حسين عبدالحسين
بعد اسبوعين من ابداء واشنطن اعتراضها على "نقطتين" في بيان الرياض، الصادر عن اجتماع المعارضة السورية الموسع، تكفلت موسكو بالقضاء على واحدة من هاتين النقطتين، وماتزال تسعى الى انهاء الثانية. ومن يعرف خلفية الاعتراض الاميركي على بيان الرياض يعرف ان النقطتين كانتا فعليا الاعتراض على مشاركة "جيش الاسلام"، وحركة "احرار الشام الإسلامية" في لقاء المعارضة السورية وتبنيهما بيانها الختامي.
ولطالما وجدت أميركا صعوبة في اتخاذ موقف من هذين الفصيلين، فكلاهما يعلنان السلفية كجزء من هويتهما، لكن الاثنين يعلنان في الوقت نفسه تمسكهما بسوريا مدنية ديموقرطية يلعب الاسلام دوراً في تشكيل هويتها ودستورها، على غرار معظم الدول العربية في المنطقة ومنها عراق ما بعد صدام، الذي اشرفت الولايات االمتحدة على دستوره والذي ينص ان الاسلام "مصدر رئيسي للتشريع" في البلاد.
لكن أميركا، الدولة غير العلمانية، تصرّ على سوريا ما بعد الأسد تكون فيها العلمانية موازية لعلمانية فرنسا، وهو شرط لا يمكن للحكومة الاميركية تحقيقه حتى داخل الولايات المتحدة.
ولأن أميركا تنشد علمانية بمواصفات غير واقعية في سوريا، فهي لم تعثر على أي فصيل سوري ثوري يمكنها التعامل معه، ما عدا دعمها للقوات الكردية التي تضعها واشنطن نفسها على لائحة التنظيمات الارهابية.
هكذا، ارادت واشنطن مؤتمراً للمعارضة في الرياض يتبنى نقاط فيينا كما وردت، وتشارك فيه قوى ثورية من النوع الذي أمضى السنوات الاربع الاخيرة في ضيافة موسكو والقاهرة دون سواهما من عواصم العالم الاخرى.
لكن عندما وافق "جيش الاسلام" و "احرار الشام"، الى جانب ١٦ فصيلاً سوريا ثوريا آخر، على تبني بيان الرياض، الذي يعلن صراحة الموافقة على سوريا مدنية ديموقراطية لجميع ابنائها على تعدد مذاهبهم واعراقهم، تعثرت الرؤية الاميركية - الروسية المشتركة، والقائلة بضرورة اقامة حكومة وحدة وطنية سورية انتقالية من النظام وعناصر في المعارضة، وتقوم هذه الحكومة بالقضاء على "التنظيمات الارهابية". هذه الرؤية هي جوهر قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ الصادر مؤخراً.
ولطالما وجدت أميركا صعوبة في تعاطيها مع مجموعات مثل "جيش الاسلام"، الذي وضعته لفترة قصيرة على لائحة وزارة خارجيتها للتنظيمات الارهابية، قبل ان تنزعه عن هذه اللائحة بعدما تبين انه لا يستوفي الشروط المطلوبة اميركياً لتصنيفه ارهابياً، وتحت اصرار من عواصم مساندة لثوار سورية ان الفصيل سوري، اي ليس اجنبيا مثل "داعش"، أو بعض قيادات "جبهة النصرة". وفي وقت لاحق، أرسلت واشنطن مسؤول الملف السوري وقتذاك سفيرها روبرت فورد — إبان انعقاد مؤتمر جنيف — لينتزع من بعض التنظيمات الاسلامية اعترافاً بموافقتها على سوريا تعددية، وهو موقف تبنته هذه التنظيمات، وكان منها "جيش الاسلام".
على الرغم من اسمه وشكله، لم يعط "جيش الاسلام" وزعيمه زهران علوش واشنطن الاعذار التي سعت اليها لتصنيفه إرهابياً، بل استمع هذا التنظيم الى نصائح العواصم الحليفة، وأصدر بياناته بتأنٍ، وإلتزم موقفاً سياسياً جعل من الصعب جمعه مع المجموعات الاخرى المتهورة التي جعلت من السهل رمي تهمة الارهاب عليها.
في موسكو قبل اسبوعين، امضى وزير الخارجية جون كيري يوماً كاملاً يناقش سوريا مع نظيره سيرغي لافروف. وفي اليوم التالي، اجتمع كيري لمدة ثلاث ساعات ونصف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي خرج ليقول إن بعض الخطوات المقبلة لن تعجب القيادة السورية، فيما أجمعت المصادر الأميركية أن موقفها وروسيا حول سوريا صار متطابقاً.
هذا التوافق الأميركي الروسي أعطى موسكو الضوء الاخضر لتصفية علوش، بعد أسبوعين من اعتراض واشنطن على مشاركة فصيله في مؤتمر الرياض.
الأسابيع المقبلة قد تكون دموية على معظم فصائل الثوار في سوريا. الأمم المتحدة ستعد لائحة دعوات للمعارضين المطلوب مشاركتهم في مؤتمر جنيف بموجب القرار ٢٢٥٤، فيما تتولى مقاتلات روسيا — بمباركة أميركية لا شك — المساهمة في اعداد لائحة دعوات جنيف بالقضاء على أكبر عدد من المعارضين من أصحاب التأثير على الارض السورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق