حسين عبدالحسين
قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ المخصص للأزمة السورية قد يبدو في صالح الرئيس السوري بشار الأسد لأنه لم يتطرق الى مصيره في الحكم، لكن المسؤولين الاميركيين يعتقدون ان بنود القرار تشي بعكس ذلك.
بادىء ذي بدء، القرار يشبه الى حد بعيد قرار مجلس "جامعة الدول العربية" الصادر في أيلول/سبتمبر ٢٠١١، والمؤلف من ١٣ بنداً، طالبت "الجيش العربي السوري" بوقف اطلاق النار والانسحاب من مدن سوريا، وطالبت الحكومة بالافراج عن المعتقلين والمساجين السياسيين، وطالبت نظام الأسد بالدخول في حوار "ندي" مع المعارضة السورية الفعلية، وطالبت بتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة تشرف على انتخاب جمعية عامة انتقالية تضع بدورها دستورا جديدا وتقدمه لاستفتاء شعبي. بعد اقرار الدستور، تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية.
لم يوافق الأسد على قرار الجامعة يومها، فقامت بتعليق "عضوية الجمهورية العربية السورية"، واستمرت الحرب، واستمر موت السوريين وتهجيرهم.
الاسبوع الماضي، وبعدما أبقت موسكو القضية السورية خارج مجلس الأمن لأربع سنوات، ما عدا نزع ترسانة الأسد الكيماوية ومحاولة فرض ادخال مساعدات انسانية للمدنيين المحاصرين في مناطق النزاع، وافقت روسيا على تبني المجلس قراراً جاء يشبه في محاوره السبعة قرار الجامعة العربية الذي رفضه الأسد في العام ٢٠١١.
على أن قرار المجلس ملزم للحكومة السورية ولا ينتظر موافقتها، على عكس قرار الجامعة. والقرار اسقط بعض الخطوات الانتقالية، فلا انتخاب لجمعية ولا دستور جديد ولا مطالبة لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" بتبني التعددية، بل وقف اطلاق نار، وحكومة انتقالية وانتخابات رئاسية. والقرار ٢٢٥٤، على عكس قرار الجامعة، لا يطالب بوضع جدول زمني، بل يقدم القرار جدولا زمنيا يتمحور حول ثلاثة تواريخ: ١٨ المقبل موعدا لتقديم الامانة العامة للامم المتحدة آلية مراقبة وقف اطلاق النار، ومنتصف العام المقبل تاريخا لتشكيل الحكومة الانتقالية، ومنتصف العام ٢٠١٧ موعدا لانتخابات رئاسية.
عندما اغلقت موسكو مجلس الأمن الدولي في الماضي، تذرعت بعدم جواز التدخل في الشؤون السيادية للحكومة السورية. مع القرار ٢٢٥٤. يبدو جلياً أن روسيا تأكدت من عجز الحكومة السورية على القضاء على المجموعات المتطرفة من دون تدخل خارجي، عسكري وسياسي.
هكذا، تراجعت موسكو عمّا دأبت على رفضه، فالجدول الزمني الذي يفرض انتخابات رئاسية في ٢٠١٧ يقوض الولاية الثالثة للأسد والتي تنتهي في ٢٠٢١، واصرار القرار ٢٢٥٤ على اشراف مباشر للأمم المتحدة على الانتخابات، ينتزع من الأسد المقدرة على "اكتساح" المرشحين الآخرين للرئاسة، وموسكو الأعلم بكيفية تأكيد فوز مرشح ما على منافسيه بغض النظر عن شعبيته.
المسؤولون الاميركيون يكررون ان نظراءهم الروس "يقسمون الايمان" انهم لا يتمسكون بالأسد ولا يهتمون لرحيله، وان هدف موسكو هو وقف تمدد المجموعات الارهابية، والقرار ٢٢٥٤، الذي قوض "سيادة" الأسد وقدم اعترافاً بالمعارضة الندية، يشير بأن الروس فعلياً لم يعودوا متمسكين بألاعيب الأسد التي يحدد بموجبها معارضيه (في حين المعارضة حسب القرار تختارها الأمم المتحدة)، او التي يشرف فيها على انتخابه رئيسا (الأمم المتحدة تجري الانتخابات).
يدرك الروس والاميركيون ان الأسد — الذي حول نفسه الى زعيم ائتلاف اقليات سوريا — لا يمكنه التفوق شعبياً وسياسياً على خصومه، وانه يحتاج الى ألاعيب سياسية، مقرونة بعنف مضمر وظاهر، للبقاء في السلطة.
ويدرك الروس والاميركيون كذلك انه عندما تمسك الدول باللعبة السياسية السورية، تصبح احدى رجلي الأسد خارج باب القصر الرئاسي.
ان تفوق الأسد في العملية السياسية كان مبنياً على فرض وقف اطلاق نار وترك الأسد يدير هذه العملية السياسية، لكن المجتمع الدولي هذه المرة سيشرف على الاثنين، الهدنة والعملية الانتقالية. وحتى لو لم يضع العالم شروطاً تمنع ترشح الأسد، ستكون فرص فوزه بالرئاسة في منتصف العام ٢٠١٧ شبه مستحيلة، او هكذا يتصور الاميركيون وحلفاؤهم الاوروبيون.
ماذا لو كانت روسيا تناور، وتوافق على القرار ٢٢٥٤ لإضاعة الوقت وابقاء الأسد في السلطة؟ يجيب المسؤولون الاميركيون: اذا لتستمر العمليات العسكرية الروسية بتكلفة مليار دولار في الشهر، ولتستمر روسيا في الغرق في المستنقع السوري، في إجابة تشي بأن واشنطن، على ما تقوله علناً، تعتقد ان في مصلحة موسكو الخروج من الدوامة السورية في اقرب فرصة، وان القرار ٢٢٥٤ هو الفرصة الامثل لذلك، وهذا إن صح يعني أن موعد رحيل الأسد هو منتصف ٢٠١٧، حتى لو لم يتلفظ أحد بذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق