حسين عبد الحسين - واشنطن
...ولست اخجل، ولن ادع تجار السياسة والخطب الشعبوية من اهل العمائم والجنرالات المتقاعدين، والمترجمين المنقلبين وزراء خارجية، وبائعي الثلج المنقلبين نواب رؤساء جمهورية، وبلطجية ومرتزقة ومخبرين، واساتذة التعليم الابتدائي المنتشرين في انحاء المنطقة، المسماة جزافا عالما عربيا، لن ادع هؤلاء يقرروا عني او باسمي ما يجوز وما لا يجوز.
وانا لا اصدق ان مؤامرات صهيونية او امبريالية او رجعية تحاك ضد شعوب منطقة الشرق الاوسط، ولو ان هذه المؤامرات حيكت فعلا، فانها حتما نجحت، وما هذه القبائل العربية الموزعة في اقطار وامصار ودول وتعيش على هامش التاريخ – كل واحدة منها – الا شاهدة على السقوط العربي المدوي.
لن اقف متفرجا صامتا امام قوافل الاجرام تستشهد بعضها البعض، منذ اليوم الذي قتل فيه عبد الكريم قاسم نوري السعيد، وقتل الاخوان عارف قاسم، وانقلب احمد حسن البكر وناظم الكزار على عارف، وانقلب الكزار على صدام، وصدام على البكر.
لن ادعو انقلاب حافظ الاسد على صلاح جديد، ولا انقلاب اديب الشيشكلي على حسني الزعيم، ولا الزعيم على سامي الحناوي، ولا اطاحة الحناوي بالجمهورية، حركات تصحيحية، بل هي حلقات في مسلسل مافيوي طويل يتآمر فيه الصديق على صديقه والرفيق على رفيقه.
لن ادعو بعد الان جمال عبد الناصر ضابطا حرا، لان الحر لا يحكم الا احرارا، ولا يؤسس نظاما منافقا قائما على فساد الضباط ومحسوبياتهم.
ومن اليوم فصاعدا، لن ابدي اي تعاطف مع ضحايا الاحتلال الاسرائيلي من الفلسطينيين الذين يعدمون بعضهم البعض في شوارع غزة. ولن اكترث لابو نضال، قاتل ابو اياد، عندما ينتحر نفسه برصاصتين اطلقتا من مسدس حثالة العرب، ضباط المخابرات الذين يغتالون بعضهم البعض، دفاعا عن الشرف العربي وتحريرا لفلسطين.
اما في لبنان، فلا توافق ولا مهادنة مع الخارجين عن القانون بسلاحهم المسمى كذبا مقاومة تختبئ بين المدنيين من العدو، وتستقوي على "الشريك" في الوطن.
لن اكون مقاوما مختبئا خلف قناع و"متمرجلا" في شوارع بيروت والجبل.
ولن اكون مقاوما منافقا لا ارى الهدنة في الجولان تخاذلا، واصبح ابكما حينما يجلس الدكتور سعيد جليلي مع ممثل الشيطان الاكبر وليام بيرنز في جينيف.
ولن اوافق يوما على عبارة "المجتمع المسيحي" ولا "امة حزب الله" ولا "اهالي بيروت" ولا "الجبل العربي". ولن انافق تارة ميمنة وتارة ميسرة بين تأييد سلطة حكومة منتخبة والتزلف لحرب عربية وهمية لتحرير فلسطين.
ولن اؤيد يوما هرطقة التعايش، فالتعايش يكون بين المجموعات، لا الافراد المتساوين في الحقوق والواجبات. ولا وطن من دون مواطنين افراد احرار متساوين امام القانون.
ولن اقف صامتا وجهابذة العالم العربي في الدستور والسياسة يخرجون علينا بفتوى تلو الاخرى عن الديموقراطية المسماة توافقية. كفانا امية سياسية منتشرة بين قادة اقرب الى زعماء العصابات من رجال الدولة.
لن اعيش عبدا للارض، اي ارض، من الخليج الى المحيط، فالارض في خدمة الحياة الكريمة. ولا تستأهل، اي ارض، التضحية بالنفس.
وساكتب كل يوم دفاعا عن العيش بحرية من الخوف الذي تمارسه الميليشيات المقاومة والبعثية والاشتراكية والمسيحية والاسلامية.
وساكتب كل يوم في وجه مدعي الكرامة الزائفة، فلا كرامة في حضور العنف وغياب العدالة، فالعدالة اساس الحكم، كل حكم.
وساكتب كل يوم مطالبا بالعدالة في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، لا ثأرا للحريري، بل ادراكا ان لا وطن عزيزاً ولا حياة كريمة من دون عدالة وامان، لا الامن بالتراضي.
وساكتب ضد املاء الرأي عن ضرورة المقاومة، وضد التخوين الذي تمارسه المجموعات المسماة مقاومة.
انا لست مقاوما.
انا مواطن عربي فخور بجذوري وتراثي.
انا مواطن عربي اؤمن بان الانسان احيانا قد يكون عدو نفسه، وكذلك الشعوب.
انا مواطن عربي اؤمن بان العنف هو وسيلة الضعفاء ممن لا يتمتعون بحس المنطق وقوة الحجة، وممن يهابون الحوار، كل حوار، اذا ما كان حوارا خارج منطقهم وكتبهم وتعاليمهم المسماة الهية.
انا مواطن عربي، لن اقاوم، ولن ادع المقاومين يرهبوني بتخوينهم، وحينما يصبح كل واحد وواحدة منا مواطنين، لن يكون بعد ذلك حاجة الى مقاومة، زائفة ام حقيقية.