنه بات يقرع ناقوس الخطر في العاصمة الاميركية، مع توقيع عدد من الديبلوماسيين الحاليين والسابقين عريضة تطالب بإنهاء السياسات التي تقوِّض من قدرات وزارة الخارجية وتقضي على دورها.

الأحد، 12 نوفمبر 2017

«الراي» تكشف تفاصيل صفقة ترامب - بوتين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كان واضحاً تردد الرئيس دونالد ترامب في لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بسبب الأنظار المسلطة في الولايات المتحدة على التحقيقات في إمكانية وجود تواطؤ بين حملة ترامب الانتخابية وموسكو. وكان البيت الأبيض أعلن نية ترامب لقاء بوتين على هامش قمة «التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي»، قبل أن يعلن إلغاء اللقاء بحجة تضارب في مواعيد جدولي أعمال الرئيسين.

لكن على الرغم من إلغاء اللقاء، بدا وكأن ترامب عقد فعلياً اجتماعه مع بوتين من خلال دردشات متفرقة على هامش القمة، تلى ذلك إصدارهما بياناً مشتركاً حول الأوضاع في سورية.

وبدا جلياً أن ترامب حقق ما يشبه الانتصار بحمله بوتين على التخلي عن مشروع «مؤتمر الحوار الوطني السوري» (كان سابقاً اسمه «مؤتمر شعوب سورية»)، الذي كانت تطمح موسكو من خلاله الى تجاوز مقررات مؤتمر جنيف الأول، والذي تم تكريس بنوده في مؤتمرات لاحقة في جنيف وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254.

وتنص مقررات جنيف على محورية عملية الانتقال السياسي في سورية، من النظام بشكله الحالي، إلى نظام يتوافق عليه السوريون، مع ما يرافق ذلك من كتابة لدستور جديد، قد يحوّل البلاد من نظام رئاسي إلى برلماني، ومع انتخابات بتنظيم وإشراف دوليين صارمين.

أما في «مؤتمر الحوار السوري» الذي كانت روسيا تخطط لعقده في مدينة سوتشي، فهدفه إلغاء بند الانتقال السياسي، واستبداله بدخول المعارضة، حتى المؤيدة منها للرئيس السوري بشار الأسد، في حكومة وحدة وطنية، تقوم بالإشراف على كتابة الدستور، وإجراء انتخابات، مع ما يعني ذلك من إبقاء الرئاسة السورية، وتالياً الأسد، خارج أي عملية تغيير سياسي تجري في سورية.

ويبدو أن لدى ترامب خطة تؤدي إلى تحسين العلاقات بين واشنطن وموسكو، وهو ما يخفف الاحتقان الاميركي ويسمح بالتخلص من التحقيقات التي تلاحق ترامب ومساعديه. خطة ترامب تقضي بإظهار فوائد العلاقة الجيدة مع موسكو، والتي ستكون باكورتها إنهاء الحرب السورية، والتوصل الى تسوية، كان سلف ترامب، باراك أوباما، فشل بالتوصل اليها، لأن «لا مواهب لديه»، حسب دردشة ترامب مع الصحافيين على متن طائرة الرئاسة في طريقها إلى هانوي.

وأبلغ ترامب الصحافيين أنه يمكن لتعاونه مع بوتين أن يؤدي الى حل الأزمة المتفاقمة مع كوريا الشمالية. وقال إن الصين فرضت أقسى العقوبات التي يمكنها فرضها على بيونغ يانغ، التي يبدو أنها استبدلت الرعاية الصينية الماضية لها برعاية روسية، وهو ما يعني أن الحل في كوريا الشمالية يمر في موسكو كذلك.

وسبق لوكالات الاستخبارات الاميركية أن أشارت إلى أن محركات الصواريخ التي استخدمتها كوريا الشمالية لاجراء تجارب تفجيرات رؤوس هيدروجينية هي محركات تمت صناعتها في معامل روسية.

هكذا راح ترامب يطلق وعوداً مفادها أن تعاونه مع بوتين، الذي لم يتمكن أسلافه من التوصل إليه على الرغم من محاولاتهم، سيثبت جدوى تحسين العلاقات مع روسيا، وتالياً لا جدوى للتحقيقات في امكانية تدخل موسكو في الانتخابات العام الماضي، وهو ما قاله ترامب ان بوتين نفاه أمامه بشكل متكرر.

وإذا كان الرئيس الروسي سيتراجع كرمى لعيون نظيره الأميركي في سورية وكوريا الشمالية، حتى يقدم ترامب إنجازاته في السياسة الخارجية للأميركيين، فماذا سيجني بوتين؟

الإجابة ان بوتين يسعى لأمرين: الأول هو قيام الولايات المتحدة برفع عقوباتها المفروضة على موسكو بسبب عملية الاغتيال التي تعرض لها المعارض سيرغي ماكغنيتسكي. أما الأمر الثاني، فسكوت الولايات المتحدة عن قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم الاوكرانية. وسبق لترامب ومساعديه أن حاولوا تلبية مطلبَيْ بوتين.

صحيح أن ترامب غير قادر على رفع عقوبات الكونغرس الحالية عن روسيا، الا أنه حاول نقض قانون صدر قبل اسابيع حمل عقوبات مشددة على موسكو، وقعه ترامب على مضض بسبب الإجماع في الكونغرس، وهو إجماع أطاح بمقدرة الرئيس على النقض. لكن على الرغم من توقيعه القانون، لم يقم ترامب بتنفيذ أي من بنوده، حتى بعد مرور الموعد النهائي الذي حدده القانون لفرض عقوبات جديدة.

حول أوكرانيا، قام مساعدو ترامب، العام الماضي، باستباق المؤتمر العام للحزب الجمهوري بشطب البنود في بيان الحزب، التي كانت تتحدث عن ضرورة انهاء الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم الاوكرانية، وهي احدى الخطوات التي تخضع للتحقيقات الجارية حالياً في واشنطن.

ترامب وبوتين يأملان أن تؤدي انفراجات الأزمات العالمية، مثل سورية وكوريا الشمالية، الى انفراجات في العقوبات الاميركية على روسيا، وفي اعتراف واشنطن بضم موسكو شبه جزيرة القرم، لكن لا يبدو أن بوتين ممسك بسورية بالشكل الذي يسمح له بإصدار وعود لترامب، إذ إن غالب القوات البرية المقاتلة تابعة لايران. وكان مستشار المرشد الايراني علي ولايتي زار حلب الاسبوع الماضي، ووعد باستعادة الأسد شرق سورية، من أميركا وحلفائها، وشمالها، من تركيا وحلفائها، وهو ما يخالف اتفاقيات خفض التصعيد التي ترعاها روسيا وتُسوِّق لها.

كذلك، من غير المؤكد أن يكون لبوتين تأثير يذكر على بيونغ يانغ لإقناعها بالتنازل عن حصولها على سلاح نووي.

وكما يبدو أن بوتين وعد أكثر مما يقدر على الايفاء به، كذلك لا مقدرة لترامب على إقناع أميركا بصداقة روسيا، فالرئيس الأميركي غارق في تحقيق لا قدرة له على إيقافه، حتى حزبه الجمهوري لم يلتفت الى تعليماته وصادق بالاجماع على عقوبات جديدة على موسكو في الكونغرس. كما يستبعد ان يقدر ترامب على منح ضم القرم شرعية لروسيا.

ومع تقديم الرجلين لوعود أكثر مما يمكنهما تحقيقها، من المرجح أن تتمخض التسوية التي أيداها في سورية عمّا سبق لها أن تمخضت عليه منذ بدايتها في العام 2011 حتى اليوم، أي استمرار الأوضاع على ما هي عليه.

السبت، 11 نوفمبر 2017

حتى أنت يا سيسي؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم يكد رئيس حكومة لبنان المستقيل سعد الحريري ينهي تلاوة استقالته من الرياض، التي قال فيها إن "أيدي ايران ستقطع وشرها سيرتد عليها"، حتى أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو عماد التحالف الذي تبني عليه السعودية سياستها الاقليمية، تصريحات قال فيها إنه يعارض ضرب إيران أو "حزب الله" اللبناني.

ومن يعرف أمور المنطقة وشؤونها كان يدرك، حتى قبل تصريحات السيسي، استحالة ان تؤدي استقالة رئيس حكومة لبنان الى "قطع ايادي ايران"، وكان يعرف ان التصعيد السعودي ضد الايرانيين هو حملة مبنية على تصريحات الحريري المستقيل، وتغريدات الوزير السعودي ثامر السبهان، ونشرات اخبار قناة "العربية" الفضائية، التي يخال متابعها أن القوات السعودية صارت على مشارف طهران، وأن حرب اليمن تكاد تنتهي، وأن اقتصاد قطر قيد الانهيار.

لا استراتيجية سعودية، ولا اميركية، واضحة او مفهومة في الشرق الاوسط، وهو في الغالب ما دفع الايرانيين الى الاسراع في اقتحام المناطق الكردية في العراق والعمل على انتزاع شرق سوريا، من حلفاء أميركا، وشمالها، من معارضي الرئيس السوري بشار الأسد.

وكما كتب الزميل ساطع نورالدين، إن كانت المملكة تنوي مواجهة الايرانيين، فلماذا لا تبدأ من الجبهة السورية، حيث يقاتل "حزب الله" خارج أرضه، وحيث الميليشيات المحلية ذات قدرات قتالية أكبر منها في لبنان؟

لكن التصريحات والتغريدات وحدها لا تصنع سياسات، لا في واشنطن ولا في دول العرب، وكان واضحاً أن السعودية اعلنت حربها على ايران و"حزب الله"، فيما أقرب حلفاء الرياض من العواصم العربية، القاهرة وغيرها، تؤيد الأسد، شريك "حزب الله" في سوريا، وتدعم بقاءه، وهو ما يناقض بشكل جذري الموقف السعودي المطالب بالقضاء على الحزب.

من ينتقد سياسة السعودية في مواجهة ايران، لا يعني انه يؤيد ايران وسياساتها أو ميليشياتها في المنطقة، بل يعني أنه حريص على أن تقود الرياض سياسة واضحة الاهداف، والادوات، مع شركاء تجمعهم رؤية موحدة للاقليم، تجاه ايران وحلفائها والميليشيات الموالية لها، ان في لبنان، او في سوريا او العراق.

لكن التحالف العربي لمواجهة التمدد الايراني لا يبدو متناسقاً، ولا متفاهماً، بل على طراز التحالفات العربية المعقودة على مدى القرن الماضي لتحرير فلسطين، تبويس شوارب ولحى وبيانات عنيفة، من دون المقدرة على تحويل المواقف إلى افعال واهداف. أما نتائج التحالفات العربية على مدى القرن الماضي، فواضحة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان.

لإيران نموذج مبني على "الشرعية الثورية"، يعطي الميليشيات غير الحكومية سلطة على الحكومة المنتخبة وجيشها، فتصبح الميليشيات ومرشدها خارج المحاسبة الشعبية. هذا النموذج اثبت فاعليته في الامساك بايران، فعمدت طهران الى استنساخه في لبنان أولاً، ثم العراق، والآن سوريا.

ومواجهة النموذج الايراني تكون على شكلين: إما قيام تحالف عربي برعاية وتمويل تنظيمات ثورية مناهضة للميليشيات الايرانية، وهي رعاية لا تتم في شهور او سنوات بل على مدى عقود، او التمسك بنموذج سيادة الدولة، وهو تمسك مكلف ويتطلب تمويلاً اكبر لفروع أمنية يمكنها التصدي للميليشيات الموالية لايران.

على أن العرب لا يقومون بهذه ولا بتلك، بل يكتفون بالصراخ، ويرفضون التقييمات الواقعية، ويتمسكون بالتقييمات الخيالية عن العنتريات والانتصارات والحزم وبعد الرؤية وحسن القيادة وما الى ذلك من صفات تشكل مادة ممتازة للدعاية الاعلامية، ولكنها تكون في الغالب خالية من أي تأثير على الأرض.

وأمام ذلك، تمضي إيران في انتصاراتها، ويغرق العرب في هزائمهم، فينقلب بعضهم على بعضهم الآخر ويحمله المسؤولية.. وعلى قول المثل الشعبي "من لا يقوى على حماته يستقوي على مرته".

ليت السياسة الدولية والاقليمية تسير على حسب الاهواء والتغريدات، لكن يستحيل ان يؤدي فرض حصار على الدوحة وإقالة رئيس حكومة لبنان إلى إخافة طهران أو التأثير في سياساتها، ناهيك عن التغلب عليها.

الخميس، 9 نوفمبر 2017

قاعدة عسكرية في لبنان

بقلم حسين عبد الحسين

نفى الرئيس اللبناني ميشال عون، الأسبوع الماضي، أنباء تحدثت عن وجود قاعدة عسكرية أميركية في بلدة حامات الشمالية.

شائعة وجود قاعدة أميركية في شمال لبنان تتردد منذ عقود، ولا تتلاشى، إذ يبدو أن الشعبويين من المحرضين ضد الولايات المتحدة يلّوحون بها بين الحين والآخر لإشاحة النظر عن فسادهم في السياسة وفشلهم في الحكم. 

في عددها في الـ19 تشرين الأول/أكتوبر 2007، مثلا، نشرت صحيفة "الأخبار" المقرّبة من "حزب الله" اللبناني مقابلات مع عدد من أعضاء البرلمان اللبناني، أجمعوا فيها على القول إن "الولايات المتحدة تسعى منذ سنوات إلى إقامة قواعد عسكرية بحرية وجوية وبرية في عدد من المناطق اللبنانية وتغيير عقيدة الجيش" اللبناني. 

وفي الـ 28 أيلول/سبتمبر 2009، نشرت صحيفة "السفير"، المقرّبة من "حزب الله"، قبل أن توقف صدورها، خبرا مفاده أن أميركا أقامت قاعدة جوية في بلدة حامات الشمالية، وهو نفس الخبر الذي أعاد صحافيون طرحه على عون، لينفيه الرئيس اللبناني بعد ثماني سنوات على نشره.

والغريب في الأمر أن مجموعة السياسيين والإعلاميين اللبنانيين، من معادي الولايات المتحدة، لا يشعرون بالحرج لبثّهم دعاية سياسية تافهة هي بمثابة إهانة لذكاء القرّاء. فطول لبنان، بين أقصى نقطتين في شماله وجنوبه، يبلغ ٢٢٠ كلم، ويمكن لمقاتلة "أف 16" الأميركية التحليق بسرعة 2200 كلم في الساعة، وبعملية حسابية، يمكن للمقاتلة أن تحلّق من أقصى جنوب لبنان إلى أقصى شماله في ست دقائق فقط، ومن أقصى غربه إلى أقصى شرقه في نصف هذه المدة، وهو ما يعني ألا أهمية استراتيجية للبنان يمكن أن تدفع أميركا لبناء قواعد عسكرية فيه.

ثم أن للولايات المتحدة حلفاء يحيطون بلبنان وسورية، مثل الأردن وتركيا وإسرائيل، يمكن للمقاتلات الأميركية الاقلاع من قواعد في هذه الدول، كما يمكن للمقاتلات الأميركية الاقلاع من حاملات طائرات الأسطول السادس، المنتشر في البحر الأبيض المتوسط.

لكن الدقة في تصريحات الصحافيين وتحقيقات الصحف ليست مطلوبة، بل المطلوب شائعات تحريضية لا تموت، وتستمر في التردد على مدى عقود، وهي شائعات تنطلي على الكثير من اللبنانيين من بسطاء العقل، وخصوصا من المؤمنين بنظريات المؤامرة على أنواعها.

قبل أسبوعين، قامت القوى الأمنية بتحطيم منصات غير شرعية شيدها باعة في ضاحية بيروت المعروفة بـ "حي السلم"، وهي ذات غالبية سكانية شيعية. انتفض أصحاب المنصات، وشتم أحدهم زعيم "حزب الله" حسن نصرالله، وقال إن الحزب "يقتل شبابنا في سوريا". وفي اليوم التالي، أطلّ الرجل نفسه مقدما اعتذاره لنصرالله، ربما تحت ضغط اجتماعي أو تهديد. بعد الاعتذار، نشر موقع أن سبب تفوه الرجل بشتيمته كان جهازا إسرائيليا يسيطر على عقول اللبنانيين ويدفعهم إلى التفوه بما لا يقولونه عادة، وأن الحزب فكك الجهاز، فعاد الرجل إلى رشده، واعتذر.

قد يكون الموقع المذكور من فصيلة "الأخبار المضللة"، لكن أن يكرر نصرالله نفسه، في خطاباته، أن الولايات المتحدة هي التي أنشأت داعش، باعتراف قادتها، هو تصريح على مستوى "نظريات المؤامرة" التي لا تليق برجل يدير جيشا في الشرق الأوسط ويعرف من مع من، ومن يقاتل إلى جانب من.

لكن كالعادة، ليست الدقة والموضوعية هي المتوخاة، بل الدعاية والتحريض، حتى لو كان مطلقو الشائعات يدركون تهافت أقوالهم وضعفها أمام أي تدقيق. 

مثلا، دأب "حزب الله" وأجهزة إعلامه على تسويق مقولة أن متطرفين إسلاميين قتلوا رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري في العام 2005. ثم راح الحزب يبث دعاية أن آل الحريري، ومعهم السعودية، هم من يرعى الإسلاميين المتطرفين ويمولونهم في لبنان والعالم. هذا التناقض الواضح يطرح على ماكينة "حزب الله" الدعائية السؤال التالي: هل يموّل الحريري الإسلاميين المتطرفين، الذين يقتلونه ويغتالون مجموعة من مساعديه بعد ذلك؟ بكلام آخر، على دعاية "حزب الله" الاختيار، أما الحريري والإسلاميين المتطرفين أعداء، أم أنهم أصدقاء، ولكن إلصاق فكرتين متناقضتين هو بمثابة إهانة لأصحاب العقول السليمة.

لا قواعد عسكرية أميركية في لبنان، ولا أطماع للولايات المتحدة في دولة يمضي شعبها وحكومتها في سباق نحو الهاوية، ولو كانت أميركا تضمر الشرّ فعليا للبنان، فما عليها إلا الوقوف والتفرج على اللبنانيين يدمرون بلدهم، ومستقبلهم، ومستقبل عيالهم.