حسين عبد الحسين
المجلة
على الرغم من نجاح دروز لبنان في العام 2008 بتكبيد “حزب الله” اللبناني هزائم مفاجئة اثناء صدهم لهجومه ضد مناطقهم، الا ان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط طلب التوقف عن القتال، ودخل في تسوية مع الحزب قائمة حتى اليوم.
يومذاك، غضب الدروز على زعيمهم لاستسلامه، ولكنهم ادركوا بعد حين ان ما فعله لم يكن الا تصرفا طبيعيا لأقلية يتفوق عليها “حزب الله”، والطائفة الشيعية من خلفه، عددا وتسليحا وتمويلا.
هكذا تتصرف الاقليات السكانية في مواجهات الشرق الاوسط. تزج بكل امكاناتها القتالية في الايام الاولى للمواجهة وتستبسل، فإن نجحت في إخافة الخصم، ثبتت في موقعها، وان اصر الخصم على الاستمرار في القتال وإطالة أمده، تدرك حينذاك الاقلية ان الارقام ليست في صالحها، وكذلك مرور الوقت، فتتراجع وفي الغالب تستسلم.
جنبلاط والدروز يعرفون جيدا هذا الدرس الاقلوي، ولو تأملنا انتصارات ميليشيا جنبلاط اثناء الحرب الاهلية اللبنانية، لرأيناها مبنية على هجمات درزية مباغتة وسريعة في الساعات الاولى للنهار.
هذا الدرس الاقلوي لم يفت الاسرائيليين، الذين يعرفون انه على الرغم من امتلاكهم لواحد من اقوى جيوش العالم، عليهم غالبا حسم المواجهات بسرعة، وليس سرا أن الاسرائيليين، وهم مجموعة من الاقلية في بحر عربي، يعتقدون ان ابرز انتصاراتهم جاء اثناء حرب “الايام الستة” في العام 1967.
اما عندما تطول الحملة العسكرية، مثل ما حصل بلبنان في 1982 وفي 2006، يصبح حسم الامور اكثر تعقيدا، وتفرض الحرب على الاسرائيليين ضريبة كبيرة من حيث تعطيل اقتصادهم الصغير بسبب انتقال معظم الاحتياط من القوة العاملة الى القوة المقاتلة.
الاسرائيليون يعرفون المعوقات التي تواجه الاقليات في المواجهات مع المجموعات المذهبية الاكبر منها عددا وغالبا ما يعملون على تفاديها باستخدامهم سلاحهم الجوي الرهيب الذي يقتلع مفاعلات نووية ويحسم حروبا بكاملها.
في هذا السياق، يعرف محبو التاريخ ان انتصارات العرب الاولية في حرب 1973 جاءت بفضل مظلة “سام” الصاروخية التي حيدت سلاح الجو الاسرائيلي من المعركة. لكن بعد اختراق المصريين خط بارليف وعبورهم القناة، وتحت ضغط سياسي خصوصا من حافظ الاسد الذي كانت قواته تتقهقر في الجولان، امر الرئيس المصري الراحل انور السادات جيشه بالتقدم خارج المظلة في صحراء سيناء مخالفا بذلك رأي كبار عسكرييه. اذ ذاك انقلبت الحرب لمصلحة الاسرائيليين بعدما تمكنت المقاتلات الاسرائيلية من تكبيد القوات المصرية خسائر فادحة ومحاصرة الجيش الثالث في سيناء والزحف نحو القاهرة.
هذه هي دروس المواجهات بين الاقليات والاغلبية في الشرق الاوسط. وحده بشار الاسد، رئيس سوريا وزعيم الاقلية العلوية التي لا تتعدى عشرة في المائة من سكان سوريا، لم يفطن لهذا الدرس.
في الاشهر الاولى للثورة السورية العام الماضي، كتبت في “هفغنتون بوست” مقالا اعتبرت فيه ان الاسد سيواجه على الارجح مطالبات من كبار وعقلاء طائفته العلوية بالتراجع وعدم زج الطائفة بمواجهة غير مضمونة النتائج ضد الغالبية السنية. وقلت يومها ان هزيمة الاسد بدت واضحة بعد الايام الاولى من مواجهات مدينة درعا الجنوبية. وقتذاك، ضرب الاسد درعا بعنف غير مسبوق هدفه بث الخوف في صفوف من لم ينضموا الى الثورة واقناعهم بالعدول عن رأيهم ان خولتهم انفسهم المشاركة في الحركة الاعتراضية ضده.
الا ان عنف الاسد في درعا لم ينجح في وأد الثورة السورية، وبدا جليا ان حاجز الخوف لدى اغلبية السوريين قد انكسر، فانتشرت الثورة بين المدن واتسعت رقعتها الى حد فاق مقدرة قوات الاسد على مواجهتها في اكثر من مدينة واحدة في الوقت نفسه، فصارت هذه القوات تنتهي من مدينة قبل الانتقال لاخرى، وهذا الاسلوب مازال معتمدا اذ قام الاسد، في الايام القليلة الماضية، بنقل قواته من جبل الزاوية وادلب الى حلب لمواجهة “الجيش السوري الحر” الذي سيطر على غالبية احياء المدينة.
لكن كما حصل في درعا وحماة وحمص وادلب وديرالزور من قبل، قد تنجح قوات الاسد في اجبار مقاتلي الجيش الحر على الانسحاب من حلب، ولكن هؤلاء اما يأخذون مواجهتهم الى مدينة اخرى، او يعودون الى حلب نفسها ويكبدون قوات الاسد المزيد من الخسائر والارهاق، وهو ما يعني ان الاسد ومواليه يخوضون حرب استنزاف.
ومع ان الاسد افضل تسليحا، الا ان تفوق معارضيه عدديا، وتمتع المعارضين بتأييد عالمي فيما الاسد شبه معزول، يعني ان الايام المقبلة للمواجهة هي في مصلحة الثوار، ما يجعل استمرار الاسد في القتال ضربا من العبث الذي لا يساهم الا في زيادة حقد الغالبية واصرارها على الثأر ضده وضد معظم مواليه من طائفته الاقلية، التي لا شك انها تتجه الى الهلاك بدلا من التراجع والخروج بترتيب يكفل سلامتها على الرغم من خسارتها لسيطرتها السياسية والعسكرية والمالية على سوريا.
على الرغم من نجاح دروز لبنان في العام 2008 بتكبيد “حزب الله” اللبناني هزائم مفاجئة اثناء صدهم لهجومه ضد مناطقهم، الا ان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط طلب التوقف عن القتال، ودخل في تسوية مع الحزب قائمة حتى اليوم.
يومذاك، غضب الدروز على زعيمهم لاستسلامه، ولكنهم ادركوا بعد حين ان ما فعله لم يكن الا تصرفا طبيعيا لأقلية يتفوق عليها “حزب الله”، والطائفة الشيعية من خلفه، عددا وتسليحا وتمويلا.
هكذا تتصرف الاقليات السكانية في مواجهات الشرق الاوسط. تزج بكل امكاناتها القتالية في الايام الاولى للمواجهة وتستبسل، فإن نجحت في إخافة الخصم، ثبتت في موقعها، وان اصر الخصم على الاستمرار في القتال وإطالة أمده، تدرك حينذاك الاقلية ان الارقام ليست في صالحها، وكذلك مرور الوقت، فتتراجع وفي الغالب تستسلم.
جنبلاط والدروز يعرفون جيدا هذا الدرس الاقلوي، ولو تأملنا انتصارات ميليشيا جنبلاط اثناء الحرب الاهلية اللبنانية، لرأيناها مبنية على هجمات درزية مباغتة وسريعة في الساعات الاولى للنهار.
هذا الدرس الاقلوي لم يفت الاسرائيليين، الذين يعرفون انه على الرغم من امتلاكهم لواحد من اقوى جيوش العالم، عليهم غالبا حسم المواجهات بسرعة، وليس سرا أن الاسرائيليين، وهم مجموعة من الاقلية في بحر عربي، يعتقدون ان ابرز انتصاراتهم جاء اثناء حرب “الايام الستة” في العام 1967.
اما عندما تطول الحملة العسكرية، مثل ما حصل بلبنان في 1982 وفي 2006، يصبح حسم الامور اكثر تعقيدا، وتفرض الحرب على الاسرائيليين ضريبة كبيرة من حيث تعطيل اقتصادهم الصغير بسبب انتقال معظم الاحتياط من القوة العاملة الى القوة المقاتلة.
الاسرائيليون يعرفون المعوقات التي تواجه الاقليات في المواجهات مع المجموعات المذهبية الاكبر منها عددا وغالبا ما يعملون على تفاديها باستخدامهم سلاحهم الجوي الرهيب الذي يقتلع مفاعلات نووية ويحسم حروبا بكاملها.
في هذا السياق، يعرف محبو التاريخ ان انتصارات العرب الاولية في حرب 1973 جاءت بفضل مظلة “سام” الصاروخية التي حيدت سلاح الجو الاسرائيلي من المعركة. لكن بعد اختراق المصريين خط بارليف وعبورهم القناة، وتحت ضغط سياسي خصوصا من حافظ الاسد الذي كانت قواته تتقهقر في الجولان، امر الرئيس المصري الراحل انور السادات جيشه بالتقدم خارج المظلة في صحراء سيناء مخالفا بذلك رأي كبار عسكرييه. اذ ذاك انقلبت الحرب لمصلحة الاسرائيليين بعدما تمكنت المقاتلات الاسرائيلية من تكبيد القوات المصرية خسائر فادحة ومحاصرة الجيش الثالث في سيناء والزحف نحو القاهرة.
هذه هي دروس المواجهات بين الاقليات والاغلبية في الشرق الاوسط. وحده بشار الاسد، رئيس سوريا وزعيم الاقلية العلوية التي لا تتعدى عشرة في المائة من سكان سوريا، لم يفطن لهذا الدرس.
في الاشهر الاولى للثورة السورية العام الماضي، كتبت في “هفغنتون بوست” مقالا اعتبرت فيه ان الاسد سيواجه على الارجح مطالبات من كبار وعقلاء طائفته العلوية بالتراجع وعدم زج الطائفة بمواجهة غير مضمونة النتائج ضد الغالبية السنية. وقلت يومها ان هزيمة الاسد بدت واضحة بعد الايام الاولى من مواجهات مدينة درعا الجنوبية. وقتذاك، ضرب الاسد درعا بعنف غير مسبوق هدفه بث الخوف في صفوف من لم ينضموا الى الثورة واقناعهم بالعدول عن رأيهم ان خولتهم انفسهم المشاركة في الحركة الاعتراضية ضده.
الا ان عنف الاسد في درعا لم ينجح في وأد الثورة السورية، وبدا جليا ان حاجز الخوف لدى اغلبية السوريين قد انكسر، فانتشرت الثورة بين المدن واتسعت رقعتها الى حد فاق مقدرة قوات الاسد على مواجهتها في اكثر من مدينة واحدة في الوقت نفسه، فصارت هذه القوات تنتهي من مدينة قبل الانتقال لاخرى، وهذا الاسلوب مازال معتمدا اذ قام الاسد، في الايام القليلة الماضية، بنقل قواته من جبل الزاوية وادلب الى حلب لمواجهة “الجيش السوري الحر” الذي سيطر على غالبية احياء المدينة.
لكن كما حصل في درعا وحماة وحمص وادلب وديرالزور من قبل، قد تنجح قوات الاسد في اجبار مقاتلي الجيش الحر على الانسحاب من حلب، ولكن هؤلاء اما يأخذون مواجهتهم الى مدينة اخرى، او يعودون الى حلب نفسها ويكبدون قوات الاسد المزيد من الخسائر والارهاق، وهو ما يعني ان الاسد ومواليه يخوضون حرب استنزاف.
ومع ان الاسد افضل تسليحا، الا ان تفوق معارضيه عدديا، وتمتع المعارضين بتأييد عالمي فيما الاسد شبه معزول، يعني ان الايام المقبلة للمواجهة هي في مصلحة الثوار، ما يجعل استمرار الاسد في القتال ضربا من العبث الذي لا يساهم الا في زيادة حقد الغالبية واصرارها على الثأر ضده وضد معظم مواليه من طائفته الاقلية، التي لا شك انها تتجه الى الهلاك بدلا من التراجع والخروج بترتيب يكفل سلامتها على الرغم من خسارتها لسيطرتها السياسية والعسكرية والمالية على سوريا.