يبدو أن تلك الزيارة للأسد وعلاقات المسؤولين الأميركيين معه، ساهمت في الوصول إلى القرار 2254 الخاص بالأزمة السورية والذي تفادى الاشارة الى مصيرالأسد في العملية الانتقالية.
ثمار هذه «التسوية الكبرى» بين الولايات المتحدة وروسيا، بدأت أيضاً بالظهور على مستوى تراجع مواقف موسكو، التي سبق ان اشارت اليها «الراي» قبل ايام، نقلاً عن مسؤولين أميركيين تحدثوا إليها - طلبوا عدم كشف أسمائهم - موضحين ان «أبرز تراجع قدّمته موسكو في القرار 2254 هو تنازلها عن موقفها المبدئي بأن لا صلاحية للأمم المتحدة للتدخّل في الشأن السوري، وان الازمة المندلعة منذ العام 2011 هي شأن سوري داخلي تحاول فيه الحكومة ان تقضي على ارهاب يهددها ويهدد العالم».
ولطالما اعتبرت موسكو تدخّل مجلس الأمن في الأزمة السورية بمثابة تعدّ على سيادة سورية، باستثناء الموافقة على قرارات نزع الترسانة الكيماوية السورية ومحاولة إجبار الحكومة السورية على إدخال المعونات الانسانية الى المناطق التي تحاصرها منذ سنوات.
في الماضي، يقول الاميركيون، «كان الموقف الروسي مطابقاً للموقف الايراني القاضي بالتمسّك بالأسد بأي ثمن، ودعمه مالياً وعسكرياً تحت شعار القضاء على الارهاب. ويعزو المسؤولون الاميركيون تمسّك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببقاء نظيره السوري في الحكم الى ان بوتين اراد إظهار انه لا يتخلى عن حلفائه»،خصوصا ان التمسّك بالأسد على مدى السنوات الاربع الماضية لم يكن مكلفاً كثير لموسكو، واقتصر على مساعدات عسكرية واستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن.
لكن تغييرين أسهما في تعديل الموقف الروسي السابق القاضي بالتمسّك بالأسد، حسب المسؤولين الاميركيين، الذين يعتقدون ان«دخول بوتين الحرب السورية جعل مع مرور الوقت امراً مكلفاً مالياً وسياسياً لبوتين، وهو ما يجبره على التوصل الى نتائج، إن كان بالديبلوماسية او على الارض».
ويتابع المسؤولون أن«موسكو اعتقدت ان بإمكانها تحقيق النتائج على الارض من دون ديبلوماسية، ولكن حملتها العسكرية التي استندت الى قوات الأسد وحلفائه، من دون تقدير ان هذه القوات وصلت اقصى طاقتها، تعثرت، وانه لا يمكن لأي سلاح جوي قلب المقاييس من دون تغييرات في قدرات القوات المتحاربة على الارض».
ويلفت الاميركيون الى ان خطة بوتين الاصلية كانت تقضي بإعادة تأهيل قوات الأسد حتى تواكب الحملة الجوية الروسية، وهو ما دفع موسكو الى تزويد دمشق بعتاد ودبابات ومدرعات، لكن اتضح في ما بعد ان الأسد كان متفوقاً اصلاً في السلاح والجو، وان ما ينقصه هو الكوادر البشرية، وهذا نقص لا حيلة لموسكو في التعويض عنه إلا بإشراكها قوات ارضية، وهو ما يحوّل حملتها الى مستنقع شبيه بأفغانستان الثمانينات او بالعراق في العقد الماضي بالنسبة للجيش الاميركي.
ومع انسداد السبل عسكرياً،«لانت موسكو و راحت تدفع باتجاه حل ديبلوماسي، افتتحته باعتبار انها منتصرة، وان الحل يجب ان يعكس انتصارها، لكن واشنطن وحلفاءها لم يقبلوا الطرح الروسي، فانهار مؤتمر فيينا، ووجد الروس انفسهم في حملة عسكرية لا افق لها»، وهذا ما دفعهم، حسب المسؤولين الاميركيين،«الى العودة الى الديبلوماسية لتأمين مخرج مشرّف لهم من سورية».
وكان من أولويات روسيا، بقاء الأسد رئيسا لسورية، ربما للحفاظ على موطئ قدم لها على شواطئ المتوسط. لكن القواعد الروسية في سورية لم يعد لها قيمة إستراتيجية.
ديبلوماسياً، تراجعت موسكو عن معارضتها السابقة للتدخّل في الشؤون السيادية للحكومة السورية بموافقتها على وجود معارضة ندّية للأسد وفرْض مجلس الأمن إجراء انتخابات رئاسية في منتصف 2017، وهو ما يقوّض من سلطة الأسد.
القرار 2254 قد يبدو لمصلحة الأسد«لكن شكل هذه العملية لا يترك اي مجال للشك بأن حدوثها، كما نص على ذلك القرار الاممي، لن يترك اي مساحة للأسد لا للمناورة او للبقاء رئيساً، فبقاؤه صار عبئاً على حلفائه وصار معوقاً للحرب العالمية على الارهاب»، يختم احد المسؤولين الاميركيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق