الجمعة، 29 يونيو 2018

عقيدة ترامب... القضاء على نظام إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«لقد نجح نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في سبع سنوات من الحرب»، قال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، مضيفاً في معرض مقارنته دوري الأسد وايران في سورية - انه «من وجهة نظر أميركا، يبدو لي ان ايران هي الخطر الأكبر، وعلينا التركيز عليها». 
مقارنة الأسد بايران، والتوصل لاستنتاج بأن الرئيس السوري ناجح في حربه، فيما الوجود الايراني في سورية هو الذي يشكل خطراً على الولايات المتحدة، هو تصريح يصف بفائق الدقة سياسة الرئيس دونالد ترامب الخارجية: مصادقة العالم ومواجهة ايران. 
في هلسنكي في السادس عشر من يوليو المقبل، سيعقد ترامب لقاء قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ترامب صمم شخصياً صورة القمة لتتماهى مع لقاء الرئيس الراحل رونالد ريغان مع زعيم الاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشيوف في ريكيافيك (ايسلندا)، في اكتوبر 1986. غالبية الأميركيين تتذكر اللقاء على ان ريغان عقده مع عدو أميركا السوفياتي، على رغم الاعتراضات الواسعة في الداخل الأميركي، وأعلن يومها انفتاحه على موسكو، فانهار نظامها، وخرجت أميركا منتصرة من الحرب الباردة. 
في قمته وبوتين في هلسنكي (فنلندا)، سيحاول ترامب تكرار صورة لقاء ريغان - غورباتشيوف.
في ريكيافيك، تحادث الأميركيون والسوفيات حول تقليص ترسانتيهما النووية، والتوصل إلى مصالحات للنزاعات حول العالم. في هلسنكي، سيقدم ترامب ما يعتقده عرضاً مغرياً لبوتين: أميركا تسامح روسيا في كل الشؤون العالقة، من احتلال موسكو لشبه جزيرة القرم الاوكرانية، واجزاء من جورجيا، وسيطرتها على سورية وابقائها نظام الأسد، وتجاوزها حقوق الانسان داخل روسيا. اما دليل مسامحة أميركا لبوتين في كل ما ارتكبه فسيتجلى باعادة ترامب روسيا إلى مجموعة الدول الثمانية. 
وكان ترامب دعا، في آخر لقاء لمجموعة الدول السبعة في كندا في الثامن من الجاري، إلى إعادة روسيا إلى هذه المجموعة، بعدما اخرجتها المجموعة عقاباً على احتلالها القرم، ما يعني ان عودة موسكو من دون الانسحاب من القرم هي بمثابة اعتراف غربي بأن لروسيا الحق في ابتلاع اجزاء من اوكرانيا. 
في مقابل كل التنازلات التي سيقدمها ترامب لبوتين في هلسنكي، سيطلب ترامب طلباً وحيداً من الرئيس الروسي: المشاركة في محاصرة ايران والمساهمة في هز، وربما القضاء على، نظام الجمهورية الاسلامية في ايران. سيقدم ترامب تنازلات إلى كل الدول المعنية بشرط واحد: الانضمام لحملة الولايات المتحدة ضد ايران. 
لن تستثني واشنطن الرئيس السوري من عرضها المغري الذي ستقدمه إلى بوتين. سيكون على الأسد، لا التخلي التام عن تحالفه وعلاقته مع ايران، بل تقديم ما في حوزته من معلومات استخباراتية للمساهمة في المواجهة الأممية ضد ايران والميليشيات الموالية لها، وفي طليعتها «حزب الله» اللبناني.
مطلع العام 2009، افتتح الرئيس السابق باراك أوباما سياسة «الانخراط مع الأسد». كانت تلك السياسة مبنية على «تغيير في تصرفات» النظام السوري ورئيسه، وربما استخدام العلاقة المستجدة معه للوساطة مع ايران. عرض ترامب اليوم للأسد يختلف عن عرض أوباما، فالرئيس الأميركي الحالي يريد ان ينخرط الأسد تماماً في المعسكر المعادي لايران كثمن بقائه في السلطة في دمشق، لا انصاف حلول ولا وساطات للأسد بين الغرب وايران. 
اما ان رفض الأسد الانقلاب على إيران و«حزب الله»، فان أميركا - في الغالب بالاشتراك مع روسيا - ستعملان على بدائل له في سورية، في طليعة البدائل العميد سهيل الحسن، الملقب بـ«النمر» ورجل روسيا في الجيش السوري، في وقت تسعى كل من أميركا وروسيا، حسب ما سبق ان أوردت «الراي»، إلى تجنيد قبائل في عموم سورية ولبنان للتحالف معها كبديل للقوى القائمة. 
السياسة الخارجية لترامب، ان امكن إطلاق اسم عقيدة عليها ، فهي بلا شك عقيدة تتمحور حول مصادقة انظمة العالم من شرقه إلى غربه، من الكوري الشمالي كيم جونغ أون وبوتين إلى الفرنسي ايمانويل ماكرون. اما الحكومة الوحيدة التي يبدو ان ترامب مصمم على مواجهتها، ومصمم على جعل مواجهة دول العالم لها مقياساً لصداقة زعماء العالم لأميركا، هي إيران. 
هذه المرة، قد يكون على نظام الأسد الاختيار، وهو اختيار اذاعه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب بقوله ان مقاتليه لن ينسحبوا من سورية إلا بطلب من الأسد. فهل يطلب الأسد ذلك، أم يتخلف عن الطلب ويواجه امكانية استبداله وبقاء نظامه، وهي امكانية يبدو ان حليفته موسكو هي التي تقودها، وتؤيدها فيها بقية عواصم العالم، وفي طليعتها واشنطن.

الخميس، 28 يونيو 2018

سباق أميركي - روسي - إيراني لتجنيد عشائر سورية ولبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حددت الولايات المتحدة ست «قبائل» في حوض الفرات الأوسط، وصفتها بـ«الكبرى»، وأعلنت انه يمكن التحالف معها، وتقديم العون المالي والعسكري والسياسي لها في سياق تثبيت الأمن في المنطقة المذكورة، ومنع عودة تنظيم «داعش»، والمباشرة في عملية اعادة الاعمار. 
وبذلك تعود واشنطن الى سباق كانت هي أطلقته مع خطة «زيادة القوات» في العراق في العام 2007. وينخرط في السباق كل من موسكو، التي تسعى لتنفيذ خطة لاستقطاب العشائر الشيعية في سهل البقاع اللبناني، فيما تعمل طهران و«حزب الله» اللبناني على التحالف مع عشائر سنية في مناطق سورية مختلفة، خصوصا في منطقة حوض الفرات الأوسط. 
عشائر الفرات الأوسط الستة التي ارسلت واشنطن خبراء للوقوف على أحوالها، واستكشاف امكانية التحالف معها، هي الولدة والعفادلة وسبخة والعكيدات والبكارة والبوسرايا. 
وأشارت دراسة صادرة عن «معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى»، أشرف عليها الخبير في الشؤون السورية اندرو تابلر، الى انه «يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الفوز بتعاطف القبائل الستة باظهار الثبات في الموقف، والتزام الاستقرار واعادة الاعمار». ويأخذ الخبراء على ادارة الرئيس السابق باراك أوباما تخليها عن تحالف «قوات الصحوة»، الذي كانت أميركا ساهمت في اقامته من عشائر السنة غرب العراق، وهو التخلي الذي ساهم في انهيار الوضع الامني في العراق وقيام «داعش». 
وبعد استيلاء «داعش» على الموصل صيف 2014، أعلن رئيس الاركان آنذاك مارتن ديمبسي، ان «حجر الزاوية» في الخطة الأميركية للحرب على التنظيم، هو اعادة انشاء الصحوات والعلاقة معها، لكن واشنطن تراجعت امام ضغط رئيس حكومة العراق حيدر العبادي وايران، التي كان يسعى الرئيس السابق باراك أوباما لاسترضائها. وبدلا من اعادة احياء جيش عشائري لتثبيت الامن غرب العراق، قام العبادي بالتحالف مع بعض مقاتلي العشائر السنية، لكن رأس حربة القتال والقوات التي سيطرت على الاراضي التي تم انتزاعها من «داعش» هي ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية الموالية لإيران. 
في مدينتي الرقة ودير الزور السوريتين، تسعى واشنطن لتفادي تكرار الخطأ العراقي بسحب قواتها ووقفها الدعم لحلفائها من العشائر. في حوض وادي الفرات الأوسط، تنوي الولايات المتحدة اقامة قوات عشائرية يمكن الركون اليها على المدى البعيد، وتسليمها الأمن والحكم الذاتي، وابقاء الدعم الاميركي لها، بالتزامن مع تخصيص مبالغ لاعادة إعمار هذه المناطق الواقعة تحت الحكم العشائري، حيث «يمكن للولايات المتحدة الافادة من الشعور المعادي لايران بين القبائل، على الرغم ان نظام (الرئيس السوري بشار الأسد) ما زال يمسك ببعض الاوراق التي يمكنه استخدامها لابعاد القبائل عن أميركا»، حسب الدراسة، التي تقدم تاريخ كل من العشائر الستة، وتعداد ابنائها، واماكن انتشارها، ومواقفها السياسية والعسكرية الماضية. 
لكن الولايات المتحدة ليست الوحيدة في السباق لاستقطاب العشائر في العراق وسورية ولبنان، بل تنافسها ايران، التي انشأت «لواء الباقر»، نسبة للامام الشيعي الخامس. وسبب اختيار الاسم يعود الى مرويات تعتبر عشائر البكارة السنية من سلالة الامام محمد الباقر، المتوفى في القرن الثامن الميلادي. وتتألف القوة المقاتلة لهذا اللواء من ألفين الى ثلاث آلاف من رجال البكارة. وتشير بعض التقارير الى امكانية تشيع هؤلاء المقاتلين، الذين يرفعون راية مستوحاة من شعار الباسيج الايراني ومكتوب عليها «لواء الباقر (ع)». وينخرط اللواء المذكور في المعارك المسلحة في حوض الفرات الأوسط وفي محافظة حلب. 
روسيا، بدورها، لم تتخلف عن السباق الاميركي الايراني للفوز بولاء العشائر المتنوعة، تقول المصادر الأميركية انه منذ مطلع العام 2015 على الأقل، باشر سفير روسيا في لبنان الكسندر زاسبكين بالاتصال بخريجي الجامعات السوفياتية اللبنانيين من ابناء عشائر البقاع الشيعية. وهؤلاء غالبا ما يتحدثون الروسية، ولبعضهم زوجات روسيات. 
وركزت اتصالات زاسبكين على خمس عشائر بقاعية، هي الاكبر، وهي جعفر وزعيتر ومصري وشمص وشريف. وفي ابريل 2017، اعلن الحاج محمد جعفر قيام ميليشيا «درع الوطن»، بتدريب وتسليح وتمويل روسي. ويحمل شعار الميليشيا علمي روسيا وسورية، وتحتهما شجرة الأرز، وهي شعار دولة لبنان. واعلنت ميليشيا «درع الوطن» انها شاركت في القتال في مناطق متنوعة من سورية، بما في ذلك تدمر، ومناطق اخرى شرق سورية بعيدة عن الحدود اللبنانية. 
ولطالما ارتبطت عشائر البقاع بحاكم لبنان السوري الراحل غازي كنعان، وبقي ابناؤها خارج «حزب الله»، كما ساندت هذه العشائر سياسياً رئيس البرلمان نبيه بري، القوة الشيعية الثانية في البلاد. 
وتسعى روسيا لاقامة قوة محلية لها على الأرض، في الغالب لمنافسة «حزب الله»، او على الأقل للامساك بأي مناطق يمكن اخلاء الحزب اللبناني منها. ويبدو ان موسكو تمارس ضغوطا سياسية على الأرض لاخراج مقاتلي الحزب من بعض المناطق السورية، خصوصا في الجنوب المتاخم لإسرائيل، وهو ما حمل الأمين العام للحزب حسن نصرالله إلى إعلان ان مقاتليه لن ينسحبوا من سورية الا بطلب من الأسد نفسه. 
في هذه الاثناء، رصد الخبراء الاميركيون حادثتين على الأقل كادتا تتطوران إلى مواجهات شاملة بين قوات روسيا وإيران على الأرض السورية، واحدة في البوكمال شرقا، وأخرى في القصير غرباً. ولم تنته المواجهة الاخيرة إلا مع إرسال الأسد قوات تابعة له للسيطرة على نقطة حاولت روسيا انتزاعها من الميليشيات الموالية لإيران. 
السباق لتجنيد العشائر مستمر بين اميركا وروسيا وإيران، وهو كلّما اشتد، سيؤدي الى المزيد من المواجهات والتوترات الامنية، من قبيل اندلاع ثأر بين آل جعفر والجمل، ما دفع الجيش اللبناني إلى تعزيز انتشاره في البقاع، شرق لبنان، للتخفيف من الاحتقان، الذي يبدو انه ماض في التصاعد في قادم الأيام.

الثلاثاء، 26 يونيو 2018

أبناء الثورة السورية يأكلونها

بقلم حسين عبد الحسين

لم تبلغ السياسة في بلاد العرب سن الرشد يوما، بل لطالما أخفى العرب نزاعاتهم الشخصية، والثارات القبلية، والعداوات، والعصبيات العشائرية خلف شعارات بدت وكأنها حزبية تنتمي إلى عصر الحداثة أو ما بعده، لكن الشعارات بقيت شعارات، فتحول "حزب الدعوة الإسلامية" في العراق إلى ثلاثة أحزاب أو أربعة، كلها تحمل الاسم نفسه، وانقسم "حزب البعث العربي الاشتراكي" إلى اثنين، واحد عراقي والآخر سوري، وتفتت القوميون العرب الفلسطينيون إلى ثلاثة "جبهات" أو أكثر، وكذلك "الكتائب اللبنانية" و"القوات اللبنانية" المنبثقة عنها، و"الحزب الوطني الكردستاني" و"حزب التغيير" المنشق عنه، والأخير حزب تغييري لم يتغير رئيسه إلا بالموت.

لم يشت المعارضون السوريون عما درج عليه العرب والكرد في ما يسمونه "سياسة"، إذ على الرغم من حملة العنف غير المسبوقة التي شنها الرئيس بشار الأسد على السوريين، وخصوصا المعارضين منهم، لم تساهم دموية الأسد في توحيد صف المعارضين السوريين، بل إن المعارضين أنفقوا وقتا يهاجمون بعضهم البعض أكثر بكثير من الوقت الذي أمضوه للعمل على التخلص من الأسد ودمويته.

في سوق الاتهامات، يندر أن يقدم أي من السوريين أفكارا بناءة لخروج سورية من محنتها، خارج الأفكار عن الدستور وتقاسم المناصب

أدت الانقسامات إلى قيام عدد لا يحصى من فصائل المعارضة السورية المسلحة، بعضها إسلامي، وبعضها الآخر أكثر إسلامية، بعضها فصائل الشام، وأخرى كتائب الشام، وغيرها جنود الشام، وغيرهم جيش الشام، لا يفصل بين الجيش وجنوده، ولا الفصائل وكتائبها، ولا الإسلامي والسلفي والجهادي، إلا السباق على النفوذ، وعلى السيطرة على حي هنا أو زقاق هناك، وعلى استعراض القوة على السكان، تماما كما "تمرجل" زعران الأسد وشبيحته على السوريين على مدى العقود الأربعة الماضية.

أما المعارضة السورية غير المسلحة فهي أقل ضررا على السوريين، ولكنها من نفس مدرسة الانقسامات والسباق على المصالح الشخصية.

اقرأ للكاتب أيضا: في لبنان فساد بلا فاسدين

منذ المؤتمر الأول للمعارضة السورية في مدينة أنطاليا التركية، يوم كانت التظاهرات لا تزال تخرج في مدن سورية وبلداتها، كان المعارضون يتغامزون على بعضهم البعض، يتآمرون، يتسابقون على رعاية العواصم لهم ولأزلامهم، وهي رعاية غالبا ما أنفق أموالها بعض المعارضين السوريين على شراء تذاكر طيران الدرجة الأولى، والإقامة في فنادق النجوم الخمس، والجلوس في بهو هذه الفنادق، ينفخون فيها دخان سيجارهم الفاخر ويتآمرون على بعضهم البعض.

على مدى العقود الماضية، انخرط اللبنانيون، والتحق بهم العراقيون منذ العام 2003، بما يتعارف العرب على تسميته سياسة، وهذه عبارة ـ كما أسلفنا ـ عن ثارات شخصية، وعداوات عشائرية، كلها مغلفة بشعارات عن الوطنية، لكنها شعارات مطاطة تسمح لأصحابها بتغيير ألوانهم بسرعة وخفة، فينقلب أعداء إيران إلى حلفائها وينقلب أصدقاء السعودية إلى أعدائها، في عملية مثيرة للغثيان، لا ثابت فيها إلا مصلحة السياسيين ممن نصبوا أنفسهم زعماء، في الحكومات كما في معارضاتها.

منذ المؤتمر الأول للمعارضة السورية كان المعارضون يتغامزون على بعضهم البعض

لكن السوريين، منذ اندلاع ثورتهم في العام 2011، قدموا أداء غير مسبوق في الانقسامات والمناكفات كادت تجعل الأسد ودمويته تبدوان وكأنهما خيار لا مفر منه.

يهاجم المعارضون السوريون بعضهم البعض في كل تصريح وحول كل موضوع. يسارعون لنبش الماضي، واتهام فلان أنه كان "يعمل لدى بثينة" شعبان، من بلاط الأسد، أو في "العمل في جمعيات أسماء" الأسد، زوجة بشار. ويتهم الإسلاميون العلمانيين بالإلحاد والإعجاب بالغرب، ويسخر العلمانيون من الإسلاميين وفتاوى بعض رجال الدين المضحكة. ويكره الطرفان الكرد، ويكره الكرد الطرفين.

اقرأ للكاتب أيضا: عن القدس ويومها

في سوق الاتهامات والشتائم، يندر أن يقدم أي من السوريين أفكارا بناءة لخروج سورية من محنتها، خارج الأفكار عن الدستور وتقاسم المناصب. ما تحتاجه سورية ولا يقدمه المعارضون هي أفكار من قبيل كيف يمكن لبلاد شحت مياهها وانعدمت مواردها الأولية وسوى مدنها الأسد وحلفاؤه بالأرض، وقضت عقود من عبثية العروبة على رأسمالها البشري وعلى العلم فيها واللغات الأجنبية بين صفوف مواطنيها، كيف يمكن لهذه البلاد أن تعود إلى حياة لتعيل 17 مليونا من السوريين؟

بدلا من أن يقدم السوريون أفكارا حول انتقال بلادهم من حكم الأشخاص، الأسد أو معارضيه، إلى حكم المؤسسات المرهونة بالسياسات (لا بالسياسيين)، ينهمكون في حملات قاسية وطويلة ومملة، يشتم فيها مشعل أيادا ويشتم فيصل غسانا، وهكذا دواليك، في دوامة مثيرة للاشمئزاز، لا ينفرد بها السوريون بين العرب، وإنما يتصدرونها اليوم، مثلهم كمثل من قال عنهم السيد المسيح ممن "يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه".

اشتعال صراع «الحمائم» و«الصقور» في إدارة ترامب

واشنطن - حسين عبدالحسين

أشعلت التقارير حول إمكانية قيام وزير الخارجية مايك بومبيو بتعيين سفير الولايات المتحدة لدى باكستان ديفيد هيل وكيلاً للشؤون السياسية، وهو ثاني أعلى منصب في الوزارة، حرب أجنحة، بين الصقور والمحافظين، داخل دوائر القرار الأميركية. 
الصقور يقودهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، المعروف بمواقفه المتشددة والداعية لاستخدام القوة لفرض النفوذ حول العالم وحماية المصالح الأميركية. أما الحمائم، فهم اليوم بقيادة وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يُجمع المراقبون على طموحه للترشح إلى الرئاسة في السنوات المقبلة. 
وعلى عكس بولتون، الآتي من عالم مراكز الأبحاث حيث تجمعه صداقات مع عدد كبير ممن يمكنهم العمل في فريقه، تنحصر علاقات بومبيو بمعارفه أثناء عمله عضواً في الكونغرس، وهؤلاء قلّما يكون بينهم من يتمعون بخبرات في السياسة الخارجية، وهو ما دفع بوزير الخارجية، وهو نفسه من حديثي العهد في الشؤون الدولية، إلى الاستناد لخبرات الديبلوماسيين المحترفين.
أما مشكلة الديبلوماسيين المحترفين، من أمثال هيل، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بالوكالة ديفد ساترفيلد، وديبلوماسيين من جيلهما ممن خرجوا الى التقاعد، من أمثال السفراء السابقين فرانك ويزنر وريان كروكر ودان كيرتزر، فهي أن رؤيتهم لشؤون منطقة الشرق الأوسط، والعالم عموماً، تتوافق أكثر مع سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، التي تُعلي الديبلوماسية على الحرب، منها مع مواقف الرئيس الحالي دونالد ترامب.
ويسعى الحمائم في واشنطن إلى مهادنة الدول المعادية، كما هي الحال في «سياسة الانخراط» مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قبل سنة 2011، والتي تلاها سعي أوباما لاستمالة النظام الإيراني، ومحاولته إعادة الصداقة والتحالف بين واشنطن وطهران إلى ما كانا عليه قبل اندلاع الثورة الاسلامية في سنة 1979. 
والتباين بين الصقور والحمائم ليس جديداً من نوعه في العاصمة الاميركية، بل تجلّى في ولايتي الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي سيطر الصقور، منهم نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبولتون نفسه، على ولايته الأولى، فذهبوا إلى الحرب في العراق، ودعموا مواجهة إيران والميليشيات الموالية لها في المنطقة، وفي طليعتها «حزب الله» اللبناني.
لكن مع تعثر حرب العراق، حيّد بوش نائبه تشيني وأقال وزير دفاعه رامسفيلد وسلّم الدفة لوزيرة الخارجية الدكتورة الأكاديمية كوندوليزا رايس، فلجأت الأخيرة إلى مخضرمي وزارة الخارجية، وكان في طليعتهم كروكر وساترفيلد، فعقد هؤلاء مؤتمر أنابوليس للسلام وأعادوا بموجبه الاعتراف بنظام الأسد دولياً، ودفعوا التحالف الذي كان مناوئاً لـ«حزب الله» في لبنان الى الدخول في «اتفاقية الدوحة» مع الحزب. وفي زمن رايس، شارك أرفع مسؤول أميركي حتى تاريخه، وهو وكيلها بيل بيرنز، في المفاوضات الدولية النووية مع إيران. 
ومع دخول أوباما الحكم، أكمل ما كانت بدأته رايس وحمائم الخارجية، كما هي الحال في موافقة واشنطن على قيام بيروت و«حزب الله» بالقضاء على رجل الدين أحمد الأسير في صيدا. وأثناء ولاية هيل سفيراً لأميركا لدى لبنان، رعى موافقة رئيس الحكومة سعد الحريري على انتخاب النائب السابق سليمان فرنجية رئيساً، وهي الموافقة التي أفضت لانتخاب ميشال عون، حليف «حزب الله» الأقرب، رئيسا للبنان. ويتمتع هيل بصداقات شخصية متينة في لبنان منذ تدرجه فيه ديبلوماسياً قبل عقود وقبل وصوله بيروت سفيراً، منها مع نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، كما مع فرنجية.
مواقف الحمائم، من أمثال هيل، تشي بأن تعيينه في منصب الرجل الثاني في الخارجية سيعزز حظوظ الديبلوماسية، بما في ذلك الديبلوماسية مع ايران والميليشيات الموالية لها مثل «حزب الله». كذلك، من المعروف أن الحمائم، مثل هييل وساترفيلد وكروكر وويزنر، يؤيدون بقاء الأسد رئيساً لسورية والتوصل إلى تسوية سياسية معه، وهو موقف يكرره علناً الديبلوماسيان المتقاعدان كروكر وويزنر، ويقوله في مجالسهما الخاصة هيل وساترفيلد.
هذا الأسبوع، يزور بولتون موسكو في محاولة لإقامة جبهة مع الروس لمواجهة الإيرانيين، ديبلوماسياً ومالياً وحتى عسكرياً. أما بومبيو، فهو في تعيينه المحتمل لهيل نائباً له يرسل رسالة مفادها أن في إدارة ترامب من يعملون من أجل التوصل إلى حلول بالوسائل الديبلوماسية، وهو ما أثار حفيظة الصقور، ودفعهم الى محاولة تذكير الحمائم بأن مواجهة إيران هي في صلب سياسة ترامب ومواقفه التي وعد بها ناخبية أثناء حملته الانتخابية، وأن أي تهاون أو ديبلوماسية مع طهران هي سياسة تنتمي إلى العهد السابق، ولا مكان لها، ولا لأربابها، داخل الادارة الحالية.

لافروف يلتقي بولتون غداً

موسكو - رويترز - أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أمس، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيلتقي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في موسكو غداً الأربعاء.
من جهته، أعرب الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط والبلدان الإفريقية ميخائيل بوغدانوف، عن أمل موسكو في بحث الوضع في سورية مع بولتون.
واشار إلى أنه سيتم خلال المحادثات مع المسؤول الأميركي مناقشة العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي وسورية، وفلسطين، وغير ذلك من قضايا.
وبشأن ما يتردد عن محادثات ثلاثية بين روسيا والولايات المتحدة والأردن حول الوضع في جنوب سورية، قال إنه سيتم بحث هذا الملف على المستوى الثنائي في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأردني سيزور موسكو لهذا الغرض.

الجمعة، 22 يونيو 2018

كوشنر يواجه انتقادات لاختلاط أعماله بدوره السياسي

حسين عبدالحسين

في الوقت الذي كان الرئيس دونالد ترامب يُمنى بهزيمة سياسية قاسية بتراجعه عن سياسة فصل أولاد اللاجئين عن أهاليهم، واصل صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، يرافقه مساعده ومسؤول المفاوضات العربية - الاسرائيلية جيسون غرينبلات، جولتهما في المنطقة.
وما تزال المقاطعة قائمة بين القيادات الفلسطينية على أنواعها، وفي طليعتها السلطة التي يرأسها محمود عباس في رام الله، وبين الإدارة الاميركية، ما يجعل الحديث عن تسهيل ترامب للسلام الاسرائيلي مع الفلسطينيين موقفاً مُبهماً. 
وفي واشنطن، يتعرض كوشنر لحملة سياسية قاسية من خصوم ترامب، خصوصاً من الحزب الديموقراطي، ممن يتهمون صهر الرئيس باستغلال النفوذ لمصالح شخصية، تحديداً لإنقاذ مشروع عائلة كوشنر الاستثماري العقاري المتهالك في مدينة نيويورك.
وكان تشارلز والد جاريد كوشنر اشترى في سنة 2007 برجاً يقع على الجادة الخامسة، ذات المباني الفاخرة، في مدينة نيويورك، بصفقة بلغت 1,8 مليار دولار. إلا أن الأزمة المالية التي اندلعت في خريف 2008 كبدت عائلة كوشنر خسائر أجبرتها على البحث عن متمولين لإنقاذ القرض المتبقي منه 1,4 مليار دولار، والذي يحين موعد تسديده مطلع السنة المقبلة، فيما يبدو أن شركة كوشنر لن تتكمن من سداد هذا الدين. 
وكان كوشنر، اليهودي الأرثوذوكسي الاميركي، حصل على قرض أخيراً من أحد البنوك الإسرائيلية للسبب نفسه.
وبسبب تداخل الأعمال والعقارات مع هوية الممولين الأجانب، تعالت الأصوات في واشنطن ضد زيارات كوشنر إلى الدول العربية وإسرائيل، وطالب الديموقراطيون بتعيين بديل لصهر الرئيس الذي لا يبدو أنه يفصل كثيراً بين مصالحه ومنصبه كمسؤول رفيع في حكومة الولايات المتحدة.
لكن البيت الابيض رد على المنتقدين بتأكيد أن زيارة كوشنر للأردن ومصر تثبت أن هدف جولته هو تحقيق اختراق بالتوصل الى تسوية سلمية بين العرب والاسرائيليين، وان كوشنر «نجح حتى الآن في ما فشل فيه كثيرون من قبل ممن حاولوا القيام بالدور نفسه».

الأربعاء، 20 يونيو 2018

إسرائيل تنسج جبهة لـ «إخراج إيران من سورية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فيما تغرق واشنطن في قضية فصل أطفال اللاجئين عبر الحدود الجنوبية عن أهاليهم، تتابع بعض الدوائر الأميركية تطورات الحرب التي تقودها إسرائيل لإخراج إيران من سورية، والتي وصلت ذروتها مع توسيع الدولة العبرية مسرح عملياتها بتوجيه مقاتلاتها ضربة لمعسكر تابع لميليشيات «الحشد الشعبي» العراقية الموالية لإيران على الحدود السورية - العراقية، ليل الأحد الماضي. 
وقالت المصادر الأميركية إن إسرائيل حصلت على معلومات استخباراتية مفادها أن ضباطاً في «الحرس الثوري» الإيراني يستخدمون المعسكر كمحطة وصل لتزويد قواتهم في الجنوب السوري بالعتاد والتقنيات العسكرية. 
رسالة تل أبيب لطهران، حسب المصادر الأميركية، هي أن «مسرح دفاع إسرائيل عن نفسها لا يقتصر على المناطق السورية المحاذية للشمال الاسرائيلي، بل يشمل أي رقعة في المنطقة حتى لو كانت داخل إيران نفسها».
ويأتي التصعيد الإسرائيلي ضد ايران في وقت كثّفت تل أبيب من حركتها الديبلوماسية الهادفة إلى إنشاء جبهة دولية قوامها روسيا وحلفاء روسيا السوريون، والأردن، على أن تقوم هذه الجبهة بمجهود مشترك لـ«إخراج إيران بالكامل من سورية». 
وإذ لفتت إلى زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الأردن، قبل أيام، حيث التقى الملك عبدالله الثاني في لقاء هو الأول من نوعه بينهما منذ 2014، أوضحت المصادر أن تل أبيب تسعى لتأمين مصالح المشاركين معها في «الجبهة» التي تسعى لإقامتها داخل سورية. 
بالنسبة لموسكو، التي زارها سراً مستشار الأمن القومي الاسرائيلي مائير بن سبت والتقى فيها نظيره نيكولاي بتروشوف، تسعى إسرائيل للمساهمة في حماية مصالحها في سورية، حتى لو اقتضى ذلك بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، شرط أن يفترق الأخير عن إيران والميليشيات الموالية لها.
لكن التقارير المتواترة إلى واشنطن تشير إلى شبه استحالة انفصال الأسد عن إيران، حتى لو أراد ذلك، وهو ما دفع روسيا إلى دفع رجلها العقيد سهيل الحسن، الملقب بـ«النمر»، إلى الواجهة، كبديل عن الرئيس السوري. وفي هذا السياق، رصد المراقبون في واشنطن أن كل الوحدات التي انتشرت في محافظتيْ السويداء ودرعا السوريتين الجنوبيتين، استعداداً لاقتحام المناطق التي تسيطر عليها فصائل معارضة للأسد، هي وحدات تابعة للنمر. كما رصدت التقارير، السرية والعلنية، تولي رجال النمر القيادة في بعض الوحدات العسكرية التي كانت تابعة للنظام في الجنوب. 
أما بالنسبة للأردن، فتقول المصادر الاميركية إن عمّان تخشى أن تجد نفسها على تماس مع «الحرس الثوري» الإيراني على حدودها الشمالية، وتذكّر بأن «حزب الله» اللبناني حاول في الماضي إقامة خلايا داخل الأردن بهدف إنشاء مجموعات في الضفة الغربية، لكن الاستخبارات الاردنية فكّكت هذه الخلايا وألقت القبض على أفرادها، قبل أن تستعيد حكومة لبنان المعتقلين التابعين للحزب.
وتخلص المصادر إلى أن إسرائيل تسعى لإقامة جبهة تضم كل الأطراف التي لها مصلحة في إخراج إيران والميليشيات الموالية لها من سورية، مشيرة إلى أنه في الماضي، كان يمكن للأسد، ووالده الرئيس الراحل حافظ الأسد، الإمساك بزمام الأمور وضبط الوضع الأمني في سورية ولبنان، بما في ذلك «حزب الله»، وهو ما جعل بقاء النظام مصلحة اسرائيلية. لكن الأسد الابن، وفقاً للمصادر الأميركية، لا يبدو أنه قادر على السيطرة على إيران وحلفائها، بل يبدو أنه صار تحت رحمتها، وهو ما يجبر تل أبيب على التعامل مع الوضع بشكل عسكري مباشر، والتنسيق مع الروس والأردنيين للتوصل الى صيغة بديلة للدور الذي لعبه الأسد الأب على مدى العقود الماضية.

التحالف: تصفية مدير شبكة النفط والغاز في «داعش»

واشنطن - وكالات - أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن تصفية قيادي بارز في تنظيم «داعش» وثلاثة من مساعديه في عمليات نفذت الشهر الماضي بوادي نهر الفرات الأوسط في سورية.
وذكر التحالف، في بيان مساء أول من امس، إنه قتل زعيم شبكة النفط والغاز أبو خطاب العراقي وثلاثة أعضاء آخرين في التنظيم في 26 من مايو الماضي في وادي نهر الفرات الأوسط، مشيراً إلى أن العراقي «كان يدير جني الإيرادات من خلال مبيعات نفط وغاز غير قانونية».
وأضاف ان مساعدي العراقي الثلاثة الذين قتلوا معه هم «أبو يوسف الهاشمي وأبو هاجر ملحم وأبو هبة المغربي»، مشيراً إلى أن «مقتل هؤلاء الاعضاء سيضعف العمليات التمويلية لتنظيم (داعش) في العراق وسورية».

الثلاثاء، 19 يونيو 2018

إسرائيل تنسج جبهة لـ «إخراج إيران من سورية»

حسين عبد الحسين

تناقل اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحماسة خبر تسليم صهر ملك إسبانيا نفسه إلى السلطات المختصة لقضاء حكم بالسجن يمتد حتى ست سنوات، بعد ثبوت استغلاله النفوذ الملكي للإثراء غير المشروع. لم يفت اللبنانيين التشابه بين "الصهر والفساد" في إسبانيا كما في بلادهم. أما المفارقة، فتكمن في أن الخبر الإسباني يأتي وسط حمى غير مفهومة تجتاح السياسيين اللبنانيين، الذين يعلنون نيتهم شن حرب لا هوادة فيها على الفساد في لبنان.

الغريب في الحملة اللبنانية المعلنة ضد الفساد أنه لا يمكن ربطها بأية تغييرات طرأت، أو ستطرأ، على شكل الفريق الحاكم في بيروت. صحيح أن اللبنانيين انتخبوا برلمانا جديدا الشهر الماضي، لكن الكتل السياسية حافظت على أحجامها نسبيا، وانتخب "مجلس النواب" الجديد رئيسه نبيه بري لولاية سادسة متتالية منذ العام 1992. وبقاء بري في رئاسة البرلمان يتزامن مع بقاء ميشال عون في رئاسة الجمهورية، منذ انتخابه رئيسا في خريف 2016. ولتأكيد بقاء الطاقم اللبناني القيادي على حاله، كلف عون رئيس الحكومة سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة.

منذ بدء عهد عون، المترافق مع رئاسة بري في البرلمان ورئاسة الحريري للحكومة، تراجع لبنان في الترتيب العالمي للفساد من 136 إلى 143، حسب مؤسسة "الشفافية العالمية"، وهو تراجع يتوج عقودا من التدهور في مؤسسات الحكومة اللبنانية على أنواعها، وارتفاع الدين العام إلى مستوى دفع لبنان للحلول في المركز الثالث عالميا، بعد اليابان واليونان، في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي.

اقرأ للكاتب أيضا: عن القدس ويومها

وفيما راح زعماء لبنان يتسابقون في إعلان "الحرب على الفساد"، كان لبنانيون يتظاهرون ضد مصادرة بعض هؤلاء الزعماء لمساحات من الشاطئ العام لإقامة منتجعات سياحية خاصة تدر عليهم أرباحا، فيما واصل سياسيون نافذون آخرون تشغيل ما يعرف بـ"الكسارات"، وهذه ماكينات تقوم بقضم الجبال اللبنانية وتحويلها إلى حصى وتراب للبناء. ومع مصادرة الشواطئ وإخفاء الجبال، صدر مرسوم منح الجنسية اللبنانية لعدد من أثرياء الحرب السورية وغيرهم من مبيضي الأموال من حول العالم.

وفي وقت بدا جليا أن من أصدر مرسوم التجنيس تقاضى أموالا طائلة من هؤلاء المتمولين غير اللبنانيين، لم يعلن أي من المسؤولين اللبنانيين مسؤوليته عن المرسوم، بل إن الكتلة البرلمانية التابعة لعون رفضت مناقشة المرسوم في لقائها الأسبوعي، علما أن أعضاء الكتلة الرئاسية لا ينفكون يصرخون ضد إقامة غير اللبنانيين في لبنان.

وبين مصادرة الشواطئ، وقضم الجبال، وبيع الجوازات، تناقل اللبنانيون الحديث عن صفقة استئجار بواخر لإنتاج الكهرباء، بمبالغ خيالية، في صفقة تفوح منها رائحة فساد. وكان وزراء عون، ممن سبق أن شغلوا منصب وزير الطاقة والمياه أنفقوا مئات ملايين الدولارات من الأموال العامة للتوصل إلى حل نهائي لأزمة انقطاع الكهرباء. لكن الأموال طارت وبقيت أزمة الكهرباء.

يقول المثل الشعبي اللبناني إن "من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب (أي معطل)"، وهو مثل ينطبق على الحرب التي يعلنها قادة لبنان على الفساد المستشري في دولتهم. فكيف يمكن أن يقوم نفس الطاقم القيادي الذي أشرف على غرق لبنان في المزيد من الفساد بإخراج لبنان من هذا الفساد؟ وما الذي تغير في قوانين لبنان، أو في ثقافته السياسية، أو في هوية قادته، حتى تخرج البلاد من قعر الترتيب العالمي للفساد؟

اقرأ للكاتب أيضا: من انتصر في أزمة الخليج؟

في الماضي، سبق لقادة لبنان أن أعلنوا حربا على الفساد، فتحولت حربهم تلك إلى حرب على خصومهم السياسيين، وصارت حربا بين مسؤول جديد يسعى للدخول في نادي الفساد والفاسدين، ومسؤول قديم يسعى للحفاظ على ما جنت يداه من الأموال العامة. أما نتيجة الحروب المتتالية التي أعلنها رؤساء لبنان في الماضي على الفساد، فلم يتمخض عنها إلا إقالة مدير من درجة ثالثة في وزارة الصحة من هنا، ومحاسب صف ثاني في وزارة المالية من هناك، وسجن مؤقت لمسؤول كبير في شركة "كهرباء لبنان".

أما من جنوا ثرواتهم من أموال الشعب اللبناني، فإما يتمتعون بما جمعوه في إجازات في عواصم أوروبا وأريافها، وإما هم لا يزالون في مناصبهم في الدولة وعينهم على المزيد.

في لبنان فساد كبير ولا فاسدين، لأن معظم المؤتمنين على حماية الأموال العامة هم سبب المشكلة، وتاليا يصعب أن يكونوا جزءا من الحل، أو على ما يقول مثل عامي آخر "حاميها حراميها".

الخميس، 14 يونيو 2018

قادة «الحرس الثوري» الأثرياء «يُخرجون» 59 مليار دولار من إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تعمل وزارة الخزانة الأميركية على إرسال موفدين منها إلى الدول الأوروبية والعربية، الحليفة للولايات المتحدة، لتحذيرها من مغبة التعامل مع إيران مع عودة العقوبات الأميركية على طهران، على إثر إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاقية النووية معها، ودخول العقوبات حيز التنفيذ على دفعتين، في 6 أغسطس وفي 4 نوفمبر المقبلين. 
الدفعة الاولى من العقوبات مباشرة، وستشمل وقف التعامل مع حكومة إيران ومصرفها المركزي، بما في ذلك وقف التبادل النقدي والمعادن الثمينة مثل الذهب، وحظر شراء أي سندات قد تصدرها إيران لتمويل دينها العام، وإقفال الأسواق في وجه صادرات إيران من السيارات. 
أما الدفعة الثانية، فتستهدف قطاعي النقل البحري، والنفط، وفرض عقوبات على الدول التي تواصل التعامل مع المصارف الايرانية أو قطاع النفط وما يتفرع عنه من نقل وتأمين وتخزين وصيانة. وتعمل وزارة الخزانة في الوقت نفسه على حظر أي تعامل أميركي مع أي من الشركات، حول العالم، التي تصدر منتجاتها إلى إيران. 
ويمثل نجاح العقوبات الأميركية هدفاً تسعى إليه واشنطن بجدية، فيما تسعى عواصم العالم المنافسة، خصوصاً بكين وموسكو، لإفشال هذه العقوبات، وإظهار أنه من دون عودة العقوبات الدولية، لا يمكن للأميركيين وحدهم فرض مشيئتهم على الإيرانيين والعالم. 
في المقابل، يعوّل الأميركيون على عنصريْن لإنجاح العقوبات الأميركية الأحادية على إيران، الأول هو حجم الاقتصاد الاميركي البالغ عشرين في المئة من اقتصاد الكوكب، والثاني هيمنة القطاع المصرفي الاميركي حول العالم إذ يقدر الخبراء أن واحداً من كل دولارين ونصف يدوران حول العالم يمرّان عبر الولايات المتحدة ومصارفها.
ويبدو أن أوروبا، التي يبلغ حجم اقتصادها أكبر من اقتصاد أميركا بقليل، تدرك تفوق الأميركيين اقتصادياً. لهذا السبب، قام الاتحاد الاوروبي بإعداد بعض الاجراءات التي يأمل أن تمتص الصدمة الاميركية وتحد من تأثيراتها على اقتصاد إيران، بما في ذلك محاولة تحويل مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي، في هذه الحالة اليورو، الى المصرف المركزي الايراني، استباقاً للعقوبات.
لكن الاجراءات الاوروبية لا يبدو أنها أقنعت شركات أوروبا نفسها بالوقوف في وجه العقوبات الاميركية على إيران، وتجلّى ذلك في إعلان شركة «توتال» الفرنسية للنفط نيتها الانسحاب من عقد بقيمة 5 مليارات دولار، كانت وقعته مع طهران، بهدف تطوير الرقعة 11 من حقل بارس النفطي. ويعتقد الخبراء الأميركيون أن كبرى شركات العالم ستضطر للاختيار بين عقود إيران وسوقها وبين السوق الاميركية، وبطبيعة الحال فإن الشركات لن تتخلى عن أميركا للبقاء في ايران، وهو ما فعلته «توتال».
أمام انسحاب الشركات الأميركية الكبيرة، عدّل الاتحاد الاوروبي من استراتيجية الالتفاف على العقوبات الاميركية، وراح يستهدف الشركات الأوروبية الصغيرة التي لا تتعامل مع أميركا وسوقها. لكن هذه الشركات لا قدرات لديها على امتصاص الصدمة الأميركية. حتى الشركات الصينية والروسية غير قادرة على الالتفاف على العقوبات الأميركية، فمن دون شركة «توتال»، مثلاً، لا قدرات تقنية لدى روسيا أو الصين لتطوير حقل بارس النفطي. 
وبسبب الصورة القاتمة، راحت العملة المحلية الايرانية تتهاوى أمام العملات العالمية، ورصد الخبراء الاميركيون تواصل النزيف في رؤوس الأموال التي تسارع للهروب من إيران منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في يناير 2017. 
ويقول الخبراء الاميركيون ان في صدارة مهربي أموالهم الى الخارج قادة «الحرس الثوري» الإيراني ممن جمعوا ثروات باستغلال مناصبهم ونفوذهم. وفي هذا السياق، يقدر الخبراء الاميركيون حجم الأموال التي خرجت من إيران بين مارس 2017 ومارس 2018 بنحو 59 مليار دولار، حسب التقارير الرسمية الإيرانية، بما في ذلك خروج 13 ملياراً في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام. 
كما رصد الخبراء الأميركيون تقارير إيرانية عن انخفاض في احتياطي طهران من العملات الأجنبية بواقع 16 مليار دولار في الفصول الثلاثة الاخيرة من العام الماضي، مقارنة بزيادة بلغت نحو 28 ملياراً على مدى السنوات الثلاثة التي سبقت مرحلة بدء تقلص الاحتياطي، وهي عملية مستمرة منذ أكثر من عام.
وتعتقد الأوساط المتابعة للشأن الايراني ان «الثقة بالاقتصاد الايراني اهتزت منذ إعلان الرئيس ترامب نيته الانسحاب من الاتفاقية النووية»، وأن «تدهور الاقتصاد الايراني بدأ فعلياً قبل عام أو أكثر، ولن تنجح أوروبا والصين وروسيا في وقفه، بل الأرجح أن يتدهور الاقتصاد الإيراني بوتيرة أسرع مع حلول موعد 4 نوفمبر».

الأربعاء، 13 يونيو 2018

خطة ترامب للسلام العربي - الإسرائيلي تضع دول الخليج... «في مقعد السائق»

واشنطن - من حسين عبد الحسين

يصل منطقة الشرق الأوسط والخليج الوفد الأميركي للسلام العربي - الاسرائيلي برئاسة مبعوث البيت الأبيض، صهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه، جارد كوشنر، يرافقه جيسون غرينبلات، مصمم عملية السلام بشكلها الجديد منذ وصول ترامب إلى الرئاسة مطلع العام الماضي.
وبالإضافة إلى عواصم الخليج، سيزور الوفد الأميركي إسرائيل لإطلاع مسؤوليها على نتائج محادثاتهم العربية. 
ويكرر ترامب وكوشنر أن هذه الإدارة ستقدم «صفقة القرن» للتوصل إلى سلام بين العرب والاسرائيليين. وكان غرينبلات ابتكر ما أطلق عليه تسمية السلام «من الخارج إلى الداخل»، الذي يوقع بموجبه العرب، خصوصاً في الخليج، اتفاقية سلام مع إسرائيل، يليهم الفلسطينيون، على عكس الصيغة التقليدية المسماة «من الداخل إلى الخارج»، التي يوقع بموجبها الفلسطينيون أولاً، ثم يتبعهم بقية العرب.
وكان غرينبلات في عداد الوفد الذي رافق ترامب خلال زيارته الرياض في أولى زيار
وكان غرينبلات في عداد الوفد الذي رافق ترامب خلال زيارته الرياض في أولى زياراته الخارجية، في مايو العام الماضي، وهو استحصل مع كوشنر وابنة الرئيس ايفانكا على فتوى من حاخامهم في نيوجيرسي سمحت لهم بالطيران على متن الطائرة الرئاسية لأن الرحلة صادفت يوم السبت اليهودي. 
وأمضى غرينبلات الساعات الأولى من إقامته في الرياض في فندقه حتى انقضاء السبت، ثم شارك بعد ذلك في كل اللقاءات الثنائية التي عقدها ترامب مع المسؤولين العرب، وهو ما أكد منذ ذلك الوقت أن الرئيس الأميركي يولي موضوع التوصل إلى سلام بين الخليج وإسرائيل أهمية قصوى.
خطة كوشنر - غرينبلات تضع دول الخليج «في مقعد السائق»، حسب تعبير المتابعين في العاصمة الأميركية، وتُجبر الفلسطينيين على قبول ما يقبله بقية العرب. لهذا السبب، يستثني وفد السلام الأميركي، خلال زيارته المنطقة، عقد أي لقاءات مع السلطة الفلسطينية في رام الله أو أي أطراف فلسطينية اخرى. 
ونقلت وسائل إعلامية عن مسؤول أميركي قوله إن أمام الفلسطينيين خيارين: إما أن يوقعوا على الاتفاقية التي يقبلها العرب وإما يبقون «وحدهم في البرد في الخارج».
ويُلاحظ المراقبون انقطاعاً شبه تام في العلاقات بين السلطة الفلسطينية والبيت الأبيض، منذ آخر اتصال بين ترامب والرئيس محمود عباس في يناير الماضي، قبل إعلان الرئيس الأميركي نيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
ويأمل ترامب تحقيق «اختراق» في عملية السلام بين العرب والاسرائيليين في مهلة أقصاها سبتمبر المقبل بهدف حمل اتفاقياته التي يصفها بالتاريخية، مع كوريا الشمالية وبين العرب وإسرائيل، إلى الناخبين الأميركيين، قبل الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل. 
ويأمل الرئيس الأميركي أن تساهم هذه الإنجازات الخارجية، فضلاً عن الأداء الاقتصادي القوي، في منع استعادة الحزب الديموقراطي المعارض الغالبية في الكونغرس، أو في إحدى غرفتيه (الشيوخ والنواب)، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم الديموقراطيين على ترامب وحزبه الجمهوري.

الثلاثاء، 12 يونيو 2018

عن القدس ويومها

حسين عبد الحسين

خصص مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي 19 من 25 تغريدة بثها منذ بداية الشهر الحالي للموضوع الفلسطيني، ذيل معظمها بهاشتاغ "سنصلي في القدس"، و"مسيرة العودة". وقال فيها إن السبيل الوحيد للتسوية هو "المقاومة" وصواريخها. وفيما يبدو رفعا للعتب، قال خامنئي إن بلاده قدمت في الماضي للأمم المتحدة اقتراح إجراء استفتاء يشمل "السكان الأصليين" لفلسطين، التي اعتبر أن أرضها تمتد "من النهر إلى البحر".

فلنفترض جدية المرشد ونعتبر أنه منفتح على نقاش حول الموضوع. أولا، من المفارقات أن خامنئي يتمسك باتفاقية "سايكس بيكو" البريطانية الفرنسية التي رسمت حدود دول المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، ففلسطين، مثل لبنان وسورية والعراق والأردن، أبصرت النور كدولة بشكلها الحالي بموجب هذه الاتفاقية وكانت قبل ذلك ولايات عثمانية بلا سيادة عربية أو محلية، وعبارة "من النهر إلى البحر" هي فلسطين بالضبط كما رسمتها الكولونيالية.

هو تاريخ يقدمه الإيرانيون للعرب، يحددون فيه أي من مدن العرب مقدسة وأي منها تجوز إبادتها

ثانيا، إذا كان المرشد يعترف بالأمم المتحدة ومرجعيتها، فلا بد له من الاعتراف بالقرارات الصادرة عنها، منها قرار تقسيم فلسطين التاريخية وقبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية المذكورة.

ثالثا، إذا كان خامنئي من المتمسكين بالاستفتاءات بإشراف الأمم المتحدة للوقوف على رأي الشعوب وحريتها في تقرير مصيرها، فما المانع أن يسمح المرشد للأمم المتحدة في إجراء استفتاءات مشابهة في محافظات إيران الـ31، خصوصا المحافظات ذات الغالبيات الكردية والعربية والبلوشية، بدلا من أن تقوم قوات الأمن الإيرانية بضرب وسجن وتعذيب المتظاهرين العرب الإيرانيين الذين يطالبون بحرية تعليم أولادهم العربية في المدارس؟ وهل يقبل خامنئي وقف عمليات التغيير الديموغرافي التي تشرف عليها "الجمهورية الإسلامية" في الأحواز وبلوشستان وكردستان، كما في ضواحي دمشق وحمص السوريتين؟ وهل يوافق خامنئي على إجراء الأمم المتحدة استفتاء لسكان سورية "الأصليين" حول رئاسة بشار الأسد في سورية؟

اقرأ للكاتب أيضا: من انتصر في أزمة الخليج؟

خامنئي لا يتوخى الدقة ولا العدالة، بل إن النظام الإيراني دأب على تقديم صورة عن الوضع الفلسطيني تخفي خلفها عورات طهران وسياساتها وممارساتها، وتسعى لتشتيت الانتباه بتصوير الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي المعقد وكأنه بسيط، فيه أشرار، هم أميركا وإسرائيل والسعودية وباقي العرب، وأبطال، أي إيران والميليشيات الموالية لها في عموم منطقة الشرق الأوسط.

لكن الدعاية الإيرانية هي مجرد دعاية سياسية، يختلط فيها الديني بالتاريخي بالسياسي، فتقدم طهران رواية متخبطة عرجاء تشبه تغريدات المرشد في تناقضاتها، بعضها ورثها خامنئي من الخطاب العربي الذي يخلط في الغالب العروبة بالإسلام.

في تاريخ العرب، لا أهمية للقدس خارج الأدب الديني الأسطوري. حتى الرواية الدينية حول القدس ضعيفة، فآية "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" تفتقد الدلالات الجغرافية، ويمكن أن يكون المسجدان في أي مدينتين أو حتى في مدينة واحدة، خصوصا إذا ما اعتبرنا أن نزول الآية سابق للوجود العربي في القدس بأربع سنوات، في أقل تقدير، أي أنه لم يكن في القدس مسجد كمثل الذي تشير إليه الآية.

والتشكيك في ارتباط القدس بالإسراء لا ينتقص من المساهمة العربية ـ غير الإسلامية بالضرورة ـ في تاريخ هذه المدينة، إذ أن أول أثر تاريخي عربي، أي مسجد قبة الصخرة، بناه "أمير المؤمنين" الأموي عبد الملك بن مروان في تسعينيات القرن السابع الميلادي، وزين داخله بآيات حول المسيح، تختلف قليلا عن صيغتها القرآنية الحالية. على أن هذه الحقيقة التاريخية لا تبرر الأساطير التي تلتها حول التاريخ الإسلامي للمدينة، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ذروة التزوير العباسي للتاريخ العربي والإسلامي طالت القدس، مثل في قيام الخليفة المأمون بن هارون الرشيد بنقش اسمه كباني المسجد بدلا من عبد الملك.

خارج الأساطير الدينية، لم تلعب القدس دورا يذكر في تاريخ المسلمين أو العرب. فالقدس لم تكن يوما عاصمة لأي من الإمبراطوريات الإسلامية المتعاقبة، للأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين، ولا حتى السلالات الصغيرة المحلية العربية أو الإسلامية. ولم تكتسب المدينة أهمية إلا مع سعي الصليبيين للسيطرة عليها، وبعد رحيل هؤلاء، لم يولها العثمانيون أو العرب أهمية تذكر، مثل مكة التي كان يرسل إليها سلطان اسطنبول سنويا كسوة على محمل، تتوقف في مدن عربية على الطريق مثل دمشق فتقام فيها احتفالات التكريم والتفخيم، وهو التقليد الذي استوحى منه السوريان فريد الأطرش واخته اسمهان أغنية في مديح المحمل، مطلعها التالي: "عليك صلاة الله وسلامه، شفاعة يا جد الحسنين، دا محملك رجعت إيامه".

اقرأ للكاتب أيضا: فتوى مقاطعة محمد صلاح

حمص، مثلا، مدينة أباطرة الرومان من سلاسلة سبتيموس سيفرس (أواخر القرن الميلادي الثاني وأوائل الثالث)، المدينة التي استضافت مقاما فيه حجر أسود مقدس، كالذي في مكة، والمدينة التي تقول الأسطورة إنها تحتضن رفات "سيف الله المسلول" وقائد فتوحات المسلمين خالد بن الوليد، مدينة لم يبق فيها حجر على حجر بفضل إيران وحليفها بشار الأسد والميليشيات الموالية لها. لم يوقف تاريخ المدينة حلفاء إيران من هدمها على رؤوس ساكنيها، ومع ذلك، لم تزعج إبادة حمص مرشد الثورة الإيراني.

هو تاريخ يقدمه الإيرانيون للعرب، يحددون فيه أي من مدن العرب مقدسة وأي منها تجوز إبادتها، ويحدد فيه الإيرانيون للعرب مواقيت الصلاة ومواقعها، ويحددون شكل العبادة والحياة والأصدقاء والأعداء.

لكن يوم القدس ليس اليوم الذي يصلي فيه العرب خلف الطغاة من رجال دين، بل هو اليوم الذي يتحررون فيه منهم.

السبت، 9 يونيو 2018

«الراي» تتابع من واشنطن ارتدادات الخلاف الكويتي - الأميركي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في أروقة القرار الأميركي، تتواصل ردود الفعل السلبية من أداء الكويت في مجلس الأمن، والمتعلق تحديدا بالتطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الموضوع الذي شهد عتابا بل واكثر من عتاب بين مسؤولين اميركيين وديبلوماسيين كويتيين.
كبير الباحثين في «مجموعة الدراسات الأمنية» ماثيو برودسكي، وهو أحد المقربين من إدارة الرئيس دونالد ترامب، يقول: «لطالما أوضح ترامب أنه على عكس الماضي سيُحاسب (الرئيس) الدول الأعضاء في مجلس الأمن على كيفية تصويتها».
وأضاف برودسكي، في تصريح خاص لـ«الراي»، إن الموفدة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي «أشارت بما لا يقبل اللبس إلى تفاهة الاجتماعات الاستثنائية التي تتحول إلى حفلات ردح ضد إسرائيل، وتعطي في الوقت نفسه غطاء لحركتي (حماس) و(الجهاد الإسلامي) في غزة».
عن الكويت، قال برودسكي: «أن تقوم الدولة التي حررتها الولايات المتحدة من صدام حسين في سنة 1991 بالمساهمة في إطالة عمر الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بتأمينها غطاء لمجموعات تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، مجموعات تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية، هي خطوة (كويتية) لا شك أن إدارة ترامب ستأخذها في عين الاعتبار في المرة الثانية التي يأتون لطلب مساعدتنا».
والتباين في مجلس الأمن بين أميركا والكويت، التي تصنفها واشنطن بمثابة «أقرب حليف للولايات المتحدة خارج تحالف الأطلسي»، ليس الأول من نوعه. في زمن حكم الرئيس جورج بوش الابن، وفي ذروة الحرب الأميركية ضد الإرهاب، طلبت واشنطن من الكويت تبني تصنيف الولايات المتحدة لبعض التنظيمات الإسلامية ووضعها في خانة «إرهابية»، إلا أن الكويت لم توافق على الطلب الأميركي، وحصل الكثير من الأخذ والرد.
ويقول الرجل الذي عاصر ذاك التباين بين واشنطن والكويت، ريتشارد لوبارون، وعمل سفيراً للولايات المتحدة في الكويت بين 2004 و2007، إن ما يحصل أثناء الخلافات بين أميركا وحلفائها هو أن واشنطن «تُميّز بين سياساتها الخارجية القصيرة المدى، وتلك البعيدة المدى وذات الأبعاد الإستراتيجية».
في حال الخلاف الأميركي - الكويتي حول بعض التنظيمات الإسلامية، منتصف العقد الماضي، كانت الكويت تقف كأبرز حلفاء واشنطن في الحرب الأميركية في العراق، وتستضيف قواعد عسكرية أميركية وعشرات آلاف الجنود. 
المشكلة اليوم مع إدارة ترامب هي أنه «لا يمكن التنبؤ بأفعالها أبداً، وهذه إحدى الصفات التي ميّزتها منذ توليها الحكم»، يقول بارون في حديث أدلى به لـ«الراي».
ويضيف أنه في الوقت الذي تهتز فيه علاقة الولايات المتحدة مع أقرب حليفة لها وجارتها الشمالية كندا، لا يمكن للمرء إلا أن يلاحظ أن «علاقة إدارة ترامب بالدول العربية هي علاقة تكتيكية، في غياب أي مؤشرات على أن الإدارة تأخذ المدى البعيد في علاقاتها مع العواصم العربية بعين الاعتبار».
ويشير إلى أنه أمام إدارة «تتبنى الموقف الإسرائيلي من دون تردد، وتأخذ تعليماتها من (رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو)، لا يعود مستغرباً» غضب المسؤولين الأميركيين من الموقف الكويتي في مجلس الأمن، وليس مستغرباً أن تتصرف واشنطن بطرق لا تُميّز بين الخلاف الآني والعلاقات الإستراتيجية.

ترامب بعد انقضاء ثلث ولايته... شعبية قياسية داخل حزبه وكابوسان يؤرقانه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شكل مطلع الأسبوع الجاري اليوم الخمسمئة في عمر ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، وانقضى بذلك ثلث ولايته، مع بقاء 960 يوماً له في البيت الأبيض، ما لم يتم انتخابه لولاية ثانية في نوفمبر 2020. 
وعلى جاري العادة، سارع الخبراء إلى تقييم أداء الرئيس مع بلوغه المحطة الزمنية الثانية في رئاسته.
وأشاروا إلى عدد من التناقضات الرهيبة التي تحيط برئاسة ترامب، فهو من ناحية في سباق مع الزمن للانتقاص من صدقية التحقيق الخاص في إمكانية تورطه وقادة في حملته الرئاسية مع روسيا في انتخابات 2016، ومن ناحية ثانية يمضي في تحقيق مطالب أقصى اليمين في الحزب الجمهوري بشكل لا سابق له، مثل تحطيمه معظم إنجازات سلفه باراك أوباما الداخلية - كقانون الرعاية الصحية - وخفضه الضرائب على الاثرياء، وانقضاضه على غير الأميركيين من المهاجرين على أنواعهم، الشرعيون منهم وغير الشرعيين، وانخراطه في حرب تجارة عالمية ضد الصين، كما ضد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا، وضد شركائها الاقتصاديين ومنهم جارتاها كندا والمكسيك.
وبسبب مواقفه المتشددة وفوضويته، التي يراها مؤيدوه صدقاً وعفوية، تحول ترامب إلى أيقونة في الحزب الجمهوري، وأظهرت استطلاعات الرأي انه يتمتع بأعلى شعبية داخل حزبه في هذا الوقت من عمر رئاسته، مقارنة مع كل الرؤساء من الحزبين منذ الستينات، باستثناء الرئيس الأسبق جورج بوش الأب.
إلا أن شعبية ترامب العارمة لم تتكمن من إبعاد شبح أمرين يعاني منهما: الأول ضعفه وحزبه انتخابياً مع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، والثاني تواصل التحقيقات في إمكانية تواطئه مع روسيا للتآمر ضد الديموقراطيين في الانتخابات الأخيرة قبل عامين.
ضعف ترامب والجمهوريين انتخابياً هو من الأمور شبه المحسومة، إذ تقليدياً، وباستثناء الرئيس جورج بوش الابن الذي حافظ وحزبه في ولايته الأولى على الغالبية في الكونغرس وسط التفاف الاميركيين حوله على إثر هجمات 11 سبتمبر 2001، عانى كل الرؤساء منذ زمن الراحل رونالد ريغان من خسارة حزبهم الغالبية في الكونغرس، بغرفتيه، في الانتخابات النصفية التي تلت دخول الرؤساء المتعاقبين إلى البيت الأبيض.
ومنذ انتخاب ترامب قبل عامين، عانى حزبه الجمهوري من تقهقر في شعبيته وأدائه الانتخابي، فخسر عدداً كبيراً من المقاعد في الانتخابات الفرعية في الكونغرس وفي انتخابات الولايات، حتى في الدوائر الانتخابية التي تسكنها غالبية شعبية من الجمهوريين. وحافظ الحزب الجمهوري على عدد قليل من المقاعد، وبشق النفس، في دوائر انتخابية عادة ما يفوز فيها مرشحوه بفوارق تتعدى الثلاثين نقطة مئوية.
لكن الموجة الشعبية العارمة المؤيدة للديموقراطيين قد لا تزعزع ترامب كما يأمل معارضوه، فالحزب الديموقراطي، الذي يتمتع حالياً بتأييد واسع، يعاني من ضعضعة في قيادته، وسط تمسك الجيل الأكبر سناً - من أمثال زعيمة الحزب في مجلس النواب نانسي بيلوسي والمرشح الرئاسي السابق السيناتور بيرني ساندرز - بمواقع قيادية، وانفصالهم تالياً عن جيل الشباب من الناشطين ممن يحركون عادة أي موجة شعبية ويترجمونها إلى مقاعد في الكونغرس ومناصب محلية في عموم الولايات الخمسين.
الشبح الثاني، والأكثر رعباً، الذي يعاني منه ترامب هو تواصل التحقيقات في إمكانية تواطئه مع موسكو. في هذا السياق، يبدو أن الرئيس وفريق محاميه أدركوا استحالة خروجه من تهمة عرقلة العدالة، فتبنوا استراتيجية ثنائية.
في الشق الاول، يواصل الرئيس محاولة الانتقاص من مصداقية التحقيق شعبياً، لأن «الشعب الاميركي هو الحكم الاخير إذ إنه هو من ينتخب أعضاء الكونغرس، الذين سيكون المطلوب منهم محاسبة الرئيس في حال تطلب الأمر عزله»، حسب تصريحات رودي جولياني عمدة نيويورك السابق وقائد فريق محامي الرئيس. أما الشق الثاني من استراتيجية محامي ترامب فظهرت إلى العلن في الايام الاخيرة عبر رسائل إلى المحقق الخاص روبرت مولر، وهي رسائل بمثابة دفاع شكلي، يطعن فيها محامو الرئيس بقانونية محاسبته بتهمة عرقلة العدالة. ويقول المحامون ان الرئيس يترأس السلطة التنفيذية، بما في ذلك وزارة العدل، وهو ما يمنحه صلاحية دستورية لوقف أي تحقيق تجريه الوزارة أو أي جهاز تابع لها، من دون أن يشكل ذلك عرقلة غير قانونية للعدالة. لكن لو صحّ موقف المحامين، سيعني ذلك أنه لا يمكن محاسبة أي رئيس أميركي في فترة رئاسته بسبب مسؤوليته عن وزارة العدل، ما يجعل الرئيس فوق القانون، وهو ما يتعارض والديموقراطية الأميركية ومبدأ المساواة الدائم لكل المواطنين أمام القانون.
كما يرفض محامو ترامب قيام المحققين بإجراء أي تحقيق مع الرئيس، لا بأمر محكمة ولا طواعية. ومن الواضح أن الرفض سببه عدم إمكانية ضبط ترامب ولسانه، وهو ما يعرضه لامكانية الكذب تحت القسم، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الفيديرالي، وكذلك يمكن الاستناد إليها للمباشرة بإجراءات عزل الرئيس في الكونغرس.
وإلى رسائل محامي ترامب، نشرت وسائل الاعلام الاميركية تفاصيل أكدت ان ترامب لقّن شخصياً مساعديه رسالة باسم نجله دونالد جونيور، حاول فيها طمس حقيقة لقاء كان عقده ترامب الابن مع مجموعة من الروس في نيويورك، بعضهم من المقربين من الكرملين، في فترة الانتخابات.
أي من الاستحقاقات سيدهم ترامب قبل الآخر؟ هل ينجح في حمل حزبه على الاحتفاظ في الغالبية بالكونغرس، ويقضي تالياً على حظوظ عزله، حتى لو عثر المحققون على دلائل تدينه بالتواطؤ مع روسيا وعرقلته العدالة لتغطيته على التواطؤ؟ أم يخسر الجمهوريون الكونغرس ويصبح مصير ترامب في البيت الأبيض تحت رحمة مولر والغالبية الديموقراطية المحتملة في الكونغرس؟

الثلاثاء، 5 يونيو 2018

من انتصر في أزمة الخليج؟

بقلم حسين عبد الحسين

مر عام على اندلاع الأزمة بين قطر من ناحية، والسعودية والإمارات والبحرين، من ناحية ثانية. البعض يضيف مصر أحيانا إلى تحالف المقاطعين، لكن مصر فعليا خارج توازنات البيت الخليجي الداخلي وهي كانت على عداء مع قطر منذ ما قبل الأزمة.

الوساطات المتكررة التي قادتها الكويت إلى جانب وزيري خارجية الولايات المتحدة المتعاقبين ريكس تيلرسون ومايك بومبيو وسلسلة الاتصالات التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع زعماء عواصم الأزمة، كلها لم تنجح في تذليل العقبات، فاستمر الانقسام الخليجي على حاله ودخل عامه الثاني بزخم أكبر من الذي انطلق به.

تحديد سبب الخلاف صعب، ويبدو تراكميا ومترافقا مع غياب "الكيمياء" في العلاقات الشخصية بين زعماء قطر من ناحية، ونظرائهم في العواصم الخليجية الثلاث من ناحية ثانية.

المقاطعون، أي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قدموا لائحة بـ13 مطلبا جعلوا التزام قطر بها بمثابة التسوية الوحيدة للأزمة. على أن هذه المطالب يمكن تلخيصها بأربعة:

أولها قطع الدوحة علاقاتها مع طهران، وثانيها إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وثالثها إغلاق "كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر" بما في ذلك فضائية "الجزيرة" القطرية. ورابعها إعلان قطر "الإخوان المسلمين" تنظيما إرهابيا وتسليم أي تابعين له من جنسيات دول المقاطعة الأربع، وتوسيع ذلك المطلب ليعني وقف الدوحة أي تمويل تستفيد من مصدره التنظيمات الإسلامية على أنواعها.

مشكلة المطالب، من وجهة النظر القطرية، أنها تبدو استنسابية؛ فعلاقة مصر بإيران ماضية في التحسن منذ افتتاح طهران أول سفارة لها منذ عقود في القاهرة في عام 2013، في وقت تحافظ دولة الإمارات على وجود لبعثة دبلوماسية لها يرأسها سفير في "الجمهورية الإسلامية"، وهو ما يطرح السؤال التالي: كيف تطالب دولتان لهما علاقات مع إيران دولة ثالثة بقطع علاقاتها بالإيرانيين؟ كما أن لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، أي عمان والكويت، علاقات دبلوماسية مع إيران.

مشكلة ثانية تتمثل في مطلب إغلاق الإعلام القطري. فإذا ما استجابت الدوحة، ما الذي سيمنع الدول الأربع من المطالبة بإغلاق أي وسيلة إعلامية لا تروق لها سياستها الإعلامية في عموم المنطقة؟ الكويت، بدورها، قامت بتحويل المطلب إلى بند "وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين"، طالما أن غالبية الوسائل الإعلامية المنخرطة في المواجهة حكومية.

وفي الرسالة التي وجهها الرئيس ترامب إلى زعماء الخليج مقدما إليهم بعض البنود التي يمكنها أن تشكل أساسا للحل، تبنت واشنطن الرؤية الكويتية. فالولايات المتحدة تعارض إسكات أو إقفال أي وسيلة إعلامية في العالم، بما فيها "قناة الجزيرة" التي عانت أميركا من سياسة بثها رسائل إرهابيين في الأشهر الأولى التي تلت بدء الحرب الأميركية على الإرهاب.

ثالثا، واجه مطلب الدول الأربع لقطر بإعلان "الإخوان المسلمين" تنظيما إرهابيا مشكلة؛ فهذا التنظيم يعمل في دول خليجية وعربية.

على أن المطلب الأبرز الذي نفذته قطر، وبمراقبة أميركية، هو دخولها في اتفاقية لمكافحة تمويل الإرهاب.

التباين في السياسة الخارجية يبدو أنه لعب دورا رئيسيا في التباعد الخليجي. قطر، بجناحيها الإسلامي والقومي العربي، دعمت الأحداث الشعبية المعروفة بـ"الربيع العربي"، فيما عارضتها الرياض وأبوظبي والمنامة.

الدول الصغيرة، مثل قطر، لا تواجه جاراتها الكبيرة، وتحاول في الوقت ذاته عدم الارتماء في حضن هذه الجارات خوفا من أن تبتلعها جاراتها وتملي عليها سياساتها. ما تفعله الدول الصغيرة هو حفاظها على علاقات طبية مع الكبار، خصوصا المتخاصمين منهم، في سياسة معروفة تقليديا بـ"المشي (السير) على السور". قطر تعتمد هذه السياسة للحفاظ على استقلاليتها في مواجهة جارتيها السعودية وإيران. لهذا السبب، لم تتأخر الدوحة في الاتصال بالرياض لإنهاء الأزمة، على أثر محاولة مصالحة قام بها الرئيس ترامب. لكن الدوحة لم تتصل بأبوظبي، في الغالب لأن جارتها الجنوبية لا تتمتع بالوزن نفسه كالسعودية. عدم اتصال قطر بالإمارات عرقل المصالحة، ودفع الدول المقاطعة إلى اعتبار أن قطر لا تزال تناور سياسيا.

هكذا، مر عام وما زالت الكويت تسعى حتى الأسبوع الماضي لرأب الصدع بين الأشقاء.

ينطبق المثل الإنكليزي "ما لا يقتلك يجعلك أقوى" على قطر، إذ استبدلت الدوحة خطوط إمدادها مع بعض جيرانها العرب الخليجيين بأخرى عبر إيران وتركيا. وبذلك، تسببت المقاطعة بدفع الدوحة للتقارب مع طهران وأنقرة بدلا من الابتعاد عنهما، حسبما ورد في المطالب.

أما السعودية، فأثبتت أنها زعيمة العالم الإسلامي وأنها ستفرض خطابا إسلاميا معتدلا، ولن تسمح لبعض التنظيمات خصوصا "الإخوان"، بتحديد الإسلام وخطابه. ولا شك أن حملة السعودية وحلفائها ضعضعت التنظيمات الإسلامية وأفقدتها شعبية واسعة في الخليج وبعض الدول العربية.

لكن التغييرات التي حصلت في الأشهر الأولى لاندلاع الأزمة يبدو أنها بلغت مداها. منذ ذلك الحين، تحولت الأزمة إلى ما يشبه الحرب العالمية الأولى، حرب خنادق دبلوماسية وإعلامية، فيها هجمات كلامية متبادلة من دون أي تغييرات في أرض الواقع.

سال حبر كثير في محاولة تحليل أسباب استمرار الأزمة الخليجية، وهذه السطور من بين المحاولات، لكن يبدو أن السبب الرئيسي في الانقسام بين الأخ وأخيه في الخليج هو "قلوب مليانة"، حسب القول العامي اللبناني، أكثر منه سياسات ومواقف.

لقاء عاصف بين كوشنر وسفير الكويت في واشنطن


واشنطن - من حسين عبدالحسين

كشف مصدر ديبلوماسي أميركي مطلع لـ«الراي» عن لقاء «قصير جداً وعاصف» تم قبل أيام بين جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب وبين الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح سفير الكويت في واشنطن، نقل خلاله كوشنر انزعاج الإدارة الاميركية من موقف الكويت في مجلس الأمن تجاه مخارج الحلول للأوضاع المتأزمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
واوضح المصدر ان كوشنر عاتب الشيخ سالم، وقال ان التصرف الكويتي في مجلس الأمن احرجه شخصياً أمام مسؤولي الادارة «وامام دول صديقة لأميركا تدعم جهودنا لحل الأزمة، وانتم تعرفون انني شخصياً تعهدت لكثيرين بان الكويت»لا تدعم الارهاب».
واضاف المصدر ان كوشنر كشف خلال اللقاء انه كان يعمل والسعودية ومصر على بيان مشترك عربي – أميركي يتعلق بالاوضاع في غزة، وانه لم يكن يعلم «ان الكويت خارج الاجماع العربي، مع انها تدعي انها تمثل الكتلة العربية في مجلس الأمن (...) انتم بهذا الفعل دفعتمونا إلى تأجيل هذا الموقف المشترك حتى تتضح لنا الرؤية».
وتحدث كوشنر – حسب المصدر – عن دفاع أميركا عن موقف الكويت، وردها الدائم»على من يحاول تكبير مساهمة جمعيات فيها أو اشخاص بدعم الارهاب«، وانه شخصياً كان وراء اقناع دول كثيرة بابقاء الكويت وسيطاً في الأزمة الخليجية،»رغم ان كثيرين ارادوا ان نصنفها كطرف«، وكذلك اعطاء دفع للوساطة الكويتية من قبل الإدارة الأميركية وهو ما تجلى»في مختلف المواقف التي ركزت على تكامل التحركين الأميركي والكويتي وفي تصريحات الرئيس ترامب شخصياً«.
وكرر كوشنر ان»حماس منظمة ارهابية وانتم تعلمون ذلك وهم يعملون وفق اجندة ايرانية لا وفق اجندة وطنية فلسطينية أو اجندة تخدم مصلحة حل القضية، فهم جل همهم تخريب الحلول مرة بعد أخرى، حماس هي ذراع ايران على البحر المتوسط، لكن المفاجئ كان موقفكم الداعم لها وانتم من يفترض انكم حلفاء لنا (...) الدول العربية الكبيرة لم تظهر الموقف الذي اظهرتموه وكانوا يعملون معنا بهدوء لتسيير عملنا لا لعرقلته«.
وخرج كوشنر من اللقاء بعد خمس دقائق، وفق المصدر، قائلا للسفير الكويتي:»سأتركك مع شبابي (my guys) حتى تتوصلوا الى بعض الترقيع للأمر (damage control)».


واشنطن لا تتوقع انحياز الكويت لمواقفها مع إسرائيل
| واشنطن - «الراي» |

اوضح مصدر ديبلوماسي لـ«الراي» طريقة استدعاء السفراء واسلوب مخاطبتهم بالآتي:
- لا صفة لجارد كوشنر لاستدعاء سفير أي دولة، والاستدعاء يتم عبر وزارة الخارجية حصراً، وهي لم تستدعِ أيا من الديبلوماسيين الكويتيين بعد الخلاف في مجلس الأمن.
- استدعاء ممثلي الدول يكون بسبب مشاكل في العلاقات الثنائية، ويحظّر كتاب الارشادات في وزارة الخارجية استدعاء أي ممثلي دول على خلفية اختلاف في الشؤون الدولية أو في محافل المنظمات الدولية.
- بناء على رصد تاريخ تصويت الكويت في المحافل الدولية، مثل في الجمعية العامة لمصلحة إعلان دولة فلسطينية وفي «اليونسكو» لإعلان القدس مدينة ذات تاريخ اسلامي، والتصويتان يتناقضان مع الموقف الأميركي، تتوقع واشنطن عادة ان تنحاز الكويت إلى الفلسطينيين ضد الموقف الأميركي والإسرائيلي.
- العلاقات بين أميركا والدول الأعضاء في مجلس الأمن لا تمر من خلال وزارة الخارجية أو البيت الابيض، بل تنحصر بالبعثة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي وبعثات الدول. في هذه الحالة، حصلت محادثات وعتابات بين هايلي والديبلوماسيين الكويتيين في نيويورك.
- لقاء كوشنر للسفيرالشيخ سالم الصباح في واشنطن تم على خلفية شخصية محضة ولا صفة رسمية للقاء. منذ انتخاب ترامب، سعى الشيخ سالم لاقامة علاقة مع عائلة ترامب، بما في ذلك مع كوشنر. وهو من الديبلوماسيين الذين يعرفون كيف ينسجون خيوط التلاقي وتمتين الصداقات، ونقل الشيخ سالم احتفال العيد الوطني السنوي من فندق فور سيزونز، الذي اقامت فيه السفارة احتفالاتها على مدى العقد الماضي، إلى فندق ترامب الذي تم افتتاحه في نوفمبر 2016. كذلك فعلت سفارتا البحرين واذربيجان.
- بعدما اقام عدد من المنظمات المدنية دعاوى ضد قبول ترامب اموالاً، عبر فندقه، من حكومات اجنبية، عبر سفاراتها، تراجعت البحرين واذربيجان ولم تقم احتفالات في 2018 بعدما اقامتها في فندق ترامب في 2017. وحدها السفارة الكويتية في واشنطن هي من اقامت احتفالها للسنة الثانية على التوالي في فندق ترامب في فبراير الماضي في ذكرى العيد الوطني.


الاثنين، 4 يونيو 2018

ترامب يريد «تسوية كبرى» مع بيونغ يانغ شبيهة بما سعى إليه أوباما مع طهران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اختتم مجلس الأمن القومي الأميركي خلوة للتباحث في القمة المقررة بين الرئيس دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة الثلاثاء المقبل. وانعقدت الخلوة، على مدى عطلة نهاية الأسبوع، في منتجع كامب ديفيد الرئاسي، القريب من العاصمة الاميركية، وتضمنت المحادثات تفاصيل متعددة، بما في ذلك كيفية تسديد واشنطن تكاليف إقامة كيم جونغ أون في فندق سنغافوري من دون تجاوز القوانين الأميركية، التي تفرض عقوبات قاسية على بيونغ يانغ وقادتها وحكومتها.
وتباحث المسؤولون الاميركيون في تفاصيل تنظيمية أخرى، من قبيل فتح الباب لصحافيي البيت الأبيض ممن يرافقون الرئيس في كل تنقلاته، من دون السماح لهم في توجيه أي أسئلة قد تحرج أو تغضب الزعيم الكوري الشمالي.
ويسعى فريق ترامب إلى تحقيق انتصار سياسي في السياسة الخارجية تتوّجه صورته التاريخية وهو يصافح كيم جونغ أون، في صورة يريد أن يقدم ترامب بموجبها نفسه الى الأميركيين كمفاوض استثنائي وصانع اتفاقيات عجز عن التوصل إليها أسلافه في البيت الأبيض. 
لكن الصورة، التي تشغل ترامب أكثر من المضمون، شيء، والوقائع على الأرض والتوصل إلى نزع تام وشامل للتقنية النووية من شبه الجزيرة الكورية شيء آخر. 
وكانت واشنطن دأبت على تكرار مقولة ان هدفها هو نزع نووي بيونغ يانغ، لكن تصريحات الكوريين الشماليين دفعت المسؤولين الاميركيين، وفي طليعتهم ترامب، إلى محاولة لجم التوقعات الاميركية بالقول ان القمة في سنغافورة ستشكل «نقطة البداية لعملية» تؤدي إلى تسوية شاملة في نهايتها، من دون تحديد جدول زمني ما أو موعد نهائي.
وعلى هامش المحادثات التي تم تخصيصها لقمة ترامب - كيم في خلوة كامب ديفيد، علمت «الراي» ان بعض المحادثات تطرقت إلى كيفية رؤية الايرانيين للقمة الأميركية مع الكوريين الشماليين، وما الرسائل التي ستوجهها هذه القمة، ضمنياً، الى طهران.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون ان هدف المفاوضات مع كوريا الشمالية، وكذلك مع إيران، هو إقناع هاتين الدولتين أن «العيش داخل النظام الدولي والالتزام بقوانينه أفضل من العيش كدولة محاصرة وعلى الهامش». 
ويقول المسؤولون الأميركيون ان رئيس كوريا الجنوبية مون جاي قدم لزعيم كوريا الشمالية «وسيطة تخزين نقالة» تحمل ملفات عن المكافآت التي يمكن لسيول تقديمها لبيونغ يانغ، والنهضة الاقتصادية والبحبوحة التي يمكن للشمال العيش فيها، في حال التوصل إلى تسوية بين الكوريتين، برعاية ومشاركة أميركية.
وعلى عكس الماضي حيث كانت التسويات تشترط تبني النظام الكوري الشمالي مبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان، في وقت كانت ترد بيونغ يانغ بضرورة إنهاء الوجود العسكري الاميركي في الجنوب، تبدو الشروط والشروط المضادة أقل تعقيداً هذه المرة: لا ديموقراطية في الشمال ولا انسحاب أميركياً من الجنوب، بل بقاء الوضع على ما هو عليه، وانفتاح جنوبي وأميركي وعالمي على الشمال، مقابل تخلي بيونغ يانغ عن برنامجيها النووي والصاروخي.
إلى حد ما، يعتقد مسؤولون في الحزب الديموقراطي في واشنطن أن اقتراح ترامب لكوريا الشمالية يشبه «التسوية الكبرى» التي قدمها الرئيس السابق باراك أوباما الى ايران، وهي تسوية عارضها الجمهوريون، وما يزالون، بشدة. ويقول الديموقراطيون انه على الرغم ان برنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي يكاد يقارب الاكتمال، الا ان «بيونغ يانغ تبدو واقعية في حساباتها وغير عقائدية، على عكس طهران»، وان «موافقة كيم جونغ أون على لقاء ترامب لم يكن ممكناً عقد لقاء مماثل له بين (مرشد الثورة الايراني علي) خامنئي وأوباما، على الرغم من محاولات أوباما الحثيثة لعقد لقاء مع قادة ايران».
إيران أطاحت بأفضل فرصة قدمتها لها واشنطن، حسب المسؤولين الأميركيين الديموقراطيين، والآن لا شك أن طهران ستراقب مجرى المفاوضات الأميركية - الكورية الشمالية، وفي حال أفضت قمة ترامب - كيم إلى نتائج إيجابية، وهو موضوع ما زال مبكراً التكهن به، فإن الإيرانيين قد يشعرون أنهم أضاعوا فرصة أفادت منها بيونغ يانغ.
في الوقت نفسه، تطرّقت خلوة كامب ديفيد الى كيفية التعامل مع كوريا الشمالية في حال تعثر ديبلوماسية ترامب تجاهها. في هذا السياق، يبدو أن واشنطن تعتقد أنها ستظهر حزماً لا مواربة فيه في مواجهة بيونغ يانغ. 
وتعذّر معرفة ما هي الخيارات التي تباحث فيها المسؤولون الاميركيون في حال اضطرهم الأمر لمعالجة آثار فشل المفاوضات مع كوريا الشمالية، لكن الانتشار العسكري الاميركي في بحر الصين، وتصريحات وزير الدفاع جيمس ماتيس، التي حملت طابع تحد للصين، بالتزامن مع الحرب التجارية التي تدخل فيها واشنطن ضد بكين، كلها مؤشرات على أن الولايات المتحدة انتقلت من «الحرب على الإرهاب» إلى مرحلة إعادة تثبيت هيمنتها وحلفائها في منطقة شرق آسيا، حتى لو اقتضى الأمر الاستناد إلى القوة العسكرية الاميركية والمخاطرة بمواجهات مع الصينيين.
لم تعد أنظار العالم أو واشنطن مركزة على ايران وكيفية التعامل معها كنموذج للعلاقات الدولية والنظام العالمي، بل تحولت الى كوريا الشمالية، حيث تسعى واشنطن لتقديم نموذج عن كيفية تعاملها مع الدول القابعة خارج النظام الدولي، في محاولة التوصل الى تسوية معها، كما في محاولة مواجهتها - بما في ذلك عسكرياً - في حال تعذرت التسوية.

واشنطن تعدّ عقوبات غير مسبوقة على لبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين 


مساء 15 يوليو 2006 بالتوقيت المحلي لمدينة بيروت، قصف مقاتلو «حزب الله» اللبناني سفينة «ساعر 5» الحربية المرابضة على مقربة من الساحل اللبناني، ما أدى إلى مقتل بحارة من طاقمها ووقوع أضرار كبيرة فيها أجبرت الجيش الإسرائيلي على سحبها من ساحة المعركة. لم تمضِ ساعات حتى دمرت المقاتلات الاسرائيلية، في 16 يوليو، المنارة البحرية لبيروت، فضلاً عن موقعين بحريين تابعين للجيش اللبناني في عمشيت وجونية.
حتى ذلك التاريخ، كانت إسرائيل تلتزم «قواعد الاشتباك» التي تقضي بتفاديها المواجهة مع الجيش اللبناني. لكن بعد قصف «حزب الله» السفينة الاسرائيلية، أدركت تل أبيب أن الرادارات البحرية التابعة للجيش اللبناني، التي تفادت ضربها إسرائيل على الرغم من أنها كانت قادرة على تحديد مواقع السفن الاسرائيلية في البحر، هي التي زوّدت «حزب الله» بإحداثيات موقع «ساعر 5». منذ تلك الحادثة، تغيّرت نظرة إسرائيل إلى الجيش اللبناني، من موقف قائل بأن قوة الجيش تعني حُكماً ضعف «حزب الله»، إلى موقف يرى أن جيش وحكومة لبنان أصبحا في جيب الحزب بالكامل.
منذ يوليو 2006، بدأت إسرائيل تحض حليفتها الولايات المتحدة على تقليص المساعدات المالية والعينية إلى الجيش اللبناني، وحاولت إقناعها بعدم جدوى المراهنة على حكومة لبنان لضبط أو تقليص نفوذ «حزب الله»، مع ما يعني ذلك من ضرورة شمل الحكومة بالضغط نفسه الذي تمارسه أميركا والعالم على الحزب.
ومع مصادقة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على الاتفاق النووي مع إيران، على عكس رغبة إسرائيل، وكجائزة ترضية لتل أبيب وأصدقائها وحلفائها في العاصمة الأميركية، وقّع أوباما قانون العقوبات على «حزب الله» نهاية العام 2015، لكنه ولد كقانون «من دون أسنان»، حسب التعبير المحلي في واشنطن، لأن الولايات المتحدة كانت وافقت على تحرير مليارات إيران المجمدة في مصارف العالم، بالتزامن مع رفع العقوبات عن قطاعات نفطية ومالية إيرانية كبيرة، وهو ما أعطى طهران إمكانية تجاهل قانون العقوبات على الحزب اللبناني وتمويله بالأموال الايرانية المتدفقة على اثر الاتفاقية النووية.
مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، انقلبت الصورة من فصل أوباما بين نووي إيران وميليشياتها إلى ربط ترامب بين أموال النووي الايراني وتمويل طهران الميليشيات الموالية لها في المنطقة، خصوصاً «حزب الله». ومع خروج واشنطن من الاتفاق النووي، والتوقعات بخروج مالي أوروبي على الرغم من بقاء الأوروبيين في الاتفاق شكلياً وسياسياً، لم يعد قانون العقوبات على «حزب الله» إجراء «من دون أسنان»، بل تحوّل إلى سلاح فتاك يمكن للولايات المتحدة استخدامه، لا ضد الحزب فحسب، بل ضد دولة لبنان وجيشه، وفقاً للاعتقاد الإسرائيلي - الأميركي المستجد منذ 2006، والقائل بأن دولة لبنان و«حزب الله» لا ينفصلان، وأن سياسة تحاشي إضعاف الدولة وجيشها، بل تقويتها لضبط الحزب أو مواجهته، هي سياسة خاطئة.
هكذا، تبدلت أسس السياسة الأميركية تجاه لبنان، وبدأ النقاش في واشنطن عن كيفية فرض عقوبات على مسؤولين في دولة لبنان، أو قطاعات حكومية لبنانية، كجزء من الحصار المالي والسياسي الذي تحاول أميركا فرضه على الحزب اللبناني. 
ومن الأفكار التي تداولها المسؤولون الأميركيون، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، تطوير سيناريوهات تتمحور حول تسديد دولة لبنان رواتب وزراء وأعضاء مجلس النواب من التابعين للحزب، وهم أعضاء في تنظيم تصنفه واشنطن إرهابياً، مع ما يفرض ذلك من عواقب وعقوبات على كل من يتعامل مالياً معهم.
ومن الممكن أن تستنبط واشنطن عقوبات تطول مسؤولين في الحكومة العراقية كذلك، لاعتقاد أميركي مفاده أن إيران تستخدم لبنان والعراق لاختراق العقوبات الدولية المفروضة عليها، ولجمع نقد أجنبي تحتاجه طهران بسبب تعثرها في ذلك عبر القنوات الرسمية الدولية.
وتقول مصادر في العاصمة الأميركية ان الادارة الحالية «حددت الاهداف والخطوط العريضة» لسياستها تجاه لبنان، وهذه الخطوط مبنية على اعتبار ان «حكومة لبنان ليست منافسة لحزب الله بل شريكة له». وعليه، يجب تطوير سياسات تحمّل دولة لبنان مسؤولية عواقب موقفها لحملها على تغييره.
وكان المحافظون الجدد حاولوا في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن الأولى زيادة العقوبات على «حزب الله» ولبنان، لكنهم تراجعوا مع تدخلات حثيثة قادها رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري، والبطريرك الماروني السابق نصرالله صفير، والسعودية، ولوبي يعمل في واشنطن بتمويل من قطاع مصارف لبنان. وقال بوش وقتذاك إنه يرحب بـ«حزب الله» إنْ تحوّل الى حزب سياسي بحت ونبَذَ استخدام العنف. 
لكن الحريري اغتيل، وصفير خرج، والسعودية انقلبت من صديق لبنان إلى عدو لـ«حزب الله». وحده لوبي المصارف اللبنانية بقي موجوداً، لكنه بالكاد قادر على حماية القطاع المصرفي اللبناني من الغضب المالي الأميركي المقبل على لبنان. 
تتابع المصادر الأميركية ان الإدارة في المراحل الأخيرة من إعداد سلسلة من العقوبات القاسية على مؤسسات وأفراد لبنانيين، من غير «حزب الله»، تشمل مسؤولين حكوميين لبنانيين ومصالحهم، وهو ما سيعطي ترامب خياراً إضافياً في المواجهة التي اختارها ضد إيران ونفوذها في عموم الشرق الاوسط.

السبت، 2 يونيو 2018

واشنطن: اتفاق موسكو - تل أبيب بشأن سورية ليس شاملاً... بل محدود برقعة جغرافية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لا تفاصيل لدى العاملين في الإدارة الاميركية حول الاتفاقية بين روسيا وإسرائيل على رعاية عودة قوات الرئيس السوري بشار الأسد إلى جنوب البلاد وانتشارها على مسافة تبعد 24 كيلومتراً عن المنطقة المنزوعة السلاح، التي تشرف عليها قوات حفظ السلام الأممية «اندوف» منذ سنة 1974. 
غياب الولايات المتحدة عن تفاصيل اتفاقية حليفتها إسرائيل مع روسيا يشي بأن الاتفاقية ليست جزءاً من رؤية متكاملة حول مستقبل الأسد أو الدور الايراني في سورية، بل هي «اتفاقية محدودة برقعة جغرافية سورية محددة، تهدف من خلالها موسكو إلى تبديد مخاوف تل أبيب من إنشاء الميليشيات الموالية لإيران بنية عسكرية متطورة على مقربة من الشمال الاسرائيلي، على غرار (حزب الله لاند) في لبنان». وتعبير «حزب الله لاند» هو استعادة لتسمية «فتح لاند» يوم كانت التنظيمات الفلسطينية المسلحة تسيطر على الجنوب اللبناني في السبعينات.
وفي انتظار ورود التفاصيل من الاسرائيليين، تسجل المصادر الاميركية بعض الملاحظات، في طليعتها ان «الغالبية العظمى للضربات التي قامت بها المقاتلات الاسرائيلية ضد أهداف ايرانية داخل سورية كانت في مناطق خارج الحزام الأمني الذي توافقت روسيا وإسرائيل على السماح للأسد بإقامته».
ثانياً، تلفت المصادر إلى أن الحزام المذكور لا يكفي لمنع مخاطر إنشاء إيران بنية عسكرية متطورة جنوب سورية، فمعظم الصواريخ التي تزودها طهران للميليشيات الحليفة لها في منطقة الشرق الاوسط يتخطى مداها مسافة 24 كيلومتراً، بما في ذلك صواريخ «كاتيوشا» معدلة يصل مداها 40 كيلومتراً، وصواريخ «فجر» التي يتراوح مداها بين 45 و72 كيلومتراً.
ثالثاً، تعتقد المصادر الاميركية أن «الأسد صار مديونا في بقائه لإيران، وأن استمرار وجوده في الحكم في دمشق يعني أن عليه ان يستجيب لمطالب الايرانيين، بما في ذلك استمرار بقاء قواتهم والميليشيات الموالية لهم في سورية، وهو ما يعاكس المصلحة الاسرائيلية المعلنة». 
ومع دخول الاتفاقية الاسرائيلية - الروسية لانتشار قوات الأسد جنوب سورية حيز التنفيذ، ومع تكرار المسؤولين الروس تصريحاتهم حول ضرورة انسحاب كل القوات الاجنبية من سورية، بالتزامن مع تصريحات الأسد، بل تهديداته باقتلاع المجموعات الكردية المنتشرة برعاية أميركية شرق الفرات، يرى المسؤولون الاميركيون ان هدف موسكو من الحديث عن «انسحاب القوات الأجنبية» من الجنوب السوري لا يستهدف الايرانيين، بل هو إشارة إلى رغبة موسكو في رؤية الولايات المتحدة تفكك البنية التحتية لانتشارها العسكري مع حلفائها في قاعدة التنف على ملتقى الحدود العراقية - السورية - الاردنية.
ويقول المسؤولون الاميركيون ان طريق بغداد - دمشق يسيطر عليها حالياً الأسد وحلفاؤه، بما في ذلك معبر البوكمال، مروراً بتدمر وغرباً باتجاه دمشق. ما يزعج الايرانيين والروس، هي التنف، التي «تسمح لنا بمراقبة الحدود العراقية - السورية لتأكيد عدم عودة إرهابيي داعش إلى تشكيل أنفسهم».
وبعدما أبدى الرئيس دونالد ترامب رغبة بانسحاب ألفي جندي أميركي ينتشرون في سورية، يبدو أن الرئيس الأميركي تراجع عن موقفه، خصوصاً في ظلّ اعتقاد كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع أن القيمة الاستراتيجية لانتشار هذه القوات تفوق بكثير تكلفتها المالية أو السياسية. 
ويؤكد المسؤولون الاميركيون ان القوات الاميركية والمجموعات المتحالفة معها ستحافظ على أماكن انتشارها حتى التوصل إلى تسوية سياسية سورية كاملة، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستواصل سيطرتها على مصادر النفط السورية الوحيدة، وتبقيها خارج الخدمة، وهو ما يحرم الأسد ونظامه موارد طاقة ومال يحتاج إليها بشدةّ.

Since December 2008