واشنطن - من حسين عبدالحسين
للمرّة الأولى منذ وصول فيروس «كوفيد - 19» المسبب لمرض «سارس كوف 2» المعروف بكورونا المستجد، مطلع مارس الجاري إلى الولايات المتحدة، أبدى الرئيس دونالد ترامب مرونة وتفهما ومسؤولية، وبدا - على غير عادته - متخلياً عن أسلوبه في النكاية السياسية، وأوصى حكومات الولايات بتمديد إجراءات إقفال الأماكن العامة والمدارس والجامعات وكل الأعمال غير الضرورية حتى تاريخ 30 أبريل المقبل.
وفي السياق، سمحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، باستخدام كلوروكين وهيدروكسيكلوروكين كعلاج للفيروس، لكن في المستشفيات فقط، وهما عقاران مضادان للملاريا يعلق عليهما ترامب آمالاً كبيرة.
وأكدت وزارة الصحة في بيان، الأحد، أن إدارة الغذاء والدواء أعطت الضوء الأخضر من أجل «أن يقوم الأطباء بتوزيع ووصف (هذه العلاجات) للمرضى المراهقين والراشدين المصابين بكوفيد - 19 والذين يعالجون في المستشفيات، بشكل مناسب، عندما تكون التجارب السريرية غير متوافرة أو ممكنة».
وأشاد الرئيس الأميركي في 24 مارس بهذا العقار، قائلاً إن «هناك فرصة حقيقية لأن يكون له أثر هائل. سيكون بمثابة هبة من الله إذا نجح».
وقال ترامب أول من أمس، إن التوقعات تشير إلى «أننا لو لم نقم بإجراءات الإقفال التي قمنا بها حتى الآن، كان متوقعاً أن نصل الى مليونين و200 ألف حالة وفاة، وبسبب إجراءاتنا، نأمل بتخفيض العدد الى 200 ألف، أو حتى 100 ألف».
وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي، بعدما حذّر الطبيب أنتوني فاوتشي، مستشار الرئيس لشؤون الأوبئة وخبير الأمراض المعدية، من إمكان أن يحصد الفيروس أرواح ما بين مئة ومئتي ألف شخص في الولايات المتحدة ومن احتمال إصابة الملايين.
وتضغط الإصابات الجديدة على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، التي سجلت أكثر من 140 ألف إصابة و2489 وفاة بالفيروس، حتى يوم أمس.
وفي تصريح غير مألوف على لسان الرئيس الأميركي، رد على سؤال حول ارتفاع أرقام شعبيته، حسب استطلاعات الرأي، بعد بدء انتشار الفيروس بين الأميركيين، وقال: «لا تهمني أرقام شعبيتي، ما يهمني هو عودة حياتنا الى ما كانت عليه. أريد أن يعود العالم كذلك، 151 دولة تعاني من الفيروس، أريدها أن تعود الى ما كانت عليه».
وواصل ترامب رسالته التصالحية، مؤكداً أنه «حتى الإعلام أكثر حيادية، وهذا ما عليهم فعله لأن ما يسعون اليه هو رؤية هذا الفيروس ينتهي». وأضاف: «كلنا نلعب في الفريق نفسه».
وكرر أن الحكومة قدمت تريليونين و200 مليار دولار لدعم الأميركيين. وقال: «نحن ندفع لهم رواتبهم حتى لا يذهبوا إلى أعمالهم، هذه المرة الأولى التي يحصل ذلك، لم يسبق أن تقاضى الناس رواتب لبقائهم في منازلهم».
وشدد الرئيس الأميركي على أن إدارته لا تريد تحقيق «نتائج أولية جيدة، ثم نتراخى وننتكس بعدها». لذا، أضاف أن الحكومة الفيديرالية توصي بتمديد الإقفال الى نهاية أبريل المقبل. وتوقع أن يبلغ انتشار الفيروس بين الأميركيين ذروته منتصف أبريل، وأمل أن تبدأ الحياة في أميركا بالعودة الى طبيعتها مطلع يونيو.
وفي شأن حول تصريح سابق له، أنه يتوقع نهاية الاقفال مع عيد الفصح في 12 ابريل، قال ترامب أنه كان يأمل أن يحصل ذلك، ولكنه لم يعلنه كتاريخ لانهاء حالة الاقفال التي تعيشها البلاد.
وأضاف: «لن يكون هناك ما هو أسوأ من إعلان النصر قبل تحقيقه».
وعن تراجع دور الولايات المتحدة، مقابل صعود الصين والمساعدات التي تقدمها الى دول العالم، أكد ترامب أن بلاده ترسل مساعدات كثيرة الى الدول، وخصوصا الأوروبية منها. وأضاف «أننا نساعد ايطاليا واسبانيا مالياً».
وتظهر بيانات «الاحتياطي الفيديرالي» أنه قام بتقديم 206 مليارات دولار نقداً الى بنوك أجنبية لمساعداتها على تفادي نقص السيولة لديها.
ويبدو أن التغيير الجذري في موقف ترامب، نابع من تغيير في أوساط الحزب الجمهوري، الذي وجد موقفه المستخف بانتشار وباء كورونا موقفاً خاطئاً ومكلفاً سياسياً. وفي هذا السياق، صدر عن مركز أبحاث «أميركان انتربرايز» اليميني المحسوب على الجمهوريين، خريطة طريق حول كيف يمكن للولايات المتحدة التعامل مع أزمة الوباء، أعدّها مسؤولون سابقون في الوكالات الفيديرالية المعنية بشؤون الصحة، وخبراء في المركز، وأكاديميون في جامعة جونز هوبكنز المرموقة، هم سكوت غوتليب، وكايتلين ريفرز، ومارك ماكليلان، ولورن سيلفيس، وكريستال واتسون، وجاء فيها أن التصدي يكون على أربع مراحل: «في المرحلة الأولى، إبطاء الانتشار، كما يجري في البلاد حالياً».
وجاء في الدراسة أن «الوباء آخذ في الازدياد»، وأنه «لإبطاء الانتشار، تم إغلاق كل المدارس، والطلب الى العمال القيام بعملهم من المنازل، وإغلاق مساحات التجمع العامة مثل مراكز التسوق والصالات الرياضية، والطلب الى المطاعم حصر خدماتها بخدمات التوصيل المنزلي».
وأضافت: «المطلوب التزام الإجراءات في كل ولاية من الولايات الخمسين لابطاء انتقال العدوى، وفي الوقت نفسه تعزيز البنية التحتية الصحية لإدارة تفشي المرض ورعاية المرضى بأمان».
يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية، حسب الدراسة، «عندما تكون كل ولاية قادرة على تشخيص، ومعالجة، وعزل حالات كوفيد - 19 لكل فرد ولمن يتصل به». خلال هذه المرحلة، «يمكن إعادة فتح المدارس والشركات، ويمكن البدء باستئناف الحياة الطبيعية على مراحل، مع الحفاظ على بعض التدابير، كالتباعد الاجتماعي، لمنع انتقال العدوى من التسارع مرة أخرى».
بالنسبة لكبار السن ممن تزيد أعمارهم على 60 عاماً وغيرهم من السكان الأكثر عرضة لخطر «كوفيد - 19»، سيكون من المهم الاستمرار في التزامهم التباعد في المرحلة الثانية.
في هذه الاثناء، تضيف الدراسة، «سيتم تحسين النظافة العامة بشكل حاد، وتصبح النظافة الفردية أكثر روتينية، وسيتم تطهير الأسطح المشتركة بشكل متكرر، وسيُطلب من الناس في البداية ارتداء أقنعة الوجه النسيجية غير الطبية أثناء وجودهم في المجتمع لتقليل خطر الانتشار بدون أعراض».
وتتابع: «سيُطلب من المرضى البقاء في المنزل وتكرار إجراء فحوص كوفيد - 19، ويجب أن يصبح الفحص أكثر انتشارا وروتينية، ويتم في العيادات ونقاط الرعاية الصحية الأولية».
في المرحلة الثالثة، يصار العمل على تعزيز «الحماية المناعية وانهاء التباعد الاجتماعي، خصوصا ان صارت كل الاصابات تحت المراقبة، وصارت العلاجات متطورة كفاية لانقاذ المرضى، أو ان تم التوصل لإنتاج لقاح آمن وفعّال».
أما في المرحلة الرابعة والأخيرة، فيتم «إعادة بناء استعدادنا للوباء التالي، بعد نجاحنا في التغلب على كوفيد - 19».
وختمت الدراسة: «يجب علينا التأكد من أن أميركا لن تكون غير مستعدة في المرة القادمة لمواجهة خطر جديد من الأمراض المعدية، وهو ما سيتطلب الاستثمار في مبادرات البحث والتطوير، وتوسيع البنية التحتية للصحة العامة والرعاية الصحية والقوى العاملة، وتحسين هياكل الحوكمة الواضحة لتنفيذ خطط التأهب».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق