| لندن - من حسين عبدالحسين |
منذ مايو الماضي دأبت «الراي»، خصوصا في تقاريرها من العاصمة البريطانية، على الاشارة الى ديبلوماسية حثيثة تجري خلف الكواليس من اجل اقناع «جبهة النصرة» بالانفصال عن «تنظيم القاعدة»، وتحويل نفسها الى فصيل سوري محلي، مقابل تراجع دولي عن تصنيفها مجموعة ارهابية على مستوى تنظيم «الجبهة الاسلامية» (داعش)، والتعامل معها بطريقة تشبه تعامل عواصم العالم مع «حزب الله» اللبناني، الذي على الرغم من وجوده على لائحة التنظيمات الارهابية الاميركية، الا ان واشنطن والعواصم الغربية تتواصل معه بطرق مختلفة مباشرة وغير مباشرة.
فللولايات المتحدة مثلا اقنية متعددة غير مباشرة مع الحزب اللبناني، ابرزها عبر «استخبارات الجيش اللبناني» وعبر العلاقة الشخصية التي تجمع وزيري الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الايراني جواد ظريف، اللذين يتواصلا غالبا عبر الايميل. ولطالما تم توظيف هذه القنوات الاميركية مع «حزب الله» لتدارك اي تصعيد محتمل للحزب مع اسرائيل، مثلما حصل اثناء ما تعتبره المصادر الاميركية «المواجهة المضبوطة» بين الطرفين ابان قيام الحزب بالرد على مقتل قيادييه في غارة اسرائيلية على الجولان السوري.
ومثلما تتواصل أميركا مع «حزب الله»، كذلك سبق ان تواصلت - عبر عواصم خليجية وانقرة - مع «جبهة النصرة»، مثل في عملية افراج الجبهة عن رهائن اميركيين كانوا في حوزتها.
ومنذ مطلع العام الماضي، دأبت العواصم المذكورة على اقناع الجبهة بالانفصال عن «القاعدة»، وأطلّ زعيم «الجبهة» المعروف بـ «أبي محمد الجولاني» في مقابلة تلفزيونية نادرة اعتقد كثيرون اثناءها انه سيتخلى فيها عن التنظيم العالمي. لكن «الجولاني» جدد «بيعته» لزعيم «القاعدة» المصري المتواري عن الانظار ايمن الظواهري.
على ان عناد «الجولاني» لم يثن الديبلوماسية الدولية عن الاستمرار في الضغط عليه للانفصال عن «القاعدة»، وهو ما يبدو انه تحقق اخيرا بعدما ايقنت «النصرة» ان أميركا وروسيا كانتا في الطريق لاتمام اتفاقية تعاون عسكري تنهي الاثنين: «داعش» و«النصرة».
ومنذ ارتفاع عدد التقارير التي تشير الى اقتراب انهيار «داعش» مع نهاية العام الحالي، سارعت واشنطن وموسكو لاتمام الخطوات المطلوبة لملأ الفراغ الذي سيتسبب به انهيار «الدولة الاسلامية»: اميركا تسعى الى اعداد جبهة من الثوار المعتدلين التي يمكنها الامساك بالاراضي التي سيخسرها «داعش»، فيما تسعى روسيا للقضاء على هؤلاء الثوار لتأكيد ان الوريث الوحيد لـ «داعش» والثوار السوريين هو الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن مع الانعطافة التي أعلنها «الجولاني»، الذي كشف وجهه وهويته ليتبين ان اسمه احمد الشرع، قد يساهم ذلك في زيادة الدعم الاقليمي العسكري والمالي له، برضى أميركي، بهدف تأكيد ان ثوار سورية سيحلون محل «داعش» بعد انهياره، وانهم سيقفون في وجه الأسد لتثبيت خطوط الجبهة، واقناع روسيا ان الحسم بات متعذرا، وان الحل الوحيد المتاح هو المفاوضات.
لكن المعارضين السوريين المنتشرين في العواصم الغربية يخشون من ان تتأخر نتائج انعطافة «الجولاني»، فيتأخر التسليح للثوار الذين اصبحوا بحاجة ماسة لامدادات للدفاع عن حلب الشرقية، التي اطبقت الحصار عليها قوات الأسد والميليشيات الشيعية المتحالفة معها والتابعة لايران. ويخشى المعارضون السوريون كذلك ان يتردد الغرب في اعتبار اطلالة الشرع وكأنها تراجعا عن «الجهاد العالمي»، اذ ان الاخير أطل تلفزيونيا وهو يرتدي زيا عسكريا وعمامة بيضاء ذكرت الكثيرين بزي مؤسس «القاعدة» الراحل اسامة بن لادن.
على ان مصادر وزارة الخارجية البريطانية قالت للـ «الراي» ان عملية ابعاد المقاتلين المعتدلين عن المجموعات المتطرفة هي عملية تحتاج الى متابعة وتطوير، وان سياسة الابعاد هذه يتبناها الغرب منذ اكثر من خمس سنوات، وان التواصل مع الشرع سيستمر لتحويله الى مجموعة سورية معتدلة، لا تعارض «الجهاد العالمي» فحسب، بل تقبل بسورية تعددية، وهذه خطوة اولى تجاه اشراك المجموعات السورية المعارضة للأسد في مفاوضات مع نظامه للتباحث في مستقبل البلاد بعد خروجه من الحكم.
ولاحظت «الراي» ان مسؤولي «الملف السوري» في الخارجية البريطانية مازالوا هم انفسهم على رغم تسلم بوريس جونسون وزارة الخارجية قبل اسابيع.
وجونسون كان معروفا بتأييده للأسد، لكنه منذ وصوله الوزارة، انقلب في مواقفه، وتبنى الموقف البريطاني التقليدي، القاضي بضرورة رحيل الأسد كشرط لأي تسوية، وهو ما يعكس بقاء مسؤولي سورية في الخارجية انفسهم، وتاليا استمرار لندن في سياستها السابقة، والتي كانت تسعى لاستحداث «جناح سياسي» في «النصرة» يمكن للبريطانيين الحوار معه، على غرار «الجناح السياسي» لـ «حزب الله» اللبناني، الذي يعقد المسؤولون البريطانيون محادثات دورية مع مسؤوليه المفترضين.