السبت، 29 سبتمبر 2012

شبيحة بيروت على البحيرة

حسين عبد الحسين 

“بيروت على البحيرة” هو اللقب الذي اكتسبته في الثمانينات مدينة شيكاغو، احدى اكبر المدن الاميركية الواقعة على ضفة بحيرة ميشيغان العملاقة، نظرا للفساد السياسي الذي ساد بلديتها وسياساتها المحلية، وهي صبغة يحاول الحزب الجمهوري اليوم إلصاقها بالرئيس باراك أوباما ومساعديه ومستشاريه ومن عملوا في فريقه.

يتصدر قائمة سياسيي شيكاغو رام إيمانويل، وهو عضو سابق في الكونغرس عن ولاية ايلينوي التي تقع فيها مدينة شيكاغو، وقد عينه اوباما رئيسا لموظفي البيت الابيض، ويقال إنه لعب دورا اساسيا في ممارسة الضغط على اعضاء الكونغرس للموافقة على اقرار مشروع الضمان الصحي في العام 2009 لدرجة ان احد اعضاء الكونغرس من الديمقراطيين ممن كانوا معارضين للقرار، زعم انه في يوم فيما كان شبه عار في غرفة تغيير الملابس التابعة للنادي الصحي داخل الكونغرس، التقى بإيمانويل الذي كان اتم رياضته للتو. وبحسب النائب، فان مساعد اوباما اقترب منه، والصق وجهه بوجهه، وغرز اصبعه في صدره، مهددا إياه بالثبور وعظائم الامور في حال صوت ضد القرار.

ومع انه لا يوجد دلائل على صحة الواقعة، غير ان عددا ممن عملوا مع إيمانيويل غالبا ما يصفونه بالـ “الأزعر” أو “البلطجي”، مستخدمين كلمة “ثغ” بالانجليزية.

إيمانيويل هذا لم يطل البقاء في منصبه، بل استقال ليترشح ويفوز بمنصب حاكم مدينة شيكاغو، وهو المنصب الذي يشغله اليوم.

اما اوباما، فعين رئيسا لموظفي البيت الابيض خلفا لإيمانويل حاكم المدينة السابق ريتشارد ام دالي، ابن ريتشارد جاي دالي الذي حكم شيكاغو لفترة 21 عاما والذي ذاع صيته لفساده وتواطئه مع زعماء المافيات الايطالية وعلى رأسهم آل كابون، الذي بنيت قصة فيلم “العراب” الشهير حول شخصيته.

وللمفارقة ان اوباما نفسه يعتبر شيكاغو مدينته، وهي المدينة التي ترعرعت فيها زوجته ميشيل، وهي اكبر مدن ولاية ايلينوي التي فاز اوباما بمقعد مجلس الشيوخ عنها قبل فوزه بالرئاسة، وفيها منزله الشخصي الذي سيعود للسكن فيه بعد نهاية رئاسته وخروجه من البيت الابيض ان كان بعد اشهر قليلة او بعد اربع سنوات.

ومن وجوه السياسة في شيكاغو ايضا كبير مستشاري الرئيس ومدير حملته الانتخابية حاليا دايفيد اكسلرود، وهو يرتبط بعلاقة جيدة مع آل دالي، وكان تعرض لانتقادات لانه توسط لتوظيف رجلين في ادارة دالي في حاكمية المدينة، وتبين فيما بعد انهما ارتكبا اعمالا تسببت لهما بالملاحقة القضائية من قبل الحكومة الفيدرالية.

هذه الحاشية من المستشارين الذين لا يتوارون عن استخدام اساليب سياسية يعتبرها بعض الاميركيين من باب “البلطجة” جاءت في معظمها من مدينة شيكاغو، او “بيروت على البحيرة”.

اما جديد “البلطجة”، او “التشبيح” كما في اللهجة السورية، على الاقل حسب الحزب الجمهوري، تمثلت بقيام اكسلرود بالتحريض ضد “مؤسسة غالوب” لاستطلاعات الرأي، متهما اياها باستخدام اساليب قديمة تؤثر سلبا في ارقام شعبية اوباما.

وتزامنت تصريحات اكسلرود مع قيام وزارة العدل الاميركية بمقاضاة غالوب بتهم تضخيم المبالغ التي تقاضتها من الحكومة الاميركية في عقود فازت فيها المؤسسة. وجاءت الملاحقة القضائية للمؤسسة بعدما أن قام احد العاملين فيها المدعو مايكل ليندلي بفضح ممارساتها، معتبرا انه بموجب القوانين المعمول بها، فان غالوب تقاضت مبالغ اكثر من اللزوم من الحكومة.

اما الحزب الجمهوري وشبكة فوكس، فاعتبرا ان في الامر مؤامرة، خصوصا ان وزارة العدل تحركت بعد ثلاثة اشهر على تقاضي غالوب المبالغ، في وقت تزامن مع انتقادات اكسلرود، فيما كشفت ان ليندلي عمل في العام 2008 كمسؤول تنظيمي في حملة اوباما الرئاسية.

هكذا، جاء في عنوان مدونة كتبها المدون اليميني ديك موريس: “شبيحة اوباما يهاجمون غالوب لاستطلاعات لم تعجبهم”.

اما الفارق الوحيد بين شبيحة اوباما وشبيحة سوريا وبلطجية مصر ان الاميركيين يمارسون البلطجة عبر مؤسسات الدولة واجهزة القضاء، فيما لا يتوارى “زعران” العرب عن ممارستها عن طريق عنفهم بأيديهم وبأسلحتهم وغالبا ما ينكلون ويقتلون ويسحلون ويرتكبون المجازر.

ارتفاع شعبية مواقع «تقصي الحقائق» الأميركية على حساب الصحف والراديو والتلفزيون

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

مطلع هذا الشهر، اصدرت وزارة الخزانة بيانها الشهري الذي اعلنت فيه تجاوز الدين العام الاميركي عتبة الـ 16 تريليون دولار. على الفور، تلقف السياسيون من الحزب الجمهوري الخبر، ودبجوا بياناتهم التي وجهت نقدا لاذعا للرئيس باراك اوباما.
تصدر الهجوم الجمهوري رئيس الكونغرس جو باينر، الذي قال في بيانه ان «الرئيس (اوباما) خاض في رحلة مجنونة للانفاق مستخدما المال المخصص لتحفيز الاقتصاد، وهو ما فرض على كل اميركي، سواء رجل أو امرأة أو طفل، 50 الفا هي حصتهم من الدين العام البالغ 16 تريليون دولار».
لكن موقع «بوليتيفاكت»، المتخصص في التحقيق في صحة اقوال السياسيين الاميركيين، تصدى لرئيس الكونغرس، وحاول في بادئ الامر الحصول على ايضاحات حول البيان من مكتبه، الذي رد بالقول «انها استراتيجية اوباما منذ توليه الحكم: المزيد من الانفاق، ورفض اي تخفيضات في الموازنة او اجراء اصلاحات، لانه حسبما يقول، هكذا تخفيضات واصلاحات تؤذي الاقتصاد».
الموقع خالف باينر ومكتبه الرأي، وقال ان في الاساس، حصة كل اميركي هي 50 الف و900 دولار، وان «الدين العام في زمن اوباما ارتفع 5 تريليونات و400 بليون دولار، من 10 تريليونات و600 بليون عندما تسلم اوباما السلطة في 20 يناير 2009».
ثم سرد الموقع بالتفصيل الانفاق الحكومي عبر الادارات المتعاقبة، ليتوصل الى نتيجة مفادها ان اوباما نجح فعليا في تقليصه، وانه في ذلك يحتل المرتبة الثانية بين كل الرؤساء الاميركيين بعد ليندون جونسون، خصوصا اذا ما اخذنا نسبة التضخم المالي بعين الاعتبار. وختم الموقع: «على عداد الحقيقة، نصنف ادعاءات باينر بالخاطئة».
الموقع يعمل على مدار الساعة، ويأخذ تصريحات المسؤولين والسياسيين الاميركيين، ويخضعها للتدقيق، ويمنحها درجات في المصداقية، تتراوح بين «صحيح»، و«معظمه صحيح»، و«نصف صحيح»، الى «معظمه خاطئ» و«خاطئ» و«سرواله يشتعل»، وهي عبارة يستخدمها الاميركيون مع الاطفال لتعييبهم على الكذب.
وانشأ الموقع ما اسماه «اوباميتر»، او «عداد اوباما»، واخضع كل وعوده الانتخابية اثناء حملة 2008 الى تقص وتمحيص، وتوصل الى نتيجة مفادها ان اوباما حقق بالكامل 38 في المئة من وعوده، ودخل في تسويات مع الجمهوريين في 14 في المئة منها، ونكث تماما بـ 17 في المئة من هذه الوعود، فيما توقف العمل على 9 في المئة منها، ومازالت 22 في المئة من الوعود الرئاسية في طور العمل على تحقيقها.
الموقع اخضع ايضا وعود الحزب الجمهوري في حملته الانتخابية الاخيرة العام 2010 الى الامتحان، وقال ان الجمهوريين حققوا 19 في المئة فقط مما وعدوا به، ودخلوا في تسويات في 7 في المئة، ونكثوا بـ 19 في المئة.
موقف «بوليتيفاكت» ليس فريدا من نوعه، فمركز ابحاث «انانبرغ» انشأ صفحة «تقصي حقائق» خاصة به، اخضع فيها، على سبيل المثال، خطابي اوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، اثناء مؤتمري حزبيهما الاخيرين، الى عملية تمحيص مفصلة ودقيقة.
ارتفاع شعبية هذه المواقع يأتي في وقت اظهر استطلاع اجراه «معهد غالوب»، واصدر نتائجه اول من امس، ان 60 في المئة من الاميركيين لا يثقون بوسائل الاعلام الاميركية كالصحف والراديو والتلفزيون.
وما يزيد الامر تعقيدا هو وصول الانفاق الانتخابي الى ارقام غير مسبوقة، والمال المذكور غالبا ما يتم استخدامه في حملات اعلانية اكثرها عبارة عن عمليات تقذيع وتشهير يقوم بها المرشحون ضد منافسيهم، ما يدفع الناخبين الاميركيين الى اللجوء الى مواقع تقصي الحقائق، التي تفرد مساحات واسعة للتدقيق في كل اعلان انتخابي وتبيان ما هو صحيح من الادعاءات مما هو مزيف.
وفي ظل النجاح الذي تحصده هذه المواقع الاميركية، وعلى ضوء تراجع مصداقية الاعلام التقليدي، وجدت بعض وسائل الاعلام نفسها مضطرة الى مجاراة ما هو رائج.
صحيفة «واشنطن بوست» اقامت زاوية «تقصي حقائق» يومية، تعالج فيها التصريحات من كل حدب وصوب، وتمنحها درجات على شكل «بينوكيو واحد»، للاقل كذبا، او اثنتين او ثلاث او اربع، لاكثر الادعاءات زيفا. وبينوكيو هو اسم الدمية الخشب الخيالية التي يطول انفها اكثر فأكثر مع كل كذبة تطلقها.
من آخر ضحايا «واشنطن بوست» هو فيديو يعود للعام 1998، ويظهر فيها جزء من حديث لاوباما وهو يقول انه «يؤمن بتوزيع الدخل»، وهذه عبارة يستخدمها ضده بعض الجمهوريين السذج للدلالة على انه «اشتراكي» لا يؤمن بالرأسمالية الاميركية. 
الصحيفة كشفت ان المقطع الذي انتشر بادئ الامر عبر موقع «يوتيوب» كان قديما جديدا، وينقطع في منتصف حديث اوباما، ما يجعل من الصعب تحديد السياق الذي ورد فيه. لكن شبكة «ان بي سي» عثرت على الشريط كاملا، وبثته، فاظهر السياق ان اوباما كان يتحدث العكس تماما، وانه كان يمجد اقتصاد السوق، والمنافسة، وما الى ذلك.
ثقافة «تقصي الحقائق»، التي تنتشر اليوم في شكل واسع في الولايات المتحدة، تجعل من الصعب تمرير اي فريق اي ادعاءات زائفة بحق الفريق المنافس، وهذا ما يخفف من وطأة القوة المالية لبعض المرشحين من دون الآخرين، ويخفف من قوة حملات التشهير الاعلانية التي يشنها مرشحون ضد خصومهم، فالحملة الدعائية اليوم اذا ما اظهرتها المواقع المذكورة على انها كاذبة، تنقلب ضد اصحابها.
وفي ظل تراجع مصداقية معظم الاعلام الاميركي، وتحول بعضه الى اعلام حزبي بالكامل، مثل شبكتي فوكس اليمينية الموالية للجمهوريين وشبكة «ام اس ان بي سي»، اليسارية الموالية للديموقراطيين، تبرز مواقع «تقصي الحقائق» الصاعدة كبديل لدور الرقابة الذي كان يلعبه الاعلام التقليدي، الذي يبدو انه والحال هذه قد يخسر لقبه «السلطة الرابعة» لمصلحة بعض هذه المواقع.

أبوظبي متهمة بتمويل فيلم «تحريضي» ضد زيادة إنتاج الغاز الأميركي!

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |


اتهمت «جمعية تراث» الأميركية اليمينية حكومة أبوظبي بالمشاركة في تمويل فيلم هوليوودي بعنوان «الأرض الموعودة» من بطولة الممثل المعروف مات دايمون، «يصور أصحاب شركات إنتاج الغاز والنفط الأميركية على انهم أوغاد يركضون خلف المال ويسممون بلدات الريف الأميركي».
كما يصور الفيلم، المقرر عرضه في صالات السينما ابتداء من 11 يناير المقبل، تقنية «التكسير الهيدروليكي» التي تلاقي رواجا في اوساط الشركات الأميركية، على أنها تقنية تؤدي الى إفساد الاراضي الاميركية، وخصوصا المزارع، وتؤدي الى نشر امراض مزمنة بين السكان ممن يعيشون بالقرب من مشاريع الاستخراج.
وبفضل التقنية المثيرة للجدل لاستخدامها مواد كيماوية، يعتقد ناشطو البيئة أنها ممكن ان تتسرب الى باطن الارض وتهدد المياه الجوفية، ازداد انتاج الولايات المتحدة من الغاز والنفط. ودفعت التقنية وزارة الطاقة الاميركية الى رفع تقديرات البلاد من احتياطي النفطي بنسبة 13 في المئة الى 25.2 مليار برميل، أي ما يعادل ربع الاحتياطي الكويتي.
كذلك رفعت من تقديراتها للاحتياطي الاميركي من الغاز الطبيعي الى 317 ترليون قدم مكعب، والنسبة هي الاعلى منذ البدء في استخراج الطاقة في القارة الاميركية قبل اكثر من قرن. كما توقعت الوزارة ان تتحول اميركا من مستوردة للغاز اليوم الى مصدرة له مع حلول العام 2016.
وكانت اميركا تقدمت على روسيا العام الماضي، كأكبر دولة منتجة للغاز الطبيعي حول العالم بانتاجها 23 ترليون قدم مكعب، وهو ما أثنت عليه مراكز الأبحاث والصحف، معتبرة ان الزيادة في الانتاج ادت الى انخفاض في فواتير الكهرباء والنقل للمواطنين الاميركيين، وان ذلك اعطى بدوره دفعاً لنمو الاقتصاد الاميركي عموما.
«جمعية تراث» قالت في بيان إنها كانت تتوقع من ممثلي «هوليوود» ان يتخذوا ما اسمته مواقف يسارية وبأن يعادوا اقتصاد السوق، وخصوصا شركات النفط، لكن المفاجأة كانت اشتراك «ايماج ميديا أبوظبي»، وهي شركة مملوكة بالكامل من حكومة أبوظبي، في التمويل.
وقالت الجمعية انها اتصلت بشركة «دي دي ايه»، التي تمثل «ايماج ميديا ابوظبي» إعلاميا وفي العلاقات العامة، وان «دي دي ايه» اكدت دور ابوظبي في التمويل. واعتبرت «جمعية تراث» ان دولة الامارات عضو في منظمة الدول المنتجة للبترول (أوبك)، وان هذا «يعني ان المزيد من النفط في السوق سيؤدي الى انخفاض في أسعاره».
واستنتجت الجمعية ان «وجود اميركا بقوة في سوق الغاز الطبيعي هو ليس في مصلحة الامارات، (لأنها) تحل في المرتبة السابعة عالميا في احتياطي الغاز». وتابعت «على سبيل المثال، من المتوقع ان ينمو استيراد اليابان من الطاقة بشكل كبير في السنوات الخمس المقبلة، واليابان حاليا هي اكبر مستوردي الغاز الاماراتي الطبيعي، واذا ما قررت استيراد الغاز من الولايات المتحدة لتلبية طلبها المتزايد، قد يشكل ذلك ضربة لاقتصاد الامارات».
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» أوردت في مارس الماضي ان وزراة الطاقة منحت ترخيصا لشركة «شينيه للطاقة» لتصدير اكثر من ملياري قدم مكعب من الغاز من مرفأ في ولاية لويزيانا الجنوبية كان مصمما اصلا لاستيراد الغاز.
وأضافت «جمعية تراث» في بيانها ان نمو انتاج الغاز الطبيعي الاميركي من شأنه ان يجذب كبار المستثمرين في حقل البتروكيمائيات، وان الامارات استثمرت أخيراً مليارات الدولارات «في محاولة لزيادة حصتها في سوق البلاستيك والكيماويات». 
وختمت الجمعية بالقول ان «كل ما ورد يظهر ان للإمارات العربية المتحدة مصلحة مالية في ابطاء تطور قطاع الغاز الطبيعي في اميركا، وللثقافة الشعبية مقدرة في اقناع الرأي العام، وفيما يبدو ان فيلم الارض الموعودة يضخم من مخاطر التكسير الهيدروليكي، قد يكون له تأثير على رؤية العامة الى هذه الممارسة».
وهذه هي المرة الثانية التي تجد دولة الامارات العربية المتحدة نفسها في مواجهة مع مراكز أبحاث وناشطين أميركيين، بعد ان فازت شركة «موانئ دبي» بعقد لإدارة عدد من المرافئ الاميركية في العام 2006، مما أحدث ردة فعل سلبية لدى بعض أعضاء الكونغرس على اثر تقارير عن تخوف الاستخبارات الاميركية من منح شركة عربية حق التحكم في مداخل البلاد. وحينذاك، تخلت الشركة الإماراتية عن العقد طوعا وباعته الى شركة «ايه آي جي» الأميركية.

باسيل... حليف «حزب الله» يجمع تبرعات أميركية للانتخابات النيابية

| نيويورك - من حسين عبدالحسين |

من المتوقع ان يقام في نيويورك اليوم، عشاء تكريميا لوزير الطاقة اللبناني جيران باسيل، الذي وصل الى الولايات المتحدة كعضو في الوفد اللبناني المشارك في الاعمال السنوية للجمعية العامة للامم المتحدة.
وعلمت «الراي» ان رجلي الاعمال الاميركيين من اصل لبناني سامي خويري وحليم الزعني ينظمان العشاء الذي يذهب ريع تبرعاته الى الحملة الانتخابية التي سيخوضها باسيل في الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة الصيف المقبل.
خويري معروف بتأييده للنائب اللبناني العماد ميشال عون وتياره، اما الزعني، فيشن حملة ضد «حزب القوات اللبنانية» والنائب بطرس حرب، ويسعى الى رؤيتهما يخسران مقعديهما في دائرة البترون الانتخابية الشمالية.
وعلمت «الراي» ان الرجلين واجها متاعب في تسويق عشاء باسيل بين مجموعة اصدقائهما من اللبنانيين الاميركيين، ومعظمهم من كبار المتمولين بسبب اعمالهم في القطاعين المصرفي والمالي في مدينة نيويورك. هذه المتاعب اجبرت خويري وزعني على اختيار مطعما ذات صالة صغيرة ويتسع لعدد محدود من المتبرعين.
اما المطعم، «بيبلوس»، فهو يقدم المأكولات اللبنانية ويقع على جادة ماديسون.
وكان باسيل انفصل عن الوفد الرسمي اللبناني وبدأ جولته الهادفة الى جمع تبرعات مالية وحشد تأييد انتخابي من مدينة ميشيغان، ذات الاكثرية العربية، حيث شارك في عشاء دافع فيه عن تحالف عون مع «حزب الله»، معتبرا ان هذا التحالف «ظهرت نتائجه تباعا»، وان هدفه هو «التغلب على التطرف الذي يتزايد» في لبنان.
وقال باسيل: «اما لجهة قيام الدولة، فان ما يمنع ذلك هو وجود طبقة سياسية تخرب مؤسسات الدولة وقطاعاتها وتسعى لمنعنا من اصلاحها، واكثر ما تسعى الى تخريبه هو التمثيل الصحيح».
ثم شن باسيل هجوما على «تحالف 14 مارس» اللبناني المعارض من دون ان يسميه، متهما اياه بفرض قوانين انتخابية لمصلحته، رغم ان «حزب الله» كان ساهم في اقرار القانون العام 2005، وبمساعدة النواب «العونيين»، اقر الحزب قانون 2009.
ومما قاله باسيل: «بالامس في 2000 و2005، ابتدعوا الدوائر الكبرى على نظام اكثري لابتلاع الصوت المسيحي، واليوم يبتدعون دوائر صغرى بنظام اكثري للتلاعب بالصوت المسيحي، والتحدي الموضوع امامهم هو وضع معيار واحد لنظام اكثري من دون ان يكون هذا المعيار ارضاء حليفهم تيار المستقبل او ان يذهبوا الى النسبية، لان فيها العدالة بذاتها وبأي تقسيم». واضاف: «كل هذا للتلاعب، ليس فقط بالصوت المسيحي، بل بالوجود المسيحي الذي لا يقاس بالعدد انما بالدور والرسالة، اذ لا لبنان من دون مسيحييه كما لا لبنان من دون مسلميه». وتشمل جولة باسيل مدن كليفلند وبوسطن ونيويورك وواشنطن، الا ان لقاءاته تنحصر بلبنانيين اذ رفضت الادارة الاميركية منحه اي مواعيد او لقاءات مع مسؤولين رسميين.

الجمعة، 28 سبتمبر 2012

اليمين المتطرف يعاود اتهام أوباما بإخفاء خطة لاستبدال القانون الأميركي ... بالشريعة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يجد الرئيس باراك اوباما نفسه اليوم في مواجهة حملة دعائية شعبوية يشنها اليمين الاميركي المتطرف ضده تشبه تلك التي تعرض لها في العام 2008 وتحاول تقذيعه متهمة اياه باعتناقه الاسلام سرا وباخفاء خطة تنوي استبدال القانون الاميركي بالشريعة الاسلامية.
احدث ما في الحملة المتجددة هو اعلان بحجم صفحة كاملة ظهر في 13 صحيفة محلية في ولايتي فلوريدا واوهايو، اللتين كانتا تعتبران حتى الامس القريب من الولايات المتأرجحة التي يحتدم فيها السباق الرئاسي بين اوباما ومنافسه من الحزب الجمهوري ميت رومني، فيما صارت ارقامهما تظهر اليوم تقدما لا لبس فيه لمصلحة اوباما.
ومما جاء في الاعلان، الذي حمل صورة اوباما متجهما وعلى خلفية سوداء الى جانب اسم الرئيس الثاني «حسين» للدلالة على الجذور غير الاميركية للرئيس، ان «باراك حسين اوباما ينوي ان يجبر المحاكم على قبول العمل بقانون الشريعة لحل الخلافات العائلية»، وانه ينوي «الفرض على اجهزة الشرطة السماح للاخوان المسلمين بالانتساب».
ويقف خلف الاعلان مجموعة يمينية متطرفة تحمل اسم «الحكومة ليست الله»، وهي برئاسة وليام موراي، وهي تتبرع لكبار مرشحي الحزب الجمهوري من امثال الرجل الثاني في الكونغرس العضو عن ولاية فيرجينيا اريك كانتور. وكذلك تتبرع المجموعة انتخابيا الى السناتور تود آيكين، والذي اثارت تصريحاته حول استحالة حدوث حمل لدى النساء ضحايا الاغتصاب انتقادات حتى من كبار الجمهوريين الذين طالبوا بانسحابه من السباق هذا العام، حتى ان الوجه الابرز في الحزب المستشار الرئاسي السابق كارل روف دعا الى اغراق آيكين، على سبيل المثال.
لكن حتى روف ليس يمينيا كفاية بالنسبة لموراي، الذي هاجم روف علنا، واتهمه بمسايرة اوباما.
والطريف ان موراي المسيحي المتشدد هو ابن مادلين موراي، وهي ذاع صيتها لالحادها بعدما فازت في العام 1963 في قضية امام «المحكمة الفيدرالية العليا» قضت بوقف قراءة كتاب المسيحيين المقدس في المدارس الرسمية. ثم اسست موراي جمعية «للملحدين» الاميركيين ونشطت من خلالها لاعوام طويلة. 
اما وليام ابنها، فهو عاد الى المسيحية في العام 1980 واصبح ناشطا في الكنيسة المعمدانية، والف كتبا كثيرة وصف فيها امه بالشريرة. 
وعلى الفور تصدت مواقع «تقصي الحقائق» لادعاءات موراي حول مخططات اوباما الاسلامية المزعومة. ومنح موقع بوليتيفاكت درجة «سرواله على النار»، وهي ادنى درجة ممكنة للدلالة على «الكذب» للاعلان المذكور.
وكتب محررو الموقع: «ان الرئيس باراك اوباما مسيحي، لكن مجموعة لوبي تحمل اسم الحكومة ليست الله تقول ان ولاءاته الدينية تقع في مكان آخر». واضاف الموقع: «لقد سألنا الرجل الذي يقف خلف الاعلان وليام موراي ان يزودنا بدلائل تدعم ادعاءاته، فقدم لنا ادعاء مجموعة ضد الشريعة تزعم ان القاضية (في المحكمة الفيدرالية العليا التي عينها اوباما) ايلينا كيغان هي موالية للشريعة».
اما الدليل ضد كيغان، حسب موقع بوليتيفاكت، فهو انها «شجعت البعض على الانتساب الى الدراسات القانونية الاسلامية» في جامعة هارفرد التي كانت تعمل فيها. 
واضاف الموقع انه في يناير الماضي، شطبت محكمة في ولاية اوكلاهوما مشروع قانون كان يقضي باجبار محاكم الولاية على عدم النظر باي قضايا على اساس الشريعة الاسلامية. وجاء في حكم المحكمة ان هكذا قانون يؤدي الى التمييز بين الاديان، «اذاً فهو غير دستوري»، وان المحاكم الاميركية تعمل بموجب قانون مدني غير مبني على اي دين.
وتطرق الموقع كذلك الى قضية اراد فيها مواطن اميركي مسلم ان يوزع الاموال بحسب الشرع الاسلامي على اثر طلاقه من زوجته، الا ان محكمة في ولاية كنساس رفضت النظر بالقضية على اساس القانون الاسلامي وتمسكت بتطبيق القانون المدني الاميركي.
«في كلتا الحالتين، لم نجد دليلا على ان ادارة اوباما قامت بأي تحرك»، يقول الموقع، الذي يختم: «حكمنا هو ان مجموعة اللوبي لم تقدم اي دليل (لدعم مزاعم ان اوباما ينوي فرض القانون الاسلامي على المحاكم الاميركية)، ونحن لم نجد اي دليل كذلك، والفكرة نفسها تتعارض مع الفصل الدستوري بين السلطات (القضائية والتنفيذية) ومع حماية الحريات الفردية حسب شريعة الحقوق الفردية».
على ان المواجهة مع موراي لم تنته فصولا، اذ اعلنت احدى جمعيات «مثليي الجنس»، الذين هاجمهم الاعلان كذلك، نيتها التظاهر في ولاية فلوريدا امام مقار احدى الصحف التي نشرت الاعلان، «ساراسوتا هيرالد تريبيون»، وهو ما دفع المدير التنفيذي للصحيفة الى تدبيج رسالة اعتذار لقبوله نشر الاعلان، وارساله شيكا بقيمة الاعلان المنشور الى جمعية «الحكومة ليست الله»، رافضا نشر المزيد من الاعلانات التابعة لها، وهو ما اثار حنق موراي الذي قال، في بيان وزعه مكتبه على الصحف العاملة في العاصمة الاميركية، ان «الراديكاليين، بمن فيهم مثليو الجنس، ينوون التظاهر»، وان رد فعل الصحيفة ضد هؤلاء «الغوغاء» شبيه «برد فعل باراك حسين اوباما ضد الغوغاء المسلمين في ليبيا». 
وقال بيان موراي ان «صحيفة ساراسوتا هيرالد تريبيون تعتذر من الغوغاء الراديكالي اليساري مثلما اعتذر اوباما من الغوغاء الراديكالي المسلم». 
وفي ختام البيان الذي وزعته جمعية موراي، ورد ان «وليام موراي متوافر فورا لمقابلات اعلامية».
«الراي» لم تحاول الاتصال بمكتب موراي.

الخميس، 27 سبتمبر 2012

أوباما إلى مخيمه التدريبي الأحد استعداداً للمناظرة الرئاسية الأولى

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يندر ان يصدر أي تصريح او ان يدلي اي سياسي اميركي بمقابلة او ان يعقد مناظرة مع منافسيه بعفوية. كل الكلمات الصادرة عن كل السياسيين الاميركيين يجري التدرب عليها بعناية مرارا وتكرارا قبل صدورها، ويعمل مساعدو هذا السياسي او ذاك على التأكد ان السياسي لا يشت عن «نقاط الكلام» المتفق عليها مسبقا. 
وفي بعض المواقع التي سبق ان شت فيها سياسيون عما هو متفق عليه مع مستشاريهم مسبقا واطلقوا تصاريح عفوية اوتعبر عن رأيهم بصراحة، تحولت تصاريحهم الى كوارث سياسية ارتدت عليهم في الغالب.
في هذا السياق، من المتوقع ان يشهد شهر اكتوبر المقبل اربع مناظرات، ثلاث منها بين الرئيس باراك اوباما ومنافسه المرشح الرئاسي من الحزب الجمهوري ميت رومني، وواحدة فقط بين نائب الرئيس جو بيدن ومنافسه عضو الكونغرس بول رايان. 
ويقول الخبراء ان المناظرات ستشكل الفرصة الاخيرة لرومني، الذي تظهر احدث استطلاعات الرأي تأخره شعبيا، لقلب تأخره تقدما وازاحة اوباما عن الرئاسة. لذلك، يقول مساعدو رومني ان مرشحهم بدأ تدريباته على هذه المناظرات قبل نحو اسبوعين، وانه اجرى اكثر حتى الان اكثر من ثماني مناظرات تجريبية، امتدت كل واحدة منها الى قرابة الساعتين، لعب فيها صديقه السناتور الجمهوري عن ولاية اوهايو روب بورتمان دور اوباما.
المناظرة الرئاسية الاولى ستنعقد في مدينة دنفر في ولاية كولورادو يوم الاربعاء، وستمتد لساعة ونصف الساعة، وتنقسم الى ستة اقسام، طول كل واحد منها 15 دقيقة. يسأل المحاور، وهو في المناظرة الاولى الاعلامي جيم ليهرر، سؤالا، ويعطي كل من المرشحين دقيقتين للاجابة، ثم يخوض في حوار مع الاثنين لاستكمال الوقت المتبقي.
ومن المقرر ان تتركز المناظرة الاولى حول شؤون الولايات المتحدة، فيما تتركز الثانية، التي تنعقد في نيويورك في 16 اكتوبر وتديرها الاعلامية في قناة «سي ان ان» كاندي كراولي، حول السياستين الداخلية والخارجية. اما المناظرة الثالثة، التي تتناول السياسة الخارجية حصرا، فتنعقد في 22 اكتوبر في ولاية فلوريدا ويديرها الاعلامي بوب شيفر.
بدورها، تنعقد مناظرة نائب الرئيس في 11 اكتوبر في ولاية كنتاكي، وتديرها الاعلامية مارثا راداتز، وتتناول شؤونا داخلية وخارجية.
وعلى الرغم ان اوباما متحدث بارع، ومعروف عنه بداهته وسعة اطلاعه، وهو سبق ان عمل بروفيسورا للقانون في اهم الجامعات الاميركية في مدينته شيكاغو، الا ان مساعدي الرئيس يخشون انه -- وبسبب غزارة معلوماته -- يشت احيانا عن الموضوع ويتحدث بتفصيل قد يدفع المتابعين الى الملل من دون ان تصلهم الفكرة.
مساعدو اوباما كانوا اعلنوا مرارا انهم يرجحون ان يقدم رومني اداء جيدا في المناظرة، وان مهمة اوباما لن تكون سهلة. 
وفي خضم حديثهم عن تاريخ المناظرات الرئاسية، يستعيد مساعدو اوباما تلك التي حصلت بين المرشح الرئاسي الديموقراطي السابق السناتور جون كيري، الذي كان يتفوق بما لا يقاس بمعلوماته على الرئيس السابق جورج بوش صاحب المعلومات الشحيحة والهفوات الكلامية الكثيرة. الا ان بوش استعد للمناظرات جيدا، وتاليا لم يمنح كيري فرصة للتقدم عليه شعبيا.
وفي كتابة «جرأة الفوز»، يروي اليد اليمنى لاوباما دايفيد بلوف انه اثناء حملة العام 2008، امضى اوباما اياما في اوتيل في فلوريدا حيث تدرب على المناظرات طيلة يوم بأكمله لمواجهة المرشح الجمهوري السناتور جون ماكين. وليل ذلك اليوم، اجرى اوباما تدريبا على مسرح متطابق للذي كان يستعد لمبارزة ماكين عليه، وكانت الحملة اعدت المسرح التدريبي المتطابق خصيصا حتى «يألف اوباما» الصورة قبل دخوله المناظرة الفعلية.
ذلك كان العام 2008، عندما كان من الايسر للسناتور اوباما الاعتكاف عن حملته لساعات، او يوم او اكثر، والتفرغ للتدرب على مناظرته الرئاسية. اما اليوم، فاوباما يعمل رئيسا للولايات المتحدة، وهو واحد من اكثر الاعمال المتطلبة في العالم.
انشغالات الرئيس هذه عطلت اوباما عن تدريباته للمناظرة الرئاسية الاولى، على حد قول الناطقة الاعلامية باسم حملته جن باساكي، التي قالت للصحافيين ان اوباما يعمل على ايجاد توازن بين « ادارة شؤون العالم، وحكم (البلاد)، والقيام بحملته الانتخابية». وتابعت باساكي ان هذه الانشغالات «تسببت في تقليص الوقت المخصص للرئيس لتركيز اجاباته وتقصيرها والابتعاد عن عادته في اعطاء اجابات مستفيضة ومفصلة».
هكذا، من المتوقع ان يتوجه اوباما الى مخيمه التدريبي في احدى ضواحي لاس فيغاس، بعد غد الاحد،حيث سيعقد بعض الاجتماعات الرئاسية الضرورية، مثل اطلاعه اليومي على تقارير الاستخبارات وتقارير حول الاقتصاد، ولكنه عدا عن ذلك من المقرر ان يجري ثلاث مناظرات تدريبية، هذا في حال لم تطرأ اي ازمات، على حد قول باساكي، التي قالت انه في الايام الماضية، اضطر الرئيس الى تعطيل جلساته التدريبية بسبب «احداث في الشرق الاوسط».

أوباما يتقدم في ولايات الجمهوريين أيضا

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في حال السباق الرئاسي، وقبل 39 يوما من الانتخابات الرئاسية و«الكونغرسية» المقررة في 6 نوفمبر المقبل، اظهرت احدث استطلاعات الرأي الاميركية ان الرئيس باراك اوباما بات يتقدم على منافسه من الحزب الجمهوري ميت رومني حتى في الولايات المحسومة عادة لمصلحة الجمهوريين، مثل ولايات الجنوب الاباما واريزونا وكنتاكي ونبراسكا واوكلاهوما وتينيسي وساوث كارولينا. 
في ساوث كارولينا، التي فاز بها المرشح الجمهوري جون ماكين بفارق 8 نقاط مئوية في عز صعود نجم اوباما في انتخابات العام 2008، تظهر الارقام ان الرئيس الاميركي اليوم اقترب من تفجير مفاجأة، وانه صار يتقاسم اصوات الولاية مناصفة مع رومني، ما دفع الماكينة الانتخابية الجمهورية الى المسارعة لشراء كمية كبيرة من الوقت الاعلاني لبث دعاية الحزب الانتخابية ومحاولة الحفاظ على اصوات الولاية في مصلحتهم.
بدروه، يقول ابرز المتابعين للارقام الانتخابية المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» نايت سيلفر ان «الاسبوع الحالي هو الذي سيظهر ان كان تقدم اوباما شعبيا في الاسابيع الماضية هو نتيجة للمؤتمر الديموقراطي وتاليا سينحسر، ام ان التقدم اكثر ثباتا وسيستمر من تلقاء نفسه».
سيلفر، الذي يكشف انه بنى برنامجا خاصا على الكومبيوتر يلقنه احدث الارقام، يقول ان البرنامج يظهر ان حظوظ فوز اوباما بالانتخابات هي 80 في المئة، مقابل 20 بالمئة فقط لرومني. وبلغة مكاتب المراهنات الرياضية، حسب سيلفر، «اوباما مرشح للفوز على رومني بنسبة اربعة الى واحد».
كذلك اجرى سيلفر مقارنة تاريخية مستخدما كل ارقام استطلاعات الرأي المتوافرة في الانتخابات الرئاسية والتي تعود الى العام 1936، وجد بموجبها ان في 17 من اصل 18 مسابقة انتخابية، فاز المرشح الذي كانت ارقام الاستطلاعات تظهر تقدمه على منافسه قبل 40 يوما من العملية الانتخابية.
ويعزو بعض الخبراء التراجع السريع في شعبية رومني الى التحسن الاقتصادي الذي يطرأ على الاقتصاد الاميركي، فيوم اول من امس، اظهر «مقياس ثقة المستهلك» في الولايات المتحدة ارتفاعا غير متوقعا، الى اكثر من سبعين نقطة، وذلك للمرة الاولى منذ سبعة اشهر. وكان المقياس نفسه سجل 61 نقطة الشهر الماضي.
ويعزو «المقياس» الارتفاع في الثقة الى علامات تحسن بدأت تطرأ على قطاع المنازل، في وقت اظهرت التقارير الفيديرالية ارتفاع اسعار المنازل التي تم بيعها في شهر يوليو بنسبة صفر فاصلة اثنين في المئة، تضاف الى ارتفاع في الشهر الذي سبقه بواقع صفر فاصلة ستة في المئة.
كذلك تحدث الخبراء الاقتصاديون عن تحسن كبير في سوق الاسهم، وعزوا ذلك الى اعلان «بنك الاحتياطي الفيديرالي» نيته شراء 40 مليار من سندات الاسهم شهريا «حتى اشعار آخر، وهذه خطوة متوقع ان تؤدي الى خفض في نسبة البطالة التي تبلغ 8 في المئة حاليا. وبسبب هذا الاعلان، شن الجمهوريون حملة سياسية عنيفة على رئيس البنك بن برنانكي، واتهموه باعلان خطوته على خلفية سياسية من اجل تحسين حظوظ اوباما الانتخابية.
التحسن الاقتصادي كان دفع رومني الى اعلان «بداية جديدة» لحملته، ورفض حصر تركيزها من الآن وصاعدا بالشأن الاقتصادي فحسب. 
لكن حملة رومني لم تكد تحقق اي تغيير في استراتيجيتها حتى انهالت عليها المصائب الواحدة تلو الاخرى، معظمها بسبب شخصية رومني نفسه وكثرة هفواته، التي كانت اولها في شريط يعود الى شهر مايو ظهر فيه المرشح الجمهوري وهو يقول ان 47 في المئة من الاميركيين يعيشون على ظهر الحكومة، ولا يدفعون الضرائب، وانهم تاليا لن يصوتوا له، وانه بدوره لن يعمل على اقناعهم عكس ذلك.
تلا الشريط مقابلة اطل بها رومني عبر برنامج «ستون دقيقة» الشهير، مطلع هذا الاسبوع، وتعثر خلالها اثناء اجابته حول سؤال «اي من الاعفاءات الضريبية» هي التي سيتخلص منها من اجل سد عجز الموازنة، خصوصا ان رومني يعد، في حال انتخابه رئيسا، بتخفيض ضرائب دخل جميع الاميركيين الى 20 في المئة فقط. 
في برنامج «60 دقيقة»، قال رومني انه لا ينوي الخوض في تفاصيل «اغلاق الثغرات» في الاعفاءات الضريبية، وتابع انه سيتخذ قراره بعد استشارة الديموقراطيين في الكونغرس، وهو ما دفع بالمعلّقين الجمهوريين الى مهاجمته بعنف، اولا لعدم المامه بتفاصيل الخطة التي يقترحها، وثانيا لاعلانه انه ينوي «المساومة» مع الديموقراطيين، وهو امر يعده الجمهوريون من «كبائر» الخطايا في السياسة التي ينتهجونها.
كذلك، يبدي الجمهوريون، وخصوصا المحافظين من بينهم، امتعاضهم من «تمييع» اوباما للمرشح على لائحته لمنصب نائب الرئيس عضو الكونغرس بول رايان. ويقول الجمهوريون انهم توقعوا ان ينجح رايان في دفع رومني نحو تبني سياسة اكثر يمينية وتقديمها بالتفصيل للناخبين، الا ان ما حدث هو فرض رومني نفسه على نائبه، الذي تراجع حضوره المحبب لدى معظم اليمينيين.
في وسط هذا الغضب اليميني ضد رومني، يتواصل هجوم اكثر الجمهوريين شهرة، مثل صاحب مطبوعة «الجمهورية الجديدة» بيل كريستول، وهو يعتبر «الاب الروحي للمحافظين الجدد». ويكرر كريستول هجومه ضد رومني وحملته لاعتقاده ان الاثنين لا يتمتعان بالكفاءة الكافية للخوض في معركة انتخابية رئاسية، وانهما لم يقدما للناخبين الاميركيين، وخصوصا الجمهوريين منهم، خطط عمل واضح ومفصلة، وان ذلك سيكلف الحزب الانتخابات برمتها، وسيلطخ صورة الحزب عموما، وسيضعف من تأييده في الشارع الاميركي.
في وسط كل هذه الاخبار السيئة في معسكر رومني، لا يأتي تقدم اوباما شعبيا حتى في الولايات «الحمراء»، اي المحسوبة على الجمهوريين مفاجئا، وينقلب الحديث حول الانتخابات من محاولة معرفة من سيكون رئيس البلاد للسنوات الاربع القادمة، الى محاولة تنبؤ «حجم المذلة» التي سيلحقها اوباما وحزبه الديموقراطي برومني وحزبه الجمهوري.

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

أحمدي نجاد في “وول ستريت”

حسين عبد الحسين

يروي احد الدكاترة في “الجامعة الاميركية في بيروت” انه يوم كان تلميذا في الخمسينات، نظم الطلاب والهيئة التعليمية للجامعات العامة والخاصة تظاهرة كبيرة كان هدفها الضغط على الحكومة من اجل تحسين ظروف المعلمين والبرامج والمرافق في “الجامعة اللبنانية”. ويقول: “كانت التظاهرة سلمية وحضارية وهتفت مطالبة بتحسين وضع التعليم العالي، ولما وصلنا مجلس النواب في قلب بيروت، تحولت الهتافات الى شتائم بحق (رئيس لبنان الراحل) كميل شمعون وحلف بغداد، ودعم (لرئيس مصر الراحل جمال) عبدالناصر”.

هذه الرواية تلخص قصة بعض الحركات الثورية حول العالم: تبدأ نبيلة وحضارية، ثم ما تلبث ان تتحول الى كارثة، ويدخل المسؤولون عن تنظيمها في متاهات السياسة، ويأخذون جانب فريق ضد آخر، فتتحول حركتهم من ثورة في مصلحة الاكثرية الى حزب فئوي يناصر هذا السياسي او ذاك.

هذه حال “حركة احتلال وول ستريت” التي اندلعت في نيويورك وواشنطن العام الماضي واحتفلت بذكرى سنة على قيامها في منتصف الشهر الحالي.

الحركة بدأت عفوية، وصبت جام غضبها على اثرى اثرياء الولايات المتحدة، او من تسميهم “الواحد في المائة” من الاميركيين ممن يجلسون على قمة الهرم الطبقي. وقدمت الحركة افكارا متعددة لفتت انتباه اكاديميين وسياسيين جديين ممن ايدوها في المبدأ.

البروفسورة في جامعة “ام آي تي” المرموقة اندريا كامبل نشرت في العدد الاخير لدورية “فورين افيرز” دراسة مثيرة للاهتمام حملت عنوان “اميركا حيث الضرائب اقل”. واستندت الدراسة الى عدد من الابحاث حول الضرائب اعدها خبراء من المتأثرين بشعارات “حركة احتلال وول ستريت”.

وجاء في الدراسة ان اميركا، صاحبة اكب مدخول للفرد في العالم، تحتل نسبة ضرائب الدخل فيها المرتبة ما قبل الاخيرة في مجموعة دول “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” البالغ عددهم 34.

وتظهر دراسة كامبل ان “الواحد في المائة” من الاميركيين يدفعون معدل ضرائب دخل تبلغ 22 في المائة، وانه لو رفعت الحكومة الاميركية ضريبة هؤلاء الى 29 في المائة، لحصلت على مبلغ يوازي واحد في المائة من الناتج المحلي السنوي للبلاد، وهو مبلغ هائل ومن شأنه ان يساهم في ايجاد حلول لازمة المديونية التي تغرق فيها واشنطن.



لا شك ان نتائج هذه الدراسة القيمة، ودراسات اقتصادية ومالية متعددة اخرى في اميركا، تأثرت بـ “حركة احتلال وول ستريت” وشعاراتها. المشكلة ان هذه الحركة لم تتمكن من الالتزام بخطها الرئيس، الاقتصادي – المعيشي، بل توغلت بكل بلاهة في متاهات سياسية لا تفقه منها الكثير.

من باب اخطاء الحركة السياسية ارسالها ثلاثة من الاساتذة الجامعيين المشاركين بها في زيارة الى طهران، اذ سافر، في نيسان الماضي، كل من الدكاترة أليكس فيتالي، من “كلية بروكلين”، وهيثير غوتني، من “جامعة فوردهام”، وجون هاموند، من “جامعة مدينة نيويورك” الى العاصمة الايرانية، وعقدوا لقاءات مع المسؤولين هناك للتباحث حول شؤون حركتهم.

وفي اثناء حلولهم ضيوفا على النظام الايراني، وجهوا دعوة الى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لزيارة معقلهم في منتزه باتري في مدينة نيويورك اثناء زيارته الولايات المتحدة للمشاركة في اعمال الجمعية العامة “للامم المتحدة”.

طبعا لم يكن متوقعا ان يفوت الرئيس الايراني هذه الفرصة، ومن المتوقع ان يتوجه للقاء افراد “حركة احتلال وول ستريت” في اي وقت، حسب مصادر في شرطة المدينة التي يقول مسؤولوها انهم بدأوا بالعمل على ترتيبات الزيارة امنيا.

لماذا تدخل حركة صاحبة مبادئ معيشية واقتصادية بعضها محق، مثل “احتلال وول ستريت”، في شؤون سياسية دولية لا تفقهها ومن شأنها ان تضعضع صورتها وان تفتح المجال لمنتقديها بشن هجوم عليها؟ الاجابة موجودة لدى معظم الثوريين حول العالم الذين، على حسب المثال الشامي، “ذهبوا ليزينوا شعورهم، فوجدوا انفسهم يقلعون اسنانهم”.

كيري يهدّد بوقف المساعدات لبغداد إذا استمرت في السماح بمرور شحنات السلاح الإيرانية إلى الأسد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

هدد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الديموقراطي جون كيري بوقف المساعدات الاميركية الى العراق، التي بلغت مليارا و700 مليون دولار العام 2012، اذا استمرت بغداد في السماح بمرور شحنات السلاح الايرانية في المجال الجوي العراقي في طريقها الى نظام بشار الاسد في سورية.
في هذه الاثناء، اعتبرت دراسة اصدرها «معهد دراسة الحرب»، اول من امس، ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يسيطر على السلطة في بلاده الى درجة قد تطعن في نزاهة انتخابات «مجلس النواب» المقررة العام المقبل.
وفي قاعة الشؤون الخارجية في «مبنى ديركسون»، المجاور لمبنى «الكابيتول» مقر الكونغرس، وجّه كيري، أول من أمس، انتقادات قاسية الى الادراة الاميركية اثناء جلسة استماع عقدتها اللجنة من اجل الموافقة على تعيين روبرت بيكروفت سفيرا في بغداد.
بيكروفت، الذي يعمل قائما للاعمال في سفارة بلاده في العراق، زار العاصمة الاميركية خصيصا من اجل عملية تثبيته سفيرا بالاصالة، وقال: «تحاورت شخصيا مع اعلى مراتب الحكومة العراقية حول هذا الموضوع». واضاف: «زملائي في بغداد خاضوا في حوارات حول هذا الموضوع، وسنستمر في الحوار، وكل زائر يمثل الحكومة الاميركية، من مجلس الشيوخ، ثلاثة منهم أخيرا، الى مسؤولي الادارة، اثاروا هذا الموضوع مع العراقيين وجعلوا من الواضح جدا اننا نجد (نقل السلاح عبر المجال الجوي العراقي) غير مقبول، ونجده لا يساعد ومضرا للعراق وللمنطقة، وطبعا، اولا واخيرا، (مضر) للشعب السوري». وتابع: «يجب ان يتوقف (نقل السلاح)، ونحن نضغط، وسنستمر في الضغط حتى يتوقف». 
هنا اجاب كيري: «قد يتوقف (نقل السلاح) عندما يصبح الامر متأخرا جدا... اذا حاول كل هؤلاء (من المسؤولين الاميركيين) مطالبة الحكومة العراقية بوقف الشحنات ولم تتوقف، لا يبدو ان لحواراتنا معهم اي تأثير». واضاف: «هذا ينبهني الى انه ربما علينا ان نرسل اشارات قوية ان مساعداتنا ودعمنا يعتمدان على نوع من الرد الايجابي (من قبل الحكومة العراقية)».
ثم ارتفعت نبرة السناتور المخضرم، واحد المرشحين لخلافة هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية في حال فوز الرئيس باراك اوباما بولاية ثانية، وقال: «يعني يبدو انه من غير اللائق ابدا اننا نحاول مساعدتهم في بناء ديموقراطيتهم، ودعمهم، وتعريض ارواح اميركيين للخطر، وضخ اموال في البلد، وهم يعملون ضد مصالحنا بطريقة مكشوفة الى هذه الدرجة، وضد مصالحهم كذلك».
التوجس الاميركي من الازمات التي تعصف بالديموقراطية العراقية وتهددها بالتحول الى ديكتاتورية تحت سلطة المالكي كان حاضرا ايضا في الدراسة التي حملت عنوان «الحكم بحق (نائب الرئيس العراقي طارق) الهاشمي وصحة الديموقراطية العراقية».
وجاء في الدراسة ان «حصر السلطة بيد المالكي والدائرة الصغيرة المحيطة به، خصوصا من خلال تسييس القضاء، تثير الريبة خصوصا لناحية امكانية حصول انتخابات حرة ونزيهة في العام 2013، وما بعد ذلك، وتلقي بظلال الشك على صحة الديموقراطية العراقية».
واعتبرت ان «الحكم بحق الهاشمي هو الاكثر وضوحا في لائحة طويلة من الامثلة على تسييس النظام القانوني العراقي على يدي المالكي»، مضيفة انه «تكرارا، مارس رئيس الحكومة الضغط على كبرى المؤسسات القضائية، المحكمة العليا ومجلس القضاء الاعلى، من اجل اصدار احكام من شأنها ان تعزز سلطته وسلطة حلفائه على حساب منافسيه». 
هذه الاحكام تتضمن، حسب الدراسة، «الحكم الصادر عن المحكمة العليا في مارس 2010، والذي سمح باعتبار تحالف المالكي، ما بعد الانتخابات، اكبر كتلة برلمانية، وتاليا تسلم الحكم على حساب اكبر كتلة حسب الانتخابات، اي العراقية». وتتضمن الاحكام المسيسة كذلك، حكما صادرا عن «مجلس القضاء الاعلى في يوليو 2010 والقاضي بأن التشريعات الجديدة يمكن اقتراحها عن طريق الحكومة او الرئيس، ولكن ليس عن طريق البرلمان، واشتراط ان مؤسسات العراق المستقلة، هيئتي النزاهة والانتخابات والمصرف المركزي، تتبع مباشرة للحكومة».
واضافت الدراسة، التي اعدها المتخصص في الشأن العراقي ستيفن ويكن، انه في الوقت الذي عمل المالكي على تعزيز سلطته عن طريق السيطرة على القضاء، لم يبد هو نفسه مهتما جدل بالقوانين كما كان واضحا اثناء فرز اصوات الانتخابات في العام 2010. 
«كذلك نشرت منظمات حقوق الانسان تقارير متكررة حول الاعتقال الاحترازي غير القانوني بحق الاف الافراد، والذي غالبا ما يتم من دون حتى ابلاغ المعتقل عن الاتهامات الموجهة اليه»، تقول الدراسة وتضيف: «هذا فضلا عن الاعدامات التي تتم في بلد يعتمد نظامه القضائي على الاعترافات، التي غالبا ما يتم انتزاعها بالقوة».
كما لفتت الدراسة الى استخدام المالكي للجيش في ارهاب منافسيه السياسيين، من قبيل ارسال دبابات وجنود لمحاصرة منزل الهاشمي ابان صدور مذكرة التوقيف في حقه، واعتقال مرافقيه وتعذيبهم حتى ان احدهم قضى تحت التعذيب الذي مارسه جنود المالكي بحقه.





صعود أوباما شعبياً يدعم الديموقراطيين في «الشيوخ» ... وليس «النواب»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قبل 45 يوما من انتخابات الرئاسة والكونغرس المقررة في 6 نوفمبر المقبل، تظهر احدث استطلاعات الرأي الاميركية ان صعود شعبية الرئيس باراك اوباما تنعكس ايجابا على معركة حزبه الديموقراطي للمحافظة على الغالبية التي يتمتع بها في مجلس الشيوخ.

على ان الصعود الديموقراطي لا ينعكس في انتخابات مجلس النواب، حيث تؤكد معظم الاستطلاعات احتفاظ الحزب الجمهوري بالاكثرية، ومرد ذلك لسببين.

الاول، هو سيطرة الجمهوريين على المجلس في سنة 2010 التي تم اجراء الاحصاء السكاني فيها، حسب الدستور الذي يلزم اجراؤه مرة كل عشر سنوات. بعد كل احصاء، يقوم الكونغرس باعادة رسم الدوائر الانتخابية لتعكس التغيرات السكانية في البلاد، وبما ان الجمهوريين يسيطرون على الكونغرس الحالي، فهم قاموا باعادة توزيع المناطق الانتخابية في الولايات بما يضمن استمرار تفوقهم انتخابيا في المدى المنظور.

السبب الثاني لاستمرار تقدم الجمهوريين في انتخابات الكونغرس يعود الى صغر الدوائر الانتخابية بالقياس الى دوائر مجلس الشيوخ، حيث تجرى الانتخابات على صعيد الولاية بأكملها في كل واحدة من الولايات الخمسين، التي تحصل كل منها على مقعدين بغض النظر عن عدد سكانها. بدورها، تحتاج انتخابات الرئاسة الى تحالفات واسعة لمجموعات تحمل اراء سياسية مختلفة، واحيانا متناقضة، لانها تشمل البلاد بأكملها.

اما انتخابات الكونغرس، التي تقام كل عامين، فتجري على نطاق ضيق، وهو ما يعطي الحركات الحزبية وخصوصا المتطرفة منها، مثل «حفلة الشاي» داخل الحزب الجمهوري، قوة اكبر، وتتحول القضايا الوطنية الى نزاعات محلية، وهذه ان اضيف اليها التمويل الانتخابي المتفوق للجمهوريين، تصبح سيطرتهم على الكونغرس مفهومة.

اما مجلس الشيوخ، فالمعارك لنيل مقاعده تحمل طابعا وطنيا اوسع، فاذا ما كانت القواعد الحزبية متحفزة، كما هي حال الديموقراطيين اليوم الذين يستعدون لخوض معركة للمحافظة على البيت الابيض لولاية ثانية، تنعكس الارقام الرئاسية على استطلاعات الرأي لانتخابات الشيوخ. لذا، وقف الديموقراطيون يتأملون بحسرة تقلص حجم غالبيتهم من 60 سناتورا العام 2008، الى 53 فقط على اثر هزيمة حزبهم في انتخابات الكونغرس في 2010.

وعلى الوتيرة نفسها، كان الديموقراطيون يرتعدون لدى رؤيتهم الانحدار في شعبيتهم في مجلس الشيوخ في يناير عندما كانت الارقام تشير الى فوز الجمهوريين بـ 47 مقعدا، مقابل 45 لهم، وثمانية تجري فيها معارك يصعب تحديد الفائر فيها. ذلك كان يعني انه حتى لو فاز الديموقراطيون بالمقاعد الثمانية المتأرجحة، فانهم سيحافظون بالكاد على كتلة 53 سناتورا التي يملكونها حاليا.

لكن هذه الترجيحات بدأت تأخذ منحى مختلفا مع اواخر شهر مايو الماضي، حيث سجلت تقدمهم للمرة الاولى منذ العام 2008، ورجحت فوزهم بـ 47 مقعدا، مقابل 46 للجمهوريين و7 غير محسومة.

ويوم السبت الماضي، اشارت الارقام للمرة الاولى ان الديموقراطيين سينالون 48 مقعدا في مجلس الشيوخ، مقابل 44 للجمهوريين، ومعارك متوقعة لحسم 8 مقاعد، منها واحد في ولاية ماساشوستس ذات الاغلبية الديموقراطية الساحقة، وآخر في ولاية كونيتيكت الديموقراطية كذلك، وفي نيفادا، حيث الماكينة الانتخابية القوية لزعيم الغالبية الديموقراطية السناتور هاري ريد. وهذه الحسابات ان صدقت، تعني ان الحزب الديموقراطي سيحصد على الاقل 51 مقعدا في مجلس الشيوخ، وهو ما يكفي للمحافظة على الغالبية حتى العام 2014، لان مجلس الشيوخ ينتخب ثلث اعضائه كل سنتين فيما ولاية كل سناتور ست سنوات.

في انتخابات هذه السنة، سجل صديق اوباما المرشح عن ولاية فيرجينيا تيم كاين تقدما عوض به عن تأخره، وتشير الارقام الى حصوله على 48 في المئة من الاصوات مقابل 45 لمنافسه الجمهوري تيم الان. ولا يخفى ان تقدم كاين يأتي في الوقت الذي صارت الاستطلاعات تشير الى ابتعاد اوباما بثماني نقاط مئوية عن منافسه الجمهوري ميت رومني في الولاية نفسها، بعدما تقاسم المرشحان الرئاسيان، كما المرشحان الى مجلس الشيوخ، الشعبية على مدى الاشهر القليلة الماضية.

مرشحة اخرى صديقة للرئيس ومقربة جدا منه، هي اليزابيت وارن، تحاول استعادة مقعد آل كينيدي في ولاية ماساشوستس، والذي شغله السناتور الراحل تيد، شقيق الرئيس جون كينيدي، من العام 1962 وحتى وفاته في العام 2009، عندما انتزعه المرشح الجمهوري سكوت براون بمفاجأة من العيار الثقيل كانت مقدمة للهزيمة القاسية التي تعرض لها الديموقراطيون في انتخابات 2010.

وفي ولاية ويسكونسن، تتقدم الديموقراطية تامي بالدوين على منافسها الجمهوري توم تومسون بستة نقاط، 49 مقابل 43، بعدما كان تومسون متقدما لفترة طويلة حتى مطلع هذا الشهر. ويعتقد بعض المحللين ان قيام احد مستشاري تومسون بتوجيه النقد الى بالدوين كونها سحاقية انعكس سلبا على حظوظ معلمه الذي تشهد ارقامه انهيارا مع مرور الايام.

في ولاية اوهايو المتأرجحة، التي يأمل اوباما الفوز بها حتى يتمكن من حسم السباق الرئاسي، القى محرك الجمهوريين خلف الكواليس كارل روف بثقله خلف مرشح الحزب الى مجلس الشيوخ جو ماندل، البالغ من العمر 34 عاما فقط. ومع ان ماندل انفق 25 مليون دولار في شن حملة تقذيع تلفزيونية ضد السناتور الديموقراطي عن الولاية شيرود براون، الذي يسعى للاحتفاط بكرسيه، واسعفه روف بـ 18 مليون دولار اخرى للمزيد من الهجوم على الديموقراطيين بالولاية، الا ان الفارق ما يزال سبع نقاط مئوية لمصلحة المرشح الديموقراطي. حجم الانفاق الانتخابي دفع المراقبين الى اطلاق لقب «الانتخابات الكونغرسية الاكثر تكلفة في تاريخ اميركا» على معركة اوهايو.

ختاما، برزت الاخطاء المتكررة للجمهوريين في ولاية ميسوري الجنوبية، ذات الغالبية السكانية المؤيدة للحزب الجمهوري. هناك، اجمع الخبراء على انه من الصعب ان تنجح السناتور الديموقراطية كلير ماكاسكيل في الحفاظ على مقعدها بوجه المرشح الجمهوري تود ايكين، الذي كان يتقدمها في الاستطلاعات بـ 11 نقطة مئوية مع حلول منتصف اغسطس.

الا ان ايكين قال جملته الشهيرة ان النساء اللواتي تغتصبن لا يحملن لان اجسامهن تمنع ذلك طبيعيا، وهو ما ادى الى انقلاب حتى الحزب الجمهوري عليه، وطلبت قيادة الحزب منه الانسحاب من السباق، واوقفت الاموال التي كانت تساهم بها دعما لحملته. اما اليوم، فتتقدم ماكاسكيل بستة نقاط مئوية فيما يبدو انها رحلة لطيفة لتحقيق النصر والاحتفاظ بمقعدها لدورة ثانية.

وفيما تبتسم استطلاعات الرأي للحزب الديموقراطي للمحافظة على غالبيته في مجلس الشيوخ، لا يعد هكذا نصر بالكثير، فالحزب يسيطر على المجلس منذ العام 2006، وهو لم ينجح كثيرا في تمرير مشاريع اوباما نظرا للمعارضة والعناد الجمهوري في الكونغرس، حيث يتم القضاء على معظم تشريعات اوباما ومجلس الشيوخ.

لكن رغم تواضع الانتصار في حال نجاح الديموقراطيين في المحافظة على الرئاسة والشيوخ، فان ذلك سيكون اضعف الايمان لحفظ ماء الوجه في ولاية ثانية يمسك فيها الحزب بالبيت الابيض. 

استطلاع المعهد الجمهوري الأميركي: غالبية المعارضين السوريين تؤيد دولة مدنية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
تؤيد الاكثرية الساحقة للمعارضين السوريين قيام دولة مدنية، مبنية على قضاء عادل ونزيه ومستقل، تحترم المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الاثنية او المذهب او الجنس، او المعتقد الديني او السياسي، حسبما اظهر احدث استطلاع للرأي اجراه «المعهد الجمهوري الدولي» في واشنطن، وشمل 1168 معارضا، منهم 315 داخل سورية.
وجاء في الاستطلاع ان اكثرية المستفتين يؤيدون «فرض حظر جوي» على سورية كأولى اولياتهم، يلي ذلك في سلم الاولويات «استخدام القوة العسكرية لاقامة ممرات انسانية او مناطق آمنة»، ثم «تسليح وتدريب الجيش السوري الحر»، ثم «دخول (عسكري اجنبي) الى سورية لحماية المدنيين»، فـ «اجتياح سورية لاسقاط نظام (الرئيس السوري بشار) الاسد».
اما معارضي التدخل العسكري من المعارضين السوريين فحلوا في المرتبة الاخيرة في الاستطلاع بمعدل 2 فاصلة ثلاثة وستين نقطة من اصل سبعة.
ويعتقد 54 مئة من المعارضين السوريين ان على تركيا قيادة التحالف الدولي للتدخل العسكري في سورية، تليها السعودية و«تحالف الاطلسي» بـ 41 في المئة لكل منهما، ففرنسا بـ 40 في المئة، وقطر 36 في المئة والولايات المتحدة 34 في المئة.
اما الدول التي يجب استثناءها من اي تحالف عسكري دولي يتدخل في سورية، فتصدرتها اسرائيل بـ 79 في المئة، تلتها روسيا بـ 78 والصين بـ 74 في المئة.
وورد في مقدمة الاستطلاع، الذي اجري بين 2 يونيو و2 يوليو، انه «فيما خص مكانة الدين في الدستور (ما بعد الاسد) والحياة العامة، اظهر المستفتون اكبر دعمهم لنظام يحترم الدين، ولكنه لا يعطي الاولوية لاي وجهة نظر دينية، وحاز هذا النموذج على 5 نقاط فاصلة 23 من اصل سبعة». واضافت المقدمة: «والجدير بالذكر ان لا اجماع على هذه النقطة، اذ ان النموذج الثاني الاكثر شعبية هو دستور يعتمد على الاسلام بـ 4 نقاط فاصلة 43 من اصل سبعة».
ويرى دايفيد بولوك، الخبير في معهد بروكينغز، ان نتائج الاستطلاع مشجعة، اذ انها «تظهر ان اكثرية الناشطين في المعارضة السورية بيعدون كل البعد عن التطرف الاسلامي»، وانهم «يدعمون بقوة التسامح الديني، والمساواة امام القوانين، واحترامهم لحرية الرأي ونيتهم كتابة دستور يتطرق الى الاديان باحترام ولكنه مدني».
ويتابع بولوك ان النتائج تظهر ايضا ان السوريين يتطلعون الى تبني النموذج الغربي او الاسلامي المعتدل في سورية ما بعد الاسد، «فيما يرفضون نماذج العربية السعودية وخصوصا ايران». ويضيف: «وهم يريدون كذلك ان يساعدهم الغرب، فيما لا يطلبون جنودا على الارض».
ويختم الخبير الاميركي: «ان القول ان تقديم يد العون الى المعارضة السورية سيؤدي الى استبدال ديكتاتورية الاسد العلمانية والعدوانية بواحدة اسلامية وعدوانية كذلك هو قول لا يتناسب مع نتائج الاستطلاع».
وفي الاستطلاع ايضا ان 34 في المئة من المستفتين يعتبرون ان «الجيش السوري الحر هو الممثل الاكثر شرعية للشعب السوري»، فيما رأى 23 في المئة ان «المجلس الوطني السوري» هو الذي يمثلهم، وحلت ثالثا «لجان التنسيق المحلية» بـ 14 في المئة، فـ «الهيئة العامة للثورة السورية» رابعة بـ 12 في المئة.
لمرحلة ما بعد الاسد، عبر 40 في المئة من المستطلعين عن رغبتهم في رؤية قيام حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات، فيما اعتبر 36 في المئة ان على سورية ان تنتخب مجلسا وطنيا يشرف على التحضير للانتخابات، على غرار التجربة التونسية، وتبنى 16 في المئة النموذج المصري معتبرين ان على السوريين كتابة الدستور بعد الانتخابات البرلمانية، فيما قال 6 في المئة ان على السوريين انتخاب برلمانهم «فور سقوط الاسد».
بيد ان المعارضين قالوا ان اولى الاولويات لمرحلة ما بعد سقوط الاسد هي انشاء جسم قضائي عادل ومستقل بوسعه ان يقدم محاكمات عادلة للمتورطين من نظام الاسد بجرائم حرب بحق السوريين منذ اندلاع الثورة الشعبية المطالبة برحيل الرئيس السوري في مارس من العام الماضي. «في نفس الوقت»، حسب خلاصة الاستطلاع، «شدد كثيرون على اهمية القصاص السريع: اي فكرة معاقبة مجرمي الحرب من دون ان يؤدي سير العملية القضائية الى اي تأخير».




الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

سوريا الأسد


حسين عبد الحسين

كان المؤرخ الراحل كمال الصليبي يروي في مجالسه الخاصة، أن الفتيات السوريات كن يأتين الى لبنان من منطقتي جبال العلويين ووادي النصارى المجاور، في الشمال الغربي لسوريا، للعمل في خدمة المنازل. ويقول الصليبي، ان ظروف معيشة السوريات كانت صعبة، فربات المنازل اللبنانيات اللواتي كن يأويهن غالبا ما كن يحلقن لهن شعورهن بالموسى، لتفادي اثارة غرائز رب المنزل. وكانت "العلية"، وهي مساحة لتخزين كل ما هو لا حاجة له، وغالبا ما تأوي زواحف وقوارض البيت، هي الغرفة المخصصة للخادمات السوريات اللواتي كن يعملن بأجور زهيدة جدا.

قد لا يتذكر الكثير من اللبنانيين اليوم ذلك الزمن يوم كانت العلويات والنصرانيات، ينزحن الى لبنان للعمل في خدمة المنازل في ظروف مذلة. لكن المشهد لم يفارق فؤاد عجمي، استاذ العلوم السياسية المتقاعد في جامعة جونز هوبكنز، حتى بعد السنين الطويلة لافتراقه عن بلده الام، لبنان، وهجرته الى الولايات المتحدة، وكأنه لا ينقص هذا الرجل صاحب المعرفة الموسوعية والأسلوب الكتابي الشيق والفريد، الا تضمين كتبه روايات من الذاكرة الشعبية، فيتحول كتابه عن الثورة السورية، الصادر مؤخرا، الى نص جميل وغني يدفع القارئ الى التمني بأن يطول الكتاب أكثر فأكثر.

في ذاكرة عجمي صورتان عن سوريا من سني صباه، فهو كلبناني من جنوب لبنان وعلى المذهب الشيعي، كانت والدته ممن يتبركون بزيارة ضريح “السيدة زينب”، اخت الحسين بن علي بن أبي طالب، في ضواحي دمشق، فكانت غالبا ما تزور وتصطحبه معها. وفي سنين شبابه، التحق عجمي بكثيرين ممن ذهبوا الى سوريا لرؤية الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، الذي وقف على شرفة دمشقية يتأمل جمهوريته العربية المتحدة التي تشكلت في العام 1958، وانفرط عقدها بعد ثلاث سنوات.

يختار عجمي ان يروي قصة “سوريا الأسد” لا سوريا عموما، وهو اختيار موفق، فحافظ الأسد حكم سوريا رئيسا لثلاثة عقود، وشارك في صناعة تاريخها لمدة عقد او اكثر قبل توليه السلطة. فالأسد الاب، على الرغم من عضويته في “حزب البعث العربي الاشتراكي” الذي كان يبشر بالوحدة العربية، كان من الناشطين لإنهاء وحدة سوريا مع مصر عبدالناصر. وفي الستينات، كان الأسد حاضرا الى جانب زميله البعثي حاكم سوريا صلاح جديد، وتبوأ الاسد مناصب قيادية كوزير دفاع ورئيس حكومة. وبعد وفاته في العام 2000، ورث ابن الاسد، بشار، حكم البلاد، وهو المنصب الذي مازال يشغله حتى اليوم.

اذن، على مدى نصف قرن، منذ انفراط الوحدة في العام 1961 وحتى اندلاع الثورة السورية في العام 2011، لعب حافظ ثم بشار الاسد دورا اساسيا في رسم احداث سوريا. لكن قبل الاحاطة بالظروف التي رافقت حكم الأسدين، وتقديم مقارنة بين شخصيتي الاب والابن وتأثير كل منها على مجريات الاحداث، يقدم عجمي لمحة عن المرحلة التي ادت الى صناعة سوريا ككيان سياسي في شكله الراهن.

ينقل عجمي عن المؤرخ الكبير متي موسى، انه مع انحسار نفوذ الانتداب الفرنسي في سوريا، قدم عدد من وجهاء الدولة العلوية عريضة الى الفرنسيين في العام 1936 تطالب باريس بالابقاء على استقلال الدولة وعدم السماح بضمها للجمهورية السورية وعاصمتها دمشق. وكان من الموقعين على العريضة، المدعو سليمان، والد حافظ الاسد.

من دون الخوض في تفاصيل “الثورة السورية الكبرى” التي اندلعت في العام 1920 ضد حكم الفرنسيين، يتوصل عجمي الى استنتاج مفاده ان الأقليات عموما كانت معادية لانخراط دويلاتها التي انشأها الفرنسيون في الجمهورية السورية، فيما كانت الأغلبية السنية من اهل المدن من اصحاب الوجاهة والاراضي الزراعية الشاسعة، والمصالح التجارية في عموم الدولة هي التي تحرض ضد مشروع الفرنسيين في الابقاء على الدويلات، وتسعى ـ غالبا بدعم بريطاني منافس ـ الى انشاء دولة عربية موحدة تضم الى سوريا المؤلفة من ولايتي دمشق وحلب، دولة العلويين في الشمال، والدروز في الجنوب، ولبنان المجاور ذات الأغلبية المسيحية.

لا شك انه لم يكن متاحا لعجمي الخوض في تفاصيل موضوع الدويلات وتوحدها، ولاحقا الوحدة مع مصر، في كتاب يهدف الى القاء الضوء على الثورة السورية الحالية، لكن يمكن للمهتمين مطالعة كتاب “الثورة السورية الكبرى” الذي اصدره في العام 2005 مايكل بروفنس، وهو اكاديمي متميز عمل في “الجامعة الاميركية في بيروت”. في كتابه، يقول بروفنس ان الاقليات كالعلويين والدروز آثروا البقاء خارج دولة دمشق، وان ثورة الدروز في الجنوب اندلعت لاسباب مختلفة عن الوحدة.

يعتقد بروفنس ان الدروز ثاروا اولا ضد محاولة الفرنسيين اخضاعهم لحكم مباشر مقارنة بما يشبه الحكم الذاتي الذي كان العثمانيون يمنحونهم اياه. ثانيا، لا بد ان قائد الثورة، سلطان باشا الاطرش الذي تلقى علوما في اسطنبول، كان متأثرا بحرب الاستقلال التي كان يخوضها في ذلك الوقت كمال مصطفى (اتاتورك) ضد الحلفاء من اجل استقلال تركيا. ثالثا، كانت تربط الاطرش وكبار مزارعي الدروز علاقات تجارية وطيدة مع وجهاء وتجار دمشق، فحوران، اي منطقة الدروز الجنوبية، كانت بمثابة مخزن القمح لاستهلاك دمشق والمناطق المجاورة، وهو ما كان يعني ان التقسيم قد يحرم الدروز من سوق كبير لانتاجهم القمحي.

لا يخوض عجمي في الاسباب التي يقدمها بروفنس، ولكنه يبني على مقتضاها، فالغالبية السنية المدينية في سوريا كانت في موقع سياسي واقتصادي واجتماعي افضل من الاقليات عموما، باستثناء اللبنانية المسيحية والتركية في سنجق انطاكية واليهودية في فلسطين. ومع اقتراب العالم من الحرب العالمية الثانية وانحسار نفوذ فرنسا وبريطانيا في المنطقة، وبما ان بعض هذه الدويلات، مثل العلوية، لم تتوافر لديها الامكانيات لادارة شؤونها بعد غياب الفرنسيين، صارت وحدة دولتي العلويين والدروز ممكنة مع سوريا دمشق وحلب.

ولكن حتى بعدما انخرطت الاقليات السورية في الجمهورية بشكلها الحالي، لم يتحول السوريون الى مجتمع متجانس بل استمر الانقسام بين الغالبية السنية الحاكمة وابناء الاقليات المحرومة، وتحولت الاحزاب الراديكالية القومية والجيش الى ادوات يمتطيها ابناء الاقليات ليقارعوا سيطرة الغالبية السنية المدينية على مقدرات الحكم والدولة.

لم تتأخر نتائج هذه المواجهة، فسوريا نالت استقلالها التام من الفرنسيين في العام 1946، وما هي الا ثلاث سنوات حتى قام سامي الحناوي باول انقلاب عسكري، وكرت السبحة من بعده وساد عدم الاستقرار السياسي لاكثر من عقدين من الزمن حتى نجح الاسد، الذي صادق الضباط، في خلع جديد، الذي خلع بزته العسكرية وصادق السياسيين، كما يقول عجمي.

“عندما وصلت أسرة الاسد الى السلطة، كانت سوريا دولة زراعية يبلغ عدد سكانها ست ملايين”، يكتب عجمي. اما مع اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، فقد “كانت البلاد قد اصبحت مدينية ووصل عدد سكانها الى 22 مليونا”. وفي العقود الأربعة الفاصلة بين التاريخين، عمل حافظ الأسد على تغيير وجه سوريا بشكل جذري حتى اختلفت كثيرا عما كانت عليه في الماضي.

ويكتب عجمي ان النظام، وقاعدته الاجتماعية، ونواته العلوية يمكن القول انهم عملوا على “ترييف” دمشق، وهذه صورة يتفق فيها مع السوسيولوجي العراقي فالح عبدالجبار، الذي يرسم صورة مشابهة لـ “ترييف” المدن العراقية، وخصوصا بغداد، ابان وصول صدام حسين وبعثه ونواته التكريتية الى الحكم في العاصمة العراقية. ويضيف عجمي: “ماديا، كان الريف يفيض الى المدينة.. وكان هناك تغيير ثقافي: وصول الفلاحين الى السلطة”.

هكذا، افرغ حافظ الأسد الدولة السورية من معناها. انشأ دولة خوف وأجهزة مخابراتية متنافسة تأمر بأوامره وحده، واستورد ثقافة عبادة الفرد من الدول الشيوعية واتكأ خصوصا، يقول عجمي، الى موضوع الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، فالأسد، من دون هذا الصراع، ليس إلا “طاغية علويا”.

يد ان تغييرات الأسد طالت حتى طائفته العلوية. ينقل عجمي عن كاتب علوي من آل وطفة قوله ان آل الأسد “عسكروا” العلويين وحولوهم الى حرس امبراطوري، وهو ما أدى الى تدهور الحالة العلمية بين ابناء هذه الطائفة، وتم افراغ المدارس من شباب الطائفة الذين تم تطويعهم في الوحدات العسكرية الخاصة والمخلصة للأسد. ومع ان العلويين هبطوا من جبالهم الى المدن، الا انهم انشأوا احياءهم غالبا في ضواحيها، ولم يختلطوا مع المدينيين من الطوائف الاخرى: “الاحياء البائسة على مداخل المدن، والتي تأوي جنودا محبطين وفقراء، هي شاهد على وضع معظم هؤلاء”.

وينقل كذلك عجمي عن وطفة قوله ان “العلويين عموما لم يراكموا ثروات، بل نشأت طبقة اقطاعية جديدة بين العلويين”، وان “الفيلات الكبيرة” لابناء الاقطاع العلوي “تزين قرى اجدادهم، ولكن الفقر المنتشر على نطاق عريض بين العلويين لم يتم تحسينه”.

وبكثير من الاناقة اللغوية، يلخص عجمي كيف صمم الأسد الأب النظام، وكيف أساء ابنه استخدامه، ويقول: “حافظ الأسد، الرجل الذي صنع هذا النظام، ادرك ان بقاءه وبقاء سيادة اقليته كان يرتبطان بوحدة طائفته العلوية وبإبقاء السنة منقسمين ومسالمين”. اما بشار، “فلم يكن لامعا” كأبيه اذ نجح في “معادة ـ وايقاظ ـ ما يكفي من الاستياء السني لتهديد سطانه”. الا أن عجمي يؤكد انه “لم يثر كل السنة ضد بشار، فموجة عارمة كان من شأنها سحق ديكتاتوريته”. ويتابع القول انه من الواضح ان “انقسامات طبقية وجغرافية” سادت الثائرين السنة في وجه حكم بشار الأسد، مما افقد الثورة الكثير من فاعليتها.

يعتقد عجمي ان بدء افول حكم الأسد بدأ قبل الثورة السورية بسنوات، وتحديدا في العام 2005 عندما اجبرت “انتفاضة الاستقلال” في بيروت، الأسد الابن على سحب جيشه من لبنان، بعد ما يقارب ثلاثين عاما من الاحتلال السوري الذي بدأ في عهد الأسد الاب. ويقول ان دمشق حصلت على تفويض عالمي في العام 1990، عندما انخرطت في صفوف التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت من جيش صدام حسين، “اللبنانيون مساكين، لديهم شجر الارز، فيما الكويت لديها نفط”، يقول عجمي مضيفا: “تمت استعادة سيادة الكويت، اما اللبنانيين فتم تركهم لقدرهم الرهيب في السجن السوري الكبير”.

يتابع عجمي ان تحالفا معارضا للاحتلال السوري للبنان، بدأ يتألف في اعقاب حرب العراق والمتغيرات الدولية، وجاءت الشرارة الأولى للمواجهة بين هؤلاء والأسد الابن ابان نهاية ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود في سبتمبر (أيلول) 2004، عندما اعلن الحريري انه يفضل كسر يده على توقيع مرسوم التمديد للحود لنصف ولاية اضافية، فاستدعى بشار الأسد، الحريري وانهال عليه بالتهديد، وفرض عليه قبوله وكتلته البرلمانية للتمديد. “لم تكن هذه طريقة ابيه في التعامل، ولكن سوريا كانت اصبحت دولة بشار”، يكتب عجمي، الذي يعتبر ان حافظ كان “سيد الاستراتيجية في دمشق.. وكان الصبر ابرز صفاته، ونجح بشكل منهجي في اخراج او تهميش اللاعبين الخارجيين الآخرين في لبنان، وترك للبنانيين سيادة وطنية فارغة”.

في شباط (فبراير) 2005، اغتيل الحريري في بيروت. يعتقد عجمي ان السوريين ضالعون بالجريمة، وان قتلة الحريري “لم يعلموا ان في ضحيتهم هذه الكمية من الدماء” التي سالت بغزارة، وان “شبح الحريري برهن انه اقوى من الرجل نفسه”.
لكن المتغيرات الدولية مرة اخرى، وخصوصا تراجع الصقور داخل ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، فرضت نفسها على اللبنانيين، ووفرت للأسد مخرجا من عزلته الدولية ومأزقه، حتى اضطر وريث الحريري، ابنه سعد، الى “التضحية بذكرى والده على مذبح الواقعية” بزيارته الأسد في دمشق. “الفرنسيون والأميركيون والخليجيون لم يقدروا على موازنة قوة محور ايران ـ سوريا ـ حزب الله” في لبنان، يقول عجمي.

ثم اندلع “الربيع العربي” في تونس، وامتد الى دول أخرى، لكن بشار الأسد أدلى بمقابلة لصحيفة “وال ستريت جورنال” قال فيها كلمته إن “سوريا ليست ليبيا” واعتبر فيها ان خياراته في مواجهة اسرائيل، والتي تتطابق مع خيارات شعبه، تحميه وتؤمن بقاء نظامه. ويقول عجمي انه بسبب الاحداث اللبنانية في السنوات السابقة، صار بشار يعتقد بامكانية استناده الى الصراع السني ـ الشيعي في المنطقة كقوة كافية لتأمين استمراره في الحكم. لكن ذلك لم يحصل، وانتفض السوريون للمطالبة بإنهاء ديكتاتورية آل الأسد.

بعد ذلك، ينقلب عجمي في كتابه من مؤرخ إلى محلل سياسي، ويقدم احداث الثورة السورية بترتيب تاريخي، طبعا من دون ان ينسى تقديم رؤيته واقتباسه من معنيين او اجراءه لقاءات معهم، كما فعل في زيارة الى تركيا التقى خلالها لاجئين سوريين، وناشطين، وزعماء في المعارضة تصدرهم رياض الشقفة، مراقب “الاخوان المسلمين” في سوريا.
ربيع سوريا، يقول عجمي، بدأ في درعا الجنوبية عندما كتب اولاد تأثروا برحيل مبارك شعارات تنادي برحيل الاسد، فجاءت ردة فعل عدد من مسؤولي النظام مع أهل الأولاد يشوبها الكثير من العنف، والعجرفة والوقاحة.

ويعرج عجمي على تقرير اصدرته “مجموعة الأزمات الدولية” وجاء فيه: “للمفارقة، النظام جاء من نفس المحافظات التي تنتفض اليوم ضده”. ويضيف انه “كما هي العادة مع الانظمة التي يفاجأها التاريخ وهي غير مستعدة”، كانت ردة فعل نظام بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية هي عبارة عن مزيج من “الدموية والوعود بالاصلاح”.

ويكتب عن المواقف الدولية بالقول ان روسيا والصين، مارستا حق النقض الفيتو في مجلس الامن الدولي ضد القرارت المعنية بسوريا، لأن “في بال الصينيين كان موضوع التيبيت” التي يحتلونها، فيما كان “الروس يفكرون بالشيشان”. وبفطنة يقدم عجمي حكمته لتلخيص الموضوع، ويقول “ان الاستبداد لا يتجزأ، والمظاهرات الشعبية تشكل تهديدا لكل ما تمثله هاتان الاوتوقراطيتان”.

ثم يوسع عجمي هجومه ليشمل موقف دول غير دائمة العضوية في المجلس، والتي ساندت الأسد، مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، ويكتب: “اذا كانت هذه القوى ترغب في دور اكبر حول العالم، واذا كانت ترغب في عضوية دائمة في المجلس، فإن تنازلها الاخلاقي يشكل دليلا على انها ما زالت غير مستعدة لتحمل عبء الحفاظ على نظام عالمي لائق”.

ويضيف ان “عار الهند ـ اكبر ديمقراطية في العالم ـ يحسب عليها، فالهند تفكر دائما في كشمير وفي مبدأ وجوب عدم التدخل الدولي في اي سيادة وطنية مهما كان ثمن”. اما البرازيل، “فيقال انها صدقت ادعاءات النظام السوري حول حمايته للمسيحيين، فيما جاءت جنوب افريقيا الى الموضوع مع ادائها المخزي في الموضوع الليبي”.

ويمضي عجمي في ذمه للمعارضين للتدخل الدولي في سوريا للاطاحة بالأسد، ويقول انه لمفارقة القدر، “ابدى جلال الطالباني، الذي وصل الى الرئاسة بالقوة الاميركية التي اطاحت بنظام صدام، معارضته للتدخل الغربي المسلح في الشؤون الداخلية لأي دولة في المنطقة”.
أما الأسد، فيعتقد عجمي انه التصق بقواعد اللعبة التي يمارسها: “شراء الوقت على امل أن قوى المعارضة ستتعب من اندفاعها ضد نظام يجلس في خندق ومستعد لاستخدام كل الوسائل المطلوبة للبقاء”.

ويقول عجمي ان تصوير الصراع السوري على انه “صراع الغالبية السنية، لاستعادة الحكم من سيادة الاقلية”، هو ضرب من ضروب التبسيط، ولكنه يضيف: “هذه الصورة هي التي طغت، وحددت شكل هذا الصراع”.

عجمي يرفض حصر المواجهة السورية في شقها الطائفي، او الثقافي كمواجهة ريفية في وجه المدينية، ويشير الى البعد الطبقي الاقتصادي كذلك بالقول: “كان هناك (لدى العلويين) في سوريا (قبل الاسد) مظالم تتعدى الحياة السياسية، وكان لديهم مظالم تتعلق بغياب العدالة بسبب اماكن ميلادهم ومعيشتهم التي خلقت ـ على حسب التعبير العربي ـ اولاد جارية واولاد ست”.

ويكتب: “حياة سياسية مليئة بالتآمر والعنف، ونوع من التوق الى العدالة، جاءت بالعلويين الى السلطة، وامن لهم المسدس والبزة العسكرية نوعا من الانتقام ضد من كانت لهم الحياة بشكل اسهل وأفضل”.
ويختم عجمي كتابه بحكمة جميلة، فيقول: “(العلويون اليوم) ليسوا في مزاج العودة الى العبودية، ولكن رقاص الساعة لا يستوي في الوسط”.

لأنه لم يمض وقت كثير على صدور الكتاب (صدر في 30 ايار عن “معهد هوفر”)، لم تصدر حتى الآن الا مراجعة واحدة بحقه، قدمها ديكستر فيلكينز في “نيويورك تايمز”. مراجعة اخرى جاءت على موقع “جدلية” بقلم بسام حداد، الا انها لم تناقش الكتاب، بل ردت على مراجعة ديكستر مع انه صبت جام غضبها على عجمي.

في حوالي 1200 كلمة، اثار فيلكينز النقاط التي تثير فضول الغربيين عموما حول الثورة السورية: الى اين تذهب الثورة، تماسك سوريا ككيان سياسي موحد مستقبلا، تشتيت آل الاسد الانتباه عن شؤون الداخل بحصر خطابهم بالعداء لاسرائيل، مجيء بشار وتحسن الاقتصاد، الثورة وطابعها الطائفي في المواجهة بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الحاكمة، فخيارات الإدارة الأميركية في التعامل مع التطورات السورية.
الا ان المراجعة الحيادية نسبيا التي قدمها فيلكينز اثارت حفيظة حداد، فقدم ردا بلغ حوالي ثلاثة اضعاف مقالة المنشورة فيلكينز من حيث عدد الكلمات، وضمن رده هجوما ضد المقاربة الغربية للموضوع السوري، واتهم عجمي بتبني هذه المقاربة، واتهم الاثنين بـ “الاستشراق”.

يقول حداد ان عجمي “يوجه اصابع الاتهام بشكل صحيح في وجه الانظمة المتسلطة في المنطقة، ولكنه ينسب على الدوام اسباب القمع الى عوامل متأصلة داخل العرب انفسهم، وهو ما يشي بأبشع اشكال الاستشراق”. ويضيف: “كذلك يفشل عجمي في اثبات ترابط الاسباب، ويعفي القوى الخارجية من تكريسها لمعادلات جيواستراتيجية معينة”. ويتابع: “لا احد بعقل سليم يستطيع ان ينسب كل الامراض القمعية ـ الاقتصادية الى القوى الخارجية، لكن الشيء نفسه ينطبق على من يحاولون حصر الامر بعوامل داخلية وتجاهل الدور الواضح للقوى الخارجية”.
ويختم حداد هجومه بالقول ان الكتاب والصحيفة وعدد كبير من القراء، يرتاحون الى “الافتراضات غير المدروسة عن سوريا، والمنطقة، وشعوبها”.

طبعا حداد، لا يفطن لمغالطاته هو عندما يشمل “المستشرقين” كلهم في خانة واحدة، على غرار اتهامه للمستشرقين بقيامهم بإسقاط تعميمات على المنطقة وشعوبها، وهذه المغالطة تحدث عنها احد ابرز المفكرين السوريين، صادق جلال العظم، في معرض رده على ادوار سعيد ونظريته التعميمية حول “الاستشراق”.

ثم انه في رأي حداد، هناك رأي واحد ورؤية واحدة “أصيلة” يمكن ان يقدمها أبناء المنطقة وشعوبها، وهو ما يزعجه اصلا، لأن عجمي يقدم رؤية، يخالف بعضها حداد، ولكن بعض الغربيين يعتبرونها “اصيلة” نظرا لجذور مؤلفها، وكأنه لا يمكن ان يقدم عجمي رؤية “ابن البلد” حول الموضوع السوري، وان يقدم حداد، اللبناني ـ السوري المقيم في واشنطن، رؤية “ابن بلد” مخالفة، او كأن نظرة ابناء المنطقة “وشعوبها” تجاه شؤونهم، كالثورة السورية ضد الأسد، عليها ان تتطابق، وان تشمل كل ما يعتقده حداد ذات صلة، خصوصا رؤيته لموضوع البحرين، والقضية الفلسطينية، وعداءه للحكومة السعودية.

ثم يصب حداد جام غضبه على عجمي، وينسب إليه قوله ان الحريات الدينية، اي قمع العلويين للسنة وممارساتهم الدينية، هي عنصر رئيسي خلف اندلاع الثورة، مع ان عجمي لم يتوسع في ذلك، بل تطرق اليه لماما مثل في اشارته الى تراجع الأسد عن منعه للمحجبات في التعليم في المدارس الرسمية، او في حديثه عن الطائفية في القطاع العام، عندما يمنح الأسد أربعة آلاف وظيفة في مصفاة بانياس للنفط الى علويين، يأتي بهم من خارج المدينة ذات الغالبية السنية.

ويكتب حداد بسخرية ان “الطائفية هي دوما الاجابة الافضل في مصانع عجمي”، مع ان عجمي حاول قدر المستطاع في كتابه ان يقدم الأسباب الاقتصادية لتقدم السنة داخل المدن، وتراجع الاقليات، وحتى السنة، في الارياف، الى ان تمكنوا من استخدام “المسدس والبزة العسكرية” لانتزاع تفوقهم الاقتصادي، وتقديم جزء منه لعدد يسير من السنة في المدن ممن ابدوا الولاء للنظام.

ثم ان عجمي تناول الفوارق الاقتصاية داخل الطائفة العلوية، ونشوء اقطاع مالي هناك، وحاول الابتعاد عن حصر صورته للثورة في اطار الصراع السني ـ الاقلوي، فيكتب ان الثورة السورية ضد الأسد اخذت للأسف هذا الشكل، وفرضته على معظم من يحاول الحديث عنها.

على ان حداد يقدم مراجعة لكتاب عجمي من دون ان يقرأ الكتاب، على ما يبدو، وهذه آفة سبق ان اطلق عليها عجمي نفسه في كتاب سابق له اسم “المأزق العربي”، وهي تظهر جليا ان جزء كبير من ورطة العرب هي من صنع ايديهم، ولكن من دون اخفاء مسؤولية تنازل واشنطن عن اصدقائها في لبنان مرارا، لأن في بلادهم شجر الارز، وفي نفس الوقت سعي اميركا لإعادة السيادة الكويتية، حيث مصالحها والنفط.

قراءة عجمي تظهر ان كتاباته تتضمن فهمه للوضع كعربي من ابناء المنطقة، ومعرفته بالشؤون الدولية كأكاديمي يعيش في الولايات المتحدة، وادراكه لأخطاء العرب انفسهم ووقوعهم، مثل الشعوب الاخرى، في منافسات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وللأسف مذهبية، وفشلهم في انتاج مؤسسات تنظم هذه الخلافات مما يدفعهم الى التداول الدموي على السلطة مثل “رقاص الساعة الذي لا يستوي في الوسط”.




الخميس، 20 سبتمبر 2012

نيوزويك، وايان هرسي علي، والجهل عبر المحيطات

حسين عبد الحسين

بعد أسبوع من التغطية الاعلامية الاميركية للتظاهرات المنددة بالفيلم المسيء للاسلام، وبعد جولات وصولات وحوارات طويلة وترداد ممل للسؤال “ماذا يريدون”، اي المسلمون، و”لماذا يكرهوننا”، لم يصدف ان اطل اي وجه عربي او مسلم عبر الاعلام الاميركي كي يقدم وجهة نظر عقلانية حول الذي يحصل في بعض المدن الاسلامية، وسبب التحفظ الاسلامي على الفيلم، وسبب انفلات الامور في بعض الحالات كما في ليبيا ومصر.

معظم العرب والمسلمين، من المقيمين في الولايات المتحدة، شنوا هجوما على الاعلام الغربي، واقحموا مظالم اخرى: بعضهم تحدث عن القضية الفلسطينية، وآخرون عن حرب لبنان واسرائيل، وبعضهم اعترض على صورة في مجلة، او عبارة في نشرة اخبار، وهكذا دواليك، فكانت النتيجة ان ازدادت فوضى الاميركيين وتخبطهم في فهم ما جرى في بنغازي او القاهرة.

ولم يسعف غياب الصوت المسلم، او العربي، ظهور جحافل من المحللين والخبراء الاميركيين العديمي الدراية بالموضوع عل شاشات التلفزة.

ليز تشيني، على سبيل المثال، الناشطة الجمهورية وابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، اطلت على شبكة “اي بي سي” لتحمل مسؤولية ما حصل للرئيس باراك اوباما وتتهمه بالتقاعس وبتخليه عن “تشيكوسلوفاكيا”، ويفوتها ان تشيكوسلوفاكيا تفتت في التسعينات.

اما مجلة نيوزويك، فلم تجد من بين خبرائها لكتابة مادتها الرئيسة هذا الاسبوع حول “الغضب الاسلامي” الا “ايان هرسي علي”، وهي كينية مسلمة، هاجرت الى هولندا، واكتسبت الجنسية هناك، وشاركت مع ثيو فان غوغ في انتاج فيلم اعتبره عدد من المسلمين مسيئا لهم. علي، التي تعتبر نفسها “مرتدة” بحسب الاسلام، تعيش في الولايات المتحدة تحت حراسة امنية مشددة.

مقالتها في نيوزويك، بالكاد تطرقت لاحداث الاسبوع، بل تحدثت عن سلمان رشدي، وعن تجربتها في هولندا، وعن الحياة في ظل الحماية الامنية، وهذه هزالة اعلامية نظرا لان الصورة الرئيسة التي تصدرت المجلة ورافقت العنوان هي لمتظاهرين في احدى العواصم العربية.

علي كتبت: “حتى مؤخرا، كان من الممكن الشعور بالذنب للجماهير في ليبيا لانهم كانوا يعانون من قبضة ديكتاتور غاشم، ولكن اليوم، لم يعودوا رعايا، بل اصبحوا مواطنين”. هكذا، بجملة واحدة، شملت علي خمسة ملايين ليبي وحملتهم مسؤولية التظاهرة في بنغازي ومقتل السفير الاميركي. طبعا لم تشر الى التظاهرات الليبية التي جرت اعتذارا لاميركا واحياء لذكرى سفيرها المغدور كريس ستيفينز، فالليبيون برأي علي، العالمة بالحريات والديمقراطية، جسم واحد ورأيهم واحد وتظاهراتهم واحدة.

وفي تعميم آخر، اوردت علي ان “علينا”، اي “نحن الغربيين”، ان نفهم ان الليبيين “حسموا خيارهم بحرية، وخيارهم هو رفض الحرية كما يفهمها الغرب”. والمشكلة هنا انه يبدو ان علي لا تفهم حتى الغرب، فالحرية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، هي موضوع اخذ ورد يومي: هل يحق لمثليي الجنس الزواج، هل يحق للمرأة الاجهاض وما الى هنالك من انقسامات. وفي موضوع الاجهاض، قد يفيد تذكير علي ان بعض المتطرفين المسيحيين الاميركيين يلاحقون الاطباء الذين يجرون عمليات اجهاض ويقتلونهم، مما يحتم على هؤلاء الاطباء ممارسة عملهم سرا او تدبير حماية مشابهة للتي تتمتع بها السيدة علي. تحصل هذه الاعتداءات في ام الحرية اميركا، وهذا لا ينتقص من متانة النظام الاميركي او انتشار تقاليد احترام الحرية عموما، على الرغم من بعض الاستثناءات.

على قنوات الراديو والتلفزيون الاميركية فوضى لا تشمل الاسلام فحسب، بل تشمل كيف ينظر بعض الاميركيين حتى الى حريتهم المكفولة في التعديل الاول من الدستور. متصلون يزعمون انهم شاهدوا جيرانهم من العرب او المسلمين يخططون لاقامة دولة الشريعة في ولايتهم، وآخرون يتحدثون عن كتاب يكشف المؤامرة الاسلامية، وهكذا احاديث وتلفيقات من طراز الذي اعتاد بعض العرب سماعه في بلدانهم حول الغرب ومؤامراته المزعومة ضد العرب.

وحدها مجلة نيويوركر، الرصينة، ارسلت مراسلها بيتر هسلر الى المنطقة الممتدة بين ميدان التحرير والسفارة الاميركية في القاهرة. كتب هسلر: “المتظاهرون يرمون الحجارة، ثم يجمعها الشرطة ويرمونها على المتظاهرين، وهكاذ دواليك، لساعات من دون توقف”. واورد هسلر ان الحياة في القاهرة، خارج هذين الشارعين، طبيعية جدا، وكل مصري مشغول بأمور يومه.

يتحدث هسلر الى المتظاهرين المصريين، فيجد ان اكثر ما يحيرهم هو عدم فهمهم لعدم قيام الحكومة الاميركية بمنع الفيلم او اعتقال منتجيه، ملمحا الى ان في اميركا، لا يمكن لاي حكومة منع اي رأي بموجب الدستور. ويختم بالقول ان بعد ساعتين على حديثه الى عدد من المتظاهرين، عثر هسلر على شاب مصري واحد ممن شاهدوا اجزاء من الفيلم، وهو ما يشي بأن اكثرية المتظاهرين حول العالم لم يتسن لها حتى حضور الفيلم السيء الانتاج، بل هم شاركوا في فورة شعبية غير معروف من اشعلها اصلا.

في الغرب ايضا، يبدو سوء الفهم سيدا. “في العام 1989، عندما كنت 19، شاركت بكل ايمان وسرور في تظاهرة في كينيا لاحراق كتاب رشدي آيات شيطانية. لم اكن قد قرأته”، تقول علي، وهو ما يدفعنا الى التساؤل: ما هي الامور الاخرى التي تتحدث عنها علي، ومعظم الخبراء الغربيين كما المتظاهرين العرب، من دون ان تكون قد قرأتها او تعرف عنها؟

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

الولايات الأميركية المتأرجحة تميل لمصلحة أوباما

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تكثر استطلاعات الرأي حول هوية الرئيس الاميركي المقبل وتتضارب الى حد يجعل من شبه المستحيل استشراف من سيربح في الانتخابات المقررة في 6 نوفمبر. لكن مؤشرا مختلفا قد يشكل الدليل الابرز لفهم استراتيجية الحملتين المتنافستين الديموقراطية والجمهورية: الانفاق الانتخابي.
في هذا السياق، ذكرت مطبوعة «ناشونال جورنال» المتخصصة انه بين تاريخ 6 و16 سبتمبر، انفقت الحملتان الانتخابيتان واللجان الموالية لهما مبلغ 330 مليون دولار ثمنا للاعلانات في الولايات التي فاز فيها الجمهوري جورج بوش الابن في انتخابات 2000 و2004، مثل فرجينيا وفلوريدا واوهايو، ثم عاد الديموقراطي باراك اوباما ليقتنصها في العام 2008. 
اما في الولايات التي فاز فيها المرشحان الديموقراطيان في العامين 2000 و2004، اي نائب الرئيس السابق آل غور والسناتور جون كيري، مثل ولاية ميتشيغان، فلم تشهد حربا اعلانية مشابهة ولم يتجاوز حجم الانفاق الانتخابي فيها، من الحزبين ومواليهما، الثلاثين مليون دولار للفترة نفسها.
هذا الانفاق يدل على رؤية كل من الحملتين لحظوظهما في هذه الولايات، اذ يحاول كل منهما الابتعاد عن الغوص في معارك مكلفة في ولايات يعتقدها خاسرة، كذلك تبتعد الحملتان عن الانفاق في الولايات المضمونة لأي منهما، فينحصر الانفاق في ما صار يعرف بالولايات المتأرجحة حيث حظوظ المرشحين متقاربة.
اما تحديد الولايات المتأرجحة، والتي تجرى على شاشات تلفزتها المعارك الاعلانية الانتخابية والتي تستضيف كذلك معظم المناسبات والخطب الانتخابية التي يقوم بها كل من اوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، فهو تحديد مبني على استطلاعات الرأي الآنية فضلا عن الانتخابات الرئاسية الثلاثة الماضية.
في الانتخابات الرئاسية لهذا العام، معروف سلفا مصير اصوات 40 ولاية من اصل الولايات الخمسين. على سبيل المثال، من المؤكد ان اوباما سيفوز بولايتي كاليفورنيا الغربية، وهي الاكبر انتخابيا وتمنحه 55 صوتا من اصل الـ 270 المطلوبة للفوز، كذلك من المؤكد فوزه في ولاية نيويورك الشرقية وحصد اصواتها الـ 29، فيما اصوات ثاني اكبر الولايات انتخابيا، اي ولاية تكساس الجنوبية واصواتها الـ 38، ستذهب من دون شك الى رومني، او الى اي شخص كان سيرشحه الحزب الجمهوري.
وفي ظل حسم المعركة مبكرا في 40 ولاية، ترتبط حظوظ الفوز بالبيت الابيض بـ «الولايات المتأرجحة» العشرة، وهي اوهايو (18 صوتا انتخابيا)، وفلوريدا (29)، وفرجينيا (13)، وكولورادو(9)، ونيفادا (6)، وآيوا (6)، ونيوهامبشير (4)، وويسكونسن (10) وبنسلفانيا (20) وميشيغان (16). ولكل واحدة من هذه الولايات خصوصيتها، ويسعى كل من المرشحين الى استقطاب معظمها، او اكبرها انتخابيا، من اجل حسم المعركة لصالحه.
اوباما، على الاقل حسب المستشار الرئاسي السابق لجورج بوش الابن واحد اعمدة الماكينة الانتخابية الجمهورية كارل روف، لديه في الوقت الحالي 214 صوتا مؤكدا، فيما بحوزة رومني 154. هذا يعني ان هدف اوباما، في حال استمرت الارقام كما هي عليه حتى موعد الانتخابات، ان يفوز بـ 56 صوتا ليضمن بقاءه في البيت الابيض لولاية ثانية.
اوباما بدوره في وضع فريد انتخابيا، فهو يخالف معظم من سبقه من رؤساء ترشحوا لولاية ثانية، اذ منذ فرانكلين روزفلت والحرب العالمية الثانية، لم يسبق ان فاز اي رئيس بولاية ثانية ومعدل نسبة البطالة يبلغ 8 في المئة او اكثر. ويقول الخبير نات سيلفر ان ارقام استطلاعات الرأي تشير الى ان معظم الرؤساء السابقين مثل وروزفلت، ودوايت آيزنهاور، وريتشارد نيكسون، ورونالد ريغان، وجورج بوش الاب والابن وبيل كلينتون، كانوا يتمتعون بتأييد شعبي مقبول قبل عام من موعد الانتخابات لولاية ثانية. 
الا ان اوباما كان في موقف مختلف، فشعبيته لم تكد تلامس الخمسين في المئة في فترة السنة الماضية، ما جعل من حظوظ فوزه بولاية ثانية تبدو قليلة.
الا ان اوباما اليوم، وقبل 28 يوما من الانتخابات، يبدو بوضع افضل حتى من وضع بوش الابن في الوقت نفسه من فترة اعادة انتخابه.
اما الظروف التي ساعدت اوباما فمتعددة، ويتصدرها الخطاب الاسطوري للرئيس السابق بيل كلينتون في المؤتمر الديموقراطي وما تلى المؤتمر من ارتفاع طبيعي في ارقام تأييد اوباما، يترافق ذلك مع تعثر رومني في خطابه وفي الحصول على اي دفعة شعبية بعد المؤتمر الجمهوري، على غير عادة المرشحين.
وزاد في مشاكل رومني شريط الفيديو الكارثي، الذي يبدو ان حفيد الرئيس السابق جيمي كارتر، سربه الى الاعلام، وفيه يتحدث رومني بعنف ضد 47 في المئة من الاميركيين الذين يعتبرهم من مؤيدي اوباما حتما لانهم يستفيدون من عطاءات الدولة، ولا يدفعون الضرائب، ويعتبرون انفسهم ضحايا النظام الرأسمالي القائم.
وفي وقت لاحق من يوم الثلاثاء، اطل رومني عبر شبكة «فوكس» الاخبارية ليؤكد ثباته على موقفه من ان 47 في المئة من الاميركيين لا يدفعون الضرائب، وهو ما يبدو انه سيمنح مساحة اكبر لمنافسيه الديموقراطيين للاستمرار في الهجوم الكاسح ضده.
كذلك، ما فاقم من مشاكل رومني يبدو انه تغيير دائم في الديموغرافيا السياسية في «الولايات المتأرجحة» وموقفه وموقف حزبه المعاديين للاتحادات العمالية، وهو ما يؤثر سلبا في احتملات فوزه في ولايات غالبية ناخبيها من العمال، مثل ميتشيغان حيث صناعة السيارات الاميركية ومعاملها. 
وعن «الولايات المتأرجحة»، يشير الخبراء الى ان فرجينيا، التي لم تصوت للمرشح الديموقراطي للرئاسة لاربعين عاما قبل ان يسرقها اوباما في العام 2008، يبدو ان تركيبتها السكانية صارت تميل اكثر الى تأييد الديموقراطيين، وهذا يبدو انه يحصل بفضل تزايد كبير في اعداد الاقليات، خصوصا من اصول اميركية لاتينية، وهذه تؤيد الديموقراطيين في غالبيتها، وكذلك في عدد الاميركيين من اصل افريقي، وهم مازالوا يؤيدون اوباما بشكل كاسح.
اضف الى ان ولاية فرجينيا، المجاورة للعاصمة واشنطن، لم تصبها الازمة الاقتصادية بالحدة التي اصابت بقية البلاد نظرا لوجود البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) وآلاف موظفيهما على اراضيها، ونظرا للافادة الملية لسكان الولاية من العقود التي تمنحها الحكومة الفيديرالية للمتعاملين معها، خصوصا من شركات الاسلحة والدفاع. 
واشار احدث استطلاعات الرأي في فرجينيا، الذي اجرته صحيفة «واشنطن بوست»
واصدرت نتائجه اول من امس، الى تقدم اوباما على رومني بفارق كبير بلغ ثمانية نقاط مئوية.
في ولاية ميتشيغان، حيث صناعة السيارات وحيث ترعرع رومني عندما كان والده جورج محافظا للولاية في الستينات، تبدو حظوظ اوباما اكبر من رومني، وذلك بالنظر الى ان اوباما وادارته هبا لنجدة مصانع السيارات الكبرى الثلاثة في خضم الازمة المالية في العام 2009، فيما وقف رومني متفرجا، بل كتب مقالة في حينها في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «لندع ديترويت (اكبر مدينة في الولاية) تفلس»، داعيا الحكومة الى عدم التدخل والى السماح لقوى السوق تحديد مصير المصانع وعمالها.
وفي فلوريدا، كما في فرجينيا، يبدو ان التركيبة السكانية، خصوصا من الاميركيين من اصول اميركية جنوبية من غير الكوبيين الذين يؤيدون الجمهوريين نظرا لخطابهم المتشدد ضد نظام كاسترو، تتغير لمصلحة الحزب الديموقراطي وباراك اوباما.
كذلك يتقدم اوباما على رومني في ولاية نيفادا ولاية زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، حيث نجح في انشاء ماكينة انتخابية جبارة لحزبه الديموقراطي، وفرض من خلالها عودته الى المجلس في انتخابات 2010، التي انهزم فيها الديموقراطيون، ولكن ريد لم يتأثر على عكس ما كان متوقعا. 
هكذا، ان فاز اوباما في الولايات الاربعة المتأرجحة المذكورة اعلاه، يحصل على
58 صوتا كافية لابقائه في الرئاسة لولاية ثانية. هذه الافضلية في الولايات الاربعة تأتي على خلفية تقدمه في ولايات اوهايو وويسكونسن، ومع احتمال بقاء بنسلفانيا في حوزة الديموقراطيين كما درجت عليه العادة. 
اما اذا حصد اوباما الولايات المتأرجحة جميعها ومجموع اصواتها الانتخابية 125، وهي احتمالية غير بعيدة، يتعدى بذلك عتبة الـ 325 صوتا، وهو ما يجعل من فوزه اكتساحا وتفويضا لبقائه بقوة رئيسا للسنوات الاربعة المقبلة.

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

فيديو يظهر «تخلّي» رومني عن 47 في المئة من الأميركيين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في حال السباق الرئاسي الاميركي، وقبل 49 يوما على الانتخابات المقررة في 6 نوفمبر، تقدم مضطرد للرئيس باراك أوباما، الذي تظهر معظم استطلاعات الرأي تقدمه بفارق ثلاثة الى خمسة نقاط مئوية في عموم البلاد، في وقت يواجه منافسه الجمهوري ميت رومني العثرة تلو الاخرى، وكان آخرها الفيلم الكارثي المسرب لعشاء ريعي حضره في 17 مايو الماضي وقال فيه انه لا يكترث لامر 47 في المئة من الشعب الاميركي.
وتأتي آخر مشكلة انتخابية لرومني على اعقاب خطابه المزري في مؤتمر الحزب في فلوريدا، والتي قدم فيها خطابا لم يذكر فيه القوات المسلحة، فخر الجمهوريين، ولا الحرب في افغانستان ولا مرة. وفي مرحلة ما بعد المؤتمر، عادة ما تشير استطلاعات الرأي الى تقدم طفيف للمرشح، أظهرت الارقام هذه المرة ان المؤتمر لم يدفع رومني ونائبه بول ريان الى الامام ابدا، فيما استفاد أوباما من مؤتمر حزبه وشهدت ارقامه تحسنا على تحسن.
اما الفيديو الكارثة، فتحصل وقائعه في عشاء ريعي كان ثمن البطاقة فيه 50 ألف دولار، وكان مغلقا للصحافة والصحافيين، وهو ما يظهر ان رومني كان يفصح بصراحة عما في مكنونات نفسه، وهو يتحدث امام اغنياء من امثاله، فيقول لهم ان هناك «47 في المئة من الناس سيصوتون للرئيس مهما حدث... حسنا، هناك 47 في المئة يؤيدونه، وهم ممن يعتمدون على الحكومة». 
ويضيف رومني، في عبارة اثارت جنون الاعلام المؤيد للحزب الديموقراطي مساء اول من امس، ان هؤلاء الـ 47 في المئة «يعتقدون انهم ضحايا، ويعتقدون ان الحكومة مسؤولة للاهتمام بهم، ويعتقدون انهم مخولون الحصول على رعاية صحية، وعلى اكل، وعلى سكن، وعلى اي شيء تتصورونه، وان هذا حق لهم، وان على الحكومة ان تعطيهم اياه». 
وختم رومني بالقول ان «هؤلاء سيصوتون للرئيس مهما حصل»، وان «هؤلاء ناس لا يدفعون ضرائب»، وان مهمته كرئيس هي «ان لا اقلق حول هؤلاء الناس، لن اقنعهم بأن عليهم ان يتحملوا مسؤولية انفسهم وان يهتموا بحياتهم».
على الفور، تلقفت حملة أوباما هذا التصريح الكارثي سياسيا، وارسل مدير الحملة جيم ميسينا رسالة الكترونية للصحافيين والمناصرين جاء فيها ان «الرجل الذي نطق هذه الكلمات، الذي يظهر كل هذا القرف والاحتقار لنصف الشعب الاميركي، هو خيار الجهة الاخرى ليكون رئيسا للولايات المتحدة، وهو يريد ان يقود بلادنا».
واضاف ميسينا: «اذا لم نقف الى جانب الرئيس أوباما فورا، سيكون هذا الرجل هو من يقرر القرارات الكبرى التي تؤثر بنا وبعائلاتنا كل يوم».
وخرج رومني على وجه السرعة في مؤتمر صحافي عقده في كاليفورنيا حيث يعقد لقاءات كجزء من حملته، وحاول الدفاع عما جاء في الفيديو، وقال ان استخدامه لكلمة «ضحايا» لوصف نصف الاميركيين «لم يكن لائقا»، ثم طالب مسربي الفيديو بأن ينشروا السؤال الذي اجاب عليه حتى «تكتمل الصورة»، معتبرا ان كلماته «تم اخذها خارج سياقها». ولكن محاولة رومني انقاذ الوضع زادت الطين بلة، اذ شن عدد من المحللين السياسيين هجوما ضده لعدم تضمين مؤتمره اي اعتذار للشعب الاميركي.
وتجلى الهجوم على رومني في عنوان رئيسي لصحيفة «نيويورك دايلي»، كان بمثابة تلاعب على قول معروف للدلالة على وقوع مصيبة. القول هو على الشكل التالي «الغائط اصاب المروحة»، اما الصحيفة فاستبدلت الكلمة الاولى باسم «ميت»، وهي متقاربة بالانكليزية، فاصبح العنوان: «ميت اصاب المروحة».
وتعليقا على حال السباق، استطلع جوناثان مارتن، في صحيفة «بوليتيكو»، رأي عدد من الخبراء الاميركيين والمحللين، حول اسباب تقدم أوباما، على الرغم من ان نسبة البطالة تتعدى الثمانية في المئة على مدى الاشهر الـ 43 الماضية، وعلى رغم من ان اكثر من 60 في المئة من الاميركيين يعتبرون ان بلادهم «على المسار الخاطئ».
حسب الخبراء، يتقدم أوباما على رومني، رغم الظروف التي ليست لصالح الرئيس الحالي، لثلاثة اسباب. الاول هو «التغيير الديموغرافي السياسي في ولايات الجنوب الاعلى والغرب الداخلي بشكل يظهر ان انتخابات 2008 (التي فاز فيها الديموقراطيون بشكل كاسح) لم تكن استثناء، وان المشهد السياسي الشعبي يتغير عموما لمصلحة الديموقراطيين». 
اما السبب الثاني، فيكمن في «قوة الرئاسة»، اذ يصعب على المرشحين عادة ان يلحقوا الهزيمة برئيس يترشح لولاية ثانية. ويضيف الخبراء ان الاستطلاعات ما زالت تظهر ان «أوباما هو رئيس تاريخي، وليس رئيسا عاديا يسعى بصعوبة الى ولاية ثانية».
اما السبب الثالث، حسب مارتن والخبراء، فيعود الى «اخطاء المنافس الجمهوري»، وهو ما يتجلى يوما بعد يوم، ان كان في التعثر في المؤتمر الجمهوري، ام في الفيديو المسرب، ام في عدد كبير من التصريحات الاخرى لرومني، وهو ما يضع أوباما في وضع افضل للحفاظ على البيت الابيض لولاية ثانية.

السبت، 8 سبتمبر 2012

بن لادن لم يكن مسلّحاً لحظة مقتله ولم يكن لديه نية للقتال ... ووقف يسترق النظر من باب غرفة نومه

| واشنطن من حسين عبدالحسين |

كشف كتاب «ليس يوماً سهلاً»، الذي يروي فيه مارك بيزونيت تفاصيل عملية قتل رئيس تنظيم القاعدة اسامة بن لادن التي قامت بها وحدات اميركية خاصة في ابوت اباد في باكستان في مايو 2011، ان بن لادن لم يكن مسلحا لحظة مقتله، بل وقف يسترق النظر من باب غرفة نومه وهو يقف تحت رف كان عليه رشاش ومسدس وفيهما مخزني ذخيرة فارغين من الطلقات. 
وقال بيـــــزونيت، الذي نشر الكتاب باسم مستعار هو مارك اوين قبل ان تكــــشــــف هويتــــه شــــبكة فوكـــــس التــــلفــــزيونية، ان قائد الفرقة الخاصة اطلق النار عندما اطل رجل رأسه من خلف باب في الطـــــابق الــــــثالث للــــمجمع من دون ان يعرف من هــــو هذا الرجل، وان القـــــوات الخــــاصة دخلت الغرفة بعد ذلك لتجد بن لادن متـــشنجا ويلتف معانيا من حشرجات الموت، فما كان من بيـــــزونيت وزميل له إلا أن افـــــرغا الرصاص في صدر بن لادن حتى توقف عن الحركة.
وكانت العملية بدأت بإقلاع مروحيتي «بلاك هوك» من قاعدة عسكرية في جلال اباد في افغانستان تحملان فريقين من وحدات البحرية الخاصة، المعروفين بفريق «سيلز». لدى وصولهما، تحطمت واحدة فوق السور البالغ ارتفاعه اربعة امتار. ترجل كل المقاتلين ودخلوا باحة المجمع حسب الخطة، واشتبكوا مع مرافق بن لادن احمد الكويتي واخيه، واردوهما وزوجة احمد. بعد ذلك، اكملوا الى جناح بن لادن، وصعدوا السلالم ليواجهوا ابن أسامة خالد، ثم يصلوا الى غرفة رئيس «تنظيم القاعدة» نفسه.
في الكتاب تفاصيل مملة لجمع المعلومات الاستخباراتية ولتعقب بن لادن على اثر هجمات 11 سبتمبر، ثم التدريبات التي اجرتها الوحدات الخاصة للقيام بالعملية. 
ويفتقد الكتاب لأية أبعاد تحليلية او سياسية، ما عدا ما يبدو انه غضب يكتنز صدر بيزونيت ضد الرئيس باراك اوباما والمؤسسة السياسية عموما. وفي اكثر من مناسبة، يبدو الكاتب وكأنه غاضب على النجاح الذي ينسبه الرئيس الأميركي لنفسه في الإطاحة ببن لادن، ويعتقد الكاتب ان عملية الفريق تم استغلالها سياسيا، بغض النظر عن اي من الحزبين يشغل البيت الابيض.
ويذكر ان وزارة الدفاع الاميركية تنوي مقاضاة بيزونيت لافشائه معلومات سرية، ما يخالف عقد العمل الذي يوقعه كل أفراد الوحدات الخاصة، كما الكثيرون من الموظــــفين المدنيــــين، فـــــي عدد من دوائر الحــــكومة الأميركية.
«الراي» تنشر أجزاء من الفصل 14، والفصل 15 كاملا، وأجزاء من الفصل 16 من الكتاب، ومجموع هذه الأجزاء يغطي تفاصيل العملية منذ دخول منزل بن لادن، داخل المجمع، حتى لحظة إخراجه من المنزل جثة هامدة، ثم تفتيش المنزل لجمع المعلومات الاستخباراتية حيث تم العثور أيضا على قطعتي السلاح في داخلهما مخزنين فارغين من الذخيرة فوق رأس بن لادن، او «جيرونيمو» حسب الاسم المشفر الذي أطلقه عليه الأميركيون، قبل أن يفتح باب غرفة نومه للمرة الأخيرة في حياته.

الفصل 14: خالد
لم يكن لدينا فكرة عما يجب علينا ان نتوقعه. في هذا الوقت، بن لادن او كائنا من كان الذي يختبئ في الداخل كان لديه متسع من الوقت للمجيء بسلاح والاستعداد للقتال دفاعا. وبما ان الطريق الوحيد الى الطوابق العليا كان ذلك الدرج، كان من السهل حشرنا في عنق زجاجة. 
كان كل شيء مظلما وكنا نبذل ما بوسعنا للحفاظ على الهدوء. كل خطوة كانت محسوبة. لا كلام. لا صراخ. لا ركض. في الماضي، كنا نقتحم قصرا برمينا قنابل مضيئة وندخل لتأمين الغرفة. الآن نبقى صامتين قدر الإمكان. لدينا تفوق عن طريق الرؤية الليلية، ولكننا نخسره اذا دخلنا وبيدنا برميل لخلع الباب إلى داخل الغرفة. لم تكن هناك حاجة كي نركض لمواجهة حتفنا.
عندما وصلت الى الطبقة الثانية، كان المهاجمون الآخرون وصولوا وتوزعوا. الطابق الثاني كان عبارة عن ممر طويل يصل الى باحة موصولة بجنوب المبنى. كان في الطابق أربعة ابواب، ورأيت أعضاء فريقي يتحركون بصمت عبر الممر ويدخلون الأبواب لتأمين الغرف. 
لاحظت زميلا يقف على الدرجات الثلاث الأولى في أسفل الدرج الذي يؤدي الى الطابق الثالث، وكان يعطينا اشارة بعدم التقدم لوجود خطر. ثم رأيت جثة ودماء تتقاطر على الرخام. 
فيما كان يعطي زميلنا إشارة عدم التقدم، رأى رجلا أطل رأسه. كانت تقارير الاستخبارات تشير الى امكانية وجود اربعة ذكور يعيشون في المجمع. خالد، واحد من أبناء بن لادن، كان مرجحا انه يعيش في الطابق الثاني، فيما يعيش بن لادن في الثالث. الرأس الذي اطل كان حليقا من دون لحية، ما حتم ان يكون ابن بن لادن. 
«خالد»، همس زميلي. «خالد».
كل شخص في المجمع كان لا بد انه سمع صوت محركات المروحيات، وسمع اطلاق رصاص في بيت الضيوف المجاور، وسمع تفجير الأبواب الحديدية، ولكن بعد ذلك، اصبح كل شيء صامتا، وكل ما كانوا يسمعونه هو خطواتنا. ثم سمع الرجل اسمه. لا بد انه فكّر في نفسه: يعرفون اسمي، ثم دفعته الحشرية إلى ان يطل برأسه ليرى من يناديه. في الثانية التي أطل فيها برأسه، أطلق زميلي النار عليه في الوجه، فتدحرج جسمه على الدرج وتوقف في آخره. 
نظرت خلفي، فوجدت ان آخرين من فريق «سيلز» يصعدون الدرج ويتراصفون خلفي. الوجهة الوحيدة الممكنة كانت في الصعود إلى الأعلى. كنت واقفا خلف قائد الفريق في المقدمة، فربت على كتفه حتى يعرف أننا جاهزون للانطلاق.
الفصل 15: الطابق الثالث
كان خالد مرميا على ظهره وكان علينا أن نتجاوزه بعناية والمضي عبر السلالم. الدرجات كانت من الرخام الأملس، وجعلتها الدماء ملساء أكثر، فأصبحت كل خطوة يشوبها الحذر. رأيت رشاش خالد الكلاشينكوف على الأرض. قلت في نفسي: انا سعيد انه لم يستعرض رجولته باستخدامه هذا الشيء. لو لم يناده طليعو الفريق باسمه، كان من الممكن ان يحجزنا على الدرج. كل ما كان عليه فعله هو ان ينبطح في اعلى الدرج ويطلق بعض الرشقات في كل مرة نحاول فيها التقدم نحو الأعلى باتجاهه. كان من المؤكد انه سيكبدنا بعض الإصابات. 
كنا استعدينا لمواجهة أكبر. فبالرغم من الحديث عن السترات الانتحارية والاستعداد لإسالة الدماء في سبيل الله، فقط واحدة من الاخوين الكويتيين فتح النار. على الأقل خالد فكر في المواجهة. عندما تفحصنا الكلاشينكوف الخاص به في ما بعد، وجدنا طلقات في مخزنه. كان مستعدا للقتال، ولكن في النهاية، لم تسنح له الفرصة. 
كان الدرج داكن الظلام بالنسبة للعين المجردة، ولكن في مناظيرنا الليلية، كان كل شيء اخضر. المهاجم الطليعي كان في المقدمة وكنا نتبعه. ثم رحنا نبطئ ونأخذ وقتنا. الطليعي كان عيوننا وآذاننا، وهو كان يقرر سرعتنا.
حتى تلك اللحظة، كانت كل الأجزاء متكاملة. كنا نعرف ان في المنزل أربعة رجال. الوحيد المتبقي هو بن لادن. لكني أخرجت هذه الأفكار من رأسي. لا يهم من كان في الطابق الثالث، كنا على الأرجح ذاهبين الى معركة بالأسلحة النارية، ومعظم المعارك بالأسلحة في هذه المساحة الصغيرة تنتهي بثوان قليلة. لم يكن لدينا هامش للخطأ. 
«ركز»، قلت لنفسي.
مع الرجل الطليعي أمامي، لم يكن لدي ما افعله. كنت خلفه للدعم. مرت 15 دقيقة كانت كافية لبن لادن ليلبس سترته الانتحارية أو ببساطة ليحضر سلاحه. جالت عيناي في المحيط، وكانت حواسي متأهبة جدا، وكانت أذناي تستعدان لسماع احدهم يحشو مخزنه بطلقات أو أحدٍ يقترب. لا شيء كنا نفعله كان جديدا بالنسبة لنا. كلنا شاركنا في مئات المهمات. في ابسط المهمات، كنا نعمل على تأمين الغرف كما تعلمنا في الفريق الأخضر. فقط الهدف وفكرة اننا كنا في باكستان جعلا من هذه المهمة مهمة.
ساقتنا نهاية الدرج الى ممر ضيق في آخره باب يؤدي إلى شرفة. حوالي خمس أقدام كان هناك بابان، واحد إلى اليمين وآخر إلى اليسار. كان الدرج ضيقا نسبيا، خصوصا بالنسبة لمجموعة شباب يلبسون عتادهم. رؤية طليع الفريق باتت صعبة لأن الدرج كان يضيق اكثر فأكثر مع وصولنا الى قمته. كان لدينا اقل من خمس خطوات لنصل الى قمة الدرج عندما سمعت صوت طلقات خافتة.
بوب. بوب.
رأى طليع الفريق رجلا يسترق النظر من خلف الباب الذي على اليمين. لم استطع تحديد ما اذا كانت الطلقات أصابت الرجل ام لا. اختفى الرجل داخل ظلام الغرفة. وصل الرجل الطليعي أولا وتحرك ببطء نحو الباب. على عكس الأفلام، لم نصعد الخطوات الأخيرة بقفزة واحدة او نسرع الى داخل الغرفة ونحن نطلق الرصاص، بل أخذنا وقتنا.
ابقى طليع الفريق بندقيته مصوبة نحو الغرفة فيما دخلنا نحن ببطء عبر الباب المفتوح. مرة أخرى. لم ندخل بسرعة، بل على العكس، وقفنا على العتبة ونظرنا الى الداخل. رأينا امرأتين تقفان فوق رجل ممد على الأرض اسفل السرير. الامرأتان كانتا تلبسان ثوبين طويلين فيما بدا شعرهما وكأنهما استفاقتا من النوم، وكانتا تبكيان بطريقة هستيرية وتولولان بالعربية. الاصغر عمرا التفتت الينا ورأتنا نقف في الباب. 
صرخت بالعربية وركضت نحو الرجل الطليعي، الذي كان يبعد عنا اقل من خمس اقدام. مبعدا بندقيته الى جانبه، اخذ الطليعي الامرأتين الى زاوية الغرفة. لو كانت أي منهما تلبس سترة انتحارية، لربما اجبر هو بتخليصنا من الموت، ولكنه يكون قد ضحى بحياته. كان قراره غير أناني واتخذه بأجزاء من الثانية.
مع النساء جانبا، دخلت الغرفة مع عضو ثالث في فريق «سيلز» رأينا الرجل ممدا على الأرض أسفل السرير. كان يرتدي «تي شيرت» من دون اكمام بيضاء، وبنطالا رخوا لونه بيج، وسترة قصيرة لونه بيج. كانت الرصاصة اخترقت الجانب الأيمن من رأسه وخرج الدم ودماغه من جانب جمجمته. في حشرجات موته، كان ما زال يتشنج ويلتف. صوبنا مهاجم آخر وانا لايزر بندقيتانا على صدره وأطلقنا طلقات عديدة، فاخترقت جسده حتى توقف عن الحركة.
بسرعة نظرت من حولي بحثا عن خطر محتمل. رأيت اولادا ثلاثة يجلسون متلاصقين بجانب الباب المؤدي الى الشرفة. لم اكن ادري ان كانوا صبية ام بنات، ولكنهم كانوا في حالة ذهول. 
مع الرجل على الأرض من دون حراك ومن دون خطر، عملنا على تأمين غرفتين مجاورتين. في الأولى كان مكتب وأوراق مبعثرة، في الثانية حمام صغير.
في رأسنا لائحة ما يتوجب علينا فعله. الخطر الرئيسي كان ميتا على الأرض. الرجل الطليعي كان يغطي النسوة والأطفال. انا وزميلي أمّنا المكتب الصغير والحمام فيما غطى آخرون الغرفة المواجهة. 
فيما كنت متجها الى الغرفة المواجهة، مررت بوالت. «كل شيء نظيف هنا»، قال لي. «هذه الجهة ايضا»، اجبته. اخذ الرجل الطليعي النسوة والاطفال الى الشرفة لتهدئة روعهم. توم كان في الطابق الثالث ورأى ان الغرفتين صارتا آمنتين. «الطابق الثالث مؤمن»، سمعته يقول على الشبكة العسكرية.
الفصل 16: جيرونيمو
في غرفة النوم، المرأة الأصغر على السرير تصرخ بشكل هستيري. والت كان يقف بجانب الجثة. كان المكان مظلما ويصعب تحديد معالم وجهه. المنزل كان ما زال من دون كهرباء. اشعلت الضوء في خوذتي. الهدف مؤمن، وبما ان النوافذ مغطاة، لا يمكن لأحد ان يرانا من الخارج، إذا استعمال الضوء الأبيض صار مأمونا.
وجه الرجل كان مهترئاً ومغطى بالدماء على الأقل بسبب طلقة واحدة. ثقب في جبينه ادى الى انهيار في الجهة اليمنى لجمجمته. كان صدره ممزقا من الرصاص الذي دخل جسمه. كان ملقيا في بركة تكبر من الدماء. أحنيت نفسي من اجل رؤية اقرب، واذ بتوم يفعل الشيء نفسه. «اعتقد ان هذا هو الصبي الذي نقصده»، قال توم. لم يكن ليقول بن لادن عبر اللاسلكي لأنه كان يعرف ان ذلك سيصل بسرعة البرق إلى واشنطن. كنا نعرف ان الرئيس أوباما يستمع، لذا لم نكن نريد ان نكون مخطئين.
مررت بقائمة في رأسي. كان طويلا جدا، تصورت قرابة قدمين واربعة انشات. صحيح. كان الذكر الراشد الوحيد في الطابق الثالث. صحيح. كان المرسالان بالضبط حيث قالت لنا الـ «سي آي ايه» اننا سنجدهما.صحيح.
كلما تمعنت النظر في وجهه المهترئ، كلما وجدتني أعود الى انفه الذي لم يكن مصابا بل بدا مألوفا. سحبت الكتيب من عدتي ودرست الصور المركبة. الأنف الطويل والنحيف يتطابق. لحيته كانت سوداء داكنة ولم يكن فيها اثر لأي بياض توقعته. «والت وانا سنهتم بهذا»، قلت لتوم. «روجر»، قال توم.
أخذت كاميراتي وقفازاتي المطاطية. بدأت بالتصوير فيما والت بدأ يستعد لأخذ عينات الحمض النووي.
ويل، الذي يتحدث العربية، كان في الغرفة يعالج الجرح الذي أصاب المرأة التي كانت تبكي على السرير. علمنا لاحقا انها أمل الفتاح، زوجة بن لادن الخامسة. لست متأكدا متى أصيبت، ولكنه كان جرحا طفيفا جدا ممكن ان يكون سببه شظايا الطلقات او ارتداداتها.
«لدينا كمية مهمة من الاس اس اي في الطابق الثاني»، سمعت احدهم يقول على الشبكة العسكرية. «سنحتاج الى كل شخص إضافي هنا». بعدما ترك توم الغرفة، كنت اسمعه على شبكة القيادة. «لدينا احتمال، اكرر احتمال، تحقيق هدف، في الطابق الثالث». سحب والت خرطوم قنينته ورش الماء على وجه الرجل وبدأت امسح الدم عن وجهه باستخدام بطانية كانت على السرير. مع كل مسحة، كان الوجه يبدو مألوفا اكثر فأكثر. بدا اصغر عمرا مما تصورته. كانت لحيته داكنة، وكأنه صبغها. بقيت افكر كيف انه لا يشبه ما تصورته ابدا.
كان غريبا ان ارى وجه شخص سيئ السمعة عن قرب. ملقى أمامي كان السبب الذي قاتلنا من اجله على مدى العقد الماضي. كان سورياليا محاولتي تنظيف وجه اكثر رجل مطلوب في العالم من الدماء كي اتمكن من التقاط صورة له. هذه الصورة قد يتم تداولها على شكل واسع، ولم أكن ارغب في أن أفسدها.
رميت البطانية جانبا وسحبت الكاميرا التي استخدمتها لالتقاط مئات الصور في السنوات الماضية وبدأت التقط صورا. لقد تعلمنا جيدا كيف نأخذ هذه الصور، كنا نلعب سي اس آي في افغانستان لسنوات.
الصور الاولى كانت لجسمه كاملا. ثم جلست القرفصاء الى جانب رأسه والتقطت بعضها لوجهه فقط. شددت لحيته الى اليمين، ثم الى اليسار، واخذت صورا متعددة لجانب وجهه. اردت فعلا التركيز على الانف. لأن اللحية كانت داكنة، الصورة الجانبية كانت هي التي علقت في بالي. 
«يا صديقي، افتح له عينه التي ما زالت الصالحة»، قلت لوالت. نزل الى رأسه وفتح له جفنه، كاشفا عينه البنية اللون الخالية من الحياة. اقتربت منها واخذت صورة لها. فيما كنت التقط الصور، كان ويل مع النسوة والاولاد على الشرفة. تحتنا، كان زملائي يجمعون كل أجهزة الكمبيوتر، بطاقات الذاكرة، والفيديوات. في الخارج كان علي، مترجم السي آي ايه، والفريق الأمني يتعاطون مع الجيران الحشريين.
عبر اللاسلكي، سمعت مايك يتحدث عن تحطم البلاك هوك. «فريق التفجير، اعدوا لتفجيرها». قال مايك. عرفت من الحديث المتداول عبر اللاسلكي ان افراد «السيلز» الموكلين التدمير كانوا في طريقهم مع تقنيي «اي او دي» الى الباحة. «اسمع، سوف نفجرها»، قال احد السيلز. «روجر هذا»، قال تقني «اي او دي». بدأ يأخذ العبوات ويضعها حول الطابق الأرضي للمنزل الرئيسي. «اللعنة ماذا يحدث»، قال احد «السيلز» فيما كان التقني يفرغ العبوات. الكل كان حائرا.
«قلت لي ان افجرها، صح؟» 
«ليس المنزل»، قال السيلز»، «المروحية».
«اي مروحية؟»
ظن تقني «اي او دي» ان «السيلز» كان يريد تفجير المنزل، وهذه كانت احدى الخطط البديلة التي تدربنا عليها. 
أخبار تحطم تشوك وان لم تكن انتشرت. في واشنطن، لم يكونوا متأكدين اننا تحطمنا عندما كانوا يشاهدون البث المباشر للعملية عبر الطائرة من دون طيار. سمعت فيما بعد ان الفيديو بالأسود والأبيض اظهر وكأننا ركنا الطائرة في الباحة وأنزلنا الفريق. الرئيس وكبار مساعديه كانوا حائرين عندما حدث التحطم، حتى انهم سألوا قيادة العمليات الخاصة المشتركة عما كان يحدث. جاء الرد سريعا من ماكرايفن «سوف نعدل المهمة الآن... لدينا مروحية تحطمت في الباحة. رجالي مستعدون لهكذا طارئ، وسوف يتعاطون معه».
في الخارج، اتم طاقم المروحية تدمير العتاد السري. تيدي، كبير الطيارين وقائد الرحلة، كان آخر من خرج من الباب ونظر ليجد نفسه على ارتفاع ستة اقدام عن الأرض. لم يكن هناك مجال ليقفز الى الأرض ويخاطر بالإصابة، فأخرج حبلا من المقصورة، ونزل به الى الباحة، مما جعله الرجل الوحيد الذي نزل الى المجمع من الطائرة باستخدام الحبل تلك الليلة.
وصل تقنيو «او اي دي» و«سيلز» وبدأوا بوضع العبوات حول خزان الوقود وتسلق السيلز ذنب المروحية وحاول وضع العبوات على اقرب مسافة ممكنة من المروحة الخلفية. لم يساعد عتاده الذي يلبسه والمنظار الليلي في عملية تسلقه ذنب الطائرة المتأرجح والضيق. في كل مرة كان يصل فيها الى الجزء العالق على السياج البالغ من العلو 12 قدما، كان يخشى ان يكسر الذنب بسبب وزنه.
تسلق أقصى ما يمكن، ووضع العبوات بيد فيما استخدم الثانية للابقاء على توازنه. تدمير اجهزة الاتصال والطيران كان اهم ما في الموضوع. بعد لصق العبوات على الذنب، وضع الصواعق الباقية داخل المقصورة. 
في هذه الأثناء، كانت البلاك هوك التي لم تتحطم والتي تحمل الـ «كيو آر اف» في طيران دائري فوق المجمع بانتظار انتهائنا من المهمة. أصبح الوقود مشكلة، مما يعني ان الوقت المتبقي لنا في المجمع كان يتناقص.
«عشر دقائق»، سمعت مايك يقول عبر اللاسلكي. 
في الطابق الثالث، عاد الضوء بعد نهاية مدة التعتيم المفروض، وكان الوقت ممتازا وجعل كل شيء أسهل. فيما تابعت انا في التقاط الصور، كان والت يأخذ عينات الحمض النووي. غمس القطن في دماء بن لادن، وادخل واحدة في فمه للحصول على عينة لعاب. في النهاية، استل إبرة كانت زودتنا بها الـ «سي آي ايه» لاخذ عينة من العظم النخاعي. كان تم تدريبنا على ادخالها في الفخذ للحصول على عينة من داخل العظم. ادخلها والت مرات متعددة، لكنها لم تعمل.
«تفضل»، قلت له مقدما له ابرتي. «جرب هذه». اخذها وغزها في فخذ بن لادن، ولكنها لم تعمل ايضا. «اللعنة على هذه الاشياء»، قال والت وهو يرمي الابرتين جانبا. 
انا اتممت التقاط مجموعة ثانية من الصور مستخدما كاميرا أخرى للسيلز. أخذنا عينتين من الحمض النووي والصور حتى يكون لدينا مجموعتان متطابقتان. والت وضع واحدة في جيبه وأعطى الأخرى الى عضو آخر من الذين جاؤوا بمروحية أخرى. هذا كان مخططا له بعناية حتى اذا ما تم إسقاط احدى المروحيات في طريق العودة الى جلال اباد، يكون هناك مجموعة احتياطية من الحمض النووي والصور. كنا بحاجة الى دليل للاظهار لباكستان والعالم اننا نلنا من بن لادن.
في هذه الاثناء، على الشرفة، كان ويل يحاول الحصول على تصديق ان بن لادن هو الذي على الارض. زوجة بن لادن أمل، التي عانت جرحا في كاحلها، كانت لا تزال في وضع هستيري ورفضت التكلم. كنت اسمع نشيجها على السرير الى جانبي وانا اعمل. المرأة الأخرى، عيناها منتفختان من البكاء، حاولت الابقاء على وجه صارم فيما كان ويل يسألها بالعربية، مرة بعد مرة، عمن يكون الرجل الميت.
«ما اسمه؟».
«الشيخ»، قالت المرأة.
«الشيخ من»؟ قال ويل. لم يكن يريد ان يضع الكلام في فمها والتزم بالأسئلة المفتوحة.
بعدما أعطت لويل اكثر من اسم مستعار، ذهب الى الأولاد الذين كانوا على الشرفة وكانوا جميعهم يجلسون بصمت وظهورهم الى الحائط. قرفص ويل وسأل واحدة من البنات: «من هو هذا الرجل».
«اسامة بن لادن».
ابتسم ويل
«هل انت متأكدة انه اسامة بن لادن؟»
«نعم» قالت الفتاة. «حسنا»، قال هو. «شكرا».
في الممر، امسك بواحدة من الزوجات وعنفها. «توقفي عن العبث معي الآن»، قال ويل بصرامة أكثر هذه المرة. «من هو ذاك الذي في غرفة النوم؟»
بدأت بالبكاء، وبسبب خوفها أكثر من أي شيء آخر، لم تكن مستعدة للمواجهة أكثر. «اسامة»، قالت الزوجة. 
«اسامة ماذا؟» سألها ويل وهو ما زال ممسكا بذراعها.
«اسامة بن لادن»، اجابته.
اعادها ويل الى الشرفة مع الاولاد.
« لدينا تأكيد مزدوج»، قال ويل. «تأكدت مع الطفلة، وتأكدت مع السيدة العجوز، الاثنتان قالتا الشيء نفسه». 
فيما غادر ويل الغرفة، حضر جاي وتوم. عندما رأى الجثمان، جاء ووقف فوقه. «ويل حصل على تأكيد عبر امرأة وطفلة ان هذا هو أ.ب.ل.».
قرفصت بجانب رأسه، وسحبت لحيته الى اليمين حتى يتمكن جاي من رؤيته جانبيا. كان بحوزتي بطاقة «اس اس أي» ووضعتها الى جانب وجهه حتى يرى جاي بن لادن الحقيقي الى جانب صور «سي آي ايه» المعدلة».
«نعم، هذا يبدو على انه رجلنا»، قال جاي. 
غادر جاي الغرفة فورا للاتصال والإبلاغ بينما عاد الباقون منا الى العمل. عندما وصل الى الخارج، اتصل جاي عبر لاسلكي الأقمار الاصطناعية بالأدميرال ماك رايفن، الذي كان في جلال آباد. كان الأدميرال يبقي الرئيس اوباما والباقين في غرفة العمليات في البيت الابيض على اطلاع على تقدمنا.
«لله وللوطن، اقدم جيرونيمو»، قال جاي. «جيرونيمو اي. كاي. آي. ايه. (عدو قتل في المعركة).»
على الشبكة العسكرية، كان بوسعي ان استمع الى الشباب على الطابق الثاني الذين كانوا يحتاجون الى المزيد من المساعدة لجمع كل الدلائل الاستخباراتية في غرفة الاعلام. في الطابق الثاني كان لبن لادن مكتب موقت فيه أجهزة الكمبيوتر الخاصة به وحيث كان يصور فيديواته. كانت الغرفة مرتبة ومنظمة. كل شيء كان له مكان. كل الأقراص المدمجة واقراص الفيديو وكروت الذاكرة كانت مصفوفة بطريقة مثالية. ركز السيلز على جمع كل الاعلام الالكتروني، المسجلات، وكروت الذاكرة، والكمبيوترات. كانت السي آي ايه اخبرتنا نوع المسجلة الرقمية التي يستخدمها بن لادن وارتنا واحدة شبيهة بها اثناء التدريبات. السيلز الذين كانوا يفتشون الطابق الثاني وجدوا واحدة مطابقة للتي توقعتها السي آي ايه. اثار الفريق الاستخباراتي اعجابي مجددا.
عندما انتهينا من عينات الحمض النووي والصور، امسك والت وآخرون رجلي بن لادن، وسحبوه خارج الغرفة. على الرغم من كل الجلبة التي كانت تجري حولي، لا ازال اتذكر كيف جروا جثته نزولا على الدرج. 
انا بقيت في الغرفة وبدأت في جمع اي دلائل استخباراتية امكنني ان اجدها. لم يكن في المكتب اي شيء مفيد. امسكت ببعض الاوراق، على الأرجح كتابات، وبعض الأشرطة، ورميتها في كيس. كلنا كنا نحمل اكياسا خفيفة ويمكن توضيبها لهذه الحاجة. بحث سريع في الحمام الصغير ذي البلاط الأخضر على الحائط لم يظهر شيء ذو فائدة. بيد اني وجدت علبة صبغة ماركة للرجال فقط، التي يمكن انه استخدمها على لحيته. ليس غريبا انه بدا شابا عندما وجدناه.
على الحائط بين الحمام والمكتب، فتحت خزانة خشبية ارتفاعها ستة اقدام ولها بابان. داخلها كان ثياب بما فيها قمصان طويلة وبنطالات واسعة وصدريات تلبس في تلك المنطقة.
صدمت لمدى الترتيب. بالمقارنة مع بعض اجزاء منزله التي بدت وكأن مربو حيوانات يعيشون فيها، كان يمكن لخزانته ان تنجح في امتحان مخيمات المارينز. كل تيشيرتاته كانت موضبة في مربعات وموضوعة في الزاوية. كل ثيابه معلقة على بعد مسافة متساوية عن بعضها البعض. 
«يمكن لهذه ان تكون خزانتي»، قلت في نفسي. 
اخذت بعض القمصان وصدارية ووضعتها في الكيس. اعلم اننا كنا هناك لجمع الاعلام الالكتروني، ولكن بما انه لم يكن هناك شيء من ذلك في مكان بحثي، اخذت الثياب بدلا من ذلك. غرفته بدت عموما وكأنها للنوم.
قبل ان اغادر، لاحظت وجود رف فوق الباب، بالضبط فوق مكان وقوفه عند وصولنا الى الطابق الثالث. مررت يدي فوق الرف وكان هناك قطعتا سلاح، رشاش كلاشينكوف ومسدس ماكاروف في بيت. اخذت كلا من السلاحين وسحبت منها مخزنيها. كان المخزنان فارغين.
لم يتحضر للدفاع اصلا. لم يكن لديه نية للقتال. طلب من مؤيديه على مدى عقود ان يلبسوا سترات انتحارية او ان يقودوا طائرات لصطدمها بمبان، ولكنه لم يلتقط سلاحه حتى. في كل مهماتي السابقة، لاحظنا هذه الظاهرة. كلما علا شأن الهدف الذي طاردناه، كلما كان أكثر جبنا. كان القادة اقل استعدادا للقتال. انهم دوما الشباب والذين يمكن التأثير عليهم من يلتفون بالمتفجرات ويفجرون انفسهم.
بن لادن عرف اننا قادمون عندما سمع المروحية. تكوّن لدي احترام اكثر لأحمد الكويتي في بيت الضيوف لأنه على الأقل حاول الدفاع عن نفسه وعن عائلته. كان لبن لادن متسع اكبر من الوقت للاستعداد، ولكنه لم يفعل شيئا. هل كان يصدق رسالته؟ هل كان مستعدا للمشاركة في القتال في الحرب التي كان يطلبها؟ لا اعتقد ذلك. ان كان غير ذلك، على الأقل كان استل سلاحه ووقف للدفاع عما يؤمن به. لا يوجد شرف في ارسال الناس الى الموت لشيء لن تقاتل من اجله بنفسك.

Since December 2008