حسين عبدالحسين
لم يسبق أن قدَّم المسؤولون الأميركيون موقفًا من الأحداث في مصر بمثل الصراحة التي قدَّمها الرئيس “باراك أوباما” أثناء خطابه في حفل التخرج في أكاديمية “وست بوينت” العسكرية المرموقة، والذي حدَّد فيه شكل سياسته الخارجية للسنتين ونصف المتبقيتين في حكمه.
يقول أوباما: “في مصر، نحن نعترف أن علاقتنا (مع الحكومة المصرية) مبنية على مصالحنا الأمنية، من اتفاقية السلام مع إسرائيل، إلى الجهود المشتركة ضد التطرف، لذا لم نقطع التعاون مع الحكومة الجديدة”، مضيفًا أن الحكومة الأميركية ستستمر بالمطالبة “بالإصلاحات التي طالب بها المصريون”.
يختصر أوباما العلاقة الأميركية – المصرية بالشؤون الأمنية فحسب، ويقول صراحة إنه طالما تؤمِّن الحكومات المصرية المتعاقبة هذه المصالح الأمنية الأميركية، فإن واشنطن لن توقف مساعداتها لمصر، ولن تقطع علاقاتها مع أي حكومة مصرية.
وما لم يقله أوباما، وغالبًا ما يردده المسؤولون الأميركيون، هو أن المصالح الأميركية مبنية على ثلاث نقاط هي: إضافة إلى اتفاقية السلام، وأمن الحدود مع إسرائيل، حرية الملاحة الدائمة في قناة السويس، وحق الطائرات الأميركية العسكرية عبور الأجواء المصرية.
ومنذ ثورة يناير 2011 والإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وافقت واشنطن على التغيير بعد مشاوراتها مع المؤسسة العسكرية المصرية، التي تعهدت الحفاظ على المصالح الأميركية، حتى بعد رحيل مبارك. هكذا، لم تكترث واشنطن كثيرًا للتغييرات التي تلت، من حسين طنطاوي، إلى محمد مرسي، إلى عبد الفتاح السيسي، وأبدت استعدادها التعاون مع أيٍّ منهم – حتى مرسي والإخوان المسلمين الذي كانوا حتى الأمس القريب في صفوف خصوم الولايات المتحدة- طالما أن مصالحها المذكورة مؤمنة، وهو ما عبّر عنه أوباما في خطابه المذكور.
لكن من باب رفع العتب، تكرر واشنطن حديثها عن ضرورة احترام الحكومات المصرية المتعاقبة لحقوق الإنسان وحكم القانون. وفي وقت لاحق، بعدما بدا أن المطالبات الأميركية الخجولة أصلاً أزعجت السلطات المصرية، تراجع أوباما عن هذه المطالبات، وحصر موقف أميركا من شؤون مصر الداخلية بالقول: إن واشنطن ستستمر بالمطالبة “بالإصلاحات التي طالب بها المصريون”.
ما هي الإصلاحات التي تحدَّث عنها أوباما؟ ومن هم المصريون الذين طالبوا بها؟! لا يهم، بل إن الغموض مطلوب عند أوباما، فأميركا مهتمة بشؤون أمنية محددة في مصر، وهو ما يعني أنه مع أن خطاب أوباما صادف مع اليوم الثالث للانتخابات الرئاسية المصرية، إلا أن الرئيس الأميركي لم يعر الموضوع أيَّ اهتمام، ولم يتطرق إلى ذكره لا سلبًا ولا إيجابًا وكأنه لم يحدث.
أما المواقف الأميركية الأخرى حول مصر، فضوضاء لا تؤثر في موقف الإدارة.
في الكونغرس، يتنطح من حين إلى آخر أعضاء من الحزبين للحديث عن ضرورة التزام الحكومات المصرية المتعاقبة بحقوق الإنسان وحكم القانون، وفي بعض الأوقات يقوم الكونغرس بإصدار قوانين تجبر الإدارة على وقف المعونة الأميركية السنوية إلى مصر، والبالغة قرابة ملياري دولار، وربط استئنافها بالحصول على تعهدات من القاهرة بتغيير أدائها السياسي.
إلا أن الحكومات الأميركية، جمهورية أو ديموقراطية، استخدمت صلاحياتها التنفيذية بشكل شبه متواصل لتعليق قوانين الكونغرس، وإرسال المعونة حتى لو لم تستوف الحكومات المصرية شروط الكونغرس الأميركي. وفي التغيير المصري الأخير، في يوليو الماضي، مارس الكونغرس ضغطاً كبيرًا على الإدارة لتسمية التغيير انقلابًا، إلا أن إدارة أوباما تهرّبت من الموضوع بشكل دائم، وادعت أن موقفها من الأحداث المصرية كان في طور الدراسة.
وتستمر دراسة الإدارة لما حصل في مصر العام الماضي حتى اليوم، حتى إن الإدارة قبل أن تنجز دراستها وتقدم موقفها، أطلّ وزير الخارجية “جون كيري” ليقول للكونغرس: إن جزءًا من المساعدة التي تم وقفها في يوليو الماضي، سيتم الإفراج عنها، وستعود -على الأرجح- المياه إلى مجاريها بين العاصمتين.