واشنطن - من حسين عبدالحسين
... من ترهيب متظاهري مينيسوتا بـ«الرصاص» إلى تهديد المحتجين أمام البيت الأبيض بـ»الكلاب الأكثر شراسة»، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب، بدأ يفتش عن «كبش فداء» لسياسته «المتذبذبة»، وبدأ في استخدام «منطق القوة» ولو كلامياً، في وقت تردد أن كبار الخبراء العاملين في إدارته أبلغوه أن وضعه الانتخابي سيئ، وأن عليه القيام بإجراءات بشكل سريع أو الخسارة، وهو ما يبدو أنه دفع ترامب للقيام بما يقوم به، على عجل، وبكثير من الارتباك، وتالياً الأخطاء.
المشكلة الأكبر التي تواجه ترامب حالياً، تهب عليه من مدينة مينيابوليس، (ولاية مينيسوتا الشمالية)، إثر وفاة الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد (46 عاماً)، اختناقاً، بعدما طرحه شرطي أبيض يدعى ديريك شوفين أرضاً، وثبّته بوضع ركبته على رقبته للاشتباه بأنه كان يريد ترويج عملة ورقية مزورة بقيمة 20 دولاراً.
حينها، قام مارة بالتقاط فيديوهات صورت الحادثة بالتفصيل، وأظهرت فلويد يردد «لا أستطيع أن أتنفس»، و«أمي». وانتشر الفيديو كالنار في الهشيم، ما دفع السلطات إلى فرض حظر تجول الجمعة في مينيابوليس بعد ثلاث ليال من الاحتجاجات وأعمال النهب.
وقال حاكم ولاية مينيسوتا تيم فالز للصحافيين في وقت مبكر أمس، إن مسؤولين تعرضوا لإطلاق نار. وأضاف: «هذا لا علاقة له بموت جورج، ولا بعدم المساواة التي هي أمر حقيقي. هذه فوضى».
وتُذكّر قضية فلويد، بموت إيريك غارنر، الرجل الأسود الذي توفي اختناقاً خلال توقيفه في نيويورك في العام 2014 على أيدي شرطيين بيض. وكان قال هو أيضاً حينذاك «لم أعد قادراً على التنفس»، وهي جملة أصبحت شعاراً تردّده حركة «حياة السود تهمّ».
وشهدت مينيسوتا أيضاً، موت سائق سيارة أسود، فيلاندو كاستيلي، خلال عملية تدقيق عادية في الهويات أمام صديقته وابنته.
ووجهت السلطات الى شوفين تهمة القتل من الدرجة الثالثة، أي القتل غير العمد، إضافة الى تهمة الإهمال الذي تسبب بالموت.
وقال مايك فريمان، ممثل الادعاء لمقاطعة هينبين، إن التحقيق مستمر مع شوفين الذي قد يحكم عليه بالسجن 25 عاماً في حالة إدانته.
وأضاف ممثل الادعاء أنه يتوقع توجيه اتهامات للضباط الثلاثة الآخرين، الذين شاركوا في الواقعة.
لكن توجيه الاتهام فشل في تهدئة مجتمع السود بعد أن أعادت حادثة مقتل فلويد نكء جرح العنصرية وانعدام المساواة من جديد، لتمتد أعمال الشغب من نيويورك الى لوس أنجليس، في إحدى أسوأ الليالي التي تشهد أعمال عنف منذ سنوات.
كما تظاهر مئات الأشخاص مساء الجمعة خارج البيت الأبيض، تعبيراً عن غضبهم، مطالبين بـ«العدالة لجورج فلويد»، وملوّحين بشعارات بينها «توقّفوا عن قتلِنا» و«حياة السود مهمّة».
وأمس، أشاد ترامب بطريقة تعامل جهاز الخدمة السرية مع المتظاهرين، قائلاً إنه لو تسللوا إلى مقر الرئاسة لواجهوا «الكلاب الأكثر شراسة».
وذكر في سلسلة تغريدات: «كنت في الداخل وتابعت كل خطوة، ولم يكن بوسعي أن أشعر بنفسي في أمان أكبر»، مشيراً إلى أن عناصر الأمن سمحوا للمحتجين بالصراح والهتاف قدر ما شاؤوا، لكن كلما تصرف أي من المتظاهرين بطريقة جريئة جرى التعامل معه على وجه السرعة.
وتابع أن حشد المتظاهرين «كان كبيراً ومنظماً بشكل مهني، غير أنه لم يستطع أي منهم الاقتراب من سياج البيت الأبيض. «لو تمكنوا من ذلك، لكانت سترحب بهم هناك الكلاب الأكثر شراسة والأسلحة الأكثر رعباً، وكان هؤلاء الناس سيصابون بجروح بليغة على الأقل، وكان كثير من عناصر الخدمة السرية في الانتظار مستعدين للتصرف».
وفي تغريدة أخرى، شن ترامب هجوماً حاداً على عمدة واشنطن الديموقراطية موريل باوزر، قائلاً إنها تبحث دائما عن الأموال والمساعدة لكنها لم تسمح لشرطة المدينة بالتدخل بدعوى أن «هذه لسيت مهمتهم».
وكان ترامب وصف في تغريدة غداة مقتل لويد، الحادثة بأنها «دنيئة ومفجعة».
وأعلن أنّه تحدّث إلى عائلة الضحية، قائلاً «أتفهّم الألم، وعائلة جورج لها الحقّ في العدالة».
لكن بعدما قام متظاهرون بإحراق مراكز شرطة في مينيابولس، بثّ الرئيس، تغريدة ثانية، هددهم فيها بـ«الرصاص»، في حال مواصلتهم أعمال التكسير، الأمر الذي حمل وسائل الإعلام الى تداول عنوان «ترامب يهدد المتظاهرين بـ(مينيسوتا) بالرصاص».
من جانبه، قام «تويتر» بتصنيف التغريدة على أنها تتنافى ومبادئ الموقع، والتي تعارض التحريض على العنف، فتأجج بذلك صراع كان بدأ قبل أيام بين الرئيس وموقع التواصل الاجتماعي، ودفع ترامب لاصدار مرسوم اشتراعي لتحميل المواقع مسؤولية ما ينشره الناس عبرها.
وانخرط الرئيس في حملة مناوشات عبر التصريحات مع عضو جمهوري سابق في الكونغرس، وأحد أبرز مقدمي البرامج التلفزيونية الصباحية على شبكة «أم أس ان بي سي» المحسوبة على الديموقراطيين يدعى جو سكوربرو، وهو من نيويورك مثل ترامب وبين الرجلين علاقة قديمة.
وسكوربرو، من أبرز معارضي ترامب وممن يشنون عليه هجمات متواصلة، وهو ما حمل الرئيس على بث تغريدة اتهم فيها سكوربرو بالضلوع في موت امرأة كانت تعمل في صفوف فريقه في الكونغرس.
وبسبب الاتهام من دون أي سند قانوني، قام «تويتر» بإضافة إشارة الى تغريدة ترامب اعتبرت أن المعلومات غير صحيحة، وأرفقت روابط الى مواقع تشرح ملابسات موت المرأة، التي أشارت المحاكم في الماضي الى موتها بسبب أزمة صحية فيما كان سكوربرو في ولاية ثانية.
أدت إشارة «تويتر» إلى استشاطة غضب الرئيس الجمهوري، فقام بإصدار مرسوم اشتراعي يساوي بين مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإعلام التقليدي، أي أن القيمين على مواقع التواصل صاروا، مثل محرري وناشري الإعلام، يتحملون مسؤولية ما يبثونه عبر مواقعهم.
على أن مرسوم ترامب يعني أن على «تويتر» حذف تغريدات ترامب، وعدم الاكتفاء بإضافة إشارة تنوه باحتمال عدم صحتها. بذلك، يكون الرئيس قام بعكس ما يريد، إذ هو كان يسعى الى استخدام سلطته لمنع مواقع التواصل من التعرض لأي من تغريداته، لكن مرسومه يجبر المواقع على تشديد القيود على هذه التغريدات.
ثم أن غضب الرئيس الأميركي وتشريعه، الذي يشبه الرقابة، لا يتوافق مع مزاج قاعدته الانتخابية بين الجمهوريين، الذين يقدسون «التعديل الأول» من الدستور، الذي يصون حرية الرأي بالمطلق.
هكذا، في وقت بدا ترامب وكأنه يرغب في اطلاق النار على المتظاهرين، استبق تصريحه بمرسوم يمنح شركات مواقع التواصل صلاحية فرض الرقابة على ما يتم بثه عبر مواقعها.
وقبل أن تكتمل بهلوانيات ترامب التي تساهم في تقليص شعبيته وفرصه للفوز بولاية ثانية، كرر الرئيس الأميركي، اتهاماته لسلفه أوباما بالقيام بخطوات غير قانونية لمراقبة حملته الانتخابية قبل خروج أوباما من الحكم مطلع العام 2017، وهي اتهامات يصفها ترامب بـ»أوباما غيت»، نسبة الى فضيحة «ووترغيت» التي أطاحت بالرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون في العام 1974.
ويعتقد الخبراء أن ترامب يبحث بشكل متواصل عن «كبش فداء» يسلّط عليه غضب مؤيديه، ويستخدمه لتشتيت الانتباه عن المشاكل الأكبر التي قد يتم تحميل مسؤوليتها إليه، مثل كيفية تعاطيه مع مقتل فلويد أو في كيفية تشريعه مرسوماً، عكس مصالحه وعكس مزاج قاعدته.
على أن مشكلة هجوم ترامب على أوباما تكمن في أن الأخير يتمتع بشعبية أكبر من الرئيس الجمهوري بكثير، حتى بين بعض الجمهوريين.
وفي هذا السياق، أورد موقع «فايف ثيرتي آيت» المتخصص بشؤون الاستطلاعات الانتخابية، أن «في استطلاعات الرأي الأربعة الأحدث التي نظرنا إليها، قال ما بين 45 و 58 في المئة من المستقلين إن لديهم وجهة نظر مؤيدة لأوباما، في حين قال 29 إلى 39 في المئة فقط من المستقلين إنهم يؤيدون ترامب».
وتابع الموقع أن في «معظم هذه الاستطلاعات، يتمتع أوباما بجاذبية أكبر من ترامب، ففي استطلاع (هارفارد/هاريس)، على سبيل المثال، أعلن 27 في المئة من الجمهوريين إن لديهم رأيا مؤيداً لأوباما، مقارنة بـ14 في المئة من الديموقراطيين الذين لديهم رأي مؤيد لترامب».