حسين عبدالحسين
للمرة الألف، ظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما مرتبكاً في السياسة الخارجية، خصوصاً في موضوع سوريا والقضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية".
هذه المرة، أظهر أوباما جدية أكبر من الماضي في تعاطيه مع موضوع "داعش". فقبل سنوات، وصف الرئيس الاميركي "داعش" بـ"فريق الاشبال" في العمليات الارهابية. هذه المرة، بعدما ثبت أن مجرزة سان برناردينو، والتي راح ضحيتها ١٤ أميركياً الاسبوع الماضي، هي "ثاني اكبر هجوم ارهابي على التراب الاميركي منذ هجمات ١١ سبتمبر (أيلول) ٢٠١١"، حسب "مكتب التحقيقات الفدرالي" (اف بي آي)، خصص أوباما خطاباً الى الشعب الاميركي، وهو الخطاب الرابع من نوعه منذ تسلمه الرئسة في العام ٢٠٠٩، لتقديم رؤيته لكيفية القضاء على هذا التنظيم.
وعلى الرغم من الاهمية التي أراد أن يسبغها أوباما على استراتجيته الجديدة، إلا أن ما قدمه هو تكرار لما سبق ان قاله الرئيس الاميركي على مدى السنوات القليلة الماضية حول كيفية التعاطي مع هذا النوع من التنظيمات.
الاستراتيجية التي وردت في اربع نقاط، يمكن اختصار الثلاثة الاولى منها على انها استمرار لأسلوب أوباما العسكري نفسه في الحرب ضد "داعش" عن بعد، عن طريق شن غارات ضد اهداف التنظيم، وارسال قوات خاصة لمطاردة قادته، والمشاركة مع قوات محلية ترشدها وحدات اميركية خاصة لانتزاع اراض من التنظيم. كذلك، جدد أوباما تعهده زيادة مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء، والعمل مع الدول الاسلامية والاميركيين المسلمين لمواجهة خطاب داعش المتطرف بآخر معتدل.
الا ان النقطة الرابعة من استراتيجية أوباما للقضاء على "داعش"، وهي المخصصة للحرب السورية، برز فيها انقلاب أوباما عن موقفه الاخير، اثناء زيارته عاصمة الفيليبين مانيلا، يوم قال إن شرط القضاء على التنظيم هي التسوية السياسية في سوريا، وشرط التسوية السياسية هو خروج الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم، ما يعني أن لا قضاء على "داعش" من دون خروج للأسد.
في خطابه الى الشعب الاميركي، تراجع أوباما عن تصريحات مانيلا، واستبدلها بالرؤية التي كانت وردت في خطاب وزير خارجيته جون كيري حول سوريا، وهو خطاب سبق الجولة الاخيرة في فيينا وتصريحات مانيلا.
أحدث مواقف أوباما حول سوريا، حسب خطابه الاخير، تتمثل في اسقاطه شرط خروج الاسد من الحكم للقضاء على "داعش"، واستبداله بشرط "وقف اطلاق النار" والسير في عملية سياسية.
طبعاً، الشيطان يكمن في التفاصيل. صحيح ان عملية الانتقال السياسي في سوريا لا تنص على خروج الأسد من السلطة، لكنها لا تنص على بقائه، ما يعني ان أوباما عاد الى الاتفاق السابق مع روسيا وايران، والقاضي بإبقاء الغموض على مستقبل الأسد، أو تأجيل البحث به، الى ان يتم وقف اطلاق النار والحاق الهزيمة بداعش. بعد ذلك، يمكن الحديث عن مستقبل الأسد.
وكرر أوباما ما سبق لكيري ان قاله حول لقاءات فيينا، فقال الرئيس الاميركي في خطابه ان "المجتمع الدولي باشر في عملية، وجدول زمني، لتحقيق وقف اطلاق نار وحل سياسي للحرب السورية"، مضيفا أن "القيام بذلك يسمح للشعب السوري ولكل دولة — لا حلفاءنا فحسب بل دول كروسيا — في التركيز على الهدف المشترك في القضاء على داعش، التنظيم الذي يهددنا جميعا".
هكذا، عادت واشنطن الى تبني موقف موسكو في جعل القضاء على داعش اولوية على القضاء على الأسد، سبب داعش.
على أن المشكلة القائمة تتمثل في كيفية التوفيق بين "وقف اطلاق النار" وفي نفس الوقت "القضاء على داعش"، إذ تتطلب عملية القضاء عليه استمرار الحرب ضد التنظيم، وهذا ما يتطلب بدوره تمييز "داعش" عن القوات المقاتلة الاخرى حتى يتسنى للقوات التي تقاتل التنظيم ان تعرف في اي اتجاه تطلق نيرانها.
ستعود موسكو وطهران لمحاولة انشاء قائمة بالتنظيمات الارهابية في سوريا، وستستمر موسكو في محاولة تفريغ "الجيش السوري الحر" وتحويله الى ميليشيا شكلية تابعة لها على غرار اختراقها المعارضة السياسية، وسيستمر أوباما في التخبط، وستسمر الحرب في سوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق