أطلقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، مجموعة من المواقف في السياسة الخارجية، في خطاب بدا انه موجه الى الداخل الاميركي، كما للخارج. فمنذ وصول الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض وحتى اليوم، لم تأخذ السياسة الخارجية شكلها النهائي بعد، مع تضارب واضح في الصلاحيات بين وزارة الخارجية ومجلس الامن القومي، ووجود عدد كبير من المبعوثين الرسميين وغير الرسميين، والطامحين الى لعب ادوار ديبلوماسية.
كلينتون حاولت تلخيص مواقف اميركا الخارجية في خطاب، هو الاول من نوعه، ادلت به في «مجلس العلاقات الخارجية»، اول من امس، بحضور ابرز اركان الوزارة من امثال مبعوث السلام جورج ميتشل، والمبعوث الى افغانستان ريتشارد هولبروك، ومساعدين للوزيرة.
كلينتون التزمت الفكرة الرئيسية في رؤيتها لدور الولايات المتحدة «كقوة ذكية»، وهي عبارة اطلقتها مجموعة من الخبراء والمثقفين العام الماضي، واصدرها «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» في مطبوعة. مبدأ «القوة الذكية» يدعو الى ضرورة الافادة من امكانات اميركا الديبلوماسية والمالية والتنموية حول العالم، وتقليص الاعتماد على التفوق العسكري.
ورغم انحسار الحديث في العاصمة الاميركية عن نشر الديموقراطية، الا ان كلينتون خصت الناشطين من اجل الديموقراطية في «لبنان وايران وليبيريا» بكلمة، وقالت ان «هؤلاء يجدون في الاميركيين اصدقاء لهم، لا اعداء»، واضافت ان الادارة الحالية ستدعم بناء حكومات تتمتع بشفافية وتخضع للمحاسبة، «وستدعم اولئك الذين يعملون من اجل بناء مؤسسات ديموقراطية اينما كانوا».
كلينتون لخصت اسلوب سياسة بلادها الخارجية على الشكل التالي: «سنعمل من خلال المؤسسات (الدولية) الموجودة ونعمل على اصلاحها، وسنذهب ابعد من ذلك... سنستخدم استراتيجيات عقلانية في السياسة الخارجية، لخلق شراكات تهدف الى حل المشاكل».
كما قالت ان السياسة الاميركية اليوم هي عبارة عن «خليط من المبادئ والبراغماتية».
واضافت في لفتة فسرها مراقبون على انها استعداد اميركي للتواصل مع من تسميهم واشنطن منظمات ارهابية: «سنذهب ابعد من الدول لخلق فرص للاطراف والاشخاص، من غير الدول، للمشاركة في الحلول».
لكن كلينتون حذرت من محاولات بعض الدول، من اعداء الامس، «استغلال استعداد» اميركا للحوار «او تفسيره كمؤشر ضعف». واكدت: «لن نتردد في الدفاع عن اصدقائنا، مصالحنا، وفوق كل شيء، شعبنا، بقوة، وعند الضرورة، (باستخدام) الجيش الاقوى في العالم».
وزيرة الخارجية سردت بتفصيل رؤية بلادها القاضية بتحويل العالم من «متعدد الاقطاب» الى «متعدد الشركاء»، وهؤلاء، حسب كلينتون، سيساهمون، بالتكافل والتضامن مع الولايات المتحدة، في مواجهة المشاكل التي تتهدد العالم، وفي طليعتها انتشار التسلح النووي كما في كوريا الشمالية وايران، ومحاربة الارهاب، والتغير المناخي، والجوع، والفقر، والامراض حول العالم.
وبعد الحديث عن دعم الديموقراطيين في بعض الدول، وعن نية اميركا الحوار مع اعداء الامس، وبناء شراكات تتحول الى تحالفات عند المقتضى، انتقلت كلينتون الى الحديث عن قضية السلام في الشرق الاوسط، والملف النووي الايراني.
عن السلام، قالت: «نعرف ان التقدم نحو السلام لا يمكن ان يكون مسؤولية الولايات المتحدة - او اسرائيل - لوحدهما، فانهاء الصراع يتطلب العمل من كل الجهات... على الفلسطينيين مسؤولية تحسين خطواتهم الايجابية على صعيد الامن لمواجهة التحريض، والامتناع عن اي عمل قد يقلل من حظوظ اي مفاوضات ذات معنى».
وتوجهت الوزيرة الى الدول العربية بالقول، ان عليها «دعم السلطة الفلسطينية بالكلمات والافعال، واتخاذ خطوات من اجل تحسين علاقاتها مع اسرائيل، وتحضير شعوبها من اجل اعتناق السلام، والقبول باسرائيل في المنطقة». واثنت على مبادرة السلام «السعودية، التي تدعمها اكثر من 20 دولة». لكنها قالت ان بلادها تعتقد ان المطلوب اكثر، «لذا نطلب من مؤيدي المبادرة اتخاذ خطوات ذات معنى الان».
كذلك تحدثت عن الحوار مع ايران، وسورية من دون ان تسميها، وضربت المثال بليبيا، التي «غيرت من تصرفاتها في مقابل انفتاح العالم عليها». واعلنت «ان المفاوضات ممكن ان تقدم لنا رؤية عن حسابات الانظمة وربما - حتى لو بدت الفرضية بعيدة - ان يغير النظام من تصرفاته».
اما في حال فشل الحوار مع هذه الانظمة، فسيساهم «استنزاف امكانات الحوار في جعل شركائنا اكثر استعدادا لممارسة الضغط».
وعن ايران، قالت كلينتون: «شاهدنا الاندفاعة اثناء الانتخابات الايرانية باعجاب كبير، لكننا صدمنا بالطريقة التي استخدمت فيها الحكومة العنف لقمع اصوات الشعب الايراني، ثم حاولت اخفاء افعالها خلف اعتقال الصحافيين والمواطنين الاجانب، وطردهم ومنع استخدام التكنولوجيا، ابدينا نحن وشركاؤنا في قمة الثمانية ادانتنا لهذه الافعال».
لكن هيلاري اكدت كذلك ان سياسة العزل اثناء العقود الماضية لم تثن ايران عن المضي قدما في سعيها الى امتلاك «سلاح نووي ودعمها للارهاب». واضافت: «ليس لدى الرئيس او لديّ اوهام بأن الحوار مع الجمهورية الاسلامية سيضمن نجاحا من اي نوع كان... لكننا نفهم اهمية تقديم فرصة الحوار الى ايران، واعطاء قيادتها خياراً واضحاً: اما الانضمام الى الاسرة الدولية كعضو مسؤول، او الاستمرار في الطريق الى المزيد من العزلة».
واعتبرت ان لايران الحق في امتلاك برنامج نووي سلمي، لكن «ليس لدى ايران الحق بامتلاك امكانية نووية عسكرية، ونحن مصممون على منعها من ذلك». وقالت: «الخيار واضح، نحن مستعدون للحوار مع ايران، ووقت العمل هو الان... لن تبقى فرصة الحوار مفتوحة الى ما لا نهاية».
وبعد انتهاء الخطاب، اجابت كلينتون عن سؤال حول سورية بالقول: «جعلنا من الواضح جدا للسوريين، بما فيه مع عرضنا اعادة السفير (الاميركي الى دمشق)، اننا نريد حوارا، لكننا نريده من جانبين، وهناك افعال معينة نرغب ان نرى السوريين يقومون بها في الوقت الذي نبحث فيه موضوع الحوار».
واكدت: «اعتقد ان لسورية دوراً اساسياً في كل ما نفعله في الشرق الاوسط، وآمل ان الحسابات السورية ستتغير حول اين سيكون موقفهم بالنسبة لعلاقتهم مع ايران، ودعمهم للنشاطات المتطرفة والارهابية، حتى نستطيع مباشرة حوار في اتجاهين يفيدنا نحن الاثنين والمنطقة في شكل عام».
انقر هنا لقراءة المقالة في جريدة الراي