السبت، 28 سبتمبر 2019

لماذا لم يلتقِ أي مسؤول أميركي... باسيل؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

ان يزور وزير خارجية لبنان جبران باسيل واشنطن مرتين، في غضون ثلاثة اشهر، يعني ان للمسؤول اللبناني امراً ملحاً يجبره على التردد على العاصمة الاميركية ومحاولة لقاء مسؤوليها. 
ولأن باسيل يعلم انه مهما بدت الولايات المتحدة منسحبة من دورها في الشرق الاوسط، إلا انه باستثناء تمديد ولاية الرئيس الاسبق اميل لحود، لم يحصل ان تم انتخاب رئيس لبناني من دون موافقة كل الاطراف الدولية المعنية بالشأن اللبناني، تماما كما حصل عندما هندس الديبلوماسي الاميركي ديفيد هيل مصالحة بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، نجم عنها انتخاب عون رئيساً وعودة الحريري رئيساً للحكومة. 
ولأن باسيل يعتقد انه شبه ضامن لتأييد «حزب الله» له خلفا لعون، فهو يسعى منذ فترة لاستقطاب الاميركيين الى جانبه، علّه يحصل على رضاهم وموافقتهم على انتخابه رئيسا للبنان. لكن واشنطن لا توصد ابواب مسؤوليها في وجه باسيل فحسب، بل هي لم تمنحه اي لقاء في واشنطن مع اي مسؤول في الادارة، في اي مركز، على مدى اكثر من عام. 
وكان آخر لقاء بين باسيل ومسؤول اميركي، هو الذي استضاف فيه نائب وزير الخارجية جون سوليفان الوزير اللبناني في يوليو من العام الماضي، على هامش انعقاد مؤتمر الاقليات الدينية الاول في واشنطن. هذا العام شارك باسيل في المؤتمر نفسه، في يوليو، ولم ينجح في لقاء اي مسؤول في الخارجية الاميركية. 
وبسبب عزل ادارة الرئيس دونالد ترامب، لباسيل، لجأ الوزير اللبناني الى قنوات متعددة علّها تساعده في انتزاع لقاءات مع مسؤولين اميركيين. هذه القنوات تضمنت أربعة خطوط: الأول، المجموعة العونية المقيمة في الولايات المتحدة، والتي كانت تتمتع بعلاقات جيدة وحظوة، يوم كان عون لا يزال في منفاه الباريسي معارضاً لنظامي إيران والرئيس السوري بشار الأسد. لكن بعد انتقال عون من المعسكر الغربي الى «معسكر الممانعة»، فقدت الشبكة العونية قوتها تدريجيا، ولم ينجح قيام الرئيس اللبناني في تعيين احد قدامى مواليه، غابي عيسى، سفيرا في واشنطن، في تحسين المكانة العونية في العاصمة الاميركية.
ولم يبق من العلاقات العونية، الا صداقة شخصية مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، الديموقراطي اليوت ابرامز، وهو عراب «قانون محاسبة سورية واستقلال لبنان» الصادر في العام 2003. وابرامز، وهو يهودي اميركي واحد اصدقاء اسرائيل في الكونغرس، يعيش في جوار ناشط من العونيين المقيمين في واشنطن، والذي يقدم نفسه اليوم على انه «مستشار رئيس جمهورية لبنان». لكن العلاقة بين الاثنين يندر ان تتعدى الحيز الشخصي، منذ انقلاب عون السياسي وتحالفه مع «حزب الله»، حتى لو التقى ابرامز، باسيل او حضر وليمة على شرفه. 
القناة الثانية التي لجأ اليها باسيل هي التي تنشط في اطار «الدفاع» عن مسيحيي المشرق، وهذه تعمل بتمويل ورعاية رجال اعمال لبنانيين اثرياء في افريقيا، وهي قدمت للوزير اللبناني ناشطاً ايطاليا في شؤون العقود الحكومية النفطية، وصاحب علاقات في واشنطن. وتم تسديد آلاف الدولارات للناشط المذكور لتدبير لقاءات لباسيل مع مسؤولين اميركيين، إلا ان اللقاءات لم تحدث بعد.
القناة الثالثة عن طريق الحريري، الذي يبدو انه يسعى للحفاظ على التحالف الحاكم بينه وبين العونيين، بما في ذلك السعي لتحسين صورة باسيل في العاصمة الاميركية. وكان الحريري اغدق على وزير خارجيته المديح، اثناء زيارة رئيس الحكومة الاخيرة لواشنطن في اغسطس. على ان قدرة الحريري لدى الاميركيين تختلف تماماً عن زمن والده المرحوم رفيق الحريري، خصوصا مع دخوله في تحالف مع عون، حليف «حزب الله». 
القناة الرابعة التي وظّفها باسيل لاقتناص لقاء مع اي مسؤول أميركي هي الجالية اللبنانية، التي تعود جذورها في الولايات المتحدة الى اكثر من قرن. في هذا السياق، يتمتع غالب المسؤولين اللبنانيين بعلاقات جيدة مع شخصيات اميركية من مثال عضو الكونغرس السابق عن ولاية ايلينوي، ووزير المواصلات السابق في ادارة باراك أوباما، راي لحود، واليوم مع ابنه وخلفه في الكونغرس دارن. كذلك للبنانيين علاقات بعدد من اعضاء الكونغرس من اصل لبناني، من امثال عضوي الكونغرس الجمهوريين السابقين داريل عيسى وتشارلز بستاني، والديموقراطي السابق نك رحال. 
لم تسعف اي من القنوات التي وظّفها باسيل في رفع الحظر الاميركي عن لقائه. حتى ان لقاء على طاولة مستديرة في مركز ابحاث كان يرأسه تشاك هيغل وزير الدفاع السابق، تم الغاؤه بعد توزيع الدعوات، من دون تقديم اسباب. ويعتقد المتابعون ان جهات خليجية تتمتع بنفوذ في المركز نفسه نسفت اللقاء. 
وهكذا، لم يبق امام باسيل الا نشاطات الاغتراب اللبناني، فشارك قبل اسبوعين في عشاء تحدثت فيه عمدة واشنطن موريل بوزير، التي دعاها ثلاثة من اللبنانيين الاميركيين العونيين القيمين على شركة مقاولات تعمل على ترميم مدارس حكومية في واشنطن. ووزن بوزير السياسي الفيديرالي يكاد يكون منعدماً، اذ هي تسعى عبثاً لتحويل مقاطعة كولومبيا، التي تستضيف واشنطن العاصمة، الى ولاية، لكن من دون فائدة. 
ربما لا يدرك باسيل أن مقاطعة اميركا له ليست شخصية، فواشنطن تبحث عن من يمكنها تأمين مصالحها. في الماضي، اقامت واشنطن علاقة مع الأسد لأنه ضبط التنظيمات المسلحة في لبنان بعد الحرب الاهلية. وبعد انسحاب الأسد من لبنان، حاول نظامه تقديم نفسه على انه وسيط لاميركا في حوارها مع ايران، لكن ادارة أوباما - وهي الاكثر ليونة مع الأسد وايران - لم تعتقد انه قادر على ذلك، وحاولت التوصل الى تسوية مع ايران نفسها، لا مع وسطاء لا يمونون.
في الحالة اللبنانية، تسعى واشنطن لتسوية في موضوع «حزب الله»، وتعرف ان مفتاح هذه التسوية هو في ايران... اذاً، لا حاجة لسياسيين في لبنان لا تتعدى وساطتهم زعامة شخصية وحفنة من الخطابات التي يكررون فيها ان «حزب الله» مشكلة اقليمية، وان لا قدرة لدولة لبنان على حلّها.

الخميس، 26 سبتمبر 2019

العراق ومأساة العسكرة المستمرة

حسين عبدالحسين

أقرّ مجلس النواب العراقي، هذا الاسبوع، مشروع قانون إنشاء "هيئة للتصنيع الحربي"، هدفها، حسب النائب محمد السوداني، "إنشاء قاعدة للصناعات الحربية في العراق، وسد احتياجات القوات المسلحة والأمنية من الأسلحة والعتاد والذخائر، ودعم الاقتصاد الوطني، من خلال التقليل من استيراد هذه المعدات.

على أن إنشاء هيئة تصنيع حربي أمر مثير للشبهات، لأسباب متعددة، أولها أن تكلفة "الأسلحة والعتاد والذخائر" منخضة نسبيا، وثانيها أنه سبق للعراق أن أعلن، واحتفل بالذكرى السنوية الأولى، للانتصار على داعش، بالتزامن مع قول رئيس الحكومة عادل عبد المهدي أن بلاده تسعى الآن لمحاربة الفساد وإعادة الإعمار. وهو ما يعني أن العراق خرج من الحرب ودخل في مرحلة السلام والمصالحة وإعادة الأعمار، فما جدوى إقامة مصانع حربية بعد نهاية الحرب؟

ثالثا، يشكل إنشاء "هيئة للتصنيع الحربي" في العراق تكرارا لهيئة مماثلة قائمة، هي "شركة الصناعات الحربية العامة"، التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، وهو ما يشي أن إقامة الهيئة الحربية الجديدة إما يأتي في سياق انتشار الفساد وتكرار الإدارات الحكومية لتوزيعها على الأزلام والمحظيين، أو أن للهيئة المذكورة هدف غير الذي أعلنه النواب العراقيون.

ومما يثير الشبهات أيضا في موضوع إقامة "هيئة للتصنيع الحربي" هو أن قيادتها ستكون في يد "لجنة للتنسيق الحربي"، بعضوية "ممثلين عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارتي الدفاع والداخلية، ومستشارية الأمن الوطني، وهيئة الحشد الشعبي، وجهاز الأمن الوطني، وجهاز المخابرات، وجهاز مكافحة الإرهاب".

لا بأس في انخراط الهيئات الحكومية العراقية في عملية تصنيع حربي في البلاد، لكن انخراط ميليشيات "الحشد الشعبي" أمر غريب، وهو ما قد يؤكد تقارير مفادها أن — بمساعدة إيرانية — أقامت ميليشيات "الحشد" معامل لتصنيع الصواريخ في البلاد، وهي المعامل التي تعرضت لتدمير بقصف جوي، قامت به في الغالب إسرائيل.

لكل هذه الأسباب، تبدو موافقة برلمان العراق على إنشاء "هيئة للتصنيع الحربي" هدفها توفير غطاء لعملية تصنيع الصواريخ التي تديرها ميليشيات "الحشد الشعبي"، التي يقسم بعضها الولاء علنا لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي.

وإقامة مصانع للصواريخ الإيرانية في العراق يتناسق والمشروع الإيراني المتكامل للعراق، والذي يقضي بنسخ النموذج الإيراني القائم على تعايش بين ميليشيات موالية للمرشد مع حكومة أضعف منها نفوذا وقوة. وتكرار نموذج "الحرس الثوري الإيراني“ في العراق يتطلب، إلى وجود ميليشيات ”الحشد الشعبي“، وجود تعبئة تربوية، وأخرى إعلامية، ومراكز للخدمات الاجتماعية، وكلها صارت موجودة حاليا، ويبقى العنصر الوحيد المطلوب هو إقامة هيئة تصنيع حربي مستقلة للحشد، تشبه مصانع التصنيع الحربي لدى ”الحرس الثوري“ في إيران.

قد تكون في العراق غالبية شعبية تؤيد التقارب، وربما الوحدة، مع إيران. والعلاقة الجيدة بين بلدين يشتركان في تاريخ طويل، وفي ثقافة مشتركة، وفي دين، وفي أواصر عائلية وعلاقات، أمر جيد. المشكلة في نسخ العراق للنموذج الإيراني، عدا عن تقويض سيادة الحكومة المنتخبة، يكمن في نسخ العراقيين للعسكرة المتواصلة في ايران منذ الثورة في العام 1979، فالعراقيون بالكاد تنعموا بالخلاص من رئيسهم الراحل صدام حسين، وحروبه المتواصلة، وتجنيده الاجباري، والجيش الشعبي، وطلائع البعث، والانتصارات ”بعون الله“ في ”قادسية صدام“ وفي ”أم المعارك“، حتى استبدلوا صدّامهم وجنونه الحربي بايران وعبثيتها الحربية المشابهة، فصار الجيش الشعبي حشدا، وصارت صواريخ العباس والحسين صواريخ شهاب وفاتح.

ربما حان وقت الرأفة بالعراقيين وإخراجهم من دوامة الحروب، والالتفات لإعادة الاعمار والتعليم، إذ لا يعقل أن تخصص حكومة العراق مليار و700 مليون دولار في موازنتها لهذا العام للحشد الشعبي، وتخصص مليار و500 مليون دولار لوزارة التربية.

في التاريخ العراقي السحيق صراع دائم بين إله القوة والشمس، مردوخ، وإلهة الحكمة والظلام تيامات. مردوخ هزم تيامات وقطع جسدها إربا وصنع منه الكون. ثم جاء الملك نابونيدس، آخر ملوك بابل، وفرض إله الحكمة نبو بدلا من مردوخ، فإنتفضت عليه المؤسسة الدينية، وتآمرت مع الإيرانيين عباد الشمس والنار، فاكتسح قورش العراق، وانتصرت القوة على المعرفة، وانتهت حضارة الرافدين إلى غير رجعة، ومعها، بدأ مشاور الانحطاط العراقي المتواصل في حروبه الكثيرة، وثقافته الشحيحة. العراق يعيش مأساة عسكرة متواصلة، وإيران تعيش أزمة مشابهة، وتعزز المأساة العراقية معها، على أمل أن ينتهي كابوس الدولتين العسكري يوما، إذ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

بيلوسي تطلق عملية خلع ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في تطور سريع للأحداث، أعلنت رئيسة مجلس النواب في الكونغرس الديموقراطية نانسي بيلوسي، اطلاق عملية تحقيق في امكانية ارتكاب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب مخالفات دستورية قد تدفع الكونغرس الى التصويت على ادانته للبدء بعملية خلعه، وهو ما دفع البيت الابيض الى تقديم سلسلة من التنازلات.
ونشرت وزارة العدل، أمس، مضمون المكالمة الهاتفية بين ترامب والرئيس الأوكراني، في 25 يوليو الماضي.
وبحسب المحضر، فان ترامب طلب من فولوديمير زيلينسكي التحقيق في معاملات تجارية لابن المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية جون بايدن.
وخاطب ترامب نظيره الأوكراني قائلاً: «هناك الكثير من الحديث عن ابن بايدن، وأن (جو) بايدن أوقف الملاحقة القضائية والكثير من الناس يرغبون في معرفة ذلك».
وتابع أن «بايدن ذهب متفاخرا بأنه أوقف الملاحقة القضائية إذا كان يمكنك النظر في الموضوع ... الأمر يبدو مروعاً بالنسبة لي».
وتعهد الرئيس الأوكراني بفتح التحقيق الذي طالب به ترامب، قائلاً «سنهتم بالموضوع وسوف نحقق في القضية».
ونفى ترامب للصحافيين في نيويورك حيث يشارك باعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يكون قد مارس أي ضغط على أوكرانيا، مضيفاً أن الديموقراطيين «وضعوا ضغطا هائلاً على أوكرانيا».
وتساءل ترامب بعد الكشف عن محضر الاتصال عما إذا كان الديموقراطيون سيعتذرون. وكتب على «تويتر»: «ينبغي أن يفعلوا... ينبغي الا يحدث هذا أبدا لرئيس آخر».
وكان ترامب ندد في وقت سابق، بالإجراءات التي أطلقها خصومه الديموقراطيون، معتبراً إياها «حملة مطاردة نتنة». ودان ما وصفه بـ «أكبر حملة مطاردة في تاريخ أميركا (...) هذا عار».
وجاء نشر مضمون المكالمة، بعدما صوت بالاجماع مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من حزب الرئيس الجمهوري، على ضرورة تزويد الحكومة الكونغرس بشكوى كان قدمها عامل في الاستخبارات حول اتصال جرى قبل اسابيع بين ترامب وزيلينسكي.
وفي التفاصيل، ان ترامب ارسل محاميه عمدة نيويورك السابق رودي جولياني الى كييف، لاقناع كييف بفتح تحقيق في امكانية تورط هنتر بايدن، في عمليات تقاضي أموال من شركات طاقة اوكرانية في عملية شراء نفوذ كانت تقوم بها اوكرانيا. وبعدما رفضت كييف طلبات فريق ترامب المتكررة، جرى اتصال بين الرئيسين الاميركي والاوكراني، هدد بموجبه ترامب بحجب مساعدة عسكرية كان خصصها الكونغرس الى اوكرانيا تبلغ قيمتها 400 مليون دولار.
محاولة ترامب ابتزاز الاوكرانيين لادانة منافس سياسي له داخل واشنطن هي بمثابة دعوة الرئيس الاميركي لحكومة اجنبية للتدخل بالانتخابات، وهي جريمة يعاقب عليها القانون. ولأنه يتعذر الادعاء على ترامب اثناء عمله رئيسا، تصبح عملية محاسبته، وامكانية خلعه ان ثبت ارتكابه الجرم المذكور، في ايدي الكونغرس.
وعملية الخلع تبدأ في مجلس النواب، الذي تسيطر عليه غالبية ديموقراطية. وفي آخر تعداد، وصل عدد الديموقراطيين المؤيدين خلع ترامب الى 200، من اصل 234 عضوا ديموقراطياً، اما العدد المطلوب للمصادقة على الخلع، فيبلغ 218، مع تزايد التوقعات بارتفاع اعداد الديموقراطيين المؤيدين. وفي حال اقرار مجلس النواب لقانون الخلع، تتم قراءة بيان الخلع بمثابة ادعاء امام مجلس الشيوخ، حيث المطلوب تصويت غالبية 60 عضواً لاتمام عملية خلع الرئيس واخراجه من البيت الابيض، ليحل مكانه تلقائيا نائبه مايك بنس، الذي يقوم آنذاك بتعيين نائب بديل.
ومشكلة الديموقراطيين ان عددهم يبلغ 48 عضواً فقط في مجلس الشيوخ، وان 15 من هؤلاء فقط سبق ان اعلنوا موافقتهم على الخلع، وسط صمت وتردد الباقين. وفي حال نجح الشيوخ الديموقراطيون في التوصل الى اجماع على التصويت على الخلع، فسيحتاجون الى 12 من زملائهم الجمهوريين، وحتى الآن، لم يبد من الشيوخ الجمهوريين استعدادهم للتصويت لصالح خلع ترامب الا سناتور واحد، هو سناتور ولاية يوتا والمرشح الجمهوري السابق ميت رومني.
هذا يعني ان تصويت مجلس النواب على الخلع لن يؤدي حتماً الى الاطاحة بترامب، إلا في حال ظهور اثباتات فاضحة جداً الى العلن تجبر 12 سناتورا من الجمهوريين على الانضمام لزملائهم الديموقراطيين واخراج ترامب من البيت الابيض.
لكن حتى في حال عدم التوصل الى الخلع التام، فسيكون قيام مجلس النواب بالتصويت على ادانة ترامب، في حال حدوثه، تصويتاً تاريخياً، اذ من بين رؤساء الولايات المتحدة الخمسة واربعين المتعاقبين منذ العام 1789، لم يسبق ان صوت الكونغرس على خلع رؤساء باستثناء ثلاثة، هم اندرو جاكسون وريتشارد نيكسون وبيل كلينتون. ولم تكتمل عملية اخراج الرئيس من البيت الابيض الا مع نيكسون، الذي استقال في اغسطس 1974.
هكذا، قد يدخل ترامب التاريخ ليصبح رابع رئيس يصادق الكونغرس، او احدى غرفتيه على الأقل، على البدء بعملية خلعه من الرئاسة، وهي عملية فيها الكثير من الاذلال السياسي، خصوصا لرئيس يتمتع بنرجسية وحب الظهور مثل ترامب.
على انه لطالما ترددت بيلوسي في مباشرة عملية الخلع، رغم تسلم الديموقراطيين الغالبية في مجلس النواب مطلع العام، فبيلوسي تخشى ان ترتد عملية خلع غير مدروسة على الديموقراطيين، فيظهر ترامب - في غياب الدلائل الكافية والمقنعة - ضحية تتعاطف معه غالبية من الاميركيين، فتعيد انتخابه العام المقبل لولاية ثانية، وتنتزع من الديموقراطيين الغالبية التي انتزعوها العام الماضي.
هل هدد ترامب فعلاً اوكرانيا بحجب المساعدات في حال عدم قيامها بالتآمر معه ضد منافسه الديموقراطي للرئاسة؟ وهل يمكن للديموقراطيين كشف الحقائق الدامغة لاثبات ذلك، وتالياً كسب تأييد شيوخ جمهوريين وغالبية شعبية واخراج ترامب من البيت الابيض؟
الاحداث المتسارعة بشكل كبير ستكشف في الساعات والايام المقبلة نوع الدلائل وحجم الفضيحة، في حال وجودها، اما المفاجآت السياسية، فمتوقعة وابوابها مفتوحة على مصراعيها.
من ناحيتها، وصفت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ترامب بأنه «إعصار بشري أرعن وفاسد لا يهتم إلا بنفسه»، مشددة على ضرورة البدء في إجراءات عزله «في سبيل مصلحة الأمن القومي».

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

أوروبا تتماهى مع الموقف الأميركي من الاتفاقية النووية مع إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في الوقت الذي كان فيه، الرئيس دونالد ترامب يعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع ايران، في مايو من العام الماضي، كان وزير خارجية إيران جواد ظريف يتواصل مع احد الاميركيين ممن تجمعه بهم صداقة مبنية على ثقة: وزير الخارجية السابق جون كيري. وبعد استعراض للوضع، قدم كيري نصيحة وحيدة لصديقه ظريف وللحكومة الايرانية: انتظروا نهاية رئاسة ترامب.
يبدو انها تتمسك بنصيحة كيري بدقة، وهي اثناء انتظارها موعد خروج ترامب من البيت الابيض في يناير 2021، في حال فشله في الفوز بولاية ثانية، تقدم استعراضات قوة، عسكرية وديبلوماسية، اولاً لمعرفة ظريف ان ترامب رئيس لا يستخدم القوة العسكرية مطلقاً، وثانياً لاعتقاد الوزير الايراني ان الاتفاقية النووية ستعود الى سابق حالها بعد وصول رئيس من الديموقراطيين بدلاً من ترامب.
على ان نصيحة كيري ربما فات عليها الزمن، فأوروبا نفسها صارت في مرحلة «ما بعد اتفاقية فيينا النووية» التي وقعت في العام 2015. صحيح ان الاوروبيين لم يعلنوا يوماً انسحابهم من الاتفاقية، وحاولوا تقديم بدائل مالية تلتف على العقوبات الاميركية على ايران من دون ان تتجاوزها، الا ان الاوروبيين لم يعودوا متمسكين بالاتفاقية، وصار موقفهم اقرب الى الموقف الاميركي، وهو ما بدا جلياً في البيان الثلاثي الصادر عن قادة المانيا وبريطانيا وفرنسا، على هامش الاعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جاء فيه مطالبة اوروبية لطهران بالعمل على تحديث الاتفاقية النووية بواحدة جديدة ذات جدول زمني اطول، على ان تتضمن الاتفاقية الجديدة شؤوناً اخرى، في طليعتها حظر التجارب الايرانية على الصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى، والتوصل لاتفاق مع طهران لانهاء «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
والبيان الاوروبي يعني ان اربعة من ستة دول موقعة على الاتفاقية النووية، صارت توافق ترامب الرأي بان الاتفاقية النووية مع ايران قاصرة، وجدولها الزمني محدود، ويسمح لطهران بالتخصيب بعد انقضاء عدد من السنوات لا تتعدى العقد الواحد، منذ اقرار الاتفاقية. كما تراجع الاوروبيون عن الرأي القائل إنه يمكن فصل النووي عن بقية الملفات العالقة بين الغرب وايران.
ومع التغيير في الموقف الاوروبي، صار يبدو مستغرباً تمسك ايران بالاتفاقية الحالية، التي كرر ظريف ان بلاده غير مستعدة حتى للتفاوض على واحدة جديدة، بل انها تصر على تطبيق الحالية، كشرط لأي مفاوضات تتعلق بتعديلات سبق لاميركا ان طالبت بها قبل انسحابها من الاتفاقية.
والتغيير في الموقف الاوروبي، يعني ان المزاج عموما تغير في العواصم الغربية، فالرئيس السابق باراك أوباما لم يمثل المزاج الاميركي يوم وقع الاتفاقية مع ايران، بل هو واجه معارضة شعبية وكذلك في الكونغرس، بغالبية حزبيه، الذي وضع شروطا على الادارة الاميركية، مثل تقديم الادارة تقريرا دوريا للكونغرس كل ستة اشهر.
أوباما لم يعكس رغبة الغالبية الاميركية يوم اصراره على المضي قدما بالتوصل لاتفاقية، وان عرجاء في الرأي الاميركي، املاً في ان تؤدي الى بناء ثقة مع ايران يمكن بعد ذلك التعويل عليها لتحسين الاتفاقية والعلاقة مع طهران ككل، وهو ما يعني ان ترامب ليس الاستثناء في الموقف الاميركي تجاه ايران، بل أوباما هو الاستثناء، ومن غير المتوقع ان يعود اي رئيس سيشغل البيت الابيض بعد عام ونصف العام، ان ترامب أو أي من منافسيه الديموقراطيين، إلى الاتفاقية النووية مع ايران بشكلها الحالي الذي يتمسك به الايرانيون. ومع التغيير في الموقف الاوروبي وتماثله مع نظيره الاميركي، تصبح العودة الى الاتفاقية الحالية مستحيلة اكثر.
ظريف، المعروف بمهارته بقراءة المزاج الاميركي ومعرفته بتفاصيل الادارات الاميركية، يبدو انه يتمسك بنصحية كيري من دون ان يعيد النظر بها في ظل التغييرات الطارئة على الموقف الاوروبي، وهو ما يعني ان طهران هي التي تعزل نفسها عن العالم بسبب ملفها النووي، لا واشنطن هي المعزولة بسبب خروجها منفردة من الاتفاقية.
هل يعي ظريف التغيّرات في الموقفين الاميركي والاوروبي تجاه ممارسات ايران وسياساتها بشكل عام، إن النووية او العسكرية او الديبلوماسية، ام انه يعرف ولكنه يتمسك بالقديم لعلمه باستحالة تقديم ما هو جديد الى طهران التي يسودها «الصقور والمتطرفون»؟

الخميس، 19 سبتمبر 2019

بولتون يهاجم ترامب ويتهمه بالتخاذل في الرد على إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تمر أيام قليلة على خروجه من البيت الابيض، حتى شن مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون هجوماً عنيفاً ضد الرئيس دونالد ترامب، من دون ان يسميه، معتبراً انه «لو ردت الولايات المتحدة على ايران عسكرياً على اثر اسقاط الايرانيين طائرة استطلاع من دون طيار اميركية، لما قامت ايران بقصف حقول نفط سعودية».
وعلى وجبة غذاء خاصة أمام نحو 60 مانحاً ومتبرعاً لمعهد غايتستون اليميني المحافظ، الذي يرأس مجلس ادارته الصحافي الإيراني المعارض أمير طاهري خلفا لبولتون نفسه، اعتبر مستشار الأمن القومي السابق، الأربعاء، ان الهجوم الإيراني على منشآت شركة «أرامكو» هو «عمل حربي»، وفقاً لاي تعريف ممكن.
وأشار بولتون إلى أن قرار ترامب، الامتناع عن الرد على طهران، جاء في «آخر لحظة» من دون سابق التشاور مع مسؤولين آخرين في البيت الأبيض.
ووصف بولتون سياسة ترامب القاضية بالتفاوض مع كوريا الشمالية وإيران بانها «كلام فارغ»، معتبرا ان محاولة التوصل الى سلام مع حركة «طالبان» الافغانية، التي كانت تستضيف «القاعدة» اثناء قيام التنظيم بشن هجمات ضد واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، هو بمثابة «عدم احترام» لذكرى الهجمات ولدماء الضحايا.
وحضر اللقاء الخاص عدد من اكبر الداعمين والمؤيدين والممولين لترامب، تصدرتهم ريبيكا ميرسر، من عائلة ميرسر التي سبق ان مولت نشاطات مستشار ترامب اليميني المتطرف المخلوع ستيف بانون، قبل ان تحجب عنه التمويل بعد خلافه مع ترامب. كذلك، حضر بروفسور القانون المدافع دائماً عن براءة الرئيس الأميركي في موضوع تورطه مع روسيا الن دورشوويتز، فضلا عن مدير إمبراطورية «نيوزماكس» الاعلامية كريس رودي.
وبتصريحاته ضد ترامب، انضم بولتون لقافلة من «الصقور» في الحزب الجمهوري ممن باتوا يرون في ترامب «انعزالياً» وغير راغب في استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالح أميركا وحلفائها.
وإلى بولتون، انضم السناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، وهو احد المقربين من ترامب. ودعا الرئيس الاميركي الى ضرب منشآت ايران النفطية كرد عقابي على قيامها بضرب المنشآت النفطية السعودية.
وفي وقت لاحق، قال غراهام، في ما بدا تكراراً للحكمة التي صارت متداولة بين الجمهوريين، إن الضعف الذي اظهره ترامب في تفاديه ضرب ايران، عقابا لها على اسقاطها «الدرون» الأميركية، هو الذي شجع الايرانيين على التمادي وقصف أهداف سعودية.
في المقابل، وجه ترامب انتقادات إلى بولتون، مندداً بتركيز المستشار المُقال على قضايا الشرق الأوسط.
وقال إن قراره بتعيين بولتون في منصب مستشار الأمن القومي استدعى شكوكاً لدى كثير من الناس، مضيفاً أن البيت الأبيض في عهد بولتون أنفق 7.5 تريليون دولار على الملفات الشرق أوسطية وأصبح «شرطياً إقليمياً».
وكان ترامب علّق بعد طرده بولتون بالقول ان مستشاره السابق للأمن القومي يعتقد نفسه قوياً، «لكننا رأينا الى ماذا أدت قوته في حرب العراق».
كما رد الرئيس الأميركي على غراهام، بالقول ان بطولات غراهام، الذي أيد حرب العراق، «رأينا الى أي مصائب أوصلت».

الأربعاء، 18 سبتمبر 2019

فرص ترامب للفوز بولاية ثانية... تتقلّص


واشنطن - من حسين عبدالحسين

أعلن الرئيس الأميركي، أمس تعيين روبرت أوبراين، مستشاراً جديداً للأمن القومي خلفاً لسابقه المقال جون بولتون.
وكتب دونالد ترامب في «تويتر»: «يسرني أن أعلن أنني سأسمي روبرت سي. أوبراين، الذي يعمل حالياً كمبعوث رئاسي ناجح جدا لشؤون الرهائن في وزارة الخارجية، مستشاراً جديداً للأمن القومي».
وأشار إلى أنه «عمل منذ فترة طويلة بجد مع روبرت»، معربا عن قناعته بأن المستشار الجديد للأمن القومي الأمريكي «سيقوم بعمل رائع!».
من ناحية ثانية، لفت المراقبون الأميركيون الى انخفاض قلّ مثيله في شعبية ترامب، اذ وصل معدل مؤيديه الى ادنى مستوى له منذ أسابيع اقفال الحكومة الفيديرالية مطلع العام، وبلغ 41 في المئة فقط، وهو ما يشي بأن عملية اعادة انتخاب الرئيس لولاية ثانية، في الانتخابات المقررة العام المقبل، قد تكون صعبة ومعقدة.
ولاحظ الخبراء انخفاضاً غير مسبوق لترامب في الاستطلاعات المخصصة لادائه في الملف الاقتصادي، اذ ان ترامب، ورغم شعبيته المتهالكة منذ وصوله البيت الابيض مطلع العام 2017، حافظ على ارقام ايجابية في الملف الاقتصادي، غالبا بسبب الخفض الضرائبي الذي أقرّه الكونغرس، والذي أدى الى دفع ارقام نمو الناتج المحلي الى نسب مرتفعة بمعدل ثلاثة في المئة سنوياً، مع انخفاض في ارقام البطالة الى مستويات متدنية تاريخية تقارب ثلاثة في المئة.
لكن الاقتصاديين يرددون ان المفاعيل الايجابية لكل خفض ضرائبي ما تلبث ان تنتهي بعد فترة، وهو ما يبدو انه بدأ يصيب الاقتصاد الاميركي، في وقت يبدو ان علامات الركود بدأت تلوح في الأفق القريب. وهذا الاسبوع، برزت سلسلة من العناوين السلبية التي ساهمت في المزيد من الاهتزاز في شعبية ترامب، اولها دراسة صادرة عن مؤسسة «لندنغ تري» رجحت ان تبدأ اقتصادات ولايات ميشيغن وهاواي ومونتانا بالضمور مع حلول الفصل الرابع من العام.
وتعتبر الوكالات ان الاقتصاد الفيديرالي، او اقتصاد أي ولاية، يمر في ركود، في حال سجّل فصلين من الضمور، وهو ما يعني ان الولايات الثلاثة ربما تدخل رسميا في الركود مطلع ابريل المقبل، اي قبل ستة اشهر من الانتخابات الرئاسية.
وغالبا ما يؤدي الركود في ولاية أو اكثر الى انتشاره الى غالبية الولايات الخمسين، وهو ما يؤدي الى ضمور الاقتصاد الفيديرالي العام، ما يعني ان ترامب قد يكون على موعد مع الركود قبل اشهر قليلة من موعد انتخابه لولاية رئاسية ثانية، ما من شأنه ان يقلص حظوظ بقائه في البيت الابيض لولاية ثانية.
ويعزو بعض المسؤولين امكانية اندلاع ركود الى انفجار فقاعة محتملة في سوق سندات الخزينة، بسبب السياسات النقدية المتساهلة التي اعتمدتها مصارف الاقتصادات الكبرى حول العالم، بهدف تحفيز النمو، منذ اندلاع الركود الكبير في 2008.
إلا ان المبالغة في الاستناد الى السياسات النقدية لتحفيز النمو رتّب على المصارف المركزية ديونا كبيرة، واجبرها على خفض الفائدة الى معدلات منخفضة جداً، وهو ما يعني انه في حال اندلاع ركود، لا يسع المصارف الا تخفيض الفائدة الى ما دون الصفر، أي ان المصارف ستقتطع من ايداعات المودعين لديها لتحفيزهم على سحب اموالهم من البنوك وتشغيلها في السوق من اجل دفع عجلة النمو الاقتصادي.
في ظلّ هذه الصورة الاقتصادية القاتمة، يراهن عدد من الخبراء على ان يبادر ترامب الى تبني خطاب اكثر عدوانية تجاه الاقليات في سعيه لتحسين شعبيته لدى اليمين، أي انه بعدما ربط ترامب النهوض الاقتصادي برئاسته، قد يضطر الى الاستغناء عن الموضوع الاقتصادي والاعتماد على الخطاب الشعبوي التحريضي وحده.
لكن التحريض سيف ذو حدين، وهو يمكنه ان يبقي اليمين موحداً خلف ترامب، لكنه قد يبعد الوسط والمستقلين، وهو ما يوسع دائرة معارضيه، خصوصا في الولايات المتأرجحة، كالتي انتزعها ترامب اثناء فوزه الاول، اي ميشيغن وويسكونسن وبنسلفانيا، وهذه ولايات صناعية وزراعية ويعتمد اقتراعها غالبا على الوضع الاقتصادي، فان كان مأزوما، فقد تعود الى حضن الديموقراطيين.
وكان استطلاع اجرته مجموعة «برايوريتي يو اس ايه» التابعة للحزب الديموقراطي، اظهر ان أي مرشح ديموقراطي للرئاسة يتقدم على ترامب بفارق ثماني نقاط مئوية، خصوصا في فلوريدا، ميشيغن، نيفادا، بنسلفانيا وويسكونسن، وهذه كلها كانت في جيب ترامب في الانتخابات الماضية، وهي ان انتقلت الى الديموقراطيين، تحرم الرئيس حكماً من ولاية ثانية.

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

لماذا يكره بعض السوريين أوروبا؟


حسين عبدالحسين

بثت القناة العربية التابعة لدويتشه فيله الألمانية مقابلات أجرتها مع عربيات يعشن في ألمانيا. سألت القناة سيدة سورية عن مخاوفها من تربية ابنها في ألمانيا، فأجابت أنها تخاف عليه من الثقافة الألمانية، وقالت إنها تخاف على ابنها في ألمانيا أكثر مما كانت تخاف عليه في سوريا. لماذا؟ "لأن في ألمانيا حرية زائدة" عن اللزوم، أجابت السيدة.

في محافظة إدلب الشمالية السورية، التي تحكمها مجموعات معارضة للرئيس السوري بشار لأسد، أعلن الائتلاف الوطني السوري تشكيله حكومة جديدة. كانت بادرة طيبة تعيين الدكتورة هدى العبسي وزيرة للثقافة، وهو أمر ليس جديدا على السوريين، الذي اعتادوا على تعيين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد السيدة نجاح العطار، التي تشغل منصب نائب رئيس اليوم، وزيرة للثقافة كذلك.

لا يعود البحث الإلكتروني عن الوزيرة العبسي بالكثير. مما تيسر، يبدو أن الوزيرة حازت على دكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة دمشق، وأنها كانت تشغل منصب نائب عميد كلية الآداب في جامعة إدلب. الوزيرة العتيدة تبدو من محبي المطالعة والمكاتب، وهي قامت بجهد جليل في افتتاح مكتبة لعموم القراء في الشمال السوري. لكنه كان لافتا في الموضوع تصريحها أثناء الافتتاح، إذ قالت: "إن مكتبة المركز فيها قاعة مطالعة للذكور وأخرى للإناث".

الفصل الجندري أمر جديد على السوريين، الذين لم يعتادونه في مؤسساتهم العامة، التربوية أو غيرها، على مدى القرن الماضي، وهو ما يعني أن التحديث الذي جاءت به الدكتورة العبسي للسوريين هو تحديث مستوحى من التجارب الإسلامية في الحكم، وهو تحديث ذات تجليات مختلفة، بعضها محدود، مثل في بعض دول الخليج، وبعضها الآخر يشمل معظم جوانب الحياة، مثل في إيران. وفي تجليات أكثر تطرفا للفصل الجندري يبرز حكم طالبان أفغانستان، أو دولة "داعش" المندثرة.

في تصريح ثان للوزيرة السورية أثناء تخريج دفعة من الطلاب الجامعيين، قالت العبسي إن "للمرأة حضور مهم في المجتمع والمطلوب من النساء اليوم، إذا أردن التغيير، المسارعة إلى المعرفة، فنحن لا نريد منكن الحصول على شهادة ورقية، بل نريد منكن الحصول على المعرفة التي تخلص المجتمع من القيود التي تمنع المرأة من المساهمة في البناء". كلام جميل. ثم أضافت الدكتورة العبسي: "لذلك فنحن بأمس الحاجة لكي نكون قدوة حسنة ونبتعد عن تقليد الأوربيين، إلا في ميدان العلم والتقدم، فلماذا لا نخترع ونبدع".

إذا، وزيرة الائتلاف الوطني ترى أن القدوة الحسنة تكون بالابتعاد عن تقليد الأوروبيين. لماذا؟ هل تخشى العبسي ـ مثل السيدة السورية المقيمة في ألمانيا ـ "الحرية الزائدة" المتوفرة لدى الأوروبيين؟ وإذا كانت مشكلة هؤلاء السوريين هي في الحرية الزائدة، فلما الثورة للتخلص من طغيان الأسد؟ ولما اللجوء إلى أوروبا هربا من دولة الأسد البوليسية؟ أليست الدول البوليسية مناسبة لتربية الأولاد بلا "الحرية الزائدة"؟

للإنصاف، لا بد من الإيضاح أن المقصود من خوف هؤلاء السوريات من "الحرية الزائدة"، ودعوتهن لتفادي "تقليد الأوروبيين" هو خوف من الحرية الفردية في المواضيع الاجتماعية، واعتبار أن اختلاط الجنسين هو من الفساد المجتمعي، وأنه قدوة سيئة، وأن على السوريين، كما على المؤسسات التربوية والأهلية والحكومة، هندسة مجتمعهم، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، للحفاظ على الحيز العام، شريفا عفيفا، وللحفاظ على المجتمع السوري كمجتمع فضيلة متجانس يعيش فيه الملائكة السوريون.

طبعا، لا تجارب عبر التاريخ تشي بأن العفة، والفصل الجندري، وتفادي تقليد الأوروبيين، تصنع مجتمعات أفضل أو أفرادا أسعد، بل إن الحكومات الإسلامية، الحقيقية منها ـ مثل في إيران وطالبان أفغانستان وداعش سوريا والعراق ـ والمتخيلة منها ـ مثل في عهد الخلفاء الراشدين ـ لم تقدم نماذج حكم بشري تنافس الغرب اليوم؛ فدولة الخلفاء الراشدين عاشت في حرب أهلية شبه متواصلة، فيما دول إيران وطالبان وداعش تحتل قعر المؤشرات العالمية على كل الأصعدة، الاقتصادية والتنموية والعلمية والرفاهية، ولا تتصدر الحكومات الإسلامية المذكورة إلا في الفساد وفي عدد ضحايا حقوق الإنسان وتكميم الأفواه.

ربما على الوزيرة العبسي، وحكومتها الثورية، والسوريين ممن يشاركونها الرأي، العودة إلى عصر النهضة العربية، الذي أطلقه اجتياح الفرنسي نابليون مصر مطلع القرن التاسع عشر. وقتذاك، أذهل تقدم أوروبا وتأخر المسلمين النخبة الإسلامية، فانقسمت حول كيفية اللحاق بالحداثة. قسم قالوا إن ردم الهوة مع أوروبا المتطورة يكون بالعودة إلى جذور الإسلام والتقليد، وقسم قالوا إن تقدم المسلمين يستحيل بدون تحديثهم دينهم وجعله متناسقا مع العصر الحديث.

ومن نافل القول إن دعاة تجديد الإسلام وفصل الدين عن الدولة خسروا، لأسباب عديدة، منها استيلاء أنظمة الاستخبارات ـ منذ رئيس مصر الراحل جمال عبد الناصر وحتى الأسد ـ على خطاب الحداثة، وتحويله إلى خطاب خشبي لقمع الناس، ومنها الثروة الهائلة التي هبطت على دعاة العودة إلى التقليد والجذور، فأصبح التقليديون هم قادة المجتمع المسلم، واجتاحت الأسلمة (وهذه غير الدين وترتبط بالإسلام كهوية اجتماعية وسياسية) المجتمعات الإسلامية، فتخلت هذه عن سعيها للتحديث، واستبدلته بالخوف من "الحرية الزائدة" وضرورة تفادي "تقليد الأوروبيين"، حتى لو تواصلت تدفق حشود المسلمين على دول الغرب التي يكرهون تقاليدها ويخافونها، ولكنهم مع ذلك يصرون على الانتقال إليها والسكن بها.

ربما الأجدى بالسيدة السورية في ألمانيا وبالوزيرة العبسي مقاربة مشكلة التخلف الإسلامي والعربي من ناحية ثانية، طالما أن العرب والمسلمين لم يعيشوا يوما في تاريخهم في "حرية زائدة": هل يتأخر العرب والمسلمون عن العالم بسبب منعهم "الحرية الزائدة" وعدم "تقليد الأوروبيين؟".

ترامب «يرمي الكرة» في ملعب السعودية!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لوهلة، بدا وكأن الشيء الوحيد الذي يقف في وجه ضربة عسكرية أميركية ضد ايران، رداً على الهجوم الذي تعرضت له منشآت سعودية نفطية، هو الرئيس دونالد ترامب... فالقيادة العسكرية كانت نشرت صورا تفصيلية عن الاضرار التي تسبب بها الهجوم، وكانت على وشك نشر تفاصيل أكثر تثبت أن الصواريخ او طائرات «درون» انطلقت من اراضٍ ايرانية.
وأمام التصعيد العسكري الذي كان يسير من تلقاء نفسه، ومع ارتفاع سعر النفط العالمي، وهو ما يعيق نمو الاقتصاد الاميركي، وجد ترامب نفسه متأخراً عن الاحداث، فأطلق سلسلة من التغريدات اثناء عطلة يوم الأحد، كان ابرز ما فيها ان اميركا «على أهبة الاستعداد» لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
لكن الرئيس الاميركي، الذي يناقض كل موقف من مواقفه، احياناً في اليوم نفسه، ربط اي ضربة عسكرية بفخّ سياسي يجنّبه تحمل مسؤولية الضربة وأي تصعيد ومواجهة عسكرية قد تنتج عنها مع ايران، فقال ان التأهب الاميركي «بانتظار تأكيد السعودية ان الصواريخ والدرون انطلقت من اراضي ايران».
سياسياً، كان الشرط الرئاسي الذي يربط الضربة الاميركية بتأكيد سعودي مشابه لقيام سلفه باراك أوباما برمي كرة توجيه ضربة عسكرية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، على اثر هجوم الغوطة الكيماوي صيف 2012، الى الكونغرس، ذات الغالبية الجمهورية حينها. هذا يعني انه مثلما حاول اوباما التنصل من مسؤولية توجيه ضربة عقابية للأسد، وإلقائه بالمسؤولية السياسية على الكونغرس المعارض، كذلك ترامب، اراد التنصل من مسؤولية أي مواجهة مع ايران، فرمى الكرة في ملعب المملكة.
لكن ترامب يعرف، حسب مصادر أميركية، ان السعودية لا تراقب المجال الجوي خارج أجوائها، اي انها لا تراقب المجال الجوي الايراني... واكتفت بالقول ان الاسلحة التي استخدمت في الهجوم، هي أسلحة ايرانية.
وعلى عكس الرياض، تراقب واشنطن المجال الجوي الايراني على مدار الساعة، من قبيل نشر ترامب صور انفجار قاعدة الصاروخ الذي كانت تعده طهران لاطلاق قمر اصطناعي. وتشير المصادر الى ان الرئيس يعرف ان لدى بلاده ادلة دامغة على تورط ايران... وربطه الضربة بإثبات سعودي، يعني ان الضربة لا يمكن ان تحصل...
على ان مناورة ترامب التي حاول بموجبها إلقاء المسؤولية على الرياض في اي قرار مواجهة عسكرية مع ايران، ارتدت عليه داخلياً، واجبرته على التراجع، والقول ان التحقيقات لا تزال جارية لتثبيت من اي انطلقت الصواريخ والـ«درون». وليؤكد لاحقاً انه لا يريد حرباً، وانه اذا ثبت ان طهران متورطة، فسيكون على واشنطن التباحث مع الرياض حول طبيعة الخطوات المقبلة.
كما قال ترامب انه لم يعرب عن استعداده لعقد لقاء مع الايرانيين، رغم ان الرئيس الاميركي ووزارءه سبق ان اعربوا عن استعدادهم لمفاوضات غير مشروطة.
هكذا، في أقل من 24 ساعة، ادلى ترامب بسلسلة من المواقف، التي ما لبث ان ناقضها في مواقف لاحقة، وهو ما اصبح علامة فارقة في سياسته الخارجية، المتأرجحة دائماً، والتي تحير الحلفاء اكثر منها الخصوم.

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

إحباط ديبلوماسي أميركي من سياسة ترامب المزاجية والمتقلّبة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يعتقد الرئيس دونالد ترامب أن مفتاح فوزه بالرئاسة في العام 2016، وهو فوز كان يستبعده مؤيدوه ومعارضوه، كان بسبب عدم استماعه لما يقوله له مستشاروه وأركان حملته، وإصراره على القيام بما يمليه عليه عقله وشعوره الداخلي. ومع دخوله البيت الأبيض، تخلى جزئياً عن فوضويته، وحاول تقديم صورة رئاسية عن نفسه، وعمد إلى تعيين مستشارين ووزراء يشيرون عليه بالنصح.
لكن ترامب يبدو أنه تخلى عن وهم صورته الرئاسية، وعاد يستمع إلى ما يميله عليه شعوره، فطرد وزراء حاولوا إقناعه بكارثية انسحاب القوات الأميركية الفوري من شرق الفرات، مثل جيمس ماتيس. وطرد مستشارين حاولوا ثنيه عن الانخراط في مفاوضات مع خصوم أميركا «من اجل التفاوض»، مثل جون بولتون.
في المحصلة، تحول ترامب إلى «ممثل منفرد» على المسرح، فألغى جلسات النقاش اليومية التي كان يعقدها مسؤولون مع الصحافيين، واستبدلها بجلسات سؤال وجواب سريعة بينه شخصياً وبين الصحافيين وهو في طريقه إلى خارج البيت الأبيض، غالباً في طريقه ليستقل مروحية تقله إلى الطائرة الرئاسية. كما ألغى جلسات مجلس الأمن القومي، وصار هو صاحب القرار الوحيد في كل الشؤون الدولية، وراح يعلن قراراته المتناقضة عبر «تويتر».
أما المساعدون الذين لم يستغن عنهم الرئيس، فهم المرتبطون بـ«الزر الأحمر» الذي على مكتبه في البيت الأبيض. ولهذا الزر وظيفة واحدة، كلّما ضغط عليه ترامب، دخل عليه مساعدوه وهم يحملون وجبته المفضلة التي لا يحيد عنها، وهي عبارة عن سندويش همبرغر وزجاجة مشروب دايت.
يصف المسؤولون المخضرمون السابقون في واشنطن، من أمثال السفير السابق ريان كروكر، تصرفات ترامب على انها «غير منتظمة» بشكل منتظم. وشن كروكر هجوماً لاذعاً على ترامب، في مقابلة مع «فورين بوليسي»، قال فيها ان الرئيس الاميركي بدأ عهده باستراتيجية جيدة، مفادها بان سحب القوات من أفغانستان لا يرتبط بوقت معين، بل بتوفر ظروف معينة.
الآن، يقول كروكر، يبدو أن ترامب يريد الانسحاب بأي ثمن، ويردد «اننا تعبنا»، وهذا بمثابة استسلام، حسب السفير السابق، الذي يلفت الى ان وضع «طالبان» لم يتحسن، فالقوات الأميركية كانت تنشر مئة ألف جندي في أفغانستان، واليوم تم تخفيض العدد الى 14 ألفاً، ولا تزال «طالبان» غير قادرة على السيطرة على مناطق بشكل واضح أو شن أي هجوم منظم.
ويعتبر المسؤول السابق انه يخطئ من يعتبر أن أفغانستان اليوم هي بمثابة فيتنام السبعينات، ففيتنام كانت هزيمة لأميركا، أما أفغانستان، فيمكن تثبيت الوضع فيها من دون سحب القوات بشكل مفاجئ لأسباب سياسية انتخابية.
وأمس، حذر ترامب من أن ما يصفه بأنه هجوم عسكري لم يسبق له مثيل على «طالبان» سيستمر، بعد خمسة أيام فقط من إلغاء محادثات السلام مع الحركة المتشددة.
وقال في حفل لمناسبة الذكرى الـ18 لهجمات 11 سبتمبر 2001، إن القوات الأميركية «ضربت خلال الأيام الأربعة الماضية (...) عدونا بصورة أقوى مما تعرضوا له من قبل وستستمر في ذلك». ويتابع السفير كروكر، ان حجر الزاوية في أي مفاوضات يقضي بأن يعرف من يفاوض ما هو هدفه، وانه يمكن تغيير الأساليب، ولكن الهدف يبقى نفسه. أما مع ترامب، فالأهداف نفسها تتغير بشكل متواصل، وهو ما يحرج المفاوضين الأميركيين، ويجعلهم عاجزين عن معرفة الهدف الذي يسعون إليه.
ومثل تقلباته الكارثية في أفغانستان، كذلك حول انتشار القوات الأميركية شرق الفرات في سورية، والمفاوضات مع إيران، ومع حوثيي اليمن، والمفاوضات مع كوريا الشمالية... كلها ملفات قرر الرئيس الأميركي ان الهدف منها كسر المحظورات بلقائه الخصوم والتقاط الصور معهم، وهو ما يحسّن صورته سياسياً وفي الداخل، ولكنه يعقّد الملفات المذكورة، ويؤدي الى شلل «الديبلوماسية الأميركية، التي تبدو وكأنها تسير كجسد بلا رأس»، على حد قول احد كبار الجمهوريين في الكونغرس في جلسة خاصة.
ثابتة وحيدة يلتزم بها ترامب على المسرح الدولي، وهي تحسين موقف نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورفع العقوبات عن موسكو، وإعادتها إلى مجموعة الدول الـ8، وتخفيض القوة الأميركية في أوروبا بما يضعضع تحالف الأطلسي ويخيف الحلفاء من مطامع روسيا، يقول مسؤول ديموقراطي سابق مشارك في الجلسة الخاصة في الكونغرس.... ويضيف: «كل ما عدا ثباته تجاه روسيا، متقلب ومتذبذب بشكل يؤذي أميركا، وديبلوماسيتها، وصورتها وحلفاءها حول العالم».

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

ترامب يعد بولتون ببحث استقالته... ويطرده بتغريدة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فاجأ الرئيس دونالد ترامب، الأوساط السياسية الأميركية بانحيازه للحمائم في إدارته، على حساب الصقور، وذلك بطرده مستشار الأمن القومي جون بولتون من البيت الأبيض.
وفي وقت كانت سلسلة من الاستقالات متوقعة بين كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية، على خلفية الفشل الذي أصاب ملفات متعددة في السياسة الخارجية، وفي طليعتها انهيار الاتفاقية التي كانت واشنطن تستعد لتوقيعها مع «طالبان» لإنهاء الحرب في أفغانستان، جاء إعلان ترامب المذّل بحق بولتون لينهي التكهنات، وليضع الرئيس الأميركي في «معسكر الحمائم».
وسبق لبولتون أن عمل مبعوثاً لحكومة الرئيس السابق جورج بوش الابن لدى الأمم المتحدة. أما الصداقة بين ترامب وبولتون، فقد نشأت بسبب المتابعة المتواصلة للرئيس لقناة «فوكس نيوز» اليمينية، التي كان بولتون متعاقداً معها ويطل عبرها بشكل منتظم بصفته احد خبرائها السياسيين في مواضيع السياسة الخارجية.
وتطورت الصداقة بين الرجلين على شكل اتصالات يومية مسائية عبر الخليوي الشخصي للرئيس، اي من خارج قنوات الاتصال الرسمية.
وبعد خروج مستشار ترامب للأمن القومي الأول مايكل فلين، تحت ضغط التحقيق في موضوع التورط مع روسيا، وبعد طرد ترامب مستشاره الثاني للأمن القومي الجنرال اتش آر ماكماستر، عين بولتون مستشاراً للأمن القومي في أبريل العام الماضي، ليطرده في تغريدة أمس، قال فيها الرئيس إنه لا يتفق مع بولتون في الكثير من اقتراحاته، وكذلك آخرون في الإدارة لا يتفقون مع بولتون. لذلك، كتب ترامب، «طلبت من جون بولتون استقالته، واستلمتها صباح اليوم (أمس)».
وتابع: «أشكر جون جزيل الشكر على خدمته. سأقوم بتعيين مستشار جديد للأمن القومي الأسبوع المقبل».
لكن بولتون قال في تغريدة أيضاً، إنه عرض «الاستقالة الليلة (قبل) الماضية وقال الرئيس ترامب دعونا نتحدث عنها غداً (الثلاثاء)».
وتشي نبرة تغريدة ترامب بخلاف قوي مع بولتون، إذ أن ترامب عادة ما يمنح الأصدقاء شرف إعلان استقالتهم، لكنه يشدد على طرد من تصل الأمور معهم الى طريق مسدود، وهو ما حصل مع بولتون.
وفي الكواليس، ان ترامب يعتقد أن بولتون يحب الحروب، ويورطه فيها. ويحمّل ترامب، بولتون مسؤولية التصعيد ضد ايران، تلاها اسقاط ايران لطائرة أميركية من دون طيار، ثم استعداد واشنطن لتوجيه ضربة ضد الإيرانيين، قبل ان يعدل ترامب عنها في اللحظة الأخيرة.
ويبدو أن أسلوب ترامب هو الحوار غير المشروط مع أي ممن تصنفهم الولايات المتحدة في صفّ الخصوم، مثل استماتته للقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وتكرار استعداده للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني، على هامش الأعمال السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في وقت لاحق من هذا الشهر.
كذلك، طلب ترامب من ادارته ان تعقد لقاء يجمعه مع الأفرقاء المتخاصمين في أفغانستان، أي حكومة كابول وممثلي «طالبان»، كل على حدة، تمهيدا لعقد لقاء مباشر بينهما برعايته.
ويعتقد بعض الخبراء أن ترامب «يرى القيمة السياسية لصور تظهره في مظهر صانع السلام التاريخي». ويعتقدون ان ترامب لا يهتم للنتائج الفعلية لديبلوماسيته المصورة، فهو يردد دائماً أن الإعلام يكذب، ما يعني انه يرى ان الثابت الوحيد هو التقاطه صورا مع فرقاء يخالهم العالم والأميركيون من أعداء واشنطن اللدودين.
ومع خروج بولتون من الإدارة، من المتوقع ان تضعف قوة الصقور، وفي طليعتهم وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي كان رفض توقيع الاتفاقية مع «طالبان»، غالباً بعد تنسيقه خطوته مع بولتون ونائب الرئيس مايك بنس، ما يعني أن بومبيو قد يبدي - من الآن وصاعداً - مرونة اكبر في الملفات الدولية عموما، إن في أفغانستان والسلام مع «طالبان»، ام في إيران والمحادثات معها.

لبنان وتاريخه المتخيل

حسين عبدالحسين

تاريخ الأمم والشعوب متخيل بغالبيته. لكن بعض المخيلات ضحلة، ينتج عنها روايات مضحكة. رئيس لبنان ميشال عون أعلن بدء الاحتفالات لاقتراب الذكرى المئوية على إعلان الفرنسيين قيام لبنان، في العام 1920، وقال في خطاب متلفز إن البلاد عاشت في ظل أربعة قرون من الاحتلال العثماني، بين 1516 و1918، "تقلّب (فيها) شكله السياسي… وتغيّرت مساحته وامتداده تبعا للظروف… فيما كان باقي المناطق اللبنانية مسلوخا عنه تماما، وخاضعا للحكم العثماني".

المسلّي في هذه الرواية هو الحديث عن "سلخ" العثمانيين لبعض المناطق اللبنانية عن الوطن الأم. طبعا رئيس لبنان يعتبر أن المناطق المسلوخة هي التي أعادها الفرنسيون إلى جبل لبنان يوم أعلنوا قيامه، وهو ما يطرح السؤال التالي: يوم "اجتاح" العثمانيون المشرق ومصر، هل كان البقاع لبنانيا تابعا لسيادة بيروت؟ هل كان الشمال لبنانيا، أم الجنوب؟ الإجابة الصحيحة هي أن هذه المساحات كانت تحكمها جماعات محلية، غالبا بالاتفاق مع القوى السائدة، مثل الإسماعيليين أو المماليك أو العثمانيين. لكن هذه المساحات، التي تشكل جزءا من لبنان اليوم، لم تخل نفسها لبنانية، ولم ترتبط مع بعضها البعض بمركز سيادي واحد. والواقع أن لبنان، في كل أشكاله التاريخية المتخيلة التي أشار إليها رئيسه، لم يتخذ يوما شكله الحالي، أو شكلا شبيها للحالي، قبل العام 1920.

مؤرخو لبنان الحديث ـ وهم في غالبيتهم من غير أهل الاختصاص ـ حاولوا البناء على هوية الكنيسة المارونية، كنواة للهوية اللبنانية، أو البناء على تاريخ الفينيقيين السحيق. في الحالتين، المارونية والفينيقية، لا يمكن التوصل إلى أن لبنان كيان سابق لقيامه في 1920، فكرسي الكنيسة المارونية هو مدينة أنطاكية، التركية اليوم، وعلى الرغم من إلصاق الفرنسيين شعار الكنيسة المستقى من العهد القديم، أي شجرة الأرز، على علم فرنسا لاستنباط علم لبنان، إلا أن انتشار الموارنة كان أوسع من لبنان عشية قيامه، إذ هم تواجدوا في سوريا وفلسطين وقبرص.

أما الفينيقيون، فهم حضارة انطلقت من الساحل الكنعاني الأوسط (اللبناني اليوم) حوالي العام 1200 قبل الميلاد، وهيمنوا على حوض المتوسط. والحضارة الواحدة لا تعني بالضرورة بلدا واحدا ذات سيادة، فالفينيقيون كانوا دولا متنافسة، سياسيا وتجاريا، مثل صيدا وصور وجبيل. صحيح أن صور تفوقت أحيانا على أقرانها، لكنها لم تسع إلى توحيدهم تحت لوائها، بل إن المستوطنات الفينيقية في حوض المتوسط حملت انقسامات كنعان معها، فقرطاجة التونسية كانت تابعة لصور، فيما بنزرت التونسية كانت لصيدا.

ثم تراجعت السطوة الفينيقية في المتوسط مع اجتياح شعوب البحار، أي الفلسطينيين، الساحل الجنوبي لكنعان، فتراجعت القوة البحرية لصور، وانحصرت التجارة الفينيقية في وسط وغرب المتوسط، فتفوقت قرطاجة التونسية، ومعها طبرق الليبية وعائلة هنيبعل. أما صور، فتحولت إلى محجة دينية للقرطاجيين، فيها هيكل الإله "ملك أرض"، ملكرت أو هرقل باليونانية. لكن السيادة الفينيقية بقيت في تونس، منذ منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد وحتى هزيمة الفينيقيين على أيدي روما، ثم انحسارهم واندثار البيونية الفينيقية في القرون الميلادية الأولى. والسؤال هنا: كيف يمكن للبنان أن يتبنى أساطير وتاريخ أحداث انطلقت منه ولكنه لم يكن جزءا يذكر منها؟

حتى في كنعان، أي المشرق الذي يتضمن لبنان، امتدت الحضارة الفينيقية على مساحة أكبر من لبنان اليوم، فتدمر ودمشق وبعلبك كانت مدن في فينيقيا اللبنانية، وعاصمتها حمص، وهي كانت محافظة رومانية نافست محافظة فينيقيا البحرية، وعاصمتها صور. وكان من مدن فينيقيا البحرية عكا الفلسطينية جنوبا، وجبلة السورية شمالا.

قد لا يعرف رئيس لبنان أنه يوم رسمت فرنسا وبريطانيا دول المشرق، بعد الحرب العالمية الأولى، لم تفعل ذلك تصحيحا للتاريخ الذي عبث به العثمانيون، حسبما يعتقد، ولا لمصلحة السكان المحليين، بل لمصلحة كل منهما. والقوى الأوروبية كانت تتنافس فيما بينها في محاولة السيطرة على طريق التجارة مع الهند، فحاولت ألمانيا بناء خط قطار برلين بغداد لمنافسة قناة السويس، واقتطعت بريطانيا الكويت عن السلطنة وأغلقت المنفذ المائي للقطار الألماني العثماني. أما فرنسا، فراودتها فكرة إعادة إحياء "طريق الحرير" عبر الموصل، فبغداد، ومنها عبر نهر ديالى إلى شمال إيران، فآسيا الوسطى، والصين، وربما الهند. لكن بريطانيا كانت الأقوى، وفازت بولاء العرب السنة، ضد الأتراك. وحتى تنافس بريطانيا، حاولت فرنسا رعاية الأقليات. أما أميركا، فرعت خطاب معاداة الإمبريالية، لزعزعة الأوروبيين، فيما دعمت في الوقت نفسه عبدالعزيز آل سعود في رحلة البحث عن النفط، ثم استخراجه.

هكذا رسمت بريطانيا وفرنسا المشرق والعراق. بريطانيا رعت السنة وحاولت توزيعهم تحت حكم أبناء الشريف حسين الحجازي. أما فرنسا، فحاولت إضعاف الغالبية السنية في الأراضي التي سيطرت عليها، فراحت توزّع مناطقهم على دويلات في معظمها غالبية من الأقليات.

هكذا تم رسم حدود لبنان الجنوبية حسب خط فصل بين غالبية سنية، شمال فلسطين، وغالبية من المسيحيين والشيعة، جنوب لبنان، وهناك سبع قرى غير سنية رسمها الانتداب في فلسطين، وصارت اليوم جزءا من إسرائيل، وما يزال اللبنانيون يعتبرونها لهم ويسمونها "القرى السبعة"، مع إشارات سير في الجنوب تشير إلى الطرق اللبنانية التي تودي إليها.

أما شمال لبنان، الذي يخترقه خط سكاني سني يصل الداخل السوري في حمص وحماة بطرابلس الشام، فتم توزيع السنة بين لبنان وسوريا باتخاذ "النهر الكبير" خطا حدوديا. وعندما أعلن الفرنسيون دولة العلويين وعاصمتها اللاذقية الساحلية، اضطروا جغرافيا لإبقاء تلكلخ، ذات الغالبية السنية، في الدولة العلوية، فكانت تلكلخ الوحيدة في تلك الدولة العلوية المسيحية الإسماعيلية التي ثارت على الانتداب وطالبت بالانضمام لدمشق.

ليس لبنان اليوم تجليا لأي لبنان ماض، بل حدوده هي ـ مثل حدود سوريا وفلسطين والعراق والسعودية وغيرها ـ من متبقيات ميزان القوى بعد الحرب الكونية الأولى. على أن هذا لا يعني أن لبنان لا يصلح أن يكون بلدا حرا مستقلا، فالأوطان لا يصنعها التاريخ، بل يصنعها من يعيشون في الحاضر، ويتطلعون نحو المستقبل.

السبت، 7 سبتمبر 2019

34 تعثّر شامل في ملفات السياسة الخارجية الأميركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مع رفض وزير الخارجية مايك بومبيو توقيع وثيقة سلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» الافغانية، ومع إعلان مهندس «صفقة القرن» بين العرب واسرائيل، جيسون غرينبلات، مغادرته القطاع العام في الاسبوعين المقبلين، ومع تعثر التوصل لاتفاقية مع تركيا حول «حزام امني» شمال سورية، ومع تعثر التوصل لاتفاقية تجارية مع الصين تنهي الحرب الاقتصادية معها، ومع تدهور العلاقات الأميركية مع كوريا الشمالية وكأن كل لقاءات زعيمها كيم جونغ أون والرئيس دونالد ترامب لم تكن، ومع اعلان طهران انها لن تفاوض واشنطن من دون رفع العقوبات الأميركية... بدا وكأن سياسة الرئيس الأميركي الخارجية تتداعى بأكملها.
وانهيار سياسة ترامب على معظم الجبهات تزامن مع صعوبات يواجهها الرئيس في الحفاظ على صورته كرجل متزن، فهو في معرض حديثه قال خطأ ان اعصار «دوريان» كان في طريقه الى الاباما، وهو ما دفع وكالة الارصاد الجوية الى الرد عليه بتوجيه رسالة للاميركيين بان الاباما في امان، وانها ليست في طريق الاعصار، لكن رياحا مرافقة لـ«دوريان» يمكن أن تؤثر على الولاية الجنوبية... وبدلاً من ان يصحح ترامب خطأه، طلب من مساعديه تزويده بخريطة رسموا عليها مساراً معدلا للاعصار يظهر وكأنه قد يضرب الاباما، لحفظ ماء وجه الرئيس من دون اضطراره لتصحيح نفسه.
وجاء خطأ ترامب الفاضح حول مسار الاعصار بعد فترة قصيرة من تداول الاعلام الاميركي تقارير اشارت الى ان الرئيس طلب من مساعديه ضرب الاعاصير بالسلاح النووي لتحويل مسارها. وكان ترامب تذرع باقتراب اعصار دوريان ليلغي رحلة رسمية كانت مقررة الى الخارج، ولكنه لم يبق في البيت الابيض لمتابعة الاعصار، بل امضى وقته يلعب على ملاعب الغولف التي يملكها.
وامام رئيس يتظاهر بمتابعة اعصار من ملعب الغولف، ولا يعرف اسم الولايات التي قد يطولها، ويعتقد انه يمكن تحويل مسار الاعاصير بالسلاح النووي، لم تكن مفاجئة تصريحات ترامب المتضاربة حول موقفه من المفاوضات مع ايران، فهو تارة يبدي تشدداً في تنفيذ سياسة «الضغط الاقصى» في فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وطورا يبدو مستميتا للحوار مع الايرانيين، مع او من دون شروط.
والذبذبة نفسها اظهرها الرئيس في ملفات السياسة الخارجية الاخرى، ان في سورية او افغانستان، او تجاه الخليج، فترامب يرغب في انسحاب فوري من افغانستان، بغض النظر عن العواقب، ثم عندما يعود مبعوث السلام الاميركي زلماي خليل زاد الى العاصمة الأميركية باتفاقية تضمن الانسحاب السريع، يرفض بومبيو توقيعها لانها لا تشير الى هدنة دائمة، ولا سلام بين «طالبان» وحكومة كابول، ولا تفاصيل حول مكافحة انتشار مجموعات ارهاب اجنبية على الاراضي الافغانية.
ومثل افغانستان، بدت ذبذبة ترامب وانعدام خبرة مساعديه واضحة في موضوع السلام العربي - الاسرائيلي، فالصفقة الموعودة لم يقدمها الاميركيون بعد، واكتفى صهر الرئيس، كبير مستشاريه جارد كوشنر بعقد مؤتمر اقتصادي في المنامة كخطوة ضرورية تسبق السلام السياسي، على ان يقدم خطته بالكامل بعد الانتخابات الاسرائيلية المقررة في سبتمبر 17 الجاري.
لكن حتى المؤتمر الاقتصادي لم ينجم عنه اي اموال لتحسين الاوضاع المعيشية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، ولم تتسلم دول الطوق - أي لبنان والاردن ومصر - اي اموال لتحسين اقتصاداتها كجزء من الصفقة العتيدة. «صفقة العصر» اقتصرت حتى الآن على خطابات، في شقها المالي الاقتصادي، ومن المرجح ان تقتصر على خطابات كذلك في شقها السياسي المنتظر.
في هذه الاثناء، يسعى المبعوثون الاميركيون للتوصل لاتفاقية مع تركيا حول اقامة «منطقة آمنة» شمال سورية تعزل الاكراد عن الاراضي التركية. لكن الاتراك يطالبون بمسافة اعمق للحزام عن الحدود التركية، فيما يسعى الاميركيون لنيل اعتراف تركي بضرورة التعاون مع اكراد سورية لمواجهة مخاطر امكانية عودة تنظيم «داعش».
هو اضطراب يسيطر على الرئيس الاميركي وادارته وسياسته الخارجية: اضطراب في التصاريح، واضطراب في الرؤى، واضطراب في التنفيذ. اما النتيجة، فاستمرار الازمات العالمية على حالها، على الرغم من اصرار ترامب ان النفوذ الاميركي عاد الى سابق عهده بعدما عانى من انحسار واسع في زمن سلفه باراك أوباما.

«إشعاعات»... تورقوزآباد الإيراني

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يحبس متابعو الشأن الايراني أنفاسهم في انتظار اللقاء المرتقب اليوم، في طهران، بين رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية بالوكالة كورنيل فيروتا، ومسؤولين إيرانيين كبار معنيين بالملف النووي.
وعاد الى الضوء موضوع عدم تجاوب ايراني مع المفتشين الدوليين بعدما اوردت الوكالة في تقريرها الدوري، قبل اسبوع، «التواصل المستمر بين الوكالة وايران حول التزام ايران اتفاقية الضمانات والبروتوكول الاضافي يتطلب تعاونا كاملا، وفي وقته، من ايران».
وأضاف التقرير ان «الوكالة تواصل سعيها لتحقيق هذا الهدف».
واعتبر المعلّق في صحيفة «نيويورك تايمز» بريت ستيفنز ان هذه العبارات التي وردت في تقرير الوكالة هي «الوسيلة الاكثر لطافة لتعلن الوكالة ان ايران، تماطل».
ورغم تكتم الوكالة عن مصدر الاشكال، إلا ان المصادر الاميركية سارعت الى البوح بما تعرفه للصحافيين، فلخّص احد المسؤولين اجابته بكلمة واحدة: «تورقوزآباد»... وهي قرية صغيرة تقع جنوب غربي طهران.
وسبق لاسم تورقوزآباد ان ورد على لسان رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي قدم مئات الوثائق التي كانت اقتنصتها استخباراته، وجاء فيها ان طهران خزّنت 15 كيلوغراماً من المواد المشعة في أحد مباني القرية.
وردّت ايران بالاشارة الى ان المبنى الذي قدم نتنياهو صوره علناً، هو معمل لحياكة السجّاد.
وفي وقت لاحق، قام المعهد الدولي للابحاث النووية في واشنطن، بشراء صور من اقمار اصطناعية تجارية، ظهر فيها ان طهران قامت بعملية نقل واسعة من داخل المبنى، مستخدمة عدداً من الشاحنات.
وقام مفتشو الوكالة الذرية بكشف في محيط المبنى، ليتبين لهم ان في المنطقة بقايا اشعاعات... وحينها وجهت الوكالة اسئلة الى طهران للاستفسار منها عن سبب وجود معدلات اشعاعية في تورقوزآباد، لكنها لجأت الى المماطلة.
وتورقوزآباد ليس المبنى الايراني الاول الذي يكتشف فيه المجتمع الدولي آثار تخزين مواد مشعة، اذ سبق ان اكتشف المحققون نسبة من الاشعاعات في محيط قاعدة بارشين العسكرية. وعندما طلبت الوكالة تفتيش القاعدة، تذرعت ايران بالاسرار العسكرية.
وأعاقت بارشين توصل المجتمع الدولي مع ايران لاتفاقية نووية امام اصرار الغرب على كشف الوكالة عن القاعدة واصرار طهران على اغلاقها، في وقت اظهرت صور الاقمار الاصطناعية ان طهران قامت بعمليات تدمير وجرف عدد كبير من المباني داخل القاعدة في ما بدا عملية اخفاء لتجارب على السلاح النووي.
وللالتفاف على الموضوع، توصل وزير خارجية اميركا السابق جون كيري ونظيره الايراني جواد ظريف الى تسوية مفادها السماح لمفتشي الوكالة الدولية بالقيام بتفتيش «كيفما اتفق»، بصحبة خبراء ايرانيين. وتم اغلاق الموضوع. لكن تورقوزآباد تنذر بأن تتحول الى ازمة جديدة شبيهة بأزمة بارشين الماضية.
ولادراكها حساسية الموقف، سارعت البعثة الروسية الى الوكالة الدولية في فيينا، الى الدفاع عن المماطلة الايرانية، وغرّدت بأن تقرير الوكالة لا يزال سرياً، وبذلك غمز الروس من قناة الاميركيين الذين عمدوا الى تسريب بعض تفاصيل الاشكال بين الوكالة وطهران. واضافت البعثة ان «لا دليل ان ايران فشلت في الالتزام في اي من تعهداتها تجاه الوكالة».
على ان الدفاع الروسي قد لا يصمد طويلاً، خصوصا في حال عودة فيروتا خالي الوفاض، وهو ما سيجبر الوكالة على التصعيد، والاوروبيين على مساندة اميركا في الانسحاب من الاتفاقية، التي في حال انهارت، ينص قرار مجلس الأمن على عودة فورية وتلقائية لكل العقوبات الدولية على ايران، من دون العودة الى المجلس.

الخميس، 5 سبتمبر 2019

العقوبات على طهران... في أولها

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يعتقد المسؤولون في ادارة الرئيس دونالد ترامب، ان ايران تتألم اقتصادياً بسبب العقوبات. ويؤكدون ان «واشنطن لا تزال في بداية طريق العقوبات».
ورصدت وزارة الخزانة الأميركية الاربعاء، 15 مليون دولار، مكافآت لمن يدلي بمعلومات حول شبكات الاعمال التابعة للحرس الثوري الايراني حول العالم.
وجاء الاعلان الاميركي في وقت كان الفرنسيون يعلنون عن مبادرة تقديم خط ائتماني بمقدار 15 مليار دولار لايران، «للابقاء على التزامها ببنود الاتفاقية النووية» معها، شرط سماح واشنطن بذلك، والتي ردت بمزيد من العقوبات.
ورغم تكرار دونالد ترامب القول انه مستعد للجلوس والتفاوض مع حسن روحاني، اثناء زيارة الاخير لنيويورك الشهر الجاري، للمشاركة في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الا ان الرئيس الاميركي يتصور لقاءه نظيره الايراني على انه يحصل بطلب ايراني، ومن دون شروط، فيما تكرر طهران انها لن تشارك في اي مفاوضات قبل رفع كل العقوبات.
ويعتبر المسؤولون ان لا سبب يدفع واشنطن للتراجع عن عقوباتها، المُصممة لدفع طهران الى التفاوض للتوصل لاتفاقية جديدة حول برنامجها النووي، ومعها اتفاقية تنهي «تصرفات ايران المزعزعة في المنطقة».
ويعتقدون ان «سياسة الضغط الاقصى» على طهران تؤتي ثمارها، وان الدلائل الابرز تتضمن تهديد ايران لاوروبا بالانسحاب من الاتفاقية النووية، في حال فشل الاوروبيين في تقديم بدائل مالية واقتصادية تبطل من مفاعيل العقوبات. ويتساءل المسؤولون: «لماذا يهدد الايرانيون، الاوروبيين، لو لم تكن طهران تعاني من انهيار اقتصادها»؟
ومن دلائل «الالم الاقتصادي، الاستفزازات التي دأبت ايران على القيام بها في الخليج العربي، مثل مهاجمة ناقلات نفط واختطاف بعضها الآخر»، بحسب المسؤولين.
وكان وزير الخارجية محمد جواد ظريف صرّح بأن العقوبات لم تؤذ اقتصاد الإيراني، بل انها تؤذي اقتصاد اميركا، إذ ان كثرة العقوبات التي تفرضها على حكومات حول العالم، ساهمت في عزل اميركا واقتصادها عن الاقتصاد العالمي.
لكن الارقام تشير الى ان «أميركا ومجموعة الدول السبع لا تزال الكتلة الاقتصادية الاكبر في المعمورة، بغض النظر عن دول تتعرض لعقوبات اميركية، مثل روسيا وايران ودول اخرى ذات اقتصادات متوسطة او صغيرة الحجم»، حسب المسؤولين.
ويتابع المسؤولون ان العقوبات تستهدف «الحرس الثوري واذرعه حول العالم»، بما في ذلك «حزب الله».
ويشرحون الفارق بين العقوبات على طهران، وتلك التي تفرضها واشنطن على افراد وكيانات في لبنان، وآخرها على «جمال ترست بنك»، بالقول إن ايران بأكملها تخضع للعقوبات، أي انه لا يمكن لأي مؤسسة حول العالم التعامل مالياً مع أي مؤسسة في ايران من دون تعريض نفسها لعقوبات قاسية.
أما في لبنان، فالحكومة ليست عرضة لأي عقوبات، بل انها تستهدف افراداً وكيانات، وهذه سياسة من شأنها «تقليص المساحة المالية لحلفاء ايران وحلفاء الرئيس بشار الأسد» في لبنان، من دون ان تؤثر في اقتصاده.
وعن اهتزاز الاقتصاد اللبناني وقيام وكالات تصنيف عالمية بتخفيض مرتبة سنداته الائتمانية، يوضح المسؤولون ان لا علاقة للولايات المتحدة بذلك... «هذا موضوع مرتبط باللبنانيين وسوء ادارتهم للاقتصاد».

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

الزعتر الإسرائيلي

حسين عبدالحسين

يغرق الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في تفاهات لا قعر لها، منها سباق على تبني الفلافل والحمص، وآخرها غضب فلسطيني بسبب قيام موقع مأكولات إسرائيلي بوصف الزعتر على أنه "بهار إسرائيلي". يرى الفلسطينيون أن التسمية الإسرائيلية للزعتر هي "سرقة ثقافية"، وهي محاولة إمبريالية إسرائيلية لطمس هوية السكان المحليين الأصلية، كجزء من مخطط إسرائيلي مزعوم لمحو الهوية الفلسطينية.

وفي الغضب الفلسطيني على وصف الزعتر إسرائيليا مشاكل متعددة، أولها أن إسرائيل ليست إمبريالية ولا غريبة. صحيح أن حوالي نصف اليهود وفدوا فلسطين القرن الماضي من دول غير عربية، لكن نصفهم الآخر انتقل من بغداد والقاهرة وبيروت والدار البيضاء إلى إسرائيل، بعد قيامها أو قبله بقليل، وهو ما يعني أن جزءا كبيرا من هؤلاء الإسرائيليين يعرفون الزعتر، بل إنه جزء من تراثهم وماضيهم القريب.

ثانيا، لم يذكر كتاب المسلمين أي من الشعوب أو الدول العربية والإسلامية، لا العراق ولا إيران ولا تركيا، لكنه ذكر إسرائيل 42 مرة، منها 27 مرة بمعنى الشعب أو القوم أو الجماعة، "بني إسرائيل"، وهو ما يؤكد إن الإسرائيليين ليسوا من بولندا وروسيا البيضاء فحسب، بل هم من مصر والحجاز والعراق وبلاد الشام كذلك، وعليه، فقد ورد ذكرهم في القرآن، في وقت لم يرد ذكر شعوب أخرى، مثل الفلسطينيين أو اللبنانيين أو السوريين.

ثالثا، صحيح أن للشعوب مآكل صارت جزءا من هويتها وتراثها، لكن هذه المآكل ليست عرقية يحملها الشعوب معهم أينما ذهبوا، بل هي مآكل إقليمية بنكهات محلية مختلفة. وفي الدول اليوم، تختلف طرق تحضير وأطعمة المآكل بحسب ما تجود به الأرض، فنرى المآكل الهندية ببهارات حارة أحيانا، بسبب توفر البهارات في الهند، ونرى "المطبخ المتوسطي" مبنيا في غالبه على زيت الزيتون، المنتج الأكثر شعبية في حوض المتوسط.

هذا يعني أن اليهود الوافدين إلى إسرائيل، بعد قيامها، حملوا معهم تقاليد المجتمعات التي عاشوا فيها، بما في ذلك مآكل غير متوسطية، إن من بولندا أو من العراق، لكن هذه الأطباق إما يتعذر تحضيرها بسبب عدم توفر موادها الأولية في إسرائيل، أو إنها اكتسبت تعديلات جعلتها محلية، بحسب المواد المتوفرة، وبحسب تطور الأذواق المتأثر غالبا بالبيئة المحيطة والمناخ.

رابعا، في زمن العولمة، صار يصعب حصر بعض المآكل في شعوب دون غيرها. مثلا، يمكن لأي شخص في أميركا أن يشتري التبّولة، لكنها تبّولة تختلف عنها في حوض المتوسط، بسبب زيادة في البرغل والبصل ونقصان في الزيت والحامض، ربما لمماشاة الذوق المحلية.

والتبّولة طبق حديث نسبيا تلا اكتشاف البندورة (طماطم) بعد وصول أوروبا إلى العالم الجديد. قبل ذلك، كان دبس الرمّان هو المادة المعتمدة في تحضير الأكلات التي تعتمد في مذاقها على البندورة اليوم. ويمكن للقراء المهتمين مطالعة أعمال الأكاديمي اليهودي العراقي سامي زبيدة حول تاريخ المآكل المشرقية.

للفلسطينيين حقوق في إسرائيل، وخارجها، والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ما يزال معقدا وبدون حلول. لكن الحلول تشترط تحديد مكامن الخلاف، المتمحور حول سؤال "لمن السيادة" في الأرض الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، وهي سيادة تسمح لمن يمسك بها أن يحدد شكل الحيز العام، سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا، وتسمح له بتحديد المواطنين من غير المواطنين، ما يترك غير المواطنين في عالم ضبابي، وينتقص من حقوقهم الفردية. وهنا لا نلقي باللائمة على إسرائيل وحدها في مسألة منح حقوق لمجموعة سكانية دون أخرى، فلو قيّض للفلسطينيين الإمساك بالسيادة، لتصرفوا بالأسلوب نفسه تجاه الإسرائيليين، وهو ما يقلّص من إمكانية التوصل إلى تسوية.

والتسوية تحتاج إلى تسامح أكثر من المعهود، من الطرفين، وتتطلب ضمانات تقدمها كل مجموعة للأخرى بفتح صفحة جديدة، والعيش بمساواة، بغض النظر عن التاريخ المرير بينهما، وهو ما كاد يتحقق في التسعينيات، ولم يحصل، لأسباب كثيرة لا مجال لتعدادها هنا.

أما تحويل كل قضية، مثل هوية الزعتر والفلافل والحمص، إلى صراع قومي وجودي، فهو ما يساهم في تأزيم الصراع، وتسخيفه، بدل السعي إلى تسوية وحقوق متساوية إلى كراهية متبادلة، بسبب وبدونه.

الأحد، 1 سبتمبر 2019

موافقة أميركية على إبلاغ بغداد بالطلعات الجوية... مسبقاً

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

في خطوة تهدف الى دعم موقف الدولة العراقية وسيادتها، أعلنت قيادة «عملية العزم الصلب» المخصصة للقضاء على تنظيم «داعش»، انها ستقوم بتزويد القيادة العسكرية العراقية بكل برامج طلعاتها الجوية في الاجواء العراقية مسبقاً، بما في ذلك طلعات المقاتلات والطائرات من دون طيار. 
وستبلغ قيادة «العزم الصلب» الأميركية، بغداد بالسبب الموجب للطلعات، ان كانت القتالية او طلعات للمراقبة والتجسس، باستثناء طلعات الطوارئ الناجمة عن التحام مفاجئ مع العدو يحتاج الى دعم جوي او الى اخلاء مصابين من ساحات القتال.
وجاءت الموافقة الأميركية في خضم مطالبة بعض النواب العراقيين ممن يتهمون الولايات المتحدة بالتواطؤ مع الضربات التي تعرضت لها مخازن ميليشيات «الحشد الشعبي» غرب العراق. ويعتقد عدد لا بأس به من القادة العراقيين ان اسرائيل هي التي نفذت الضربات، فيما يشير مراقبون غربيون الى ان إسرائيل استهدفت صواريخ متوسطة وبعيدة المدى كانت تخزنها ايران لدى «الحشد» لتهديد واستهداف الدولة العبرية.
وترتبط الولايات المتحدة باتفاقية «دفاع استراتيجي» مع العراق، اي انه يمكن لبغداد الطلب من الولايات المتحدة الدفاع عن مجالها الجوي واغلاقه في وجه اي مقاتلات اجنبية، بما فيها الاسرائيلية، وهو ما يضع واشنطن في موقف المواجهة مع حليفتها الشرق اوسطية الاخرى، اي اسرائيل. 
ومنذ شيوع انباء عن التفجيرات التي استهدفت مخازن «الحشد»، منذ قرابة اسبوعين، قام أرفع ثلاثة مسؤولين في العراق - الرئيس برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي - بصياغة موقف الدولة الرسمية، وابلاغه لـ«الحشد»، في لقاء جمع الطرفين: الرؤساء الثلاثة وثمانية من قادة الميليشيات. ومما جاء في الموقف الرسمي، كما بدا في بيان سبق اللقاء، ان المصلحة العراقية تقضي بالنأي بالنفس عن سياسات المحاور والصراعات الاقليمية، وتفادي توريط البلاد في حرب بالوكالة، وهو موقف تؤيده واشنطن، سراً وعلناً.
ويشير المسؤولون الاميركيون إلى انهم يرغبون في رؤية حياد العراق، فهم سمحوا للعراقيين استثنائياً بشراء كهرباء وطاقة من ايران، وهم يتوقعون ان يحافظ العراقيون على علاقتهم الجيدة بطهران، لكنهم في الوقت نفسه يريدون ان يرون دولة عراقية ذات سيادة، لا تأتمر بأوامر طهران، ولا تقاتل معارك إيران، ان ضد اسرائيل أو غير اسرائيل.
ايران، بدورها، لا يبدو انها توافق على حيادية العراق، بل تتوقع ان يخوض العراقيون معارك تتناسب والسياسات الاقليمية للجمهورية الاسلامية، ان لناحية اقحام ميليشيات «الحشد»، ذات الغالبية الشيعية، في الحرب السورية، او لناحية محاولة اقامة بنية تحتية عسكرية غرب العراق لتهديد أمن اسرائيل.
وعلى مدى الاشهر الماضية، دأب المسؤولون الموالون لطهران على التحريض ضد القوات الأميركية المنتشرة في العراق للمشاركة في حرب القضاء على «داعش». ويتهم حلفاء ايران من العراقيين، واشنطن بدعم التنظيم تارة، وبدعم الغارات الاسرائيلية طورا. ومع التفجيرات التي طالت مخازن «الحشد»، جدد نواب دعوتهم لاقرار قانون يبطل مفاعيل الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق واميركا، وينص على ضرورة انسحاب اي وجود عسكري اميركي من العراق.
وتعي واشنطن مدى حساسية المشهد السياسي العراقي، وهي لهذا - حسب المسؤولين فيها - تبذل ما في وسعها من أجل دعم تحسين موقع الحكومة المنتخبة والقوات العراقية التابعة لها، وفي هذا السياق جاء إعلان قيادة «عملية العزم» الأخير.

Since December 2008