| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
لم يؤمن المخرج والناشط والمثقف السوري عمر أميرالاي مطلقا بفكرة أنه على العرب الاختيار بين الديمقراطية والاستقرار. وإذا كان حيا اليوم، فمن المؤكد أنه كان سيحقق حلمه وسينضم إلى الشباب الثائر في الشوارع للدعوة من أجل الإصلاح كما فعل مرات كثيرة في السابق، إيمانا بقدرتهم على تغيير عالمهم.
لم يحظ سوى عدد قليل من المثقفين العرب بتقدير دولي، وكان من بينهم المخرج السوري البارع عمر أميرالاي. ولكن كتب له القدر تحولا في مساره. قبل 40 يوما فقط من اندلاع الاضطرابات التي شهدها كثير من المدن السورية في 15 مارس (آذار) - لأول مرة منذ نصف قرن تقريبا - توفي أميرالاي. وفقدت سوريا والعالم أحد أبرز العقول، الذي - على الرغم من نشاطه السياسي - كان يؤكد مرارا على أنه ليس سياسيا ولكنه مجرد عضو في المجتمع المدني السوري.
ولد أميرالاي في دمشق عام 1944 لأب كان ضابطا سابقا في الجيش العثماني وأم لبنانية. وفي عمر 21 عاما، انتقل إلى باريس حيث درس في المعهد العالي للدراسات السينمائية، لافيمي. وحاول تسجيل أحداث ثورة الطلاب الفرنسية عام 1968، ولكن لم يحالفه النجاح. وفي عام 1970، عاد إلى سوريا وأنتج ثلاثية هاجم فيها نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد وحزب البعث الحاكم.
في أول أفلامه «محاولة عن سد الفرات» (1970)، أظهر أميرالاي تقديره للسد. وفي فيلميه الثاني والثالث، «الحياة اليومية في قرية سورية» و«الدجاج» (1977)، انتقد أميرالاي بشدة النظام البعثي، حتى أن فيلميه ممنوعان من العرض في سوريا حتى اليوم. وفي آخر أفلامه التسجيلية التي تزيد على عشرة أفلام، «طوفان في بلد البعث» (2003)، أعاد أميرالاي الحديث عن قصة سد الأسد وأضاف لها حوارين أحدهما مع عضو في البرلمان، كان زعيما لقبيلة قريته، والحوار الثاني مع ابن أخته مدير مدرسة القرية.
برز نبوغ أميرالاي عندما ترك من يحاورهم يتحدثون، من دون سرد منه، ومن خلال تعليقاتهم يستطيع المشاهد أن يرى فشل النظام السوري بما فيه البرلمان والحكومة والمدارس.
كان أميرالاي، بصفته عضوا في «المجتمع المدني الجديد»، في عام 2000، بين 99 مثقفا سوريا وقعوا على عريضة تحث الرئيس المنتخب حديثا بشار الأسد على رفع قانون الطوارئ، الذي وضع عام 1963. وفي عام 2005، انضم أميرالاي إلى إعلان دمشق الذي طالب أيضا بإصلاحات وانتقال سوريا من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية.
لم يؤمن المخرج السينمائي الراحل مطلقا بفكرة أنه ينبغي على العرب الاختيار ما بين الديمقراطية أو الاستقرار. وفي لقاء أجراه معه يوسف حجازي عام 2006 على موقع قنطرة، قال أميرالاي إنه يجب أن يتغير النظام في سوريا، ولم يعتقد أن البلاد ستقع في فوضى مثل العراق المجاور. وقال: «أعتقد أن تاريخ سوريا والتراث الأموي السياسي يوضح اليوم أنه ليس مسموحا للسياسة بأن تدمر البلاد. يعني ذلك أنه في مرحلة ما يجب الوصول إلى تسوية. وهذا تحديدا هو المقصود من شعرة معاوية».
وأضاف أميرالاي قائلا: «يختلف التراث الأموي عن العباسي. لقد دُمرت بغداد مرات عدة على مدار التاريخ، في حين استمرت دمشق ثابتة على مدار أكثر من أربعة آلاف عام».
ونظرا لإيمانه بالديمقراطية، وقع أميرالاي - مع نشطاء في حقوق الإنسان وشخصيات سورية أخرى بارزة - على بيان أثنوا فيه على ثورتي تونس ومصر. وورد في البيان، نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسبة: «يتطلع الشعب السوري أيضا إلى العدالة والحرية. لقد وجدت الشعوب العربية طريقا إلى الحرية، وتحديدا عن طريق المقاومة الاجتماعية السلمية غير العنيفة التي توحد الشعب ضد من يقمعه ويسرق ثرواته».
تم التوقيع على البيان في 30 يناير (كانون الثاني). ولم يحيا أميرالاي حتى يرى الرئيس المصري محمد حسني مبارك وهو يتنحى عن الحكم في 11 فبراير (شباط). ولم يحظ أيضا برؤية السوريين يخرجون إلى الشوارع بعد ذلك بشهر، لتستقيل الحكومة السورية بعدها ويعد الأسد بإجراء إصلاحات.
من الملحوظ أيضا في شأن هذا المثقف السوري الفريد استعداده للنقد الذاتي. فقد صرح في حواره مع موقع قنطرة: «إذا سمحت لنفسي بانتقاد حزب البعث فعلي أولا أن أنتقد ذاتي. لقد تعاونت مع هذا الفكر السوري العصري».
كان أميرالي متفائلا، حتى وإن وصف تفاؤله بأنه ضئيل كـ«الشعرة الرفيعة». وكان مثل صديقه المقرب الصحافي اللبناني سمير قصير، الذي اغتيل في يونيو (حزيران) عام 2005 بسبب مواقفه المعارضة للنظام السوري، مؤمنا بقدرات العرب الكامنة.
أضاف أميرالاي في حواره قائلا: «لقد مللنا من تقديم المتخصصين الأوروبيين لأساليب من جانب واحد إلى العالم العربي. ينبغي على الناس أن يبدأوا في قبول حقيقة أن العالم العربي لديه ممثليه من أشخاص يفكرون وفقا للنماذج والطرق الغربية ويجرون دراسات عقلانية ومنهجية وفقا لواقعهم. إنهم يعكسون موقف الناس المتأثرين بصورة مباشرة، بدلا من مواقف المحلل أو المراقب».
واختتم قائلا: «يجب على الغرب أن يقبل بأن العالم العربي لديه القدرات ذاتها وأنه قادر على تقديم ذاته بذاته».
والآن بعد أن رحل زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ويواجه الآن أقدم رئيسين عربيين، معمر القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن، خطورة الإطاحة بهما، أصبح على التونسيين والمصريين والعرب الآخرين أن يظهروا «قدراتهم»، التي تحدث عنها أميرالاي، الذي سيظل تأثيره الثقافي على الدول العربية والعرب جزءا من تراث رجل، مثل كثير من أبناء جيله، كان لديه حلم ولكن لم يمتد به العمر حتى يشهد تحقيقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق