الأربعاء، 31 مارس 2021

الجيش الأميركي يكافح التطرّف داخل صفوفه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أعلن الجيش الأميركي إقامته ورش تدريب لعناصره، في قواعدهم في الداخل وحول العالم، بما في ذلك في مخيم عريفجان في الكويت، هدفها توعية الجنود على معنى التطرف العرقي، وكيفية التنبه إليه، والتعامل معه، والتبليغ عن أي جنود تظهر عليهم علامات هذا التطرف.

وسبق لمدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) كريس راي، أن أعلن رفع تصنيف مجموعات التطرف العرقي، مثل مجموعات «تفوق البيض»، إلى «درجة خطر» يوازي خطر التنظيمات الإرهابية غير الأميركية، مثل «القاعدة» و«داعش».
وإعلان راي، جاء على إثر قيام السلطات بمحاكمة 37 من قوات الأمن والجيش، بعضهم متقاعد، بتهم ارتكاب أعمال أعنف وتطرف بمشاركتهم في عملية اقتحام الكونغرس في السادس من يناير الماضي.

وعلى إثر اقتحام الكونغرس، قامت السلطات المحلية بنشر الآلاف من قوات الحرس الوطني لحماية مباني الكابيتول هيل، مقر السلطة التشريعية، لكن نشر تلك القوات كان محفوفاً بمخاطر أن يكون أي منهم من المرتبطين بمجموعات «التطرف الأبيض».

ومضت الشرطة العسكرية واستخبارات الجيش في عملية تمشيط ملفات الجنود ومراقبتهم وإجراء مقابلات مع بعضهم للتأكد من خلو الوحدات العسكرية التي وفّرت الحماية الأمنية للعاصمة ولإجراءات قسم اليمين الرئاسي من أي جنود متطرفين.

وبعد عقدين أمضتها واشنطن وكل الوكالات الفيديرالية فيها، في تعريف الإرهاب، وشن تشريعات لمكافحته، وتنظيم برامج للتدريب على كيفية التنبه إليه والتعامل معه، بدأت الإدارة رحلة مشابهة في مكافحة إرهاب من نوع ثانٍ، إذ إن التعرف على من يعتنقون العنصرية العرقية أصعب وأكثر تعقيداً.

وأورد موقع «ميليتاري»، المتخصص بشؤون العسكر، أن «بعض الجنود أعربوا عن إحباطهم من التدريبات التي يقودها مسؤولون عسكريون لم يكونوا مستعدين للإجابة عن أسئلة معقدة حول «كيفية تحديد شكل النشاطات المتطرفة»، فيما قال جنود آخرون أن «التدريب كان فعالاً عندما قاد المدربون المحترفون نقاشات صادقة ومفتوحة».

وكانت وزارة الدفاع (البنتاغون) قدمت إرشادات فضفاضة حول الشكل الذي يجب أن يتخذه التدريب، بما في ذلك النقاشات حول الأنشطة المحظورة، والإبلاغ عن السلوك المتطرف، ودراسات الحالات، والإجابة عن الأسئلة الإشاعة.

ثم قام قادة الوحدات العسكرية والمشرفون على تصميم التدريب.

لكن هؤلاء ليسوا مدربين محترفين، وهو ما أثار بعض الشكاوى لدى الجنود بسبب قلة خبرة قادتهم في التدريب.

وأرسل مكتب الشؤون العامة في الجيش إلى المدربين والجنود رسالة جاء فيها أن «نشاط المتطرفين يتعارض مع الحياة العسكرية»، وأنه «لن يتم التسامح معه».

وأعلنت قيادة الجيش أنه أمام الجنود حتى السادس من أبريل الجاري لإكمال التدريب، وأمهلت قوات الاحتياط شهراً إضافياً للانتهاء من البرنامج.

ويرى الخبراء الأميركيون تغيراً في سياسات وكالات الأمن الفيديرالية في التعامل مع مواضيع التطرف المحلي، خصوصا بعدما شن مكتب التحقيقات عملية ضد مجموعة من «النازيين الجدد» معروفة باسم «القاعدة»، وهي مجموعة أرادت إشعال حرب عرقية، لكن «أف بي آي» نجح في اختراقها، واعتقلت السلطات سبعة أعضاء مشتبه بهم، في يناير، ووجهت إليهم اتهامات فيديرالية.

لكن مسؤولي مكتب التحقيقات، غالباً ما يكررون أنهم يواجهون العنف، لا الأيديولوجيات. وسبق في الماضي أن قام مواطن أميركي برفع علم فصيل من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالإسلام السياسي المتطرف على شباك بيته، إلا أن السلطات لم تتعرض له، إذ إن رفع العلم يندرج تحت خانة حرية التعبير، المكفولة في التعديل الأول للدستور، وكذلك النشاطات السلمية للأحزاب النازية الناشطة، التي تراقبها السلطات عن كثب، ولكن لا تحظر لها نشاطاتها، الى أن تضبطها وهي تخطط لارتكاب، أو تقوم بارتكاب، أعمال عنفية.

في السياق أيضاً، لم تمنع السلطات الأميركية مسيرات نظمتها مجموعتان عنصريتان متطرفتان في المدن الكبرى، واحدة كانت في بورتلاند، في ولاية أوريغون الشمالية الغربية، حيث حاولت مجموعة صغير من «كو كلوكس كلان» المتطرفة تنظيم تظاهرة، لكنها تراجعت عنها في اللحظة الأخيرة بعد إعلان معارضين لها تنظيم تظاهرة مضادة.

لكن في واشنطن العاصمة، قامت «جبهة وطنيون» بتنظيم تظاهرة ارتدى فيها ناشطوها أقنعة لتفادي قيام قوات الأمن برصد هويات أعضائها. وراح المتظاهرون يرددون شعارات مفادها بأن غايتهم «استعادة أميركا»، وهو شعار يتماهى مع الشعار الانتخابي للرئيس السابق دونالد ترامب «إعادة أميركا عظيمة».

هكذا، ورغم الحملة التي يشنها مكتب التحقيقات ضد التطرف المدفوع بدوافع عنصرية، تواصل بعض الجماعات، التحدي، والرقص على الحافة التي تفصل بين حرية التعبير، المسموحة، وعمليات ارتكاب أعمال عنف، الممنوعة.

على أن «حرية التعبير» تواجه ضوابط أكبر في صفوف القوات الأمنية، وخصوصا الجيش، وهو ما حمل القيادة العسكرية على شن حملات توعية واسعة في صفوف الجنود، وهي حملات ذات طابع مستعجل وأولي.

لكن في الأشهر، بل السنوات، المقبلة، من المتوقع أن ترصد الحكومة الفيديرالية أموالاً طائلة على برامج اجتثاث العنصرية والتطرف المحلي، لا بين صفوف القوات الأمنية والجيش فحسب، بل على صعيد البلاد ككل، خصوصا بعدما ارتكبت العنصرية المحلية أعمال عنف كادت تناهز في ضخامتها المعنوية الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة قبل عقدين من الزمن.

الثلاثاء، 30 مارس 2021

نهاية القضية الفلسطينية وبداية قضية الفلسطينيين

حسين عبدالحسين

"انتهى رسميا الصراع العربي الإسرائيلي"، يقول الأكاديميان الفلسطينيان حسين آغا وأحمد خالدي في مقال نشرته "فورين أفيرز"، ويكتبان: "حان وقت بداية جديدة". الكاتبان، هما من مخضرمي مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، واستعرضا في المقال فشل معظم التصورات المطروحة للتوصل إلى تسوية، واقترحا سيادة فلسطينية "مخففة" على أراضي 1967. والسيادة المخففة تعني إناطة أمن الحدود والمعابر الحدودية بفريق ثلاثي فلسطيني أردني إسرائيلي في الضفة الغربية، وفلسطيني مصري إسرائيل في قطاع غزة، مع حكم فلسطيني ذاتي داخل هذه الأراضي.

ويمكن القول أن الصراع ليس وحده الذي انتهى، بل "القضية الفلسطينية" نفسها انتهت بالشكل الذي تم تصوره، أولا بتحرير كل الأرض عن طريق الكفاح المسلح، وثانيا بإقامة دولة مستقلة على أراضي 1967 عن طريق الديبلوماسية. 

في زمن العولمة، انتهت سيادة الدول بالشكل الذي تصورته الشعوب والحكومات يوما، أي أن تكون كل دولة سيدة مستقلة ومكتفية ذاتيا، اقتصاديا وعسكريا. العالم اليوم صار قرية صغيرة، ومن لا يلتزم من الدول بقوانين الأمن العابرة للحدود، يتم عزلها، على غرار إيران وكوبا وكوريا الشمالية، فتغرق في فقر مدقع، وجوع، وجريمة، وبؤس.

أما الدول التي تتمتع شعوبها برفاه، فهي التي تخلت عن عقدة السيادة وانهمكت في رفع مستوى معيشة مواطنيها، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وكلها تستضيف قواعد عسكرية أميركية. ويمكن الإشارة كذلك إلى الدول التي لا تتمتع بمساحات، ومع ذلك تتفوق اقتصاديا، مثل سنغافورة، التي تبلغ مساحتها 700 كلم مربع فقط، ويسكنها ستة ملايين نسمة، ويبلغ حجم اقتصادها حجم اقتصاد إيران، ومدخول الفرد فيها هو من الأعلى في العالم.

وللمقارنة، تبلغ مساحة الضفة والقطاع أكثر من 6000 كلم مربع، مع إجمالي سكان يقدّر بستة ملايين واقتصاد هو من الأسواء في العالم، ومدخول للفرد من الأدنى. حتى لو حسبنا أن إسرائيل اقتطعت نصف مساحة هذه الأراضي الفلسطينية وضمتها، تبقى سنغافورة أصغر بكثير من أراضي الفلسطينيين وأكثر ثراء بكثير منهم.

لم تعد السيادة والأرض من عوامل ازدهار الشعوب، بل صارت اقتصادات المعرفة، والحوكمة الرشيدة، ونظام المؤسسات، وحكم القانون، هي معالم الشعوب الأكثر رخاء. هذا لبنان يتمتع بسيادة على 10452 كيلومترا وصار من أفقر دول العالم، ومثله سوريا، الدول السيدة المستقلة الغارقة في فقر مدقع وبؤس.

وإذا تغيرت عوامل الرخاء للشعوب، لما لا تتغير مواقف الفلسطينيين؟ أليس الهدف هو العيش الكريم؟ أم أن الهدف هو العيش أسرى للتاريخ، والإصرار على الانتقام، وتحويل الدولة إلى هوية، بدلا من أن تكون الدولة أداة لخدمة مصالح مواطنيها ورفاههم.

في الماضي، اقتصرت حلول الفلسطينيين لقضيتهم على شكلين. الأول هو حل الدولتين، ويتضمن قيام دولة فلسطين إلى جانب إسرائيل، والثاني هو حل الدولة الواحدة، إسلامية كما تتصورها حماس، وديموقراطية علمانية كما يتصورها الراحل إداور سعيد وغالبية النخبة الفلسطينية في الغرب. في الشكلين، يطالب هؤلاء الفلسطينيون بعودة لاجئي 1948 إلى إسرائيل، وهو ما يقوّض الغالبية اليهودية فيها. ويلقون باللائمة لمصائب الفلسطينيين على الاحتلال، بل على وجود دولة إسرائيل برمتها.

لكن هذه التصورات الفلسطينية صارت شعارات فارغة عفا عليها الزمن، وتجاوزتها غالبية الفلسطينيين، اذ أظهر استطلاع للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" أن واحدا فقط من كل أربعة فلسطينيين يرون أن "المشكلة الأساسية التي تواجه الفلسطينيين اليوم" هي "استمرار الاحتلال" الإسرائيلي، فيما قال 31 في المئة فقط أن أولويتهم هي عودة الفلسطينيين إلى إسرائيل، في وقت اعتبر 30 في المئة من المستفتين أن المشكلة هي البطالة، وقال 25 في المئة أنها تفشي الفساد في المؤسسات العامة، أي أن غالبية 55 في المئة من الفلسطينيين ترى أن مشكلتها الأساسية هي إدارية اقتصادية داخلية، لا قومية أو عسكرية مع إسرائيل.

عن الربيع العربي، رأى ثلث الفلسطينيين أن المتظاهرين العرب كانوا يطالبون بالحرية من الاستبداد وقمع الأنظمة، وقال 28 في المئة أن العرب ثاروا للخروج من حالة الفقر، واعتبر 20 في المئة من الفلسطينيين أن العرب ثاروا على فساد حكوماتهم. فقط خمسة في المئة من الفلسطينيين قالوا إن الربيع العربي كان للتعبير عن معارضة السياسات العربية الموالية للغرب. 

أين هي الجماهير الثائرة من المحيط إلى الخليج ضد الاستعمار، والمطالبة بإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل؟ هي جماهير تنتمي لزمن رحل بدون أن يأخذ معه شعاراته، التي تحولت سياسات ترددها بعض الأطراف الفلسطينية بشكل ببغائي، بدون أن تتنبه أن رأي ناسها صار في مكان آخر.

كما باقي الشعوب، لم تعد قضية السيادة ولا الأرض هي شغل الفلسطينيين الشاغل، بل صار مستوى المعيشة والوضع الاقتصادي هما الأساس. داخل إسرائيل، لطالما فازت في انتخابات الكنيست كتلة عربية تعارض وجود إسرائيل نفسها، وتتبنى مواقف مبدئية مشابهة لمواقف "محور الممانعة" المتطرف.

لكن لعرب إسرائيل مصالح تحتاج من يرعاها ويطالب بها داخل دولة إسرائيل. ويعاني عرب إسرائيل من ارتفاع معدلات الفقر في مناطقهم، وانتشار الجريمة المنظمة، وتدهور حالة البنية التحتية. هكذا، انشقت الكتلة العربية في الكنيست، وأعضاؤها 15، وأعلن أربعة منهم استعدادهم للدخول في أي تحالف حكومي يؤمن لهم مصالح عرب إسرائيل. ثم جاءت الانتخابات، وترشحت قائمتان عربيتان: "المشتركة" وهي معارضة لاندماج العرب في إسرائيل، و"الموحدة" المطالبة به، فحافظ مؤيدو الاندماج على مقاعدهم الأربعة في الكنيست، فيما خسر معارضو الاندماج من عرب إسرائيل خمسة مقاعد واقتصرت كتلتهم على ستة فقط. العبرة من الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت الأسبوع الماضي، أن غالبية عرب إسرائيل تسعى للاندماج بدلا من "الصمود". 

الدنيا تتغير والوعي ينتشر بين الفلسطينيين الذين لم يعودوا يستميتون على سيادة على شاكلة السلطة الفلسطينية، أو حماس، أو نظام بشار الأسد في سوريا، أو "الدولة المقاومة" في لبنان. صار الفلسطينيون يعون أن هدف السياسة هو تأمين مصالح الناس، وأن السيادة والشعارات القومية لا تطعم ولا تسمن.

أما القادة من الفلسطينيين، ومعهم بعض النخب في الخارج، فمنفصلين عن الواقع وعن طموحات الفلسطينيين. لكن أصواتا فلسطينية تعلو، حول العالم، وداخل إسرائيل، وفي الأراضي الفلسطينية، وتطالب بغير ما هو متعارف عليه. إنها نهاية القضية الفلسطينية وبداية قضية الفلسطينيين.

الخميس، 25 مارس 2021

اللبنانيون الأميركيون يدعون إدارة بايدن لمنع انهيار لبنان

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انضم اللبنانيون الأميركيون إلى قافلة التنظيمات الأميركية والدولية التي قدمت دراسات ونصائح حول كيفية تفادي انهيار لبنان ومساعدة اللبنانيين على الخروج من أزمتهم.

وفي دراسة أعدّتها منظمة «أميريكان تاسك فورس أون ليبانون»، بالاشتراك مع «معهد الشرق الأوسط»، حدد الخبراء الأميركيون، وبعضهم من أصول لبنانية، ست نقاط، قالوا إن من شأنها تثبيت الوضع في لبنان وخدمة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

النقطة الأولى، تتمثل في قيام واشنطن بقيادة مجموعة دولية لحمل دولة لبنان - حكومة وبرلمان - على «القيام بإصلاحات فورية».

والنقطة الثانية، دعت إلى إنشاء صندوق دولي لتقديم المساعدة المباشرة للبنانيين، على غرار «برنامج كوفاكس» الذي ترعاه الأمم المتحدة وتدير بموجبه حملات تلقيح في دول العالم ضد فيروس كورونا المستجد. كما دعت الدراسة إلى تعزيز التنسيق الأميركي مع الجيش اللبناني، ثالثاً.

وذكرت في النقطة الرابعة، أنه «عندما يصبح في لبنان حكومة قادرة على القيام بالإصلاح، يصبح العمل مع الشركاء الدوليين ممكناً في عملية الإصلاح».

في النقطتين الأخيرتين، دعت الدراسة إلى تحويل لبنان إلى نموذج لكيفية دعم إدارة الرئيس جو بايدن للديموقراطية حول العالم، وكذلك تحويل لبنان إلى نموذج لكيفية مكافحة الحكومة الأميركية للفساد في الدول الأخرى.

ومن الخبراء البارزين ممن وقعوا على الدراسة، ديبلوماسيون سبق أن مثلوا واشنطن في بيروت، مثل السفراء ريان كروكر وجيفري فيلتمان وفريد هوف، ومعهم السفير السابق لدى مصر فرانك ويزنر، والوزيران السابقان راي لحود ودونا شلالا.

ونظّم «معهد الشرق الأوسط» ندوة عبر الإنترنت للإعلان عن الدراسة والخطوات التي ينوي اللبنانيون الأميركيون القيام بها.

وتحدث رئيس المعهد بول سالم، وهو نجل وزير الخارجية اللبناني الأسبق ايلي سالم الذي أعد اتفاقية 17 مايو 1983 للسلام بين لبنان وإسرائيل.

كما تحدث نجل راي لحود، عضو الكونغرس الجمهوري حالياً دارن لحود، وكذلك ادوارد غبريال عن «أميريكان تاسك فورس أون ليبانون»، وجان أبي نادر.

وقال لحود إن الدائرة الانتخابية التي يمثلها، والتي سبق أن مثلها الرئيس الأسطوري الراحل ابراهام لينكولن، فيها ثمانية آلاف عائلة من أصل لبناني من الجيل الأول والثاني.

واعتبر أن «لبنان يواجه خطراً وجودياً»، وأن «هناك أهمية كبيرة في أن يكون لبنان دولة ديموقراطية مستقلة»، وهو ما يتطلب القيام بـ«عملية تثقيف» للمسؤولين في واشنطن.

كذلك من فوائد الاهتمام بالشأن اللبناني، حسب المشرع الأميركي، مكافحة وباء كورونا والحد من نفوذ «حزب الله»، والتعامل مع التحدي الذي يمثله تشكيل حكومة جديدة، ودفع عملية إشراف صندوق النقد الدولي على تحسين الاقتصاد اللبناني، وتخفيف الاحتقان الشعبي، وإعادة بناء ما دمره انفجار المرفأ في أغسطس الماضي.

كما اعتبر لحود أن الدعم الأميركي للبنان يجب أن يحافظ على دعم قوات حفظ السلام (يونيفيل)، سياسياً ومالياً، ودعم منظمات المجتمع المدني، ومكافحة الفساد. وختم لحود القول إن «لبنان وصل أدنى درك منذ زمن الحرب الأهلية فيه، لذا دعونا نعمل ألا تنهار الأمور أكثر من ذلك».

بدوره، قال غبريال أن لبنان «ينهار أمام أعيننا، ويخرج عن السيطرة، وترتفع فيه معدلات الفقر».

وأضاف أن «الجندي كان يتقاضى راتباً يساوي 400 دولار بالعملة المحلية، أما الآن، وقد انهارت الليرة اللبنانية، فقد أصبح راتب الجندي 40 دولاراً فقط، وهو ما يحرمه من إمكانية إطعام عائلته، فقطعة اللحم صار سعرها 50 دولاراً».

وكشف غبريال أنه وسالم سيشاركان في سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين، في الإدارة كما في الكونغرس، للضغط من أجل وضع لبنان في رأس سلم الأولويات في السياسة الخارجية.

وقال: «نأمل أن لقاءاتنا، فضلاً عن الدراسة التي أصدرناها، سترسل إشارة إلى اللبنانيين أنهم ليسوا وحدهم في العالم».

ومما جاء في الدراسة أن «لبنان يتجه بسرعة نحو فشل كامل للدولة، والانهيار الكامل قد يستغرق أسابيع، لكن إصلاحه سيتطلب عقوداً».

وعلى غرار دراسات مشابهة حذّرت من مغبة فشل الدول وتحولها إلى مرتع للإرهاب، وهو ما من شأنه أن يحرّك أميركا والغرب لتفادي ذلك، اعتبرت دراسة «معهد الشرق الأوسط» أن «من المرجح أن يؤدي الانهيار، إلى عودة داعش والقاعدة للظهور، وإلى تدفق اللاجئين اللبنانيين والسوريين إلى أوروبا، كما إلى زيادة توسع نفوذ حزب الله في البلاد»، ما يعني أن «للولايات المتحدة المصلحة والقدرة على قيادة مبادرة ديبلوماسية دولية عاجلة لسحب لبنان من حافة الهاوية».

وتابعت الدراسة أن بايدن وفريقه أشارا «إلى نهج جديد للشرق الأوسط، نهج يضع الديبلوماسية أولا في حل النزاعات».

لكن أزمة تلوح في الأفق في لبنان، وهي أزمة إن «لم تتم معالجتها، يمكنها أن تهدد بتقويض الاستقرار الإقليمي وجهود بايدن لتطبيق نهجه الجديد».

والانهيار متعدد القطاعات في لبنان، ترى الدراسة، وهو «نتاج سنوات من فشل السياسيين الطائفيين والفاسدين في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية»، إذ ذاك راح لبنان «يعاني من ديون متراكمة، وعملة قيمتها في انخفاض بلا قعر، وحسابات مصرفية شخصية مدمرة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتصاعد الفقر، واستضافة أكبر عدد من اللاجئين في العالم، مزاد ذلك من التوترات الأمنية».

لكن المعنيين بالشأن اللبناني يرون أن الدراسة تنضم إلى سلسلة سبقتها من الدراسات التنظيرية التي تعاني الانفصال عن الواقع، فالإشارة إلى أن ما يحصل قد يؤدي إلى تمدد نفوذ «حزب الله» هو تحليل متأخر عن الأحداث، إذ أن الحزب أحكم قبضته على دولة لبنان منذ فترة بعيدة، وهو ما يعني أن مشكلة لبنان الأساسية تبدأ مع الحزب، حسب عدد كبير من متابعي الشأن اللبناني، خصوصاً من الجمهوريين، أي أن مشكلة لبنان هي نتيجة وجود «حزب الله» كفصيل مسلح، لا الحزب هو نتيجة فساد دولة لبنان ومشاكلها المزمنة الأخرى، حسب ما توحي دراسة «أميريكان تاسك فورس أون ليبانون» المشتركة مع «معهد الشرق الأوسط».

ثم أنه سبق للتنظيمات الدولية الأكثر احترافية، مثل البنك الدولي، أن قدمت دراسات تفصيلية عن كيفية الخروج من الأزمة، وهو ما يعني أن لبنان لا يحتاج إلى المزيد من الأبحاث والأفكار، بل إلى معالجة كيفية تطبيق هذه الأفكار في بلاد يمسك بالكلمة النهائية فيها الحزب الموالي لإيران، والذي يعتبر أن الأحداث اللبنانية مشكلة إقليمية لا حلول لبنانية بحتة لها.

الأربعاء، 24 مارس 2021

«فتح» تتقدم على «حماس» في الضفة وغزة ... ومروان البرغوثي الأكثر شعبية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أظهر أحدث استطلاعات الرأي الفلسطينية، أن حركة «فتح» ستهزم منافستها «حماس» بفارق 13 نقطة مئوية، لو أعيد يوم غد إجراء الانتخابات الفلسطينية التي جرت عام 2006 وأدت إلى فوز الحركة الإسلامية. 
وأظهر استطلاع أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية»، والذي يتمتع بمصداقية عالية لدى عموم متابعي الشأن الفلسطيني في واشنطن، أن القيادي في «فتح» مروان البرغوثي، والمسجون مؤبد منذ 2002 في إسرائيل بتهم تورطه في مقتل إسرائيليين أثناء الانتفاضة الثانية، يتمتع بشعبية كاسحة تخوله الفوز بالرئاسة، وبثاني أو ثالث أكبر كتلة تشريعية لو هو قرر الترشح أو ترشيح مناصرين له، بشكل مستقل عن «فتح». ويتوجه فلسطينيو الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى صناديق الاقتراع في 22 مايو المقبل، للمرة الأولى منذ 2006، لانتخاب ممثليهم في المجلس التشريعي، على أن يلي ذلك انتخابات رئاسية في يوليو، وانتخابات منظمة التحرير الفلسطينية في أغسطس. وجاء في الاستطلاع أنه «لو جرت انتخابات برلمانية جديدة بمشاركة القوى السياسية التي شاركت في انتخابات 2006… ستحصل قائمة التغيير والإصلاح التابعة لحماس على 30 في المئة، وفتح على 43 في المئة، وستحصل (كل) القوائم الأخرى التي شاركت في الانتخابات على 8 في المئة، بينما نسبة 18 في المئة، لم تحسم رأيها بعد». 
وكانت «فتح» و«حماس»، أعلنتا نيتهما تشكيل قائمة وطنية مشتركة لكل الفصائل أثناء لقاء ممثليها في القاهرة الأسبوع الماضي. إلا أن الإعلان لم يتحول إلى واقع بعد مرور خمسة أيام من فتح باب تسجيل المرشحين وقبل نحو أسبوعين من إغلاقه. 
وأشار الاستطلاع إلى أنه لو ترشحت الحركتان في قائمة مشتركة في مواجهة قائمة للبرغوثي، ستحصل «المشتركة» على 44 في المئة من الأصوات، وقائمة البرغوثي على 28 في المئة، فيما سيصوت ثمانية في المئة لقائمة محمد دحلان. 
أما في غياب «اللائحة المشتركة»، ستتصدر «حماس» الكتل الفائزة في التشريعي بـ 27 في المئة، تليها «فتح» بـ 24 في المئة، وقائمة البرغوثي بـ 20 في المئة، ثم دحلان بسبعة في المئة. 
وفي حال إحجام البرغوثي عن ترشيح كتلة تشريعية، ستفوز «فتح» بـ 32 في المئة، تليها حماس بـ 28، فقائمة دحلان بستة في المئة، ولائحة ناصر القدوة، ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي تم فصله من «فتح» بسبب ترشحه كمستقل، بخمسة في المئة، و«الجبهة الشعبية» باثنين في المئة، وقائمة رئيس الحكومة السابق سلام فياض بنقطة مئوية واحدة. 
وأدت أرقام الاستطلاعات الفلسطينية إلى بعض التفاؤل بين المتابعين في العاصمة الأميركية ممن يخشون فوز «حماس»، وتالياً تحول كل الأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة، إلى منطقة يحكمها فصيل تصنفه واشنطن وبعض كبرى عواصم العالم والإقليم «إرهابياً»، وتتعرض الضفة بذلك لحصار إسرائيلي خانق كالذي تعاني منه غزة. 
واعتبر المتابعون أنه حتى لو فازت الحركة الإسلامية بالكتلة الأكبر، فهي لن تفوز بالغالبية، وسيتعذر عليها تشكيل حكومة، إذ من الأيسر توصل «فتح» والكتل المنشقة عنها إلى ائتلاف حكومي. 
وفي ما يتعلق برئاسة السلطة الفلسطينية. قالت النسبة الأكبر من المستفتين، 22 في المئة، أنها تؤيد البرغوثي للرئاسة، مقابل 14 في المئة أيدت القيادي في «حماس» إسماعيل هنية، وتسعة في المئة فقط أعربت عن تأييدها للرئيس الحالي محمود عباس، تلاه دحلان بسبعة في المئة، فالقيادي في «حماس» خالد مشعل بنسبة ثلاثة في المئة. 
ولم يختر نصف المستفتين أي شخص لمنصب رئيس. 
وفي الإجابة عن سؤال حول «لو اختارت حركة فتح عباس ليكون مرشحها الرئاسي»، قالت غالبية 57 في المئة أنها تعتقد أن هناك من هم أفضل منه، فيما ذكر 23 في المئة أن عباس هو الأفضل. و«من بين القائلين بوجود مرشحين أفضل من عباس»، فضلّ 49 في المئة، البرغوثي، و12 في المئة، دحلان. 
أما في حال عزوف عباس عن الترشح، يحصل البرغوثي على نسبة 40 في المئة، يليه هنية بـ 20 في المئة، ثم دحلان بـ 7 في المئة، ومشعل بـ 5 في المئة وفياض باثنين في المئة. 
وحول سؤال «لو جرت انتخابات رئاسية جديدة اليوم وترشح فيها اثنان فقط»، هما عباس وهنية، يحصل الأول على 47 في المئة والثاني على 46. «أما لو كانت المنافسة بين البرغوثي وهنية»، فإن البرغوثي سيحصل على 63 في المئة، وهنية على 33 في المئة، وهو ما يظهر الشعبية الكاسحة التي يتمتع بها البرغوثي كمرشح للرئاسة. 
أما «نسبة الرضا عن أداء عباس»، فتبلغ 32 في المئة، فيما تبلغ نسبة «عدم الرضا» 65 في المئة. 
ويقول 68 في المئة «إنها تريد من الرئيس (عباس) الاستقالة، فيما يريد 26 في المئة بقائه في منصبه». 
ومن غير المعروف بعد أن كان عباس عقد العزم على ترشحه لولاية ثالثة، لكن قانون الانتخابات الذي أصدرته السلطة الفلسطينية أشار إلى ضرورة إجراء انتخابات لمنصب «رئيس فلسطين»، في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية التي تقع تحت حكم إسرائيل. 
وتنص اتفاقية أوسلو على إشراف إسرائيل على إجراء انتخابات «رئيس للسلطة الفلسطينية». 
ومخالفة نص مرسوم السلطة الانتخابي - أوسلو - قد يدفع إسرائيل إلى عدم السماح بالانتخابات في القدس الشرقية لتفادي سابقة الاعتراف برئيس لـ«دولة فلسطين» بدلا من رئيس للسلطة الفلسطينية. أما عباس، فسبق وأن قال إنه لن يجري انتخابات لا يصوت فيها فلسطينيو القدس الشرقية، حتى لا يثبت كذلك سابقة استثنائهم من التصويت في الانتخابات الفلسطينية، وهو ما يعني أنه فيما من المتوقع أن تجري انتخابات المجلس التشريعي في الضفة وغزة، وباشراف إسرائيلي في القدس، سيقدم امتناع إسرائيل عن السماح بتنظيم انتخابات رئاسية في القدس الشرقية العذر لعباس لنسفها، وتاليا يبقى في الرئاسة ما لم يضمن انسحاب البرغوثي ودعمه. 
وتواترت تقارير إلى العاصمة الأميركية مفادها بأن عباس يسعى لاتفاقية مع البرغوثي تؤدي لانتخاب السجين رئيساً للمجلس التشريعي، وهو ثاني أعلى منصب في السلطة، مقابل دعم البرغوثي، لعباس لولاية ثالثة. كما تعهد عباس التوسط لدى الرئيس الأميركي جو بايدن لدفع الإسرائيليين للإفراج عن البرغوثي.

الثلاثاء، 23 مارس 2021

مبادرة السلام السعودية في اليمن تُفاقِم من أزمة «أصدقاء إيران»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فاقمت المبادرة التي أعلنتها السعودية للتوصل الى سلام في اليمن، من أزمة «أصدقاء إيران» في العاصمة الأميركية، اذ ساهمت في انتشار عناوين إخبارية عبر الإعلام الأميركي أظهرت المملكة في موقف الساعية إلى السلام في وجه معارضة إيرانية وحوثية، وهو عكس ما دأب اللوبي الإيراني على تصويره - على مدى أعوام - لاقناع حملة جو بايدن الانتخابية، ولاحقاً إدارته الرئاسية، بأن سبب الحرب هو الرياض لا طهران.

وزاد في الطين بلة، لأصدقاء إيران، أن المبادرة السعودية لاقت ترحيباً دولياً وأميركياً واسعاً، بما في ذلك من الأمم المتحدة، وهو ما وضع الإيرانيين في موقف ديبلوماسي صعب.

وكانت الرياض أعلنت موافقتها على وقف اطلاق نار شامل، وعلى فتح مطار صنعاء ومرفأ الحديدة بشكل محدود لزيادة المساعدات الإنسانية وكبادرة حسن نية وبناء ثقة بين كل الأطراف.

لكن ردود الفعل الأولية من الحوثيين جاء فيها تمسكهم بما أسموه «حق» فتح المرافئ الجوية والبحرية، بغض النظر عن التوصل الى تسوية من عدمها.

ويأتي الاحراج اليمني لـ«أصدقاء إيران» الأميركيين، كإضافة على الاحراج الذي تتسبب به طهران نفسها لأصدقائها في العاصمة الأميركية، فهؤلا دأبوا على تصوير سهولة العودة للاتفاقية النووية بمجرد خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من الحكم و إعلان واشنطن نيتها العودة الى ما قبل الانسحاب من الاتفاقية في العام 2018، وهو ما حصل.

لكن يبدو أن لطهران رأياً آخر مفاده التمسك بأقصى المطالب، واجبار واشنطن على التراجع أولا، حتى لو تطلب ذلك تصعيداً عسكرياً.

وتعزو المصادر الأميركية سبب التباين بين مواقف طهران وتصريحات اللوبي الموالي لها في واشنطن، الى أن علاقة اللوبي هي بالحكومة، خصوصا وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فيما القرار الفعلي، هو في أيدي المرشد الأعلى علي خامنئي و«الحرس الثوري».

واتفاقية فيينا عام 2015 من صناعة ظريف وحكومته، الذي كان يأمل أن تؤدي لانفراج في العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة والعالم.

لكن خامنئي وافق على مضض، تقول المصادر الأميركية، و«أخذ يتربص فرصة الانقضاض على للتخلص منها»، وهي فرصة قدمها له ترامب في اعلان الانسحاب، الذي استخدمه خامنئي ليشير الى صحة توقعاته، التي كان سبق أن أعلن فيها أن «لا أمان للأميركيين»، وأن «على إيران معالجة تدهورها الاقتصادي ذاتيا بغض النظر عن العقوبات الأميركية من عدمها».

ولإقامة مناعة في وجه العقوبات، عمد خامنئي أولاً الى حض الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة، على تبني ما أسماه «اقتصاد المقاومة»، الذي يقضي بإقامة وحدة اقتصادية مكتفية ذاتيا بين إيران وحلفائها وأصدقائها.

لكن هذا النموذج بدا قاصراً عن تحقيق النتائج المرجوة، اذ ذاك اعتقد المرشد أنه يمكن لطهران أن تنخرط في اقتصاد عالمي من دون الولايات المتحدة، ما يجعل العقوبات من دون فائدة.

هكذا عندما عقدت إيران وإدارة ترامب مفاوضات غير مباشرة عن طريق الأوروبيين، رفضت طهران أي تعديلات على الاتفاقية النووية.

ويقول الخبراء الأميركيون، من أمثال الباحث في معهد الشرق الأوسط اليكس فاتانكا، إن خامنئي يعتقد أن بإمكانه عزل الأوروبيين عن الأميركيين، ثم بمساعدة الروس والصينين، يمكن لإيران أن تقود تحالفاً يعزل أميركا ديبلوماسياً واقتصادياً. لكن الواقع أن أميركا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، هي التي يمكنها عزل التحالف الدولي الذي كان خامنئي يسعى لبنائه، بدلاً من أن تعاني هي من العزلة.

حتى في زمن ترامب، الذي أبعد واشنطن عن حلفائها الأوروبيين، لم يكن بإمكان الأوروبيين فعل الكثير لمساعدة إيران غير انتظار انقضاء رئاسة الرئيس السابق.

أما بايدن، فقد قام بإعادة اللحمة والتقارب مع الأوروبيين، وهو ما جعل قدرة طهران على فصل الكتلتين شبه مستحيلة. ثم مع موافقة واشنطن على الحوار النووي ورفض طهران، ومع موافقة الرياض على سلام اليمن ورفض طهران كذلك، اقترب الأوروبيون أكثر من الولايات المتحدة، وصارت طهران هي المعزولة اقتصادياً، وديبلوماسياً.

ويبدو أن خامنئي مازال يعتقد أن بإمكان إيران مواجهة العقوبات وانتزاع تراجع أميركا تحت ضغط زيادة نسبة وكمية اليورانيوم المخصب، وبالتزامن مع تصعيد عسكري في المنطقة.

مع ذلك، لا تبدو واشنطن خائفة من التهديدات، رغم محاولة اللوبي الإيراني تضخيم هذه التهديدات.

وأمام الواقع المعقد الذي يواجه «أصدقاء إيران»، شن هؤلاء حملة علاقات عامة، بما في ذلك إقامتهم ندوات حول الاتفاقية النووية، الأرجح لتحذير الأميركيين من مغبة عدم عودة كل من واشنطن وطهران إليها.

لكن الرأي العام الأميركي بدأ ينقلب على «اللوبي»، اذ صارت غالبية المتابعين الأميركيين ترى أن بايدن متساهل ومستعد للعودة للاتفاقية، وأن إيران هي سبب العرقلة، وهو ما يحملها مسؤولية أي تصعيد أو مواجهات.

ظريف كان حاول تزيين موقف خامنئي تارة بتخفيف حدته وجديته، وطوراً بتبنيه الموقف المتطرف مع ربطه بمخارج ديبلوماسية ممكنة.

إلا أنه في الأشهر القليلة المتبقية من حكم الرئيس حسن روحاني، صار يبدو أن قيمة تصريحات ظريف، انخفضت، في وقت يكاد يجمع متابعو الشأن الإيراني على أن حكومة من المتطرفين ستخلف الحالية، وأن التصعيد مع أميركا والعالم سيكون سيد الموقف.

ومثل ظريف، حاول اللوبي الإيراني في واشنطن استخدام أساليب الترهيب والترغيب الممكنة، لكن ادارة بايدن تبدو واضحة في موقفها، ومتمسكة به، وحائزة على تأييد له من كل حلفائها، الأوروبيين وغير الأوروبيين.

هكذا، في وقت ثار ذعر كثيرين من التساهل مع النظام الإيراني، والذي كان من المتوقع أن يسود مع وصول بايدن الى الرئاسة، أصبح الذعر غير مبرر، اذ ان العمل بالاتفاقية النووية متعذر، لا بسبب انسحاب ترامب منها فحسب، بل بسبب معارضة خامنئي لها منذ اليوم الأول لتوقيعها، ومحاولته القضاء عليها الى أن تمت له الفرصة لعدم العودة إليها مرة ثانية، وهو يبدو الموقف السائد اليوم، رغم حسرة «أصدقاء إيران» الأميركيين.

لبنان في "محور الفقر"

حسين عبدالحسين

لبنان في حالة انهيار شامل. المشكلة، حسب غالبية مواطنيه، هي فساد مسؤوليه وسياسييه الذين أفرغوا خزائن الدولة وجيوب ناسها. أما الحل، حسب الغالبية، فيكمن في استبدال المسؤولين الفاسدين بمسؤولين "أوادم".

لكن مشكلة لبنان ليست في سياسييه، بل في سياساته، وسياساته لا يمكن إصلاحها بأوراق بحثية، بل تتطلب تغييرا في ثقافة اللبنانيين السياسية، وإقناعهم بمدى ارتباط السياسة بالاقتصاد وبمدى انعكاس مواقفهم العقائدية على مستوى معيشتهم.

على اللبنانيين إدراك أن الإصلاح الإداري، واستعادة الأملاك البحرية، ووقف الهدر والفساد، على أهميتها، لا تؤثر فعليا في اقتصاد لبنان، بل هي تمنح الأجانب ثقة بالاستثمار في دولة يسود فيها حكم القانون.

ومن عوامل الثقة لاستقطاب المستثمرين وأموالهم هو السلام، بما في ذلك مع إسرائيل، أو الاستسلام كما يحلو لأنصار "المقاومة" تسميته. والسلام لا يعني أن دول العالم ستتصدق على اللبنانيين بأموالها، بل يعني أنه سيعزز الثقة باستقرار لبنان، ويقدم للبنان شركاء اقتصاديين أكثر.

ومصلحة الدول تشبه مصلحة الأفراد. الأفراد يسعون لاقامة أوسع شبكة علاقات مع نظرائهم في المهنة، خصوصا مع النافذين والمتمولين منهم، وكذلك الدول، تسعى لمعاهدات تجارية ودبلوماسية وتحالفات مع دول أخرى، خصوصا ذات الاقتصادات الكبيرة والمزدهرة، وذلك بهدف زيادة حجم التجارة معها. ويندر أن يلتفت الأفراد، كما الدول، إلى الهامشيين في المهنة أو إلى الدول ذات الاقتصادات المتهالكة التي لا يمكن جني الكثير من التحالف معها.

في حالة "الدولة المقاومة" السائدة في لبنان، يتباهى اللبنانيون بعدائهم لأكبر الاقتصادات العالمية، مثل أميركا وأوروبا، وكذلك عدائهم لأكبر الاقتصادات والأسواق الاقليمية، مثل السعودية، التي يبلغ حجم اقتصادها 30 ضعف حجم نظيره اللبناني، والإمارات وإسرائيل، التي يبلغ حجم اقتصاد كل منهما 15 ضعف الاقتصاد اللبناني.

ويصر مرشد إيران، علي خامنئي، على إقامة منظومة يسميها "اقتصاد المقاومة"، فيها إيران والعراق وسوريا ولبنان، والتي لا يبلغ حجم اقتصاداتها مجتمعة حجم اقتصاد السعودية وحدها.

واستحالة تعايش "المقاومة" مع الاقتصاد الحر سببه أن رأس المال يحب الاستقرار والأمن، ويكره الحروب. ومع سيطرة نموذج الميليشيا والحروب على لبنان، ابتعد عنه رأس المال وعملاته الأجنبية، وراح لبنان يعيش بالاستدانة دون نمو اقتصادي منذ اغتيال رفيق الحريري، حتى وصل نهاية المطاف، وبدأ مشواره في التدحرج نحو الهاوية. والاستدانة وحدها ليست مشكلة، والفساد وحده ليس مشكلة. لكن في غياب النمو الاقتصادي بسبب ترسانة "حزب الله"، تصبح كل أزمة كارثة.

والدول مثل الأفراد لناحية التخصص. في زمننا هذا، لا يمكن لأي منا العيش باكتفاء ذاتي، بل يعمل كل منا ويجني، وينفق على ما يحتاجه ولا ينتجه. ولكل شعب عناصر تفوق اقتصادية تسمح له بالمنافسة عالميا وجني عائدات، ثم استخدامها لاستيراد ما يحتاجه. أما تحذيرات جبران خليل جبران من "الويل" للأمة التي تأكل مما لا تزرع،“ فنظرية في الشعر لا في الاقتصاد.

خيارات لبنان اليوم هي إما أن يكون كالأردن، يعيش بسلام مع كل دول الجوار بما فيها إسرائيل وينعم باقتصاد مقبول، وإن لم يكن عظيما، أو يكون كسوريا، المنهارة التي تصدّر أدمغتها إلى دول العالم الناجحة لتستورد مكانها الإرهابيين من الدول الفاشلة.

على أن من يطالع النقاش اللبناني المرافق للانهيار الحاصل، بالكاد يسمع كيف يؤثر تحويل لبنان إلى قاعدة صاروخية إيرانية على انعدام ثقة المستثمرين الأجانب بالبلاد، وإلى انخفاض التحويلات، وتراجع التنافسية الإقليمية لقطاع الخدمات اللبناني، كالمصارف وشركات الهندسة والمستشفيات والجامعات.

والنقاش السياسي اللبناني غالبا ثرثرة صالونات، فيها أن الحل يكمن في تشكيل حكومة تقود البلاد إلى الخلاص. ثم ينهمك اللبنانيون في استعراض مَن مِن الزعماء يقبل أيا من الحقائب، ومَن مِن الشخصيات يوافق على توزير شخصيات منافسة.

وفي خضم الثرثرة اللبنانية يغيب التواضع، ففي رأي اللبنانيين أنهم وبلادهم محور اهتمام العالم. هكذا، يدعو بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، إلى تدويل الأزمة اللبنانية، فيرد عليه زعيم "حزب الله" حسن نصرالله، برفض التدويل. على أن ما لا يراه اللبنانيون هو أن بلادهم لا تتمتع بأهمية استراتيجية تستوجب التدويل، وأن التدويل ليس خيارا ينتظر القرار الدولي، بل هو فكرة خيالية غير واقعية وغير مسبوقة.

والتدويل هو انتداب في عالم لم تعد فيه الإمبراطوريات مهتمة بحكم شعوب أخرى ودول فاشلة، بل تنهمك كل منها بشعبها وفشلها. صحيح أن لقوى مثل الولايات المتحدة قدرة على إنقاذ لبنان، لكن لماذا تنقذه؟

في الماضي، كان هدف إنقاذ الدول الفاشلة منع وقوعها تحت تأثير السوفييت وتحولها شيوعية، وفي وقت لاحق، حاولت أميركا إصلاح دول فاشلة كأفغانستان والعراق لتجفيف منابع الإرهاب. لكن مع نهاية الشيوعية والإرهاب، لم يعد لدى الغرب سبب لإنفاق أي أموال لإصلاح الدول الفاشلة كلبنان وسوريا.

حتى الشركات الدولية الخاصة لن تستثمر في دول لا أمان فيها كلبنان، وهو ما حصل في العراق مع شركة شيفرون الأميركية العملاقة للنفط، التي تخلت عن حقل ضخم بسبب غياب الأمن الذي قلّص من أرباح الشركة حتى قضى عليها، فرحلت، قبل أن تعود إليه بعد عقد مع استقرار الأمن نسبيا.

في نفس الوقت منحت إيران شركة توتال الفرنسية عقود تطوير واستخراج نفط حقل بارس الجنوبي. أما في الخطاب الخيالي لـ "محور المقاومة"، سبب حرب العراق هو جشع أميركا النفطي تجاه آبار العراق، فيما إيران لا تتعاون مع الاستكبار ولا شركاته النفطية.

لن تأتي الأمم المتحدة لإنقاذ لبنان. جلّ ما سيفعله العالم هو مساعدة لبنان في إدارة أزمته حتى لا تنفجر الأمور إنسانيا وتتسبب بموجات نزوح إلى أوروبا. عدا عن ذلك، سيشاهد العالم لبنان يتلاشى، وسيواصل العالم اسداء النصائح حول الحوكمة الرشيدة، ويقدم دراسات اقتصادية ومساعدات محدودة.

والدراسات الغربية لا قيمة لها، إذ هي غالبا أكاديمية منفصلة عن الواقع، تدعو مثلا إلى إصلاح المرفأ، وكأن الإصلاح لا يتطلب أكثر من قرار. بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس، طالب العالم واللبنانيون بتحقيقات للكشف عن المسؤولين. بعد أشهر، تعرض أحد الشهود لعملية اغتيال، فيما أطاحت الدولة بالقاضي الذي استدعى بعض الكبار إلى تحقيقات. انتهى التحقيق في المرفأ، وهكذا سيكون مصير إصلاحه أو إصلاح أي مؤسسة في الدولة.

اليوم، يمكن للبنانيين المتمسكين بالصمود البقاء في "محور الفقر" المعروف بـ "محور المقاومة". أما من يسعون لعيش كريم، فلبنان تلاشى ولم يعد أمامهم إلا الرحيل.

السبت، 20 مارس 2021

أبرامز يثني على سياسة بايدن تجاه إيران ويخشى رفع أهم العقوبات... صادرات النفط

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أشاد إليوت أبرامز، مسؤول «ملف إيران» في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بأداء الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته تجاه إيران. وقال إن طهران تقوم بما في وسعها لدفع واشنطن إلى التوتر والتنازل، لكن الإدارة الحالية حافظت على رباطة جأشها، ولم ترفع أياً من العقوبات، ولم تبدِ ضعفاً.

ويبدو أن تمسك واشنطن بموقعها، وكذلك تصلّب طهران، دفع خليفة ابرامز، المبعوث الحالي روبرت مالي، إلى الخروج عن صمته، وتوجيه دعوة صريحة للنظام الإيراني لتغيير سياسته وعدم إضاعة الفرصة المتاحة للعودة للاتفاقية النووية، وتالياً لرفع العقوبات الأميركية.

أبرامز، وفي حوار عبر الإنترنت، أثنى على سياسة بايدن، وأكد أنها «جيدة جدا حتى الآن». وعزا ذلك إلى التقارير الاستخبارية حول إيران التي صارت متاحة لبايدن وأعضاء فريقه.

وقال إنه منذ خروجهم من الحكم مع نهاية إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، مطلع العام 2017، أمضى العاملون في إدارة بايدن، أربعة أعوام من دون تقارير استخبارية، لكن الأمور تغيرت مع عودتهم إلى البيت الأبيض، ما دفعهم إلى اعتماد سياسة جديدة، لا استئناف لسياسة أوباما.

واعتبر ابرامز أنه باستثناء بعض الأخطاء في اليمن، من قبيل قيام وزارة الخارجية برفع تنظيم الحوثي عن «اللائحة السوداء»، لم ترتكب الإدارة الحالية أخطاء تذكر في تعاملها مع الملف الإيراني. وتابع أنه لا يعرف كيف تنوي الإدارة الحالية التعامل مع الموضوع الإيراني مستقبلاً، وأنه لا يعرف ما هي «الخطة باء»، غير استئناف العمل باتفاقية فيينا ومن ثم التفاوض من أجل تعديلها.

ولخص أبرامز القضايا الخلافية مع إيران بأربعة محاور، هي الملف النووي، رعاية الإرهاب بدعم الميليشيات في المنطقة، البرنامج الصاروخي، وتجاوزات حقوق الإنسان. وقال إن سياسة ترامب «الضغط الأقصى» كانت تهدف إلى دفع طهران للمشاركة في مفاوضات حول هذه الملفات الأربعة، كسلة متكاملة للتوصل إلى تسوية تفضي إلى رفع العقوبات.

وشدد أبرامز على أن «برنامج إيران النووي لا يشبه البرامج السلمية، في جنوب أفريقيا واليابان، بل يشبه برامج صناعة السلاح النووي في كوريا الشمالية، إذ تقوم طهران بالعمل بسرية، وإخفاء أجزاء من البرنامج عن عيون الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحد من قدرة المفتشين الدوليين على مراقبة البرنامج».

وتابع أبرامز أنه على العكس الاعتقاد السائد، فإن سياسة «الضغط الأقصى» بدأت بعد مرور سنتين على دخول ترامب البيت الأبيض، و«للحكم إن كانت لهذه السياسة نتائج، كان الاعتقاد أن أربع سنوات إضافية لترامب في الحكم، مع تشديد العقوبات، كانت ستدفع الإيرانيين حتماً إلى التحاور حول الملفات الأربعة».

وعن سياسة بايدن المعلنة، رأى ابرامز أن «المشكلة تكمن في أنه لو تم تنفيذها، أي عادت إيران للاتفاقية النووية، ستقوم واشنطن برفع أهم جزء من العقوبات، ألا وهي صادرات النفط... إن فعلت ذلك، تعود طهران إلى تصدير نحو مليونين ونصف مليون برميل يومياً، ما يدر على النظام نحو 60 مليار دولار سنوياً، وهذا كاف لتمويل النظام ونشاطاته المزعزعة للاستقرار، ومن ثم، لا يعود للإيرانيين مصلحة في التفاوض حول الملفات الثلاثة الأخرى».

كذلك أشاد ابرامز بالتقارب مع الأوروبيين في الموضوع الإيراني، وقال إن «لندن خرجت من الاتحاد الأوروبي وصارت أقرب إلى واشنطن في سياستها الخارجية، أما برلين، فهي الأكثر تهاوناً مع النظام الإيراني»، واعتبر أن «إيران تواجه مشكلة من سيخلف المرشد علي خامنئي».

وتوقع أن يسعى النظام لانتخاب رئيس متشدد في يونيو المقبل، لتأكيد خلافة سلسة بعد خامنئي في حال اضطر الأمر في السنوات الأربع المقبلة.

وفي الاجابة عن سؤال حول انخفاض عدد مرتادي المساجد، وابتعاد الإيرانيين عموماً - من غير المؤيدين أو المستفيدين المباشرين - عن النظام وعقيدته، قال ابرامز إن «الاتحاد السوفياتي انهار في 75 عاماً، وأنه إذا كان هذا هو المقياس، ما زال أمام النظام الإيراني بعض الوقت، لكنه فعليا يغرق في ضعف كبير».

من جانبه، وبسبب تعثر التوصل إلى تسوية بين إدارة بايدن وإيران، شن مالي حملة علاقات عامة عبر القنوات الإعلامية الدولية الناطقة بالفارسية، متوجها إلى الإيرانيين عموماً ومسؤوليهم خصوصا، وتحدث إلى كل من «صوت أميركا» و«بي بي سي بالفارسي»، معتبراً أن هجمات إيران والميليشيات الموالية لها على أهداف أميركية، «لا تساهم في إشاعة أجواء لدفع الأمور قدماً والعودة إلى الاتفاقية النووية».

وقال مالي لـ «بي بي سي» البريطانية إن «أول شيء يمكنني أن أقوله، ودأبت على قوله منذ سنتين والرئيس بايدن يقوله ومعه كبار مستشاريه، إن سياسة الضغط القصوى فشلت، وكان فشلها متوقعاً، ولم تحسّن حياة الإيرانيين، ولم تحسّن الأمور للولايات المتحدة والمنطقة، ولم تقرّبنا باتجاه الاتفاقية الأفضل التي تحدث عنها الرئيس ترامب».

وبدا مالي وكأنه يستجدي الإيرانيين بقوله «نريد أن نطوي هذه الصفحة ونجعلها خلفنا، وسياسة الضغط القصوى يجب أن تصبح شيئاً من الماضي».

وفي ما بدا تبايناً مع موقف الإدارة الأميركية الثابت، بما في ذلك موقف بايدن، وضع مالي رفع العقوبات قبل عودة إيران للالتزام ببنود الاتفاقية النووية، وهو ما تطالب به طهران وكرر بايدن رفضه. وقال: «ما نريد أن نفعله هو أن نصل إلى موقع ترفع به الولايات المتحدة العقوبات مجدداً، ويمكن لإيران أن تعود للتعاون حسب التزاماتها، وهذا ما عبر عنه الرئيس بايدن في حملته وحتى الآن، وهذا ما قلناه منذ تولينا الحكم، وهذا ليس سهلا، وليس كإضاءة الضوء بكبسة زر».

وفي ما بدا اعترافاً من مالي، الذي ساهم في التوصل إلى الاتفاقية وصياغتها في زمن أوباما عام 2015، بضعف الاتفاقية الحالية، قال المسؤول الأميركي: «أظهرت خطة العمل المشتركة الشاملة أنها هشة، ونعتقد أنه يمكن تعزيزها باتفاق معدّل». وتابع: «سنضغط على إيران، ونحاول إقناعها بأن من مصلحتها أيضاً الحصول على اتفاق معدّل».

وختم مالي أنه يتوقع أن «يكون لدى إيران قضايا تريد طرحها على طاولة المفاوضات».

لكن سبق للمسؤولين الإيرانيين أن صرّحوا مراراً بأنهم لا ينوون التفاوض في أي ملفات أخرى، باستثناء النووي.

الخميس، 18 مارس 2021

تساؤلات في واشنطن حول كيفية وقف الانهيار اللبناني... لتفادي الكارثة!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

دأبت مراكز الأبحاث الأميركية على تقديم دراسات وافية حول ملفات متنوعة - بما في ذلك حول السياسة الخارجية - وذلك في محاولة منها لتقديم النصائح لإدارة الرئيس جو بايدن، في أشهرها الأولى، والتأثير في وجهة نظر الإدارة تجاه عدد من الملفات الخارجية، بما في ذلك المتعلقة بالشرق الأوسط ومنها لبنان.

ولا يحظى لبنان بأهمية إستراتيجية في عيون الإدارات الأميركية المتعاقبة، باستثناء بين «المحافظين الجدد» الذين كانوا يعملون على «نشر الديموقراطية»، ورأوا فرصة سانحة في لبنان في العام 2005.

لكن فشل الديموقراطية في العراق، ومثلها في لبنان، أقنع الرئيس السابق جورج بوش الابن باستحالة التغيير في العالم بالاستناد الى القوة العسكرية الأميركية، فاستعاض عن «نشر الديموقراطية» و«المحافظين الجدد» بسياسة واقعية أدارتها وزيرته للخارجية كوندوليزا رايس، التي أنهت عزلة الرئيس السوري بشار الأسد بدعوته إلى مؤتمر انابوليس للسلام في صيف 2007، ووافقت على دخول معارضي «حزب الله» في لبنان بتسوية معه، وفي حكومة وحدة وطنية، فكانت اتفاقية الدوحة في صيف 2008.

منذ ذلك التاريخ والاهتمام الأميركي بلبنان شبه معدوم، باستثناء رغبة في عدم تحوله إلى «دولة فاشلة» تصدر الإرهاب واللاجئين إلى أصقاع العالم. حتى أمن الحدود الشمالية لإسرائيل، صار في واشنطن إجماعاً بأن الدولة العبرية قادرة وحدها على التعامل مع الخطر الذي يشكله الحزب عليها، وأنها ليست بحاجة لمساعدة أميركا.

ومع تقلّص الاهتمام الدولي والإقليمي، صارت ندوات مراكز الأبحاث المخصصة للبنان في واشنطن بالكاد تنعقد، وباتت الدراسات حول الوضع اللبناني شحيحة، ولا تحوز اهتماماً يذكر في أوساط العاصمة الأميركية لدى صدورها. لكن نفر من الباحثين الأميركيين ممن يتحدرون من جذور لبنانية، ما زالوا يسعون لإبقاء بعض الأضواء مسلطة على الانهيار اللبناني، وربما إقناع إدارة جو بايدن بأن الانهيار التام ليس في المصلحة الأميركية.

من هؤلاء الباحثين منى يعقوبيان، التي تعمل في «معهد الولايات المتحدة للسلام»، الذي يموله الكونغرس. وفي مطالعة لها بعنوان «هل يمكنه تفادي الانهيار التام في لبنان»؟ كتبت أن الأزمة اللبنانية ستؤدي إلى موجة جديدة من النزوح، وأن «المجتمع الدولي أمام فرصة تضيق بسرعة للانخراط قبل أن يغرق لبنان في الانهيار التام»، وهو انهيار لو حصل، «سيتطلب جهداً دولياً أكثر تكلفة ويستغرق وقتاً طويلاً للتعامل معه».

وأضافت يعقوبيان أنه «فيما يقع عبء الإصلاح على الطبقة السياسية، تتطلب الأزمة الإنسانية الناشئة مساعدة فورية ومباشرة للشعب اللبناني».

وتابعت الباحثة الأميركية أن «الجهود السابقة التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم تنجح في معالجة الأزمة»، لكن يمكن للولايات المتحدة المشاركة بالقيام بدور محفز، بالاشتراك مع الحلفاء الأوروبيين والخليجيين، بالإضافة إلى الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين.

يمكن، إذ ذاك، «اتباع نهج ذي شقين لمنع ظهور حالة طوارئ إنسانية وأمنية في لبنان»، حسب يعقوبيان، «أولاً، يمكن السعي لزيادة المساعدة الإنسانية المباشرة إلى اللبنانيين المحتاجين من خلال برامج المساعدة النقدية. وثانياً، يمكن الإفادة من قوة الحلفاء الجماعية لممارسة ضغط أكبر على الطبقة السياسية لتشكيل حكومة من الخبراء المستقلين من ذوي العقلية الإصلاحية وممن يمكنهم مباشرة الإصلاحات اللازمة التي من شأنها إطلاق حزمة إنقاذ أكبر».

وربطت الباحثة، بين إستراتيجية إدارة بايدن الموقتة للأمن القومي، التي صدرت أخيراً ووعدت فيها إدارة بايدن، بالعمل مع الحلفاء والشركاء لمواجهة الفساد، وبضرورة العمل على إيقاف «الانهيار الوشيك في لبنان كواحد من أكثر الأمثلة دراماتيكية على الفساد وسوء الإدارة».

وانضم كريستوف أبي ناصيف، «مدير برنامج لبنان في معهد الشرق الأوسط»، إلى يعقوبيان في التحذير من أن انهيار لبنان يمكنه أن يؤدي إلى موجات هجرة ونزوح واسعة إلى دول العالم، بما في ذلك إلى أوروبا، حليفة واشنطن.

وفي سلسلة قدمها المعهد للإدارة الفتية وغطّت كل مواضيع السياسة الخارجية، كتب أبي ناصيف أن «للولايات المتحدة مصلحة في أن يتعافى لبنان ويعيش اقتصادياً وسياسياً، وألا تقع البلاد في حالة فشل كامل للدولة من شأنها أن تؤدي إلى حالات طوارئ إنسانية وأمنية لا تعد ولا تحصى لأميركا ولأوروبا»، خصوصا أن «لبنان يستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ممن قد يجدون طريقهم»، فضلاً عن اللاجئين اللبنانيين، إلى «الخارج بما في ذلك أوروبا».

بدوره، اقتبس الباحث في معهد كارنيغي للأبحاث آرام نرغوزيان، من الخطاب الذي أدلى به قبل فترة وجيزة قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، سأل فيه السياسيين «إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنتظرون؟ ما الذي تخططون أن تفعلونه؟ لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع».

واعتبر نرغوزيان أن كلمة عون شكّلت «أول انتقاد صريح يوجهه مسؤول عسكري كبير ضد الطبقة السياسية منذ بدء انهيار لبنان في أواخر عام 2019».

وأشار نرغوزيان إلى ما يبدو وكأنه أولى بوادر التمرد العسكري على أوامر السلطة السياسية، وكتب: «تحدث قائد (الجيش) في العاشرة صباحا، (ثم) ظهراً، دعا الرئيس ميشال عون الجيش إلى إخلاء الشوارع (من المتظاهرين)، وبحلول الساعة الخامسة مساء، لم يتم اتخاذ أي إجراء».

لذلك، يرى نرغوزيان أن لبنان يبدو وكأنه «دخل المجهول من حيث العلاقات المدنية - العسكرية».

وفي ما يتعلق بالإنفاق العسكري، قال نرغوزيان إنه مع «آثار التضخم المالي، فإن التقديرات الداخلية للقوات المسلحة تشير إلى أن الحساب الجاري يمكن أن يدعم رواتب العسكريين وعقد الأجور حتى نهاية يونيو المقبل».

بعد ذلك، يضيف الباحث اللبناني الأميركي، «إما توافق الحكومة اللبنانية على التمويل الإضافي، أو ستضطر القوات المسلحة إلى تعليق تسديد مرتبات العاملين لديها بأعداد متزايدة، أو ستضطر قيادة الجيش لأن تستعين بموارد الميزانيات الأخرى المخصصة للاستعدادات والتنقل».

وفيما يتعذر القول إن انهيار القوات المسلحة أصبح وشيكاً، «لا يمكن قول الشيء نفسه عن حركتها وفعاليتها التي يعيقها الانهيار الاقتصادي».

وختم نرغوزيان بأن ما فعله العماد عون فعلياً هو أنه «دق ناقوس الخطر»، وسأل الطبقة السياسية «عما إذا كانت تريد للبنان جيشاً أم لا»، وحذرها من أنه «مع تصاعد الاستياء الشعبي، قد لا يتمكن السياسيون من الاعتماد على الجيش لحمايتهم، ناهيك عن مواجهة المتظاهرين».

الأربعاء، 17 مارس 2021

اللبنانيان خاطر وطانيوس استخدما «الكيماوي» في مبنى الكونغرس

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تواصل الإدارة الأميركية، ملاحقتها القضائية لأكثر من 300 شخص، ممن شاركوا في اقتحام مبنى الكونغرس في السادس من يناير الماضي، خصوصاً منهم، من ارتكبوا أعمال عنف، مثل الاعتداء على الشرطة، أو القيام بأعمال تكسير لممتلكات عامة، أو اقتحام مبنى الكابيتول الفيديرالي المحظور دخوله على غير المخولين.

وفي هذا السياق، أعلن مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي)، اعتقال أميركيين اثنين من أصول لبنانية، بتهم الاعتداء على الشرطة المولجة حماية مبنى الكونغرس.

وورد في إضبارة الادعاء، أن جوليان إيلي خاطر وجورج بيار طانيوس، قاما برش مواد كيماوية في وجه ثلاثة رجال الشرطة بشكل أجبرهم على التوقف عن القيام بمهامهم لأكثر من 20 دقيقة، في وقت بقيت «آثار الكيماوي» بادية على عيون شرطية، لأسابيع.

وتقول الضحية، إنه في كل سنوات عملها في سلك الشرطة، لم يسبق أن رأت «كيماوي» من هذا النوع.

وكان أحد رجال الشرطة الثلاثة، برايان سيكنيك، لقي حتفه في المساء الذي تلى يوم الاقتحام، لكن ليس بـ «الكيماوي»، بل إثر مواجهات مع متظاهرين آخرين.

وخاطر وطانيوس يتحدران من عائلتين من جذور لبنانية تقيمان في ولاية نيوجرسي (شمال شرق)، ويعمل كل منهما في قطاع المأكولات والصناعات الغذائية. خاطر عمل في شركة صناعة فواكه في نيوجرسي، فيما انتقل طانيوس إلى ولاية فرجينيا الغربية، حيث يدير مطعماً يملكه.

وقد تعرف مكتب التحقيقات، على هوية المتهمين عن طريق الفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر اتصالات من مواطنين. ثم بعد تحديد هويتيهما، قام المكتب بالتحقيق مع معارفهما للتثبت من أن من يظهران في الفيديو، هما فعلياً خاطر وطانيوس.

ومن الشهود الذين تعرفوا على المتهمين، شريك عمل سابق لطانيوس، قال إن بينهما دعاوى قضائية بسبب قيام الأخير باختلاس 432 ألف دولار منه.

وذكر الادعاء أن في خضم المواجهات الجارية، توجّه خاطر الى طانيوس، وقال له «اعطني ذاك الذي نرش به الدببة»، لكن طانيوس استمهله قائلاً «انتظر قليلاً ما زال الوقت مبكراً». فرد خاطر بأنه تعرض لرش بغاز الدموع من قبل الشرطة، لكن طانيوس أصرّ على الانتظار حتى يقوم المهاجمون باقتلاع الحاجز الحديد الذي كان يفصل المتظاهرين عن الشرطة.

وأشار الادعاء الى أنه قبل التعرف إلى هوية المتهمين، كان مكتب التحقيقات، صنف خاطر على أنه «المطلوب الرقم 190»، وطانيوس على أنه «المطلوب رقم 254».

وإلى شهادات الشهود في التعرف على المتهمين، استند الادعاء إلى تطابق في الملابس والشعارات في صور مختلفة.

وفي حال ثبتت التهمة على المتهمين، يواجه كل منهما أحكاماً بالسجن تصل الى 20 عاماً، لاعتدائهما على قوات أمنية فيديرالية.

ويتمتع الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي يرى مراقبون أنه المحرّض خلف الاعتداء على الكونغرس، بشعبية كبيرة بين العرب الأميركيين، خصوصاً من غير المسلمين.

وفي صفوف اللبنانيين الأميركيين، دفعت شعبية الرئيس السابق الواسعة، بعضهم الى تنظيم جمعية «شرق أوسطيون من أجل ترامب»، أثناء حملته الرئاسية الأولى في العام 2016.

وفي حملة 2020، لم يظهر التنظيم مجدداً، لكنّ عدداً كبيراً من اللبنانيين الأميركيين انخرطوا في الحملة الانتخابية مباشرة، وساهموا في التأجيج ضد نتائج الثالث من نوفمبر، وساهم بعضهم - على ما يبدو حسب الادعاء الأخير - في أعمال العنف التي رافقت اجتياح مناصري ترامب لمبنى الكونغرس الأميركي.

موسكو «مستاءة» من نفوذ طهران والأسد يقدّم نفسه «شريكاً»... لواشنطن

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في الذكرى العاشرة لاندلاع التظاهرات المطالبة بإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد، شهدت كل من نيويورك وواشنطن نشاطاً مكثفاً حول الشأن السوري. ففي الأمم المتحدة، عقد مجلس الأمن جلسة قدّم فيها المبعوث الأممي غير بيدرسون تقريره الدوري، الذي لم يلق فيه باللائمة على أحد، باستثناء المنظمة الدولية، معرباً عن أسفه لفشلها في التوصل الى تسوية وإنهاء الحرب.

الا أن ما لم يقله بيدرسون، قالته السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد، التي وجهت أصابع اللوم الى الأسد، واعتبرت ان «هناك سبباً واحداً فقط لتعذر التوصل الى حل لهذه الأزمة»، وهو «رفض نظام الأسد الانخراط (في المفاوضات) بحسن نية، ولم يتخذ خطوة واحدة من شأنها أن ترسي أسس للسلام».

وافتتحت السفيرة الأميركية كلمتها باقتباس تصريح للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، حدد فيه الفارق بين انتفاضة السوريين ضد نظام الأسد، والحرب التي تلتها، وقال فيه إن «القمع العنيف للتظاهرات الشعبية السلمية هو الذي وضع سورية على طريق حرب مروعة».

ودعت غرينفيلد «روسيا للضغط على نظام الأسد للتخلي عن المماطلة»، معتبرة أنه «حان الوقت لكي يعالج النظام السبب الجذري للصراع»، الذي وصفته بـ «المطلب الأساسي لجميع السوريين»، والقاضي «بالعيش بكرامة، (في حياة) خالية من التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي».

كما توجهت السفيرة الى المجتمع الدولي، بالطلب اليه «ألا ينخدع بالانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنها لن تكون حرة ولا نزيهة، ولن تضفي الشرعية على نظام الأسد، ولن تستوفي المعايير المنصوص عليها في القرار الرقم 2254، بما في ذلك ضرورة الإشراف عليها من قبل الأمم المتحدة وإجراؤها وفقاً لدستور جديد».

وفي بيان مشترك، أكد وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، أن دولهم «لن تتخلى عن الشعب السوري» وتدعو إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية.

وفي واشنطن، قدمت مراكز الأبحاث دراسات متنوعة حول الأزمة السورية، كان أهمها الصادرة عن «معهد الشرق الأوسط»، وشارك في اعدادها آخر سفير أميركي في دمشق روبرت فورد، واعتبر فيها أن «المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة حول الدستور السوري وصلت إلى طريق مسدود»، وأنها «لا تتناول على أي حال القضايا الأساسية التي أشعلت شرارة انتفاضة 2011 وما تلاها من تصعيد (وصل) إلى حرب أهلية».

ووصفت الدراسة محادثات الأمم المتحدة، السورية بأنها «ورقة توت تخفي جموداً في التوصل إلى حل سياسي».

وأضافت أن «السيطرة الأميركية على شرق سورية، والضغوط المالية لانتزاع الإصلاح من حكومة الأسد الضعيفة وغير النادمة»، لن تؤدي الى نتائج، ولن يقبل حلفاء الأسد، انهياره، وأنه «يمكن لإسرائيل وحدها احتواء برنامج الصواريخ الإيراني في سورية، في وقت تساعدها روسيا في ذلك ضمناً»، ما يعني أن «الوجود العسكري الأميركي في سورية ليس ضرورياً لمساعدة إسرائيل».

كما ورد في الدراسة أن «الروس غير مرتاحين لتزايد النفوذ الإيراني في سورية»، وقد «أعطوا الضوء الأخضر لغارات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية». ومع ذلك، «لا يريد الروس أن تقوّض الضربات الجوية الاستقرار الهش للحكومة السورية».

امتعاض روسيا من الايرانيين لا يعني أن الأسد في «جيب الروس»، بل على العكس، يرى خبراء أن الرئيس السوري يسعى للتخلص من النفوذ الروسي والايراني.

في هذا السياق، لفت الخبير عبدالله الغضوي، على موقع مركز أبحاث «نيوزلاين انستيتيوت»، أن «الأسد قام بإجراء تعيينات ومناقلات عسكرية هدفها تأكيد سيطرته واضعاف نفوذ روسيا داخل قواته ونظامه».

وقال إنه «منذ بدء التدخل العسكري في سبتمبر 2015، تحركت روسيا لإعادة هيكلة الجيش السوري حتى يتمكن من القتال بشكل موثوق في المعارك الكبرى إلى جانب مستشاريها، وأضافت اليه فرقاً كالفيلق الخامس، والذي يُعتبر الآن خاضعاً لسلطتها مباشرة».

كما كان لموسكو دور قوي في تعيين كبار قادة الجيش، حسب الخبير، مثل تعيينها «اللواء آصف الدكر لقيادة الفرع 293، وهي الوحدة المسؤولة عن كل الترقيات والمسائل المتعلقة بسلك الضباط، وهو مثال بارز على تدخل روسيا في المستويات العليا للجيش».

لكن الدكر، الذي درس في روسيا لمدة خمس سنوات، «سرعان ما تم تهميشه بسبب الصراعات الداخلية ورغبة الأسد في التخلص من الرقابة الروسية،»، حسب الغضوي، الذي يضيف «إن كان هدف روسيا إضعاف الأسد، فقد أخطأت بالتركيز على الجيش وعدم الالتفات إلى الأجهزة الأمنية والضباط العسكريين المنتشرين في القصر الرئاسي».

وتابع الغضوي أن الأسد حاول «باستمرار إبعاد الأجهزة الأمنية عن نفوذ الروس والإيرانيين بسبب الدور الأساسي الذي تلعبه هذه الأجهزة في المحافظة على سلطة النظام»، واليوم «لم يعد لروسيا نفوذ يذكر داخل هذه الأجهزة، خصوصاً وأن شعبة المخابرات العسكرية، التي تخضع الآن لسيطرة الأسد الكاملة، تشرف على المؤسسة العسكرية».

كما «لا يوجد أي ذكر علني لأي نفوذ روسي داخل المؤسسة الاستخباراتية، لا سيما في المكاتب الأمنية الأربعة الأساسية للنظام»، بحسب الغضوي.

ويعتبر أن الأسد واصل محاولة تقليص النفوذ الروسي، فقام «بإقالة اللواء زيد صالح، رئيس اللجنة الأمنية في إدلب وأحد كبار ضباط الجيش المقربين من الروس»، في يناير الماضي. وفي فبراير، «عيّن اللواء العلوي هيثم بركات رئيساً للأركان بدلا من اللواء السني نزار أحمد الخضر، الذي كان اختياراً روسياً لمنصب قائد الفرقة 17 في ديسمبر 2020»، في خطوة يعتبر الغضوي انها تمثل «تحدياً مباشراً لروسيا، يمنح الأسد قدرة الإشراف المباشر على أداء الفرقة».

إلى ذلك، وفي وقت تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها، العمل على إبقاء النظام معزولاً، يسعى الأسد الى «المناورة» للمحافظة على بعض النفوذ، وفي الوقت نفسه، يدور صراع غير معلن بين طهران وموسكو، التي أعطت اسرائيل الضوء الأخضر لقصف مواقع ايرانية، وهو ما يفاقم من تعقيدات الصراع الذي لم يعد «بارداً» كما كان في الأشهر الماضية، اذ تشير مصادر حكومية أميركية الى تصاعد في نشاطات تنظيم «داعش» والمجموعات المعارضة مع تعثر اتفاقات الهدنة التي كان الروس «عرّابي»، التوصل إليها بين المعارضين والنظام.

ومع تصاعد خطر «داعش»، يرى الخبراء الأميركيون أن الأسد يحاول تقديم نفسه لادارة الرئيس جو بايدن، كشريك في الحرب على الغرهاب، لكن غالبية الخبراء تستبعد أن يؤثر ذلك في الرأي المتمسك بعزل الأسد حتى يلتزم القرارات الدولية وينخرط في تسوية.

هكذا مرت في نيويورك وواشنطن، الذكرى العاشرة للانتفاضة، التي أفضت الى حرب طاحنة لا تزال عواقبها تنزل بالسوريين عقاباً جماعياً لا يرحم... ولا يبدو أنه يقارب نهايته.

الثلاثاء، 16 مارس 2021

الثورة السورية والربيع الذي لن يأتي

حسين عبدالحسين

في ندوة استعرض فيها تجربته في الإدارة، تطرق مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، ديفيد شنكر، إلى موقفه من التغيير في العالم العربي، وقال إنه كان من "المحافظين الجدد"، وأنه كان يؤمن بجدوى استخدام القوة الأميركية لنشر مبادئ الحرية والديموقراطية في دول العالم، وهي رؤية ساهم منا عرب كثيرون في صياغتها وتأييدها في السنوات التي سبقت حرب العراق. 

في دنيا العرب، كنا نعتقد أن الشعوب حية واعية، وأنها تسعى للحرية والديمقراطية، لكن الإمبريالية هي العقبة. كنا نردد أن العراق بلد المليون مهندس، وأن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ.

كنا نعتقد أن الديكتاتوريات العربية صناعة إمبريالية، وأن صدام حسين كان على اتصال بـ "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية (سي آي إيه) أثناء إقامته في القاهرة. كنا نعتقد أيضا أن أميركا سلّطت صدام على العراقيين لإضعافهم وإضعاف العرب، وورطته في حربي إيران واجتياح الكويت، ثم راحت تستخدمه كفزاعة لدول الخليج حتى تبتز واشنطن هذه الدول، وتعقد معها صفقات أسلحة ضخمة، وتنشر فيها قواتها. في رأينا، كان العرب يعيشون في شقاء، وكانت المسؤولة هي أميركا، داعمة حكامهم الطغاة. 

فجأة، أعلنت أميركا أنها قادمة للإطاحة بصدام. ممتاز. إذا سنحت للعراق فرصة للعيش بدون صدام، سيصبح مهد الحضارة، العراق، مهدا للحرية والديمقراطية في عموم المنطقة. هكذا اعتقدنا نحن المثقفون العرب، وهكذا أقنعتنا الولايات المتحدة، وهكذا توصلنا أنا والصديق شنكر إلى نفس الخلاصة، وصرنا سويا، في صفوف "المحافظين الجدد" الداعين لاستخدام القوة الأميركية لنشر الديمقراطية. 

سقط صدام. وقفت في بغداد. الآن ماذا؟ لم أر غير العراقيين الذين ينهبون دوائر دولتهم وقصور صدام حسين والبعثيين. أين ذهب المثقفون العراقيون والمهندسون؟ 

أعطى الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، مهلة سنة بعد الاجتياح لنشر الديموقراطية في العراق ولبنان، ولما لم ينجح العراقيون واللبنانيون في إقامة ديمقراطيتهم، أطاح بوش بـ "المحافظين الجدد"، واستبدلهم بالواقعيين برعاية وزيرة الخارجية السابقة، كوندوليزا رايس، التي عادت إلى دبلوماسية الصفقات: مع رئيس سوريا، بشار الأسد، بدعوته لمؤتمر أنابوليس للسلام، ومع "حزب الله" بالموافقة على "اتفاقية الدوحة".

أما في العراق، فاستنسخ الدبلوماسيون الأميركيون نموذج لبنان الفاشل: دولة محاصصة طائفية شكلها عدالة تمثيل ومضمونها فساد وتقاسم الدولة كغنائم. 

يقول شنكر إن حرب العراق أظهرت محدودية القوة الأميركية على فرض التغيير، فصارت الوسائل الأميركية في السياسة الخارجية تقتصر اليوم على الضغط الدبلوماسي، وربط المساعدات الأميركية بشروط، أو فرض عقوبات. ولى إلى غير رجعة استخدام أميركا قوتها العسكرية لأهداف سياسية غير دفاعية. 

هذا درس كنا نعرفه مع اندلاع الثورة السورية، ولكننا كنا نأمل بأن تؤدي انتفاضة السوريين إلى تكرار تجربة مصر أو تونس، أو ربما ليبيا، حيث هب المجتمع الدولي لحماية الليبيين من بطش القذافي. لكننا لم نكن نتوقع حربا دموية كالتي شنها الأسد ونظامي إيران وروسيا على السوريين. لم يكن ممكنا أن نتوقع أن الأسد سيبرز كواحد من أكثر المجرمين دموية في تاريخ العالم. من يقصف فُرناً للخبز؟ من يقصف المشافي؟ من يقصف قافلة الأمم المتحدة للمساعدات الانسانية؟ حتى صدام لم يفعل ذلك يوم قمع انتفاضتي الشمال والجنوب، مع أن صدام — مثل الأسد — قصف شعبه بأسلحة كيماوية محظورة دوليا. 

في 2011، تناقل السوريون صورة علم بلادهم وقد كتبوا عليه "انتفاضة" و"15 آذار" (مارس). عممت الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي. يوم 15 مارس، الفضائيات العربية لم تتطرق للموضوع السوري. عثرت على فيديو أظهر سوريين يمشون في دمشق ويصيحون "وينك يا سوري وينك" وصاحب الفيديو يعلق بلهجة علوية أن السوريين من كل المذاهب قرروا اقتلاع نظام الأسد.

بثت فضائية "الجزيرة" الخبر، وقالت إن مواطنين سوريين استلموا رسائل على هواتفهم المحمولة دعتهم إلى التظاهر. ونقلت "الجزيرة" عن مصدر حكومي سوري قوله إن "الجيش الاسرائيلي هو من قام بتوجيه الرسالة عبر الشبكة الخليوية السورية". لم تكن "الجزيرة" تخلت عن الأسد بعد. ثم كانت بعد يومين تظاهرة الحريقة في دمشق، التي أظهرت حشدا لا بأس به. ثم توالت الحشود في مناطق سورية، وسط لامبالاة إعلامية. 

يوم رأيتُ أن لا أصدقاء للثورة السورية، قمت بأقصى مجهود ممكن لدعم المتظاهرين. كتبت تقاريرا بالعربية والإنكليزية، وقمت بإنتاج فيديوهات جمعت فيها كل التظاهرات، وأضفت اسم المنطقة والتاريخ، ونشرت حيثما تيسر. كان ابني حديث المولد وكنت أحمله لينام على يدي وأغني له أناشيد القاشوش الثورية. ثم قتلوا القاشوش واستأصلوا حنجرته ورموهما في نهر العاصي. ليلتها، غنيت لابني "يالله ارحل يا بشار". ابني كان يبكي لأنه طفل وأنا بكيت من الأسى والاحباط. 

مع حلول أيار (مايو)، دعتني المعارضة السورية لأول مؤتمر أقامته في مدينة أنطاليا التركية. في حرم الفندق، رقص السوريون وهم يهتفون "عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد". خارج الفندق، أحاطت بنا مجموعة من شبيحة الأسد وراحوا يهتفون له ويهددون باقتحام الفندق والضرب. 

في أنطاليا، شاهدتُ السوريين يتحاورون حول مصير بلادهم بعد الأسد. أدركت أن سوريا مثل العراق: خواء ثقافي وفكري ومجتمعي وسياسي. ما كنا نخاله دولة هو فعليا أجهزة استخبارات وعصابات تعمل بأمرة الطاغية. ينهار الطاغية، لا بديل غير الخواء، الذي يملأه طغاة آخرون، غالبا من المتطرفين الإسلاميين. 

عدتُ إلى واشنطن. الحرية والديمقراطية لن تأتي الى العراق أو سوريا أو لبنان بتغيير الأنظمة، بل بتغيير الشعوب. الأنظمة هي نتاج هذه الشعوب. لكن من يغير الشعوب؟ لا أميركا ولا قوى العالم قادرة على ذلك، وهو ما يعيدنا إلى ما ورد في كتاب المسلمين، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم"، والسلام.

الجمعة، 12 مارس 2021

شنكر: الكويت لن توقّع سلاماً مع إسرائيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

شهدت العاصمة الأميركية يوم الأربعاء حدثين متزامنين. في الأول، تحدث وزير الخارجية انتوني بلينكن في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، وفي الثاني، تحدث مساعد وزير الخارجية السابق ديفيد شنكر في جلسة إلكترونية نظمها «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، الذي أعلن عودة شنكر للعمل في صفوف باحثيه.

جلسة بلينكن كانت باهتة بلا طعم أو لون.

سأل أحد المشرعين وزير الخارجية إن كانت الولايات المتحدة قد قدّمت أي تنازلات لإيران لحملها على الانخراط في مفاوضات نووية، فأجاب بالنفي.

ثم سأل المشرع نفسه ان كانت واشنطن سترفع أي عقوبات قبل التزام إيران الكامل بالاتفاقية، بشهادة المفتشين الدوليين، فقطع الوزير الأميركي وعداً بأن ذلك لن يحصل.

لكن بلينكن راهن فعلياً على انعدام خبرة المشرع، فالولايات المتحدة قدّمت حتى الآن سلسلة من التنازلات لتحفيز ايران على الانخراط في المفاوضات النووية التي اقترحتها أوروبا، فيما رفضت طهران المفاوضات وأصرّت على رفع أميركا العقوبات كشرط مسبق لأي حوار.

هكذا، حاولت واشنطن تحفيز طهران بايعازها لكل من كوريا الجنوبية والعراق بوقف تجميد أكثر من خمسة مليارات دولار لديها من الأموال الايرانية.

كما رفعت حوثيي اليمن عن لائحة التنظيمات الارهابية، مسايرة لايران، وأوعزت للرئيس الأفغاني أشرف غني بتنسيق تشكيل حكومة انتقالية مع الإيرانيين.

وقامت كذلك بالايعاز للأوروبيين لعقد مؤتمر لتشجيع الشركات الأوروبية على الاستثمار في الاقتصاد الايراني.

كل هذه المبادرات الأميركية تجاه ايران، ويقول بلينكن إن بلاده لم تقدم تنازلات للنظام الايراني لحمله على التفاوض.

من شمال غربي العاصمة الأميركية، تحدّث شنكر من منزله، فقدم سلسلة من الحكايات المثيرة للاهتمام أثناء عمله مساعداً لوزير الخارجية في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، وأصدر عدداً من التوقعات، منها أن الوضع الاقتصادي في بعض الدول العربي لا يزال بالسوء نفسه الذي كان عليه ابان اندلاع تظاهرات «الربيع العربي»، قبل عشر سنوات، وأن وباء كورونا المستجد عمّق من الأزمة الاقتصادية، وهو ما دفع المسؤول السابق للاعتقاد أنه في الأشهر الستة المقبلة، ستتكثف التظاهرات وسيخرج العرب في «ثورة جوع».

ومما قاله شنكر إن «الربيع العربي» لم يتمحور حول قضايا القومية العربية أو فلسطين، بل حول المصالح الوطنية لكل بلد عربي، وأن عدداً من الدول التي عقدت في الآونة الأخيرة اتفاقات مع اسرائيل قررت أنها لن ترهن مصالحها بقيادة فلسطينية «غير قادرة على المضي قدماً وعقد صفقة».

وقال شنكر إن «السلام بين إسرائيل والكويت لن يحصل، وكذلك السلام بين اسرائيل وتونس لن يحصل»، معتبرا أنه «لا يعتقد أي مسؤول عربي أن العلاقات الأميركية مع إسرائيل تشكل عبئا على العلاقات الأميركية مع العالم العربي».

وعن سورية، ذكر شنكر أنه عندما تدخلت روسيا، «كانت واشنطن تأمل في أن تتحول سورية الى مستنقع للروس»، لكن تبين أن المقاتلات الأربعين التي نشرتها موسكو في سورية نجحت في قلب موازين الحرب لمصلحة الأسد، الذي تدعمه روسيا اقتصاديا وديبلوماسياً وتعطل أي حلول في الأمم المتحدة لابقائه في الحكم، حسب المسؤول السابق.

وتابع: «لقد حرمنا (الرئيس السوري بشار) الأسد من انتصاره، فهو لا يسيطر على كل البلاد، ونحن جنبا إلى جنب مع قوات سورية الديموقراطية، هزمنا (داعش)، وحرمنا الأسد من عائدات النفط، وأوقفنا عودة المنبوذ (الأسد) إلى المجتمع الدولي وإعادة بناء سورية الأسد».

ووصف شنكر، الأسد بأنه من «القادة الذين تجاوزوا الحدود، خصوصاً من الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية».

عن لبنان، قال شنكر إن عددا كبيرا من اللبنانيين الأميركيين توسطوا لدى الكونغرس، واستحصلوا على توصيات مكتوبة من مشرعين لتعيين أنفسهم في منصب «مبعوث خاص الى لبنان»، لكن إدارة ترامب لم تعيّن أياً منهم لأن وزارة الخارجية متخمة بالمسؤولين ممن لديهم خبرة طويلة في الشأن اللبناني، من مساعد وزير الخارجية ديفيد هيل، الذي سبق أن عمل سفيرا لأميركا في لبنان، الى شنكر نفسه والسفيرة دوروثي شاي.

وقال إن سياسة الادارة السابقة تجاه لبنان لم تركز «على الشخصيات، بل على المبادئ، التي لو تم تنفيذها، لقوضت حزب الله».

وأضاف: «نسقنا مع الفرنسيين وأقنعناهم بالابتعاد عن فكرة دفع حزب الله للاعتدال وتشجيعه على أن يكون بناء في الحكم، كما لاحقنا المسؤولين اللبنانيين من غير الشيعة باستخدام قانون ماغنيتسكي مثل جبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني» ميشال عون.

وتابع شنكر أنه «للأسف، من المرجح أن يزداد الوضع في لبنان سوءاً»، لكن لا يمكن لواشنطن أن تخرج لبنان من أزمته من دون أن يقوم القادة اللبنانيون بذلك.

وعن المفاوضات اللبنانية - الاسرائيلية، قال إن الأمل كان في «أن تناقش بيروت ترسيم الحدود البحرية بحسن نية مع إسرائيل، على أساس مبادئ الأمم المتحدة، لكن القادة اللبنانيين لا يفوتون الفرصة لتخييب الآمال، فيما يواصل حزب الله تخزين الصواريخ الموجهة بدقة والأنظمة المضادة للطائرات، وهو ما يعني أنه ان حصلت إيران على أموال (بسبب رفع العقوبات الأميركية عنها)، فستزداد قدرات حزب الله، ما يجعل الحرب (مع إسرائيل) أكثر احتمالا وأكثر تكلفة».

واعتبر المسؤول السابق أن لبنان ليس «تحت سيطرة حزب الله وحده، بل تحت سيطرة الزعماء كذلك»، ومعظم هؤلاء من الفاسدين الذين حاسبت بعضهم، الإدارة الأميركية السابقة.

وتابع: «لا يمكن أن يكون لدى (المسؤول اللبناني) حساب مصرفي في أوروبا إذا كان يسرق اللبنانيين أو يتحالف مع حزب الله، ففي لبنان، 50 في المئة من الناس تحت خط الفقر، والبنك الدولي أقر 237 مليون دولار لإطعام 150 ألف أسرة في لبنان، وكان ليكون من الرائع لو تصرف شركاؤنا في الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة، بدلاً من محاولة إقناع حزب الله بالمساعدة في الحكومة».

أما الحل في لبنان، «فلا يتعلّق فقط بتشكيل الحكومة».

الأربعاء، 10 مارس 2021

واشنطن مدعوة للتعامل مع العراق كـ... «دولة إستراتيجية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

تزامناً مع زيارة البابا فرنسيس التاريخية للعراق، تعالت الأصوات الأميركية - من داخل الحكومة وخارجها - داعية ادارة الرئيس جو بايدن لاعتبار العراق «دولة استراتيجية» تسعى للسيطرة عليها قوى منافسة، مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران، فضلاً عن ان استقراره يؤدي لاستقرار المنطقة، ويساهم في حفظ الأمن العالمي ويمنع تشتت مواطنيه في العالم، كلاجئين.

كما دعا المهتمون بالشأن العراقي، الفريق الرئاسي الى عدم التعامل مع العراق كجزء من أزمة إيران النووية، بل باستقلالية عنها.

منذ تسلم بايدن الحكم في 20 يناير الماضي، شنت الميليشيات العراقية الموالية لايران هجمات على قواعد تؤوي مستشارين عسكريين أميركيين، ما أدى الى مقتل متعاقدين، أحدهما أميركي. وردت واشنطن بضربة جوية ضد قاعدة للميلشيات في سورية.

ويخشى الخبراء الأميركيون أن لا تنظر واشنطن الى بغداد بمنظار مستقل عن الأزمة الايرانية، اذ سمحت الحكومة الأميركية لنظيرتها العراقية بالافراج عن أموال ايرانية مجمّدة تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار على الأقل، تمثل ثمن الكهرباء لمناطق الجنوب.

كما يخشى الخبراء أن تواصل ادارة بايدن تقديم بوادر حسن النية للايرانيين على شكل تنازلات في عموم المنطقة، اذ يبدو حتى الآن أن واشنطن تراجعت في اليمن، برفعها الحوثيين عن لائحة التنظيمات الارهابية، وفي افغانستان، وهو ما يعني أنها قد تقدم على التنازل عن بعض مطالب العراقيين لمصلحة طهران، مثل التخلي عن حل ميلشياتها.

ويرى متابعون، أن للولايات المتحدة مصلحة في مساعدة العراقيين على تثبيت الاستقرار، بما في ذلك الأمني والاقتصادي.

وفي دراسة صادرة عن مركز أبحاث «نيولاينز» الأميركي، كتبت الباحثة كارولين روز أن قوات الأمن العراقية لم تنجح في ملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الأميركي من بعض القواعد، على اثر القضاء على تنظيم «داعش»، خصوصاً في منطقة القائم على الحدود العراقية - السورية، حيث يبدو العراقيون غير قادرين على ضبط حركة الميليشيات.

كما حافظت أميركا على وجودها في قاعدة التنف، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة الميليشيات على أنواعها.

وكانت القوات الأميركية سلمت حقول النفط السورية، القريبة من الحدود العراقية، الى الميليشيات الكردية المتحالفة معها.

وقامت شركة «دلتا انيرجي» المغمورة بادارة الحقول لمصلحة الأكراد.

وكتبت روز أن قوات الأمن لا تزال بحاجة لأموال توازي ستة أو سبعة في المئة من الناتج المحلي، البالغ نحو ربع تريليون دولار، لتطوير نفسها وقدراتها.

لكن الميزانية العراقية غير قادرة على تأمين هذه الأموال، كما لا يمكن للمساعدة العسكرية الأميركية السنوية، ردم هذه الفجوة.

وبحسب دراسة صادرة عن مركز أبحاث «أميريكان بروغرس»، أعدها كل من ماكس بيرغمان والكساندرا شميت، يبلغ حجم المساعدة الأميركية، أربعة مليارات و120 مليون دولار، ما يجعل العراق الخامس عالمياً، من حيث حجم المساعدة العسكرية، بعد اسرائيل ومصر وباكستان والأردن.

على أن مشكلة العراق لا تكمن في عدم توافر الأموال فحسب، بل في الفساد الذي يرافق الانفاق الحكومي، والذي تحميه الميليشيات الموالية لايران.

وتبلغ موازنة العراق للعام الحالي مئة مليار دولار، تم تخصيص أربعة مليارات منها لـ «الحشد الشعبي»، على اعتبار أن عديد مقاتليه يبلغ 150 ألفاً.

لكن الرقم الفعلي لـ «الحشد» لا يتعدى الـ 70 ألفاً، ما يعني أن القيمين على الميليشيا، يتقاضون ضعفي رواتب المقاتلين، أي أن القادة يستفيدون من ملياري دولار، في وقت يتعذر على بغداد ضبط هذا الفساد، بسبب رفض «الحشد» أي عملية تدقيق في حساباته وانفاقه.

وتقول روز أنه «منذ حرب 2003، استثمرت الولايات المتحدة ما يقارب من 900 مليار دولار، وخسرت أكثر من 4500 جندي، بالتزامن مع البحث عن الذات في العراق»، ومع ذلك لم تتوصل الى «استراتيجية ناجحة».

وتضيف أن سحب المزيد من المستشارين العسكريين، البالغ عددهم 2500، «سيكون ضرورياً لأن الولايات المتحدة تستعد لمواجهة لمزيد من الصراعات التقليدية ضد الصين وروسيا، لكن عليها أن تكون حذرة من التخلي عن العراق بالكامل».

وتعتقد أن «الأمن البشري والاستقرار في العراق ما زالا ضمن المصلحة الوطنية» الأميركية، وأن لا «حلاً سحريا لتحقيق الأمن».

بدلاً من ذلك، ترى أنه «يجب على إدارة بايدن تصميم إستراتيجية شاملة للعراق واستخدام مجموعة من الأدوات»، بما في ذلك الديبلوماسية، و»تعزيز التدريب المشترك لقوى الأمن، والدعم السياسي والاقتصادي كصيغة لدعم العمليات العسكرية العراقية».

وكان المجتمع الدولي رصد في المؤتمر الذي أقامته الكويت قبل عامين لجمع تبرعات إعادة اعمار المناطق المتضررة من حرب القضاء على «داعش»، نحو 30 مليار دولار.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب أدت الى تدمير أكثر من 40 ألف منزل، وان تكلفة اعادة بنائها تبلغ نخو 17 مليار دولار، فيما يبلغ اجمالي الأموال التي تحتاجها البلاد نحو 90 ملياراً.

وكانت الأوضاع المعيشية المتردية، والفساد، وسيطرة الميليشيات، دفعت العراقيين الى التظاهر منذ أكتوبر 2019، قبل أن تتوقف افساحاً في المجال أمام زيارة البابا فرنسيس.

لكن غالبية المتابعين يتوقعون عودة التظاهرات قريباً.

الثلاثاء، 9 مارس 2021

إدارة بايدن تبدو عاجزة أمام تصعيد إيران... وتُقدّم حلفاءها كـ «تنازلات»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انضم الرئيس الأفغاني أشرف غني، إلى لائحة الحلفاء ممن أبدت الولايات المتحدة استعدادها تقديمهم للنظام الإيراني كعربون صداقة وجزء من خطة «بناء الثقة» بين البلدين للعودة للاتفاقية النووية، التي خرجت منها الولايات المتحدة في مايو 2018.

وسبق لإدارة الرئيس جو بايدن، منذ تسلمها الحكم منتصف يناير الماضي، أن قدّمت تنازلات لطهران في اليمن، بقيامها برفع الحوثيين عن لائحة التنظيمات الإرهابية، كما قامت بـ «إعادة النظر» بصفقات أسلحة مع حكومات خليجية، في خطوة اعتبرها خبراء على أنّها للتقرب من ايران.

وأرسل وزير الخارجية انتوني بلينكن رسالة إلى غني، دعاه فيها الى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية بمشاركة حركة «طالبان»، مع تهديد ضمني بأن القوات الأميركية ستنسحب مع نهاية مايو المقبل من افغانستان في حال تعثرت التسوية السياسية.

ودعت واشنطن، كابول، إلى التنسيق مع القوى الخارجية، منها طهران، للتوصل الى تشكيل الحكومة العتيدة، وهو ما اعتبره مراقبون ايعازاً من واشنطن للحليف الافغاني لتقديم تنازلات للايرانيين في محاولة أميركية لخطب ود طهران.

على أنّ كل التنازلات التي قدمتها إدارة بايدن إلى النظام الايراني لم تؤد إلى تحسين العلاقات بين الطرفين، بل ان طهران مضت في عملية تصعيدية على كل الجبهات، فأطلقت العنان لبرنامجها النووي بزيادة كميات ونسب تخصيب اليورانيوم، وباعلانها أنها لا تنوي المشاركة في مفاوضات نووية مع الأميركيين، كان دعا اليها الأوروبيون، رغم اعلان واشنطن نيتها المشاركة.

على الأرض، مضت كل الميليشيات الموالية لايران، في عموم المنطقة، في تصعيد عسكري.

في اليمن، شن الحوثيون هجوماً على مأرب، وضاعفوا عدد المسيرات المفخّخة والصواريخ التي أطلقوها على السعودية، بما في ذلك «درون» استهدفت منشآت نفطية في رأس تنورة، قبل اعتراضها.

وفي العراق، شنّت الميليشيات الموالية لإيران هجمات متتالية ضد القواعد التي تؤوي مستشارين عسكريين أميركيين، ما أدى إلى مقتل متعاقد عسكري غير أميركي في هجوم، ومتعاقد أميركي في هجوم ثانٍ.

وبين الهجومين، حاولت إدارة بايدن حفظ ماء الوجه باظهارها أنها قادرة على فصل المفاوضات النووية، التي سبق للادارة أن اعلنتها الحجر الأساس في سياستها الخارجية خصوصا في الشرق الأوسط والخليج، عن المواجهات في الملفات الأخرى، مثل المواجهات العسكرية ضد الميليشيات الموالية لطهران، فشنّت ضربة جوية ضد قاعدة تابعة لـ «كتائب حزب الله» على الحدود السورية مع العراق.

وانتقد بعض المراقبين، خصوصاً من الجمهوريين ومؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب، الضربة التي اعتبروها صغيرة.

ثم بعد الهجوم الثاني، الذي تبنته «كتائب حزب الله»، أصبح المعنيون الأميركيون في حال ترقب حول ردة الفعل المقبلة التي سيقوم بها بايدن ليجبر ايران على التوقف عن مهاجمة قواته في العراق.

لكنّ الباحثين الأميركيين عموما أثنوا على الضربة الأولى، واعتبروا أن «بايدن تعلم من إخفاقات الرئيس (السابق) باراك أوباما في الرضوخ للاعتداءات الإيرانية كمحاولة لكسب ود طهران».

وقال الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» فيليب سمايث إن «الإيرانيين اعتبروا (انفتاح بايدن عليهم ديبلوماسياً) بمثابة رخصة للاستمرار في الاعتداءات من دون أي خوف من العواقب».

وصرّح سمايث لـ «الراي»، بأن بايدن قد يكون «شن حملة من أجل تجديد الديبلوماسية»، لكنّه أشار أيضاً إلى أن العودة للاتفاق النووي «لن تكون سريعة أو سهلة»، وحذّر من سوء السلوك الإقليمي لإيران.

وتابع أنّ طهران أدركت أنّ «قوتها الحقيقية تكمن في الجماعات التي تعمل بالوكالة عنها في أنحاء المنطقة. وهو افتراض ذكي، مبني على الحقيقة التاريخية المتمثلة في أن إيران كانت قادرة، في نصف العقد الماضي، على توسيع نفوذها إلى ما وراء حدودها، مع الإفلات من العقاب في الوقت نفسه، معتمدة على يأس أميركا وسعيها للتوصل إلى اتفاق نووي».

لكن الى أي حد تعلم بايدن من يأس أوباما للتوصل لاتفاق نووي؟ ضربة بايدن في سورية خالفت سياسة أوباما، لكن سعي فريقه الى تسويات ديبلوماسية في مصلحة ايران، ان في اليمن أو في أفغانستان، دليل استجداء لطهران للعودة للمفاوضات النووية والاتفاق، ما يعني، أنّه على عكس ما كان أعلن البيت الأبيض، فإن الاتفاقية النووية لن تتم بمعزل عن الملفات الأخرى، بل ان طهران تجبر واشنطن على التنازل في هذه الملفات كمدخل للاتفاقية النووية.

وتناقل باحثون أميركيون أن سياسة التصعيد الايرانية تربك فريق بايدن، وأنه في وقت كانت سياسة ترامب تقضي بـ «الضغط الأقصى»، فإنّ سياسة إيران تجاه بايدن تقضي «بإنزال أقصى الذل به» واجباره على العودة للاتفاقية النووية من دون ترك أي هامش له للمناورة.

ويقول سمايث إنه إن كان بايدن صادقاً في أنّه ليس مستميتاً للعودة للاتفاقية، فالمطلوب ألا تكون ضربته في سورية «يتيمة»، وأنّه في حال قابل التصعيد الإيراني بتصعيد عسكري مشابه، يمكن حينذاك اعتبار أنّه «تعلم من كل أخطاء 2015».

أما إذا قابلت أميركا التصعيد، بتصعيد مشابه، ومع ذلك واصلت طهران تصعيدها النووي، يرى صقور السياسة الخارجية أنّ الرد يعتمد على أمرين: الأول أنّ المجتمع الدولي بأكمله، لا ايران وحدها، مسؤول عن الملف النووي وعليه التعامل مع الموضوع وايقافها، والثاني أن الاقتصاد الايراني ماضٍ في الانهيار.

ويتناقل الخبراء الأميركيون أحدث التقارير الاقتصادية الايرانية. وفي هذا السياق، أشار موقع «ايران فوكوس» إلى أنّه «بحسب مركز الإحصاء الجمركي الإيراني، فإنّ معدل تضخم السلع المستوردة في خريف العام الجاري، مقارنة بخريف 2019 أظهر ارتفاعاً بنسبة 588 في المئة، فيما بلغت معدلات التضخم السنوية للسلع المستوردة 412 في المئة».

أي طريق ستسلكه إدارة بايدن في مواجهة التصعيد العسكري؟ هل ترد بتصعيد مماثل وتعتمد على بقاء العقوبات التي تحدث انهياراً شبه تام في الاقتصاد الايراني، أم تواصل محاولة كسب ود طهران بتقديم تنازلات ديبلوماسية وفي اليمن وأفغانستان وغيرهما؟ الاجابة قد تأتي في حال قامت واشنطن برد ثانٍ على الهجوم الثاني لميليشيات إيران في العراق.

العراق يرقص.. والمسيحيون ليسوا أقليات

حسين عبدالحسين

فجأة بدا العراق زاهيا بالألوان.. براقا.. جميلا.. يغني ويرقص. فجأة صمتت أصوات صواريخ ميليشيات إيران.. فجأة بدا العراق.. سعيدا، لا صور لشهداء أمس، ولا لشهداء غد، ولا احتفالات بالموت، بل أمل بحياة أفضل مع زيارة بابا السلام، فرنسيس، ولقائه علي السيستاني، سيد الشيعة بدون ميليشيات، ولا صواريخ، ولا نووي. ودع البابا العراقيين قائلا "العراق سيبقى دائما معي وفي قلبي"، وودع العراقيون البابا قائلين إنه سيبقى دائما معهم وفي قلبهم. ابتسم العراقيون. تمنوا لو أن كل أيامهم زيارات وسلام ورقص وغناء. لكن الواقع مرير، لأسباب.

في الأسباب الخارجية لعنة الثورة الإيرانية القائمة على الحروب ونشرها وتصديرها. لم يأت الراحل روح الله الخميني "لتخفيض سعر البطيخ"، على حسب تعبيره، ولم تأت الثورة الإيرانية لتقدم حكما رشيدا للإيرانيين ولا لدول الجوار، بل جاءت لتتوسع، ولتتمدد، ولتقنع الإيرانيين أن عظمتهم تكمن في اتساع رقعتهم، حتى لو كانت رقعة من الفقر والبؤس والدمار.

في العراق، بعد عقود من الحكم البعثي العبثي، الذي أدى إلى خواء مؤسساتي وثقافي وفكري، انهار هذا الحكم أمام القوة الأميركية، التي كانت تأمل استبداله بالديمقراطية. لكن الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين يفهمون معنى الدستور والمواطنة والعدل والمساواة، وفي العراق، لم يكن ديمقراطيين، فبنى غالبية العراقيين وطنهم الجديد على الثأر، الذي خالوه عدالة. والثأر لا يولد إلا الثأر المضاد، فكانت دوامة عنف ودماء وحزن، ولم يتأخر نظام إيران عن تغذية الثأر والعنف، والإفادة منهما. 

في العراق، قلّة قليلة كانت تعي معنى المواطنة الفردية التي تربط كل مواطن بالدولة مباشرة، فيما تمسكت الغالبية بالمواطنة الجماعية التي تربط المواطن بالدولة بشكل غير مباشر، إن عبر المذهب أو عبر العشيرة. هكذا صار العراق موطنا لجماعات متناحرة، بدلا من وطن لأفراد متساوين، وهكذا راح العراقيون ينادون بالتعايش بين المذاهب، بدلا من العيش في عراق بدون مذاهب ولا انقسامات.

وأجج الجهل الأميركي أزمة بناء العراق الجديد. أميركا كانت نواياها صادقة، وكانت تسعى لبناء ديمقراطية مزدهرة حليفة تستبدل بها الدولة الفاشلة التي كانت تصدر الإرهاب للعالم. لم تكن محاولة أميركا في العراق الأولى في المنطقة. في زمن شاه إيران محمد رضا بهلوي، حاولت الولايات المتحدة مساعدة الشاه الشاب — الذي كان ورث الحكم عن أبيه المنفي — في بناء إيران حديثة، فقدم الخبراء الأميركيون للإيرانيين نموذجا كانوا استوحوه من "العقد الجديد"، الذي أرساه الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت كمخرج للولايات المتحدة من أسوأ كساد مالي عرفته في تاريخها.

لكن إيران الأربعينات لم تكن تحتاج لشبكات رعاية اجتماعية، فالتكافل الاجتماعي في المجتمعات الشرقية كان يكفي للأمان المجتمعي، وهكذا، تخلصت طهران من الخبراء الأميركيين، وبدلا من أن تبني ديمقراطية، أعادت بناء ديكتاتورية الشاه التي كان أبرز أركانها والمدافعين عنها المرجعية الدينية في قُمّ.

كررت أميركا خطأها بمحاولة نسخها النموذج الأميركي بدون فهم الواقع المحلي، واعتقدت إدارة الرئيس السابق جورج بوش أن خلاص العراق هو الرأسمالية الليبرالية المطلقة، في بلد يعيش على عطاءات الحاكم منذ زمن سرجون الأكادي، الذي عاش قبل الميلاد بألفيتين. 

لكن المحاولة الأميركية ولدت ميتة، فاستعانت أميركا بدبلوماسييها المستعربين، الذين استمعوا للمعارضين العراقيين الفاسدين، فنقلوا نموذج لبنان التعايشي إلى العراق، وقدموا لطغاة إيران أرضا عراقية خصبة لتكرار تجربة نشر الحروب والفقر والبؤس كما في لبنان، وهكذا كان.

منذ انهيار البعث، انقلبت حروب العراق الإقليمية حروبا أهلية، وتحول العراقيون إلى طوائف متناحرة تتسلط على بعضها البعض، وصار المسيحيون أقليات تحت رحمة العصابات الحاكمة، وصاروا ضحية الحروب الأهلية المتكررة، فراحوا يرحلون، وراحت أعدادهم تتناقص بشكل أخاف بابا الفاتيكان، فزار العراق ليؤازرهم، وأوحى للكنيسة المارونية اللبنانية، المتحدة مع كاثوليكية روما، بالدفع في الاتجاه نفسه، وتبني سياسة مفادها أن لا خلاص لمسيحي المشرق، ولا لغير المسيحيين، بدون بناء دولة حقيقية حاكمة، لا دول صوري كالحالية تحركها وتحكم من خلفها الميليشيات العراقية واللبنانية الموالية لنظام إيران.

نموذج إيران السائد في العراق أنزل بالعراقيين البلاء. حتى الماضي القريب، كان سهل نينوى الأكثر تنوعا عرقيا ولغويا ودينيا ومذهبيا في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهو تنوع سببه التاريخ الطويل لمناطق وسكان هذا السهل، وهو ثاني أقدم حضارة تاريخيا بعد حضارة الجنوب العراقي، الذي قامت فيه قبل 7422 عاما أول مدينة، وكان اسمها عروق — ومنها اسم العراق — وأسماها العرب الوركاء، تعريبا لاسمها اليوناني اوروك. 

كيف أصبحت أقدم حضارة في التاريخ خليطا من الركام والقمامة والذوق المقيت؟ كيف أصاب مخترعي الكتابة والعجلة والفلك الهوس بخرافات معارك الأزمان الغابرة والمفاهيم البالية للموت والشهادة؟ أي دين يحث مناصريه على الموت بدلا من الحياة؟ أو هل كان العراقيون بحاجة لزيارة بابا الفاتيكان ليتذكروا عراقة بلادهم، وجمال تراثهم، وقباحة الفكر الظلامي الذي تنشره الجمهورية الإسلامية اليوم؟

حان وقت نهوض العراق والعراقيين، وحان وقت إعادة تأسيس بدلا من الأعرج الذي أعقب انهيار البعث البائس، وإعادة صياغة الدستور لينص على أن العراق بلد لكل مواطنيه، دينه الرسمي كل ديانات ابنائه وعرقه الرسمي كل أعراقهم. حان وقت التخلص من عبارة "مكوّن" واستبدالها بـ"مواطن“"، وحان وقت حذف عبارة "الله أكبر" عن العلم لأن في العراقيين من يؤمنون بإله، ومن لا يؤمنون، فلا أكثريات ولا أقليات، بل عراقيين فحسب.

في العراق، حان وقت سلام دائم كالذي جاء به البابا فرنسيس لأيام، وحان وقت العودة إلى الرقص والغناء والطرب وحب الحياة الذي عاشه العراقيون منذ زمن شاعر العباسيين أبو نؤاس، إلى يوم صعود الأنظمة الثورية الظلامية، بعثية كانت أم ولائية.

Since December 2008