حسين عبدالحسين
الحرب التي شنتها، في مايو الماضي، حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل لم تكن تتمة للصراع العربي الإسرائيلي المنحسر، على ما دأب الإعلام العالمي على تصويرها، بل هي شكّلت حلقة من حلقات الصراع المندلع بين إيران وإسرائيل، حسب الزميل في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" جوناثان شانزر، في كتابه "صراع غزة 2021"، الصادر هذا الشهر.
يقدم الكتاب خلفية تاريخية موجزة حول تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويشير إلى أن حماس نجحت في القضاء على عملية السلام، التي كانت بدأت في العام 1993، بين اسرائيل و"حركة التحرير" الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، وهي عملية كانت تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. وأفضت المفاوضات إلى تسليم الإسرائيليين الفلسطينيين أراض كانوا سيطروا عليها في حرب 1967.
لكن حماس، المنبثقة عن التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين"، كان لها رأي آخر، إذ شنت حملة هجمات انتحارية أوقفت العملية السلمية بالكامل، وأفضت في نهاية المطاف إلى "الانتفاضة الثانية" في العام 2000. على أنه في 2005، قام رئيس حكومة إسرائيل الراحل، آرييل شارون، بتجربة قضت بالانسحاب من قطاع غزة، وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية فيه، وتسليمه للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. اعتقد شارون أنه يمكن لحكومة فلسطينية الإمساك أمنيا بأي أراض تنسحب منها إسرائيل، وأن تقوم السلطة بحكم هذه الأراضي.
لكن الفساد المدقع الذي تغرق به السلطة كلّفها سيطرتها على القطاع، الذي نفّذت فيه حماس انقلابا عسكريا تضمّن إعدام مئات مسؤولي السلطة العسكريين والمدنيين. ومنذ العام 2007، والقطاع تحت سيطرة حركة تعلن أن القضاء الكامل على إسرائيل هو هدفها، وتتسلح بعتاد إيراني وأموال، وهو ما يجعلها رهينة سياسة طهران تجاه إسرائيل.
التجربة الإسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية من جانب واحد فشلت بعد فشلها في غزة، وانتهت العملية السلمية، ولم يعد واردا أي انسحاب إسرائيلي من أي أراض في الضفة الغربية، لأن الانسحاب صار يعيد إلى الأذهان اكتساح حماس لأي أراض تتركها إسرائيل وتحولها إلى بؤرة عسكرية تهدد الاستقرار في إسرائيل بشكل متواصل.
ويشير شانزر إلى أنه في ظل العداء القائم بين السلطة الفلسطينية وحماس، وسيطرة الأولى على الضفة الغربية والثانية على قطاع غزة، لم يعد ممكنا البحث في التوصل إلى حل الدولتين بين ثلاثة أطراف، هي: اسرائيل والسلطة وحماس، وهو ما يعني أن الأمور ستستمر على ما هي عليه حتى إشعار آخر.
في ظل الجمود القائم بين إسرائيل والفلسطينيين، ينقل شانزر عن المسؤولين الإسرائيليين اعتقادهم أن الوضع حاليا يمكن الإشارة إليه على أنه "الحرب بين الحروب"، أي حرب شبه باردة بين إسرائيل وايران تمتد على رقعة الشرق الأوسط والبحرين المتوسط والأحمر، وتقوم أثناءها إيران بمحاولة توسيع رقعة نفوذها وإقامة قواعد متقدمة داخل سوريا حتى تهدد أمن إسرائيل بشكل أكبر.
إسرائيل، بدورها، تخوض حربا سرية، استخباراتية وعسكرية وإلكترونية، تقوم خلالها باستهداف مواقع استراتيجية داخل إيران، كما داخل سوريا وفي عموم المنطقة.
أما الرد الإيراني، فيأتي غالبا بمضاعفة رهانها على الميليشيات التي يمكنها تهديد إسرائيل، "حزب الله" شمالا وحماس جنوبا. وتسعى إيران دائما إلى تزويد هاتين المجموعتين، اللتين تصنفهما الولايات المتحدة وعدد كبير من دول العالم إرهابيتين، بأحدث الأسلحة والتقنيات الإيرانية، والتي يبدو أخطرها اليوم المسيرات (درون) المفخخة، والتي يمكن استخدامها في الجو وكذلك تحت الماء.
ويشير شانزر إلى أن إسرائيل نجحت، أثناء حرب غزة في مايو، بتدمير عدد من مفخخات حماس البحرية التي كانت تستهدف منشآت إسرائيلية للطاقة في عرض المتوسط. كذلك، يقول الباحث الأميركي إن إسرائيل طورت أحدث التقنيات، بالاشتراك مع الولايات المتحدة، من قبيل أنظمة الدفاع الجوي للتصدي للصواريخ والمسيرات، والتي أبلت بلاء حسنا في حرب غزة الأخيرة، وكذلك بناء سور تحت الأرض لمنع حماس من بناء أنفاق قامت في الماضي باستخدامها لشن هجمات داخل الأراضي الإسرائيلية.
ولا ينسى الكاتب التطرق إلى أحداث العنف داخل إسرائيل التي رافقت حرب غزة، والتي بادر إلى القيام بها عدد من عرب إسرائيل، فواجهوا عنفا مضادا من يهود إسرائيل. ويعتبر شانزر أن مما لا شك فيه أن عرب إسرائيل يعانون من فقر وإهمال، ولكنه يعزو وضعهم هذا إلى رفضهم المشاركة في منظومة الحكم الإسرائيلية. وإلى أن شاركت كتلة "رعم" التي يقودها، منصور عباس، في الائتلاف الحاكم في إسرائيل اليوم، اقتصرت مشاركة العرب في الحياة السياسية في إسرائيل على انتخاب نواب ممن يرفضون المشاركة في أي ائتلافات حكومية، ويستخدمون مواقعهم في الكنيست الإسرائيلي غالبا لبث مواقف شعبوية معارضة لوجود إسرائيل برمتها.
ختاما، يدعو شانزر الأميركيين، وخصوصا الإعلام الأميركي، إلى التحري بشكل أعمق حول خلفية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وعدم الاكتفاء بالكتابة عن الأمور بشكل سطحي كالسائد. كما يدعو الأميركيين، وخصوصا الكونغرس، إلى مضاعفة مراهنتهم على إسرائيل، في ظل الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة بالكامل من منطقة الشرق الأوسط.
ويختم شانزر القول إن قدرات إسرائيل العسكرية والتكنولوجية تسمح لها بأن تواصل حماية المصالح القومية للولايات المتحدة في المنطقة حتى بعد الانسحاب الأميركي، وهو ما يتطلب دعما متواصلا من الكونغرس والبيت الأبيض والأميركيين بشكل عام لإسرائيل ولتسليحها ودعمها ماليا ودبلوماسيا بشكل عام.