حسين عبدالحسين
لم تصنع الولايات المتحدة، ولا جيشها، فيروس "كوفيد 19"، المعروف بـ "كورونا" والمسبب لمرض "سارس ـ كوف ـ 2"، ولم تنشر الولايات المتحدة الفيروس في الصين، أو في أي دولة في العالم، على عكس حملة الأخبار المضللة التي تشنها جمهورية الصين الشعبية، والتي تجلّت بقيام الناطق باسم الخارجية لجيان زهاو باتهام الجيش الأميركي بنشر الفيروس في مدينة ووهان، نقطة بداية "كوفيد 19".
وزهاو هذا ينشر الدعاية الصينية عبر موقع تويتر، الذي تحظره بكين على مواطنيها، وهو ما يعني أن تغريدات المسؤول الصينية المضللة تحصل بدعم وموافقة حكوميين. على أن السؤال هو: ما مصلحة الصين في حملة التضليل التي تشنها؟
يجيب البعض، ومنهم من الأميركيين، أن التضليل الصيني سببه الإصرار الأميركي على تسمية الفيروس بـ "فيروس وهان"، أو "الفيروس الصيني"، وهو ما يدل على حقد أميركي وعداء للصين ومحاولة تحميل الصين مسؤولية انتشار الوباء العالمي. لكن الفيروسات غالبا ما تحمل أسماء المناطق التي تنطلق منها. هكذا فيروس "غرب النيل" وفيروس "إيبولا"، الذي يحمل اسم نهر في الكونغو، ومثلهما فيروس "الشرق الأوسط" المعروف بـ "ميرس"، و"الحصبة الألمانية" و"الإنفلونزا الإسبانية"، ولا جديد في نسبة فيروس كورونا الجديد إلى وهان الصينية التي انطلق منها.
أما السبب الأرجح لتفسير حملة التضليل الصينية ضد الولايات المتحدة فيعود إلى الفشل الصيني الذريع في الأيام والأسابيع الأولى التي تلت انتشار المرض، إذ لم تتحرك السلطات الصينية لاحتوائه أو عزل المصابين به الأوائل، ولو نجحت الصين في ذلك، لما انتشر الوباء في أنحاء المعمورة.
وبعد أسابيع من المكابرة، تنبهت الصين إلى خطورة المرض، فقامت باتخاذ خطوات جبارة، بما فيها بناء قرابة عشرين مستشفى في غضون أسبوع، وفرض منع تجول تام وعزل للمصابين. وبعد أسبوعين أو أكثر، بدأ عدد الإصابات في الصين يتراجع مع أنه، حتى تاريخ كتابة هذه السطور، لم يتوقف تماما، فيما راحت أعداد الإصابات ترتفع في أوروبا وفي باقي الدول التي باغتها الوباء.
ومن الخطوات الإيجابية التي قامت بها الحكومة الصينية نشر التركيب الجيني للفيروس على الإنترنت، وهو ما سمح فورا للعلماء حول العلماء ببدء الأبحاث لإنتاج دواء أو لقاح لإنقاذ البشرية من الوباء الماضي في الانتشار.
لكن خطوات الصين الإيجابية اللاحقة لا تعني أنها لم تتقاعس في الأسابيع الأولى عن مكافحة انتشار المرض، وهو واقع تحاول الحكومة الصينية محوه وتزوير التاريخ، بما في ذلك محاولة فاضحة لتعديل محتوى صفحات إخبارية على الإنترنت، وردت فيها تعليمات وتصريحات للرئيس الصيني شي جينبينغ، لم يدع فيها لعزل اجتماعي، وهو ما يؤكد ارتكابه وحكومته أخطاء فاضحة في بادئ الأمر.
لكن الصين لا تترك التاريخ للمؤرخين إذ قامت الحكومة بتعديل التقارير الاخبارية الماضية على الإنترنت، وأضافت تصاريح صوّرت وكأن شي أعطى تعليماته بالقيام بكل الخطوات التي ساهمت في الحد من انتشار الوباء، قبل أسابيع من قيامه فعليا بإصدار هذه التصاريح.
على أن المشكلة تكمن في أن شبكة الإنترنت تؤرخ، تلقائيا، تاريخ نشر أي مادة، وتؤرخ تلقائيا أي تعديلات لاحقة، وهو ما أظهر ـ على صفحة البرمجة ـ أن تصريحات شي وتعليماته تمت إضافتها بعد أسابيع على تصريحاته الأصلية، أي أن الحكومة الصينية قامت بتزوير مؤكد وفاضح للتاريخ الذي يسجّل يوميات انتشار المرض والتصريحات والسياسات التي رافقت تطورات الأمور.
وتزوير التاريخ ليس حديثا، وليست حكومة الصين اليوم أول من تقوم به. مثلا، قام خليفة المسلمين وعزّ الحضارة العربية المأمون ابن هارون الرشيد العباسي بتزوير النقش الذي يؤرخ هوية باني مسجد قبة الصخرة في القدس، ونسبه إلى نفسه. على أنه من المعروف أن بانيه هو الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان حوالي العام 691 ميلادية. أما المأمون، فهو حكم بين 813 و833. ثم أن العباسيين ممن قاموا بنقش اسم المأمون بدلا من اسم عبدالملك، لم يفطنوا أن يعدّلوا التاريخ، فجاء تزويرهم، كتزوير الحكومة الصينية، فاقعا أعرجا لا يمكن إخفاؤه.
ومثل المزورين في الصين وفي التاريخ الإسلامي، يمتلئ التاريخ بالمزورين. والمزورون هم عادة الحكام الأقوياء، أصحاب القدرات، ومن لا يقوى الآخرون على مناقضتهم أو تصحيح تزويرهم، لذا، ظهرت مقولة أن التاريخ يكتبه المنتصرون.
في الصين، قد تكون الرواية الوحيدة السائدة مفادها أن أميركا وجيشها صنعا فيروسا ونشراه في الصين لمحاربتها، لكن الواقع هو أن القيادة الصينية تأخرت في احتواء الفيروس، فانتشر الوباء فيها وفي العالم.
العالم في مأزق، والأزمة تستدعي التكاتف بدلا من تبادل الاتهامات، لكن في وسط المعمعة، لا بد من البقاء ساهرين على محاولات تزوير التاريخ التي تقوم بها بعض الحكومات المستبدة، إن في الصين أو في إيران أو في غيرها، مع أمل الشفاء العاجل للجميع، صينيين وإيرانيين وإيطاليين وأميركيين وغيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق