واشنطن - من حسين عبدالحسين
في الأيام الأولى التي تلت طلب إيران رسمياً من صندوق النقد الدولي قرضاً بقيمة خمسة مليارات دولار لمواجهة تفشي وباء «سارس كوف 2» الناجم عن فيروس «كوفيد 19»، طلبت وزارة الخارجية الأميركية من السفارة السويسرية في واشنطن، التي تمثل مصالح إيران، إيصال الرسالة التالية إلى طهران، «ان الولايات المتحدة تتفهم الوضع الإنساني للإيرانيين، وانها مستعدة للتعاون وتقديم مساعدات إنسانية مباشرة الى الجمهورية الإسلامية».
في الأيام الأولى التي تلت العرض الأميركي، تحركت في واشنطن الدوائر المحسوبة على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بمن في ذلك مسؤولون في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وأميركيون من أصل إيراني، وعملت على تعميم مبادرة أطلقت عليها تسمية «ديبلوماسية الفيروس»، وفيها أنه مقابل قيام إيران بإطلاق سجناء أميركيين لديها، تقوم الولايات المتحدة بتعليق سلسلة من العقوبات التي تؤثر سلباً على قدرة طهران على شراء الدواء والمعدات الطبية اللازمة لمكافحة انتشار الوباء.
في واشنطن، عقد المعنيون الأميركيون لقاءات، وتوصلوا لخلاصة مفادها بأنه، على غرار عدد كبير من الدول، تعمل إيران على إخلاء سجونها لتفادي تفشي الفيروس بين السجناء، وفي هذا السياق، سيكون في مصلحة إيران إخلاء سبيل الأميركيين لديها. «لا بأس في ذلك، يخلون سبيل معتقلينا الأميركيين، ونتعاون معهم في كل ما من شأنه مساعدتهم على مواجهة انتشار وباء كورونا»، يقول مسؤول أميركي متابع لتطورات الأحداث والمفاوضات غير المباشرة.
أشاد المقربون من ظريف في واشنطن بـ «ديبلوماسية الفيروس»، وقالوا إن من شأنها بناء الثقة بين النظام الإيراني وإدارة الرئيس دونالد ترامب، وهم بذلك كرروا ما عكف على قوله ظريف نفسه، بعد لقائه السناتور الديموقراطية وعضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ دايان فاينشتاين، في نيويورك العام الماضي، ومرة ثانية بعد لقائه السناتور الديموقراطي وعضو لجنة شؤون الشرق الأدنى المتفرعة عن لجنة الشؤون الخارجية كريس مورفي، في ميونيخ قبل أسابيع قليلة.
في اللقاءين، كرر ظريف العرض الإيراني نفسه: أن تقوم طهران بالإفراج عن سجناء أميركيين لديها كخطوات لبناء الثقة مع ترامب. في المرات الماضية، لم توافق إدارة ترامب على عرض ظريف، لكن مع تفاقم الأزمة الناجمة عن الوباء في إيران، أبدت الإدارة الأميركية مرونة واضحة، ولم تمانع خطوات «بناء الثقة».
على أن الديبلوماسية بين واشنطن وطهران كانت تسير على ما يرام، الى أن نسفها النظام الإيراني بسلسلة أحداث، أعقبها تصريح ناري على لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي.
في العراق، قامت الميليشيات الموالية لطهران باستهداف مواقع عسكرية ومدنية أميركية. بعدها بأيام، قام «حزب الله» اللبناني بإرسال طائرة من دون طيّار لتخترق الأجواء الإسرائيلية قبل إسقاطها. وحتى تتأكد طهران أن الرسالة الإيرانية ضد أي ديبلوماسية مع واشنطن ستكون مسموعة في الأوساط الأميركية، رفض خامنئي المساعدات الأميركية علنا، ووصفها بـ «السمّ»، وقال إن كوادر طبية أميركية، إن زارت إيران للمساعدة، فهي لن تساعد أبدا، بل الأرجح أنها ستتفرج على الإيرانيين يموتون للتأكد من أن الفيروس الذي صنعه الأميركيون يأتي مفعوله.
وصلت الرسالة الإيرانية، ولم يتأخر الرد الأميركي، بعقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالنظام الإيراني، وخصوصاً الحرس الثوري. ويقول مسؤول أميركي، شرط عدم ذكر اسمه، إن «الولايات المتحدة تعمل على إصدار دفعات جديدة من العقوبات على إيران في الأسابيع المقبلة».
إذاً، هو تصعيد أميركي مقابل التصعيد الإيراني. وقد سألت «الراي» المسؤول الأميركي إن كان يعتقد أن «المعتدلين في إيران حاولوا فتح قنوات ديبلوماسية مع أميركا، وعندما تجاوبت واشنطن إيجاباً، قام المتشددون بنسفها عن بكرة أبيها»، فأجاب: «نحن لا يعنينا الانقسام بين المتشددين والمعتدلين، ونحن نتعامل مع الجمهورية الإسلامية كدولة مسؤولة عن تصرفاتها وأقوالها، وفي هذه الحالة، مددنا يد المساعدة، فأجابونا بصواريخ ودعاية مضللة اتهمتنا بصناعة فيروس كورونا في مختبراتنا».
وقدم المسؤول بياناً كانت الخارجية الأميركية وزعته، على إثر تصريحات خامنئي، وعنونته «الرد على أكاذيب المسؤولين الإيرانيين حول أميركا وفيروس كورونا».
مع تراجع حظوظ الديبلوماسية، عمد بعض الدوائر الإيرانية الى الاستنجاد بحلفاء أميركيين من ذوي الثقل الأكبر في واشنطن. هكذا، أورد موقع «فورين بوليسي» ان كل من السناتورين بيرني ساندرز وكريس مورفي، فضلاً عن عضو الكونغرس الديموقراطية اليسيا كورتيز، قاموا بتوجيه رسائل الى البيت الأبيض طالبوه فيها بتعليق العقوبات على إيران لمدة تسعين يوماً للسماح لطهران بمكافحة انتشار الوباء بين سكانها.
علّق المسؤول بالقول إن أميركا «أبدت استعداداً ومرونة للتعاون مع طهران ومساعدتها على مكافحة الوباء، لكن التعاون لا يعني أننا نقدم للإيرانيين شيكاً على بياض يسمح لهم باستيراد ما يحتاجونه لمكافحة الوباء، ويستخدمون الأموال نفسها لاستيراد ما يلزمهم لتطوير برنامجهما النووي والصاروخي».
على خلفية هذه الديبلوماسية، تدخّلت الأمم المتحدة، ولدى سماعها من واشنطن انها لن تعلّق أي عقوبات في ظل استمرار الميليشيات الموالية لإيران في منطقة الشرق الأوسط بمواصلة هجماتها ضد أهداف أميركا وحلفائها، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، يوم الأربعاء، تصريحاً طلب فيه وقف كل الحروب في المعمورة، وفرض هدنة إنسانية تسمح للبشرية بالتفرغ لمواجهة الوباء الذي يعاني منه الكوكب، وقال إن «غضب الفيروس يظهر غباء الحرب».
إيران لم تستمع لنصائح غوتيريس، ولا يبدو أن واشنطن ستتراجع ما لم تتراجع طهران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق