الاثنين، 4 ديسمبر 2017

الشرق الأوسط بين تركيا وإيران

حسين عبدالحسين

يتمتع الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر اليوم بسمعة رجل سلام، فبعيدا من اليسار العربي واغنية الشيخ امام "يا كارتر يا نذل"، يتذكر الاميركيون والعالم كارتر على أنه الرئيس الذي حقق المستحيل في اتفاقية كامب دايفيد للسلام بين مصر واسرائيل. وعلى مدى العقدين الماضيين، تبنى كارتر سياسة معاكسة لسياسة أميركا التقليدية، فالتقى من تصنفهم واشنطن ارهابيين، مثل قادة في حركة "حماس" الفلسطينية، واصدر كتاباً انتقد فيه ما اسماه "ابارثايد" اسرائيل في الاراضي الفلسطينية.

لكن كارتر لم يكن رجلاً مسالماً في شبابه، مثل عندما كان رئيسا للولايات المتحدة بين 1976 و1980، فالثورة الايرانية اندلعت اثناء رئاسته، واجبرته على تبني "عقيدة كارتر" للتدخل العسكري الاميركي السريع في اي بقعة من العالم. واظهرت وثائق الامن القومي التي تم رفع السرية عنها في ما بعد أن كارتر أمر باستخدام اسلحة "نووية تكتيكية" في حال حاول السوفيات استغلال الفوضى في ايران لاجتياحها والوصول لمنابع النفط الايرانية والعربية في الخليج.

"مقدرة السعودية على حماية نفسها من ايران نووية امر يشوبه الغموض بعدما اظهرت حرب اليمن محدودية القوة الجوية السعودية"، يكتب احد اكثر الباحثين الجيوسياسيين الاميركيين المرموقين جورج فريدمان، ويضيف "تاريخياً، توقع السعوديون أن يقوم البريطانيون، أولاً، وبعدهم الاميركيون بضمان أمن السعودية القومي، لكن ذلك يوم كان الخليج الفارسي مصدر النفط الذي يستحيل للعالم الاستغناء عنه". ويتابع فريدمان أن "مصادر النفط العالمي تضاعفت"، وتضاعفت "معها حماسة المنتجين في بيعه"، ويكتب: "ببساطة لم يعد النفط السعودي ذو اهمية".

الواقع الجديد، يقول الخبير الاميركي، دفع السعوديين الى التواصل مع الاسرائيليين طلبا للحماية، لكن اسرائيل جيشها صغير على رغم تفوقه، وهو يمكنه خوض حروب دفاعية، ولكن يستحيل عليه خوض حروب استنزاف طويلة، مثل تلك التي خاضها العراقيون والايرانيون بين 1980و1988.

أميركا، يقول فريدمان، يمكنها مساعدة اسرائيل على تفادي حروب استنزاف، لكن أميركا، القوة الاكثر مقدرة في العالم، لا تعرف ماذا تريد منذ بدأت حروبها في العالم 2001.

الفراغ الذي تركه تراجع اهتمام أميركا بالخليج كمصدر طاقة، بالتزامن مع الاختلال في التوازن الذي احدثته اطاحة أميركا بنظام صدام حسين في العراق، الذي كان يوازن القوة الايرانية، سمح للايرانيين بالتوسع في عموم المنطقة.

قبل التوسع الايراني، كانت تركيا مشغولة بتنمية اقتصادها داخلياً واقليمياً وعالمياً، لكن اهتزاز ميزان القوى الاقليمي، اطلق الاكراد، وأجبر الاتراك على صناعة سياسة لاحتواء الخطر الكردي عليهم.

يقول فريدمان إن تركيا هي الوحيدة القادرة على التصدي لايران عسكرياً واقتصادياً، لكن يبدو أن انقرة في انتظار معرفة كيف سيحسم الاميركيون قرارهم. في هذه الاثناء، سيتعلم الاتراك من تجاربهم حتى تنضج بشكل كامل ويتحولون الى القطب الثاني في الاقليم في منافسة مع ايران.

هكذا، لا السعودية وقوتها المالية، ولا اسرائيل وتفوقها العسكري، تقدران على موازنة ايران. وهكذا، يعتقد فريدمان أن الاقليم يعيد رسم نفسه وفقا لموازين القوى بين تركيا وايران.

مطالعة فريدمان في موقعه "المستقبل الجيوبوليتيكي" تبدو واقعية، والاهم من ذلك انها تتناسب والسياق التاريخي، إذ منذ عام 224 للميلاد، برزت ايران كقوة اقليمية، فيما اعتلت القسطنطينية المسيحية، اسطنبول الاسلامية لاحقاً، مسرح الاحداث التاريخي حوالي العالم 330 ميلادية. منذ ذلك التاريخ، مثّل غياب اي من هاتين القوتين، الايرانية ام الاناضولية، الاستثناء في تاريخ الاقليم، وهو استثناء كان يتزامن عادة مع صعود مراكز قوى عربية متنوعة في دمشق وبغداد والقاهرة، في أزمنة متنوعة. أما فلسطين، فهي يندر أن مارست نفوذاً اقليمياً، مع بعض الاستثناءات الصليبية ومؤخراً الاسرائيلية.

وبالعودة الى التنافس بين بلاد فارس وبلاد الاناضول، تعود منطقة الشرق الاوسط الى مرحلة ما قبل الامبريالية الغربية، وهي مرحلة امتدت لخمس قرون، منذ مطلع القرن السادس عشر ميلادي، وساهمت في تشكيل دول الاقليم وهوياتها وحدودها بشكلها الحالي، ما يعني ان العودة الى المنافسة التركية - الايرانية ما هو الا استئناف لما تم وقفه قسرا على مدى قرن، وهو إن عاد قد يجبر العرب على انتظار فرصة اخرى تسمح لهم باللحاق في ركب القوى الاقليمية والعالمية.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008