| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
تقترب المبعوثة الاميركية الى الامم المتحدة سوزان رايس من منصب وزيرة خارجية بعدما عقدت، اول من امس، لقاء مع ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، تصدرهم جون ماكين، لتبديد هواجسهم حول تصريحاتها التي تلت الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي واعتبرت فيها ان الهجوم كان وليد تظاهرة عفوية ضد الفيلم المسيء للاسلام.
ومع حلول رايس بدلا من هيلاري كلينتون، من المتوقع ان تشهد السياسة الخارجية للولايات المتحدة تغيرات في الفريق المشرف على اعدادها، كما في الاسلوب، وفي عدد لا يستهان به من الاولويات.
ولفهم التغيير المتوقع، لا بد من العودة الى العام 2008، فرايس، التي سبق ان عملت في ادرة الرئيس السابق بيل كلينتون، تخلت عن زوجته هيلاري المرشحة الرئاسية وقفزت الى جانب المرشح باراك اوباما لتعمل ككبيرة مستشاريه للشؤون الخارجية، وكذلك فعل عدد من الديبلوماسيين الذين كانوا محسوبين على كلينتون.
في ذلك العام، وحتى لا تتحول معركة الترشيح الى الرئاسة الى معركة دامية، انسحبت كلينتون لمصلحة اوباما بعدما اثقلت كاهلها ديون الحملة الانتخابية، في مقابل قيام حملة اوباما بتسديد ديون كلينتون، وتعيينها وزيرة للخارجية.
ديبلوماسيو الرئيس بيل كلينتون ممن راهنوا على اوباما على أمل الفوز بمناصب ديبلوماسية رفيعة، وجدوا انفسهم في ورطة، اذ صارت المرشحة التي تخلوا عنه قبل اشهر هي نفسها وزيرة الخارجية، وتوقعوا ان تجبرهم كلينتون على دفع ثمن باقصائهم، وهو ما دفع اوباما الى تعيينهم في مناصب رفيعة، وانما خارج سلطة وزارة الخارجية.
رايس كانت لها جائزة الترضية الكبرى، فمنصب مبعوث الى الامم المتحدة لا يتبع لوزارة الخارجية، بل للمبعوث مقعد مخصص للحضور في اجتماعات الحكومة الاميركية التي تنعقد برئاسة اوباما. وبالطريقة نفسها، عيّن اوباما دينيس روس مبعوثا رئاسيا خاصا للملف الايراني من دون المرور بالوزيرة. وكذلك فعل مع دان شابيرو، سفير اميركا في اسرائيل اليوم، والذي تم تعيينه كمسؤول ملف الشرق الاوسط في «مجلس الامن القومي» التابع للرئيس من دون الخارجية، وتم تكليفه الاشراف على سياسة «الانخراط» او الانفتاح على النظام السوري.
ومن الذين فازوا بـ «جوائز ترضية» في صناعة وتقرير السياسة الخارجية، من دون تعيينهم في الوزراة، انتوني بلينكن، وهو سبق ان عمل مديرا لموظفي «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ» عندما كانت برئاسة السناتور جو بيدن، نائب الرئيس اليوم.
وكما رايس، شارك بيلنكن في حملة اوباما - بيدن الرئاسية، ولمجهوده، تم تعيينه اعلى مسؤول لملف العراق، تحت اشراف بيدن، وحمل صفة مستشار الامن القومي لنائب الرئيس.
على ان كلينتون لم تقم بأي اعمال «انتقامية» بحق ديبلوماسيي زوجها السابقين ممن تخلوا عنها، بل هي عينت منهم في مناصب رفيعة، مثل جيم ساتيبرغ، الذي عينته نائبا لها وكلفته الملف الايراني، وكذلك آن ماري سلوتر التي عينتها كلينتون في منصب «مديرة تخطيط السياسات» في الوزارة.
وحرصت كلينتون على تأكيد انها وضعت خلافها الانتخابي المحموم مع اوباما خلف ظهرها، وشددت سرا وعلنا على التزامها بالسياسة الخارجية كما يحددها الرئيس الاميركي بحذافيرها، ونجحت في ذلك الى حد بعيد.
الا ان كلينتون احتفظت لنفسها بمساحة في السياسة الخارجية، فهي عملت على خلق برامج ومؤتمرات كثيرة مخصصة لدعم المرأة حول العالم، كما عملت على تحسين شروط عمل المرأة في وزارة الخارجية، وخصصت للنساء عددا اكبر من المناصب الرفيعة داخل الوزارة.
وفي الوقت نفسه، ارتكزت فلسفة كلينتون في السياسة الخارجية على مبدأ «القوة الناعمة»، الذي استلهمته من الاكاديمي جوزيف ناي، والذي يعتبر ان قوة الولايات المتحدة تتجلى بنفوذها الثقافي والاقتصادي حول العالم اكثر منها بسطوتها العسكرية.
واثناء توليها الوزارة، قامت كلينتون بأكثر من الف زيارة دولة، وحققت نجاحات جعلت من شعبيتها بين الاميركيين ترتفع الى حدود دفعت كثيرين الى الحديث عن حلولها مكان بيدن في انتخابات هذا العام. لكن وزيرة الخارجية كانت اعلنت انها تشتاق لعائلتها ولتمضية الوقت معها، ما يقتضي خروجها من الحياة العامة مع نهاية الولاية الاولى لاوباما. ويعتقد كثيرون اليوم ان امام كلينتون فرصة ذهبية للترشح عن الحزب الديموقراطي للرئاسة في العام 2016.
مع خروج العملاقة كلينتون، ابنة الـ 65 عاما، من الخارجية، تستعد رايس، البالغة من العمر 48 عاما، للحلول مكانها، مع ما يعني ذلك من دخول افكار شبابية ومتجددة الى الوزارة والسياسة الخارجية ككل.
ورايس هي ابنة واشنطن، سبق ان عمل والدها ايميت، الذي توفي العام الماضي، عضو مجلس «البنك الاحتياطي الفيديرالي»، وهي تسلقت سلم السياسة واصبحت كمسؤولي الادارة من الحزبين: تتولى مناصب في الادارة عندما يحكم الرئيس من حزبها وتنضم كباحثة مع احد مراكز الابحاث بانتظار عودة حزبها الى الحكم وعودتها معه.
هكذا خرجت رايس من ادارة كلينتون الى مركز ابحاث «بروكنغز». وفي 2005، انشأت رايس «مبادرة الفينيق»، وبعد ذلك بثلاث سنوات، حررت بالاشتراك مع بلينكن وسلوتر وستاينبرغ دراسة بعنوان «قيادة استراتيجية: اطار لاستراتيجية للامن القومي للقرن الواحد والعشرين»، وكانت تلك اولى الوثائق التي تحدثت عن ضرورة تخفيض الحضور العسكري الاميركي في الشرق الاوسط ونقل اهتمام وتركيز واشنطن الى الشرق الادنى.
ومع ان الكثير تغيّر منذ صدور تلك الوثيقة، الا ان الجزء المخصص للشرق الاوسط مازال حاضرا في السياسة الاميركية، وهو يرتكز على خمسة محاور: الاول، «تطوير استراتيجية مفصلة ومتكاملة للمنطقة بأكملها»، والثاني «خفض عسكري وبناء ديبوماسي في العراق»، والثالث «اعتماد استراتيجية ذات مسارين، ردع وانخراط، مع ايران»، والرابع «تأكيد مشاركة ديبلوماسية رفيعة في مجهود السلام الاسرائيلي - الفلسطيني»، والخامس «تطوير آليات للتعاون الامني والتطوير الاقتصادي والاصلاح الديموقراطي».
وتذكر الوثيقة ان العمل العسكري ضد نظام الجمهورية الاسلامية من شأنه «تقوية المعادين للتغيير السياسي»، اما اعتماد خيار الديبوماسية والانفتاح، فمن شأنه ان «يخلق بيئة موائمة للتغيير الديموقراطي» في ايران.
كذلك، يبدو ان الوثيقة لا تمانع مشاركة ايران في تحديد مصير ملفات اقليمية، وهي كانت دعت بأن تقوم واشنطن باشراك كل من «جامعة الدول العربية، وايران، والاردن، والسعودية، وسورية، وتركيا» للتوصل الى حلول في العراق لمرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي.