حسين عبدالحسين
توصلت وزارة الخارجية الأميركية ومراكز الأبحاث في واشنطن إلى خلاصة مفادها أن الحكومة الروسية تشن حملة معلومات مضللة حول فيروس "كوفيد 19" المسبب لمرض "سارس - كوفيد – 2". وتتضمن حملة التضليل، التي يقودها الكرملين منذ منتصف فبراير الماضي، معلومات كاذبة، منها أن حكومة الولايات المتحدة هي التي صنعت الفيروس في مختبراتها وأطلقته كحرب بيولوجية ضد دول العالم. ومن المعلومات الكاذبة أيضا تقارير خاطئة حول كيفية انتقال الفيروس بين البشر، وحول طرق العلاج.
كما استخدم نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "كوفيد 19" لبث الذعر في أوكرانيا، ولتحريض الأوكرانيين ضد رئيسهم فلوديمير زولنسكي، الذي يسعى بوتين للضغط عليه لحمله على تقديم تنازلات في مفاوضات السلام المرتقبة بين الطرفين. ولهذا الغرض، استخدمت دعاية بوتين الكاذبة خبر قيام كييف بإخلاء 50 أوكرانيا من الصين، ووضعهم في حجر صحي في أوكرانيا.
روسيا دولة نفطية هامشية، ولولا ترسانتها النووية ودعايتها، لكانت خارج سياق الشؤون الدولية
والدعاية الروسية، التي غالبا ما تتخفى تحت ستار هويات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفت خطوة الحكومة الأوكرانية على أنها تعرّض حياة كل الأوكرانيين للخطر. وأدت الدعاية الروسية إلى تظاهرات لأوكرانيين ضد حكومتهم، ولمحاولات قطع طريق الباص الذي كان يقلّ العائدين من الصين وهم في طريقهم إلى الحجر.
وأن يستغل بوتين انتشار وباء "سارس ـ كوفيد ـ 2" لتحريض الأوكرانيين ضد حكومتهم والضغط على رئيسهم قبل المفاوضات المرتقبة هو أمر قد يكون مفهوما، وهو نفس الضغط الذي حاول بوتين توليده في فرنسا بتحريض حملة اعتراضات "السترات الصفراء" ضد الحكومة الفرنسية للضغط عليها وحملها على تبني سياسات مفيدة لموسكو، مثل تأييد عملية بناء خط غاز "نوردستريم 2"، الذي من المفترض أن ينقل المزيد من الغاز الروسي للاستهلاك الأوروبي.
على أنه من غير المفهوم ما الفائدة التي يجنيها بوتين من إلصاق تهمة إنتاج فيروس "كوفيد 19" بالحكومة الأميركية. قد تكون الإجابة الأكثر رجحانا هي أن فشل روسيا بقيادة بوتين على كل الأصعدة يدفعه لمحاولة نشر الفوضى حول العالم، إعلاميا وعلى الأرض، حتى تكون كل الدول سواسية مع روسيا في الفشل.
ولطالما حاول بوتين تبرير فشله بتكراره رسالة واحدة للروس، منذ توليه الحكم قبل ثلاثين عاما، مفادها أن خيارهم هو واحد من اثنين: إما ديكتاتورية بوتين، أو الفوضى و"الربيع العربي"، وهي العبارة التي يستخدمها حاكم روسيا لتهديد مواطنيه بحروب دموية، على غرار الحرب السورية، في حال أصروا على المسيرات المطالبة بإنهاء حكمه الأبدي.
وفي الدعاية الروسية أن الديمقراطية أكذوبة، وأن الحياة الرغيدة التي يعيشها الغرب عبارة عن وهم، وأن كبار المتمولين يتحكمون بمصائر الناس ويستغلون الثروة الوطنية. لذا، وبسبب زيف الديمقراطية، يصبح الخيار الوحيد بوتين، وهو خيار لا يختلف، بل هو أفضل، حسب دعاية الكرملين، من الديمقراطية.
وفي صلب الدعاية الروسية تصوير عظمة روسيا في العالم، وهي عظمة تفرض على البشر احترام الأمة الروسية، وهي عظمة تجلت في تفوق روسيا استراتيجيا على الولايات المتحدة في سوريا. طبعا، لا تقول الدعاية الروسية إن واشنطن لا ترى أي أهمية استراتيجية لسوريا، وأن سيطرة موسكو على نظام الأسد هي عبارة عن سيطرتها على نظام مفلس يحكم بلدا من ركام.
وفي صلب الدعاية الروسية أيضا الإيحاء أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو في جيب بوتين، وهو ما يعني أن الدعاية الروسية تعمل أقصى ما يمكنها لتشتيت الانتباه عن العقوبات التي فرضها ترامب نفسه، في ديسمبر، على مشروع تمديد أنبوب الغاز الروسي "نوردستريم 2" من روسيا إلى أوروبا، على الرغم من اعتراض موسكو وحلفاء أميركا الأوروبيين على العقوبات. أما سبب عقوبات ترامب فهو اعتقاده أن الغاز الروسي يعطي موسكو سيطرة استراتيجية على أوروبا، وينافس مبيعات الغاز التي يمكن لأميركا وحلفائها الشرق أوسطيين تصديرها إلى الأوروبيين.
في الدعاية الروسية أن الديمقراطية أكذوبة، وأن الحياة الرغيدة التي يعيشها الغرب عبارة عن وهم
روسيا دولة نفطية هامشية، ولولا ترسانتها النووية ودعايتها، لكانت خارج سياق الشؤون الدولية برمتها، فحجم اقتصادها بالكاد يصل ترليوني دولار، وهو بحجم اقتصاد إيطاليا أو كندا. وللمقارنة، تستعد الولايات المتحدة لإنفاق ترليوني دولار لمكافحة أزمة وباء "سارس ـ كوفيد ـ 2" والمضاعفات الاقتصادية التي ستنجم عنه. أما مبيعات أسلحة روسيا، فتضمر، وتكنولوجيتها تتراجع، وما منظومة الدفاع الصاروخي "أس 400" إلا خردة يتظاهر بعض العالم وكأنه يخشاها.
روسيا هي أكبر دولة في العالم على صعيد المساحة، وفيها موارد أولية ضخمة، وبين الروس مفكرون وعظماء، لكن مشكلة روسيا، كدول كثيرة، هي فشلها في إقامة دولة ديمقراطية حديثة تسمح لها باستغلال مواردها البشرية والطبيعية بأفضل السبل الممكنة حتى تحجز لها مكانا فعليا في طليعة دول العالم، بدلا من مكانها الحالي كقوة عظمى من ورق.
قد يُقنع بوتين بعض العالم لبعض الوقت أن كل دول العالم تتخبط، وأن روسيا استعادت مجدها بقيادته، لكن حبل الكذب قصير، وتأثير بوتين في العالم لا يذهب أبعد بكثير من دعايته، التي غالبا ما يكتشف الناس زيفها، ويكتشفون معها زيف بوتين وأحلامه عن عظمته الموهومة، وعن عظمة بلاده التي تعاني من حكمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق