حسين عبد الحسين
الخبر الذي نشرته وكالة بلومبيرغ حول زيارة سرية الى دمشق قام بها ستيف سايمون، مسؤول الشرق الاوسط في ادارة الرئيس باراك أوباما في العامين ٢٠١١ و٢٠١٢، لم يفاجئ المعنيين بالشأن السوري في العاصمة الاميركية.
فمن يتابع سوريا في واشنطن يعرف انه لم تكد تمر أيام على موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على التدخل الروسي في الحرب السورية، الصيف الماضي، حتى أوعز لمؤيديه في واشنطن بشن حملة “علاقات عامة” لاصلاح صورته واعادة العلاقات مع اصدقائه الاميركيين.
ويبدو ان الأسد خاف من التقارب الروسي الايراني في مقاربة أزمة بلاده، أو انه خاف ان تهيمن روسيا على ايران فيخسر مقدرته على الموازنة بينهما، وهي موازنة برع بها سلفه والده الراحل حافظ، فأوعز لمؤيديه بشن حملة لوبي في واشنطن، كانت اولى ثمارها الفيلم الوثائقي الذي اعده مارتن سميث وبثته قناة “بي بي اس” شبه الرسمية، وحاول فيه تصوير الأسد والأقليات التي يتزعمها على انها الخلاص الوحيد للعالم في مواجهة ارهابيين اسلاميين برابرة ومتوحشين.
ومما لا شك فيه ان حملة اللوبي التي شنها الأسد داخل واشنطن تضمنت اعادة احياء العلاقات مع “الخبراء” ممن يركنون سنوات في مراكز الابحاث، ويعملون في سنوات غيرها في مناصب رفيعة في الادارة. من هؤلاء كان سايمون، وهو وخلفه الحالي روبرت مالي، مسؤول الشرق الاوسط في “مجلس الأمن القومي”، من اصدقاء نظام الأسد منذ اكثر من عقد.
وكان مالي يعمل في “مجموعة الازمات الدولية” عندما زار دمشق في العام ٢٠٠٧، والتقى الأسد، وشارك في حملة داخل العاصمة الاميركية حملت عنوان “الانخراط مع الأسد”، التي كان لولبها سفير الأسد في واشنطن عماد مصطفى، والذي نجح بدوره في تجنيد كبار الشخصيات كان في طليعتهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في محلس الشيوخ سابقا ووزير الخارجية حاليا جون كيري.
لكن مصطفى انخرط في تهديد السوريين ممن تظاهروا ضد النظام في واشنطن في العام ٢٠١١، على مسمع الاستخبارات الاميركية المتنصتة على اتصالاته، فقدمت له الدليل، وعرضت عليه الرحيل بهدوء، فنقله الأسد سفيرا الى بكين.
في الماضي القريب، كما اليوم، كان شعار جماعة الأسد انه حامي الاقليات في الشرق الاوسط، وفي طليعتهم اليهود، وحامي حدود اسرائيل الشمالية.
وفي العام ٢٠١٠، أطل السفير السابق في لبنان جيفري فيلتمان، الذي كان يومذاك مساعدا لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ويعمل اليوم كمستشار سياسي للامين العام للامم المتحدة، وقال ان اسرائيل، عبر مفاوضاتها غير المباشرة مع الأسد في تركيا في العام ٢٠٠٨، فتحت الباب للأسد للخروج من عزلته الدولية التي كانت مفروضة عليه منذ اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في العام ٢٠٠٥.
اليوم، كما الأمس القريب، يأمل الأسد في تكرار عملية خروجه من العزلة الاميركية، وهو لهذا السبب، استعاد شعارات حماية الاقليات، كما في وثائقي سميث، ويعيد الاتصال باصدقائه اياهم، وفي طليعتهم مجموعة مالي.
اليوم، صار معلوما ان الجناح الاكثر وزنا في الادارة الاميركية، من امثال مالي، هم الاكثر ميلا لاعادة الانفتاح على الأسد تحت شعار الانخراط في الحملة العالمية لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش).
ومعلوم ايضا ان في داخل ادارة أوباما اصواتاً، وان خافتة، تعمل على معاقبة الأسد والاطاحة به، ويتصدر هؤلاء سفيرة أميركا في الأمم المتحدة سامنتا باور، التي يروي عنها السوريون الناجون من مجزرة الغوطة الكيماوية ممن قابلوها انها لم تتوقف عن البكاء لما رأتهم، وانها وعدتهم بالقيام ما بوسعها للتأثير داخل الادارة للتخلص من الأسد.
الأسد يستجدي واشنطن، لكن الزمن تغير، فالولايات المتحدة ماتزال غارقة في سباتها الدولي وعزلتها التي فرضتها على نفسها بعد حرب العراق، ومشاركتها في الديبلوماسية حول سوريا تتأثر بشكل كبير بحلفائها المصرين على التخلص من الأسد، فيما تحول الارهاب الى وحش يخيف عواصم العالم ويجبرها على القيام بما من شأنه القضاء على الارهاب اكثر مما تخيفها امكانية انهيار الأسد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق