| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
تدخل إسرائيلي أقنع واشنطن بأن طهران الأخطر في «محور الشر» الجديد الذي يجمعها مع الأسد وكوريا الشماليةفي وقت بدأ فريق السياسة الخارجية المحيط بالرئيس دونالد ترامب يبدي انسجاماً وتناسقاً بين أعضائه، خصوصاً بين وزيري الخارجية والدفاع ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، فوّض ترامب أحد أكثر المواضيع حساسية في السياسة الاميركية لوزارة الدفاع (البنتاغون)، مع تسليمه للجنرالات مسؤولية تحديد عدد القوات البرية المطلوب انخراطها في الحربين العراقية والسورية.
وكانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وضعت نظاماً لتحديد عديد القوات عن طريق جلسات استشارية بين الوكالات الحكومية المعنية، على أن تلتزم «البنتاغون» بالعدد الذي يتم الاتفاق عليه، قبل أن يصار الى إعلانه للرأي العام الاميركي.
ويبلغ عدد الجنود الاميركيين المشاركين في الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) قرابة 6 آلاف في العراق، ونحو ألف في سورية. وستقوم وزارة الدفاع بالإعلان عن الوحدات والكتائب التي يتم نشرها في العراق أو سورية، من دون تحديد عدد القوات في كل وحدة أو كتيبة يتم نشرها، في خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية في ظل إمكانية قيام المعارضين باتهام الادارة بتكتمها وعدم تمسكها بالشفافية المطلوبة، خصوصاً في أمر يتعلق بحياة أميركيين.
ويواجه ترامب مشكلة في تحديد شكل سياسته الخارجية، حيث يقول المسؤولون في إدارته إنهم يواجهون «محور الشر» بحلته الجديدة، وهو بات مكوناً من كوريا الشمالية وإيران والرئيس السوري بشار الأسد، بعدما كان في الماضي يتألف من كوريا الشمالية وإيران والعراق.
ويعتقد المسؤولون في الحكومة الاميركية انهم قد يجدون أنفسهم أمام مهمة اختيار توجيه ضربة لواحدة من دول «محور الشر» المذكور لتذكير الاخرى بقدرات أميركا وعزمها. وبعدما كان الاتجاه يقضي بضرب قوات الأسد والمساهمة في إخراجه من الحكم، يبدو ان تدخلاً إسرائيلياً نجح في إقناع واشنطن بأن إيران هي الأخطر بين الثلاثة، تليها كوريا الشمالية، وان الأفضل من إخراج الأسد من الحكم في سورية، هو إخراج الميليشيات الموالية لايران منها.
وفي هذا السياق، دأب المسؤولون الاسرائيليون على محاولة تشكيل تحالف سياسي عسكري يجمعهم مع اميركا وروسيا ودول عربية من أجل إجبار ايران على الخروج من سورية، لكن غالبية الدول العربية المعنية ترى في خروج الأسد اولوية، ولا تفصل بينه وبين إيران، على عكس اسرائيل.
أما روسيا، فيجمع المسؤولون الاميركيون على أن دورها في سورية في تراجع، وأنها في مرحلة «تعزيز مكتساباتها»، بما في ذلك تحصين قاعدتيها العسكريتين في حميميم وطرطوس. ويردد المسؤولون الاميركيون، نقلاً عن نظرائهم الاسرائيليين، ان روسيا موافقة على المساهمة في إخراج ايران وتولي دور «الراعي» في سورية بدلا منها، لكن خروج إيران يعني حُكماً بقاء الأسد برعاية روسية.
هذه الرعاية الروسية يفترض أنها تقلق الاميركيين، لكن غالبية المسؤولين في واشنطن لا يرون في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديداً استراتيجياً. ويلفت هؤلاء الى انه في الأزمة بين العالم وكوريا الشمالية، انخرطت واشنطن في عملية تنسيق مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية، من دون روسيا، على الرغم من أن قرب روسيا جغرافيا من شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يدل على أن روسيا ليست في صلب الشؤون العالمية كما تخال نفسها.
ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان بوتين ربما بدأ يرى أن مواقفه الدولية لم تعد تحقق له التأييد المطلوب داخلياً، وان الاستياء الروسي الداخلي صار واضحاً، كما بدا جلياً في تظاهرة موسكو الاخيرة وفي عدد من التظاهرات الاصغر حجماً، التي صارت تتكرر بوتيرة أسرع في الارياف الروسية.
وترى واشنطن أن بوتين في وضع يدفعه الى محاولة مبادلة ما جناه دولياً برفع العقوبات الدولية المفروضة عليه، والتي صارت تضغط على عامة الروس وتهز زعامة بوتين.
لكن الرئيس الروسي يحاول الخوض في مبادلات في الشؤون الخارجية مع الغرب، خصوصاً في سورية، مع إصراره على الابقاء على شبه جزيرة القرم تحت سيادة روسيا، وهو اصرار يعتقد الاميركيون انه سيمنع التوصل الى أي اتفاق روسي - غربي، سواء في سورية أو في أي مكان آخر، على الرغم من كل محاولات الاسرائيليين، وهو ما يعطي إيران أملاً، إذ إنه طالما بقي الخلاف بين روسيا والعواصم الغربية، يبقى بوتين بحاجة لإيران، وتبقى وعوده لإسرائيل بالمساهمة في طرد إيران من سورية وعوداً سياسية لا قيمة لها على الأرض.