حسين عبدالحسين
المدن
الزوبعة التي اثارها الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوله "اسأنا تقدير قوة داعش" فتحت الباب لتوسيع النقاش حول الدور الأميركي الجديد في سوريا، وعاد المطالبون بالتدخل العسكري منذ الاسابيع الاولى للثورة السورية ليأكدوا موقفهم وليكرروا باعتزاز "قلنا لكم". لكن أوباما لم يتحمل مسؤولية الخطأ فردياً، بل عزاه إلى فريقه مجتمعاً، وهو أمر غير مألوف في عالم السياسة في واشنطن.
واستعادة شريط الأحداث التي أدت الى انقلاب الموقف الأميركي يشي بأن أوباما ليس صاحب رأي التدخل في العراق أو في سوريا، وإن كان هو صاحب الكلمة الاخيرة، فالتدخل الاميركي ضد "الدولة الإسلامية" بدأ حينما تسلل رئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي الى الليموزين الرئاسية التي كانت في طريقها للعودة الى البيت الابيض، بعد لقاء قمة استضافته وزارة الخارجية لزعماء افريقيا وشارك فيه أوباما.
ومع ان الرحلة بالسيارة بين الخارجية والبيت الابيض لا تتعدى الدقائق القليلة، الا ان أوباما لم يكد يصل ورئيس اركانه الى الجناح الغربي - مقر الحكم- حتى أعطيا التعليمات للمباشرة بالاستعداد لضربة جوية تنقذ أربيل العراقية-الكردية، التي كان يتهددها مقاتلو داعش باقترابهم من طوزخورماتو.
تلك الرحلة أظهرت ان ديمبسي هو صاحب الكلمة الفصل عند أوباما، فالجنرال الاميركي لطالما التزم مقولة ان لا مصلحة اميركية في التدخل في القتال الدائر بين تنظيم القاعدة السني وحزب الله الشيعي، وأن مصلحة أميركا ربما تقضي بمشاهدة الخصمان يدميان بعضهما البعض. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت تصريحات أوباما صدى لتفكير ديمبسي هذا، فقال الرئيس الاميركي في آذار مارس لمجلة بلوميرغ فيوز، إن إيران وروسيا في موقع أضعف بكثير في سوريا مما كانا عليه قبل ان يصبح نظام حليفهما بشار الاسد تحت الركام.
ومثل ديمبسي، لم يخطر في بال أوباما انه كلما طال القتال، كلما سنحت الفرصة اكثر للتنظيمات المتطرفة، السنية أو الشيعية، القاعدة أو حزب الله أو ما يخرج من كنف طائفتيهما، أن تزداد تنظيماً، وتطرفاً.
وبعد أن رأى ديمبسي أن بقاء أميركا خارج المواجهة ليس بالسهولة التي يتصورها، انقلب رأيه، وانقلب رأي أوباما، لكن الرئيس الاميركي لم يقبل تحمل المسؤولية السياسية وحده، في وقت يدرك أنه لا يمكنه تحميل المؤسسة العسكرية -التي تبقى خارج الصراعات السياسية الاميركية- المسؤولية كذلك، فاستخدم أوباما "نحن" في صيغة التعمية عن المسؤول الفعلي للتأخر الاميركي في العراق وسوريا.
على أنه انصافاً لأوباما، لم يكن الرئيس الوحيد الذي أوكل سياسته الخارجية للجيش الذي يدير مواقف أميركا في الشرق الاوسط منذ العام ٢٠٠٦، اي منذ قرر الرئيس السابق جورج بوش توكيل حربه في العراق الى الجنرالات ليخرجونه من المأزق الذي وقع وأوقع البلاد فيه. منذ ذلك التاريخ وسياسة أميركا في العراق والمنطقة عموماً هي في أيدي المؤسسة العسكرية، بما في ذلك خطة "زيادة القوات" في كل من العراق وأفغانستان.
ومنذ وصول أوباما الى الحكم في العام ٢٠٠٩، لم تخل العلاقة بينه وبين العسكر من التوتر، فبطل حرب العراق الذي أوكل اليه انهاء حرب افغانستان الجنرال دايفيد بترايوس أعرب عن غضبه امام صحافيين عندما رفض البيت الابيض منحه كل القوات التي طلبها لأفغانستان، وبعد ذلك، تصاعدت المواجهة حينما شن الجنرال ستانلي ماك كريستال هجوما فاقعاً على السلطة السياسية، ما أجبرها على الإطاحة به واستبداله.
لكن أوباما الذي خاض مواجهات مع الجنرالات حول زيادة القوات وإبقائها في العراق، استند في سياسته البديلة الى ديمبسي، الذي تبنى سياسة الرئيس القاضية بانهاء الحروب الاميركية واعادة القوات، وهو ما التزم ديمبسي بتنفيذه، فأدى ذلك الى بناء ثقة كبيرة بينه وبين أوباما، وجعلت من ديمبسي مكان الثقة الأول بين أفراد فريق الأمن القومي للرئيس الاميركي، متصدراً أمام من هم أرفع منه في الترتيب القيادي مثل وزيري الخارجية والدفاع جون كيري وتشك هايغل.
هكذا، عندما انقلب ديمبسي، انقلب أوباما، وعندما قرر الجنرال الاميركي إعادة إحياء خطة زيادة القوات، ولكن هذه المرة من دون قوات أرضية فقط جوية وإعادة الربط مع مقاتلي العشائر العراقية والسورية، تبناها أوباما كذلك، ما دفع أنصار الرئيس، وفي مقدمهم الفكاهي جون ستيوارت، إلى تشبيه أوباما ببوش في عودته إلى الحرب في العراق.
هل يوسّع الأميركيون قتالهم في سوريا ليشمل قوات الأسد؟ الإجابة ليست واضحة بعد، لكن الواضح ان ديمبسي يسعى الى انشاء منطقة للثوار المعتدلين، وان الاسد لو قرر مواجهتها، فسيجد نفسه في مواجهة تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة. اما لو انكفأ الأسد في مناطقه بطريقة لا تجعله يشكل خطرا من وجهة النظر العسكرية الاميركية، فمن المرجح ان تتركه واشنطن وشأنه. اما تصريحات أوباما حول ثوار سوريا ومستقبلهم ومستقبل الأسد، فهي للاستهلاك الإعلامي، في الغالب.
- See more at: http://www.almodon.com/arabworld/45cb0201-0ad8-49bb-b385-f32cc113e3d9#sthash.ZKr1IGf4.dpuf
الزوبعة التي اثارها الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوله "اسأنا تقدير قوة داعش" فتحت الباب لتوسيع النقاش حول الدور الأميركي الجديد في سوريا، وعاد المطالبون بالتدخل العسكري منذ الاسابيع الاولى للثورة السورية ليأكدوا موقفهم وليكرروا باعتزاز "قلنا لكم". لكن أوباما لم يتحمل مسؤولية الخطأ فردياً، بل عزاه إلى فريقه مجتمعاً، وهو أمر غير مألوف في عالم السياسة في واشنطن.
واستعادة شريط الأحداث التي أدت الى انقلاب الموقف الأميركي يشي بأن أوباما ليس صاحب رأي التدخل في العراق أو في سوريا، وإن كان هو صاحب الكلمة الاخيرة، فالتدخل الاميركي ضد "الدولة الإسلامية" بدأ حينما تسلل رئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي الى الليموزين الرئاسية التي كانت في طريقها للعودة الى البيت الابيض، بعد لقاء قمة استضافته وزارة الخارجية لزعماء افريقيا وشارك فيه أوباما.
ومع ان الرحلة بالسيارة بين الخارجية والبيت الابيض لا تتعدى الدقائق القليلة، الا ان أوباما لم يكد يصل ورئيس اركانه الى الجناح الغربي - مقر الحكم- حتى أعطيا التعليمات للمباشرة بالاستعداد لضربة جوية تنقذ أربيل العراقية-الكردية، التي كان يتهددها مقاتلو داعش باقترابهم من طوزخورماتو.
تلك الرحلة أظهرت ان ديمبسي هو صاحب الكلمة الفصل عند أوباما، فالجنرال الاميركي لطالما التزم مقولة ان لا مصلحة اميركية في التدخل في القتال الدائر بين تنظيم القاعدة السني وحزب الله الشيعي، وأن مصلحة أميركا ربما تقضي بمشاهدة الخصمان يدميان بعضهما البعض. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت تصريحات أوباما صدى لتفكير ديمبسي هذا، فقال الرئيس الاميركي في آذار مارس لمجلة بلوميرغ فيوز، إن إيران وروسيا في موقع أضعف بكثير في سوريا مما كانا عليه قبل ان يصبح نظام حليفهما بشار الاسد تحت الركام.
ومثل ديمبسي، لم يخطر في بال أوباما انه كلما طال القتال، كلما سنحت الفرصة اكثر للتنظيمات المتطرفة، السنية أو الشيعية، القاعدة أو حزب الله أو ما يخرج من كنف طائفتيهما، أن تزداد تنظيماً، وتطرفاً.
وبعد أن رأى ديمبسي أن بقاء أميركا خارج المواجهة ليس بالسهولة التي يتصورها، انقلب رأيه، وانقلب رأي أوباما، لكن الرئيس الاميركي لم يقبل تحمل المسؤولية السياسية وحده، في وقت يدرك أنه لا يمكنه تحميل المؤسسة العسكرية -التي تبقى خارج الصراعات السياسية الاميركية- المسؤولية كذلك، فاستخدم أوباما "نحن" في صيغة التعمية عن المسؤول الفعلي للتأخر الاميركي في العراق وسوريا.
على أنه انصافاً لأوباما، لم يكن الرئيس الوحيد الذي أوكل سياسته الخارجية للجيش الذي يدير مواقف أميركا في الشرق الاوسط منذ العام ٢٠٠٦، اي منذ قرر الرئيس السابق جورج بوش توكيل حربه في العراق الى الجنرالات ليخرجونه من المأزق الذي وقع وأوقع البلاد فيه. منذ ذلك التاريخ وسياسة أميركا في العراق والمنطقة عموماً هي في أيدي المؤسسة العسكرية، بما في ذلك خطة "زيادة القوات" في كل من العراق وأفغانستان.
ومنذ وصول أوباما الى الحكم في العام ٢٠٠٩، لم تخل العلاقة بينه وبين العسكر من التوتر، فبطل حرب العراق الذي أوكل اليه انهاء حرب افغانستان الجنرال دايفيد بترايوس أعرب عن غضبه امام صحافيين عندما رفض البيت الابيض منحه كل القوات التي طلبها لأفغانستان، وبعد ذلك، تصاعدت المواجهة حينما شن الجنرال ستانلي ماك كريستال هجوما فاقعاً على السلطة السياسية، ما أجبرها على الإطاحة به واستبداله.
لكن أوباما الذي خاض مواجهات مع الجنرالات حول زيادة القوات وإبقائها في العراق، استند في سياسته البديلة الى ديمبسي، الذي تبنى سياسة الرئيس القاضية بانهاء الحروب الاميركية واعادة القوات، وهو ما التزم ديمبسي بتنفيذه، فأدى ذلك الى بناء ثقة كبيرة بينه وبين أوباما، وجعلت من ديمبسي مكان الثقة الأول بين أفراد فريق الأمن القومي للرئيس الاميركي، متصدراً أمام من هم أرفع منه في الترتيب القيادي مثل وزيري الخارجية والدفاع جون كيري وتشك هايغل.
هكذا، عندما انقلب ديمبسي، انقلب أوباما، وعندما قرر الجنرال الاميركي إعادة إحياء خطة زيادة القوات، ولكن هذه المرة من دون قوات أرضية فقط جوية وإعادة الربط مع مقاتلي العشائر العراقية والسورية، تبناها أوباما كذلك، ما دفع أنصار الرئيس، وفي مقدمهم الفكاهي جون ستيوارت، إلى تشبيه أوباما ببوش في عودته إلى الحرب في العراق.
هل يوسّع الأميركيون قتالهم في سوريا ليشمل قوات الأسد؟ الإجابة ليست واضحة بعد، لكن الواضح ان ديمبسي يسعى الى انشاء منطقة للثوار المعتدلين، وان الاسد لو قرر مواجهتها، فسيجد نفسه في مواجهة تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة. اما لو انكفأ الأسد في مناطقه بطريقة لا تجعله يشكل خطرا من وجهة النظر العسكرية الاميركية، فمن المرجح ان تتركه واشنطن وشأنه. اما تصريحات أوباما حول ثوار سوريا ومستقبلهم ومستقبل الأسد، فهي للاستهلاك الإعلامي، في الغالب.
- See more at: http://www.almodon.com/arabworld/45cb0201-0ad8-49bb-b385-f32cc113e3d9#sthash.ZKr1IGf4.dpuf