واشنطن - من حسين عبدالحسين
تعاملت الولايات المتحدة مع المفاجأة التي فجرها المرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن، كتعاملها مع الزلزال الانتخابي الذي هزّ العاصمة الأميركية قبل عامين، يوم اكتسح الديموقراطيون مجلس النوّاب واستعادوا الغالبية فيه من منافسيهم الجمهوريين. وفي حال حافظ بايدن على الزخم الذي فجّره، فالأرجح أنه سيفوز، لا بترشيح حزبه فحسب، بل في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، ويحرم بذلك الرئيس دونالد ترامب من ولاية ثانية.
ويبدو أن ترامب يخشى مواجهة بايدن، أو هذا على الأقل ما عكسته تغريداته التي دأب خلالها على مهاجمة الحزب الديموقراطي واتهامه بالتآمر لحرمان السناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز من الترشح الذي يستحقه. وكان ترامب حاول اثارة فضيحة ضد بايدن بطلبه من رئيس اوكرانيا فولوديمير زيلينسكي إعلان مباشرة التحقيق في وظيفة كان يشغلها هنتر بايدن، وهي محاولة أفضت الى عزل ترامب في مجلس النواب وتبرأته في مجلس الشيوخ.
وكان بايدن فاز في ثمانية من 12 ولاية في انتخابات «الثلاثاء الكبير»، وتصدّر بذلك، في عدد الموفدين الى المؤتمر الحزبي العام للترشيح بواقع 570 موفداً مقابل 470 لساندرز. على أن الأرقام لم تسرق الأضواء وحدها، بل مؤشرات عديدة رصدها الخبراء، أهمها أن الحماسة الديموقراطية لاخراج ترامب والجمهوريين من الحكم لا تزال في أوجها، كما كانت عليه في انتخابات 2018، العام الذي أطلق عليها المراقبون لقب «عام الموجة الزرقاء»، تيمناً بلون الحزب الديموقراطي.
وأظهرت نتائج الثلاثاء، أن ساندرز لم ينجح في بناء تحالف خارج «الحركة» التي يتحدث عنها، وهي حركة تتألف قاعدتها من غالبية من الناخبين الذين تراوح اعمارهم بين 18 و29 عاماً، فيما نجح بايدن في تشكيل تحالف من بقية الفئات العمرية، من البيض والسود، نساء ورجال، من المتعلمين وأصحاب الدخل العالي، وكذلك من الأقل تعليما وأصحاب الدخل المتدني. كذلك تفوق بايدن في أوساط طبقة «الياقة الزرقاء»، أي عمّال المعامل، رغم أن جلّ خطاب ساندرز، الذي يصنف نفسه «اشتراكيا ديموقراطياً»، يتمحور حول العمال ومصالحهم.
وعلى موقع «فوكس» اليساري الأقرب الى ساندرز، كان لافتاً أن رئيس تحريره عزرا كلاين اعتبر أن بايدن لا يتمتع بكاريزما جماهيرية، ولكنه حتماً يتمتع بقدرة الاقناع التي اتقنها في عقوده الثلاثة في مجلس الشيوخ. هذه القدرة اظهرها بايدن في اقناعه منافسيه السناتور ايمي كلوباشار وعمدة مدينة ساوث بند بيت بوتيجيج بالانسحاب لمصلحته ودعمه. ولاحقاً، انسحب عمدة نيويورك السابق مايك بلومبيرغ، وتبنّى ترشيح بايدن كذلك.
اما ساندرز، حسب كلاين، فحتى «عندما كان متصدراً المرشحين، ظلّ يتصرف كثوري، ولم يسع الى توحيد صفوف الحزب خلفه، بل استخدم صدارته لتعميق العداء بينه وبين منافسيه، وظل يكرر ان ترشيحه هو ثورة وحركة سياسية لا يستطيع أحد ايقافها، وانها ستغير الاوضاع السائدة عن بكرة ابيها».
يقول المراقبون إنه بسبب ترامب و«ثورته» ضد القوانين والانظمة والمؤسسات، هناك حنين لدى غالبية الاميركيين، للعودة الى «ما هو طبيعي»، اي رئيس غير متمرد، يبني تحالفات مع آخرين، ويتمتع بشخصية تعكس نزاهة والتزاماً بالقوانين، وتعكس تفهماً وتعاطفاً مع الناس، وهذه كلها صفات يتحلى بها بايدن، السياسي العتيق، وهي صفات عكس ما يعد به ترامب، من اقصى اليمين، وساندرز، من أقصى اليسار.
ترامب يعرف أن لدى بايدن امكانات لبناء تحالف أوسع بكثير، فيه ديموقراطيون ومستقلون ووسطيون من الحزبين، وهو أوسع بكثير من الطائفة شديدة الولاء لترامب، والتي لا تتعدى ثلث الجمهوريين.
ولم يكد «الثلاثاء الكبير» يضع أوزاره، حتى أرسل بايدن ايميلاً الى مناصريه قال فيه «نحتاج الفوز بـ1991 مندوباً للفوز بالترشيح، واذا ما واصلنا توحيد صفوف حزبنا، سنتمكن من الفوز بالترشيح».
ويستعد بايدن وساندرز لجولة مقبلة، يوم الثلاثاء، تجري فيها انتخابات حزبية تمهيدية في سبعة ولايات، مجموع أصوات مندوبيها 365، أكبرها ميتشيغن، والتي تسكنها جالية عربية كبيرة ونسبة كبيرة كذلك من السود، وتتمتع بأصوات 125 مندوباً.
وكان ساندرز فجّر مفاجأة في هذه الولاية، حيث مصانع السيارات، بتغلبه على هيلاري كلينتون في 2016، وهو ما يعني ان خسارته الولاية ستشكل خسارة معنوية فادحة. وتشير الاستطلاعات الى تقدم بايدن بسبعة نقاط مئوية في ميتشيغن، ويتقدم خصوصاً بنسبة 75 في المئة بين السود، ما يشي بأن نائب الرئيس السابق سيقدم اداء قوياً.
وفي وقت عمد بايدن الى التشديد على ضرورة ترشيح عضو في الحزب الديموقراطي الى الرئاسة، وساندرز ليس كذلك، عمد السناتور الى محاولة تقديم الاختلافات في تصويت كل منهما في مجلس الشيوخ على القوانين المختلفة. ويعتقد الخبراء ان محاولة ساندرز قد ترتد عليه، اذ ان تاريخ بايدن يرتبط بتاريخ أوباما، والاخير ما زال يتمتع بشعبية كبيرة في الحزب، وبين السود خصوصاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق