السبت، 31 أغسطس 2019

«حزب الله» يسعى لردّ بلا حرب...

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل ايام من قيام «حزب الله» اللبناني بشن هجوم عسكري ضد اهداف اسرائيلية في مزارع شبعا المتنازع عليها، رداً على اغتيال جهاد عماد مغنية، بضربة جوية في الجولان السوري في يناير 2015، استلم وزير الخارجية الاميركي جون كيري «إيميلاً» من نظيره الايراني محمد جواد ظريف، قال فيه انه «في حال قام حزب الله بالرد» عبر الحدود اللبنانية الاسرائيلية، فان الحزب «ليس مهتما بالتصعيد تجاه حرب شاملة مع الاسرائيليين». 
فهمت ادارة الرئيس باراك أوباما، يومذاك، ان الإيرانيين كانوا يستخدمون قناة ظريف - كيري لايصال رسالة للاسرائيليين بان الحزب ينوي تنفيذ هجوماً محدوداً، وانه ليس راغباً في حرب. بعد ايام، سدد «حزب الله» ضربة بصاروخ مضاد للدروع ضد هدف اسرائيلي في مزارع شبعا، ما ادى الى مقتل جنديين اسرائيليين، وجندي اسباني من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل)، وجرح سبعة اسرائيليين. ولعلمها بنوايا الحزب، تفادت تل أبيب التصعيد باتجاه حرب شاملة.
هذه الايام، يجد «حزب الله» نفسه في موقف مشابه، انما في غياب قناة الاتصال الايرانية - الاميركية... يسعى لشن ضربة لحفظ ماء الوجه بعد قيام اسرائيل بهجوم أو اكثر، ربما أحدها بطائرات مسيّرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، والثاني ضد معسكر تابع لاحدى التنظيمات الفلسطينية المسلحة في لبنان. كانت الرسالة الاسرائيلية للبنان مفادها بان جمود الجبهة بين البلدين - لاسباب كثيرة تتصدرها فداحة أي حرب في حال اندلاعها - لا تعني انه يمكن تحوّل لبنان الى مقرّ عمليات لشن هجمات ضد الدولة العبرية، من الاراضي السورية او حتى العراقية.
ومنذ الهجوم الجوي فوق لبنان، الاسبوع الماضي، رصد الاسرائيليون والاميركيون عدداً من رسائل «حزب الله»، لكنها جاءت في معظمها عبر الاعلام، ربما بسبب غياب قنوات اتصال مثل قناة ظريف - كيري. هذه المرة، مثل قبل اربع سنوات، يسعى الحزب لشن هجوم محدود عبر الحدود، يؤدي الى مقتل اسرائيليين او ثلاثة، من دون ان يتسبب ذلك في حرب شاملة بين الطرفين. هذه المرة، عمد الحزب الى توجيه رسائله حول نيته شن عملية محدودة وتفادي الحرب الشاملة بشكل مفتوح، وعبر الاعلام. التقط الاسرائيليون والاميركيون الرسائل، ولكن اسرائيل ترفض كشف رد فعلها او تقديم ضمانات للحزب بانها لن تصعّد المواجهة نحو حرب شاملة.
ويعتقد المتابعون الاميركيون انه على الرغم التشابه في اوضاع الأزمتين في العام 2015 واليوم، الا ان المسؤولين الاسرائيليين يرفضون ذلك. وينقل اميركيون عن اسرائيليين انه في 2015، لم تكن تل أبيب تعلم ان مغنية كان في الهدف الذي اغارت عليها مقاتلاتها جنوب سورية، وانها وقتذاك تفهمت ان الحزب مضطر للرد من دون التصعيد نحو حرب.
لكن هذه المرة، ينقل الاميركيون عن اسرائيليين، ان الوضع مختلف، اذ ان اسرائيل لم تبادر الى شن هجمات ضد أي اهداف لبنانية، بل هي تعاني من تحويل «حزب الله» لبنان الى قاعدة تآمر وتخطيط ضد سلامتها وسلامة اراضيها، وهو ما يجبرها على «رد الفعل عبر القيام بابطال مفعول المخربين عند انطلاقهم من لبنان او مرورهم فيه».

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

سعي أميركي لتغيير مهمة «يونيفيل»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

خلال زيارته لواشنطن في أغسطس الجاري، عرض رئيس حكومة لبنان سعد الحريري ادخال تعديلات على نص قرار مجلس الأمن الرقم 1701، بما في ذلك تحويل عبارة «وقف الاعمال العدائية» بين الجانبين إلى عبارة اخرى تفيد اكثر معنى الهدنة بين البلدين.
الحريري يعلم ان لا فارق يذكر بين العبارتين، وان كلمة «هدنة» لا تعني بالضروة استقرارا اكبر او اقترابا من السلام بين البلدين. لكن العرض اللبناني للاميركيين كان يهدف لامتصاص نقمة تنتشر بين افراد ادارة الرئيس دونالد ترامب حول ما تراه تقاعس قوة حفظ السلام الدولية (يونيفيل) في القيام بأي دور يمكنه ان يساهم في تقليص او لجم نشاطات «حزب الله» في الجنوب اللبناني.
ومنذ تسلم ترامب الحكم مطلع العام 2017، دأب اصدقاء اسرائيل على المطالبة بوقف تمويل الولايات المتحدة لقوى حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بشكل كلي، على غرار توقف واشنطن عن المساهمة في تمويل صناديق دعم اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وعلّل المطالبون بوقف التمويل للقوات الاممية بالاشارة الى ما يعتبرونه فشلا تاما لـ«اليونيفيل» في القيام بأي دور من شأنه تعزيز السلام والاستقرار على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية. 
وتساهم الولايات المتحدة سنويا بمبلغ مليارين ومئة مليون دولار، وهو ما يشكل 28 في المئة من اجمالي موازنة قوات حفظ السلام الدولية. اما «يونيفيل»، فتبلغ تكاليفها 475 مليون دولار سنويا، وهو ما يعني ان المساهمة الاميركية للقوة الدولية في لبنان تبلغ اكثر من 130 مليون دولار.
وإلى تكاليف الاقامة التي تنفقها القوة الدولية في الجنوب اللبناني، وهو ما يساهم في انعاش اقتصاد السكان المحليين، انفقت الدول المشاركة في «يونيفيل» ما يقارب 46 مليون دولار، على شكل مشاريع انمائية لدعم المناطق التي ينتشر فيها افرادها. وتعتقد ادارة ترامب ان هذه الاموال تذهب الى مناصرين لـ«حزب الله»، الذي تصنفه واشنطن ارهابيا، وان لا سبب للولايات المتحدة لمكافأة الحزب او قاعدته الشعبية.
لكن نقاشا حادا يندلع داخل الادارة الاميركية، وبين الادارة، من ناحية، والكونغرس، من ناحية ثانية، حول جدوى استمرار المساعدات الدولية، على انواعها، وضرورة وقفها. ويعتبر البعض في الادارة ان هذه الاموال «لا تشتري اصدقاء لاميركا»، وان لا جدوى من استمرارها. اما الكونغرس، بغالبية اعضائه من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ومعه موظفو وزارة الخارجية من الديبلوماسيين الاميركيين، فيؤمنون بضرورة استمرار المساعدات، التي تساهم في تخفيف الصراعات، وتؤدي الى توسيع النفوذ الاميركي حول العالم، خصوصا داخل الامم المتحدة. 
ويبدو ان النقاش داخل واشنطن حسم لمصلحة مؤيدي استمرار المساعدات الاميركية والمساهمات في المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وقواتها لحفظ السلام. اول مؤشرات فوز مؤيدي المساعدات والمساهمات تمثل في تراجع ادارة ترامب، الاسبوع الماضي، عن تجميدها موازنة المساعدات الاميركية الدولية برمتها. وجاء التراجع الحكومي تحت ضغط الكونغرس، بغالبية حزبيه. 
ومع تراجع المطالبين بوقف المساعدات والمساهمات الاميركية، تحول عدد منهم الى المطالبة بتحسين شروط عمل المنظمات الدولية... وفي سياق قوة «يونيفيل»، تعمل واشنطن حاليا على تعديل «مهمتها» والسماح لها بتحري اي مناطق او مواقع ترغب في الكشف عليها فجأة.
وتنص السياسات الحالية على انه لا يمكن لـ«يونيفيل» مداهمة اي مواقع في لبنان من دون التنسيق مسبقا مع الجيش اللبناني، الذي تعتقده واشنطن وتل ابيب انه - في غالبه - «في جيب حزب الله». وترغب ادارة ترامب في منح القوات الدولية القدرة على مداهمة اماكن يشتبه في أن «حزب الله» يخزن اسلحته فيها، في وقت يحظر القرار 1701 انتشار مقاتلي الحزب جنوب نهر الليطاني. 
في اضعف الحالات، ان منع اللبنانيون «يونيفيل» من مداهمة موقع ما في الجنوب، فستطلب واشنطن ان تُورد القوة، تعذر كشفها على الموقع المذكور في تقاريرها الدورية، وتقديم الاسباب لتعذرها، وموقف حكومة لبنان وجيشها من الأمر.
وكانت «يونيفيل» تعرضت لمواجهة مع مجموعة من مدنيي الجنوب في الاسابيع الاولى التي تلت توسيع القوة ومهامها، على اثر حرب 2006، وهي مواجهة ساهمت في رسم «قواعد الانخراط» بين القوة والسكان منذ ذلك التاريخ، وهو ما تسعى الادارة الاميركية الحالية، لتغييره.

إيران وجها لوجه مع إسرائيل

حسين عبدالحسين

في خضم الحرب الإيرانية ـ العراقية في الثمانينيات، لم يعلن "مرشد الجمهورية الإسلامية" الراحل روح الله الخميني "يوم النجف"، لتحرير مدينة مرقد إمام الشيعة الأول ـ علي بن أبي طالب ـ من سيطرة رئيس العراق الراحل صدام حسين. ولم يعلن الخميني "يوم كربلاء"، المدينة العراقية التي تأوي مرقد إمام الشيعة الثالث الحسين بن علي. لم يعلن الخميني نيته "تحرير" أقدس المدن لدى المسلمين الشيعة، بل هو أعلن "يوم القدس"، حيث "مسجد عمر"، الخليفة الثاني.

يصعب تفسير نوايا الخميني في تقديمه "تحرير مدينة القدس"، ذات الغالبية السنية، على "تحرير" مدن شيعية. بعض الخبراء اعتبروا أن الخميني رأى في استغلال موضوع فلسطين والقدس فرصة لتوسيع زعامة إيران خارج إطارها الشيعي، ولاستقطاب مسلمين سنة، داخل إيران وخارجها، وهو استغلال سبقه إليه كثيرون، منهم رئيس مصر الراحل السني جمال عبدالناصر، وخصم الخميني صدام حسين، الديكتاتور الدموي و"أسد السنة" لدى بعض العرب اليوم.

ومن كتبوا عن الخميني، من أمثال الأكاديمي الإيراني الأميركي فالي نصر، أشاروا إلى أن مؤسس "الجمهورية الإسلامية" في إيران لم يكترث غالبا للتفاصيل، وأنه يوم حضر نفر من مستشاري الخميني لمشاورته في شؤون الاقتصاد، أجابهم أن "الثورة لم تأت لتخفيض سعر البطيخ". وكما في الاقتصاد، كذلك في شؤون الحرب والسياسة الخارجية، أصرّ الخميني على مواصلة الحرب ضد العراق على الرغم من التكلفة المرتفعة، وهو كان يردد أن "تحرير البصرة والنجف وكربلاء" ما هي إلا الخطوة الاولى على طريق "تحرير القدس". لكن التكلفة ارتفعت إلى حدود حرّمت على إيران الاستمرار بالحرب، فخرج الخميني على الإيرانيين بخطابه عن تجرعه السم ووقفه الحرب.

منذ رحيل الخميني، تغيرت الدنيا، وشاءت الظروف ـ بسبب حرب أميركا في العراق والثورتين اللبنانية في 2005 والسورية في 2011 ضد الأسد ـ أن وجدت إيران نفسها تمسك بسيادة لبنان، وجنوب سوريا، وغرب العراق، عن طريق ميليشيات تابعة لها. هكذا، كان لإيران ما تمنت، فهذه المرة، لم يعد صدام عائقا بينها وبين "تحرير القدس"، بل صارت إيران وميليشياتها في مواجهة إسرائيل، وجها لوجه. مع هذا، لم تنهمر الصواريخ الإيرانية على الدولة العبرية.

ربما تعلّمت إيران ما تعلّمه العرب قبلها بعقود: أن للشعبوية حدود، وأن تهديد إسرائيل ووعيدها في خطابات "يوم القدس" مجاني، فيما تكلفة الحرب الحقيقية ضد إسرائيل بفلوس، الكثير الكثير منها.

أول من تعلّم الدروس من تكلفة الحرب مع إسرائيل كان أقوى تنظيمات إيران عسكريا، أي "حزب الله" اللبناني، الذي خاض حربا شرسة في العام 2006 أظهر فيها قدرات قتالية أعلى من المعتاد، بالمقاييس العربية. لكن على الرغم من قدرته في إيقاع خسائر بشرية ومادية في صفوف الإسرائيليين، لم ينجح الحزب الموالي لإيران في منع إسرائيل من إلحاق دمار شبه شامل بمناطق مؤيديه، المناطق التي تأوي ما يسميه "حزب الله" بيئته الحاضنة. هكذا، تراوحت ردود فعل الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله على الحرب بين إعلان "نصر إلهي"، والتعبير عن ندمه للدمار الواسع الذي لحق بمناصريه وعيالهم وأملاكهم.

حاول نصرالله امتصاص غضب مناصريه بتوجيهه ضد خصوم الداخل، لكن للسياسة اللبنانية حدود، وهو ما اضطر إيران لإنفاق ما تملك وما لا تملك من أموال لإعادة إعمار مناطق "البيئة الحاضنة".(تكفلت الدول العربية بالفاتورة الأكبر لإعادة إعمار المناطق المدنية المتضررة.. أما تمويل إيران فتركز على إعادة بناء بنية حزب الله العسكرية) ولأن إعادة الإعمار كلفت الغالي والنفيس، صار "حزب الله" يصرخ بصوت أعلى مما يقاتل، وتحول "انتصار 2006" على إسرائيل إلى شبيه لـ "انتصار أكتوبر" لدى مصر وسوريا: نجاح عسكري متواضع وخسائر بالغة صارت تمنع تكرار الحرب.

إسرائيل هي أول من استخلصت الدروس من آخر حروبها مع "حزب الله"، فإذا كان الحزب يختبئ خلف بيئته الحاضنة، فلا مانع لدى الإسرائيليين من استهداف البيئة وحزبها، وهو ما يرفع تكلفة الحرب إلى مستويات تجعل تكرارها أصعب.

ولأن جبهة لبنان تجمّدت، راحت إيران تبحث عن بدائل، فوجدتها في جنوب سوريا وغرب العراق. لكن إسرائيل هذه المرة عاكفة على منع الإيرانيين من إقامة بنية عسكرية في الخفاء، فراح الإسرائيليون يستخدمون تفوقهم التكنولوجي والناري ـ الذي لا يقاس ـ باستهداف إيران وحلفائها في هذه المناطق.

أما إيران، فأقصى ما يمكنها هو تنفيذ عمليات ضد الداخل الإسرائيلي تعيد للإيرانيين بعض ماء الوجه. أما "تحرير القدس"، فسيبقى العنوان الأول والوحيد، في "يوم القدس" و"يوم الشهيد" وأيام "النصر" الكثيرة، وستستمر ضوضاء "تحرير القدس" في التشويش على الحديث عن كل المواضيع الأخرى، مثل انهيار اقتصادات إيران وسوريا ولبنان، وانعدام الحرية فيها، وهجرة مواطنيها ـ بل فرارهم ـ إلى أي بقع في العالم تأويهم.

الاثنين، 26 أغسطس 2019

شروط طهران... وفرص المفاوضات!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكدت مصادر أوروبية رفيعة المستوى في العاصمة الاميركية، ان الرئيس إيمانويل ماكرون دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة فرنسا، على هامش انعقاد لقاء قمة مجموعة الدول السبع، بتنسيق مسبق مع البيت الابيض، وذلك في سياق مبادرة للعودة الى الديبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة. 
وأشارت المصادر في دردشة مع «الراي»، الى ان الجهود الفرنسية لرأب الصدع والعودة الى المفاوضات قائمة منذ أكثر من شهرين. 
ولفتت الى تصريح سابق للرئيس دونالد ترامب اعترض فيه على ديبلوماسية ماكرون. وقال الرئيس الاميركي، في حينه، ان نظيره الفرنسي يقدم وعوداً للايرانيين من دون العودة الى واشنطن، وان الوعود الفرنسية لطهران لا تمثل الموقف الاميركي. 
لكن على الرغم من غضب ترامب العلني على ديبلوماسية فرنسا تجاه ايران، وعلى الرغم من تظاهر الوفد الاميركي بالمفاجأة بعد ظهور ظريف في فرنسا اثناء انعقاد قمة الدول السبع، الا ان واشنطن لا تمانع - بل هي تسعى حسب المصادر الاوروبية في العاصمة الاميركية - الى الانخراط في حوار مع طهران. ويعتقد الاوروبيون ان ترامب يرى انه قادر على التوصل لانجاز ديبلوماسي مع الايرانيين، على طراز لقاءاته - التي يخالها تاريخية - مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون. 
وتضيف المصادر ان فرنسا كانت تأمل بان تنجح في تحقيق اختراق في عقد لقاء بين ظريف والاميركيين، ينجم عنه توافق على لقاء لاحق - ربما بين ترامب ونظيره الايراني حسن روحاني - على هامش اللقاء السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة، والذي ينعقد في نيويورك خلال أقل من شهر. 
لكن الآمال الفرنسية تحطمت على صخور «الشروط الايرانية» و«التصلب الاميركي»، تتابع المصادر الاوروبية. 
وتشترط طهران، قبل الانخراط في مفاوضات بمشاركة أميركيين، ان توافق الولايات المتحدة على السماح لايران بمواصلة تصدير 700 ألف برميل نفط يوميا، كباردة حسن نية، يليها العودة الى المفاوضات، على ان تكون المفاوضات نووية حصراً، وألا تطول برنامج ايران الصاروخي، ولا تتناول شؤون أخرى في المنطقة، مثل التي تسميها اميركا واوروبا «نشاطات ايران المزعزعة للاستقرار». 
أما «حسن النية» من الجانب الايراني، فيتمثل بالتزام طهران بالاتفاقية النووية التي تم التوصل اليها قبل اعوام. 
على ان المفارقة تكمن في عدم ادراك ايران، والاوروبيين، ان ادارة ترامب تتمنى ان تقوم طهران باختراق بنود الاتفاقية النووية، وهو ما يعيد العقوبات الدولية عليها بشكل تلقائي، ومن دون العودة الى مجلس الأمن، وذلك بحسب بنود الاتفاقية نفسها. وفور سماع الوفد الاميركي من الفرنسيين الشروط الايرانية، ردّ الاميركيون بالقول انه «كان يمكنهم ان يبلغوا ظريف رفض اميركا اي شروط ايرانية مسبقة على اي حوار»، وانه كان يمكن للفرنسيين «ان يوفروا على ظريف مشقة قطع الاف الاميال بالطائرة الى فرنسا حتى يسمع الرفض الاميركي».
وأوضحت المصادر ان الوفد الاميركي قال للفرنسيين: «أبلغونا عندما يصبح الايرانيون جاهزين لحوار غير مشروط».

السبت، 24 أغسطس 2019

السعودية الأكثر شعبية عربياً لدى الكويتيين


ثلث الكويتيين يقرأون الصحف الورقية يومياً و26 في المئة يقضون ساعتين في تصفحها 

42 في المئة يعتبرون الفساد هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة تليه الخدمات العامة 

نصف الكويتيين يثقون بالحكومة وأكثر من ثلاثة أرباعهم يثقون بالقضاء 

51 في المئة يتابعون الأخبار عبر الإعلام التقليدي المقروء والمرئي والمسموع 

إيران في المرتبة الاخيرة في شعبيتها و40 في المئة يعتقدون أنها خطر على الكويت

أظهر استطلاع للرأي اجرته شبكة «الباروميتر العربي»، وحصلت «الراي» على نتائجه الأولية، ان «الكويتيين أكثر رضا بأوضاعهم من باقي شعوب المنطقة، وان ثلاثة أرباع الشعب الكويتي ترى أن وضع البلاد الاقتصادي جيد، وأن نصف الكويتيين يتوقعون تحسن الاقتصاد اكثر في السنوات المقبلة». كما اظهر الاستطلاع، الذي تم اجراؤه في ابريل ومايو وشمل عينة من اكثر من 1300 كويتي (ذكورا وإناثاً)، ان قرابة نصف الكويتيين يثقون بحكومتهم، وان اكثر من ثلاثة ارباعهم يثقون بالقضاء.
وبحسب استطلاع «الباروميتر العربي»، المتعاون مع جامعة برينستون الأميركية المرموقة، والذي يختلف عن الاستطلاع الذي أجري أخيراً لمصلحة شبكة BBC، فان ثلاثة ارباع الكويتيين يعتقدون ان بلادهم تكاد تكون ديموقراطية بالكامل، وان غالبية الكويتيين يؤيدون الديموقراطية ويرون انها تناسب الكويت. على ان اللافت في الموضوع هو ان ثلث الكويتيين يعتقدون - بحسب الاستطلاع - أن الديموقراطية هي قيام الحكومة بتأمين فرص عمل للجميع، فيما يرى ثلثهم الآخر ان الديموقراطية هي قيام الحكومة بتأمين النظام العام والأمن. واورد الاستطلاع ان «خمسة في المئة فقط من الكويتيين يعتقدون ان الديموقراطية هي انتخابات حرة وعادلة».
واعتبر 42 في المئة من أفراد العينة أن الفساد هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة، تليه الخدمات العامة بنسبة 19 في المئة ثم الاقتصاد 12 في المئة.
وفي ما خصّ علاقات الكويت الدولية، اشار الاستطلاع الى انخفاض في نسبة الكويتيين ممن يرغبون في رؤية علاقات اقوى مع الولايات المتحدة من النصف الى الثلث، فيما أظهر ارتفاعا في شعبية السعودية بين الكويتيين، اذ يريد 60 في المئة منهم علاقات قوية مع السعودية، فيما حلت قطر الثانية في شعبيتها بين الكويتيين، الذين يريد نصفهم علاقات قوية مع الدوحة. 
وانخفض رأي الكويتيين في علاقات قوية مع روسيا اكثر منه مع اميركا من 47 الى 26 في المئة، فيما حافظت تركيا على شعبيتها - المتدنية نسبيا - بين الكويتيين، اذ أجاب 39 في المئة فقط منهم انهم يرغبون في رؤية علاقات قوية بين الكويت وانقرة. وحلت ايران في المرتبة الاخيرة بين دول العالم في شعبيتها بين الكويتيين، اذ رأى واحد من كل 10 كويتيين ان على الكويت ان تسعى لعلاقات قوية مع طهران.
وكان لافتاً ان 40 في المئة من الكويتيين يعتقدون ان ايران تشكل خطراً على الكويت، فيما قال 13 في المئة فقط من الكويتيين ان اسرائيل هي التي تشكل الخطر الاكبر على بلادهم، واجاب سبعة في المئة ان اميركا هي اكبر خطر على الكويت.
في «استهلاك الاعلام»، اظهر الاستطلاع أنه على الرغم من الانتشار الذي يحققه الإعلام الالكتروني، فإن الصحف الورقية ما زالت محتفظة بحضور ملموس في حلبة التنافس المحموم على اجتذاب القراء والمتابعين، اذ قال 26 في المئة من الكويتيين انهم يمضون ساعتين أو أكثر يومياً في قراءة الصحف ورقياً، و1 في المئة يقضون 5 ساعات فأكثر، بينما 1 في المئة من أفراد العينة قالوا إنهم يقرؤون صحفاً ورقية يومياً لكنهم لا يستطيعون تحديد المدة التي يقضونها.
وهذه النتائج تعني أن 27 في المئة من الكويتيين ما زالوا يواظبون على قراءة الطبعات الورقية من الصحف، وهي النسبة التي يمكن القول إنها تصل إلى نحو 33 في المئة (أي ثلث الكويتيين) إذا أضيف إليها أولئك الذين يطالعون تلك الطبعات بوتيرة متفرقة وغير منتظمة.
كما أظهر الاستطلاع انقساما بين الكويتيين في الثقة بين الاعلام التقليدي (المرئي والمسموع والمطبوع)، اذ اعتبر 51 في المئة من الكويتيين انهم يلجأون الى هذه الوسائل للحصول على الاخبار، فيما قال 49 في المئة من المستفتين انهم يحصلون على اخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي.

الأربعاء، 21 أغسطس 2019

تريدون حرية؟!

حسين عبدالحسين

سادت القرنين الماضيين ثورات شعبية على الملكيات والإمبراطوريات، تلاها سباق بين الرأسمالية والاشتراكية. لكن في ذروة صراعات المعمورة، أجمع العالم على ضرورة الديمقراطية في الحكم، حتى تسمت بها دول استبدادية، مثل جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، أي كوريا الشمالية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، أي اليمن الجنوبي الشيوعي المندثر.

كانت كل الحكومات تسعى لكسب ود شعوبها، واحترام العالم، بالتظاهر أنها ديمقراطية، لكنه تظاهر أفضى إلى سخرية، فخلعت دول الاستبداد قناعها، وأوعزت لأجهزة دعايتها، وللموالين لها في الغرب وحول العالم، بمهاجمة الديمقراطية، وتسخيفها، وتصويرها على أنها أداة تستخدمها الرأسمالية للسيطرة على ثروات الناس البسطاء. وربطت دعاية الاستبداد العالمي الديمقراطية بالكولونيالية "البغيضة"، وبالرجل الأبيض، "الشرير حكما".

ويتظاهر أنصار الأنظمة الاستبدادية ـ الروسية والصينية والإيرانية وغيرها ـ أن الديمقراطية هي خدعة للتعمية على مبدأ أكثر أهمية، وهو العدالة في توزيع الثروات، ويتساءلون حول فائدة حرية الرأي للمواطنين من المعوزين، ممن يبحثون عن قوتهم اليومي أو السكن أو الطبابة. ويعتبر أنصار الاستبداد أن الأجدى بحكومات الدول، والنخب المساندة لها، أن ترفع العدالة الاجتماعية إلى صدارة أولوياتها، على حساب الديمقراطية والحريات على أنواعها.

وفي النصف الثاني من العقد الماضي، صادفت دول الاستبداد سنوات سمان أفادت خلالها من فورة اقتصادية عالمية، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وخصوصا الطاقة، ما أنعش اقتصادات ميتة واقعيا، مثل في روسيا وإيران اللتين تعتمدان على وارادات مبيعات الطاقة، فبنت أنظمة الاستبداد شرعيتها في الحكم حول التحسن الاقتصادي الملموس لمواطنيها.

لكن الاقتصادات ـ كل الاقتصادات عبر التاريخ ـ تنمو وتضمر، وتتأرجح بين بحبوحة وعوز، وهو ما يدفع حكومات الاستبداد، في السنوات العجاف، إلى تشديد قبضتها الحديدية والتشدد أكثر ضد حرية تعبير الناس عن معاناتهم وفقرهم. كذلك يخوض الاستبداد في مغامرات عسكرية خارجية لتشتيت الانتباه عن مشاكل الداخل، ولنسج ملاحم وطنية خيالية عن الكرامة الوطنية، وتحقيق انتصارات وهمية على الكولونياليين الأشرار وديمقراطيتهم.

والانتصارات العسكرية المزعومة تؤكد صحة الاستبداد وزيف الديمقراطية، حسب دعاية الاستبداد. على أن رفع الكرامة الوطنية إلى مراتب أسمى من العيش الكريم يعيدنا إلى نفس سؤال الاستبداد وأنصاره عن فائدة الكرامة لمواطنين لا يجدون قوتهم، ولكنها مفارقة تفوت أعداء الديمقراطية من أنصار الاستبداد، بشقيه القومي والإسلامي.

ويوم تفشل كل محاولات الاستبداد في تشتيت الانتباه عن فساده، ويوم تندلع التظاهرات المحلية المطالبة بالحرية، والديمقراطية، وتداول السلطة لانتخاب حكومات يمكن محاسبة سياساتها الاقتصادية إن فشلت، يبلغ الاستبداد ذروته، من سوريا إلى إيران ومن روسيا إلى الصين، وتمضي دعاية الاستبداد في اتهام المتظاهرين بالعمالة للكولونيالة والغرب والديمقراطية، ما يتطلب تكميم أفواههم ورميهم في السجون، واتهامهم بالإرهاب، الذي يتطلب حكما استخدام العنف الجماعي ضدهم، أو على حد قول أحد بلطجية الرئيس السوري بشار الأسد، أثناء ضربه متظاهرا سوريا في أولى سني الثورة السورية: "بدكن (تريدون) حرية يا ولاه؟".

لا تتقدم العدالة الاجتماعية على الحرية، ولا صلاح في استبدال أي حكومة ديمقراطية ـ وإن فاشلة في توزيع الثروات بشكل عادل ـ بمستبد، مهما كان عادلا، فالديمقراطية تسمح للمواطنين بتحديد مصيرهم بأنفسهم، وتلقي عليهم مسؤولية اختيار الحكام والسياسات، أما الاستبداد، فإما يصيب أو يخطئ، وهو إن أخطأ، لا بديل عن استمراره في الحكم، مع أخطائه وفساده وإمعانه في القمع والاستبداد.

ليست الديمقراطية ترفا فكريا، ولا هي تناسب شعوبا دون أخرى، ولا هي ترتبط بخصوصيات ثقافية. أما الحرية، فليست منّة الحاكم على المحكوم، بل إن الحكم هو منّة المحكوم على الحاكم، وإن خسر الحاكم ثقة المحكوم، يخرج من الحكم، ويتم استبداله بخادم آخر للشعب، فالشعب سيد نفسه ومصيره، والحاكم موظف عند الشعب، لا وصي عليه.

عن الحرية ينجم اختلافات وضوضاء، وعن الديمقراطية تنجم نقاشات واختلافات في السياسات وطرائق الحكم. أما الاستبداد، فيبدو هادئا، منتظما، متجانسا، لكنه نار تحت الرماد. لهذا تتأرجح الديمقراطية بين حكومات ناجحة وأخرى فاشلة، فيما تتراوح أنظمة الاستبداد بين القمع والحروب الأهلية، وعلى قول المثل الغربي "من استبدل حريته بقوته، خسر الاثنين معا".

يمكن لرئيس روسيا فلاديمير بوتين اتهام وزيرة خارجية أميركا السابقة هيلاري كلينتون بتحريض الروس ضد استبداده، ويمكنه اتهام سفير أميركا السابق في روسيا روبرت ماكفول بإدارة عملية تخريبية ضد حكمه. وبعد خروج الاثنين من الحكومة، يمكن لبوتين اتهام "يوتيوب" بتظاهر عشرات الآلاف في موسكو ضد الديكتاتورية الروسية. كما يمكن لبوتين تهديد الروس بـ "ربيع عربي". يمكن لبوتين أن يقطف كل الزهور في روسيا، لكن ذلك لن يوقف زحف الربيع، الذي سيأتي يوما على موسكو، كما على طهران، وهونغ كونغ، ودمشق، والقاهرة، وغيرها.

الأحد، 18 أغسطس 2019

قصف إسرائيل مواقع إيرانية في العراق... يحرج واشنطن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

استفاقت الولايات المتحدة على مشكلة جديدة زادت الوضع المعقد في الشرق الأوسط تعقيداً، إذ إن قيام مقاتلات إسرائيلية بتوجيه ضربات ضد أهداف تابعة لإيران، داخل العراق، وضع واشنطن في موقع صعب بين حليفين: إسرائيل والعراق. 
وعلى عادتها، لم تعلن إسرائيل قيامها باستهداف مواقع داخل العراق، ولكنها لم تنف ذلك أيضاً. ميليشيا «الحشد الشعبي»، بدورها، هي التي أعلنت أن الهجمات نفذتها مقاتلات «إسرائيلية - أميركية». 
وفي 29 يونيو، جال نائب رئيس الحشد أبو مهدي المهندس على المواقع التي تعرضت للقصف في مواقع غرب محافظة الأنبار. 
ورافق المهندس، نواب من لجنة التحقيق البرلمانية «الخاصة بالضربة الإسرائيلية - الأميركية»، على حد وصف موقع «الحشد». 
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل نفّذت غاراتها بمقاتلات «إف 35»، وهو ما سمح لها بتقليص «آثارها» إلى حدها الأدنى. 
ويبدو أن الإسرائيليين لم يكتفوا بغارة يتيمة، بل شنوا العديد من الهجمات، كانت آخرها قبل أيام، واستهدفت معسكر «الصقر» العائد لـ«الحشد الشعبي»، جنوب بغداد. 
وعلى إثر الانفجارات في معسكر الصقر، أوعز رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي بنقل مخازن الأسلحة إلى مواقع خارج المدن. 
وألمح البيان الصادر عن قيادة «العمليات المشتركة» إلى إلغاء كل الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية، بما في ذلك «الاستطلاع، والاستطلاع المسلح، والطائرات المقاتلة، والطائرات المروحية، والطائرات المسيرة بكل أنواعها»، مضيفاً أن «أي حركة طيران خلاف ذلك يعتبر طيراناً معادياً يتم التعامل معه من دفاعاتنا الجوية بشكل فوري». 
والحديث عن تعامل الدفاعات الجوية العراقية مع أي «طيران معادٍ» له دلالة أن بغداد لن تقف مكتوفة الأيدي في حال استمرار الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في العراق، رغم عدم وجود دفاعات جوية عراقية تذكر. 
والأجواء العراقية تعج بالمقاتلات غير العراقية، خصوصاً الأميركية منها، التي قدمت على مدى السنوات الخمس الماضية غطاء جوياً ودعماً نارياً للقوات النظامية العراقية و«الحشد» في معركة القضاء على تنظيم «داعش». 
أما المشكلة الكبرى التي تعاني منها واشنطن، فمفادها أن العراق هو واحد من الدول القليلة التي تلتزم معها الولايات المتحدة باتفاقية دفاعية بين جيشي البلدين. هذا يعني أن على أميركا التصدي لأي اختراق أجنبي للأجواء العراقية، لكن هذا الاختراق يأتي من إسرائيل، أبرز حلفاء الولايات المتحدة في العالم. 
يقول العارفون في واشنطن، إن الإدارة الأميركية تسعى لإقناع بغداد بالإمساك بزمام السيادة بالكامل، ونزع سلاح الميليشيات، خصوصاً الموالية منها لإيران، أو على الأقل دمجها في القوات التي تأتمر بأوامر الحكومة المنتخبة. 
وتحت الضغط الأميركي، أصدر عبدالمهدي «أمر ديواني»، قضى بقطع تنظيمات «الحشد» أي «ارتباط سياسي أو أمري» مع أحزابها، وتحولها إلى مجموعات عسكرية بإمرة رئاسة الحكومة. 
وحدد آخر الشهر الماضي موعداً نهائياً لدمج هذه الميليشيات الموالية لإيران في القوات النظامية. إلا أن ستة أسابيع مرّت منذ صدور الأمر من دون أن يتغير الواقع على الأرض، مع بقاء «الحشد الشعبي» تنظيماً مستقلاً، وهو ما يبدو أنه أدى إلى نفاد الصبر الإسرائيلي، فكثّفت المقاتلات ضرباتها على مخازن تعتقد أنها تحوي سلاحاً نوعياً، مثل الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ذات الدقة العالية. 
وتسعى إسرائيل منذ سنوات لحرمان إيران من إقامة بنية تحتية عسكرية في الجنوب السوري، تكون بديلة عن جبهة لبنان المقفلة منذ العام 2006، حتى إشعار آخر. وتغير إسرائيل بشكل دوري، على أهداف إيرانية، لمنع طهران من إقامة موطئ قدم على حدود إسرائيل الشمالية مع سورية. 
ويبدو أن طهران قررت الاستعاضة عن الجنوب السوري بإقامة قواعد للصواريخ غرب العراق، الذي تسيطر عليه «الحشد»، وهو ما دفع إسرائيل للشكوى لأميركا، فقامت الأخيرة بالإلحاح على عبدالمهدي للإمساك بزمام السيادة. وبعدما شعرت الدولة العبرية بفشل عبدالمهدي في ذلك، أطلقت العنان لمقاتلاتها، التي يبدو أنها ستواصل غاراتها على أهداف إيرانية داخل العراق، بالوتيرة نفسها التي تستهدف بها أهداف إيرانية في سورية. 
على أن الهجمات الإسرائيلية في العراق تضع الأميركيين في موقع حرج بين حليفين، وهو ما دفع واشنطن إلى تجديد مساعيها لدى بغداد بهدف السيطرة على الأوضاع ووقف الهجمات الإسرائيلية. 
أما الدروس المستخلصة من الهجمات الإسرائيلية، حسب المراقبين، «فتتصدرها فكرة أنه لا يمكن لحلفاء أميركا الاعتماد عليها في مواجهة نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، حسب مسؤول جمهوري سابق في الإدارة، «فإذا كانت إسرائيل تعتمد على نفسها، فلا يبدو أن حلفاءنا يظنون أننا نقوم بوقف التمدد الإيراني، وهو ما يدفع بعضهم للاعتماد على أنفسهم، وهو ما يضعف صورتنا ويحرج موقفنا في الحفاظ على التوازن في ما بينهم»، بحسب ما أضاف.

شبح الركود الاقتصادي يهدّد فرص إعادة انتخاب ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أربكت مؤشرات اقتراب الاقتصاد الأميركي من مرحلة الركود الرئيس دونالد ترامب، الذي بثّ تغريدة قدمت لمحة عن السياسة التي سينتهجها في حال دخول الولايات المتحدة فعليا في ركود اقتصادي، وهي سياسة مبنية - على عادة ترامب - على القاء اللائمة على الآخرين، في هذه الحالة، سارع الرئيس الأميركي لاتهام رئيس الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول بالتأخر في تخفيض الفائدة، وهو تأخر - حسب ترامب - ادى الى اهتزاز الاسواق المالية الأميركية. 
لكن الاهتزاز الاقتصادي يبدو اعمق من ترامب وباول، ان كان ترامب من المساهمين في تأخير حلوله، ثم التعجيل به. ويعتقد الخبراء ان الركود هو مرحلة طبيعية من الدورة الاقتصادية، التي تنمو وتضمر. وتعتبر الحكومة الأميركية ان الركود هو ان يسجل الاقتصاد نموا سلبيا، او ضمورا، في فصلين متتاليين. 
وكان الاقتصاد الأميركي شهد ما يعرف بـ«الركود الكبير»، الذي امتد من ديسمبر 2007 وحتى يونيو 2009. بعد ذلك التاريخ، راح الاقتصاد ينمو، باستثناء ضمور في فصل هنا او هناك، وراحت نسبة البطالة تتدنى. واستمر النمو الأميركي فترة اطول من المتوقعة، الى ما بعد خروج الرئيس السابق باراك أوباما من الحكم مطلع 2016. وفيما كان الاقتصاديون ينتظرون ركودا دورياً، قام ترامب باقرار تخفيض ضرائبي واسع، ما ادى الى اطالة عمر النمو الاقتصادي الأميركي، ودفع البطالة الى نسب متدنية لم تعرفها منذ عقود. 
على ان مفعول خفض الضرائب قارب الانتهاء، هذا ان لم يكن انتهى فعليا، اذ ذاك بدأت علامات الوهن الاقتصادي تظهر، مثل في انخفاض مؤشرات الصناعة والصادرات الأميركية، بالتزامن مع اعلان المانيا دخول اقتصادها مرحلة الضمور، وصدور ارقام صينية تشير الى ان الصين، ثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، تعاني من انخفاض في كل مؤشراتها الاقتصادية الى مستويات متدنية لم تشهدها منذ عقود. 
على ان لترامب مصلحة في محاولة القاء اللائمة على الاحتياطي الفيديرالي، اذ ان الرئيس الأميركي يحاول تشتيت الانتباه عن الحرب التجارية التي يخوضها مع الصين، والتي شهدت جولتي رفع أميركا لتعرفتها الجمركية على وارداتها من الصين، وهو ما دفع بكين الى الرد برفع رسومها على وإرداتها الأميركية، خصوصا حبوب الصويا، وهو ما يؤذي الولايات الأميركية الزراعية، وهذه محسوبة في صفوف قاعدة مؤيدي ترامب والجمهوريين. 
ويطالب ترامب منظمة التجارة الدولية بتغيير تصنيف الصين من «دولة نامية»، وهو ما يمنحها تسهيلات يرى انها تعطي بكين افضلية على حساب أميركا، الى دولة ذات اقتصاد متطور، وهو ما يضعها على قدم المساواة في المعاملة بالمثل مع أميركا، تجارياً. 
لكن بكين ترفض تغيير تصنيفها، وهي انخرطت في مفاوضات مع واشنطن للتوصل الى اتفاقية ثنائية، إلا انهما فشلا حتى الآن في التوصل الى الاتفاقية المنشودة، ما زاد من عدوانية ترامب وتهديداته بالتصعيد وفرض رسوم جمركية اعلى على الصين، اذ ان الرئيس الأميركي يعتبر ان توصله لاتفاقية هو في صلب وعوده الانتخابية ومهاراته التفاوضية. 
ويبدو أن ترامب ادرك، وان متأخراً، ان حربه التجارية مع الصين صارت تؤذي الاقتصادين العالمي والأميركي، وهو ما دفع ادارته الى التراجع عن تهديدها بفرض 10 في المئة اضافية على الواردات من الصين مع نهاية الشهر المقبل، في حال عدم التوصل لاتفاقية تجارية. 
وحاول فريق ترامب تبرير التأجيل بالقول انه لا يرغب في رفع الاسعار مع اقتراب موسم اعياد اواخر السنة. وحاول الرئيس ابداء حرصه على ابقاء اسعار السلع منخفضة خصوصا في «عيد الميلاد» وهو عيد يصرّ اليمين الأميركي انه يتعرض لهجوم من اليسار والديموقراطيين في محاولة لطمس معالمه والغائه كتلقيد ديني سنوي. 
ختاماً، يعتقد الخبراء ان الاقتصاد سيلعب دورا مفصليا في امكانية فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية، اذ ان اقتصاد قوي من شأنه ان يعزز موقف ترامب امام قاعدته الشعبية. اما دخول أميركا في ركود اقتصادي، فيدحض ادعاءات الرئيس بانه وسياساته ينقذان الاقتصاد، ما قد يدفع الناخبين لاختيار رئيس بديل من الحزب الديموقراطي، ما يعني ان الاقتصاد يقلق ترامب، وانه في حال دخول أميركا في ركود، فان الرئيس سيلقي باللائمة على كل من حواليه، باستثناء نفسه، وسيكون ذلك في محاولة يائسة منه لانقاذ سمعته كرجل المال والاقتصاد، وهي الصورة التي سوقها عن نفسه انتخابياً ويسعى جاهدا للحفاظ عليها للحفاظ على فرص بقائه رئيسا.

الجمعة، 16 أغسطس 2019

مصدر رفيع المستوى في الإدارة الأميركية: إما يضبط لبنان «حزب الله» وإما نضبطه نحن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في صيف 2016، وبرعاية وكيل وزارة الخارجية الاميركية ديفيد هيل، توصّل قطبان من اقطاب السياسة في لبنان الى تسوية انهت سنوات من الانقسام والفراغ الرئاسي والحكومي، وقضت التسوية بانتخاب حليف «حزب الله»، ميشال عون، رئيسا للجمهورية، مقابل عودة سعد الحريري رئيساً للحكومة. 
منذ ذلك التاريخ، قدم عون، غالباً عبر صهره وزير الخارجية جبران باسيل، والحريري، خطاباً سياسياً موحداً، يرتكز حول مقولة مفادها بأن «حزب الله» - الذي ينخرط في صراعات اقليمية تمتد من اليمن الى العراق - ليس قضية داخلية لبنانية، بل قضية اقليمية وعالمية. وكرر باسيل والحريري القول ان لا قدرة لدولة لبنان على التعاطي مع ما تراه بعض عواصم العالم، وخصوصا واشنطن، مشكلة تستوجب نزع سلاح الحزب. 
سياسة دولة لبنان، بقيادة عون والحريري، فرضت تعديلا على السياسة الاميركية تجاه لبنان: بدلاً من طلب واشنطن من بيروت ممارسة سيادتها باحتكار العنف وانهاء نشاطات الحزب خارج حدود لبنان، قررت الولايات المتحدة مواجهة ما تراها «مشكلة حزب الله» بنفسها، وخصوصا عن طريق فرض عقوبات مالية قاسية على مسؤولين في الحزب وحلفائه، حتى ان كان هؤلاء المسؤولون يشغلون مناصب رسمية في دولة لبنان. 
يكرر مسؤولو ادارة الرئيس دونالد ترامب ان لا نية لدى الولايات المتحدة في تقويض استقرار لبنان ولا في اضعاف حكومته. «لكن ان كانت حكومة لبنان غير قادرة على ضبط حزب الله، سنقوم نحن (واشنطن) بذلك بدلاً منهم»، يقول مصدر رفيع المستوى في الادارة الاميركية. 
واشنطن لن تفرض عقوبات اقتصادية، أي أن عقوباتها لن تستهدف مؤسسات في الدولة اللبنانية، لكنها ستفرض عقوبات مالية تقضي بتجميد الاموال المنقولة وغير المنقولة لمسؤولين في «حزب الله»، ومسؤولين من حلفائهم. كذلك، ستحصر مساعداتها بالمعونة السنوية للجيش، والتي تبلغ مئة مليون دولار، في اطار علاقة عسكرية بحتة بين الجيشين الاميركي واللبناني. 
الحريري، الذي زار واشنطن، هو من القلة القليلة المتبقية من مسؤولي الجمهورية اللبنانية ممن لا يزالون يتمتعون ببعض الحظوة لدى المسؤولين الاميركيين، وممن يتم عقد اجتماعات رفيعة معهم. قبل الحريري، زار العاصمة الاميركية باسيل في سياق مشاركته في مؤتمر الدفاع عن حقوق الاقليات حول العالم، ومنها المسيحيون، وعانى من رفض اي مسؤول اميركي استقباله او اللقاء معه. وبلغت عزلة باسيل في واشنطن حد ان قام احد مراكز الابحاث بالغاء حوار على «طاولة مستديرة» معه. 
لا يعتقد المسؤولون الاميركيون ان للحريري نفوذاً يذكر في رسم سياسات لبنان، وهو ما يعني انه غير قادر على التأثير فعليا في السياسة الخارجية او نشاطات «حزب الله». لكن الاميركيين لا يمانعون الاجتماع به لابلاغه بما ينوون فعله، بما في ذلك نيتهم استهداف عدد من الشخصيات اللبنانية بعقوبات مالية. 
ويحاول الاميركيون «تفهّم» موقف رئيس الحكومة، وتفادي احراجه أو تعقيد مهمة قيادته «حكومة الوحدة الوطنية» التي يترأسها، لكنهم استمعوا الى مناشدات الحريري، الذي طالب بمنح لبنان المزيد من الوقت، وتأجيل استهداف أي من اللبنانيين بعقوبات، اذ من شأن ذلك ان يؤدي الى مزيد من انعدام الثقة بلبنان، وتاليا الى المزيد من الاهتزاز في الاقتصاد، الذي يواجه شبح الانهيار. 
«هو لقاء بين اصدقاء تبادلوا وجهات النظر، لكننا لا نعتقد ان الحريري قادر على الايفاء بأي وعود لناحية ضبط حزب الله، وهو ما يفرض علينا التحرك من دونه، مع ضرورة الابقاء على قنوات التواصل معه مفتوحة»، يختم المسؤول الاميركي.

الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

التاريخ حسب الكولونيالية الإيرانية

حسين عبدالحسين

في متحف سرسق في حي الأشرفية في بيروت ـ الحي الذي خاض فيه أيقونة مسيحيي لبنان بشير الجميل معارك ضارية ضد قوات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لإبقاء لبنان مستقلا وصديقا للديمقراطيات الغربية ـ معرض عن مدينة بعلبك، المعروفة بهياكلها الرومانية الضخمة التي يعود تاريخها إلى مطلع الألفية الأولى.

قيمة الرواية التاريخية المعروضة متدنية أكاديميا، وتعاني من أخطاء فاضحة، إذ هي تعتبر أن عمر بعلبك 10 آلاف سنة، وتسميها "مهد الحضارة"، وتقدم آثارا لأدوات استخدمها الإنسان تعود إلى عهود سحيقة لدعم روايتها. لكن عمر الحضارة في أي بقعة لا يرتبط بتاريخ بدء الوجود الإنساني فيها، بل بتاريخ تحول هذا الوجود إلى مديني يسمح لبعض السكان بالاعتياش من وظائف غير الصيد والزراعة، مثل الارتزاق من العمل في الهيكل، أو كتابة النقوش، أو إجراء الحسابات الفلكية، أي أن الحضارة هي العمل المبني على وظائف تستند إلى العقل والحكمة بدلا من القوة البدنية.

ويعيد المؤرخون تاريخ بعلبك، كمدينة، إلى زمن الكنعانيين الصيداويين، الذين يسميهم المؤرخون فينيقيين. ويعيد المؤرخون تاريخ بدء الحضارة الفينيقية إلى بداية العصر الحديدي، أي قرابة العام 1200 قبل الميلاد، وهو ما يبعد بعلبك عن أقدم مدينة معروفة، وهي مدينة عروق جنوب بلاد ما بين النهرين، والتي يعود تاريخها إلى العام 5400 قبل الميلاد.

لا تعني هذه التفاصيل المسؤول عن معرض بعلبك في متحف سرسق اللبناني، فالي محلوجي، وهو من أصل ايراني ويسكن لندن، ويقدم نفسه ـ على موقعه ـ على أنه خبير علم آثار تحول إلى قيّم على معارض. كما لا تعني اللغة الإنكليزية، ولا قواعدها، السيد محلوجي، الذي كتب نصوصا طويلة علّقها على جدران المتحف وطبعها في كراساته.

ما يعني محلوجي هو اختراع رواية تاريخية تتناسب والرواية الإيرانية المعادية للغرب، وتعديل الانطباع العام عن عظمة هياكل بعلبك، وتصويرها رمزا لاحتلال أوروبي لشعوب محلية، في الماضي، ثم محاولة كولونيالية أوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين لربط الماضي بالحاضر، وتأكيد تفوق حضارة الغرب على الشعوب التي غزتها وحكمتها الشعوب الغربية، ماضيا وحاضرا.

ويمضي محلوجي في انتقاد دولة لبنان لمحاولتها "لبننة بعلبك" والبناء على الرواية الأوروبية لإنتاج قومية لبنانية، وإبعاد لبنان عن محيطه الإقليمي، وذلك عبر إقامة مهرجانات غنائية ومسرحية في هياكل بعلبك. والمهرجانات توقفت مع اندلاع حرب لبنان الأهلية في العام 1975، وعادت بعد الحرب، ويقول محلوجي إنه على عكس مهرجانات ما قبل الحرب، التي لا تمثل السكان المحليين، فإن مهرجانات بعلبك بعد الحرب تمثلهم وترتبط بالمحيط الإقليمي بدلا من القومية اللبنانية.

ومن غير المفهوم لماذا يرى محلوجي نفسه من السكان المحليين، ولا يرى نفسه كولونياليا غريبا يسعى إلى فرض صورة حول مدينة لا يعرفها، بالضبط مثل الكولونياليين الأوروبيين الذين ينتقدهم. مثلا، يكتب محلوجي أنه حتى العام 1939، كانت هياكل بعلبك مفتوحة للسكان المحليين، ثم تم شق طرق حولها وإقفالها في وجههم، ويبدو أنه لا يعلم ان لكل بعلبكي وبعلبكية الحق في التجول في الهياكل، في أي وقت وبدون رسوم، بمجرد تقديم بطاقة الهوية التي تثبت بعلبكيته أو بعلبكيتها.

ويشيد محلوجي ببعلبك لأنها سبقت الرومان وتلتهم وما تزال قائمة حتى اليوم، ويقارنها بتدمر السورية وجرش الأردنية، والاثنتين مواقع لآثار رومانية ضخمة، ولا يبدو أنه يعلم أن سبب بقاء بعلبك مدينة حية وشبه اندثار نظيرتيها يرتبط بالتصحر الجاري منذ العام 3500 قبل الميلاد، حسب الجيولوجيين، فبعلبك لم تعان الجفاف الذي ضرب تدمر وجرش.

ويكتب محلوجي أن الإمبراطور الألماني ولهام الثاني، الذي أرسل بعثة للتنقيب في الهياكل، فعل ذلك بحثا عن ماض مجيد يربط سلالته به بعدما سبقه البريطانيون والفرنسيون لاقتناص تاريخ العراق ومصر. لا يعرف محلوجي أن ولهام زار دمشق بحثا عن القدس، وأن قنصل ألمانيا الفخري في الشام، من عائلة لوتيكيه، كان يقضي الصيف في بعلبك، التي بنى فيها دارا، بسبب حساسية في الجهاز التنفسي كانت تعاني منها إحدى بناته. وعندما زار الإمبراطور دمشق، أقنعه لوتيكيه بزيارة بعلبك لجمالها، وأقام ولهام في فندق بالميرا المقابل للهياكل التي أعجبته، فقرر دعم اكتشافها وترميمها. وكانت ألمانيا تصادق السلطنة العثمانية لإنشاء خط قطار برلين بغداد وإقامة خط تجارة مع الهند ينافس خط قناة السويس.

هكذا، حسب محلوجي، بعلبك ليست وليدة الاحتلال الروماني ولا الألماني، ولا حتى "الاحتلال اللبناني"، بل هي للسكان المحليين، الذين يتماهون مع محيطهم الإقليمي، إذ ذاك تصبح بعلبك إما هوية قومية وطنية قائمة بذاتها، وإما جزء من منظومة إقليمية لمكافحة الإمبريالية، وهي الوجه اللاديني لكولونيالية الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تسمي الكولونيالية الغربية "استكبارا عالميا"، وتدعو دائما لمواجهتها. كما تلغي إيران هويات السكان المحليين، وتصورهم جميعا "مستضعفين" يسعون لمواجهة الكولونيالية العالمية، بدعم إيران وبقيادتها.

ليست الدعاية الكولونيالية الإيرانية دينية فحسب، وليست سياسية مباشرة فقط، بل هي دعاية تتخذ أشكالا كثيرة، أساسها شعور قومي شوفيني إيراني بالتفوق على كل إمبراطوريات العالم، وخصوصا الغربية، وهدفها تصوير البشر على أنهم ضحايا الغرب، وأن مهمة إيران إنقاذهم وحكمهم في الوقت نفسه، وهي دعاية منتشرة في أصقاع العالم، ويصدقها غربيون كثر، منهم من أصول إيرانية، لا يعرفون التاريخ، بل يسعون للتلاعب به ليتناسب والعصبية الإيرانية.

أما محلوجي المعادي للكولونيالية الغربية، فيقدم نفسه، في السطور الأولى لسيرته الذاتية، على أنه "يسكن لندن" وأنه يعمل مستشارا للمتحف البريطاني، ويقدم لائحة طويلة من متاحف أميركا وأوروبا التي يعمل لها. لماذا يتباهى معاد الكولونيالية بمتاحف الكولونياليين أنفسهم؟ ربما لأن إيران تخال نفسها إمبراطورية تنافس الغرب، فيما هي في الواقع دولة متأخرة يقوم تاريخها على تخريب منجزات الآخرين وسرقة علومهم وثقافتهم وحضارتهم، ثم تصويرها هذه المنجزات على أنها إيرانية، بالضبط مثل مقاتلة "أف 4" الأميركية، التي تعيد إيران طلاءها وتتظاهر أنها صناعة إيرانية، وتسميها "كوثر".

الجمعة، 9 أغسطس 2019

الشمال السوري... يزداد تعقيداً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تتابع الأوساط الأميركية الصراع في الشمال السوري، الذي تعتقد انه يزداد تعقيداً، وتحاول فهم ما ان كانت المعطيات على الأرض هي التي ترسم مواقف القوى المحلية والاقليمية والدولية المعنية، أم ان القوى المعنية منخرطة في محاولات لتحسين موقعها على الأرض لتحقيق مكاسب يمكنها ان تفيد منها سياسياً. 
وتحدد المصادر الاميركية، اربعة لاعبين دوليين منخرطين في الشمال السوري، هم تركيا وروسيا وايران والولايات المتحدة، وثلاثة محليين هم نظام الرئيس بشار الأسد، والمجموعات الكردية، وتنظيم «داعش»، الذي يعتقد كثيرون انه خسر كل الاراضي التي يسيطر عليها ولكنه حافظ على وجوده كميليشيا مسلحة قادرة على خوض «حرب عصابات»، مثل سائر الفصائل المسلحة المنتشرة في عموم الاراضي السورية. 
يضاف إلى أوراق التفاوض حول من يسيطر على ماذا، صفقة المنظومة الصاروخية الروسية «اس 400»، التي اشترتها انقرة من موسكو، وهو ما تسبب بتوتر في العلاقة بين تركيا، من ناحية، واميركا والعواصم الاوروبية، من ناحية ثانية، وهو توتر قد يصل حد اخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو أمر تتمنى روسيا حدوثه. وكانت تركيا تسلمت، قبل اسابيع، جزءا من المنظومة الروسية، لكن المفاوضات بين الاتراك والاميركيين، متواصلة. ويبدو ان الاميركيين لا يمانعون شراء تركيا المنظومة، البالغ سعرها مليارين ونصف مليار دولار، بشرط عدم تركيبها أو تشغيلها او استضافة تقنيين روس للاشراف على عملها. 
وكان المبعوث الاميركي المسؤول عن الملف السوري جيمس جيفري عاد من زيارة لأنقرة أخيراً، تباحث خلالها حول عدد من الملفات المتداخلة، خصوصا اصرار تركيا على التخلص من المجموعات الكردية السورية، او دفعها الى مسافة تبعد 30 كيلومتراً على الأقل عن الحدود التركية الجنوبية مع سورية. 
وتشك واشنطن، في قيام انقرة بشن هجوم عسكري، لأن موسكو تعارض الأمر لسببين: الأول انها تتظاهر انها حامية السيادة السورية وستضطر لادانة اي عملية عسكرية قد تبدأ بعد عطلة عيد الاضحى. والثاني، العلاقة بالمجموعات الكردية مقرونة بوعود قطعتها موسكو لها بمنع الأذى التركي عنها، مقابل موافقة عودتها للانضواء تحت لواء نظام الأسد، في مرحلة ما بعد رحيل القوات الاميركية. 
وفي لعبة المد والجزر، تحولت محافظة ادلب الشمالية، التي تؤوي مجموعات مسلحة معارضة تحت سيطرة تركية، الى حلبة سباق بين موسكو وأنقرة، تستخدمها روسيا لتحقيق مكاسب في مواقع اخرى، رغم اتفاقات وقف اطلاق النار المتكررة التي توصل اليها الطرفان، والتي يتم انتهاكها بشكل متواصل. 
اما إيران، تقول المصادر الاميركية، فمصالحها بعيدة عن الشمال السوري، ومحصورة في الوسط الشرق والجنوب، حيث تسعى لاقامة بنية تحتية عسكرية رديفة لمواقع «حزب الله» في لبنان، وهو ما يثير حنق اسرائيل، التي تسعى لدى روسيا لوقف التمدد الايراني. لكن موسكو تحتاج لعديد المقاتلين الذي يفتقده الأسد، وهو ما يضفي تعقيداً آخر على سباق حول تقاسم النفوذ في بلاد انحسر فيها نفوذ الحكومة والنظام منذ اندلاع الثورة ضد حكم الأسد في العام 2011.

الأربعاء، 7 أغسطس 2019

تفلت السلاح والحرب التجارية يعكّران صفو عطلة ترامب

واشنطن - من حسين عبدالحسين


عكّرت الاحداث صفو عطلة دونالد ترامب الصيفية - بعدما بدا أن الرئيس الاميركي حقق سلسلة من الانتصارات السياسية التي انعكست ارتفاعاً طفيفاً في نسبة التأييد الشعبي له في استطلاعات الرأي - مع وقوع مجزرتين في ولايتي تكساس واوهايو. 
وتزامنت المجازر، الناتجة عن تفلت السلاح وانتشاره بين الاميركيين، مع انخفاض في اسواق المال بلغ ثلاثة في المئة، وهو الاكبر منذ اشهر، وذلك بسبب الغضب الذي انتاب الرئيس الاميركي على اثر عودة الوفد الاميركي المفاوض من الصين من دون التوصل لاتفاقية تجارية بين البلدين. 
على اثر المجزرتين، قال ترامب، في تغريدة، ان الوقت حان لتشديد قوانين التفتيش في خلفيات الاميركيين ممن يشترون ويقتنون السلاح الفردي، ولكنه موقف لم يكرره ترامب اثناء اطلالته في خطاب موجّه الى الاميركيين، بل آثر الالتزام بخطاب لوبي السلاح المعروف بـ«ان آر ايه»، وألقى باللائمة على «المرض النفسي والكراهية» كمسبب للمجازر بين المدنيين الاميركيين، متبنيا شعار اللوبي المذكور بالقول ان «السلاح لا يقتل، بل حامل السلاح هو الذي يقتل»، وهو ما يعني ان المشكلة هي في الناس لا في السلاح. 
وتشير استطلاعات الرأي الى غضب اميركي من غياب التشريعات الناظمة لعمليات شراء وامتلاك السلاح الفردي بين الاميركيين. ويقدر الخبراء ان الاميركيين يمتلكون اكثر من 350 مليون قطعة سلاح فردي، بمعدل اكثر من قطعة سلاح للفرد الواحد. 
وفور وقوع المجزرتين، سارع المشرعون، من الحزبين الديموقراطي والجمهوري،، الى الحديث عن ضرورة اقرار قوانين اكثر تشدداً لعمليات مبيعات واقتناء الاسلحة، لكن ترامب لم يجارهم، بل هو اتخذ موقفا اكثر ليونة، وهو ما دفع الجمهوريين الى التراجع عن مواقفهم و«الاختباء» خلف الرئيس. 
أما في الحرب التجارية التي يخوضها ترامب ضد الصين، فأشارت التقارير الى غضب انتاب الرئيس الاميركي اثر عودة الوفد المفاوض من بكين من دون التوصل لاتفاق. ويطالب ترامب الصينيين بالدخول في اتفاقية تجارية تلزمهم احترام قوانين الملكية الفردية، والتوقف عن الاستيلاء على التكنولوجيا الاميركية ونسخها واستخدامها في الصناعات الصينية والمضاربة بها على منافستها الاميركية. 
ويعتقد الخبراء، ان الصين تراهن على مرور الوقت، وخروج ترامب من البيت الابيض، لتفادي توقيع اتفاقية تقدم فيها تنازلات تجارية. الرئيس الأميركي، بدوره، جعل من موضوع التوصل لاتفاقية تجارية مع الصين تنصف الولايات المتحدة وتحمي براءات اختراعاتها موضوعا مركزيا في حملة اعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، وهو ما يدفعه الى المجازفة بحرب تجارية كبيرة مع الصينيين لتحقيق هدفه. 
وفيما يحذّر كثيرون، منهم كبار القادة الاقتصاديين في ادارة ترامب، من عواقب حرب تجارية مع الصين على اداء الاقتصاد الاميركي، وهو ما من شأنه تهديد فرص اعادة انتخاب ترامب، يعتقد الرئيس ان أميركا يمكنها الانتصار في حرب اقتصادية، حتى لو بتكلفة اقتصادية لاميركا نفسها. 
وإلى أن تنتصر أميركا على الصين اقتصادياً، ستستمر حرب ترامب الاقتصادية عليها باهتزازات في الاسواق المالية، وهو ما يثير حفيظة الاميركيين، ويؤدي لانخفاض في شعبيته في استطلاعات الرأي، التي تشير الى ان نسب تأييد ترامب، بعد مرور 930 يوماً على رئاسته، هي الادنى مقارنة مع 12 من اسلافه، أي منذ العام 1945، في الوقت نفسه من رئاستهم. 
ويتطابق ترامب مع رئيس واحد في نسبة معارضة الاميركيين له في هذا الوقت من رئاسته، هو الرئيس الديموقراطي السابق جيمي كارتر. وهو من الرؤساء القلائل الذين فشلوا في الفوز بولاية ثانية. 
على ان ترامب قد يراهن على متسع الوقت الذي ما زال يفصله عن موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2020، وهو ما يعني ان احداث هذا الصيف ستصبح من الماضي البعيد، سياسياً، مع اقتراب موعد الانتخابات العام المقبل.

الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

الحرية لا تنتهي

حسين عبدالحسين

يردد بعض العرب مقولة أن حرية الفرد تنتهي حيثما تبدأ حرية الآخرين. من غير المعروف من هو الذي ابتكر هذه الحكمة، ولكنها بلا شك خاطئة، بل تافهة، فالحرية ليست قيمة معلومة يتم تقاسمها حصصا بالتساوي بين الناس، بل إن الحرية مطلقة لكل فرد، وغير محدودة بأي قيد أو شرط.

والحرية فوضوية، لا خصوصية فيها ولا احترام، لا لقوميات، ولا لمقدسات، ولا لمعتقدات، باستثناء التحريض على العنف، من قبيل "بلاغة" خال رئيس العراق الراحل خيرالله طلفاح، الذي قال يوما إن "ثلاثة لا يستحقون الحياة هم الفرس واليهود والذباب"، وهي مقولة عنصرية مقيته، تحرّض على العنف ضد شعوب وأعراق، وتدعو لحرمانهم الحياة، وهي لا تندرج في إطار "حرية التعبير"، بل هي دعوة إلى القتل مطلوب حظرها، ومنع التداول بها، وتوعية الناس على ظلاميتها ودمويتها والمخاطر التي تنتج عنها.

وفي الولايات المتحدة، حددت "المحكمة الفدرالية العليا" حرية التعبير بالإشارة إلى أنها مطلقة، باستثناء التحريض على العنف أو الأذى، مثلا، لا حرية لشخص يدخل مسرحا مكتظا بالناس، ويصرخ "نار" عمدا للتسبب بهلع الحاضرين وقيامهم بالتدافع للخروج، مما قد يؤدي إلى إصابة أو مقتل بعضهم تحت الأقدام.

هذه هي الحرية، مطلقة وفوضوية، باستثناء التحريض على إبادة شعوب، أو التسبب بالتدافع والموت تحت الأرجل. كل ما عدا ذلك مسموح، بما في ذلك رسم أي من الأنبياء، أو الرسل، أو القديسين، أو القادة التاريخيين للشعوب والأمم والقبائل في رسوم غير لائقة، وبما في ذلك أيضا كتابة أو غناء أو قرض الشعر الذي يذمّ أي عقيدة أو شخصية أو جماعات أو أفراد

ومنذ وقوع هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة، اندلع النقاش حول سبب العنف الذي قاد الإرهابيين المسلمين العرب التسعة عشر إلى القيام بمجزرتهم البشعة، وقال البعض ـ في الغرب وفي الشرق ـ إن مشكلة بعض المسلمين هي في نصوصهم الدينية التي تدعو صراحة إلى العنف، وإن الخلاص هو بتعديل هذه النصوص، واعتبارها مرتبطة بزمن غابر ولى، وإنها لا تنطبق على مفاهيم اليوم والحياة العصرية.

بعض هذه الدعوات صحيحة وتستحق النظر، لكنها دعوات لا تعني اتهاما لدين المسلمين بأنه دين عنفي، والدليل أن بعض مسيحيي العرب، كبعض مسلميهم، لا يفقهون معنى الحرية، بل هم يسعون إلى منعها باللجوء إلى نفس المقولة المتهافته أن "حرية الفرد تنتهي حيثما تبدأ حرية الآخرين".

لدى بعض الكنائس المسيحية في لبنان "مراكز إعلامية" على صورة وزارات إعلام الحكومات الديكتاتورية، وهي مراكز لا تعمل على نشر الدعاية فحسب، وهو نشاط لا بأس به، بل هي تعمل على حظر أي مواد تحسبها مهينة بحق "الإيمان المسيحي"، أي أنها تنصّب نفسها وصيّة على المواد التي تسمح للشعب اللبناني بالاطلاع عليها، وتلك التي ترغب في حجبها عنهم، وهو أمر غير مفهوم في عصر باتت فيه غالبية الرعية الكنسية قادرة على القراءة والكتابة والاطلاع على ما تخاله مفيدا لحياتها الروحية، وتفادي ما لا يروق لها.

والحظر الكنسي في لبنان، كنظيره الإسلامي، يعود إلى عقود. وكانت الكنيسة أوقفت بثّ مسلسلا إيرانيا يقدم الرؤية الإسلامية للسيد المسيح، وقامت بذلك يوم كان على رأس الكنيسة الرجل الذي يصوّره اللبنانيون على أنه أحد أركان "انتفاضة الاستقلال" اللبنانية، للعام 2005، والتي شاركت فيها أحزاب صوّرت نفسها تحالفا ساعيا للحرية والديمقراطية، وإذ بالتحالف نفسه لا يتردد في مساندة حظر بث العمل التلفزيوني المذكور.

وبعد رحيل رأس الكنيسة المذكور، لم تتغير سياسة الكنيسة اللبنانية في حظرها ما لا يعجبها، وكانت آخر إنجازاتها منع فرقة شبابية لبنانية من لعب موسيقاها في إحدى الاحتفالات في مدينة جبيل، ذات الغالبية المسيحية، مبررة حظرها بأن واحدا أو أكثر من أعضاء الفرقة هم من مثليي الجنس، وأن أحد أعضاء نشر سابقا رابط مقال يحوي صورة للسيدة العذراء وقد استبدل وجهها بوجه المغنية الأميركية مادونا، التي يعني اسمها "السيدة" ويستخدمه بعض المسيحيين للإشارة إلى العذراء مريم.

أما الأسوأ من الحظر الكنسي للفرقة الموسيقية فتجلى في البربرية التي أظهرها مسيحيون لبنانيون كثر، طالبوا بالاعتداء على أفراد الفرقة الموسيقية، ووصل الأمر ببعض المسيحيين حد المطالبة، عبر وسائل التواصل الاجتماعية، بحرق وقتل الموسيقيين، وهو أمر غريب لأتباع ديانة مبنية على المحبة والتسامح، وتدعو ضحايا من يتلقون لطمة على خدهم الأيمن إلى إدارة الأيسر بدلا من مبادلة اللطمة بلطمة.

وفي العراق، ثارت ثائرة "الغيارى على الدين" بعد إقامة حفل افتتاح بطولة غرب آسيا في كرة القدم في مدينة كربلاء. واعترض "دواعش" الجنوب العراقي بالقول إن المدينة مقدسة، وإنه يمنع دخول غير المحجبات إليها، وكأن الوطن العراقي مفتوح لناس وعصي على آخرين، بحسب تصرفاتهم وهندامهم.

في الإسلام آيات وأحاديث يتعامل معها بعض المسلمين على أنها تنطبق على كل زمان ومكان، وهي ليست كذلك، بل يجب الاستغناء عنها واعتبار أنها تنتمي إلى زمانها، مثل عدالة "العين بالعين والسن بالسن"، أو مبدأ قتل المرتدين عن الإسلام، أو ما إلى ذلك من تعاليم تتعارض ومبدأ الحرية المطلقة والعدالة الحديثة.

أما عند المسيحيين، فنصوص تدعو إلى التسامح والمحبة، وهي نصوص خرجت عنها كنائس وجماعات مسيحية في الماضي، فتسببت باضطهاد وكوارث بشرية، وهي نصوص على المؤمنين المسيحيين العودة إليها، والعمل بموجبها، واحترام الحرية المطلقة.

ليست الحرية حصصا، بل هي مطلقة، وهي من سمات الحضارة والتنوير، وهي من أسباب الرفاه والرقي لمجتمعاتها، وهي تقوّي إيمان المؤمنين، وتثبت أنه إيمان لا يهزه كاريكاتور مسيء عن نبي، ولا مسلسل إسلامي عن المسيح، ولا صورة أو أغنية عن العذراء مريم.

Since December 2008