واشنطن - من حسين عبدالحسين
في مفاجأة بدت عليها بصمات الرئيس السابق باراك أوباما، حقق نائب الرئيس السابق جو بايدن نتيجة انتخابية فاقت التوقعات، في الانتخابات التمهيدية التي يجريها الحزب الديموقراطي لاختيار مرشحه للرئاسة للانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل.
قبل أسبوعين فقط اعتبر بايدن منتهياً سياسياً، قبل أن يحقّق ليل الثلاثاء، عودة مدويّة، ما جعله أشبه بطائر الفينيق الذي ينبعث في نهاية حياة طبعتها أكثر من مأساة.
ومن الولايات الـ14 التي تنافس عليها المرشحون، اكتسح بايدن تسع منها، بما فيها تكساس (وهي من الولايات الكبرى وتمنح 228 موفداً إلى المؤتمر الحزبي العام للترشيح) وماساتشوستس وفرجينيا ومينيسوتا ونورث كارولينا وتينيسي والاباما واركنسو واوكلاهوما.
والأخيرة كان المرشح المنافس السناتور بيرني ساندرز فاز بها على منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات الحزبية للعام 2016، وهو ما حدا بالمراقبين الى اعتبار ان الموجة التي حملت ساندرز الى دائرة الأضواء، قبل أربعة سنوات، قاربت على نهايتها، إذ يبدو أنها موجة كانت مدفوعة بعداء شريحة واسعة في الحزب الديموقراطي لكلينتون، وتالياً تصويتهم للبديل الوحيد آنذاك، أي ساندرز. لكن أمام توافر خيار غير كلينتون، انفض عن ساندرز مؤيدوه، واختاروا بايدن.
ومن العلامات الإيجابية للحزب الديموقراطي، بشكل عام، أن نسبة مشاركة الناخبين الحزبيين وصلت الى ضعف ما كانت عليها العام 2016، وتعدت في بعض الولايات معدلات 2008، وهو مؤشر جيد للديموقراطيين الذين يحتاجون الى حماسة مؤيديهم للتغلب على الرئيس دونالد ترامب، الساعي للفوز بولاية ثانية.
أما ساندرز، الذي كان متوقعاً أن يكتسح تمهيدية «الثلاثاء الكبير»، فتقهقر مع الساعات الأولى لساعات الفرز، ولم يفز الا بأربع ولايات هي كاليفورنيا، وولايته فيرمونت، ويوتا وكولورادو.
وبرز تفوق بايدن خصوصاً في ولاية وماساتشوستس، التي فشلت ابنتها المرشحة وارن بالفوز بها، وحلت في المركز الثالث.
الرئيس دونالد ترامب، الذي تابع النتائج على التلفزيون، وجه إهاناته المعتادة للديموقراطيين على «تويتر»، ساخراً من وارن التي خسرت في مسقط رأسها.
ورد بايدن على «تويتر» قائلاً: «عندما يأتي نوفمبر سوف نهزمك».
وماساتشوستس تجاور ولاية ساندرز، أي فيرمونت، وهو ما يعني أن خسارة ساندرز فيها تنذر بالمزيد من المصاعب الانتخابية للسناتور الذي يعلن ان عقيدته هي «الاشتراكية الديموقراطية».
وبعد فوز ساندرز بولاية نيفادا، بمساعدة كتلة وازنة من الناخبين الحزبيين من أصول أميركية جنوبية، بدت طريقه مفتوحة للفوز بترشيح الحزب، وهو ما استنفر «المؤسسة الحاكمة» التي تخشى ان يؤدي ترشيح «اشتراكي»، لا الى خسارة البيت الأبيض فحسب، بل الى خسارة الغالبية التي فاز بها الديموقراطيون في مجلس النواب في الكونغرس، قبل عامين.
هكذا، تحرّك أوباما، وأوعز لمناصريه من اصل أفريقي بتبني بايدن، ففعلوا ذلك، وصوتوا بأرقام غير مسبوقة لمصلحة نائب الرئيس السابق في انتخابات كارولينا الجنوبية، واهدوه انتصاراً كاسحاً، فصار الانتصار نقطة تحول في حملة بايدن، من حملة متعثرة ويائسة، الى حملة منتصرة وعازمة على الفوز.
وأوعز أوباما، وهو الرئيس المعنوي للحزب حتى دخول ديموقراطي آخر البيت الأبيض رئيساً، الى المانحين برفد حملة بايدن بالتبرعات الانتخابية، التي يستخدمها المرشحون لتمويل الدعاية الانتخابية عبر وسائل الإعلام على أنواعها.
ثم قام الرئيس الأسبق، باتصالين هاتفين مع المرشحين بيت توتيجيج وايمي كلوباشار، وهما محسوبين على التيار الوسطي مثل بايدن، واقنعهما بالانسحاب وبتبني بايدن ودعمه، وفعلا ذلك، وهو ما أدى على الأرجح الى اقتناص بايدن الولاية التي تمثلها السناتور كلوباشار، اي مينيسوتا في الشمال.
وطلب أوباما من المرشح السابق وعضو الكونغرس عن ولاية تكساس بيتو اورورك تبني بايدن، ومثله فعل زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور السابق هاري ريد، وكذلك وزير الخارجية السابق جون كيري، السناتور السابق عن ولاية ماساتشوستس وساهم في فوز بايدن بالولاية.
وقال بايدن، الذي سجل أداء ضعيفاً في ثلاث منافسات سابقة، أمام حشد صاخب في لوس أنجليس «إنها ليلة جيدة، بل يبدو أنها ستصبح أفضل! ليس عبثا أن اسمها الثلاثاء الكبير».
وكان الخاسر الأكبر في «الثلاثاء الكبير» عمدة نيويورك السابق المرشح للرئاسة مايك بلومبرغ، الذي كان أعلن انه ينوي تخصيص مليار دولار لحملته الانتخابية. لكن كل هذا الإنفاق لم يعد على الملياردير بأكثر من فوز صغير بجزيرة ساموا، ذات الموفدين الستة.
وأعلن بلومبرغ، أمس، انسحابه مقدماً دعمه لبايدن، معتبراً انه «افضل» مرشح للتغلب على ترامب.
وكان ترامب غرّد في وقت سابق ساخراً: «لقد أهدر مبلغ 700 مليون دولار ولم يحصل على شيء سوى لقب ميني مايك، والتدمير الكامل لسمعته».
على ان «جوهرة التاج» - ولاية كاليفورنيا - الاكبر سكانياً في البلاد وتمنح المرشحين 415 موفداً، لم تظهر نتائجها كلية، حتى مساء أمس.
ورغم أن وكالة «أسوشيتد برس» أعلنت فوز ساندرز بكاليفورنيا، إلا انه لن يحصد كل الموفدين، بل الجزء الأكبر منهم، إذ أن الولاية توزع موفديها نسبياً، مع حد أدنى للفوز محدد بفوز المرشح بـ 15 في المئة من إجمالي الأصوات.
ومنافسة «الثلاثاء الكبير» تشمل منح أصوات 1357 مندوباً يمثلون الولايات الـ14، وهي تمهد الطريق أمام الفائز لنيل ترشيح الحزب الديموقراطي خلال مؤتمره في يوليو المقبل.
ومن 1991 موفداً مطلوباً للفوز بترشيح الحزب، أظهرت آخر الأرقام تقدم بايدن، للمرة الأولى، على بقية المرشحين، برصيد 453 موفداً، يليه ساندرز بـ382، فورن بـ50.
هكذا، بدلاً من أن يؤكد «الثلاثاء الكبير» صدارة ساندرز للمرشحين الديموقراطيين للرئاسة، فجّر مفاجأة بتقديمه بايدن كمرشح متصدر، ووضعه في موقع جيد للاستمرار في السباق، وربما الانتصار فيه، وحصل كل ذلك في مهلة أقل من اسبوع، وهو ما يشي بمهارة كبيرة قامت بها «المؤسسة الحاكمة» في الحزب الديموقراطي لدفع مرشحها الوسطي المفضل، على حساب مرشح أقصى اليسار الذي ما زال تهديده لبايدن قائماً، وإنما صار يبدو تهديداً بدرجة أقل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق