واشنطن - من حسين عبدالحسين
في غضون أقل من 72 ساعة، وعلى وقع التزايد المتسارع في أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد، انقلبت الولايات المتحدة من دولة تعيش حياتها المعتادة، ويحاول رئيسها تهدئة مخاوف مواطنيه من مخاطر الفيروس العالمي، إلى دولة في حال طوارئ وطنية، لم تشهدها البلاد منذ الانفلونزا التي اجتاحت البلاد في العام 1968... وسط دعوة دونالد ترامب، الذي أعلن خضوعه للفحص، إلى «يوم وطني للصلاة»، اليوم.
وبعدما توجه ترامب الى الأميركيين في خطاب الى الأمة، مساء الاربعاء، قلّل فيه من مخاطر الفيروس، وقال إنه يشكل «خطراً متدنياً جداً على عامة الناس»، أجبر الاميركيون حكومتهم الفيديرالية على حذو حذوهم واعلان حال طوارئ وطنية، إثر تباطؤ نسق الحياة اليومية في أكبر قوة اقتصادية عالمية، من إغلاق مدارس وجامعات وحدائق عامة إلى هجر وسائل النقل وتعليق المباريات الرياضية.
في الوقت نفسه، غزا المستهلكون الجمعيات ومتاجر التموين والصيدليات، وأغلقوا المحال، وتحولت المدن الى «مدن أشباح»، وشدد الديموقراطيون هجومهم على الرئيس الجمهوري، الذي أقر مساء الجمعة، تعليق رحلات السفن السياحية إلى الخارج لمدة 30 يوماً.
امام الشعور العام، وتحت الضغط من أكبر المسؤولين الصحيين المتخصصين في ادارته، تراجع ترامب عن محاولته تزيين الفيروس والاستخفاف به، وعقد مؤتمراً صحافياً، الجمعة، أعلن فيه حال الطوارئ الوطنية، وشدد على أن مفتاح مواجهة انتشار الفيروس يكمن في تكثيف عدد الفحوصات... «مجاناً»، اذ كلّما تم الكشف عن إصابات بصورة أسرع، صار أسهل عزل المصابين وتقليص احتمال اختلاطهم ونشر الفيروس.
وقال الرئيس الأميركي: «من أجل إطلاق الطاقة القصوى لموارد الحكومة الفيديرالية، أُعلن رسمياً حال الطوارئ». وأضاف: «طوارئ وطنية، كلمتان كبيرتان جداً»، مشيراً إلى أنّ هذا الإجراء سيتيح الاستفادة ما يصل إلى 50 مليار دولار من الأصول لمكافحة الفيروس.
على أن الرئيس الأميركي، على عادته، رفض تحمّل مسؤولية التأخير في اعلان حال الطوارئ والتباطؤ في تجهيز الفحوصات المطلوبة. ولدى سؤاله عن إخفاقات التعامل مع انتشار الفيروس، خصوصاً لناحية بطء توفير الفحوص الطبية، أجاب بشكل جازم: «لا أتحمل المسؤولية ابداً لأننا تسلمنا ظروفا معينة وتسلمنا قوانين تنتمي الى وقت مختلف».
وسرعان ما تحول رد ترامب الى مادة للهجوم عليه وعلى عاداته في التنصل من مسؤوليته، وتناول الناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تغريدة له تعود الى العام 2013، قال فيها إن «القيادة تعني انك مسؤول عن أي شيء يحصل، واذا لم يحصل، فانت مسؤول ايضاً».
ويحمّل المعترضون، ترامب مسؤولية قيام ادارته، في 2017، بحلّ مكتب مكافحة انتشار الأوبئة التابع لمجلس الأمن القومي. وأشاروا إلى أنه بين 2014 و2017، قامت الأجهزة الأميركية برصد انتشار 300 نوع وباء في 160 دولة، وتابعت ودعمت مكافحة 37 مرضاً، حول العالم، في 2016 وحده.
وحاول ترامب التكفير عن ذنوبه بإعلان أن إدارته تسعى لتأمين فحص الفيروس عبر خدمة السيارات، وجعله متاحاً وفي متناول الغالبية. ويعتقد الخبراء أن تقديم الفحص عبر هذه الخدمة يقلّص من امكانية انتقال العدوى من المرضى الى العاملين الصحيين، ويجعل الفحص في متناول الجميع.
كما أعلن الرئيس أن إدارته ستؤمن 1.4 مليون فحص الأسبوع الجاري، وخمسة ملايين فحصاً اضافياً خلال الشهر المقبل.
إلا ان الاعلان لم يشف غليل الخبراء، الذين اعتبروا أن على الولايات المتحدة ان تحذو حذو كوريا الجنوبية، التي تقوم بإجراء 10 آلاف فحص يومياً لسكانها البالغ عددهم 50 مليوناً. ويعتقد الأميركيون أن بلادهم، التي يسكنها 330 مليوناً، تحتاج الى 60 ألف فحص يومياً، على أقل تقدير.
ورغم أنّ عدد الإصابات لا يزال منخفضا نسبياً (نحو 1700 الجمعة، بينها 50 وفاة)، تترقب السلطات تصاعداً كبيرا فور توفير آليات الفحوص على نطاق واسع.
إلى ذلك، وفي وقتٍ يُشدّد كل المتخصصين على أهمية «سبل العزل الاجتماعي»، صافح الرئيس الأميركي نحو 12 رئيساً من رؤساء الشركات الكبرى الذين تعاقبوا على المنصة، الجمعة... لكنه أمس، غرد، داعياً إلى «التباعد الاجتماعي».
وأعلن ترامب، أنه خضع الجمعة لفحص كورونا المستجد، في وقت كشف البيت الأبيض أنه سيفحص من الآن وصاعداً حرارة «جميع من هم على اتصال وثيق» معه أو مع نائبه مايك بنس.
وفي مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، سعى عبره لطمأنة الأميركيين عبر إعطاء توجيهات وإرشادات حول مكافحة الفيروس، قال ترامب إنه بانتظار نتائج الفحص المخبري الذي خضع له.
وشوهد ترامب الجمعة يصافح عدداً من الأشخاص لدى اجتماع فريق مكافحة الفيروس في الولايات المتحدة، خلافاً للتوصيات الطبية التي تدعو لتجنّب المصافحة.
وأمس، قال إن المصافحة عادة قديمة لديه، لكنّه أقر بضرورة الامتناع عنها.
وكان الرئيس الأميركي أعلن الجمعة إنه سيخضع لفحص بعد تعرّضه لحملة انتقادات على خلفية عدم الخضوع لهذا الفحص رغم لقائه أعضاء وفد رئاسي برازيلي ثبتت إصابتهم لاحقا.
إلا أن طبيباً في البيت الأبيض قلل من أهمية تلك اللقاءات، معتبرا أن لا حاجة لخضوع الرئيس للفحص بما أن «أي عوارض لم تظهر» عليه.
وأعلن البيت الأبيض أنه سيفحص من الآن وصاعداً حرارة «جميع من هم على تواصل وثيق» مع ترامب وبنس كإجراء «احتياطي».
وقام فرد من الفريق الطبي للرئاسة بفحص حرارة جميع الصحافيين الراغبين في الدخول الى قاعة الإعلام.
وقد تم بالفعل استبعاد أحدهم بعدما تبينّ أن حرارته مرتفعة.
وصباحاً، نشر ترامب عدداً من التغريدات على «تويتر» أعلن فيها أن اليوم سيكون «يوماً وطنياً للصلاة»
وكتب «إنه لشرف عظيم لي أن أعلن يوم الأحد 15 مارس يوماً وطنياً للصلاة. نحن بلد، طوال تاريخنا، نتطلع إلى الرب للحماية والقوة في مثل هذه الأوقات».
وأضاف: «بغض النظر عن المكان الذي قد تكون فيه، أشجعك على الاتجاه للصلاة في فعل إيماني... معا سوف ننتصر بسهولة».
كما أعلن مساء، أنه سيوسع حظر الرحلات الى الولايات المتحدة ليشمل بريطانيا وايرلندا.
وفي وقت لاحق أعلن بنس أن حظر الرحلات من بريطانيا وايرلندا سيدخل حيز التنفيذ الثلاثاء.
من جانبه، أقر مجلس النواب سلسلة تدابير تهدف إلى تخفيف أثر الفيروس على الاقتصاد.
ويشمل النص الذي يجب على مجلس الشيوخ الموافقة عليه، إجراء فحوص الفيروس مجاناً والسماح بإجازات مرضية طارئة تصل إلى ثلاثة أشهر وتيسير الاستفادة من التأمين ضد البطالة وقسائم الطعام المجانية.
وبموجب حال الطوارئ، يتم تعليق القوانين التي تحدد عدد الأسرة التي يمكن لكل مستشفى تشغيلها، كما يتم السماح للاطباء بممارسة المهنة بشكل عابر للولايات باستخدام ترخيص عملهم في ولايتهم، في ولايات أخرى ان صادف أن تواجدوا فيها.
الى ذلك، يطالب ترامب والجمهوريون بقيام الحكومة بشراء فائض المنتوجات النفطية، وتخزينها في الاحتياطي الفيديرالي.
كما تسعى إدارة ترامب، بالتعاون مع «غوغل»، إلى اقامة قواعد بيانية حول الاميركيين المصابين بالفيروس، وإنشاء موقع يساعد الأميركيين على الاستدلال على المراكز الصحية المطلوبة، وعلى الخطوات المطلوب اتباعها.
والى جانب «غوغل»، لن تتوقف محلات «وولمارت» و»تارغت» العملاقة، عن تموين مخازنها اثناء العطلة القسرية التي بدأها الاميركيون، أمس. في السياق، انتقلت كبرى الجامعات إلى خيار التعلم الإلكتروني، الأمر الذي يمثّل معضلة لمئات آلاف الطلبة الأجانب الذين لا تخوّلهم تأشيراتهم بالمبدأ اتباع هذا النهج التعليمي.
وأعلن الجيش الأميركي أنه سيوقف السفر الداخلي - اعتباراً من غدٍ الاثنين وحتى 11 مايو المقبل - مع بعض الاستثناءات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق