| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
تكثر في جلسات المسؤولين والخبراء الاميركيين المخصصة حول تقييم الوضع الايراني استعادة تصريح مرشد الثورة الراحل روح الله الخميني، الذي قال العام 1988، ابان اعلان قبول بلاده قرار مجلس الامن الرقم 598 القاضي بوقف النار مع العراق بعد ثماني سنوات من الحرب، ان قبوله القرار كان «اصعب عليه من تجرع كأس من السم»، وانه فعل ذلك «لمصلحة الثورة».
ويستخدم المسؤولون والخبراء هذا التصريح غالبا للدلالة على انه رغم «عقائدية» النظام في ايران، الا أنه في نهاية المطاف «واقعي»، وربما عقلاني، وانه سيتلقف الرسالة الدولية التي تقول انه «ممنوع عليه صناعة او انتاج او حيازة اسلحة نووية»، ويتصرف على اساس مصلحته.
ويسود الاعتقاد في واشنطن ان الموقف الايراني منقسم «عموديا»، وان الكلمة الفصل ستكون في يد مرشد الثورة الحالي علي خامنئي، الذي كانت تعتقد الولايات المتحدة حتى الماضي القريب انه لم يحسم خياره في الذهاب نحو انتاج السلاح النووي، وهو الموقف الذي تحاول ادارة الرئيس باراك اوباما البناء عليه لمباشرة مفاوضات تأمل في ان تفضي يوما الى عودة العلاقات الطبيعية كاملة بين واشنطن وطهران.
وحتى الماضي القريب، كانت واشنطن تعتقد ان طهران تلتزم بكمية من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة من دون تجاوزها، فالتقارير تشير الى انه لطالما كان بحوزة الايرانيين 91 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة، وانه كلما ازداد هذا المخزون، يعمد الايرانيون الى تحويل الفائض الى قضبان يتم استخدامها لاغراض العلاج والابحاث الطبية في مفاعل طهران.
ويقول الخبراء ايضا ان الاغراض الطبية لا تحتاج الى عدد كبير من قضبان اليورانيوم، وانه من غير الممكن اعادة القضبان الى حالتها السابقة بعد تحويلها، ما يشير الى انه كان في طهران قرار بالاستمرار في التخصيب، وفي الوقت نفسه ابقاء المخزون على حاله.
لكن في نوفمبر الماضي، اظهرت التقارير ان مخزون اليورانيوم الايراني المخصب بدرجة 20 في المئة وصل الى 135 كيلوغراما، مع العلم ان الكمية المطلوبة لصناعة قنبلة نووية تبلغ 200 كيلوغراما. هذه الزيادة دقّت ناقوس الخطر في العواصم الغربية، واحدثت انقساما بين من يعتقدون ان طهران ماضية في التخصيب بكميات مطلوبة لصناعة السلاح، ومن يعتبرون ان الزيادة هي بهدف المفاوضات.
الولايات المتحدة مستعدة للمفاوضات فورا، حسب المسؤولين فيها، والفريق الذي يختاره الرئيس باراك اوباما لسياساته الدفاعية والخارجية، يبدو انه متحمس لهذه المفاوضات. لكن الاستعداد الاميركي ليس مفتوح الامد، فمصمم الخطة الاميركية للتعاطي مع الملف الايراني، المبعوث الرئاسي السابق دينيس روس، يكرر ان العام 2013 سيكون عام الحسم، فاما ان تتوصل ايران الى اتفاق مع المجتمع الدولي، واما تذهب الامور في اتجاه التصعيد العسكري.
روس هو الذي يعتقد ان الوصول الى مفترق الطرق هذا لم يكن ممكنا من دون دفع الامور الى خواتيمها، اي بناء تحالف واسع يقدم الى ايران مفاوضات مفتوحة وفي الوقت نفسه، يفرض عليها عقوبات قاسية، فان تعثرت العقوبات والمفاوضات واستمر التخصيب، يصبح العمل العسكري مبررا.
كما يسود الاعتقاد في العاصمة الاميركية ان العقوبات العالمية أثّرت في شكل سلبي هائل في الاقتصاد الايراني، فالعملة الوطنية فقدت أكثر من 80 في المئة من قيمتها، ما يدفع المسؤولين الايرانيين انفسهم الى الحديث علنا عن قسوة العقوبات وتأثيرها.
على سبيل المثال، يتناقل الخبراء والمسؤولون تصريحا قبل ايام لوزير التجارة والصناعة الايراني مهدي غضنفري يقول فيه ان «العقوبات تضغط على اقتصاد البلد، وتحولت الى عائق لقيامنا بتأمين ما نحتاجه، لانه ليس لدينا نقد (اجنبي)، ولا يستطيع المصرف المركزي تحويل اي عملات او نقلها من اجل استيراد السلع التي تحتاجها البلاد».
هذا بالضبط هو الهدف المنشود للعقوبات الدولية على ايران، والتي اطلقت عليها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، ابان اقرارها في مجلس الامن، اسم «عقوبات ذات اسنان».
في الوقت نفسه، تلتقط الاوساط الاميركية اشارات من المتطرفين الايرانيين تشير الى تمسكهم «بالمسار الايراني الحالي»، لكن هذه الاوساط تعتقد ان كل المجموعات المتشددة «ستتجرع كأس السم نفسه وتتخلى عن البرنامج النووي ان طلب منها خامنئي ذلك».
هنا يصبح السؤال: ماذا يدور في بال خامنئي؟
التكهنات الاميركية متضاربة. فثمة تصريحات ايرانية تشير الى استعداد ايران لاستئناف المفاوضات مع مجموعة دول مجلس الامن والمانيا، في الجولة الرابعة، والتوصل الى حل، لكن في الوقت نفسه، لا تفهم الاوساط الاميركية المتابعة معنى المماطلة الايرانية في تحديد موعد المفاوضات،
فالاميركيون كانوا يتوقعون عودة الايرانيين الى المفاوضات مباشرة بعد اعادة انتخاب اوباما لولاية ثانية، اي في شهر نوفمبر الماضي.
لكن الديبلوماسيين الايرانيين مازالوا يماطلون في تحديد الموعد في اتصالاتهم مع نظرائهم الاوروبيين، الامر الذي استفزّ حتى الروس، الاقرب الى طهران، ودفع رئيس وفدهم سيرغي ريابكوف الى القول ان التصرفات الايرانية «اصبحت غامضة وترسل الاشارات الخاطئة» حول نوايا طهران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق