الاثنين، 30 أبريل 2018

«الراي» تنشر مضمون رسائل ترامب لدول الخليج: حِلُّوا الأزمة قبل قراري عن «النووي الإيراني»

واشنطن - من حسين عبدالحسين 

كرّرت مصادر قريبة من البيت الأبيض ما سبق أن قالته لـ«الراي»، لناحية أن الرئيس دونالد ترامب يسعى لإنهاء الأزمة الخليجية قبل موعد اتخاذ قراره في شأن العقوبات الأميركية على ايران في 12 الجاري. 
وكشفت المصادر أن ترامب طلب من وزير الخارجية مايك بومبيو، عندما كان لا يزال مديراً لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إي)، تكثيف التحرك لدى دول الخليج للمساعدة في طي صفحة الخلافات بينها قبل موعد إعلان قراره المرتقب بشأن الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الكبرى. يذكر ان بومبيو تولى ادارة ملف كوريا الشمالية وزار الزعيم كيم جونغ ايل تمهيداً للقاء القمة المرتقب مع ترامب.
وقالت المصادر الأميركية إن ترامب أرسل إلى قادة الخليج رسائل قبل نحو 20 يوماً، تتضمن العناصر التالية:
1. تأكيد الصداقة الوثيقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج واستمرار هذه الصداقة.
2. تأكيد ضرورة توحيد المواقف لمواجهة «المخطط الإيراني الخبيث الرامي إلى زعزعة استقرار المنطقة». 
3. تأكيد التزام الولايات المتحدة بأمن دول الخليج «من ناحية أخلاقية مبدئية ولأنه في مصلحة الولايات المتحدة ومصلحتكم».
4. تأكيد أن مواجهة النظام الإيراني بصورة أفضل «تتطلب التجانس والوحدة داخل مجلس التعاون مع تحالفات قوية مع مصر والاردن ودول اخرى صديقة».
5. التحذير من أن الولايات المتحدة لن تتحمل وحدها مسؤولية التصدي للمخططات الايرانية «إذا استمرت الخلافات بين حلفائها داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، وإذا بقيت الارادات داخل دولها رافضة لتقبل مبدأ حل الخلاف».
6. التذكير سريعاً بـ«التضحيات» أو الالتزامات الأميركية المادية والبشرية لمواجهة الارهاب منذ العام 2001 وحتى اليوم، وحجم الانفاق الذي قدمته اميركا في الحرب ضد الارهاب و«استفادت منه أمنياً دول الخليج بالدرجة الأولى».
7. التنبيه إلى أن ما قدمناه من التزامات قد لا يستمر في حال لم تتخذ دول الخليج مجتمعة موقفاً واحداً بالتحالف مع أميركا «للقضاء على الإرهاب من جهة وإجبار نظام ايران على وقف مخططاته العدائية ضد المنطقة» من جهة ثانية.
8. التشديد على صدور مبادرة خليجية لإنهاء النزاع واظهار الموقف الموحد قبل القمة الأميركية - الخليجية، وأن يصدر بيان يتضمن إنهاء «كل حالات المقاطعة وفتح الحدود البرية والمجالات الجوية وعودة العلاقات الديبلوماسية على أن يظهر كل طرف مقادير معتبرة من التوافق وحل المشاكل استشعاراً بخطورة ما يخطط للمنطقة».
9. استعداد الديبلوماسية الأميركية للمساهمة في تقريب وجهات النظر بالنسبة إلى القضايا العالقة بين هذه الدول من أجل تطمين الجميع ونزع المخاوف من هذا الطرف أو ذاك، «لكن بحث كل الملفات والتفاصيل وعلاجها سيأخذ وقتاً طويلاً ونحن نحتاج إلى الوحدة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، لذلك نتمنى موقفاً عاماً بإنهاء الأزمة مع نهاية ابريل على أن تبحث التفاصيل اللاحقة تدريجياً مع كل ما تحتاجه من ضمانات».
10. الطلب من كل الدول الخليجية وقف الحملات الإعلامية ضد بعضها لأن «ذلك يزيد من التصعيد ويعيق من تدفق الحلول ويرفع منسوب الحساسيات لدى شعوب هذه المنطقة التواقة للسلام ومواجهة الاخطار الخارجية لا إلى التصعيد».
11. التركيز على وجوب استمرار التشاور بين أميركا وهذه الدول في ما يتعلق بالخطوة الأميركية المقبلة تجاه ايران «ونحن نضعكم في الصورة دائماً آملين الحصول على دعم دول الخليج مجتمعة وعلى دعم وتأييد مصر ودول اخرى صديقة عندما نعلن قرارنا بالنسبة إلى ايران».
وسبق لترامب أن صرّح ان دول الخليج هي المستفيد الأكبر من تواجد الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، كما سبق لكبار العاملين في ادارته، من أمثال مستشار الأمن القومي جون بولتون، أن قال إن أميركا أنفقت اكثر من 6 تريليونات دولار في الشرق الاوسط منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، وانها تتوقع أن تقوم العواصم العربية بدور أكبر في مواجهة إيران والارهاب.

انتخابات لبنان… المزيد من الشيء نفسه

حسين عبد الحسين

يتوجه اللبنانيون الى صناديق الاقتراع في السادس من ايار (مايو) في انتخابات تم تضخيمها بشكل جعل اللبنانيين يشعرون انهم محظوظون للعيش في ظلّ دولة ديموقراطية. لكن الخيارات في لبنان ليست حرة على الشكل الذي تبدو عليه، بل ان الاسوأ يكمن في ان هذه الانتخابات تعد بتكريس سيطرة ”حزب الله“.

بداية، على عكس الديموقراطيات حيث تتم الدعوة لانتخابات لحسم التعادل السياسي، يتم الاتفاق على عقد انتخابات في لبنان فقط بعدما يتوصل الزعماء المتنافسون الى حل خلافاتهم، فيقرّون قانونا يضمن سطوتهم.

ولأن استغرق زعماء لبنان ما يقارب العقد للاتفاق حول كيفية الاستمرار في تقاسم مغانم الدولة، لم ينتخب اللبنانيون ممثليهم منذ العام ٢٠٠٩، ما يجعل ”مجلس النواب“ اللبناني المنتهية صلاحيته البرلمان صاحب ثاني أطول ولاية في تاريخ البلاد، بعد برلمان الحرب الاهلية، الذي امتدت ولايته من ١٩٧٢ الى ١٩٩٢.

حلّ الخلافات بين الزعماء كرّس تعديلا دستوريا غير مكتوب، ففيما ينص الدستور اللبناني على ان ”الشعب هو مصدر السلطات“، ينصّ الترتيب القائم على ان الشعب اللبناني هو واحد من ثلاثة: الشعب والجيش والمقاومة. صيغة ”حزب الله“ هذه لا تضع ”الجيش“ و“المقاومة“ على قدم المساواة مع ”الشعب“ فحسب، وهو الذي يفترض ان يتمتع نظريا بالسيادة فوق الجميع، بل ان الصيغة تجعل ”الجيش“ و“المقاومة“ مستقلين عن ”ارادة الشعب“.

صيغة ”حزب الله“ غير الدستورية تضع فعليا سياستي لبنان الدفاعية والخارجية خارج سيطرة اي حكومة يختارها ”الشعب اللبناني“، وهو ما يعني ان اللبنانيين سيختارون حكومة بصلاحيات أقل مما يفترض بها، حكومة تدير الاقتصاد، بما في ذلك الخدمات والاشغال العامة، وهنا يأتي دور الزعماء اصحاب الشهية المفتوحة دائما للفساد واختلاس المال العام.

واشنطن «ترفع الحرارة» في سورية لتحريك التسوية... السياسية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطاً غير مسبوق في أروقة الأمم المتحدة وبين العواصم الغربية بشأن الملف السوري، حيث برز إجماع على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية تنهي سبعة أعوام من الحرب والدماء والدمار، لكن الخلاف استمر حيال شكل التسوية بين مجموعتين بشكل أساسي.
مجموعة أولى يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حمل معه إلى العاصمة الأميركية فكرة التوصل لتسوية شاملة مع الإيرانيين، ما يتطلب مقايضات: تتنازل طهران عن صواريخها البالستية وطموحاتها النووية، وتفوز بالوصاية على سورية، بما في ذلك رغبتها في الابقاء على الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم. 
وبالاتفاق مع ايران، يمكن فرض تسوية بين الأسد ومعارضيه، محورها إقامة حكومة وحدة وطنية في سورية، تقوم بكتابة دستور جديد وتشرف على استفتاء بشأنه كما تشرف على انتخابات رئاسية جديدة، وهذه كلها من مطالب الأسد، الذي يعتقد أن بإمكانه البقاء في الحكم والترشح لولاية خامسة، مع حصر التسوية مع معارضيه بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
و«تسوية ماكرون» تعني حُكماً ترجيح كفة طهران على موسكو، التي تصبح في هذه الحالة الخاسر الأكبر، لأن قواعدها في سورية ستكون تحت رحمة الوصاية الإيرانية على الأسد.
المجموعة الثانية، تهيمن عليها إسرائيل خلف الكواليس، وهي لا تُمانع بقاء الأسد، لكن بشرط انفصاله التام عن إيران وطرده الميليشيات الموالية لها المنتشرة على الاراضي السورية. هذه التسوية تعني ترجيح كفة روسيا على ايران، وإعطاء موسكو الكلمة الفصل، وتتوافق مع الخيارات السياسية للرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي يصرّ - لأسباب غير معروفة حتى الآن - على الحفاظ على صداقة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من التوتر الواضح في العلاقات بين حكومتيهما.
وتقول المصادر الأميركية إن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين يعتقدون أن «التسوية مستحيلة في سورية مع بقاء الأسد»، وأن أي حلّ يشترط رحيله. 
وتعتقد المصادر أيضاً أن بوتين ليس متمسكاً بالأسد، لكنه يرى أن الأسد ورقة مناسبة لمفاوضة الغرب على قبول احتلال روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، مقابل قيام موسكو باستبدال الأسد بعسكري آخر، يبدو حتى الآن أنه العميد سهيل الحسن، الملقّب بـ «النمر».
لكن قبول أميركا وأوروبا باحتلال بوتين القرم الأوكرانية أمر مستحيل أكثر من موضوع الأسد، فضم أراض بقوة الأمر الواقع يُذكّر الأميركيين والأوروبيين بشكل فوري بطاغية ألمانيا النازي أدولف هتلر، وهو ما يجعل انتزاع روسيا القرم أمراً يتعارض مع الثقافة السياسية والذاكرة الأميركية والاوروبية برمّتها.
هي شبكة من المصالح المتضاربة، دولياً وإقليمياً ومحلياً، تجعل من التوصل إلى تسوية تنهي الحرب السورية أمراً متعذراً في الوقت الراهن، على الرغم من توافر إجماع دولي على ضرورة هذه التسوية. 
على أن العارفين في شؤون السياسة الدولية يرددون أن التسويات لا تأتي وسط تعادل القوى، بل عندما تدرك جهة أن تمسكها بموقفها يحمل سلبيات أكثر من الايجابيات. 
وفي هذه الحالة، «على واشنطن أن ترفع الحرارة تحت أقدام بعض اللاعبين في سورية لدفعهم إلى إبداء مرونة والدخول في تسويات بعيداً عن تمسك كل منهم بأقصى سقف مطالب يمكنهم الحصول عليه»، حسب المصادر، التي تختم بالقول ان «ميزان القوى في سورية ثابت، ومن المتوقع أن يُحافظ على ثباته في المدى المنظور، وان تمسك كل طرف بمطالبه يعني أن التسوية ما تزال بعيدة ومتعذرة، حتى لو جعلها ماكرون أولوية أثناء محادثاته مع ترامب».

الأربعاء، 25 أبريل 2018

ماكرون يُعيد ترامب إلى «التسوية الكبرى» مع إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اقتراح الحل الذي قدّمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى مضيفه ونظيره الاميركي دونالد ترامب، خلال لقائهما في البيت الأبيض، أول من أمس، يشبه ما سعى الرئيس السابق باراك أوباما للتوصل إليه مع ايران، أي تسوية تشمل معظم ملفات المنطقة، كان فريق الرئيس الاميركي السابق أطلق عليها اسم «التسوية الكبرى».
وكانت أوساط البيت الابيض أكدت، قبل انعقاد لقاء القمة بين ترامب وماكرون، ان المحادثات بينهما لن تشمل إيران بسبب تعثر توصل واشنطن الى رؤية مشتركة مع حلفائها الأوروبيين الثلاثة (باريس ولندن وبرلين) بشأن تعديل بعض البنود في الاتفاقية النووية مع ايران.
وتطالب الولايات المتحدة بإدخال ثلاثة تعديلات على الاتفاقية، الأول يقضي بتعهد ايران تجميد تجاربها على الصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس غير تقليدية، والثاني الاطاحة بالبنود التي تنهي صلاحية بعض أجزاء البرنامج النووي الايراني، خصوصاً البند الذي يسمح لايران باستئناف تخصيب اليورانيوم في غضون عشر سنوات. أما التعديل الثالث الذي يطالب به الأميركيون، فيتمثل في تعديل كيفية التفتيش الدولي للمنشآت النووية الايرانية، وجعلها فجائية وتطول أي موقع إيراني يتم الاشتباه به.
وكان ترامب وعد بأنه، في حال لم يتم ادخال التعديلات التي تطلبها واشنطن على الاتفاقية مع ايران، فهو سيمتنع منتصف الشهر المقبل عن اصدار الاعفاءات التي تعلّق أميركا بموجبها بعض العقوبات الاقتصادية على طهران، عملاً بالاتفاقية النووية.
على أن الأوروبيين، خصوصاً فرنسا التي وقعت عقوداً بمليارات الدولارات مع ايران في قطاعات الطائرات والسيارات والنفط، يسعون جاهدين للحفاظ على الاتفاقية حتى لا ينسف الانسحاب الاميركي، وتالياً عودة العقوبات تلقائياً على ايران، العقود الاوروبية الضخمة.
وحاول الأوروبيون، أول الأمر، التوصل إلى تعديلات شكلية ترضي الايرانيين وتحفظ ماء الوجه لترامب أمام قاعدته، لكن الدوائر المحيطة بترامب رفضت التعديلات الشكلية، وتمسكت بمطالب واشنطن. وبسبب تعذر التوصل لاتفاق مع الاوروبيين، أبقى الاميركيون الموضوع خارج جدول أعمال القمة الأميركية - الفرنسية.
لكن ماكرون أصرّ على مفاتحة ترامب بموضوع إيران من خارج جدول الاعمال، فما كان من الرئيس الاميركي، الذي يعتقد ان ماكرون هو أبرز صديق دولي له، إلا أن وافق على الحديث في الأمر من باب المجاملة.
وبسبب الفجوة بين ما تطلبه أميركا وما يمكن أن توافق عليه ايران، يبدو أن الرئيس الفرنسي رأى أن رمي ملفات أخرى على طاولة المفاوضات مع ايران من شأنه أن يعطي المتفاوضين مساحة أكبر للتوصل لاتفاقية تبني على الاتفاقية النووية من دون أن تنسفها.
ومن البنود التي يعتقد ماكرون أنه يمكن مناقشتها مع ايران، التوصل إلى تسوية في ملفات المنطقة، خصوصاً في سورية واليمن، وهو ما اعلنه الرئيس الفرنسي بشكل واضح، وكرره ترامب قبيل دخول الرجلين الى المكتب البيضوي للانخراط في محادثات شخصية بينهما بلا مساعدين.
على أن ما اقترحه ماكرون، حسب اوساط البيت الابيض، يشبه الى حد بعيد «التسوية الكبرى» التي سعى إليها أوباما أثناء رئاسته. 
وفي مايو 2012، انعقدت جولة مفاوضات بين المجموعة الدولية وايران في بغداد. وعندما تعثر التوصل الى رؤية مشتركة حول ملف ايران النووي، التفت الوفد الايراني الى الوفود الدولية طارحاً السؤال: «ماذا عن سورية؟». يومذاك، أجابت الوكيلة السابقة لوزير الخارجية الاميركية وندي شيرمان إنها «غير مخولة بالتفاوض مع ايران إلا حول الملف النووي». 
ومع تراكم جولات المفاوضات، اتفق المفاوضون على فصل الملف النووي عن بقية شؤون المنطقة الأكثر تعقيداً بهدف تسريع التوصل لاتفاق. وتحولت «التسوية الكبرى» إلى صيغة مختلفة، اذ بدأ أوباما بالحديث عن «إيجابية تتولد عن الاتفاقية النووية ويمكن بناء التسويات الاقليمية الاخرى في المنطقة عليها». وفعلاً، تبادل وزيرا خارجية ايران جواد ظريف والاميركي السابق جون كيري ايميلاتهما الشخصية، وراحا يستخدمان هذه القناة الخاصة في تنسيق أمور إقليمية «غير نووية»، مثل لجم التصعيد على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية، الذي نجم عن قتل «حزب الله» جنديين اسرائيليين انتقاما لمقتل القيادي في صفوفه جهاد مغنية.
انتهت رئاسة أوباما من دون أن تقترب واشنطن وطهران من تسويات ذات معنى في عموم شؤون المنطقة، باستثناء الملف النووي الايراني، وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى تفاؤل ماكرون باحتمال التوصل الى تسوية شاملة بين ترامب، الرئيس الأكثر تشدداً من أوباما، وايران.

أقليات ايران والحاجة الى دعم خارجي

حسين عبد الحسين

من البنود التسعة والعشرين للبيان الختامي لقمة ”جامعة الدول العربية“، الاسبوع الماضي في السعودية، لم يعرب اي منها عن دعم للعرب ممن يعيشون على الجهة الايرانية من الخليج العربي، على الرغم من الاحداث التي تشير الى انهم يتعرضون لضغوطات من النظام الايراني. طبعا، من غير المحبذ الحديث وفقا لتصنيفات عرقية او اثنية او طائفية، لكنه حديث تفرضه سياسة ايران، فطهران تستغل هذه التباينات في خدمة طموحاتها الاقليمية التي — كما هي الحال مع سكانها العرب — ما دفع ”منظمة العفو الدولية“ الى توثيق الاختراقات ضد ابسط حقوقهم، اي حقوق الانسان. بالفعل، تمثل السياسات الايرانية قصة حزينة من القمع ضد الاقليات، على انواعها، التي تعيش على شواطئ الخليج الشمالية. وفي وقت قد يعتبر البعض انه عملا بمبدأ احترام السيادة امتنعت الجامعة العربية عن الالتفات الى مناشدات عرب ايران، الا ان البند ٢٣ من البيان ادان اختراقات حقوق الانسان التي ترتكبها حكومة ميانمار ضد الاقلية المسلمة، وهو ما يشي انه كان يمكن للجامعة التعبير عن دعمها تجاه الاقليات المضطهدة — العربية وغيرها — في مناطق اقرب جغرافيا الى البلدان العربية. بذلك، اضاعت الجامعة فرصة.

حسب ”العفو الدولية“، تعاني الاقليات الاثنية في ايران، من عرب وترك اذريين، وبلوش، وكرد، وتركمان من ”تمييز مترسّخ، يقلّص من وصولهم الى التعليم والوظائف والسكن المقبول والمناصب السياسية. اللغة الفارسية ”هي لغة التعليم الوحيدة في التعليم الابتدائي والثانوي، ما ساهم في ارتفاع نسب من يتركون المدارس في مناطق الاقليات“. تقول المنظمة، في تقريرها للعام ٢٠١٧-٢٠١٨ ان افراد ”الاقليات ممن رفعوا صوتهم ضد اختراق حقوقهم عانوا من الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والمحاكمات غير العادلة، والسجن، وعقوبة الاعدام“.

في احدث الامثلة، تغاضى تلفزيون ايران الرسمي عن ذكر المجموعة العربية كواحدة من الاقليات في احد برامج الاطفال، وعندما تظاهر عرب الاهواز، في الجنوب الغربي، اعتراضا على ”تهميش السلطات الايرانية لاصول العرب وعلى محاولتها طمس هويتهم“، حسب مجموعة ”مرصد حقوق الانسان في ايران“، اعتقلت قوات الأمن ١٤٠ متظاهرا. تضيف المجموعة انه ”على مدى العقد الماضي، شهدت الاهواز نموا في عدد المهاجرين من غير العرب الى احيائها السكنية بدعم حكومي، بهدف الاخلال بالتركية السكانية“. 

الثلاثاء، 24 أبريل 2018

دلائل استخدام الأسد السلاح الكيماوي

بقلم حسين عبد الحسين

بنى القيمون على الدعاية الروسية والسورية، ومؤيدو الرئيس السوري بشار الأسد في الغرب، معارضتهم للضربة الغربية ضد مواقع إنتاج السلاح الكيميائي السورية على مقولة أن "لا أدلة" تثبت استخدام قوات الأسد أسلحة كيميائية ضد المدنيين السوريين. لكنها مقولة باطلة، يكللها التضليل، ويتوجها قيام روسيا والأسد بعرقلة وصول مفتشي "وكالة حظر الأسلحة الكيميائية" إلى موقع الهجوم في ضاحية دمشق دوما، حتى بعد أسبوعين على الهجوم.

وفيما راح الأسد يقدم عرضا مسرحيا حول المخاطر الأمنية الوهمية التي أحاطت بالمفتشين وعرقلت زيارتهم دوما، لم يتعرض أركان دعاية الأسد إلى إطلاق نار أو مضايقات، مثل الصحافي البريطاني روبرت فيسك، الذي شارك في جولة صحافية برعاية النظام السوري في موقع الهجوم، وتحادث مع طبيب يفترض أنه مستقل، لكنه يطلق تسمية "الإرهابيين" على معارضي الأسد.

عرقلة الروس والأسد للأمم المتحدة تعود على الأقل إلى شهر تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، يوم قامت روسيا بممارسة حق النقض الفيتو ضد التمديد للهيئة الأممية المشتركة، التي كانت قد أثبتت قيام قوات الأسد باستخدام أسلحة كيميائية محظورة في أكثر من 15 هجوما، كان أكبرها هجوم الغوطة في آب/أغسطس 2013.

قوات الأسد غالبا ما تعمد إلى استباق الهجوم الرئيسي بهجوم أصغر بكمية كيميائية بسيطة لامتحان صبر وردود المجتمع الدولي

وفي الخريف الماضي، قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا طالب فيه تمديد مهلة عمل الهيئة، وجاء فيه أن "تقرير لجنة تقصي الحقائق المشتركة حول الهجوم المزعوم في خان شيخون في نيسان/أبريل 2017 (...) أظهر أن عددا كبيرا من القتلى، تعرضوا لغاز السارين أو غازات مشابهة"، وأن الهيئة استنتجت أن التفسير الوحيد هو "استخدام غاز السارين كسلاح كيميائي".

اقرأ للكاتب أيضا: المثقفون الشبيحة

وثائق الأمم المتحدة، التي تثبت استخدام الأسد للسلاح الكيميائي ضد السوريين، متوفرة لمن يرغب في قراءتها، وفيها قرائن دفعت موسكو إلى تعطيل الهيئة، ودفعت الأسد إلى عرقلة وصول المفتشين الدوليين إلى موقع الهجوم في دوما.

واختلطت العرقلة مع الروايات التي نسجها مؤيدو الأسد، من قبيل أن مشهد الهجوم مفبرك، أو أن المعارضين دأبوا على قصف أنفسهم بالكيميائي لتوريط الأسد وتحريض الرأي الدولي ضده (بدلا من أن يقوموا مثلا بقصف الأسد مباشرة بسلاح الكيميائي لو كان بحوزتهم فعلا)، أو أن تفوق الأسد عسكريا يعاكس منطق قيامه بهجوم كيماوي.

في أن المشهد مفبرك، أثبت موقع "بيلينغ كات"، بالاستناد إلى "المصادر المفتوحة"، أي الفيديوهات التي تناقلها الناشطون ووسائل الإعلام، أن مروحية سورية أقلعت من مطار الضمير، وألقت عبوة غاز فوق مبنى من عدة طوابق، وهو نفس المبنى الذي يظهر فيه قتلى ممددين على الأرض في فيديوهات متعددة المصادر. الشرطة العسكرية الروسية، بدورها، دخلت المبنى في وقت لاحق، في الغالب في محاولة لطمس معالم الجريمة.

ما يعجز الموقع عن إثباته هو سبب الموت، ويكتفي بترجيح أنه الاختناق بالغاز، ربما الكلورين. ويمكن للخبراء الاستنتاج أن الموت حصل اختناقا بالنظر إلى صور القتلى عندما تخلو جثثهم من الجروح أو الحروق التي تنجم عادة عن الموت بالسلاح التقليدي.

تقول أجهزة الاستخبارات الغربية إنها التقت شهودا وناجين فروا من دوما، وإنها أجرت على بعضهم فحوصات بول ودم، وهو ما أظهر أن "سبب الموت" هو الغاز. وسبق لجمعية "أطباء بلا حدود" أن أوردت في الماضي بيانات عن تعرض سوريين، ممن وفدوا إلى مستشفياتها الميدانية، لغازات قاتلة مصدرها قوات الأسد.

تتراكم دلائل استخدام الأسد السلاح الكيماوي ضد السوريين منذ بداية الحرب السورية في العام 2011

وبالنظر إلى تاريخ هجمات الأسد الكيميائية، يمكن الاستنتاج أن قواته غالبا ما تعمد إلى استباق الهجوم الرئيسي بهجوم أصغر بكمية كيميائية بسيطة لامتحان صبر وردود المجتمع الدولي، وهو ما فعلته قبل تنفيذها هجوم الغوطة صيف 2013. في دوما، كررت قوات الأسد فعلتها بشنها هجوما أوليا بسيطا لامتحان ردود الفعل الدولية، وهو ما دفع العواصم الغربية إلى توجيه ضربتها لمنع الأسد من "متابعة هجماته الكيميائية"، وهو هدف المهمة الغربية حسبما وصفه وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس في مؤتمره الصحافي الذي تلا الهجوم الغربي العقابي.

اقرأ للكاتب أيضا: آن أوان طي صفحة الأسد

في الدلائل الظرفية، لم يكن الأسد متفوقا عسكريا في دوما، بل كان يفاوض الثوار على الخروج منها، إذ أن الانخراط في معركة للقضاء على المعارضين كانت ستكلف الأسد، الذي يعاني من شح في صفوف مقاتليه، عددا كبيرا من القتلى. وفي اليوم التالي لتعثر المفاوضات، شن الأسد هجوما كيميائيا تجريبيا بهدف ترهيب معارضيه وامتحان ردود الفعل الدولية.

في هذه الأثناء، كشف موقع "بي بي سي" البريطاني عن أحد أبرز الحسابات المزيفة على تويتر لسيدة تدعي أنها لبنانية باسم سارة عبدالله، وهي قامت بنشر تغريدات للدعاية الكاذبة حول فبركة مزعومة للهجوم، وحول قصف المعارضة نفسها بدلا من قصفها عدوها الأسد، وما شابه ذلك من نظريات مؤامرة. ومع قيام "بي بي سي" ببعض التحقيقات، تبين أن السيدة وهمية، وأن الصور التي تنشرها خلفيتها بنيان في الولايات المتحدة، لا لبنان، حسبما تدعي.

تتراكم دلائل استخدام الأسد السلاح الكيماوي ضد السوريين منذ بداية الحرب السورية في العام 2011، وتتراكم معها دلائل محاولاته وروسيا عرقلة التفتيش وطمس الأدلة، وتتراكم معها أيضا دلائل الدعاية الكاذبة التي يبثها الروس ومؤيدو الأسد لتقديم روايات مغايرة ومزيفة. هذا هو الأسد، وهذه هي روسيا.

الأحد، 22 أبريل 2018

ماكرون يعرض على ترامب خطة لإخراج الأسد من السلطة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أفادت مصادر في البيت الأبيض أن سورية ستتصدر المحادثات بين الرئيس دونالد ترامب وضيفه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يصل واشنطن غداً، ويلتقي ترامب الثلاثاء المقبل، ويلقي في اليوم التالي خطاباً أمام الكونغرس بغرفتيه.
وحدّدت المصادر الاميركية ثلاثة نقاط سيتمحور حولها لقاء القمة هي: استمرار التحالف القوي بين البلدين، والتجارة الثنائية بينهما، وموضوع سورية. 
وكان ماكرون قال إنه أقنع ترامب بضرورة توجيه ضربة الى قوات الرئيس السوري بشار الأسد بعد الاشتباه بهجوم بالأسلحة الكيماوية نفذته هذه القوات في دوما بغوطة دمشق الشرقية. وعلى الرغم من أن فرنسا وبريطانيا أقنعتا أميركا فعلياً بضرورة الضربة، الا ان ماكرون تراجع في ما بعد عن تصريحه، في الغالب لأنه جعل الرئيس الاميركي يبدو في صورة المتلقي والمتردد.
ويبدو أن ماكرون لم يفرغ ما في جعبته بعد في الموضوع السوري، وهو ينوي إقناع نظيره الاميركي بعدد من الخطوات الاخرى. وفي واشنطن، قالت المصادر الاوروبية ان «الرئيس الفرنسي يحمل خطة لكيفية فرض خروج الأسد من السلطة، والمباشرة بتسوية سياسية تترافق مع تمويل العواصم الغربية والعربية لمجهود إعادة إعمار سورية». 
وتأتي محاولات ماكرون في وقت علمت «الراي» أن الحكومة الاميركية قامت بتجميد كل الأموال التي كانت تخصصها لمساعدة السوريين، بأمر من ترامب، بما في ذلك أموال تدريب السوريين على إدارة شؤونهم، والأموال التي كانت مخصصة لبرامج مساعدة اللاجئين. وكان ترامب طالب بسحب الجنود الاميركيين، والبالغ عددهم ألفي عسكري، من الأراضي السورية شرق الفرات، إلا أن فريقه أقنعه بضرورة التروي لتأكيد عدم عودة تنظيم «داعش» الى الحياة في حال تم الانسحاب الاميركي بهذا الشكل المبكر.
وسأل إعلامي من المشاركين في جلسة مغلقة للصحافيين حول إن كان الرئيسان سيتطرقان الى الموضوع الايراني، وإن كان ماكرون سيقنع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاقية النووية مع ايران، فأجابت المصادر الأميركية بأن موضوع ايران لم ينضج بعد على مستوى الديبلوماسيين حتى يتم نقله إلى مستوى الرؤساء، وان واشنطن ما زالت تطالب بثلاث نقاط، هي وقف طهران برنامجها للصواريخ البالستية، وسماحها بتفتيش دولي في أي مكان يشتبه أن فيه نشاطات نووية، ونسف البنود التي تنهي حظر تخصيب ايران لليورانيوم بعد مرور عدد من السنوات. 
ومن المتوقع أن يزور الرئيسان مع زوجتيهما بيت أول رئيس أميركي جورج واشنطن، الواقع في ماونت فيرنون في ولاية فيرجينيا المحاذية للعاصمة الاميركية. وصباح الثلاثاء المقبل، يلتقي ترامب وماكرون بشكل منفرد ومن دون مساعدين في المكتب البيضوي، قبل أن ينضم إليهما فريقاهما، بما في ذلك وزراء الدفاع والخارجية والمالية والتجارة. أما يوم الاربعاء، فيلقي ماكرون خطابه أمام الكونغرس بعد 58 عاماً من إلقاء الرئيس الفرنسي الاسطوري الراحل شارل ديغول خطاباً مماثلاً أمام الكونغرس في 25 ابريل 1960.
عن المواضيع الاقتصادية، ذكرت المصادر ان فرنسا هي ثالث أكبر مستورد للصادرات الاميركية في أوروبا، وانها تستثمر 19 مليار دولار سنوياً في أميركا، التي تستثمر بدورها 78 مليار دولار في فرنسا. وتوقعت المصادر أن يسعى الرئيسان الى تنسيق موقف مشترك لمواجهة الصين في الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأميركي، قبل أسابيع، ضد ممارسات بكين وسياساتها الاقتصادية.

الخميس، 19 أبريل 2018

روسيا... نقطة ضعف ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حتى بعد الضربة العسكرية الثانية، التي وجهتها الولايات المتحدة إلى قوات الرئيس السوري بشار الأسد، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض مطلع العام الماضي، ماتزال سياسة ترامب تجاه سورية مُبهمة، لا يضاهيها في الإبهام إلاّ سياسته تجاه روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
ترامب كان فاجأ كبار العاملين في إدارته بدعوته إلى سحب القوات الاميركية المنتشرة شرق الفرات في سورية، وهي دعوة يعتقد كثيرون أنها شجّعت الأسد على امتحان المجتمع الدولي بشنّه ضربة كيماوية محدودة ضد دوما في غوطة دمشق الشرقية. بعد الكيماوي، وجد ترامب نفسه في موقف مشابه للذي وجد نفسه فيه سلفه باراك أوباما بعد هجمات الأسد الكيماوية على ضاحية الغوطة الشرقية في أغسطس 2013. ولأن سياسته مبنية على عكس كل ما قام به أوباما، وجد ترامب نفسه مضطراً للقيام برد فعل عسكري، بغض النظر عن حجمه، لتقديم نفسه على أنه الرئيس القوي، على عكس سلفه الضعيف.
أطلق ترامب النقاش داخل إدارته، فيما راح هو يستعرض عضلات الولايات المتحدة، وأطلق وصف «حيوان» على الأسد، وهدد بوتين بصواريخ أميركية «جميلة وذكية» ستنهمر على رأس الأسد وحلفائه في سورية. وسط كل التهديد والوعيد، بقي ترامب متردداً في شن ضربة عسكرية ضد نظام الأسد، وطالب بشن «ضربة مؤلمة» ثم الانسحاب بعدها فوراً. لكن وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان جوزيف دنفورد، خشيا أن تؤدي أي ضربة جدية تطول الميليشيات الموالية لايران إلى ردود فعل ايرانية ضد القوات الأميركية في العراق.
تردد ترامب حمل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي يزور واشنطن الأسبوع المقبل، إلى إقناع نظيره الأميركي بضرورة القيام بعمل عقابي ضد الأسد. ماكرون نفسه كان توعد الأسد بعقاب عسكري في حال استخدم الأخير سلاحاً كيماوياً، ولم يكن الرئيس الفرنسي ينوي أن يظهر بمظهر أوباما وخطوطه الحمراء الشهيرة. 
مع إصرار باريس ولندن وفي ظل إجماع أميركي، حسم ترامب موقفه بشن الضربة، لكنه تذرّع بماتيس ودنفورد لمواجهة الصقور، بقيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون، المطالبين بضربة واسعة ضد الأسد. وعلى الرغم من أن ترامب يحرص على الظهور بمظهر أكثر الرؤساء الأميركيين قرباً من اسرائيل، في الغالب لنيل الدعم اليهودي الاميركي لفوزه بولاية ثانية في 2020، إلا أن مطالبة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لترامب بعمل عسكري أميركي ضد الايرانيين في سورية أدى إلى بعض التوتر بين الزعيمين، فترامب لا يعتقد أن مهمة أميركا تقضي بتدخلها في الحرب السورية، بل يعتقد أن أميركا تقدم دعماً واسعاً لاسرائيل، وان على الاسرائيليين أنفسهم تولي هذه المهمة.
على أن ما يلفت الأنظار في سياسة ترامب الخارجية عموماً هو محاولاته الحثيثة للوقوف على رأي موسكو ومصادقتها. ويردد ترامب، الذي يكاد يستغني عن كل حلفاء الولايات المتحدة، ان العلاقات الجيدة مع روسيا هي أفضل من حال العداء، وهو ما يطرح السؤال التالي: لماذا يتمسك ترامب بمصادقة موسكو فيما لا يكترث بالحفاظ على تحالفات وصداقات أميركا القائمة؟
الخبراء في العاصمة الاميركية يعتقدون أن ترامب مَدين لموسكو، وأنه رجلها في واشنطن، وان هذا هو التفسير الوحيد الممكن لسياسة الرئيس التي تحاول مراعاة روسيا عند كل منعطف، من قبيل محاولته نقض قانون تمت المصادقة عليه بإجماع الكونغرس، يهدف لفرض عقوبات اضافية على الحكومة الروسية، مروراً برفضه فرض العقوبات الإضافية حتى بعد توقيعه القانون، وصولاً إلى طرده 60 ديبلوماسياً روسياً من دون أن تطلب واشنطن من موسكو تخفيض عديد بعثتها، وهو ما يعني أنه يمكن للخارجية الروسية إعادة ارسال 60 ديبلوماسياً بديلاً عن الذين أبعدتهم الولايات المتحدة.
وفي سياق محاباة روسيا، أحرج الرئيس الاميركي موفدته الدائمة الى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي كانت أعلنت أن وزارة الخزانة ستفرض عقوبات على الشركات الروسية المتورطة في تصدير أدوات ومواد تدخل في صناعة ترسانة الأسد الكيماوية. لكن البيت الأبيض عاكس تصريح هايلي، ورد عليها ليل أول من أمس بما يشبه التوبيخ.
وسط استماتة ترامب في نيل رضا روسيا، ومع قيامه بتهنئة بوتين على فوزه بولاية رابعة في انتخابات اعتبرتها الخارجية الأميركية مزيفة، ومع دعوة ترامب بوتين لزيارة البيت الابيض على عكس نصيحة مستشاري الرئيس الاميركي، تبدو روسيا وكأنها نقطة ضعف ترامب. 
ولأن الرئيس الأميركي يُحاول استرضاء نظيره الروسي بشكل متواصل، توصّل المعنيون إلى نتيجة مفادها أن ترامب يتبنّى سياسة في الشرق الاوسط، وفي سورية خصوصاً، تُلبّي مصلحة روسيا. في هذا السياق، أدرج المعنيون قرار ترامب سحب القوات الاميركية من شرق الفرات بشكل كامل.
داخل البيت الابيض، ينقسم الفريق الرئاسي إلى قسمين: الأول بقيادة وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو فريق لا يرى مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة في الابقاء على أي قوات لها شرق سورية، ولا يعتقد أن «الهلال الايراني» مشكلة حقيقية، بل يعتقد أنه يمكن لايران تزويد حلفائها في سورية ولبنان بالسلاح والعتاد من دون صلة الوصل على الأرض. أما الفريق الثاني، فيقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي يعتقد أن من مصلحة الولايات المتحدة الإبقاء على قواتها في سورية، وتعزيز هذه القوات للقضاء على الوجود الايراني، وهو الوجود الذي يقلق اسرائيل ويزعجها.
حتى الآن، يبدو أن بولتون وفريق الابقاء على القوات الأميركية شرق الفرات كسب المعركة داخل الإدارة، لكنه مكسب موقت، وتزامن مع إعادة إحياء اقتراح كان تقدم به شقيق وزيرة التربية وصاحب شركة «بلاك ووتر» للأمن إريك برينس، والذي كان اقترح سحب القوات الأميركية من افغانستان واستبدالها بجيش خاص يتشكل من مرتزقة أميركيين. 
في سورية، يبدو أن ترامب يعتقد أنه يمكن تشكيل قوة عربية تشارك فيها السعودية والإمارات ومصر ومرتزقة أميركيون، يعملون بمثابة مدربين ومستشارين، ويكون تمويل القوة من بعض حكومات الخليج. ولكن ما هي مهمة هذه القوة البديلة للقوات الاميركية شرق سورية، خصوصاً أن مواقف حكوماتها تجاه الأسد والأزمة السورية متباين بشكل عام؟ 
خطة ترامب في سورية تبدو، مثل صاحبها، مرتبكة ومتخبطة. الثابتتان الوحيدتان هو أن ترامب يسعى لإرضاء بوتين، ويريد سحب القوات الاميركية بشكل يسمح له بالتباهي أمام قاعدته الشعبية والقول إنه قضى على «داعش» وقام بإنهاء الحرب في سورية والعراق وسحب القوات الاميركية منها.

الثلاثاء، 17 أبريل 2018

المثقفون الشبيحة

بقلم حسين عبد الحسين
الحرة

لا تخلو الأزمنة من شعراء البلاط ومثقفي السلاطين، ولطغاة الممانعة في إيران وسورية ولبنان مثقفوهم. لكن من هؤلاء من لا يمتهنوا مديح سلاطينهم وقدح الأعداء بشكل مباشر، بل هم يختبئون خلف ستار الثقافة والحرية لتقديم نظريات يصفونها بالموضوعية، فيما هي في الواقع مزيجا من معاداة الديمقراطية والإعجاب بالديكتاتوريات.
في الماضي القريب، استنبط أحدهم إحدى أسوأ النظريات بإطلاقه تسمية "المثقفين الملتزمين". ملتزمون ماذا بالضبط؟ ملتزمون "القضية المركزية" للعرب، وهي قضية لا تتعلق بحرياتهم الفردية، ولا بالمساواة بينهم، ولا باختيارهم لحكوماتهم، فقط باستعادة أرض صماء بكماء، وتقديم الدماء والأرواح فداء لهذه الأرض. هي أرض أهم من الروح البشرية، بدلا من أن تكون الأرض واحدة من الأدوات في خدمة البشر.
"المثقف الملتزم" أمس هو عراب مجموعة "المثقفين الشبيحة" اليوم، ممن استبدلوا الدفاع عن صدام حسين بدفاعهم عن بشار الأسد
لا تفاهة ترقى على تفاهة "المثقفين الملتزمين"، فالمثقفون حكما لا التزام لهم إلا تحكيم العقل والإدلاء بالآراء حسب ما يملي ضميرهم وفهمهم للأمور، والسعي لكسب المصداقية بين الناس، ومراجعة التجارب، والاعتراف بالخطأ لاستنباط مواقف جديدة. أما "الثقافة الملتزمة" فهي شكل صنمي طوطمي، يحول قادة الرأي المزعومين من المثقفين إلى مجموعات تبرير لرأي الحاكم، وهو غالبا ما يكون رأيا شعوبيا تافها.
ومن "الثقافة الملتزمة" تنبثق مبادئ تفاهة متنوعة، مثل "الإعلام الممانع"، في عبارة هي بمثابة إهانة للإعلاميين، تحولهم من ناقلين للأخبار وشارحين لها، إلى أدوات إعلان ودعاية لمصلحة محور معاداة الديمقراطية.
اقرأ للكاتب أيضا: آن أوان طي صفحة الأسد
أخونا "المثقف الملتزم"، الذي كان يدعو في كل يوم إلى "ثورة على الطغيان الصهيوني والقتال من أجل حرية الفلسطينيين"، تحول إلى الصوت الأبرز في الدفاع عن رئيس العراق الراحل صدام حسين ومعارضة الحرب الأميركية التي أطاحته. يبدو أن الحرية ـ مع الفوضى التي تصاحبها عادة ـ لا تليق إلا بالفلسطينيين وحدهم، ولا تليق بالعراقيين أبدا.
الإجابة لدى أخينا "المثقف الملتزم" كان مفادها أن الاطاحة بصدام كانت ستؤدي إلى حرب أهلية ودماء، وأن على المثقفين العرب أن يكونوا واقعيين ويقبلوا بقاء صدام على أنه أهون الشرين. طبعا في حالة فلسطين، لا واقعية ولا رضوخ للأمر الواقع، بل صراع أجيال حتى آخر قطرة دم لاستعادة فلسطين من النهر إلى البحر. أما أي مثقف يتحدث عن واقعية فهو خائن وعميل. هكذا تحدث "المثقف الملتزم".
"المثقف الملتزم" أمس هو عراب مجموعة "المثقفين الشبيحة" اليوم، ممن استبدلوا الدفاع عن صدام حسين بدفاعهم عن بشار الأسد، وهو دفاع يتحول ويتلون حسب تطورات الأوضاع. يوم كانت المعارضة السورية متقدمة عسكريا وكاد الأسد ينهار، علا صراخ المثقفين الشبيحة أن لا حلا عسكريا في سورية، وأن الحسم العسكري يرعب الأقليات، وأن عددا لا بأس به من السوريين يؤيدون الأسد، وأن على التسوية أن تأخذ هؤلاء في عين الاعتبار للتوصل لإقامة حكومة وحدة وطنية.
ثم عندما انقلب الميزان العسكري وراح حلفاء الأسد يكتسحون مناطق معارضيه، برز "المثقفون الشبيحة" إلى الواجهة مجددا. هذه المرة، لم تعد تعجبهم حكومات الوحدة الوطنية بين الأسد ومعارضيه، بل راحوا يرددون أن الأسد سيئ، لكن بغياب البديل، يصبح الأسد الخيار الوحيد في حكم سورية.
من "الثقافة الملتزمة" تنبثق مبادئ تفاهة متنوعة، مثل "الإعلام الممانع"
في فلسطين، لا يقبل "المثقفون الشبيحة" أقل من فلسطين التاريخية عربية كاملة من البحر إلى النهر. لا القرارات الأممية، ولا واقع وجود دولة إسرائيل، ولا ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن غالبية الإسرائيليين اليوم هو من مواليد هذه الأرض. يصر "المثقفون الشبيحة" على أن استعادة فلسطين بالكامل واجب وطني لا مواربة فيه، حتى لو أدى الأمر إلى بحيرات من الدماء، وإلى أجيال من الشقاء الفلسطيني في مخيمات الشتات.
أما في سورية، فالواقعية متوخاة، وعلى المثقف أن يقرأ الوقائع على الأرض، وأن يستنبط حلولا تتماشى مع قوة الأسد وحلفائه، حتى لو تطلب الأمر التغاضي عن قصفه مدنيين سوريين بالأسلحة الكيماوية، فالإصرار على رحيل الأسد، مثل الإصرار على رحيل صدام، فيه دمار ودماء، والدماء تسال فقط كرمى لعيون فلسطين.
أما المثقفون من غير الشبيحة فموقفهم جلي واضح: الحرية لجميع البشر، فلسطينيين وعراقيين وسوريين وإسرائيليين. لكل من هؤلاء دولة معترف بها في شرعة الأمم، ولكل من هؤلاء الحق بالعيش الكريم، بمساواة كاملة، وفي ظل حكومة يختارها دوريا؟
لا تنتقص مساندة الإمبريالية في القضاء على الطاغية صدام، أو الديكتاتور الأسد، من أهمية الحرية، ولا الواقعية تنتقص من حقوق العراقيين أو السوريين أو الفلسطينيين أو الإسرائيليين. هو قياس واحد للجميع، لا يتغير بحسب ميزان القوى العسكرية على الأرض. كل ما عدا ذلك يدخل في باب التشبيح، المعروف أيضا بالبلطجة، والزعرنة، وسائر الصفات التي تسري على السلاطين، وعلى أزلامهم، وعلى مخبريهم، وعلى مثقفيهم.

الاثنين، 16 أبريل 2018

ترامب انحاز إلى رؤية ماتيس ودانفورد فكانت... «طلقة لمرة واحدة»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حسم فريق وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان جوزف دانفورد النقاش المندلع داخل البيت الابيض، على مدى الأيام الاربعة القليلة الماضية، لمصلحتيهما، فاقتصرت العملية العسكرية - التي شنتها أمس الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد على ارتكاب قواته مجزرة في دوما بالسلاح الكيماوي - على استهداف «مواقع مرتبطة ببرنامج الأسد الكيماوي» حصراً، من دون توسيع العملية لتطال قوته الجوية أو بنيته التحتية العسكرية، أو الميليشيات المتحالفة معه.
ووفقاً لما كانت أوردته «الراي»، ساد انقسام داخل الفريق الرئاسي حول شكل الضربة وأهدافها، وهو انقسام أدى إلى تأجيلها. وفي أثناء النقاش، طالب فريق داخل الإدارة بقيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون بتوجيه ضربة عسكرية قاسية للأسد، تشمل تدمير قوته الجوية بالكامل، وتستهدف الميليشيات الموالية لايران المتحالفة معه. لكن ماتيس ودانفورد عارضا التصعيد في سورية خوفاً من ردود فعل إيرانية، وقالا إن توسيع العملية العسكرية يحتاج إما إلى سحب القوات الأميركية المنتشرة في العراق وسورية، وإما تعزيزها بأعداد كبيرة بشكل لا يلقى موافقة سياسية أو شعبية في أميركا.
وحسب مصادر أميركية مطلعة، فإن بولتون أراد استهداف قوة الأسد الجوية بشكل يجعله أكثر اعتماداً على روسيا منه على إيران، وأراد أن تشمل الضربة مواقع تابعة للإيرانيين داخل سورية. وبعد أكثر من ثلاثة اجتماعات لمجلس الأمن القومي، وأيام طويلة من المشاورات مع الحلفاء في لندن وباريس، تبنّى الرئيس دونالد ترامب رؤية ماتيس ودانفورد المحافظة، وتم الاتفاق على أن تكون الضرية لمواقع الأسد الكيماوية أقسى وأكبر من ضربة العام الماضي، التي استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية في ريف حمص، رداً على هجوم خان شيخون الكيماوي آنذاك.
وقال ترامب، في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب الأميركي، إن الحملة ستكون «مستدامة»، وهو ما أثار حيرة المتابعين الأميركيين، فسأل الصحافيون ماتيس أثناء مؤتمره الصحافي الذي تلى الضربة، فأجاب ان «مستدامة» تعني أن الحلفاء سيضربون الأسد مجدداً إذا ما قام باستخدام أسلحة كيماوية مستقبلاً، ولكن ضربة أمس كانت «طلقة لمرة واحدة». وحاول ماتيس ودانفورد التشديد على أن ضربة أمس كانت أكبر «كمّاً ونوعاً» مقارنة بضربة العام الماضي. ووصف ماتيس الضربة بالثقيلة، ووصفها بأنها ضعف ما كانت عليه ضربة العام الماضي.
في المقابل، لم تنفذ روسيا تهديدها بالرد على «أي ضربة عسكرية أميركية» ضد قوات الأسد، فتساقطت الصواريخ الأميركية على أهداف في سورية، حسبما وعد ترامب، رغماً عن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. 
وقال مسؤولو وزارة الدفاع ان القيادة الوسطى بالجيش الأميركي، في مركز قيادتها في قاعدة العديد بقطر، اتصلت بالقيادة الروسية إبان شن الضربة، وأبلغتها عن المجال الجوي الذي ستعمل به فوق سورية، من دون أن تحدد لها الأهداف.

الجمعة، 13 أبريل 2018

الأسد «يُخبِّئ» مقاتلاته ومروحياته في قاعدة «حميميم» الروسية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعدما صار من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة كانت تنوي تدمير القوة الجوية للرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك دفاعاته الجوية ومقاتلاته ومروحياته، قام الأسد بنقل المقاتلات والمروحيات إلى قاعدة حميميم الروسية لحمايتها. 
الخطوة هذه أعاقت العملية العسكرية الأميركية التي كانت مقررة، وتشمل شن هجوم صاروخي من البحر لتدمير مراكز القيادة والاتصالات، ودفاعات «سام 200» السورية، الروسية الصنع. بعد ذلك، كان من المقرر أن تُغير المقاتلات الأميركية والفرنسية والبريطانية لتدمير كل المقاتلات والمروحيات التابعة للأسد.
لكن اختباء قوة الأسد الجوية في قاعدة روسية بشكل يجعلها عصيّة على التحالف الغربي، عرقل الخطة الاصلية، وأدى الى تعديلها.
تقول المصادر الأميركية ان الخيارات المتاحة هي انتظار لحظة خروج المقاتلات السورية والمروحيات من القاعدة الروسية واستهدافها في الجو، وهو ما يعني فعلياً محاصرتها تحت طائلة إسقاطها، ويعني أيضاً تحييد القوة الجوية للأسد حتى إشعار آخر، وتحويل الرئيس السوري إلى رهينة بالكامل في أيدي موسكو وقوتها الجوية.
وتلفت المصادر إلى أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، بدا واضحاً التباين بين أداء القوتين السورية والروسية، فروسيا لم تلبِّ دائماً نداءات قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معه على الأرض، بل اختارت المعارك التي تناسب موسكو لتأمين غطاء جوي لها، ما أدى إلى وقوع خسائر أحياناً في صفوف قوات الأسد وإيران. أما المثال الأبرز فتمثل في تفادي القوة الجوية الروسية المجال الجوي في جنوب دمشق، بشكل يضعها على تماس مع نطاق نفوذ القوة الجوية الاسرائيلية.
هكذا، في حال التصقت قوة الأسد الجوية بالقواعد الروسية للاحتماء بها، ووجد الأسد نفسه مُجبراً على الاستناد الى القوة الجوية الروسية لمؤازرة تحركات قواته على الأرض، تصبح موسكو صاحبة كلمة الحسم في كل المعارك الكبيرة التي ينوي الأسد وإيران خوضها، مثل المعارك التي كانت مقررة لاستعادة الجنوب السوري، والمناطق شرق الفرات الواقعة تحت حماية أميركية، وفي إدلب حيث النفوذ التركي.
ووفقاً للمصادر الأميركية، فإن الهجوم الكيماوي في دوما تم تنفيذه بطريقة بدائية، وتم على الأرجح بقرار منفرد من الأسد من دون إعلام الحلفاء. وإذا كانت الحال كذلك، يصبح سبب دفاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأسد هدفه تقويض قرار الأسد المستقل بالكامل، وتحويله إلى قوة تعتمد بشكل شبه كلي على الروس، تحت طائلة خسارته قوته الجوية بالكامل، فضلاً عن خسارته القوة الجوية الروسية الحليفة.
هل يُساهم الارتماء الكلي للأسد في أحضان موسكو، وابتعاده تالياً عن طهران، في تسريع التوصل إلى تسوية سياسية بإشراف روسيا والولايات المتحدة؟
تعتقد المصادر الأميركية أنه مازال من المبكر الحديث عن تسوية سياسية، وان ارتماء الأسد في أحضان موسكو للاحتماء بها من الضربات الغربية المحتملة يعني أن أمام موسكو فرصة في تحديد شكل القيادة السورية وهوية القائد بصورة غير مسبوقة، وهو ما يعني أنها أمام فرصة العمل على دفع بدلاء قد تريدهم مكان الأسد، كجزء من تسوية مستقبلية.

الخميس، 12 أبريل 2018

ماتيس ودانفورد يُعرقلان ضرب الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حمّل أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية جوزيف دانفورد مسؤولية التأخير في توجيه ضربة عسكرية أميركية لمواقع قوات الرئيس السوري بشار الأسد. 
وقال المسؤول، في مجلس خاص، «يبدو أن ماتيس صار يُصدّق مقولة إنه العقل الوازن الذي يضبط رعونة الرئيس المزعومة داخل الإدارة»، مؤكداً أن ماتيس «يلعب دور الكابح للعملية العسكرية المتوقعة».
وعقد «مجلس الأمن القومي»، أمس، اجتماعاً حول سورية، هو الثالث من نوعه هذا الأسبوع. 
وأكدت مصادر أميركية مطلعة أن ماتيس، الذي أخرجه الرئيس باراك أوباما من قيادة المنطقة الوسطى بسبب حماسته لضرب أهداف داخل إيران رداً على استهدافها جنوداً أميركيين في العراق، هو الذي يُبدي تردداً في توجيه الضربة لقوات الأسد.
ومن غير المعروف ما الذي يدفع ماتيس إلى التردد، بيد أن الأوساط المتابعة لعملية اتخاذ القرار الأميركي أوردت عدداً من الأسباب، أبرزها أن وزير الدفاع يعتقد أن إضعاف الأسد يُفسح المجال أمام إيران في الاستيلاء على المزيد من مقاليد الحكم في دمشق.
ويبدو أن بعض دوائر القرار في أميركا، بالاشتراك مع حلفاء شرق أوسطيين، يعتقدون أن أي ضربة ضد الأسد يجب أن تطول قواعد تابعة للإيرانيين والميليشيات الموالية لهم العاملة داخل سورية. لكن ماتيس، والأرجح معه أيضاً دانفورد، يعتقدان أن تصعيد الأمر لمواجهة مسلحة ضد الإيرانيين يُعرّض حياة الجنود الأميركيين في العراق للخطر، وقد يجبر أميركا إما على تعزيز قواتها في العراق وإما سحبهم، علماً أن الخيارين مرفوضان سياسياً في واشنطن.
ويتصدّر الصقور ممن يدعون لشن ضربة قاسية ضد قوات الأسد، تؤدي أيضاً لإظهار الروس والايرانيين في موقع ضعف عسكري، مستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر، والحالي جون بولتون الذي تسلم منصبه الاثنين الماضي. ويُرجّح البعض أن التباين في المواقف بين ماكماستر وماتيس، وكلاهما من جنرالات الجيش، هو الذي ساهم في الإطاحة بالأول وخروجه من الإدارة.
وبشأن مواجهة محتملة مع القوات الروسية في سورية، قالت المصادر الأميركية إنه على الرغم من تصريحاتها الاستعراضية، لا دور لروسيا في عملية القرار الأميركي. 
وأوضحت أنه، منذ الحرب الباردة، بين أميركا وروسيا نظام عسكري متعارف عليه يقضي بعدم تعرض أي منهما لقوات الآخر في أي منطقة من العالم خارج أراضيهما. كما يقضي أيضاً بأن يقوم أحدهما بإبلاغ الآخر نيته القيام بعمل عسكري حتى يتسنى للآخر سحب قواته تفادياً لأي مواجهة مباشرة.
ولأن روسيا ترفض أحياناً الإعلان عن اشتراك قواتها في الأعمال القتالية في سورية، تمكنت القوات الأميركية من قتل عدد كبير منها أثناء هجوم قامت به مع قوات الأسد شرق الفرات، قبل أسابيع، على الرغم من أن القيادة الأميركية كانت حذرت روسيا من استمرار الهجوم تحت طائلة القضاء على المهاجمين، فيما نفت موسكو أي دور لها فيه، ما كلّفها مقتل أكثر من 200 مقاتل روسي.
المشاورات داخل الادارة الأميركية محتدمة، وما تزال إمكانية الضربة قائمة، خصوصاً مع حماسة فرنسا وبريطانيا لشنها. ويبدو أن إدارة ترامب تدرك أن تراجعها عن الضربة سيُعرّضها لانتقادات سياسية شبيهة بتلك التي طالت الرئيس السابق باراك أوباما إثر تراجعه عن خطوطه الحمراء، التي كان رسمها ضد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية في صيف 2013.
ولحفظ ماء الوجه، تراجع الرئيس الأميركي، أمس، عن التغريدة التي وعد روسيا فيها بصواريخ على سورية «جميلة وذكية»، وقال انه لم يحدد موعد الضربة. 
وحاول الفريق الرئاسي تعليل تراجع ترامب بالقول إنه لطالما طالب الرئيس بعدم إعلان مواعيد ما تنوي القوات الأميركية فعله للحفاظ على عنصر المفاجأة، إلا أن تغريدة التراجع كانت تشي بأن الأمر يتعلق بانقسام داخل الإدارة، وأن ترامب يحاول كسب المزيد من الوقت حتى يتم التوصل الى إجماع حول الموضوع.

الأربعاء، 11 أبريل 2018

آن أوان طي صفحة الأسد

بقلم حسين عبد الحسين

للمرة الثالثة في خمس سنوات، وللمرة الثانية منذ انضمام الحكومة السورية إلى "منظمة حظر أسلحة الدمار الشامل" وإعلان دمشق تسليم مخزونها من هذه الأسلحة، قصفت قوات الرئيس السوري بشار الأسد المدنيين الساكنين في مناطق معارضيه بأسلحة كيماوية محظورة دوليا، ما يستوجب عقابا دوليا له على شكل ضربة عسكرية لقواته.

على أن الأمر يتعدى الأسد وسورية.

من يعرف تاريخ النظام العالمي، في مرحلته الأولى الفاشلة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم بعد إعادة تأهليه بصورة أفضل مع نهاية الحرب العالمية الثانية، يدرك أن العالم يغرق في صراع بين نموذجي حكم: الديموقراطية والديكتاتورية.

لا رفاه ولا استقرار في أي بقعة من العالم من دون تقويض كل الطغاة

ديموقراطيو العالم بنوا نظاما عالميا يشبه دولهم، يقوم على احترام حقوق الإنسان، والشفافية، واختيار الشعوب حكوماتها. الديكتاتوريات، بدورها، تسعى إلى تعميم نظام عالمي يشبهها أيضا: ظاهره ديموقراطي وحضاري، وباطنه بربري وهمجي ودموي، يحكم فيه الأقوياء الضعفاء ويسلبونهم قوتهم.

الحربان الكونيتان علمتا العالم الديموقراطي عددا من الدروس، أولها أن لا تسويات مع الطغاة، وأن الطغاة يسعون في كل لحظة لامتحان النظام الدولي، وامتحان صبر الديموقراطيات ونيتها حماية هذا النظام.

اقرأ للكاتب أيضا: من أحرق الشرق الأوسط؟

مثلا، احتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجزاء من جورجيا، وعندما تساهل العالم معه، احتل شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ثم راح يتدخل في انتخابات الدول المجاورة له، وتمويل حملات تهدف إلى إثارة القلاقل في الديموقراطيات الغربية وتقليص ثقة المواطنين في انتخاباتهم وأنظمتهم.

وبين اجتياحه لجيرانه، ومحاولاته تقويض الديموقراطيات، اغتال بوتين معارضيه المقيمين في أوروبا باستخدامه مواد محظورة دوليا، مثل البولونيوم وغاز الأعصاب، وعطل أي عقاب دولي ممكن لقصف الأسد السوريين بالغازات السامة.

ومثل بوتين، يمتحن "مرشد الثورة" الإيراني علي خامنئي صبر العالم يوميا. يبني منشأة نووية سرية محصنة في فوردو، ثم يقمع المتظاهرين الإيرانيين المطالبين بالحرية بالرصاص الحي، ويغتال معارضيه في عواصم العالم، حتى الديموقراطية منها، ويعلن نية بلاده القضاء على دولة عضو في الأمم المتحدة.

امتحان صبر العالم يمارسه الطغاة حتى في الدول التي تنعدم أهميتها الاستراتيجية، مثل الأسد، الذي يمتحن صبر العالم عند كل منعطف: يضرب شعبه بأسلحة كيماوية على نطاق محدود، وينتظر ردود الفعل الدولية ليكرر فعلته. وفي كل مرة يشعر فيها أن العالم لا يراقبه، يكرر هجماته.

بوتين وخامنئي لا يدعمان الأسد لأهمية سورية، بل لاعتقادهما أن في مصلحة كل منهما انتشار حكومات الطغيان على حساب الديموقراطيات. الديموقراطيات تفسد المحكومين، وتفتح عيونهم وعقولهم حول حقوقهم. لذا، تقفل روسيا وإيران والصين وباقي دول الاستبداد شبكات الانترنت، وتراقب مواطنيها، وتحصي عليهم أنفاسهم. التفكير ممنوع في روسيا وسورية وإيران والصين وأمثالها، فمن نتائج التفكير مطالبة الناس بحقوقهم وحرياتهم. ومن نتائج التفكير أيضا، اقتصادات مزدهرة مبنية على المبادرات الفردية والابتكارات.

آن الأوان لطي صفحة الأسد، وتقليص إمكانياته حتى يكفي السوريين والعالم شره

على أنه بسبب تجدد حكامها وحكومتها، يحدث أن تنسى الديموقراطيات ـ وخصوصا الولايات المتحدة ـ الدروس التي تعلمتها من الحربين الكونيتين، ومنها أن أنصاف الحلول لا تنفع مع الطغاة، وأن احتواء الطغيان أمر شبه مستحيل، وأن الطاغية الوحيد الممكن التعايش معه هو الطاغية المحاصر الضعيف، على شاكلة روسيا السوفياتية، وعراق صدام حسين، وكوريا الشمالية. هؤلاء طغاة كفوا العالم شرهم، لا لصحوة ضمائرهم، بل لعجزهم عن ممارسة أي نفوذ خارج حدود مملكتهم القاحلة المظلمة.

اقرأ للكاتب أيضا: فرصة أم لعنة؟

ضرب الأسد عسكريا لا يتعلق بالشأن السوري، ولا بشخص "سيادة الرئيس" الأسد، بل هو تأكيد التزام الديموقراطيات بحماية النظام العالمي من همجية الطغاة، داخل سورية وخارجها.

وضرب الأسد لن يكون مجحفا بحقه، فهو سليل عائلة أقامت حكمها على زعزعة الأمن والاستقرار لابتزاز العالم، فقتلت مسيحيي لبنان باسم العروبة والإسلام، ثم قتلت مسلمي سورية باسم المسيحيين والأقليات. وقتل آل الأسد الفلسطينيين بذريعة تحرير فلسطين، فيما حمى آل الأسد الإسرائيليين في الجولان بقتالهم في جنوب لبنان، وانضم الأسد للحرب على الإرهاب باستضافة وإرسال الإرهابيين من أصقاع العالم لقتل الأميركيين والعراقيين في العراق. لم يلتزم آل الأسد قانونا دوليا واحدا، بل اخترقوا القوانين، ثم ابتزوا ديموقراطيات العالم بحجة المعاونة في حماية هذه القوانين وحماية النظام العالمي.

لقد آن الأوان لطي صفحة الأسد، وتقليص إمكانياته حتى يكفي السوريين والعالم شره بانشغاله عنهم بضعفه وعجزه. تدمير الأسد وتحويله إلى شخصية أكثر هامشية يمكنه أن يتحول إلى عبرة لباقي طغاة العالم، خصوصا في موسكو وطهران، مفادها أن الديموقراطيات جدية في الدفاع عن النظام العالمي القائم.

على أن رسالة الديموقراطيات قد لا تكفي لثني الطغاة عن مواصلة سعيهم لتقويض النظام العالمي، وهو ما يتطلب مواجهة عالمية شاملة ضد الديكتاتوريات، على غرار مواجهة النازية في الحرب العالمية الثانية، والشيوعية في الحرب الباردة، والإرهاب في الحرب الأممية ضده.

كلها منظومات هددت العالم بالأمس، وبعضها ما يزال يهدده اليوم، والدرس منها واحد، أن لا رفاه ولا استقرار في أي بقعة من العالم من دون تقويض كل الطغاة، وكف أيديهم عن شعوبهم وعن شعوب المعمورة.

اساطير حزب الله في روايته تاريخه

حسين عبدالحسين
سينديكايشن بيرو

قلة هم الكتاب الذين يمكنهم ازعاج ”حزب الله“، التنظيم الشيعي الذي يصف نفسه على انه ”مقاومة“ في لبنان. على ان الامر لا ينطبق على مهند الحاج علي، وهو شيعي المولد من جنوب لبنان. في كتابه ”القومية، والقومية العابرة، والاسلام السياسي“، يذهب الحاج علي بعيدا في تفكيك الزخرفة والاساطير التي يستند اليها الحزب لتبرير وجوده.

الحاج علي يتمتع بحرية غير مسبوقة في الوصول الى الأدب المحلي، والاساطير المروية، والسكان المحليين، وهو ما سمح له بتفكيك بيان ”حزب الله“، واستخراج العناصر المؤلفة له — التي منها ما هو مستعار من الاساطير الشيعية المحلية، ومنها ما هو مستعار من المرويات الايرانية — وتقديمها في كتابه، المنبثق عن اطروحته في ”جامعة لندن للاقتصاد“، الذي يتعامل فيه مع اسئلة الهوية الجماعية وكيفية بنائها.

كباحث في العلوم السياسية، يحلل الحاج علي صعود ”حزب الله“ من منظور الهوية، وهو خيار جيد، يقدم فيه ببراعة رواية ”حزب الله“ للتاريخ، وهي رواية تعجّ بالاخطاء الى حد يجعلها دعاية من النوع السيء. على ان الحاج علي لا يقوم بتصحيح هذه الرواية، ربما لان مجهود من هذا النوع كان يمكن ان يحول كتابه الى نقاش مضني حول عقيدة الحزب، وهو ما يعني ان الرد على مزاعم الحزب حول تاريخه يمكنها ان تشكل اساسا لنسخة موسعة من الكتاب مستقبلا.

لكن قبل ان نستعرض كتاب الحاج علي، لا بد من تقديم حادثة قد تكون الافضل في شرح كيفية مزج ”حزب الله“بين القضايا المحلية والاقليمية بما يخدم مصلحته.

في غضون ١٠ اسابيع بعد اعلان ”حزب الله“ انتصاره ”الالهي“ على اسرائيل، في منتصف آب (اغسطس) ٢٠٠٦، قام الحزب بارسال مناصريه لاحتلال وسط بيروت ومحاصرة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة. وعلى الرغم ان الحزب كان وصف انجازه على انه ”اكبر انتصار على اميركا وحلفائها منذ نهاية الحرب الباردة“. لم يحتفل ”حزب الله“ بـ ”انجازه الدولي“، بل انهمك بالسجالات اللبنانية الداخلية. على ان تحريض الحزب الشيعي ضد رئيس الحكومة السني لم يكن بالصدفة، بل كان مجهودا محسوبا لتشتيت الغضب الشيعي، بعيدا عن الدمار الذي عانى منه الشيعة على ايدي اسرائيل. اي انه في اللحظة التي طفح فيها كيل الشيعة من مغامرات ”حزب الله“ الاقليمية، نجح الحزب في اعادة توجيه غضبهم عبر اعادة احياء العداوات القديمة بين الشيعة والسنة داخل لبنان وشيطنة السنيورة. ذاك المجهود قدّم بوضوح كيف يمكن للحزب مزاوجة جدول اعماله الاقليمي، مع سياسة لبنان الداخلية، بهدف تحقيق مصالحه.

الاثنين، 9 أبريل 2018

الضربة الأميركية - الأوروبية الوشيكة في سورية ... أكبر من «الشعيرات» وأصغر من إسقاط النظام

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بسبب مصادفة الهجوم الكيماوي على دوما، في غوطة دمشق الشرقية، مع عطلة نهاية الأسبوع، تأخّرت الولايات المتحدة في الانخراط بالنقاش حول الضربة العسكرية المحتملة ضد النظام السوري وإمكانيات الردود عليها، لكن الموضوع طغى على «الدورة الاعلامية» الأميركية، منذ صباح أمس، قبل ساعات من انعقاد مجلس الأمن القومي الأميركي برئاسة مستشاره، المعيّن حديثاً، العقائدي المثير للجدل جون بولتون.
ولليوم الثاني على التوالي، ندّد ترامب بـ«الهجوم المشين على مدنيين أبرياء في سورية»، مشيراً إلى أنه «سيتم اتخاذ قرارات مهمة» بشأن سورية «خلال 24 الى 48 ساعة»، بعد دراسة الوضع والحديث مع القادة العسكريين.
وأضاف في سلسلة تغريدات على «تويتر»، مساء أمس، «سنعرف إن كانت المسؤولية تقع على عاتق روسيا أو سورية أو إيران أو جميعها»، في الهجوم الكيماوي على دوما. ليضيف «سنتخذ قرارا بشأن سوريا بشكل سريع وعلى الأغلب مع نهاية اليوم (أمس)».
وأشارت التقارير المتواترة من أروقة القرار الأميركي إلى أن البحث يدور حول محورين: الأول هو حجم الضربة والخيارات المتاحة أمام أميركا وفرنسا وبريطانيا، والثاني هو «ما بعد الضربة»، ويتضمن - من وجهة نظر واشنطن وحلفائها الشرق أوسطيين وحدهم من دون الأوروبيين - صياغة سياسة مواجهة على المدى المتوسط لـ«تقليص النفوذ الإيراني في سورية».
في سياق الخيارات المتاحة، سمعت واشنطن من حليفتيها باريس ولندن، استعداد العاصمتين الاوروبيتين للمشاركة في ضربة عسكرية ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد، من خارج مجلس الأمن، الذي تعطّله روسيا من خلال حقها في استخدام النقض (الفيتو). 
ووفقاً لمصادر أميركية مطلعة، فإن حجم وشكل الضربة العسكرية الغربية الذي يجري البحث لتحديد تفاصيلها، يترواح بين رغبة في جعلها أكبر من «ردة فعل»، على غرار الضربة الصاروخية التي وجهتها أميركا لقاعدة الشعيرات، العام الماضي إثر هجوم خان شيخون الكيماوي، وأصغر من إسقاط نظام الأسد برمته، خوفاً من انعدام البديل، الذي تعتقد العواصم الغربية أنه يتراوح بين المجموعات الاسلامية بشقيها: الشيعي الايراني والسني التابع لجماعة «الإخوان المسلمين». 
هكذا، تقدّم إلى الواجهة خيار «تدمير القوة الجوية للأسد بالكامل»، بما في ذلك تدمير مقاتلاته ومروحياته كلها، والقضاء على البنية التحتية لمنظومة الدفاع الجوي الروسية «سام 200» الموجودة بحوزته. ويعتقد الأميركيون والأوروبيون أن تعطيل قدرات الأسد الجوية من شأنه تقليص عدد الضحايا المدنيين، والحد من قدرة النظام مستقبلاً على توجيه ضربات بالأسلحة الكيماوية. 
وأول من أمس، أيّد عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، في طليعتهم السيناتور الجمهوري المخضرم ليندسي غراهام، وهو طيار حربي متقاعد، خيار قضاء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على القوة الجوية للأسد، عن بكرة أبيها، كعقاب قاس تأمل العواصم الغربية أن يُثني الأسد، نهائياً، عن استخدام أي من الأسلحة المحظورة دولياً، مستقبلاً.
على أن عدداً من السيناريوهات الأميركية أضاف إلى خيار القضاء على القوة الجوية للأسد، ضرورة إقامة مناطق آمنة ومناطق حظر جوي، يمكن أن يتم تسليم إدارتها للمعارضين السوريين حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية. 
وبسبب سيطرة تركيا على الشمال السوري، وسيطرة الولايات المتحدة على الشرق، ينحصر خيار إقامة مناطق آمنة في الجنوب، حيث تسيطر فصائل معارضة وحيث يستعد الأسد لاستعادة السيطرة، حسبما بدا من إرساله تعزيزات عسكرية إليها، بما في ذلك دخول المنطقة المنزوعة السلاح بين الأراضي السورية والجولان السوري الذي تحتله إسرائيل.
وعلى غير عادته، ربما بسبب تسلمه منصب مسؤول، التزم بولتون الصمت، وأوصى بالحد من التسريبات إلى الاعلاميين، فأضاف بذلك الى الغموض الذي يكتنف الموقف الأميركي تجاه الخطوة العقابية المقبلة ضد الأسد. 
وما يعزز الغموض الأميركي التقلب المتواصل في مواقف الرئيس دونالد ترامب، فهو طلب سحب القوات الأميركية، البالغ عددها ألفي جندي، من الشرق السوري، في تصريح يعتقد بعض الأميركيين أنه شجّع الأسد على القيام بشن هجومه الكيماوي. 
لكن حتى قبل أن تلتئم الوكالات الحكومية الأميركية المعنية لتدارس كيفية الرد على هجوم دوما الكيماوي، كان ترامب قد نشر عدداً من التغريدات التي وصف فيها الرئيس السوري بـ «الحيوان»، وحمّل فيها طهران وموسكو مسؤولية دعمه، وأعلن أن الأسد وداعميه سيدفعون «ثمناً باهظاً».
هكذا، تداعى العاملون في فريق ترامب لتحديد الخيارات التي يمكن أن تشكّل «ثمناً باهظاً» يدفعه الأسد، تماشياً مع تغريدة ترامب، لكن المسؤولين أنفسهم يخشون من أن ينقلب ترامب على نفسه، كعادته، إذ ذاك عمدوا إلى تدبير خيارات أخرى تحسباً لمزاج الرئيس وما قد يصدر عنه.

الأحد، 8 أبريل 2018

الجمهوريون يعوّلون على أموال الكويت للحفاظ على الغالبية في الكونغرس الأميركي!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يحاول الرئيس دونالد ترامب وحزبه الجمهوري الإفادة من الأموال الناجمة عن صفقة بيع 40 مقاتلة أميركية إلى الكويت، للحفاظ على تأييدهم الشعبي في دوائر انتخابية وولايات فازوا فيها بشق الأنفس في انتخابات العام 2016.
وفور إعلان واشنطن مباشرة العمل على إنتاج المقاتلات المقرر تسليمها للكويت، أعلنت شركة «بوينغ» العملاقة للطيران أن مصنعها في مقاطعة ماريكوبا، في ولاية أريزونا الجنوبية، سيساهم في عملية الانتاج، مقابل مليار و160 مليون دولار، من إجمالي قيمة الصفقة البالغة 10 مليارات دولار.
وكان ترامب تغلّب على منافسته الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بفارق 4.2 في المئة من إجمالي الاصوات في ولاية أريزونا، التي اقترع فيها نحو مليوني أميركي، فحصد الولاية بفارق 84 ألفاً و904 أصوات فقط.
ومن بين هذه الاصوات، ساهمت مقاطعة ماريكوبا، ذات أعلى كثافة سكانية في الولاية، في منح ترامب 41 ألفاً و425 صوتاً، أي ما يقارب نصف الأصوات التي منحته الانتصار على كلينتون في أريزونا.
على أن نتائج الانتخابات الفرعية التي جرت حتى الآن في الولايات الأخرى، شهدت انقلاب تفوق ترامب في مقاطعات فاز فيها بنسبة 20 في المئة من الأصوات الى تراجع بمعدل 3 في المئة، وهو ما أدى إلى تقلص الغالبية الجمهورية في الكونغرس بغرفتيه (مجلسا النواب والشيوخ)، كان أشهرها انتصار الديموقراطيين في ولاية آلاباما، وانتزاعهم مقعداً في مجلس الشيوخ من الجمهوريين فيها.
أريزونا، المنقسمة بشكل يكاد يقارب المناصفة بين الحزبين الجمهوري الحاكم والديموقراطي المعارض، ليست مثل آلاباما ذات الغالبية الشعبية الجمهورية المؤكدة، فإذا كان ترامب وحزبه يعانون من ولايات كان يفترض أنها مضمونة في جيبهم، فلا شك أن وضعهم في الولايات التي ينقسم فيها التأييد الشعبي مناصفة أسوأ بكثير.
تدهور وضع الجمهوريين هذا، ومحاولتهم وقف الانهيار والحفاظ على الغالبية التي يسيطرون عليها في غرفتي الكونغرس، يدفعهم لاستخدام كل الوسائل لتحسين وضعهم الانتخابي. 
في هذا السياق، يأتي دور الأموال الكويتية التي راح فريق ترامب وحزبه يشيرون للناخبين في الولاية أنها تدرّ عليهم بسبب قدرات ترامب على تسويق السلاح الأميركي حول العالم، وإقناع الدول الاجنبية بشرائه، بما يعود بالأرباح والوظائف على الأميركيين، ما يتطلب منهم تأييد رئيسهم وحزبه في الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، والرئاسية بعد عامين، للحفاظ على هذه الإنجازات الاقتصادية.
ومن نافل القول أن لا ترامب ولا حزبه يبلغون ناخبيهم في مقاطعة ماريكوبا، حيث يعمل 3700 موظف، أن الصفقة مع الكويت جاءت نتيجة سنوات من التفاوض بين البلدين، سبقت دخول ترامب البيت الابيض بسنوات. 
ويبني الجمهوريون حسابتهم الانتخابية في أريزونا على الشكل التالي: من بين 3700 من العاملين في معمل «بوينغ» في مقاطعة ماريكوبا، التي ينقسم فيها التأييد مناصفة بين الحزبين، لا بد أن ألفين منهم من الجمهوريين، وان هؤلاء يمكنهم مضاعفة تأثيرهم الانتخابي بدفعهم أفراد عائلتهم وأقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم للاقتراع لصالح ترامب والجمهوريين، ما يعني أن عددهم في صناديق الاقتراع سيتضاعف ليصل إلى نحو 10 آلاف صوت. 
على أن هذه الأصوات قد لا تكفي للتعويض عن الخسارات الكبيرة المتوقعة لترامب والجمهوريين في أريزونا وغيرها، في وقت يرجح الخبراء الانتخابيون أن ينتزع الديموقراطيون مقعداً من اثنين في مجلس الشيوخ من الجمهوريين في الولاية الجنوبية، ومقعداً من تسعة في مجلس النواب، ليصبح للديموقراطيين خمسة من أريزونا في «النواب» مقابل أربعة للجمهوريين، وهو انتزاع إنْ تكرّر في الولايات الأخرى، فهو ينبئ بموجة ديموقراطية عارمة تطيح بالغالبية الجمهورية في الكونغرس، على طريق إمكانية اخراج ترامب من البيت الابيض في انتخابات العام 2020.

الخميس، 5 أبريل 2018

دروس ضاعت من حرب العراق

حسين عبدالحسين

خمسة عشر عاما مرت على اسقاط القوات الاميركية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد، على وقع هتافات عراقيين مبتهجين، أملوا ان تشكّل نهاية الطغيان بداية الديموقراطية. لكن الديموقراطية لم تُقلِع.

لم يُكتَب تاريخ حرب العراق بعد. ما تم تداوله حتى الآن روايات ذات دوافع سياسية، اما ممن عارضوا الحرب منذ اندلاعها، او ممن دعموها في البدء، ثم انقلبوا عليها معللين موقفهم بالقول انه ”لو كنا نعرف حينذاك ما نعرفه الآن، لما كنا دعمنا الحرب“. على انه على رغم الفارق، يبدو ان المجموعتين تتفقان على ما تعتقدانه ”الخطأ الذي حصل“.

”كانت الحرب مبنية على كذبة“ هي العبارة التي تتصدر نقاط كلام معارضي الحرب. على الرغم من صحتها، لم تؤثر هذه الكذبة في مجريات الاحداث، فهي لطّخت صورة ادارة بوش، لكنها لم تكن سبب الدمار، اذ حتى لو عثر الاميركيون على اسلحة دمار شامل، او حتى لو نجحوا في اعتقال عملاء الاستخبارات العراقيين المتخيلين ممن يفترض انهم ساهموا في تسهيل هجمات ١١ سبتمبر (ايلول)، لكانوا وجدوا انفسهم مجبرين على ادارة عراق ما بعد الحرب.

ثم يوجه معارضو الحرب اصابع اللوم الى حاكم العراق الاميركي بول بريمر لقيامه بحلّ الجيش، ويقولون ان خطوته جعلت البلاد بلا دفاعات امام العصابات، وفي وقت لاحق المجموعات الارهابية. لكنها تهمة باطلة.
 

الأربعاء، 4 أبريل 2018

واشنطن تنوي الطلب من دول «مجلس التعاون» قطع علاقاتها مع إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قررت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، تأجيل موعد القمة السنوية الأميركية - الخليجية التي كانت مقررة في مايو إلى شهر سبتمبر المقبل، وسط مؤشرات على نية واشنطن الطلب من دول المجلس قطع علاقاتها مع إيران.
وبعد استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضي، وإثر مكالمتين هاتفيتين أجراهما يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي يتوقع أن يلتقي ترامب في البيت الأبيض الأسبوع المقبل، أبلغت مصادر الإدارة الأميركية الصحافيين أنه تقرر تأجيل القمة إلى سبتمبر المقبل.
وعلى الرغم من إصرار المسؤولين الأميركيين على أن التأجيل لا يرتبط بالخلافات الخليجية بقدر ما يرتبط بالانشغالات الأميركية (تعيين وزير جديد للخارجية والقمة المرتقبة بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في مايو المقبل)، إلا أن المتابعين أجمعوا على أن سبب التأجيل هو استمرار الخلافات بين الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وبين قطر.
وكما أوردت «الراي» سابقاً، كرر مسؤولو البيت الأبيض أن ترامب «سينجح بالتوصل إلى تسوية بين الافرقاء الخليجيين قبل موعد إعلان انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران»، بحلول منتصف الشهر المقبل.
ولفتت مصادر الإدارة إلى أن الرئيس سيسعى إلى «رأب الصدع الخليجي عن طريق بناء إجماع حول ضرورة بناء جبهة موحدة لمواجهة ايران». 
وأضافت المصادر ان ترامب، الذي يتوقع أن يلتقي ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في موعد لم يحدد بعد من الشهر المقبل، سيطلب إلى دول مجلس التعاون قطع علاقاتها بالكامل مع إيران.
وباستثناء السعودية والبحرين، لكل من دول مجلس التعاون الخليجي الأربعة المتبقية تمثيل ديبلوماسي متبادل مع طهران، ومن يعرف شؤون المنطقة يدرك أن طلباً أميركياً لقطيعة كاملة بين هذه الدول وإيران قد يكون أمراً متعذراً في السياق الحالي، وفقاً لمراقبين.
على أن المصادر الأميركية تصرّ على أن بناء جبهة أميركية - خليجية موحدة ومتماسكة ضد إيران أمر ممكن، وأن واشنطن في حال انسحبت من الاتفاقية النووية، فستعوّل على حلفائها الخليجيين في إعادة فرض الحظر الاقتصادي على طهران.
لكن الهجمات الإعلامية المتبادلة بين السعودية والامارات والبحرين، من جهة، وقطر، من جهة ثانية، تشي بصعوبة توصل ترامب إلى تسوية بين هذه الدول مع حلول الموعد الذي حدده لنفسه. 
وكان ترامب يعوّل على إثارة ملف الأزمة الخليجية أثناء استقباله ولي العهد السعودي في البيت الأبيض، إلا أن اللقاءات بين الجانبين التي سبقت القمة أطاحت بند التوصل إلى تسوية خليجية من على جدول الأعمال، واكتفى الزعيمان بالحديث بشكل عام عن أهمية الوحدة الخليجية، خصوصاً في مواجهة إيران والارهاب.
ومساء أول من أمس، أفادت وكالة الأنباء القطرية أن الشيخ تميم تلقى اتصالاً هاتفياً من ترامب جرى خلاله استعراض العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها.
من جهته، ذكر البيت الأبيض، في بيان، أن ترامب ناقش مع أمير قطر العقبات التي تعوق استعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، وأكد ضرورة إنهاء الخلاف الخليجي، وشكر الشيخ تميم على التزامه باستعادة وحدة المجلس.
وأضاف البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي تحدث أيضاً مع أمير قطر عن سلوك إيران «الذي يزداد تهوراً» في المنطقة، «والخطر الذي تمثله على الاستقرار».

الثلاثاء، 3 أبريل 2018

فرصة أم لعنة؟

بقلم حسين عبد الحسين

اعتقلت السلطات المحلية في ولاية تكساس أبا وأما عراقيين بعد قيامهما بإجبار ابنتهما البالغة من العمر 16 عاما على الزواج من مسن، من خلال الإيحاء بخنقها، وتهديدها بصب الزيت الساخن عليها، وضربها. هربت الفتاة من منزل أهلها ولجأت إلى السلطات التي وضعتها تحت رعاية اجتماعية.

تقع الحادثة في صميم الانفصام الذي يعاني منه اللاجئون، خصوصا من العرب والمسلمين في الدول الديموقراطية. وفد اللاجئون إلى دول الشتات بحثا عن حياة أفضل، لكن المفارقة تكمن في أن عددا لا بأس به منهم يتمسك بنفس التقاليد البالية التي أفضت إلى انهيار مجتمعاتهم في دولهم الأم.

في الثقافة المنتشرة بين غالبية المهاجرين العرب والمسلمين أن عليهم التمسك بدينهم وتقاليدهم، لأن دول اللجوء ـ التي تكره الإسلام لغيرتها من عظمته ـ تسعى لتوطين اللاجئين لديها، لا بمنحهم جوازات سفر وفرص عمل، فحسب، بل بفرض تقاليدها السائدة وقوانينها المطبقة، وهو ما يستبدل تقاليد المهاجرين "فينسون دينهم".

إن الهجرة خيار بين دول وبين منظومات عيش، فمن يختار وصاية الحاكم على المحكوم والرجل على النساء، فالأجدى به البقاء في بلده الأم

في اعتقاد المهاجرين هذا ما هو صحيح، لكن الاستنتاج خاطئ. دول الاغتراب، خصوصا الديموقراطيات الغربية، تفرض قوانينها، الجزائية والاجتماعية، على الوافدين إليها، كما تفرضها على كل مواطنيها والمقيمين فيها، وهذا جيد. فمنع العنف المنزلي هو في صميم نزع ثقافة العنف السائدة في البلد الأم للاجئين، حيث يضرب الزعيم مساعديه، ويضرب مساعدوه مخبريهم، ويضرب المخبرون الناس، ويضرب الرجال من الناس نساءهم وأولادهم، ويضرب الأولاد بعضهم البعض. وحتى يسود الأمن الاجتماعي، على الحكومات أن توقف العنف في "الوحدة السياسية الأولى"، أي العائلة، وهو ما لا يروق لعدد من المهاجرين، الذين يعتبرونه تدخلا من الحكومة في شؤونهم الخاصة.


أما القول بأن الحكومات الغربية تعمل حتى "ينسى المسلمون دينهم" فهو محض افتراء. فالديموقراطيات الغربية معقل الحريات على أنواعها، الدينية والسياسية وغيرها. ما تفرضه هذه الحكومات على المهاجرين إليها هو تحديد أماكن ممارسة شعائرهم وعباداتهم، فلا يجوز أن يتعدى الدين على الحيز العام، ويجب أن يبقى في الأطر المرسومة له، أي في المعابد والبيوت.

ما يختلط على اللاجئين هو قيامهم بمزج تقاليدهم بمعتقداتهم، فالدين الإسلامي، مثلا، يحظر الإكراه في الزواج، ولا يتطرق إلى الختان.

على أنه في الإسلام وصاية للرجال على النساء، وهو أمر يتعارض مع الحريات الفردية في الديموقراطيات، وعلى اللاجئين الاختيار: إما البقاء في دول يمكن للرجال فيها ممارسة وصايتهم على نسائهم، أو الهجرة إلى دول يتساوى فيها الرجال مع نسائهم. أما أن يهاجر الرجل إلى دول المساواة، هربا من قهر الحكام، ثم يحتفظ لنفسه بطغيانه على نسائه، ففي الأمر انتقائية ونفاق.

إن الهجرة خيار بين دول وبين منظومات عيش، فمن يختار وصاية الحاكم على المحكوم والرجل على النساء، فالأجدى به البقاء في بلده الأم. أما من يبحث عن دول يتساوى في حقوقه فيها مع باقي المواطنين، بمن فيهم حكامه ونسائه، ويسعى لفرص حياتية مختلفة له ولعياله، فقد يكون المهجر الخيار الأنسب.

ما يختلط على اللاجئين هو قيامهم بمزج تقاليدهم بمعتقداتهم، فالدين الإسلامي، مثلا، يحظر الإكراه في الزواج، ولا يتطرق إلى الختان

في التراث العراقي أغنية شهيرة عن فتاة أراد أهلها تزويجها عنوة، فراحت إلى مأمور الزواج وهي تردد "انا المظيليمه (المظلومة) أنا… أنا المسيكينه (المسكينة) أنا… أنا اللي باعوني… بدينار باعوني… بالقوة زوجوني… وعليه غصبوني". وتتابع: "أروح للملا علي (مأمور الزواج)… وأقله يا ملا علي… شايب وأنا بنية… زوجوني فصلية.. حسباني ما ريده… أقع وأبوس إيده (للملا علي راجية أن لا يتمم الزيجة)".

بعد عقود كثيرة، ما زالت عراقيات كثيرات يعانين من مصيبة الزواج المبكر عنوة. الأبوان العراقيان في تكساس لم يحيدا عن هذا التقليد البالي، فبدلا من أن ينعما بالفرص التي تقدمها الولايات المتحدة لمواطنيها وللمهاجرين إليها، وبدلا من السعي لحياة أفضل لابنتهم، حاولا تكرار تجربتهما الحياتية البائسة مع ابنتهما.


طبعا نقول بائسة لأن عمر أم الفتاة يبلغ 33 عاما فقط، ما يعني أنها تزوجت وحملت في سن 16، وهو نفس العمر الذي تحاول فرضه لزواج ابنتها. لكن لحسن حظ الفتاة، فهي على عكس أمها التي نشأت في عراق القمع، تكبر الفتاة في أميركا الحرية، والفتاة أفادت من حريتها برفض التقليد العراقي البالي، وبتمسكها بالفرص المتاحة أمامها لإتمام تعليمها، والارتقاء في عملها، وبناء حياة أفضل من التي أتيحت لوالديها.

"لتكن لهم حياة ولتكن حياة أفضل"، قال المسيح حسب إنجيل يوحنا، وهو قول مرفوع على الباب الرئيسي لـ "الجامعة الأميركية في بيروت"، وهو قول يصلح ليكون شعارا للمهاجرين من دول الحرب والشقاء إلى دول تقدم حياة أفضل ومستقبلا أبهر، على الأقل لمن يعرف كيف يستفيد من هذه الفرص. أما من يرى في هذه الفرص مشكلة تهدد معتقداته، فالمعمورة واسعة، ويمكنه اختيار دول أخرى قد تناسب أكثر أسلوب الحياة الذي يسعى للعيش فيه، ولتنشئة أولاده وأولادهم.

مؤشرات على «تنسيق سري» بين فريقي ترامب وبوتين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تداعت بالكامل الرواية التي حاول كبار المسؤولين في البيت الابيض تقديمها للصحافيين حول انعطافة أميركية وسياسة خارجية جديدة ترمي الى إجبار موسكو على «تغيير تصرفاتها»، وبان جلياً أن التصريحات الأميركية كانت تحاول إخفاء سياسة محاباة تامة ينتهجها الرئيس دونالد ترامب تجاه نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
مطلع هذا الأسبوع استفاقت واشنطن على مفاجأة مفادها أنه اثناء المحادثة الهاتفية التي أجراها ترامب، في العشرين من مارس الماضي، وهنأ فيها بوتين على انتخابه رئيساً لولاية رابعة، قام الرئيس الأميركي بدعوة نظيره الروسي لزيارة البيت الابيض في موعد لم يتم تحديده بعد. أما أثقل ما في المفاجأة هو أن البيت الابيض لم يعلن عن الدعوة قط، بل ان الاميركيين اكتشفوها بمتابعتهم الاعلام الروسي، الذي أطلّ عبره كبار المسؤولين الروس ممن أشاروا الى الدعوة.
وجاءت مفاجأة دعوة ترامب بوتين لزيارة واشنطن بعد يومين من اكتشاف الصحافيين الأميركيين، وتالياً الرأي العالم، أنه على عكس بريطانيا وحلفائها الأوروبيين ممن طردوا ديبلوماسيين روسا على اثر الهجوم الكيماوي الذي تعرض له عميل مزدوج روسي سابق يقيم في بريطانيا، اقتصرت عملية الطرد الأميركية على «همروجة إعلامية»، إذ لم تترافق مع طلب وزارة الخارجية الأميركية من نظيرتها الروسية تخفيض التمثيل الروسي في الولايات المتحدة، فقط اكتفت أميركا بطرد الديبلوماسيين الروس الـ60، وهو ما يعني أنه يمكن لروسيا استبدالهم بـ60 ديبلوماسياً جدداً في أميركا، وهو ما يعني أيضاً انه يمكن لواشنطن إرسال 60 ديبلوماسياً أميركياً بدلاً ممن أبعدتهم موسكو رداً على الخطوة الاميركية.
دعوة بوتين الى البيت الابيض، وطرد ديبلوماسيين روس من أميركا من دون الطلب الى روسيا تخفيض تمثيلها، خطوتان أوحتا للمتابعين الأميركيين وكأن عملية الطرد الديبلوماسي المتبادلة بين واشنطن وموسكو «جاءت وسط تنسيق سري بين فريقي ترامب وبوتين»، وفقاً لمصادر أميركية مطلعة، على غرار التنسيق الذي أطاح بمايكل فلين مستشار الأمن القومي الأول لدى ترامب، وهو ما يعني أن لا سياسة أميركية جديدة تجاه روسيا، وان الولايات المتحدة لا تسعى إلى «تغيير تصرفات» الحكومة الروسية، كما سبق أن أعلن مسؤولو البيت الابيض.
ويسبق الحديث عن ارتهان ترامب لبوتين دخول مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون البيت الابيض، المقرر في التاسع من الجاري. وبولتون هو من أصحاب المواقف المتشددة، خصوصاً في السياسة الخارجية، ضد دول مثل روسيا وايران. لكن لبولتون أيضاً تاريخ من التعامل مع روسيا، مثل تسجيله رسالة مصورة يدعو فيها الروس وحكومتهم إلى تبني مبدأ السماح للمواطنين بحيازة أسلحة فردية على غرار الأميركيين. 
وردد بعض المتابعين ان بولتون ربما عمل صلة وصل في تأمين أموال روسية لدعم الحملات الانتخابية للجمهوريين عبر «الجمعية الوطنية للبنادق»، وهي اللوبي الأقوى في واشنطن على الاطلاق، والتي منعت حتى الآن أي محاولة لإقرار قوانين تضبط انتشار السلاح في عموم البلاد.
أما عن الخطوات الأخرى التي يخشى المتابعون أن يكون ترامب مرتهناً فيها لبوتين، فتشمل إعلان الرئيس الأميركي، الأسبوع الماضي، نيته سحب القوات الأميركية من شرق سورية وتسليمه هذا البلد «إلى لاعبين آخرين». لكن غالبية المتابعين تستبعد فرضية قيام ترامب بتطبيق هذه السياسة، إذ سبق له أن فوضها لوزارة الدفاع بالكامل، والأخيرة - كما بولتون - تتمسك بضرورة بقاء قوات أميركية شرق سورية، على الأقل لمجابهة التمدد الإيراني في المنطقة.

Since December 2008