حسين عبدالحسين
المدن
الدراسة التي أصدرتها جامعة جورج واشنطن بعنوان “داعش في أميركا” حازت اهتماما واسعا في الاوساط الاميركية. الا ان الاميركيين لم يتنبهوا الى النقطة الاهم في الدراسة، وهي ان ٤٠ في المئة ممن يجندهم التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي هم اميركيون من دون اي جذور عربية او مسلمة.
النسبة المرتفعة بين الاميركيين من غير العرب او المسلمين ممن يتأثرون بدعاية داعش ويعتنقون الاسلام تنسف النظرية القائلة ان انتشار داعش سببه تعاليم الدين الاسلامي او عادات مجتمعية غير متسامحة سائدة بين العرب والمسلمين. مثلا، كيف نبرر انضمام الممرضة الاميركية المسيحية من اصل ايرلندي شانون مورين كونلي الى داعش؟ أو كيف نبرر التحاق ابنة ضابط شرطة افريقي - اميركي تدعى جايلين يونغ الى التنظيم؟ أو ما الذي دفع دوغلاس ماكين الى التخلي عن طموحه بأن يصبح مغني راب ليلتحق بجهاد داعش المزعوم؟
وكان لافتا في الدراسة ايضا ان من اصل ٥٧ اعتقلتهم السلطات الاميركية بتهم الارهاب المتعلقة بداعش، ٢١ منهم تتراوح اعمارهم بين ١٨ و٢٠، و١٤ منهم بين ٢١ و٢٣، فضلا عن قاصرين، ما يعني ان ثلثي من اعتقلتهم الاستخبارات الاميركية هذا العام بتهم ارهاب داعش هم تحت ٢٣ عاما.
وفي الدراسة ايضا ان مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) يراقب ٩٠٠ يعتقد انهم يناصرون داعش او يؤيدونه. الا ان الدراسة تنقل عن مسؤولي هذا الجهاز ان تأييد غالبية هؤلاء لداعش عادة لا تتخطى المجال الافتراضي، وأن عددا لا بأس منهم لا يلبث ان يتخطى مرحلة الاعجاب بالتنظيم ويتخلى عن تأييده.
دراسة “داعش في أميركا” تظهر ان ظاهرة اعجاب شباب بداعش، وانضمامهم اليه، لا ترتبط بالدين الاسلامي ولا بتقاليد وعادات المجتمعات الاسلامية، بل هي ظاهرة تتعلق بمرحلة الطيش التي يمر بها عدد كبير من الشباب في مختلف المجتمعات، بعضهم ينضجون ويتخطونها، وبعضهم الآخر لا يقومون أبدا من كبوتهم.
طبعا الدراسة الاميركية لا تفسر قيام داعش نفسه، فالتنظيم نتيجة سلسلة حروب في العراق ترافقت مع حصار اقتصادي قاس وتحطيم أميركا التوازن السني - الشيعي الذي كان سائدا الى ان اجتاحت قواتها العراق. لكن غير نواة داعش وقياداته والناس المجبرة على الالتحاق به في سوريا والعراق، اما جوعا او خوفا، تبقى الحركة العالمية المرتبطة بداعش اليوم، والتي تقلق الغرب، حركة عابرة للثقافات والاجيال، وتتطلب معالجات تختلف عن بناء تحالفات عسكرية دولية ودك الرقة والموصل بقذائف المقاتلات.
قبل ان يرتكب شبان فرنسا جرائم باسم “الدولة الاسلامية” كانوا يحرقون سيارات ويقطعون طرقات ضواحي باريس بسبب عوزهم وانعدام فرص العيش المتاحة لهم. وقبل ان يلتحق الاميركي من اصل ايرلندي تيرينس ماكنيل بداعش، قام اميركي آخر من اصل ايرلندي هو تيموثي ماكفي بتفجير مبنى في اوكلاهوما في العام ١٩٩٥ في أكبر “ارهاب داخلي” عرفته البلاد، حسب الارشيف الاميركي.
كان عمر ماكفي يومها ٢٧ عاما، وقال ان سبب ارتكابه فعلته، بالتعاون مع تيري نيكولز ومايكل فورتييه، نيته “اشعال ثورة ضد الحكومة الفدرالية الظالمة”، وهو السبب نفسه الذي دفع ديلان روف، ٢١ عاما، الى ارتكاب مجزرة في كنيسة في حزيران (يونيو). وينتمي روف الى تنظيم مسيحي يميني متطرف، غالبا ما يرتكب اعمال عنف عنصرية ضد غير البيض او المسلمين او الهندوس.
داعش بنسخته الشرق اوسطية ميليشيا مثل باقي الميليشيات، ولدت من رحم الحروب والفوضى التي تعم المنطقة منذ زمن. اهداف داعش هي كأهداف الميليشيات المنافسة، اي السيطرة على اراض وطرقات وفرض خوات وضرائب وبلطجة محلية.
اما داعش العالمي فسببه ظروف لا ترتبط بالشرق الاوسط على الرغم من نجاح داعش في الافادة من هذه الظروف وتحريض ضحاياها للقيام بعمليات عنف تؤدي الى تسليط الاضواء عليه.
ان خطط العالم وأميركا للتعامل مع داعش اضاعة للوقت، جاءت آخر تجلياتها في تأكيد الرئيس باراك أوباما ان بلاده نجحت في “احتواء” التنظيم، فرد عليه رئيس اركانه جو دنفورد امام الكونغرس بنفي نجاح أميركا بعملية “الاحتواء”، وهذا تباين يؤكد ان القيمين في أميركا على سياسة التعاطي مع الشرق الاوسط، وخصوصا داعش، لا يعرفون ماذا يفعلون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق