| الرياض - من حسين عبدالحسين |
هنا في مؤتمر المعارضة السورية الذي انعقد في العاصمة السعودية، وجوه المعارضين السوريين تغيرت كثيراً منذ مؤتمرهم الاول في انطاليا التركية في ربيع العام 2011. الأصغر سناً من المعارضين خرجوا من المعارضة بعد سلسلة احباطات شخصية وجماعية لاحقتهم على مدى السنوات الاربع الماضية، وبعد ان علت اصوات البنادق، وتاليا المقاتلين، وغلبت على شعارات مثل «سلمية، سلمية» و«يلا ارحل يا بشار»، التي انتشرت وقتذاك عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ابان بدء الثورة.
من بقي من المعارضين السوريين غالبيتهم من الكهول، مع مشاركة نسائية طفيفة. حتى الكهول، بدا عليهم التعب وبدا ان السنوات الاربع الماضية غيرت في ملامحهم اكثر مما غيرت فيها سنواتهم الماضية من عمرهم.
كذلك خرجت، وربما انحلت، المجموعات الشبابية الحزبية التي حملت في انطاليا اسماء مثل «سورية الديموقراطية» و«العمل من اجل التغيير»، و خرج من المعارضة غالبية المثقفين من علماء التاريخ والسياسة والآثار، وشارك بدلا منهم ممثلون عن 18 فصيلاً مسلحاً تنخرط في القتال على الأرض السورية من بين 103 شخصيات حضرت المؤتمر السوري المعارض.
أما الصورة، فما زالت مشابهة الى حد كبير: قاعات رئيسية تنعقد فيها اجتماعات يطغى فيها التنظير والبعد عن الواقعية. المعارضون السوريون خارج القاعات أكثر من المشاركين في اللقاءات الرسمية. يشربون القهوة، يتمشون في بهو الفندق، مثنى وثلاثاً ورباعاً، وهم يسعون لإقناع بعضهم البعض، أو يشتكي واحدهم من الآخر.
وبين المعارضين السوريين داخل قاعات الاجتماعات والمعارضين السوريين خارج القاعات، ينتشر الصحافيون الاجانب والعرب الذين يحاولون اقتناص مسودة بيان من هنا، أو التحدث مع مصادرهم ومعارفهم لتحقيق سبق من هناك. حتى هؤلاء الصحافيون ما زالوا تقريباً انفسهم منذ لقاء انطاليا، ومازالت مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» ليز سلاي، في الرياض كما في انطاليا وربما في المؤتمرات العديدة التي انعقدت بين هذين المؤتمرين، تسارع للحصول على معلومات أو تصريحات حتى ترسلها الى واشنطن «قبل اغلاق الصفحات».
لكن بين آخر مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض ومؤتمرها الاول في انطاليا فارق شاسع يكمن في ان دماء سورية كثيرة سالت بين 2011 واليوم، فيما تعرض ملايين السوريين للتهجير القسري.
وبين 2011 واليوم، شهدت سورية تحولاً في المعركة من قتال بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد ومنشقين عن جيشه وهواة، الى معركة أممية تشارك فيها الأسلحة الجوية لأكثر من 10 دول، تتصدرها القوى الكبرى مثل روسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا. أما على الأرض السورية، فدخل مقاتلون لدعم الأسد جاؤوا من لبنان والعراق وايران وحتى افغانستان وباكستان، فيما انضم للمجموعات المتطرفة المعارضة للأسد مقاتلون تتنوع جنسياتهم بين عراقيين وتونسيين وشيشان وطاجيك.
ولأن المشهد السوري، اثناء انعقاد مؤتمر الرياض، معقد أكثر بكثير مما كان عليه يوم انعقد مؤتمر انطاليا في مايو 2011، حضر المؤتمر ممثلون عن القوى الكبرى المعنية، وإن بأشكال مستترة، وراح الديبلوماسيون من الجنسيات المختلفة يتصلون بعدد من المعارضين المشاركين، لا بهدف اعطاء توجيهات ونصح، بل غالباً لمعرفة آخر اخبار المؤتمر من مصادرهم الداخلية لتبليغ عواصمهم.
على ان النفوذ الأكبر للقوى الاقليمية كان، دون شك، للحكومة السعودية المضيفة، اذ يعرف المعارضون السوريون ان الرياض هي أكبر مؤيد لقضيتهم ولمطلبهم برحيل الأسد عن السلطة.
لكن هذه المرة، على عكس انطاليا التي غابت عنها المملكة، لعبت السعودية دوراً في تفسير المشهد الدولي المعقد للمعارضين، ووضعتهم أمام الخيارات المتاحة، وحضتهم على القيام بالخطوات المطلوبة حتى لا يتحرك العالم من دونهم، خصوصاً ان جزءاً لا بأس به من المعارضين هم من الهواة في الشؤون السياسية، الدولية والاقليمية، وغالباً ما يبني معارضون سوريون مواقفهم على مطالب يستحيل تحقيقها، وان كانت محقة.
هكذا، بمساعدة سعودية، توصل المعارضون السوريون الى أفضل صيغة تجمع بين طموحاتهم الكبيرة والواقع الدولي المرير، فأعلنوا قبولهم الحل السياسي، وقدموا تصورهم لهذ الحل، الذي لا يشترط خروج الأسد قبل العملية السياسية، بل مع مطلعها، وهذا ليس تراجعاً للمعارضة عن موقف انطاليا، الذي كان يطالب برحيل الأسد بشكل حاسم وسابق لأي تسوية، بل هو موقف يصل الى هدف متطابق، ولكن المطالبة به جاءت بلغة ديبلوماسية عملانية.
ربما كان مؤتمر انطاليا أجمل وأكثر رومنطيقية وثورية، لكن مؤتمر الرياض أكثر واقعية وأكثر قابلية للتحقيق ولإخراج سورية والسوريين من الكابوس الذي يعيشونه منذ أربع سنوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق