الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

عقوبات تنبحُ ولا تعض

حسين عبدالحسين

في لبنان وحول العالم، انطباع مفاده أن انقلاباً حدث في السياسة الخارجية الأميركية تجاه ايران، وتالياً تجاه "حزب الله" اللبناني، مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لكنه انطباع خاطئ بالكامل.

صحيح أن مواقف ترامب تجاه ايران تغيرت عن مواقف أوباما، لكن سياسة الرئيس الحالي القاضية بفرض عقوبات على "حزب الله"، لا تختلف أبداً عن سياسة الرئيس السابق.

أوباما كان قد واجه معارضة حادة من كثيرين في العاصمة الأميركية، خصوصاً من بين أصدقاء إسرائيل، ضد الاتفاقية النووية مع إيران. ولتخفيف الضغط السياسي عن إدارته، عمد أوباما إلى المبالغة في فرض عقوبات على "حزب الله" اللبناني.

هكذا، لم تكد تمر شهور على المصادقة على الاتفاقية النووية مع ايران، في تموز/يوليو 2015، حتى وقّع أوباما قانوناً حمل اسم "منع التمويل الدولي لحزب الله"، في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.

وفيما كانت الطائرات الأميركية تحمل قرابة ملياري دولار نقداً من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى طهران، كان "مكتب مراقبة الأصول الخارجية"، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، والمعروف اختصارا بـ"أوفاك"، يفرض قوانين أكثر صرامة على الشيعة اللبنانيين في لبنان وفي الاغتراب وفي أصقاع الأرض، وهو ما يطرح السؤال: عدا عن الضجيج السياسي الذي تثيره قوانين الكونغرس الجديدة التي تفرض عقوبات على "حزب الله"، فما الجديد في هذه القوانين عن قانون أوباما 2015؟

مطلع العقد الماضي، كنّا مجموعة من الناشطين في لبنان، من المطالبين بتخفيف الحصار الخانق على العراق، والذي كان قد أودى بحياة آلاف الاطفال وحوّل البلاد إلى خرابة. وفي يوم من الأيام، زار وزير صدام المفضل طارق عزيز، بيروت، وشكر المتضامنين ممن كانوا جمعوا التبرعات المالية والعينية وأرسلوها للعراق. يومذاك، أقام مضيفو الوزير العراقي وليمة على شرفه في فندق كومودور في منطقة الحمراء، وقدموا أفخر أنواع المأكولات. ولم يكد الضيف ومضيفوه يفرغون من الأكل، حتى استل مجموعة من السيجار الكوبي الفاخر، وقام هو والمضيفون بتدخينها، أمام دهشة الناشطين، الذين كانوا يعتقدون أنهم جمعوا ما في المقدور لتخفيف معاناة العراقيين، فإذ بالوزير العراقي يتصرف وكأن الحصار كان مفروضاً على بلد آخر غير العراق.

بعد انهيار نظام صدام حسين، ظهرت تقارير استخباراته إلى العلن: كوبونات براميل نفط وأموال قدّمها النظام العراقي لفنانين مصريين وعرب، وسياسيين لبنانيين وبريطانيين وفرنسيين. كان "الاستاذ عدي" صدام حسين، يحتكر تجارة التبغ، ويستورد سجائر كوبية، ويقرصن أفلام هوليوود ويعرضها على تلفزيونه "الشباب". وكان يشارك كل صاحب مال عراقي ماله.

الشعب العراقي كان يموت جوعاً، فيما النظام وأصدقاؤه، المحليين والدوليين، بمن فيهم مسؤولو "الأمم المتحدة" ونجل أمينها العام السابق كوفي عنان، يغرقون في نهب أموال "النفط مقابل الغذاء".

الدرس من التجربة العراقية هو أن العقوبات تقتل الشعوب، فيما حكامها وأصدقاؤهم يَثرون على ظهر الشقاء الشعبي. وكما في العراق، كذلك في إيران، توقفت وزارات بأكملها عن العمل في ذروة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، فيما لم تتأخر رواتب أصدقاء ايران في المنطقة، ساعة. بل إنه، وكلّما زادت العقوبات الدولية على إيران قساوة، رفعت طهران من موازناتها المخصصة للمليشيات الموالية لها في المنطقة لمواجهة قوة العقوبات الدولية بقوة بنادق المليشيات الإيرانية.

ومثلما لم يتأثر طارق عزيز او نظام صدام بعقوبات كان عمرها تجاوز العقد من الزمن، لم يتأثر "الحرس الثوري الإيراني"، الذي يمسك بثُلثِ الاقتصاد في بلاده، بالعقوبات، بل مضى يتحايل عليها دولياً، مع شركاء تَصَدَّرَهم مسؤولون أذربيجانيون تشاركوا مع ترامب نفسه في بناء فندق يحمل اسمه في باكو.

أثناء قيام الولايات المتحدة بحياكة سلسلة من العقوبات الدولية القاسية على طهران، قبل سنوات، كرر المسؤولون الأميركيون القول إن العقوبات ستكون من الطراز الذي "يَعُضُّ"، أي أنها ستؤلم الإيرانيين وتجبرهم على التفاوض والتراجع.

اليوم، وبعد قرابة عامين على قانون 2015 الأميركي لمنع التمويل عن "حزب الله"، يستمر الحزب اللبناني في التوسع وزيادة الانفاق، فيما يعاني كل من يحمل اسم حسين أو علي أو نصرالله، من تحويل أي مبلغ من وإلى دول الإغتراب للمساهمة في نفقات عائلته أو أقاربه، وكأن المليشيات الإيرانية تُسددُ رواتب مقاتليها على شكل حوالات مصرفية.

يبدو أن العقوبات الأميركية على "حزب الله"، المُقبلة كما الماضية، تنبح فقط، ولا تعض.

الأحد، 29 أكتوبر 2017

سوريون يبحثون عن هوية

حسين عبدالحسين

كان كبيراً المجهود الذي وظّفه عدد من المعارضين السوريين في واشنطن لتنظيم لقاء جمعهم، بمشاركة نحو 25 من أعضاء الكونغرس من مؤيدي إنهاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد، وهو لقاء نظّمه وموّله السوريون الاميركيون ذاتياً.

على أن النقاشات المتنوعة اثبتت أن إعادة بناء دولة نخرها فساد آل الأسد واستخباراتهم على مدى أكثر من 40 عاماً ليس بالأمر اليسير، فقبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت كل أحزاب السوريين ملكاً لصاحبها "حزب البعث العربي الاشتراكي"، فيما كانت السيدة الاولى أسماء الأسد، تتلهى بإدارة الجمعيات المدنية الأكثر شبابية.


بعد اندلاع الثورة، التي حوّلها نظام الأسد الى عنف منقطع النظير، مع شلالات دماء ممزوجة بأسلحة كيماوية، وعلى وقع براميل متفجرة بدائية وقصف عشوائي، وجد السوريون انفسهم بلا تنظيمات تدير طموحاتهم وشؤون ثورتهم، فتقدمت التنظيمات العنفية الى الواجهة، وراح الثوار السوريون يغرقون في عملية اثبات للعالم انهم سليلو حضارة عريقة، وانهم ليسوا ارهابيين ولا برابرة من وليدي الأمس.

يتحدث أحد الحضور في جلسة نقاش حول "الهوية السورية"، والذي قدم نفسه على انه "الدكتور محمد". يقول مستاء "ذهبنا الى العالم نقول لهم اننا نريد حرية وديموقراطية، فردوا ان علينا ان نثبت لهم اننا نفهم في حقوق الانسان والنساء، وكأننا شعب بلا تاريخ ولا حضارة".

على أن تعريف "الهوية السورية" كان عسيراً، حتى على مجموعة من النخبة السورية، فغالبية المشاركين كانوا من المثقفين ومن اصحاب الشهادات العليا والوظائف الرفيعة.

الاقليات تنشد الانصاف. معلوم ان الطغاة، مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والحالي بشار الأسد، منصفون في دمويتهم، التي لا تفرق بين مسلم او مسيحي، ولا عربي أو كردي. لكن الاقليات غالباً ما تعرضت لظلم مضاعف، فترى مسيحيي العراق مجبرين على حمل علم مكتوب عليه عبارة "الله أكبر"، وترى السوريين، من العرب وغير العرب، يرددون نشيدهم "حماة الديار عليكم سلام، أبت ان تذل النفوس الكرام، عرين العروبة بيت حرام".

يقول أحد المشاركين القادمين من سوريا، وهو من "الحركة الآثورية"، إن مجموعته تطمح لسوريا علمانية لا مركزية.

العلمانية موضوع شائك. "اصدقاء سوريا" كانوا اعلنوا علمانية سوريا، فيما بعض هؤلاء الاصدقاء أنفسهم، مثل الولايات المتحدة، ليسوا من الدول العلمانية. ثم يدور نقاش حول العلمانية، يقول أحد المشاركين ان في العالم نوعين من العلمانية، الفرنسية والتركية، والتي تحظّر الدين، والانغلوسكسونية، التي تعترف بالتنوع. لا يبدو ان صاحب الرأي المذكور يفطن الى ان الدولة الاميركية، التي يسميها علمانية، تقول في "قسم الولاء" الخاص بها "أمة واحدة، تحت الله"، أو أنها كتبت "ثقتنا بالله" على عملتها. ملحدو الولايات المتحدة لطالما ازعجتهم هذه المظاهر الدينية في الدولة، ومولوا حملات دعائية باهظة للتخلص منها، من دون ان يوفقوا في ذلك.

"ما هو العقد الاجتماعي الجديد الذي تريدونه؟" يسأل صحافي من الحاضرين بالانكليزية. يجيب احد المتحدثين في الجلسة انه لا يرى ان على الدولة السورية القادمة ان تحدد معتقدات السوريين، ولا دياناتهم، ولا هوياتهم الثقافية، ولا ما يقولونه او يفعلونه، او ما يأكلونه او يشربونه في الاماكن العامة. "مهمة الحكومة تنظيم الحيز العام، وادارة موارد الدولة وضرائبها فحسب"، يتابع المتحدث.

وفي مؤتمر المعارضين السوريين حوار عن حقوق المرأة في "سوريا الجديدة"، لا امرأة واحدة على غرار الماضي، الذي قدمت فيه دمشق امرأة واحدة وحيدة اسمتها "وردة الصحراء"، أي عندما قامت اجهزة الأسد بمحاولة تحسين صورته لاخراجه من عزلته الدولية، فأقنعت مجلة عالمية مشهورة بالثناء على أسماء الأسد. منذ ذلك الوقت، اعتذرت المجلة عن المقالة الفضيحة، التي صار يصعب العثور عليها عبر محركات البحث على الانترنت.

هو نقاش حيوي بين سوريين يطمحون لسوريا جديدة مختلفة عن "سوريا الأسد"، التي لم تعرف غالبيتهم غيرها، وهو نقاش، على تعقيداته، يدور في كل دول العالم، حتى تلك التي تعيش في استقرار نسبي. هذه الولايات المتحدة منخرطة في نقاش متواصل حول حقوق الفرد وصلاحيات الدولة: هل يمكن للحكومة منع "زواج المثليين" أو "تحريم الاجهاض"؟ وان كان على الدولة ان تنكفئ عن شؤون مواطنيها، فلماذا تنفق على تعليمهم وشؤونهم المعيشية الاخرى؟

الدول متغيرة، وشعوبها تتفاعل باستمرار وتطور هويتها. حتى لو لم تنجب الثورة السورية مؤسسات يمكنها ادارة شؤون السوريين بدلا من مؤسسات الأسد المهترئة، الا انها ادخلت سوريا نادي الدول التي يتحاور فيها ابناؤها حول هويتهم، ويطورونها بشكل مستمر، بعيداً عن الهويات الموروثة من ماض، في الغالب متخيل، يقوم بفرضها على المواطنين نفر ممن يجيزون لأنفسهم فرض هندسة مجتمعية وسياسية، وهم في غالب الاحيان من اصحاب المقدرات المحدودة التي بالكاد سمحت لهم الانخراط في سلك التعليم الابتدائي.

كيف تُراجع واشنطن سياستها في سورية؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تناقلت الأوساط السياسة والإعلامية تقارير مفادها أن إدارة الرئيس دونالد ترامب عاكفة على إجراء مراجعة لسياستها تجاه سورية. واستبشر المُطالبون بقيام الولايات المتحدة بدور أكبر لإنهاء الحرب السورية بتصريحات لوزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون قال فيها ان بلاده متمسكة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، في دلالة على أن واشنطن لن تقبل أي أمر واقع عسكري يسعى لفرضه الأسد، بدعم ومساعدة حلفائه، وفي طليعتهم إيران وروسيا.

لكن عملية «إجراء مراجعة» للسياسة الأميركية في سورية لا تعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ستسعى لدفع الأمور في مصلحتها أو مصلحة حلفائها في المنطقة. حتى لو أعلنت واشنطن مجموعة مبادئ تختلف عن سياستها الماضية تجاه الأحداث في سورية، لا يعني ذلك بالضرورة ان أميركا ستضع سياستها الجديدة موضع التنفيذ، وهي حتى لو فعلت ذلك، ليس بالضرورة أن تعرف الادارة الحالية، صاحبة الخبرة الشحيحة في شؤون الحكم وتطبيق السياسات، كيفية تطبيقها.

ومن يعرف العاصمة الاميركية يعلم ان عبارة «إجراء مراجعة» يتم استخدامها في الغالب من باب «كسب الوقت» والإيحاء أن الإدارة لا تجلس متفرجة، بل انها تولي أمراً ما أهمية، وأنها عاكفة على دراسته ومعالجته. مثلاً، يوم وقعت أحداث مصر في يوليو 2013، ارتبكت واشنطن، وآثرت عدم اتخاذ موقف من الموضوع، فأعلنت ادارة الرئيس السابق باراك أوباما أنها تجري «مراجعة شاملة» لسياستها تجاه مصر. ومع مرور الوقت، وافقت الولايات المتحدة، بصمت، على الأمر الواقع الجديد في مصر، وراحت تتعامل مع الحكام الجدد على أساسه.

إدارة ترامب، بدورها، سبق أن أعلنت أنها قامت بإجراء مراجعة لسياستها تجاه إيران، وأعلن ترامب نيته تبني سياسة جديدة تجاه ايران، وقال انه اصدر تعليماته الى الوزارات الاميركية باتخاذ إجراءات جديدة. ثم مرت الأيام، وبدا وكأن سياسة ترامب الجديدة تجاه طهران لا تتعدى خطابه، وأن لا هو، ولا ادارته، تنوي أو تعرف كيفية تبني سياسة جديدة تجاه الجمهورية الاسلامية تكون أكثر تشدداً من سياسة سابقتها. وعلى الرغم من تهديدات ترامب لإيران بالهول والثبور وعظائم الأمور، إلا أن موقف الولايات المتحدة تجاه ايران ما يزال فعلياً على حاله كما أورثه أوباما لترامب، على الرغم من «المراجعة» التي قامت بها ادارة ترامب لتحديث سياستها تجاه إيران، أي أنه حتى الآن، لم تفتعل أميركا مشكلة أو تطالب بدخول المفتشين الدوليين أماكن محظورة في إيران، وهو ما من شأنه أن يتسبب بجدل يتم طرحه أمام مجلس الأمن الدولي للتوصل إلى حل، فإن تعذر ذلك، تعود العقوبات الدولية تلقائياً على إيران من دون الحاجة إلى قرار جديد في مجلس الأمن.

لكن كل الوعود التي أطلقها فريق ترامب تجاه ايران تلاشت مع نهاية خطابه، وهو ما يشي بفارق شاسع داخل الإدارة بين من يرسم السياسات، من جهة، ومن ينفذها، من جهة أخرى، ويبدو أن أقوال ترامب ومجلس الأمن القومي لا تجبر الوكالات الحكومية الاميركية، وفي طليعتها وزارتي الخارجية والدفاع، على الالتزام بها وتنفيذها، باستثناء تأييدها لفظياً.

وإذا كانت هذه حال إدارة ترامب بعد مراجعتها سياستها تجاه إيران، الأكثر وزناً بما لا يقاس من سورية، فماذا ستكون نتائج مراجعة سياسة أميركا تجاه سورية؟

الأرجح أن إدارة ترامب قد تُصعِّد كلامياً ضد نظام الأسد، ولكنها لن تقوم بأي خطوات لتعديل سياستها المتذبذبة تجاه الحرب السورية، وهي سياسة تتأرجح بين إسقاط مقاتلة «سوخوي» روسية تابعة للأسد، وعدم الاكتراث في أيام أخرى تتعرض فيها تنظيمات محسوبة على الأميركيين لحروب عنيفة تشنها عليهم القوات روسية.

المشكلة في واشنطن ليست السياسات والافكار، فهذه متوافرة وبكثرة. مشكلة واشنطن اليوم هي غياب القدرة لدى ادارة ترامب على تنفيذ غالب ما تقوله، باستثناء «المراسيم التشريعية»، التي تعثر كثير منها، وأدى بعضها الآخر إلى بلبلة بسبب غموض النصوص وانعدام الخبرة الحكومية المطلوبة لدى كاتبيها.

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

ترامب يبحث عن إنجازات والإصلاح الضريبي ما زال متعذراً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

ما زال الرئيس دونالد ترامب يبحث عن انتصار تشريعي يمكنه الإشارة إليه كإنجاز أمام مناصريه ومؤيديه، وتقديمه كحجر زاوية لحملة إعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية في العام 2020.

لكن بعد فشله في إقرار قانون ينسف قانون الرعاية الصحية الذي أقرّه سلفه باراك أوباما، وبعدما اطاحت المحاكم بمراسيمه الاشتراعية التي حاول عبرها فرض حظر على مواطني ست دول ذات غالبية مسلمة، وبعدما تعثرت محاولات ترامب الحصول على تمويل لبناء «الحائط الكبير» الذي كان ينوي تشييده على حدود الولايات المتحدة الجنوبية مع المكسيك لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، يسعى ترامب لإقناع مجلس الشيوخ بضرورة إقرار قانون يسميه قانون الإصلاح الضريبي.

ويسعى ترامب لخفض الضرائب الحكومية على الشركات من 35 في المئة حالياً إلى 15 في المئة، ويقول إن من شأن خطوة من هذا النوع أن تشجع على تدفق أموال الاستثمارات والمستثمرين الى البلاد، وتالياً خلق وظائف.

إلا أن معارضي ترامب من الديموقراطيين يشككون بإمكانية نجاح هذه الخطة، ويعتبرون أن ترامب يعمل على خفض الضرائب على كبار المتمولين، من أمثاله، بما في ذلك خفض الضرائب على التوريث، وهو ما يقلص من كمية الأموال المتوجبة على عائلة الرئيس دفعها للحكومة بعد رحيله.

على أن الديموقراطيين ليسوا وحيدين في رفض خطة ترامب تخفيض الضرائب، فالجناح اليميني المحافظ داخل الحزب الجمهوري يرفض أي تخفيض للضرائب من دون تخفيض مماثل في الإنفاق، حتى لا تؤدي التخفيضات الضرائبية الى زيادة في العجز السنوي للموازنة، وتالياً لارتفاع فوري للدين العام.

وحتى يتفادى ترامب والجمهوريون رفع العجز، أعلنوا نيتهم «إغلاق الثغرات» الضرائبية، أي تعليق الاعفاءات الضرائبية التي تمنحها الحكومة لبعض البرامج، مثل خطط التقاعد، واعفاء الضريبة على فائدة رهن المنازل، وغيرها. ويبلغ مجموع الاعفاءات 4 تريليونات دولار في عشر سنوات، وهو مبلغ كاف ليغطي خفض ضرائب الشركات وكبار المتمولين.

إلا أن ترامب يعلم أن تعليق الإعفاءات هو أمر تعارضه غالبية الاميركيين، فقال في تغريدة ان خطته تنوي الابقاء على إعفاء برنامج التقاعد، وهو ما أثار حفيظة بعض الجمهوريين، إذ إن إبقاء هذا الامتياز يجبرهم إما على تقليص التخفيض، وإما التمسك بالتخفيض مع زيادة في العجز.

على أن ترامب يصر على إقرار خطته الضرائبية، وهو لهذا الهدف أصلح علاقاته المتدهورة مع زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونل، وحاول التقرب من اعضاء المجلس بمشاركته في حفل غداء جمعه معهم في مبنى الكابيتول، قبل أيام.

لكن لطافة ترامب تجاه الجمهوريين لم تنجح في تأمين عدد الاصوات المطلوبة لتمرير القانون، إذ يستمر العداء، بل يستفحل، بين ترامب من جهة، وثلاثة من اعضاء المجلس من جهة أخرى، هم جون ماكين وجيف فلايك وبوب كوركر. وراح ترامب يتراشق والثلاثة التصريحات والهجمات عبر البيانات والتغريدات، ووصفت الناطقة باسم البيت الابيض سارة ساندرز فلايك وكوركر بأنهما «وضيعان».

وبغياب الاصوات الثلاثة، يخسر الجمهوريون غالبية 52 صوتاً التي يسيطرون عليها في المجلس، ويجدون أنفسهم مجبرين على محاولة إقناع صوتين من الديموقراطيين الثمانية والاربعين. إلا أن الديموقراطيين يستحيل ان يصوتوا لمصلحة قانون ضرائبي تراه قاعدتهم الشعبية على أنه هدية للمتمولين على حساب الدين العام.

على رغم «الكيمياء» المستجدة بين ترامب وبعض ألد اعدائه الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الا ان حملة العلاقات العامة الرئاسية لم تنجح في حصد الاصوات المطلوبة لاقرار قانون الاصلاح الضريبي، مع ما يعني ذلك من استمرار تعثر ترامب في كل وعوده التي قطعها لمناصريه اثناء الانتخابات، ومع ما يعني ذلك من تهديد لعملية اعادة انتخابه لولاية ثانية في العام 2020.

الخميس، 26 أكتوبر 2017

التخلي عن الكرد

بقلم حسين عبد الحسين

في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، سلّم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ولده وخليفته بشّار "الملف اللبناني"، فعكف الأخير على تحييد زعامات لبنان التقليدية، واستنساخ نظام الأسد العسكري الاستخباراتي في لبنان. استقدم بشار الأسد رجل أعمال من الموحدين الدروز كان يسكن الخليج، وألبسه زيا دينيا، ونصّبه زعيما مناوئا لزعيم الدروز التقليدي وليد جنبلاط، السياسي المحنّك الذي أطاح برجل الأسد ومن تبعه من دروز لبنان.

في ذلك الزمان، كنت مارا في الشوف برفقة دروز من مناصري جنبلاط. حاولوا إلقاء التحية على رجل يعرفونه، فلم يبادلهم التحية. سأل أحدهم عما جرى، فأجاب الآخر أن هذا الرجل محبط بشكل يقارب الخبل، وأنه مشى مع رجل الأسد وراهن عليه، وعندما انهار رجل الأسد، انهار أتباعه، وقاربت حالتهم الجنون. هنا ردد أحد الجنبلاطيين: ”أنا قلت له منذ اليوم الأول، خليك مع البيك (جنبلاط) أبقالك“.

في النظام الأبوي، الاجتماعي والسياسي، الراسخ في دول العرب والترك والفرس والكرد، يتعلم الناس فن المراهنة، التي تكون غالبا على الزعيم القوي الذي يمكنه تأمين الحماية على أنواعها لأتباعه، الذين يبادلونه بدورهم الولاء. هذه هي العصبيات.

لكن جنبلاط، زعيم الدروز الأوحد، ليس زعيما أوحدا في الشرق الأوسط، بل هو زعيم أقلية لا تتمتع بأعداد ولا بإمكانيات تؤهلها المنافسة بين الكبار، ما يفرض على الدروز المناورة المستمرة من أجل البقاء. هكذا، مثلما يختار الدروز زعيما من داخل طائفتهم للرهان عليه، يختار جنبلاط بدوره القوة الإقليمية التي يمكنه التحالف معها والمراهنة عليها. وفي هذا السياق، يروي معلمنا المؤرخ الراحل كمال الصليبي أنه إبان معركة عين جالوت بين المغول والمماليك في القرن الثالث عشر للميلاد، احتار الدروز على من يراهنون، فقسموا أنفسهم إلى نصفين، مجموعة قاتلت مع المغول، وأخرى مع المماليك، حتى يتوسط المتحالفون مع الفائز للمهزومين مع الخاسر.

في العام 2005، راهن جنبلاط على مشروع أميركا "نشر الديموقراطية"، فتحدى تحالف إيران والأسد و"حزب الله"، إلى أن أرسل "حزب الله" جيشه لتصفية زعيم الدروز في 2008. يومذاك، حركت القيادة الأوروبية في الجيش الأميركي قطعا بحرية في اتجاه الساحل اللبناني، وخابر رئيس الحكومة سعد الحريري جنبلاط قائلا: ”إن صمدتم 24 ساعة في الجبل، يأتي الأميركيون لإنقاذنا“، فأجابه جنبلاط: ”إذا لم نوقف الحرب، سنذهب أنا وإياك سباحة إلى السفن الأميركية في المتوسط“.

استسلم جنبلاط والدروز، وتمسكوا بسياسة "عدم انحياز" حديدية في لبنان وسورية، على الرغم من محاولات الأسد الحثيثة إقحام الدروز في "تحالف الأقليات"، الذي يعتقد الأسد أنه يقوده مع المسيحيين والشيعة وإيران وروسيا.

سبب استعادتنا سياسة المحنك جنبلاط هي لتقديم صورة عن كيفية تفكير العصبيات، التي تحركها غريزة البقاء، والتي تسعى دائما للرهان على الفائز.

سنّة العراق، كما دروز لبنان، راهنوا على الولايات المتحدة، وقاتلوا الى جانبها للقضاء على القاعدة والإرهاب. فازت أميركا بقيادة الرئيس السابق جورج بوش، وخرجت من العراق تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي رمى السنة "تحت الباص"، حسب التعبير الأميركي.

في اليوم التالي للانسحاب الأميركي، حاصرت دبابات رئيس الحكومة السابق الشيعي نوري المالكي منزل نائب الرئيس السني طارق الهاشمي، واستخدم المالكي التنكيل بالسنة وسيلة شعبوية لمقارعة منافسيه الشيعة.

ويوم جلس رئيس الأركان الأميركي السابق مارتن ديمبسي أمام الكونغرس ليقدم خطته لاستعادة الموصل من داعش، قال إن ”حجر الزاوية في خطتنا هي اعادة العلاقة مع الصحوات“، أي القوات العراقية السنية الحليفة لأميركا. لكن بضغط من إيران، عن طريق رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي، تراجعت إدارة أوباما عن تسليح الصحوات والبيشمركة، فلم يبق في الميدان إلا ميليشيات إيران المعروفة بـ ”الحشد" الشيعي.

أما المفاجأة الكبرى فجاءت من كردستان، عندما ارتكب مسعود البارزاني أكبر أخطاء حياته بإعلانه استفتاء الاستقلال الكردي. في الذاكرة الجماعية الكردية، استسلم الملا مصطفى البارزاني، والد مسعود، يوم توصل شاه إيران محمد بهلوي ونائب رئيس العراق صدام حسين لاتفاقية الجزائر في العام 1975. رمى الشاه وأميركا بالكرد ”تحت الباص“، وأمضت قوات صدام عشرين عاما وهي تمزق الكرد، بما في ذلك ضربهم بالكيماوي.

كيف أخطأ الملا مسعود الحساب؟ حتى جنبلاط رجاه، في تغريداته، تأجيل الاستفتاء، وتفادي المواجهة. جنبلاط يعرف أن أميركا غائبة وأن إيران هي الحاكمة، وهي كانت تبحث عن عذر للقضاء على حكم الكرد الذاتي برمته.

على مدى السنوات الماضية، فاز من راهن على إيران وجنرالها قاسم سليماني ـ في رأيي ـ وخسر من راهن على أميركا وحلفائها. حتى تركيا، عضو ”تحالف الأطلسي“، أدارت ظهرها لواشنطن وارتمت في أحضان طهران، ورفعت غطاءها عن صديقها البارزاني، الذي استضاف كل المعارضة العراقية ضد صدام، ودعم كل القتال ضد داعش، ليكافأ بالقضاء حتى على حكم كردستان الذاتي.

الحروب في الشرق الأسط لا تجري في فراغ، بل وفق حسابات عشائرية وقبلية مرتبطة بموازين قوى عالمية وإقليمية. إيران تلعب اللعبة حسب الأصول، وأميركا تأرجحت بين ”نشر الديموقراطية“ مع بوش و“عدم المبالاة“ مع أوباما، وهو ما ساهم في إيذاء سمعتها، وقلص من فرص عثورها على أصدقاء وحلفاء مستقبلا، في انتظار استراتيجية أميركية متماسكة، تتعاطى مع الوضع الحالي مع عين على المستقبل، وتستعيد ثقة أصدقاء أميركا وحلفائها.

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

سوريا بين أماني واشنطن وامكانياتها

حسين عبدالحسين

لو كان الأمر بيد الولايات المتحدة، لكانت درّبت وموّلت وأقامت دولة لا دينية في سوريا، صديقة لواشنطن وحلفائها في المنطقة والغرب، ولكانت واشنطن تشاركت مع هذه الدولة السورية في القضاء على كل التنظيمات والأفراد ممن تصنفهم أميركا في خانة الارهاب، بتجلياته السنية والشيعية والكردية.

لكن العين بصيرة واليد قصيرة، وعلى الرغم من الامكانات الهائلة التي تتمتع بها الامبراطورية الاميركية، عسكريا واقتصاديا وبشريا، الا ان قادتها من الدرجة الرديئة الصنف، من نجوم وابطال برامج تلفزيون الواقع. وهذه الحال، مهما بلغت القوة الاميركية، لا يمكنها تحقيق ما تريده ادارتها، طالما ان هذه الادارة تغرق في شجارات جانبية، تارة مع الاعلام، وطورا مع لاعبي ”كرة القدم الاميركية“. أميركا اليوم هي مثل العملاق من دون رأس: امكانات ضخمة وفاعلية منعدمة.

خصوم اميركا هم اول من قرأوا اهتزازها فعليا، فاجتاحت قوات الجنرال الايراني قاسم سليماني مناطق كردية لم تدخلها اي قوات غير كردية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. وتسارعت تجارب كوريا الشمالية الصاروخية والنووية.

اما السيد فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الى الأبد، فوجد فرصة سانحة للانقضاض على الشرق الاوسط، وهو ما لم تتأخر وكالة أنبائه ”ريو نوفوستي“ في كتابته صراحة، ابان زيارة ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز الى موسكو،الاولى من نوعها لعاهل سعودي. ”الملك سلمان حضر لتأكيد مكانة سيد الشرق الاوسط الجديد، روسيا“، كتبت الوكالة الروسية.

في سوريا، وجدت ادارة الرئيس السابق باراك أوباما خلاصها في تمسك إسرائيل بالرئيس السوري بشار الأسد، وتاليا التواصل مع اسياده في موسكو بهدف التعاون لابقاء الأسد في الحكم وطرد الميليشيات الموالية لايران. بعد وعود وتسويف، لم تنجح روسيا في تقديم الأسد وسوريا خالية من الايرانيين لاسرائيل، فانقلبت السياسة الاسرائيلية، وبدلا من ان يلوم الاسرائيليون انفسهم على سياستهم الماضية، راحوا يوجهون اللوم الى واشنطن لوقوفها متفرجة فيما الميليشيات الموالية لايران تقترب من الحدود السورية مع اسرائيل.

السياسة الخارجية لرئيس أميركا دونالد ترامب هي فعليا سياسة داخلية، فهو يسعى بكل ما يمكنه لاسترضاء اسرائيل، لاعتقاده ان اصوات واموال يهود اميركا تلعب دورا محوريا في عملية اعادة انتخابه لولاية ثانية في العام ٢٠٢٠. هكذا، لا يفوّت ترامب وفريقه فرصة الا ويوجهان سهام الهجوم ضد ايران وميليشياتها، مثل في تغريدة ترامب، هذا الاسبوع، والتي حمّل فيها ”حزب الله“ اللبناني مسؤولية تفجير مقر المارينز في بيروت في الثمانينات، وهو تفجير ادى الى مقتل ٢٤١ جنديا اميركيا.

لكن هذا اقصى ما يمكن ترامب: تغريدات، خطابات في مجلس الأمن، تصريحات نارية، وعقوبات عشوائية. اما على الأرض، فخطوات عشوائية تتراوح بين اسقاط مقاتلة سوخوي روسية تابعة للأسد، ثم مشاهدة القوات الكردية ترفع في الرقة، المستعادة من داعش، صورة عبدالله اوجلان، الذي تصنفه واشنطن ارهابيا.

في ظلّ عجز ترامب عن تنفيذ اي من سياساته الداخلية او الخارجية، تمضي السياسة الاميركية في الشرق الأوسط تلقائيا حسبما صممها سلفه أوباما، فيستمر منسق الحرب ضد داعش بيرت ماكغيرك في منصبه، من دون تعليمات من واشنطن، ويمضي في تنفيذ سياسة ارتجالية مبنية على المتاح له من ادوات، والتي لم تعد تناسب ”اليوم التالي“ لالحاق الهزيمة بداعش.

في ظل العجز الاميركي، يبدو ان بوتين وجد الفرصة سانحة مجددا لتعميق جراح واشنطن بدعوته لمؤتمر، زعم انه مخصص لكل مكونات الشعب السوري للتوصل الى تسوية سياسية. طبعا تبدو دعوة الرئيس الروسي صادقة وعادلة، لكن من يعرف مصير مناطق خفض التصعيد، التي لم تؤد الا الى المزيد من التقدم للأسد وايران على حساب المعارضين السوريين، يعلم ان سبب المؤتمر غاية في نفس بوتين، وان الولايات المتحدة — التي لا تملك ولا ورقة واحدة داخل سوريا — ستكتفي بالتصريحات وبالمشاركة بصفة مراقب، على غرار مؤتمرات استانة وباقي المناسبات السياسية.

لم تعد مقررات جنيف اساسا للتسوية في سوريا، ولم يعد للشعب السوري اصدقاء. العالم يتقاسم النفوذ على جثث السوريين، وأميركا غارقة في تفاهات رئيسها، والسوريون يتابعون مصير بلادهم، غالبا عبر شاشات الفضائيات وبرامجها الحوارية.

خروج الأزمة الخليجية من نطاقها السياسي يُقلق الأميركيين... ويُقفل باب الحلول

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

جدد المسؤولون الأميركيون، سراً وعلناً، تمسكهم بالوساطة الكويتية للتوصل إلى حل للأزمة الخليجية، التي دخلت شهرها الخامس، لأن «الولايات المتحدة تعتقد أن الحل الخليجي هو بيد أهل الخليج»، وأن «الكويت هي من أهل الخليج»، حسب ما قالت مصادر أميركية رفيعة المستوى.

وإذ أيدت ما ورد في خطاب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، أمام مجلس الأمة الكويتي، أول من أمس، لناحية قلقه من استمرار الأزمة وتفاقمها، أضافت المصادر: «لأن واشنطن، مثل الكويت، تدرك فداحة استمرار الأزمة في الخليج»، قام وزير الخارجية ريكس تيلرسون، أثناء جولته الأخيرة في المنطقة، والتي شملت الرياض والدوحة، «برجاء ولي العهد» السعودي الأمير محمد بن سلمان لقبول الانخراط بحوار وجهاً لوجه مع القطريين.

ويستبعد الأميركيون أي حوار مباشر بين أفرقاء الأزمة في المدى المنظور، ويؤكدون اتفاقهم مع المسؤولين الكويتيين على أن المطالب الثلاثة عشر، التي وجهتها الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) إلى قطر إبان اندلاع الأزمة، صارت بمثابة المستوفاة بغالبيتها، خصوصاً لناحية مكافحة تمويل الارهاب، حيث تُثني واشنطن على أداء قطر والتحسن الكبير الذي طرأ عليه، وهو ما دفع الكويت إلى كفالتها أمام الدول المقاطعة، ودفع واشنطن أيضاً لإبلاغ مسؤولي هذه الدول أن الولايات المتحدة يمكنها أن تشهد أن «قطر صارت في صدارة الدول في مجهود مكافحة الإرهاب».

لكن في واشنطن قلق يشبه القلق الكويتي، لناحية أن الأزمة الخليجية خرجت من إطارها السياسي، ودخلت في اطار شخصي، وهو تطور «يمنع كل الحلول»، حسب المصادر الاميركية. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن ما عرقل التسوية حتى الآن هو عمق الخلاف القطري مع بعض الدول، الأمر الذي يفرض نوعاً من التضامن التلقائي بين المتخاصمين، فيتعمق الخلاف أكثر فأكثر، ويمتد زمنياً، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار «مجلس التعاون الخليجي»، خصوصاً أن بعض الدول المقاطعة لقطر عرضت، مراراً، فكرة إنشاء مجلس إقليمي بديل عن «مجلس التعاون»، من دون مشاركة قطرية.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن «مجلس التعاون فكرة كويتية، ومؤسسة أثبتت نجاحها حتى الأمس القريب، وان الاستغناء عنها يسمح لأعداء الخليج بالتسلل إليه»، في إشارة ضمنية إلى إيران.

على أنه وسط القلق الاميركي من استمرار الأزمة الخليجية، مازالت واشنطن والعواصم الغربية متمسكة بتقييمها القائل ان الأزمة ستطول، وان على هذه العواصم تبني سياسات على هذا الأساس.

وتبعاً لذلك، فإن القلق الاميركي لم يُعطّل أو يؤخر زيارة مساعدة وزير الخارجية لشؤون السياسة والعسكر تينا كايداناو، التي تقوم بجولة في المنطقة تشمل الكويت، عنوانها الأول زيادة مبيعات الأسلحة الأميركية، عملاً بسياسة الرئيس دونالد ترامب.

ويعتقد الخبراء أن ترامب يرغب في منح الولايات المؤيدة له عقود عمل لمصانعها الحربية، ويعتقد أن الحكومة الفيديرالية ليست قادرة على تأمين هذه الاموال والعقود، ما يدفعه للبحث عن زبائن في حكومات العالم.

وكانت مبيعات الاسلحة الاميركية وصلت إلى قرابة 25 مليار دولار في فترة يناير - أكتوبر 2016، لكنها سجلت ارتفاعا قياسياً بتحقيقها إجمالي مبيعات بلغ 68 مليار دولار للفترة نفسها من هذا العام.

وتتطلب زيادة مبيعات الأسلحة مراجعة بعض السياسات الاميركية التي كانت تفرض شروطاً على الحكومات التي تشتري السلاح الأميركي، وهي شروط ترتبط بمواضيع الديموقراطية وحقوق الانسان. إلا أن ترامب أمر بمراجعة كل هذه السياسات وإلغائها، ما فتح الباب أمام شركات السلاح الأميركية إلى زيادة مبيعاتها بشكل قياسي.

صحيح أن الأزمة الخليجية تقلق أميركا، لكن صحيح أيضاً أن أميركا تمضي في تسويق وبيع أسلحة مصانعها الى طرفي الأزمة الخليجية، وكأن حلول الصراعات حول العالم تقضي بتسليح الحكومات بصورة أوسع.

الجمعة، 20 أكتوبر 2017

أسلحة أميركية بأيدٍ إيرانية

حسين عبدالحسين

في زيارتهم الأخيرة إلى واشنطن، للمشاركة في الأعمال نصف السنوية التي يعقدها "البنك الدولي"، حذر مسؤولو البنك الوفد العراقي من الانخفاض الحاد في احتياطي العملات الأجنبية المودعة في مصرف العراق المركزي؛ من حوالي 80 ملياراً إلى أقل من نصف ذلك، وقالوا إن هدف هذا الاحتياطي هو تثبيت سعر صرف الدينار العراقي، وإن فقدانه يُعرّض الدينار والعراقيين لأزمات مفاجئة.

انخفاض الاحتياطي العراقي سببه سماح بغداد لصيارفة سوريين وإيرانيين باستبدال عملاتهم الوطنية بالدينار، ثم استبدال الدينار بعملات أجنبية صعبة، وهو ما يسمح لطهران ودمشق الالتفاف حول العقوبات الدولية. حتى "الاحتياطي الفدرالي" الأميركي، الذي يزود العالم بعملة الدولار الورقية، حذّر العراقيين من توقفه عن تزويد مصرفهم المركزي إن لم تتوقف بغداد عن نزف الدولار.

نموذج استغلال إيران للعلاقات العراقية المصرفية الجيدة مع العالم، كما استغلالها للقطاع المصرفي اللبناني، هو نموذج عن استغلال طهران لكل ما يمكنها أن تحصل عليه عن طريق أصدقاء أميركا، الذين هم في الواقع حلفاء إيران، من أمثال الراحل أحمد الجلبي، ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي، والحالي حيدر العبادي.

ويمتد الاستغلال الإيراني لعطف أميركا على حلفائها باستخدام مليشيات "الحشد الشيعي" العراقية أسلحة أميركية متطورة، مثل دبابات ابرامز وناقلات جند وغيرها. ويندر أن يمر يوم من دون أن يشاهد الأميركيون أسلحتهم وهي تحمل رايات الباسيج الإيراني، وباقي الرايات التي تُعبّر عن ولاء مقاتلي المليشيات العراقية لولي الفقيه في طهران.

والأسلحة الأميركية في أيدٍ إيرانية ليست محض صدفة، بل تزامنت مع الغطاء الجوي الكثيف الذي قدمته المقاتلات الأميركية للمليشيات العراقية الشيعية، حتى أن الجنرال قاسم سليماني، كان يدير على الأرض المعركة ذاتها التي شاركت فيها القوة الجوية الأميركية من السماء.

ثم يأتي دور "الجيش اللبناني"، فيُحجم الأميركيون عن تسليحه متذرعين بأن أي أسلحة حديثة يمكن أن يستولي عليها "حزب الله"، فينتهي الأمر و"الجيش اللبناني" مسلح بشكل أكثر تواضعاً بكثير من غالبية المليشيات المنتشرة في عموم الشرق الأوسط.

لطالما رفضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، تسليح ثوار سوريا، بحجة أن الأسلحة قد تجد طريقها إلى يد مجموعات متطرفة. وانصب اهتمام أوباما وفريقه على "اليوم التالي"، اي اليوم الذي يلي تحرير الأراضي العراقية والسورية من تنظيم "الدولة الإسلامية". وعبّرت إدارة أوباما مراراً أنها لن تسلّح ثوار سوريا خوفاً من ان يقوم هؤلاء بتوجيه أسلحتهم ضد الولايات المتحدة واصدقائها ومصالحها بعد التخلص من "داعش".

لكن لسبب ما، لا يبدو أن وصول أسلحة أميركية إلى أيد إيرانية، مع ما يعنيه ذلك لمصير "اليوم التالي" بعد القضاء على "داعش"، قد أقلق أوباما أو ادارته.

هكذا، جاء "اليوم التالي" للقضاء على "داعش" في العراق، أو قبله بقليل، فنقلت المليشيات الإيرانية السلاح الأميركي ضد كركوك، أول حلفاء أميركا في الحرب ضد "داعش".

طبعاً، حرصت إيران على تصوير العملية العسكرية للقضاء، لا على الاستقلال الكردي فحسب بل على الحكم الذاتي الكردي برمته، على أنها عملية حكومية عراقية لاستعادة سيادتها في كل ارجاء العراق. هكذا، لم يكد العبادي يفرغ من تهديداته المالية والسياسة ضد كردستان حتى وصلت المليشيات الإيرانية كركوك، وكانت صورة إشراف أبو مهدي المهندس، وهادي العامري، على رفع العلم العراقي فوق مبنى محافظة كركوك عبارة عن صورة إيرانية مختارة بعناية: مفارقة رهيبة كانت في استعادة سيادة حكومة العراق على كركوك من قبل قادة مليشيات.

المتابعون الأميركيون صاروا يعرفون أن مليشيات العراق الشيعية تستخدم الامكانيات العراقية، المالية والعسكرية والبشرية، وتأتمر بأوامر إيران. هذه المليشيات الإيرانية في العراق "بدأت لتوها"، كما يكتب انشال فوهرا، في "فورين بوليسي" الأميركية، وهي ما أن تتم لها السيطرة على المناطق الكردية، ستوجه أسلحتها الأميركية صوب بغداد، وسيقف العبادي متفرجاً على من يختاره قادة الملشيات حاكماً شكلياً للعراق خلفاً له.

لو كنا من مناصري "نظريات المؤامرة" لقلنا إن واشنطن وطهران نسقتا عملية استيلاء ايران على المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط. لكن، لأننا نعرف تواضع الفكر الأميركي، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وتأرجح السياسة الخارجية، نعرف أن ذكاء ايران لا أميركا هو الذي أوصل الأسلحة الاميركية إلى اليد الإيرانية. وقد تصل أسلحة وأموال أميركية كثيرة غيرها للايرانيين في المستقبل المنظور.

الخميس، 19 أكتوبر 2017

تساؤلات عن خطة واشنطن لما بعد انهيار «داعش»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

العمليات العسكرية في مناطق الرقة ودير الزور في شمال سورية الشرقي، والتي تشكل «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) ذات الغالبية الكردية رأس حربتها، في معركة القضاء على تنظيم «داعش»، لا تزال تحت إشراف الطاقم المتبقي من فريق الرئيس السابق باراك أوباما، يتصدرهم الديبلوماسي بيرت ماكغورك المبعوث الأميركي للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وتظهر تصريحات القادة العسكريين الاميركيين، خصوصاً في التعليق على اجتياح ميليشيات «الحشد الشعبي» العراقية مناطق كردية شمالية، ان القادة الاميركيين الميدانيين - من العسكريين والمدنيين - لم يتلقوا تعليمات جديدة حول الوجهة التي تتبناها واشنطن، خصوصاً مع اقتراب الانهيار الكامل لـ «داعش».

وكان ضباط في القيادة الوسطى الاميركية ردوا على احداث كردستان العراق بالقول ان مهمتهم هي القضاء على «داعش»، داعين الاطراف العراقية الى وقف القتال بينهما والعودة الى التركيز على قتال التنظيم الإرهابي.

الا ان الاحداث لا تنتظر واشنطن ورأيها، فسيطرة «قسد» على الرقة، وانتزاعها مساحات واسعة من الاراضي السورية شرق الفرات، كما انتزاع مقاتلين أكراد مراكز مدنية وعسكرية تابعة للرئيس السوري بشار الأسد في مدينة الحسكة ذات الغالبية الكردية، كلها احداث جعلت من تعاطي الولايات المتحدة مع «اليوم التالي» لانهيار «داعش» أمراً ملحاً، خصوصاً أن «قسد» والفصائل الكردية الأخرى بدأت تمارس حكماً في المساحات التي تسيطر عليها قد تؤدي لاستفزاز بعض السكان العرب.

ويشتبه المسؤولون الاميركيون المتابعون للوضع السوري شرق الفرات ان الأسد، ومن ورائه ايران، يحاول النفاذ الى قلب المناطق التي تشرف أميركا على معارك القضاء فيها على «داعش»، وذلك عبر استغلال الانقسامات الكردية - العربية وتغذيتها.

وتشير تقارير غير مؤكدة إلى ان الادارة الكردية تطبق على كل موارد المساحات التي تمسك بها، وتتحكم في شؤون الادارة، بما في ذلك فرض تعليم اللغة الكردية في المدارس، حتى على الطلاب العرب.

وفي هذا السياق، أعلنت مجموعة من الشبان الملثمين الذين ظهروا في فيديو إنشائهم «حركة القيام»، التي وعدوا فيها بمحاربة «الإرهاب» و«الإمبريالية»، أي مواجهة «قسد» والمجموعات الكردية الاخرى. وعلى المدى الايام القليلة التي تلت إعلان انشائها، نفذت «القيام» عدداً من عمليات «اضرب واهرب» التي أدت الى قتل أو جرح عدد من مقاتلي «قسد».

ولدى دراسة بيان «حركة القيام»، قال خبراء اميركيون ان المجموعة هي في الغالب تابعة للايرانيين والأسد، على الرغم من محاولتها الايحاء بأنها من المعارضة السورية باستخدامها ألوان علم المعارضين. ولفت الخبراء الى بعض الاشارت التي قالوا ان المعارضين لا يستخدمونها في الغالب في بياناتهم، مثل أسلوب البسملة الاسلامية، والحديث عن وحدة وسيادة «الجمهورية العربية السورية».

ودفع الاعتقاد الأميركي أن إيران والأسد قد يحاولان استغلال وتذكية الانقسامات الكردية - العربية، لإضعاف «قسد» واستعادة السيطرة على شرق الفرات، الى التسريع في الحصول على مباركة اقليمية - عربية، فزار الوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان محافظة الرقة، برفقة ماكغورك، والتقى عدداً من شيوخ العشائر، وحضهم على التماسك، وعلى عدم الاشاحة بنظرهم عن قتال «داعش» والتلهي بالخلافات الشخصية والداخلية، إنْ بين العرب أنفسهم، أو بينهم وبين الاكراد. كما وعد المسؤولان، الاميركي والسعودي، بتقديم مساعدات لإعادة الإعمار فور الانتهاء من العمليات الحربية والقضاء تماماً على «داعش».

واشنطن غائبة عن تطورات العراق وسورية، بما في ذلك الحرب على «داعش»، التي يبدو أنها تسير على «الطيار الآلي»، حسب التعبير الاميركي، تحت إشراف قيادات عسكرية وديبلوماسية من الصف الثاني، والتي لا تملك القدرة على القيام بتغييرات استراتيجية، على أمل ان تستفيق واشنطن الغارقة بقصص ترامب في الوقت المطلوب لاعادة توجيه قوتها بما يتناسب والمرحلة المقبلة في المنطقة.

نووي إيران وميليشياتها


يروي عدد من المسؤولين اللبنانيين السابقين في مذكراتهم عن مفاوضات جرت بين حكومة لبنان وزعيم ميليشيا فتح الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، في العام 1969.

وفي التفاصيل أن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والذي حاول التعويض عن هزيمة حزيران 1967 أمام الإسرائيليين بإطلاقه حروب عصابات واستنزاف من "دول الطوق" باتجاه اسرائيل، استضاف مؤتمر مفاوضات بين الحكومة اللبنانية وعرفات.

حضر اللبنانيون وتأخر عرفات، حتى كاد اللبنانيون يغادرون القاهرة عائدين إلى بيروت، لكن عرفات وصل مصر فجأة. كان عرفات ينتظر تحقيق انتصار ما في معاركه المسلحة ضد مضيفيه اللبنانيين، فأسقطت قواته مقاتلة هوكر هنتر لبنانية، ولذلك طار إلى القاهرة ليشارك في المفاوضات، وفي جعبته الانتصار الذي يعكس تفوقه عسكريا على الأرض. تراجعت الحكومة اللبنانية عن مطلب نزع سلاح الفلسطينيين على أرضها، واكتفت بتنظيم العلاقة مع عرفات، في اتفاق كارثي قوض سيادتها حتى اليوم، وحمل اسم "اتفاق القاهرة".

عبر التاريخ، لم تهدف الاتفاقيات في "الشرق الأوسط" إلى حل النزاع أو التوصل إلى تسوية. الاتفاقيات الشرق أوسطية هي اعتراف بميزان قوى جديد يستبدل السابق. هكذا انتزع عرفات سيادة لبنان بقوته المالية والعسكرية، ثم كرّس الواقع الجديد في "اتفاق القاهرة". وهكذا أيضا، انتزع "حزب الله" عسكريا سيادة حكومة لبنان في 2008، وكرّس الترتيب الجديد في "اتفاقية الدوحة" في العام نفسه.

وهكذا، لم تعتقد إيران يوما أن هدف اتفاقيتها النووية مع المجتمع الدولي هو التسوية والسلام، بل تنظر إيران إلى الاتفاقية كاعتراف دولي رسمي بتفوقها على الولايات المتحدة في الجولة الأولى، أي في العراق ولبنان، وسيطرتها على هذين البلدين، لتتفرغ للسيطرة على سورية واليمن.

وإيران قد تسعى لاتفاقية جديدة مع الغرب، مع انقضاء مهلة تجميدها تخصيب اليورانيوم في السنوات العشر القادمة، فيعود العالم إلى مفاوضات جديدة، بعدما انتزعت إيران ما تسميه حقها في التخصيب في الجولة الأولى، ما يعني أن الجولة المقبلة ستكون في الغالب للاعتراف بسيطرتها على سورية واليمن، ومنح الإيرانيين "حقوقا" نووية جديدة، ربما لصناعة أسلحة نووية، وتجربة تحميلها على رؤوس صواريخ بالستية.

هذا يعني أن إيران تشترك وهتلر في مفهومها للاتفاقيات على أنها "خذ وطالب"، وهو ما يعني أن أي عدد من الاتفاقيات الغربية والعالمية معها لن يفضي أبدا إلى سلام إقليمي أو تسوية نووية.

هذا يعني أيضا أن سذاجة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما كانت تكمن في الاعتقاد أنه يمكن استعادة الصداقة الأميركية مع إيران، وهي سذاجة لا تضاهيها إلا سذاجة رئيس حكومة بريطانيا نيفيل تشامبرلين، الذي عاد إلى لندن باتفاقية اعتقد أنها اتفاقية سلام نهائي مع هتلر في العام 1938، لتجتاح دبابات طاغية ألمانيا بولندا في أقل من عام.

وهذا يعني كذلك أنه يستحيل التوصل لاتفاقية مع إيران بالمهارة الدبلوماسية وحدها وإظهار حسن النوايا، بل إن أي اتفاقية مع الإيرانيين تشترط فرض موازين قوى على الأرض تجبر الإيرانيين على القبول بشروط الولايات المتحدة والغرب.

طبعا هذه المقالة ليست دعوة لحرب أميركية ضد إيران، بل هي دعوة لواشنطن لمواجهة خطر الميليشيات الموالية لإيران بجدية أكبر، ولمقابلة الأساليب الإيرانية بأساليب مشابهة، مثل بناء ميليشيات محلية يمكن الركون إليها في التصدي لميليشيات طهران، وهو ما كاد يحصل في العراق وسورية، لولا استماتة إدارة أوباما في استرضاء إيران بخنقها أي ميليشيات موالية للغرب.

مواجهة إيران النووية وتوسعها الإقليمي لا يكون بالعقوبات والدبلوماسية على أهميتهما، بل أن أي مواجهة لفرض تسوية على الإيرانيين تقضي بتعديل موازين القوى في الحرب الميليشيوية غير التقليدية التي تخوضها طهران في عموم المنطقة.

يوم تعلم إيران أن الغرب رسم خطوطا حمراء في وجه ميليشياتها، وأنه قرر مواجهة هذه الميليشيات وإجبارها على التراجع، قد تدرك طهران يومها أن طموحها قد بلغ حدوده، وأن المتبقي أمامها هو أما الدخول في اتفاقية للحد من خسائرها، أو المضي في حرب استنزاف ليست في مصلحتها.

إيران تتحول نووية بقوة ميليشياتها، ووقف هذه الميليشيات هو حجر الأساس في فرض أي اتفاقية نووية جديدة على الإيرانيين.

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

هايلي وبومبيو الأوفر حظاً لتولي وزارة الخارجية الأميركية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بات من شبه المؤكد خروج وزير الخارجية ريكس تيلرسون من منصبه بعدما بلغ التوتر في علاقته مع الرئيس دونالد ترامب ذروته. وكان تيلرسون تفادى، في مقابلته الإعلامية الثالثة على التوالي، نفي وصفه الرئيس بالمغفل، متمسكاً برده الأولي الذي قال فيه إنه لا يدخل في هذه التفاهات. لكن يبدو أن ترامب يعشق التفاهات، فهو كان رد على وزير خارجيته بتحديه في «مباراة ذكاء».

ويقول المتابعون إنه على عكس وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي وجد موقعاً وسطياً يحافظ فيه على استقلال آرائه من دون أن يبدو متعارضاً مع آراء الرئيس، لم ينجح تيلرسون في ذلك، بل ان الآراء بينه وبين ترامب تكاد تكون متضاربة منذ اليوم الأول لتوليه منصبه في الخارجية، إنْ كان لناحية معارضة تيلرسون تقويض الاتفاقية النووية مع إيران، أو لناحية قول وزير الخارجية ان ما قاله ترامب في تأييده تظاهرات العنصريين البيض تمثل آراء الرئيس وحده.

ولأن عملية خروج تيلرسون صارت شبه محسومة، اندلع سباق بين المرشحين المحتملين، تتصدرهم المندوبة الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، على أن تحل عضو مجلس الأمن القومي دينا حبيب باول مكانها. كذلك، تداولت أوساط البيت الابيض اسم مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) مايك بومبيو، على أن يحل محلّه السيناتور الجمهوري اليميني المتطرف تيم كوتن. والاثنان، هايلي وبومبيو، هما من الصقور، ومن المرجح أن يدفعا ترامب في اتجاه مواجهات دولية أكثر من تيلرسون، الذي شكّل مع ماتيس ومستشار الأمن القومي هنري ماكماستر جبهة من الحمائم التي كبحت جماح ترامب وأبقت الولايات المتحدة «بعيدة عن الفوضى»، حسب تعبير رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر.

أما كوتن، وهو من الشيوخ المقربين من ترامب ويتحادث معه ثلاث الى أربع مرات أسبوعياً، فهو من أكثر الصقور تطرفاً، وسبق له أن خدم في العراق، ويعد من أبرز معارضي الاتفاقية النووية مع ايران، ومن الداعين للانخراط في مواجهة أوسع مع الايرانيين.

على أنه بعيداً عن الأسماء المتداولة، تشي عملية المناقلات، إنْ حصلت، لا بضعف تيلرسون وخروجه، بل بضعف إدارة ترامب، التي تعاني من أكبر نسبة تعيينات واستقالات في مناصبها العليا، وهو ما يشير إلى اهتزاز، ويمنع الاستقرار والتخطيط على المدى الطويل، ويفتح باب المنافسة والدسائس و«مؤامرات القصر»، في وقت يبدو أن ترامب نفسه يعشق هذا النوع من سياسات القصر، ويحرض العاملين لديه على بعضهم البعض، ويطلب ولاء غير مسبوق من كل واحد منهم، فيما هو لا يبادل من يوالونه أي ولاء مماثل.

على الصعيد الداخلي، ورغم إطلالة ترامب مع زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في مؤتمر صحافي مشترك، في خطوة أراد بها الرجلان القول إنهما طويا صفحة الخلاف العلني بينهما، وعلى الرغم من إعلانهما نيتهما العمل على اقرار قانون تخفيض للضرائب، ما زال المتابعون يشككون في قدرة ترامب على خلق جبهة متكاملة في «الشيوخ» للحصول على غالبية يحتاجها لقانونه الضريبي.

وفي حال فشل ترامب في إقرار قانون ضرائب، يكون قد فشل في استصدار أي تشريع داخلي مهم، وتنحصر إنجازاته هذا العام بسلسلة من «المراسيم التشريعية»، التي يوقعها بوتيرة فاقت وتيرة كل أسلافه، وهي إشارة على فشل الرئيس في بناء تحالفات سياسية لتطبيق رؤيته في حكم البلاد وإدارتها.

حكم عسكري في أميركا

حسين عبدالحسين

في جامعة يال المرموقة، تباحث نفر من كبار الباحثين في علوم الحكومات والديموقراطية، وقرعوا ناقوس الخطر حول ما يتهدد الديموقراطية الاميركية، التي تبدو في عهد الرئيس الأمي دونالد ترامب، مهزوزة، ومتعبة، ومريضة.

ولفت الباحثون الى عدد من الممارسات التي قام بها المشرعون من الحزبين، والتي قوضت اسس الديموقراطية الاميركية، مثل قيام الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، قبل سنوات، بنسف مبدأ التعطيل الذي كان يسمح للأقلية بعرقلة التعيينات الرئاسية، ثم قيام الغالبية الجمهورية في مجلس النواب بدفع البلاد الى حافة التخلف عن سداد ديونها، لولا تسوية حصلت آخر لحظة، تلى ذلك قيام الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ بتعطيل المصادقة على اختيار الرئيس السابق باراك أوباما لقاض في المحكمة العليا من دون مبرر.

وشكل وصول ترامب الى الرئاسة قمة التقويض للديموقراطية، فالرئيس الحالي لا يحترم اياً من القوانين، وهو لم يتخل عن ادارة امبراطوريته التجارية، وهو ما يشكل تضارب مصالح اثناء عمله رئيسا. كذلك عين ترامب كل افراد عائلته في اعلى المناصب الحكومية، مخترقا بذلك قوانين المحاباة، وهو يصدر تصريحات دورية ضد الاعلام، ويطالب بسحب تراخيص الاعلام الذي يعارضه.

في ظل انتشار الفساد، وتفشي الحزبية على حساب احترام المؤسسات والتمسك بالاعراف الديموقراطية، زاد عدد من يؤيدون قيام حكومة عسكرية في الولايات المتحدة من واحد من كل 16 اميركيا في العام 1995 الى واحد بين ستة في العام 2014، فيما اعتبر واحد من كل خمسة من الاميركيين، في استفتاء هذا العام، ان قيام حكومة عسكرية هو فكرة جيدة.

وتطور الرأي العام الاميركي، الذي يفترض انه اكثر وعيا من نظيره في دولة مثل مصر، من معارض بالكامل لحكم العسكر الى معارض بدرجات اقل، يشي بأن قيام بعض المصريين بالصاق الجزمة العسكرية على رؤوس اولادهم حبا لزمرة العسكر الحاكمة، كما قيام اللبنانيين بانتخاب ثلاثة قادة للجيش منذ العام 1998وحتى اليوم، هو جزء من تحول في الرأي العام العالمي من متمسك بحكم المدنيين، الى مؤمن بحكم الجنرالات والاستقرار الذي يفرضونه، حتى لو كان الاستقرار المزعوم مترافقا مع فساد على نطاق غير مسبوق ومع قمع مقيت للحريات الشخصية والعامة.

وتشير الدراسات الاميركية الى ان الابتعاد عن الديموقراطية والحوار مع الآخر ادى الى ارتفاع في نسبة معارضي الزواج من الحزب الآخر من خمسة في المئة في الستينات، الى 50 في المئة اليوم. هكذا، تحولت احياء، بل بلدات ومدن أميركية بأكملها، الى معاقل لهذا الحزب او ذاك، فاكتسحت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون كل المدن، وحصد ترامب كل الارياف، مع ما يعني فوز ترامب من سيطرة العقل الريفي على المديني، وهو ما يبدو جليا في نوعية الوعود التي يطلقها ترامب لمناصريه، والتي تدعو للفصل، وتنبذ التنوع السائد في المدن.

ظواهر الفصل العنصري والعقائدي، وتحول المناطق الى غالبيات ساحقة ذات لون واحد منغلق على بعضه، وتحول المعارك بين المجموعات الى معارك مصيرية لا تسويات فيها، هي ظواهر تعم العالم، بديموقراطياته وديكتاتوريته. في الديموقراطيات، تتأرجح الحكومات وتفقد توازنها، وفي الديكتاتوريات، مثل روسيا ومصر وغيرها، يستبد الحاكم ويلغي التنوع، ويسكت الانتقاد، ويمعن في الثراء على حساب المال العام وشقاء الغالبية.

تخبرني صديقة هندية تعمل في ”البنك الدولي“ ان حكومة بلادها أقرّت سلسلة من ”المراسيم التشريعية“ التي حظرت بموجبها بيع وتناول اللحم الاحمر على انواعه لتعارضه مع المعتقدات الهندوسية. هكذا، فرض الهندوس عقيدتهم على عامة الهنود، حتى من غير الهندوس، او من الهندوس ممن لا يمارسون طقوس وشعائر دينهم. وتقول انك صرت ترى الهنود يلتهمون لحم البقر بشراهة قبل صعودهم الى طائرات العودة الى ديارهم، مثلهم مثل مواطني الدول التي تحظر بيع وشرب الكحول، والذين تراهم في المطارات في طريق عودتهم الى بلدانهم سكارى.

هكذا هو العالم، يسير بعيدا عن التنوع، فيما الديموقراطية مريضة يقودها رؤساء يسميهم وزراؤهم مغفلون.

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

«الراي» تكشف الأسباب الخفية لانقلاب واشنطن على «النووي الإيراني»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تروي مصادر الادارة الأميركية أنه لما وجّه كبار المسؤولين فيها أسئلة إلى وكالات الاستخبارات حول ما إذا كانت إيران متعاونة حسب الاتفاقية النووية، أجابت الاستخبارات الأميركية: «لا نعرف». ودار أخذ ورد بين الحكومة ووكالات استخباراتها حول هذه «الفجوة» في المعلومات الأميركية، على الرغم من أن هدف الاتفاقية كان التوصل إلى نظام صارم لا يدع مجالاً للشك حول نشاطات ايران النووية.

وتواصلت واشنطن مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي زارتها في فيينا الموفدة الأميركية الدائمة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وقدمت للوكالة أسئلة شبيهة بتلك التي طلبت إجابات حولها من الاستخبارات الأميركية، فجاء الرد الدولي مشابها: «في معلوماتنا حول تجاوب ايران مع الاتفاقية فجوات لا نستطيع بموجبها الاجابة عن أسئلتكم».

خلف هذه الاسئلة وانعدام الإجابات عنها المشكلة نفسها التي أعاقت التوصل للاتفاقية بين ايران والمجموعة الدولية على مدى أشهر، وهو إصرار إيران على ابقاء ما تسميها «مواقع سيادية»، مثل القواعد العسكرية وبعض المقار الحكومية، خارج نظام التفتيش.

ولأن إيران كانت في الماضي «كذبت»، حسب الأميركيين والأوروبيين، عندما أقامت منشأة فوردو النووية المحصنة تحت الجبال بالقرب من مدينة قم من دون أن تبلّغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قبل أن تكتشفها الاستخبارات الغربية بـ «إخبارية» من المعارضين الايرانيين، ولأن الوكالات الغربية تجمع على أن الايرانيين قاموا بتجارب نووية تركت آثاراً مشعة في منشأة بارشين العسكرية، لا تثق واشنطن بالايرانيين، وتعتقد أنه على الرغم مما قد يبدو تجاوباً مع الاتفاقية، إلا أن طهران قد تكون في طريقها إلى تطوير هندستها وتجاربها النووية والصاروخية حتى تكون جاهزة في مهلة 14 عاماً، تاريخ انقضاء كل مفاعيل الاتفاقية النووية.

وبعدما فشلت الولايات المتحدة في الحصول على إجابات من الوكالة الدولية حول أسئلتها النووية الايرانية، طلبت واشنطن من المفتشين الدوليين توجيه طلبات رسمية لدخول مواقع إيرانية محظورة عليهم، تحت طائلة التصعيد في مجلس الأمن الدولي في حال لم تتجاوب طهران.

رفض المسؤولون الأوروبيون الطلب، وأبلغوا نظراءهم الأميركيين انهم لن يقوموا باستعراض سياسي يكسب منه الرئيس دونالد ترامب، وأنه إنْ أرادت واشنطن إجابات عن الاسئلة، فلتذهب إلى تعديل الاتفاقية في مجلس الأمن. تقول مصادر الادارة ان هايلي قالت للوكالة والأوروبيين: «سنفعل ذلك، سنُعدّل الاتفاقية».

البند الرئيسي الذي يزعج الادارة الأميركية هو استعصاء بعض المواقع الايرانية على التفتيش الدولي. يقول المسؤولون الأميركيون ان واشنطن لا تقلقها إمكانية قيام إيران بتجارب تتضمن مواد إشعاعية، فهذه يمكن التعرف عليها من خارج المواقع الايرانية المقفلة ومن دون الدخول إلى هذه المواقع.

ما يزعج الولايات المتحدة ويقلقها هو أن تقوم ايران بالنشاطات البحثية المعروفة بـ «ار اند دي»، مختصر «أبحاث وتطوير» بالانكليزية. يعتقد الأميركيون انه يمكن للايرانيين القيام بكل أنواع التجارب غير الاشعاعية في منشأة مثل بارشين لانتاج أسلحة نووية، مثل تصميم الصواعق المتفجرة لإنتاج الرؤوس الصاروخية. وما يزعج الأميركيين أيضاً هو أن تعليق الحصار الاقتصادي على ايران يسمح للأخيرة باستيراد مواد مدنية يمكن استخدامها لأهداف عسكرية نووية، وبالحصول على الأموال المطلوبة لتمويل برنامج نووي عسكري غير إشعاعي، حتى انقضاء الحظر على التخصيب وعودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بدرجات عسكرية، وهو ما كانت اقتربت منه طهران قبل التوصل للاتفاقية.

هكذا توصلت واشنطن، لا ترامب، إلى أن على الولايات المتحدة التصعيد ضد الايرانيين، والمجتمع الدولي، لفرض تعديل على الاتفاقية يسمح بإغلاق الفجوات الحالية، ويمنع الايرانيين من العمل على تطوير «الجزء غير الإشعاعي» من برنامجهم النووي.

وتقول مصادر الادارة الحالية ان الادارة السابقة أنجزت الاتفاقية النووية مع ايران بناء على عودة الثقة بين طهران والعالم، وان الادارة السابقة اعتقدت أن إيران تسعى فعلياً للتخلي عن برنامجها النووي واستعادة علاقاتها الجيدة مع العالم، بما في ذلك أميركا. لكن منذ دخول الاتفاقية النووية حيز التنفيذ، بدا واضحاً للأميركيين أن طهران لا تسعى جدياً للتخلي عن برنامجها النووي العسكري، بل هي تستخدم الاتفاقية كمحطة في انتزاع اعتراف دولي لتخصيبها اليورانيوم، والحصول على الأموال اللازمة واستيراد التقنيات المطلوبة للمضي قدماً في عملية صناعتها سلاحاً نووياً. أما العلاقة الايرانية مع العالم، يقول المسؤولون الأميركيون، فمن الواضح أنها «لا تسير في الاتجاه الذي اعتقدته الادارة السابقة».

في الولايات المتحدة، شركة «بوينغ» العملاقة للطائرات، وفي أوروبا نظيرتها شركة «ايرباص»، فضلاً عن شركات نفط مثل «توتال» الفرنسية ونظيرتها الهولندية، وشركات صناعات سيارات فرنسية، كلها حصلت على عقود ضخمة من الايرانيين، ولا مصلحة لها في تعليق الاتفاقية النووية مع ايران، وهي لهذا السبب أطلقت العنان لماكيناتها للوبي السياسي لعرقلة تصعيد ترامب.

لكن واشنطن تدرك أنها في موقع قوة، إذ ان الاتفاقية تنص على أنه في حال «اعتراض أي فريق»، يمكن الذهاب إلى تحكيم على صعيد خبراء، ثم على صعيد وزراء الخارجية، وإنْ لم يتم التوصل إلى تسوية، ينعقد مجلس الأمن للتصويت على تمديد رفع العقوبات عن الإيرانيين، فإن لم ينجح في ذلك، تعود العقوبات الدولية على إيران التي كانت مفروضة قبل الاتفاقية.

هذا يعني أنه يمكن لترامب التصعيد، ثم عرقلة التحكيم، ثم عرقلة أي تصويت في مجلس الأمن يهدف لتمديد رفع العقوبات، فتعود تلقائياً على ايران.

إدارة ترامب لا ترى نفسها ضعيفة في مواجهة إيران والعالم والاتفاقية النووية، بل ترى نفسها قادرة على وقف الاتفاقية، حتى لو اقتضى الأمر مواجهة العالم، بما في ذلك الحلفاء الأوروبيون، فإيران نفسها «انتزعت الاتفاقية بمواجهتها العالم مجتمعاً، وأميركا ليست أقل مقدرة من الايرانيين»، ينقل مقربون من الادارة عن لسان المسؤولين فيها.

السبت، 14 أكتوبر 2017

سياسة ترامب الجديدة... «إعلان حرب» غير مباشرة على إيران

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |


فيما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدلي بخطابه الذي أعلن فيه نيته وقف إصدار «إفادة» تشير إلى تجاوب ايران مع الاتفاقية النووية، عقد عدد من المقربين من فريقه والخبراء والمتابعين جلسة تناولوا فيها تفاصيل الرؤية الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط عموماً، وإيران خصوصاً.

وقبل الغوص في تفاصيل الخطة الاميركية، لا بد من الاشارة الى انه في ظل انعدام التوازن الذي تعاني منه واشنطن منذ وصول ترامب للرئاسة، يمكن استثناء الموضوع الايراني واعتبار ان إجماعاً أميركياً، من الحزبين، هو الذي يرسم سياسة الرئيس تجاه ايران.

أما ترامب، فهو لا يهتم كثيراً بأمور السياسة الخارجية، باستثناء أي إنجازات ممكن إحرازها وتصويرها على أنها إنجازاته. على أن اهتمام ترامب فعلياً هو سياسي داخلي محض، وهو يتبنى موقف غالبية الاميركيين في سياسة خارجية تجاه ايران، لا تعنيه كثيراً، ولكنها تعود عليه بدعم مالي وشعبي سيحتاجه أثناء ترشحه لولاية ثانية في العام 2020.

والسياسة التي توصلت إليها الطبقة السياسية الاميركية الحاكمة تجاه ايران هي بمثابة افتراق عن السياسات الاميركية الماضية تجاه طهران، منذ اندلاع الثورة الايرانية في العام 1979، حيث دأبت الادارات المتعاقبة على محاولة استعادة الصداقة مع الايرانيين، بدءاً من لقاء مستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي زبيغيو بريزنسكي ورئيس حكومة ايران السابق مهدي بازركان في الجزائر، الى زيارة مستشار الرئيس رونالد ريغان للأمن القومي روبرت ماكفرلين طهران ولقائه حسن روحاني في العام 1986، ثم قنوات الاتصال غير المباشر بين الرئيسين السابقين بيل كلينتون ومحمد خاتمي، وصولاً إلى لقاءات السفير في زمن الرئيس جورج بوش الابن ريان كروكر مع مسؤولين إيرانيين متنوعين سراً في جنيف، وأخيراً صداقة وزيري الخارجية جون كيري وجواد ظريف والاتفاقية النووية.

أربعة من الرؤساء الأميركيين الخمسة السابقين، اثنان من الجمهوريين واثنان من الديموقراطيين، سعوا لإعادة الصداقة مع ايران. ترامب هو اول رئيس أميركي يعلن قطيعة كاملة ومواجهة مع الايرانيين، ظاهرها نووي، وباطنها مواجهة شاملة على كل الصعد، باستثناء الحرب المباشرة بين البلدين.

يلفت من ساهموا في صناعة سياسة ترامب تجاه إيران إلى أنه في الوقت الذي تركز الاهتمام الاميركي والعالمي حول نية ترامب وقف اصدار «إفادات» حول تعاون إيران نووياً، مع ما يعني ذلك من إعادة عقوبات أميركية عليها، وانسحاب واشنطن من الاتفاقية، الا ان الخطاب الرئاسي لم ينحصر بالشأن النووي فحسب، بل غطى نشاطات ايران المتنوعة، وقام بربطها بالملف النووي، وهو بمثابة إعلان من ترامب ان الفصل بين النووي والميليشيوي، والذي دأبت على التمسك به الادارات السابقة، قد أصبح فصلاً من الماضي، وان واشنطن في عهد ترامب ترى النووي والاقليمي التوسعي كموضوعين مترابطين يغذي أحدهما الآخر، ولا مجال لوقف واحد من دون وقف الاثنين سوياً.

الحرص الذي أظهره ترامب في عدم حصر خطابه في الشأن النووي، واستعادته ماضي العداوات بين البلدين، منذ تفجيري السفارة الاميركية ومقر «المارينز» في بيروت في النصف الاول من الثمانينات، مروراً بتفجير الخبر في التسعينات، وصولاً لاتهام ايران بدعم تنظيم «القاعدة» حتى اليوم، هي أحداث يهدف التذكير بها الى اقناع الاميركيين بضرورة مواجهة إيران.

ويقول المقربون من فريق ترامب ان وعود الرئيس السابق باراك أوباما بإيجابية تتولد عن الاتفاقية النووية مع ايران وتؤدي الى حلول وتسويات في الملفات الأخرى هي وعود لم تتحقق، وبقيت منطقة الشرق الاوسط غارقة في القتال والدماء، وهو ما سهّل عملية قلب رأي الغالبية الاميركية ضد الاتفاق.

أهداف سياسة ترامب تجاه ايران يمكن تلخيصها بالقول ان تشديد العقوبات على «الحرس الثوري» الإيراني والتعامل معه كـ«كيان إرهابي»، حتى من دون إعلان ذلك رسمياً، سيمنع الأوروبيين من التعاون مع قطاعات واسعة من الحكومة الايرانية، وهو ما حدا ببرلين وباريس ولندن الى المباشرة بإقناع طهران وبكين ولندن بضرورة القيام بتعديلات على الاتفاقية.

هذه التعديلات التي تطلبها واشنطن تفرض فتح كل المواقع الايرانية للتفتيش الدولي للبحث عن أي ما يرتبط بصناعة سلاح نووي ايراني، لا مواد مشعة فحسب، بل تقنيات أخرى. كما سيفرض الاميركيون اعادة الحظر على الصواريخ البالستية الايرانية، لأن قرارات مجلس الأمن التي تم رفعها بموجب الاتفاقية كانت تفرض هذا النوع من الحظر، والاتفاقية لم تتحدث عن الأمر بل استندت الى حسن نوايا الايرانيين، وهو ما فتح ثغرة استغلها الايرانيون ودفعت الاميركيين الى المطالبة بتعديلها، وهو ما يعنيه فريق ترامب عندما يقول ان إيران تلتزم نص الاتفاقية لكنها تنتهك روحيتها.

بعيداً عن الامور التقنية، تنوي أميركا مواجهة الميليشيات الموالية لايران، وفي هذا السياق قامت واشنطن بزيادة تحسبها الأمني لقواتها وبعثاتها الديبلوماسية في المنطقة. ومن المتوقع أن يؤثر التصعيد الاميركي على الحرب على تنظيم «داعش»، إذ يعتقد المقربون من الادارة أن هذه الحرب انتهت في مصلحة إيران وحدها، وان إيران وروسيا وسورية استغلت «الحرب على الارهاب» للقضاء على خصومها من غير الارهابيين، وتحسين مواقعها على حساب مصالح أميركا وحلفائها.

فعلياً، يبدو أن الحرب الأميركية على الارهاب انتهت، وتم استبدالها بحرب أميركية على ايران، وهي حرب من نوع مختلف، يتم خوضها بالوكالة أكثر من المواجهة المباشرة، وهي حرب تبدو أنها بدأت للتو، وأن خطاب ترامب، حتى لو لم يتطرق إليها، لكنه أعلنها ضمنياً.

ترامب يشتبك مع النظام الايراني

حسين عبدالحسين

حرص الرئيس الاميركي دونالد ترامب على إعادة ربط ملف ايران النووي بميليشياتها، بعد قرابة عقد أو أكثر سعت فيه الادارات السابقة الى فصل المفاوضات النووية مع طهران عن ما دأبت واشنطن على تسميته "نشاطات ايران المزعزعة لاستقرار الشرق الاوسط".

وكان الرئيس السابق باراك أوباما كرر في تصريحاته انه يمكن لاتفاقية نووية مع ايران أن تولّد ايجابية يمكن البناء عليها في علاقات أميركا مع ايران وفي شؤون المنطقة عموماً. لكن الايجابية التي وعد بها أوباما لم تتبلور، ومضت إيران، من وجهة نظر اميركية، في التوسع اقليمياً، وفي تقويض مواقف حلفاء الولايات المتحدة، وتهديد المصالح القومية الاميركية.

ربما اعتقدت ايران، بدورها، أن بمقدورها امتصاص نقمة العالم ضدها نووياً، والاستمرار في التوسع اقليمياً. لكن العالم لم يفصل بين الملفين، على غرار ما فعل أوباما والايرانيين، بل إن المشككين بالاتفاقية النووية راحوا يتساءلون عن الايجابية الموعودة بعد الاتفاقية.

ولما لم تتوقف أنهر الدماء التي تشارك ايران في اهراقها في سوريا والعراق واليمن، قفز معادو الاتفاقية النووية الى الواجهة، واقنعوا الاميركيين ورئيسهم ان السبيل الوحيد للتعامل مع ايران هو مواجهة شاملة على كل الصعد، باستثناء الانخراط في حرب عسكرية مباشرة ضدها.

هكذا أطل ترامب على الاميركيين بخطاب لم ينحصر بإعلانه وقف اصدار افادات حول التعاون الايراني في الملف النووي، بل قدّم فيه رؤية أميركية شاملة تجاه ايران، استعادت العداء بينهما، منذ تفجيرات السفارة الاميركية ومقر المارينز في بيروت في الثمانينات، فتفجير مقر الجيش الاميركي في الخبر السعودية في التسعينات، وصولاً لاتهام إيران بدعم "تنظيم القاعدة" وايواء قياداته، ومنهم نجل زعيم التنظيم الراحل اسامة بن لادن.

ومع أنه من نافل القول إن أميركا تفرض عقوبات على مؤسسات وافراد "الحرس الثوري" الايراني منذ زمن بعيد، الا ان ترامب حرص على اعلان أن أميركا ستعلن "الحرس" بأكمله تنظيماً إرهابياً، وهذه سابقة في الديبلوماسية الدولية، إذ إن تصنيف الارهاب لا يشمل الحكومات، بل يشمل مجموعات غير حكومية، مع الاكتفاء بالاشارة إلى أن هذه الحكومة أو تلك "راعية للارهاب" أو تدعمه.

مع إعلان ترامب "الحرس الثوري" الايراني بأكمله تنظيماً ارهابياً، تجعل الولايات المتحدة من التعامل مع وكالة حكومية بأكملها بمثابة التعامل مع تنظيم ارهابي، مع ما يستدعي ذلك من تسخير لماكينة محاربة الارهاب الاميركية لفرض عقوبات مالية ومطاردة المصنفين ارهابياً حول العالم.

بعد خطاب ترامب، لم تعد "الحرب على الارهاب" التي اعلنها الرئيس السابق جورج بوش اولوية الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، خصوصاً مع الاقتراب من إلحاق الهزيمة الكاملة بتنظيم "الدولة الاسلامية" في العراق وسوريا، بل اصبحت مكافحة ايران وميليشياتها هي الاولوية الاميركية في الشرق الاوسط، وهو ما يعني تغييراً جذرياً في السياسة الاميركية، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان.

في المستقبل القريب، وعد ترامب بتعديل بعض البنود التي تحرم المجتمع الدولي التدقيق في بعض نواحي التزام ايران بالاتفاقية النووية، مثل حرمان المفتشين الدوليين دخول مواقع عسكرية مثل موقع "بارشين"، لا للبحث عن مواد اشعاعية فحسب، بل للتحقق من عناصر اخرى صناعية تدخل في برامج التسليح النووي.

وفي المستقبل القريب أيضاً، من المتوقع أن تتجاوب أوروبا مع الغضب الاميركي وتقنع ايران وروسيا والصين بضرورة تعديل بعض بنود الاتفاقية لتجنب نفسها. لكن في المدى المتوسط، يشي خطاب ترامب بأن أميركا تستعيد موقعها التصعيدي في السياسة الخارجية. هذه المرة، بعد الاطاحة بصدام حسين في العراق، لم يعد امام الاميركيين غير الاعداء الايرانيين، وهذا العداء كانت باكورته ربط "القاعدة" بالايرانيين، وهو بالضبط ما فعله الاميركيون في بداية حملتهم التصعيدية ضد صدام.

الجمعة، 13 أكتوبر 2017

ترامب يهدد بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران إذا لم تدخل عليه تعديلات جوهرية

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، عن إستراتيجية جديدة للتعامل مع إيران، هي «ثمرة تسعة أشهر من المشاورات مع الكونغرس والحلفاء»، حسب البيت الأبيض، ترتكز على مواجهة نفوذ إيران ونهجها «العدواني» والمزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، والعمل على منعها من تمويل أنشطتها، لا سيما أنشطة «الحرس الثوري» وبرنامج الصواريخ البالستية.

كما قرر عدم المصادقة على التزام طهران بالاتفاق النووي الموقع بينها وبين الدول الكبرى في يوليو العام 2015، ولم يصل إلى حد إعلان انسحاب الولايات المتحدة منه، بيد أنه هدد بالقيام بذلك «في أي لحظة»، إذا لم يتم إدخال تعديلات عليه تعالج الثغرات والعيوب.

وفي خطابه الذي كان مرتقباً بشدة، أعلن ترامب أنه لن يقوم بالمصادقة على التزام إيران بالاتفاق النووي، «لأن أعمال النظام العدائية تصاعدت مع إعفائه من العقوبات».

وطلب من الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة أن يعالجوا العيوب والثغرات الموجودة في الاتفاق، التي عزاها إلى عدم التزام ايران الكامل به، ملوحاً بالخروج من الاتفاق «في أي لحظة» إذا لم يتم ذلك.

وأوضح أن من ضمن التعديلات أن تكون الرقابة طويلة المدى وتصل إلى 100 سنة لضمان عدم تمكن إيران من الحصول على السلاح النووي، وأن يتم السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المنشآت العسكرية في إيران التي يشتبه بوجود أنشطة نووية فيها.

وشدد على أنه لن يسمح لـ«الدولة الأولى التي ترعى الارهاب في العالم أن تحصل على أسلحة نووية».

وكان الرئيس الأميركي استهل خطابه بتقديم عرض لطبيعة النظام الإيراني منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، قائلاً إن «هذا النظام قوّض أكثر أمة تتمتع بالحيوية في العالم»، معدداً الأعمال «العدائية» التي شنها على المصالح الاميركية سواء داخل إيران أو خارجها.

وذكر خصوصاً باحتلال السفارة الاميركية في طهران وتفجير السفارة الاميركية في بيروت والتفجيرات في السعودية، لافتاً إلى أن إيران قدمت الدعم لـ«القاعدة» في عملية تفجير السفارة في كينيا التي سقط فيها 204 قتلى، واحتضنت أعداداً كبيرة من مخططي هجمات 11 سبتمبر 2001، بينهم أبناء أسامة بن لادن.

وهاجم ترامب النظام الإيراني الذي «يحتضن (حزب الله) اللبناني وما بقي من (طالبان) وحركات أخرى تقوم بأعمال عدائية في دول مجاورة»، و«يعرقل الملاحة في البحر الاحمر ويسجن أميركيين بتهم كاذبة ويقتل المتظاهرين في الشوارع ويزرع الشقاق الطائفي في العراق وسورية واليمن، وهو مسؤول عن المجازر التي قام بها بشار الاسد في سورية واستخدامه السلاح الكيماوي الذي أدى إلى سقوط الضحايا».

وإذ حذر مما قد يقدم عليه هذا النظام من «نزعات شيطانية في المستقبل»، أشار ترامب إلى أن رفع العقوبات الدولية والاميركية (بموجب الاتفاق النووي) لم يؤثر في سلوك النظام، موضحاً انه يعتبر الاتفاق النووي أنه «أسوأ اتفاق أبرمته الولايات المتحدة في تاريخها»، لأنه أعطى إيران هامشاً للحصول على أموال كثيرة استخدمت وستستخدم في أعمال إرهابية، لافتاً إلى أن «1.7 مليار دولار من هذه الاموال ذهبت الى ايران في طائرة خاصة».

وتحدث عن انتهاكات من جانب إيران للاتفاق النووي، أبرزها تجاوز الحد المسموح به للمخزون من المياه الثقيلة ولعدد أجهزة الطرد المركزي، وتهديد المفتشين الدوليين ومنعهم من استخدام صلاحياتهم الممنوحة لهم دولياً، إضافة إلى التعامل مع كوريا الشمالية «وهو ما أوعزتُ للاستخبارات بإجراء تحليل متكامل له يفضي إلى مراجعة كاملة»، على حد قول ترامب.

واعتبر الرئيس الأميركي أن الاتفاق الذي أبرم مع ايران «كان يُفترض أن يؤدي الى سلام دولي»، مشيراً إلى ان «الولايات المتحدة التزمت من جهتها، لكن إيران استمرت بنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار».

وبناء على ذلك، أعلن ترامب أنه قرر «التعاون مع الحلفاء لوضع حد لسلوكيات ايران وأنشطتها التخريبية إقليمياً ودولياً»، و«فرض عقوبات عليها لمنعها من تمويل الإرهاب»، و«منعها من نشر الأسلحة والصواريخ البالستية التي تهدد حلفاءنا وتهدد الملاحة البحرية»، و«عدم السماح لهذا النظام بامتلاك أي نوع من الاسلحة النووية».

وشدد على أن الاستراتيجية الجديدة تشمل فرض عقوبات على «الحرس الثوري»، مشيراً إلى أنه طلب من وزارة الخزانة أن تفرض عقوبات عليه وعلى الجهات التابعة له.

وعلمت «الراي» أن واشنطن تتجه لاعتبار الجماعات والميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري» جزءاً منه وليس حليفاً له، على غرار «حزب الله» اللبناني والعديد من الميليشيات المنضوية تحت لواء «الحشد الشعبي» العراقي.

وكشفت معلومات خاصة لـ«الراي» أن الولايات المتحدة عززت الإجراءات الأمنية في قواعدها ومصالحها في الشرق الأوسط تحسباً لأي رد إيراني محتمل.

من جهتها، رحبت السعودية بالاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران، مؤكدة ضرورة تكثيف التحرك الدولي لمنعها من امتلاك أسلحة دمار شامل.

ولفتت إلى أن إيران استغلت رفع العقوبات لزعزعة الاستقرار في المنطقة، مشيرة خصوصاً إلى تهديدها الملاحة الدولية ودعمها الانقلابيين الحوثيين في اليمن.

وفي أول رد فعل أوروبي، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إنه «لا يحق لأي رئيس إلغاء اتفاقية دولية، بما فيها الاتفاق الموقع مع إيران، وهناك حاجة الى عملية جماعية للحفاظ على هذا الاتفاق»، الذي شددت على ضرورة استمراره والعمل مع طهران على تفعيل كل بنوده، حسب قرار الأمم المتحدة.

الخميس، 12 أكتوبر 2017

سياسات خارجية أميركية... بلا استراتيجية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في إعلانها مكافآت مقابل أي معلومات تساهم في القبض على قياديَيْن كبيرين في «حزب الله» اللبناني، بدت إدارة الرئيس دونالد ترامب وكأنها استعادت بعضاً من الحزم في سياستها الخارجية، الذي فقدته واشنطن خصوصاً في زمن الرئيس السابق باراك أوباما. على أن مشكلة الاعلان الاميركي ضد «حزب الله» تتمثل بأنه يبدو جزءاً من السياسة الداخلية الاميركية والصراعات بين الاجنحة المتعددة، أكثر منه جزءاً من استراتيجية أميركية للتعاطي مع ما درجت الولايات المتحدة على تسميته «أنشطة إيران المزعزعة في منطقة الشرق الأدنى».

وجاء الاعلان الاميركي في وقت تغرق واشنطن في صراعات معقدة تجعل من الصعب معرفة من يصنع سياستها الخارجية. في باكورة أيامها في الحكم، لعب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر دوراً كبيراً في محاولته تثقيف الادارة الاميركية الجديدة في الشؤون الدولية، ونشأت صداقة وثيقة بينه وبين صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر.

وكوركر لعب دوراً رئيسياً في معارضة الاتفاقية النووية مع ايران، وفرض تعديلاً قضى بإجبار البيت الابيض على إعادة تجديد رفع العقوبات كل 12 أسبوعاً، على شرط تأكيده تعاون إيران.

لكن لسبب غير معلوم «انكسرت الجرة» بين كوركر والبيت الابيض، ربما بعدما قال السيناتور الجمهوري ان وزيري الدفاع والخارجية جيمس ماتيس وريكس تيلرسون ورئيس موظفي البيت الابيض جون كيلي هم من يقفون بين أميركا والفوضى، فيما بدا وكأن كوركر يشبّه ترامب بالفوضى.

ولم يتأخر الرئيس في الرد، فدأب على التهجم على كوركر في سلسلة من التغريدات على موقع «تويتر» على مدى أيام. وفي ظل الأزمة بين ترامب وكوركر، تلوح أزمة مشابهة بين البيت الابيض وتيلرسون، بعد تقارير اعلامية اشارت الى ان وزير الخارجية وصف رئيسه بالمغفل. وعلى الرغم من أن تيلرسون جاء من عالم الطاقة والاعمال، الا أنه تبنى سريعاً وجهات نظر المحترفين العاملين في وزارة الخارجية، وأقنع ترامب مرتين بضرورة إفادة أن إيران متعاونة في الاتفاقية النووية، وهو ما يفرض تمديد رفع العقوبات عنها.

هذه المرة، يبدو ترامب عازماً، وبدعم من أصدقاء إسرائيل، على القول ان إيران «اخترقت روحية الاتفاقية حتى لو لم تخترق نصها»، وهو ما يعني ان البيت الابيض لن يمنح افادة بتعاون ايران، ما يعني تالياً إمكانية عودة العقوبات الاميركية - دون الدولية - على ايران، على أمل ان ترد طهران بالخروج من الاتفاقية، فتعود بذلك العقوبات الدولية تلقائياً عليها.

لكن إنْ تجاهلت طهران عودة العقوبات الاميركية، تحافظ على علاقاتها الاقتصادية بسائر دول العالم، وهو ما يخفف من أي نتائج للعقوبات الاميركية عليها.

وتزامناً، يسعى ترامب الى تصنيف «الحرس الثوري» الايراني بأكمله تنظيماً إرهابياً، مع ما يستدعي ذلك من جولة عقوبات أميركية جديدة على المسؤولين فيه والمتعاونين معهم حول العالم.

لكن على الرغم من المكافآت للقبض على قياديي «حزب الله» اللبناني، وعلى الرغم من محاولة اعادة العقوبات الاميركية النووية على ايران، واضافة عقوبات جديدة تتعلق بالارهاب عليها، لا تبدو كل هذه العقوبات الاميركية سياسة مدروسة يمكنها أن تدفع طهران إلى إجراء تعديلات على أي من سياساتها الاقليمية.

إذاً، هي سلسلة من الخطوات الاميركية التي تفيد وضع ترامب في الداخل الاميركي، وتحسن موقعه الانتخابي خصوصاً مع اصدقاء اسرائيل. عدا عن ذلك، لا تبدو السياسات الاميركية الجديدة تجاه إيران جزءاً من استراتيجية واضحة المعالم أو الاهداف، خصوصاً في غياب مشاركة أعمدة السياسة الخارجية الاميركية في صناعة استراتيجية جديدة لمواجهة الجمهورية الاسلامية، واكتفاء البيت الابيض بخطوات مبعثرة وعقوبات هنا وهناك.

وفاء الكويت وجحود عراقيين

بقلم حسين عبد الحسين

استقبل الرئيس السابق جورج بوش الأب، وزوجته باربرا، ووزير خارجيته جيمس بيكر، وفدا كويتيا برئاسة مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، الذي حمل رسالة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى بوش.

وقصة الزيارة هذه مثيرة للاهتمام، وتشي بوفاء كويتي وحرص على صداقة مع الولايات المتحدة قلّ نظيرهما. وفي التفاصيل أن بوش، البالغ من العمر 93 عاما، دخل المستشفى لعارض صحي، ما لبث أن تعافى منه. الكويتيون تابعوا أخبار بوش، وأبرقوا إليه للتهنئة بالسلامة، فما كان من الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة إلا أن وجّه لهم دعوة لزيارته في ولاية مين.

لبى الكويتيون الزيارة. وتحدث الغانم عن وفاء الكويت لأصدقائها، وخصوصا الولايات المتحدة، بعد 27 عاما على قيادة واشنطن — أثناء رئاسة بوش الأب — لتحالف دولي أخرج قوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، التي كانت قد غزت الكويت واحتلتها.

والكويت ليست وحيدة في وفائها بين الدول. كوسوفو، مثلا، ماتزال ترفع صور الرؤساء الأميركيين المتعاقبين في الشوارع، وهي أطلقت اسم الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي قاد تحالفا دوليا لتحرير كوسوفو من القبضة الدموية لجيرانها، على عدد من الشوارع والساحات العامة.

لكن الكويت وكوسوفو هي من الدول النادرة التي تحفظ الجميل الأميركي الذي تنكره شعوب وحكومات أخرى. العراق، مثلا، من أكثر الدولة التي استفادت من القوة العسكرية والمالية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فصدام حسين حكم العراقيين بقبضة حديدية جعلته في مصاف أعتى طغاة العالم وأكثرهم بطشا ودموية. ثم جاءت القوة الأميركية وأطاحت بصدام، وعملت على إلغاء ديونه التي راكمها على العراقيين، وقدمت لبغداد أموالا طائلة لإعادة الإعمار ولإعادة تشكيل الدولة وقواتها الأمنية.

ثم بعد الحرب الأهلية التي رافقت عملية التغيير الأميركية في بغداد، لم يتراجع الرئيس السابق جورج بوش الابن ويترك العراقيين يغرقون في دمائهم، بل رفع من عديد القوات الاميركية بهدف تثبيت السلام في العراق، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، وسلّمت الولايات المتحدة الحكومة العراقية المسؤولية الأمنية والسيادة، وخرجت، فعاد العراقيون إلى عاداتهم الثأرية، وتفجّرت شلالات الدماء مجددا.

وتفريط العراقيين بالإنجاز الأميركي، الذي أدى إلى استقرار البلاد، هو مشكلة العراقيين لا الأميركيين. على أن المشكلة الأكبر تكمن في جحود عدد كبير من العراقيين، وخصوصا ممن وصلوا إلى الحكم في بغداد على متن الدبابات الأميركية، بالدماء الأميركية والتكاليف التي تكبدها الأميركيون من أجل تحرير العراقيين من قبضة صدام الدموية، ومن أجل مساعدتهم في إقامة ديموقراطية تليق بهم.

من أبرز الجاحدين العراقيين نائب الرئيس الحالي ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي تبوأ منصبه تحت حماية أمنية أميركية، والذي ساعده الأميركيون في بناء قوات أمنية حولها إلى ميليشيا خاصة موالية له. أميركا أيضا أكرمت المالكي بدعوته إلى واشنطن مرارا، وفي العام 2006 منحته شرف إلقاء خطاب أمام الكونغرس مجتمعا بغرفتيه، وهو من الخطوات الرمزية التاريخية التي تخص بها واشنطن أقرب أصدقائها وحلفائها.

لكن على الرغم من كل الثقة الأميركية بالمالكي والصداقة التي أقامتها واشنطن معه ومع حكومته، لم يتأخر رئيس الحكومة السابق في الانقلاب على هذه الصداقة، وهو اتهم أميركا، في مقابلة تلفزيونية في شهر أيار/ مايو الماضي بإنشاء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتدربيه وتمويله.

وادّعى المالكي أن الرئيس السابق باراك "أوباما هو من صمم سقوط الموصل بيد التنظيم من خلال اجتماعات في إقليم كردستان حضرها ضباط أميركيون".

هذه التصريحات صدرت عن عراقي في موقع مسؤولية، كان يعرف ما يجري خلف الكواليس، ويعرف موقف الولايات المتحدة، بغض النظر عن رؤسائها، من التطرف الإسلامي. مع ذلك خرج بتلفيقات من هذا النوع. 

صدق ابن الكوفة أبو الطيب المتنبي، عندما قال "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا". في حالة الشرق الأوسط والعالم، لا يصعب على الأميركيين معرفة الكريم من اللئيم.

الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

رأي أميركا في الحمار

حسين عبدالحسين

بعد طرده اكثر من عشرين من كبار العاملين في ادارته، بعد اشهر قليلة على تعيينهم، كان في طليعتهم وزيره للصحة، ومستشاره للأمن القومي، ورئيس موظفي البيت الابيض، ومستشاره للشؤون الاستراتيجية، وبعدما تهكم على وزيره للعدل على مدى اسابيع، تلى ذلك تهكمه على زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ثم على رئيس لجنة الشؤون الخارجية، ادلى الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتصريح اعتبر فيه انه اذكى من وزير خارجيته ريكس تيلرسون.

ويسود التوتر بين ترامب وتيلرسون بعدما تناقلت تقارير اخبارية ان وزير الخارجية وصف الرئيس بالمغفل. وفيما رفضت اوساط تيلرسون التعليق على التقارير، وفيما نفى البيت الابيض صحتها بشدة، أطل ترامب ليقول ان تيلرسون لم يقل ذلك، ”لكن لنفرض انه قال ذلك، فأنا ادعوه الى مباراة في منسوب الذكاء، وانا اكيد اني سأتفوق عليه“.

كان يمكن لترامب ان يكتفي بتكرار نفي ادارته لتصريح تيلرسون، الذي وصف الرئيس بالمغفل، لكن ترامب اراد الرد ضمنيا على وزير خارجيته، فاعاد فتح الموضوع على شكل فرضية، تحدى من بعدها وزيره، ربما لرد الاعتبار لذاته المهزوزة دائما، وأكد بذلك التقارير الاعلامية التي اشارت الى ان الرئيس الاميركي استشاط غضبا لدى سماعه اقوال الوزير بحقه.

وبفعلته هذه، يكون ترامب اثبت انه مغفل، على غرار حيوان الأسد في كليلة ودمنة، الذي أقنعه الأرنب ان أسداً أقوى منه يعيش في البحيرة، فلما نظر الأسد الى انعكاس صورته، قفز للانقضاض على خياله والقضاء عليه، فغرق.

هكذا حال ترامب، استدرجه الاعلام ليؤكد انه مغفل، وان تيلرسون قال ما قاله، وان رأي تيلرسون يعكس رأيا سائدا داخل ادارة ترامب نفسه، اذ ان تصريح وزير الخارجية جاء اثناء مشاركته في اجتماع في وزارة الدفاع البنتاغون بحضور وزير الدفاع جيمس ماتيس وآخرين.

المغفل الذي يقود الولايات المتحدة، حسب تسمية تيلرسون، هو نفسه الذي يتوقعه العالم ان يدير أكثر أزماته تعقيدا، من مشكلة كوريا الشمالية النووية، الى مشكلة ايران النووية والتوسعية في منطقة الشرق الاوسط، ثم الحرب السورية، فصعود روسيا، التي طوّب قيصرها فلاديمير بوتين نفسه زعيما للشرق الأوسط بعد استقباله ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز.


والمغفل الذي يقود الولايات المتحدة، هو الذي يحرس السلام العالمي ونظامه، ومبادئ حقوق الانسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

والمغفل الذي يقود الولايات المتحدة هو الذي يقدم النموذج العالمي للمواطنة والاخلاق، وهو الحكم في صراع الفلسطينيين مع اسرائيل، وفي أزمة الخليج، وفي أزمة كردستان العراق.

يعجب العالم كيف يمكن لدولة كبرى ومتفوقة اقتصاديا وعسكريا على سائر دول العالم، مثل الولايات المتحدة، ان تختار مغفلا، مجددا حسب تسمية وزير خارجيته، ليقودها.

بدورهم، يعجب الاميركيون لماذا خسروا بريقهم العالمي، وتراجعت سطوتهم، وتقلص نفوذهم، والأهم، تراجع الاعجاب الذي كانت غالبية البشر تكنه لهم ولدولتهم.

ربما يمكننا الاجابة عن تساؤل غالبية الاميركيين حول رأي العالم بهم بالاستعارة من امير شعراء العرب المصري الراحل احمد شوقي، الذي روى في قصيدته عن ”الليث ملك القفار“، انه عين حمارا ليخلف الوزير في ادارة شؤون البراري، ثم تعجب الأسد كيف انه لم يمر شهر الا وملكه في دمار: ”القرد عن اليمين، والكلب عند اليسار، والقط بين يديه يلهو بعظمة فار“، فجاءه القرد سرا وقال له: ”يا عالي الجاه فينا كن عالي الانظار، رأي الرعية فيكم من رأيكم في الحمار“.

وكما تدهور حكم ملك القفار وسادت شريعة الغاب، كذلك تضعضع النظام العالمي والاميركيون ينظرون من حولهم متسائلين عن الاجيال الاميركية السابقة التي كانت كانت مثلهم عديمة الوقار، والاجابة لغالبية الاميركيين هي نفسها من قصة البراري: رأي العالم فيكم من رأيكم في الحمار.

السبت، 7 أكتوبر 2017

غضب أميركي من تعامل ترامب مع الموت... كمباراة

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لا يترك الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسبوعاً يمر من دون أن يشغل الإعلام الاميركي والاميركيين بسلسلة من فضائح إدارته وتصريحاته التي تثير اشمئزاز كثيرين.

آخر تصريحات ترامب المثيرة للجدل جاءت أثناء زيارته جزيرة بورتوريكو للوقوف على الأضرار الجسيمة التي تكبدتها بسبب إعصار «ماريا». وواجه ترامب انتقادات قاسية بسبب تلكؤه وادارته عن الإسراع للمساعدة في إنقاذ الجزيرة المنكوبة، وهي تابعة للولايات المتحدة ويسكنها أميركيون، لكنها ليست مصنفة كولاية.

وأظهرت تصريحات ترامب الأولية انه لم يكن يدرك أن الجزيرة تابعة للولايات المتحدة أو أن من يسكنون فيها من الاميركيين، فانتقد البورتوركيين بالقول إنهم كسالى ومتطلبون، ويتوقعون أن تقوم الحكومة الاميركية عنهم بكل عملية الإنقاذ وإعادة الاعمار. وبعدما راح مسؤولو الجزيرة يتوسلون المساعدات الانسانية عبر الاعلام الاميركي، زارها ترامب، وقال ان على البورتوركيين أن «يشعروا بالفخر لأن الحصيلة الرسمية للقتلى هي 16 فقط»، وهو ما أثار حفيظة غالبية الاميركيين الذين أغضبهم استخفاف ترامب بالقتلى.

وقال ترامب كلامه في معرض مقارنة أداء إدارته مع أداء إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي تأخرت حكومته في القيام بدور إنقاذي على اثر العاصفة «كاترينا» في صيف 2005، وهو ما أدى الى مقتل المئات. لكن المقارنة التي أجراها ترامب لم تكن موفقة، في ظل مقتل 16 أميركياً، إذ اعتبرت غالبية المحللين الاميركيين ان ما يهم ترامب فقط هو صورته، ولا يهمه موت أميركيين، وهو لهذا السبب راح يقارن بين عدد القتلى في ولايته وعدد القتلى في ولاية بوش، وكأن الموت مباراة.

وقبل أن يعود ترامب أدراجه، أظهرته صور الفيديو وهو يحاول المشاركة في عمليات الإغاثة، لكن بدلاً من أن يقوم بها كما يلزم، راح يرمي لفافات ورق المطبخ فوق رؤوس المحيطين به وكأنه يلعب كرة سلة.

أداء ترامب المزري تزامن مع إطلاقه تصريحين، الاول كاد يهز الاسواق المالية وقال فيه إنه ينوي محو ديون بورتوريكو التي تبلغ 70 مليار دولار، وهو ما دفع الدائنين إلى محاولة التخلص من السندات البورتوريكية خوفاً من انخفاض قيمتها.

أما التصريح الثاني، فعلّق فيه على إعلان وزير خارجيته ريكس تيلرسون ان أميركا تتفاوض مع كوريا الشمالية حول امكانية استئناف المفاوضات لاقناع الاخيرة بالتخلي عن برنامجها النووي. وقال ترامب انه يرغب في ابلاغ وزير خارجيته، عبر الاعلام، انه يضيّع وقته في المفاوضات مع الكوريين الشماليين، التي لن تأتي بنتيجة مع وجود «رجل الصواريخ» في الحكم، وهي التسمية التي يطلقها ترامب على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

واعتبر الكثيرون أن تصريحات ترامب قوّضت جهود تيلرسون وربما نسفتها بالكامل، بدلاً من دعم ترامب ديبلوماسية إدارته.

وجاءت ثرثرة ترامب الكارثية في أسبوع توالت فيه التقارير عن فضائح الفساد التي ارتكبها عاملون في إدارته، والتي أظهرت آخرها ان وزير داخليته ريان زنكي قام برحلات لجمع التبرعات الانتخابية لحملة اعادة انتخاب ترامب رئيساً لولاية ثانية في العام 2020، وان هذه الرحلات كانت على نفقة وزارته، وهو ما يحظره القانون الاميركي.

وتظهر أرقام التبرعات المالية للحزب الجمهوري انخفاضاً بواقع 40 في المئة، وهو ما عزاه البعض إلى غضب قاعدة الجمهوريين، وإحجام المتمولين منهم عن التبرعات بسبب الأداء المزري لترامب وحزبه، في البيت الابيض والكونغرس معا.

هكذا، وسط التخبط الذي فرضه ترامب على البيت الأبيض، والكونغرس، وعلى الولايات المتحدة بشكل عام، في سياساتها الداخلية كما الخارجية، قال السيناتور الجمهوري المخضرم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر ان رئيس موظفي البيت الابيض الجنرال جون كيلي، ووزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسوهو ما يعفيه من الحسابات السياسية، ويطلق لسانه في سلسلة من التصريحات التي تتسم بالصدق والصراحة «هم الذين يبقون الحاجز اليوم بين الولايات المتحدة والفوضى».

وعلى الرغم من إحجام المشرعين عادة عن انتقاد الرئيس الذي ينتمي إلى حزبهم، لا يبدو أن كوركر يهتم بالالتزام بهذا التقليد، إذ سبق ان أعلن نيته عدم الترشح لولاية ثالثة في العام 2018، والتي لا يطلقها أي من زملائه الجمهوريين في الكونغرس، على الرغم من الإحباط الذي تسبب لهم به ترامب منذ وصوله البيت الابيض مطلع العام الحالي.

Since December 2008