الخميس، 28 فبراير 2013

«حزب الله» من الصفوف الخلفية إلى صدارة «المجموعات الإرهابية» في واشنطن

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كان «مسؤول مكافحة الارهاب» في وزارة الخارجية الاميركية السفير دانيال بنجامين في خضم لقائه مع نظرائه السوريين في دمشق في فبراير 2010، كجزء من «سياسة الانخراط» مع نظام بشار الاسد، عند دخول ضابط رفيع المستوى وقف له الحاضرون. «علي مملوك»، قدم احد المشاركين الضابط المذكور. 
تفاصيل اللقاء، الذي شهد مشاركة غير متوقعة من «مدير امن الدولة» السوري في حينه، ظهرت الى العلن في برقية ديبلوماسية سرية الى واشنطن، كشف عنها موقع «ويكيليكس» في ما بعد، وورد فيها ان مملوك قال للزائر الاميركي ان بلاده لطالما كانت «اكثر نجاحا من الولايات المتحدة والدول الاخرى في المنطقة في مكافحة الارهاب لاننا لا نهاجمهم ونقتلهم فورا، بل نخترقهم، ولا نتحرك الا في اللحظة المناسبة».
طبعا لم يكن بنجامين يتصور ان نجاح مملوك الباهر يعني ان نظام الاسد سيستخدم مقاتلات «ميغ» وصواريخ «سكود» لقتل اكبر عدد ممكن من معارضي استمرار حكم الاسد. ولم يكن بنجامين يتصور كذلك ان الرجل نفسه الذي كانت واشنطن تسعى الى التعامل معه من اجل «مكافحة الارهاب» سينتهي به المطاف على لائحة «الارهابيين» المطلوبين في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
حتى في لبنان، اصدر القضاء مذكرة توقيف بحق مملوك بتهمة تزويده الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بعبوات لاستهداف شخصيات سنية في شمال لبنان بهدف اثارة النعرات وإشعال الاقتتال الطائفي. 
منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، انقلبت الصورة. سماحة اصبح في السجن، ومملوك نال ترقية ليخلف هشام بختيار، الذي قضى في تفجير قام به الثوار، «رئيسا لمكتب الامن القومي» لنظام الاسد. اما بنجامين، فخرج من الوزارة مع خروج الوزيرة هيلاري كلينتون.
في السنوات الثلاث الماضية، الصورة انقلبت في واشنطن كذلك. 
عندما التقى بنجامين مملوك، لم يتطرق المسؤول الاميركي، خريج جامعة هارفرد المرموقة والمتخصص في شؤون التطرف الاسلامي وخصوصا في باكستان وافغانستان، الى مجموعات تعتبرها واشنطن ارهابية، مثل «حزب الله» اللبناني. سلم بنجامين مملوك لائحة من الاسماء لـ «ارهابيين» مطلوبين للولايات المتحدة ينتمون الى «تنظيم القاعدة» او التنظيمات التابعة له.
قبل العام 2011، كان للارهاب في واشنطن مذهب واحد، وكان امثال سماحة يقودون حملة اعلامية لاقناع اميركا والغرب ان كل اتباع هذا المذهب، أكانوا متطرفين او معتدلين، هم ارهابيون، وان مصلحة الغرب هي في التعاون مع الاسد، وربما ايران و«حزب الله»، للقضاء عليهم.
في العام 2007، في خضم المواجهة بين الجيش اللبناني و«تنظيم فتح الاسلام» في مخيم اللاجئين الفلسطينيين «نهر البارد» في شمال لبنان، نشرت مجلة «نيويوركر» الرصينة مقالا للكاتب سيمور هيرش نقل فيه عن العميل السابق في الاستخبارات البريطانية اليستر كروك قوله التالي: «قيل لي انه في غضون 24 ساعة (علي قيام تنظيم فتح الاسلام)، توالت عليهم عروض المال والتسليح من اشخاص قدموا انفسهم كممثلين لمصالح الحكومة اللبنانية، افتراضا حتى يشنوا حربا ضد حزب الله».
هذا التصريح تلقفه مسؤولو «حزب الله» وحلفاؤهم اللبنانيون لاتهام رئيس حكومة لبنان في حينه فؤاد السنيورة، ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية في ذلك الحين سعد الحريري، بدعم «التطرف الاسلامي في لبنان»، وتم تداول مقالة هيرش على نطاق واسع في لبنان والعواصم الغربية.
وفي وقت لاحق، تبين ان هيرش كان من اصدقاء سماحة، الذي قدمه الى كروك الذي يدير مركزا للابحاث في بيروت مقربا من «حزب الله»، وان التقرير كان جزءا من عملية اعلامية محكمة يقودها سماحة، العامل بامرة مملوك، وحليف «حزب الله».
لكن الثورة السورية قلبت الصورة في سورية ولبنان، كما في واشنطن.
اول من امس، تصدرت الصفحة الاولى لصحيفة «واشنطن بوست» مقالة اعتبرت ان «حزب الله» يعمل على توسيع نشاطاته للقيام بهجمات في عواصم غربية، ووردت فيها تفاصيل التحقيقات القبرصية مع عضو الحزب الموقوف حسام يعقوب. كما تطرقت المقالة الى امكانية مشاركة الحزب بتفجير بلغاريا، وموضوع موافقة الاتحاد الاوروبي على وضع الحزب على لائحة التنظيمات الارهابية بعد سنوات طويلة من مقاومة الضغط الاميركي في هذا الشأن.
وقبل اسبوع، نشرت مجلة «نيويوركر» نفسها مقالة حملت عنوان «ان سقط نظام الاسد، هل يمكن لحزب الله الاستمرار؟».
هذه المرة لم يتمكن سماحة المسجون من التأثير في ما تنشره المجلة الاميركية، او مقالها الذي كتبه ديكستر فيلكنز، الذي اجرى مقابلة مع مسؤول عسكري في «حزب الله»، واطلق عليه اسما مستعارا هو داني. 
يقول فيلكنز ان «امكانية غالبية سنية او حتى نظام اصولي، يأتي الى الحكم في سورية بدت مرعبة الى درجة ان داني بدا وكأنه صار يؤيد اسرائيل». يقول داني، حسب فيلكنز، «اذا ما استولى السنة على سورية، فسوف نقاتلهم في بيروت».
وينقل فيلكنز عن امل سعد غريب، التي كانت تقدم نفسها في الماضي القريب على انها باحثة محايدة وتعمل مع «مركز ابحاث كارنيغي» الاميركي في بيروت، قولها: «اذا ما فازوا ورحلت حكومة الاسد، فاتصور انهم سيحاولون نزع سلاح حزب الله». وتضيف سعد غريب، التي يصفها فيلكنز بالكاتبة المقربة من قادة «حزب الله»، ان الحزب «سوف يضطر الى الدفاع عن نفسه».
في هذه الاثناء، شارك السفير بنجامين في لقاء حواري في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» اعتبر خلاله ان نشاط «حزب الله» خارج الشرق الاوسط وصل الى مراحل غير مسبوقة منذ التسعينات. وقال بنجامين ان هذا الحزب «لا يقوم بهجمات متفرقة، بل متورط حاليا في حملة ارهابية» من اجل «تحذير الغرب ضد قيامه بأي تدخل عسكري في ايران».
واوضح بنجامين: «حزب الله يعتقد اننا اصلا في صراع، ولكنهم يريدون ان يوصلوا الينا رسالة عما يمكنهم القيام به في حال تطور الصراع».
اذا الصورة في واشنطن تغيرت جذريا في السنوات القليلة الاخيرة. اللوبي الذي كان يقوده سماحة داخل العاصمة الاميركية تضعضع. كروك، الذي زار اميركا مرارا لتسويق كتابه ونظريته القائلة بضرورة تحالف اميركا مع «محور الشمال» المؤلف من ايران والعراق وتركيا وسورية ولبنان، لم يعد مرحبا به. هيرش منشغل عن الشرق الاوسط بنقاشات مع اميركيين حول شؤون داخلية يعقدها بشكل شبه يومي في فندق «تابارد ان» حيث يتناول فطوره، في وقت انتقل صديقه الآخر، سفير الاسد السابق في اميركا عماد مصطفى، الى الصين.
اشياء كثيرة تغيرت في سنوات قليلة، وتقدم «حزب الله» من الصفوف الخلفية للتنظيمات الارهابية الى الصدارة. ترى لو قيض لبنجامين لقاء مملوك مرة اخرى، فهل كان سيطالبه بالتعاون لمواجهة الحزب اللبناني هذه المرة؟

الأربعاء، 27 فبراير 2013

سوريا وثرثرة كيري


حسين عبدالحسين

في معرض تعليقه على إصرار واشنطن مباشرة على الحوار بين بشار الأسد ومعارضيه واقناع موسكو في الضغط على الأسد، يقول مسؤول رفيع
في وزارة الخارجية، حسب الصحافي جوش روغان، إن واشنطن “لم تر اختراقات كبيرة مع الروس أو تغييرا في الموقف الروسي (حول سوريا)، لذا لا نتوقع أن يكون في هذا الاجتماع اي اختراقات”.

التصريح هذا يلخص السياسة الأميركية تجاه سوريا، منذ اندلاع الثورة المطالبة بإنهاء حكم بشار الأسد في مارس (آذار) 2011، والمبنية على تضييع الوقت في الثرثرة الدبلوماسية والاجتماعات التي لا فائدة منها.

وللانصاف، يجب القول إن تبرعات اميركا المالية لإغاثة اللاجئين السوريين هي ربما الأكبر في العالم وقاربت الـ400 مليون دولار، وهذا أمر محمود. ولكن أن ينحصر نشاط القوة العظمى في العالم بهذه التبرعات، فضلا عن نشاط الدبلوماسي روبرت فورد وصفحة “فيسبوك” التابعة له التي يقوم بتحديثها بين الحين والآخر، هو أمر مخيب للآمال.

على أنه يمكن لواشنطن اضاعة وقتها الدبلوماسي حسبما ترغب، ولكن السؤال هو: لماذا يصر وزير الخارجية جون كيري على إضاعة وقت عواصم العالم في دعوتها الى التركيز على “اقناع الروس باقناع الأسد” بالخروج من الحكم؟ ولماذا يمارس كيري كل انواع الضغط على “الائتلاف الوطني السوري” لحضور مؤتمر أصدقاء سوريا، في روما، بعدما أعلن الائتلاف عزوفه عن المشاركة بسبب تقاعس القوى العالمية في انقاذ السوريين من اجرام حاكمهم ونظامه؟
وفي السياق نفسه، لماذا يصر كيري على دفع المعارضة الى المشاركة في حوار مع نظام الأسد، في وقت كبار مساعديه لا يعتقدون أن هناك جدوى من هكذا اجتماعات، اذ لم يحصل فيها اختراقات ومن غير المتوقع ان يحصل فيها اختراقات في المستقبل المنظور؟
لكل هذه الأسئلة إجابة واحدة: ثرثرة كيري.

من يعرف الوزير الأميركي، خصوصا عندما كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، يعلم ان كيري عنيد، ومعتد برأيه، ويندر أن يستمع للآخرين. وكما في فترة وزارته الآن، سبق لكيري في فترة رئاسته للجنة المذكورة أن دفع واشنطن نحو ما عرف في حينه بـ “سياسة الانخراط مع سوريا”، على اثر انتخاب باراك اوباما رئيسا في خريف العام 2008.

والمشكلة، انه لم يخرج اي مسؤول عالمي حتى الآن ليذكره بأن سياسته التي راهن فيها على عقلانية الأسد وعلى ضرورة الانفتاح عليه، بين الأعوام 2008 و2011، اثبتت فشلها، والدليل ان الأسد لم يبتعد عن ايران حسبما كان متوقعا، بل توغل في تحالفه معها، خصوصا للافادة من مساعدتها له في قمع المعارضين لحكمه.

هكذا، ليس بيد كيري في موضوع سوريا الا الثرثرة. حتى اقرب مساعديه يعلمون، ويقولون علنا، انهم لا يتوقعون حصول اي انفراج او اختراق في محاولة اقناع الروس والأسد بضرورة خروجه من الحكم كجزء من الحل السياسي والعملية الانتقالية المزعومة.

ضعف كيري هذا، الذي ينقل عنه مساعدون انه يطمح لأن يصبح في مصاف أسلافه الكبار الذين يذكرهم التاريخ الأميركي من امثال هنري كيسينجر والان مارشال وجيمس بيكر، ينبئ بأن حلم الوزير الحالي بالعظمة يبدو أقرب إلى السراب، فإن كان اقناع الروس هو جل ما يبني عليه آماله لإنجاح دبلوماسيته في سوريا، فان كيري سينتظر، وسينتظر كثيرا، وفي الاثناء، سيستمر النزف السوري فيما الوزير الأميركي يكرر حديثه الفارغ ويحلم ان تدخله ثرثرته التاريخ، وهذا لم يسبق ان حصل لا في تاريخ الولايات المتحدة ولا الدول الأخرى في العالم.

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

كل السياسة في لبنان "تجليط"

بقلم حسين عبدالحسين - واشنطن

احسن الصديق الزميل جهاد الزين في استخدام كلمة "تجليط" في وصفه النقاش الانتخابي المسيطر على المشهد السياسي اللبناني. على انه يمكن اطلاق التسمية نفسها على الحياة السياسية اللبنانية برمتها. 

في لبنان تكثر السياسة (politics) وتنعدم السياسات (policies). الاولى هي نوع من الثرثرة والشعارات الشعبوية التي لا تؤثر في حياة اللبنانيين اومستقبلهم. اما الثانية فهي مجموعة خطط حكومية مترافقة مع تشريعات تحدد وجهة البلاد اقتصاديا وعسكريا وماليا واداريا واجتماعيا. 
والعجيب ان اللبنانيين لا يعيرون الشؤون المصيرية اهتماما كثيرا الا من باب المناكفات السياسية، فالحديث عن الدين العام غالبا ما يتم ربطه بسياسات الحريري الاقتصادية، فيما ينحصر مفهوم "الاستراتيجية الدفاعية بصواريخ "حزب الله" وعلاقة تنظيمه المسلح بالجيش اللبناني. والواقع ان الاداء الاقتصادي لاي دولة لا يتأثر كثيرا بالفساد بل يرتبط اكثر بالاستقرار، فيما النزاعات المسلحة ترتبط بأمور اعمق من الجيوش والصواريخ والاداء العسكري وتؤثر على الاداء الاقتصادي وتماسك الدولة.
وفي هذا السياق تندر الحكومات اللبنانية التي قدمت فلسفة حكم، منذ الاستقلال، وربما تنحصر بتجربتي الرئيسين الراحلين فؤاد شهاب ورفيق الحريري. الاول نجح في تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية وامسك بالامن الداخلي من طريق "المكتب الثاني"، مما اتاح الفرصة لاصحاب الاختصاص في انشاء معظم المؤسسات التي يقوم عليها كيان الدولة الحالي. اما الثاني، فحاول العمل ضمن الممكن تحت سيطرة سورية تامة على شؤون الامن والسياسة الخارجية، وفي خضم حرب مستعرة مع اسرائيل. وهو لم يكن له قرار في اي من المسألتين. 
وحتى اليوم، لا يوجد تقويم لتجربة الحريري خارج حدود زعامته الطائفية، فالرجل تم اتهامه بادارة الاقتصاد حسب رغبات "البنك الدولي" و"صندوق النقد"، وفي وقت لاحق القيت عليه لائمة ارتفاع الدين العام. 
لكن على عكس الرغبات الدولية، تمسك فريق الحريري - فؤاد السنيورة، مثلا، بتثبيت سعر صرف الليرة لضرورة الامن الاجتماعي اللبناني، اولا، ولاستعادة ثقة المستثمرين الاجانب بلبنان، ثانيا. وفي وقت لاحق، وقف الحريري في مجلس النواب ليشير الى فشل تجربة تركيا اقتصاديا في حينه حتى بعد تخليها عن سياسة تثبيت ليرتها.
حتى لبنانيون مثل الرئيس سليم الحص ووزيره للمال جورج القرم، عارضا سياسات الحريري قولا، ولكنهما تمسكا بها فعلا، ولم نر الحص في فترة 1998 - 2000 يتخلى عن تثبيت النقد، بل رأينا القرم يمارس المزيد من التقشف، او "ترشيق الدولة"، على ما كان يحلو للوزير السنيورة القول.
اما ارتفاع الدين العام فيرتبط بعناصر عديدة، منها ان البلاد كانت خرجت للتو من حرب اهلية قضت على قدرتها في جباية الضرائب وتحصيل الموارد، ما اضطرها للاستدانة من اجل اعادة الاعمار واعادة تأهيل مؤسساتها، وخصوصا الامنية، والانفاق عموما. 
ثم ان الاستدانة، وبسبب الحرب مع اسرائيل، جاءت بفائدة مرتفعة. تلك الحرب نفسها اضطرت لبنان الى استدانة المزيد من النقد الاجنبي من اجل تثبيت سعر صرف الليرة. 
حتى "اعادة الاعمار"، لم تكن تماما في يد الحريري، فوزارة "الموارد المائية والكهربائية" لم تكن يوما بامرة وزير "يمون" عليه، والمعلوم ان "شركة كهرباء لبنان" تكلف الخزينة خسائر تقدر بربع الانفاق السنوي، فيما يتكفل الجيش والقوى الامنية بالربع الآخر.
بعد مقتل الحريري، اقترح امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله على ورثة الحريري، في خطابين له على الاقل، عودة الصيغة السابقة بقوله ما مفاده ان اديروا انتم سياسة اعادة الاعمار ونهتم نحن بالسياستين الخارجية والدفاعية. هذه الثنائية نفسها يبدو ان الرئيس السوري بشار الاسد يقدمها اليوم الى معارضيه، يحتفظ هو بالاجهزة الامنية والسياسة الخارجية، ويتخلى لهم عن الجوانب الاقتصادية والمالية في الحكم.
لكن التجربة اللبنانية أظهرت انه يصعب التمييز بين السياستين، اذ يستحيل بناء اقتصاد مزدهر في دولة تعج بضباط الجيش والاستخبارات، الذين يمكن ان يستولوا على الاقتصاد وعلى اصحابه، كما حصل في ولاية الرئيس السابق اميل لحود وجميل السيد وصحبهما في مواجهة الحريري. كذلك، يصعب الازدهار الاقتصادي والاجتماعي في بلد يتوعد بعض قادته بالحرب الدائمة والمقاومة المستمرة.
ورثة الحريري في السياسة رفضوا عرض السيد نصرالله، بل اصروا على المشاركة في كل سياسات الحكم، الاقتصادية، كما الدفاعية والخارجية، ما اخرجهم من الحكم تحت طائلة التصفية الجسدية على غرار ما حصل للحريري الاب نفسه. 
على ان من تلقف عرض "حزب الله" هو الجنرال ميشال عون، الذي ربط الخوف المسيحي بنفوذ الحريري، بدلا من ربطه بأجهزة الامن الرسمية والحزبية الخارجة عن سلطة الدولة. طبعا لم يستنبط عون مواقفه، بل هو استلهمها مما يهوم في بال غالبية المسيحيين، وهو ما يظهر عمق ازمتهم في لبنان.
المسيحيون يمتلكهم حنين الى نصف قرن تلا حرب 1860 وحكموا اثناءه لبنانهم الصغير، وسمحت لهم بحبوحتهم المالية المبنية على اقتصاد الحرير ممارسة نفوذ سياسي سمح لهم بالتوسع، بمساعدة فرنسية، وانشاء دولة مبنية على هيمنة اقليتين، المسيحية وتابعتها الشيعية، وعلى اقلية سنية في لبنان تنتمي الى الاكثرية في المنطقة. 
لكن سطوة المسيحيين تراجعت امام المد المالي السني والشيعي في المنطقة. ومع تراجع اقتصادهم، تراجعت اعدادهم، فنفوذهم السياسي. ومازاد في ازمتهم تعقيدا اعتقادهم ان الحلول تأتي من طريق مشايخ الشباب والزعماء "الاقوياء" من امثال بشير الجميل او ميشال عون، ومن طريق رؤساء الجمهورية.
على ان ما يحتاجه المسيحيون فعلا لاستعادة دورهم هو اقتصاد مزدهر عموما يثبت الباقين منهم في لبنان، ويعيد بعضا من مهاجريهم. الازدهار الاقتصادي بدوره يحتاج الى بلد ليس في حالة حرب مع احد، او على الاقل حرب بجدول زمني مفهوم. 
كما يحتاج الازدهار الى ورشة اصلاح دستورية تؤكد حريات الافراد المسيحيين وحقوقهم، لا حقوق زعمائهم في المناصب. ومن مصلحة المسيحيين كذلك دولة متحررة من الارقام الديموغرافية التي يؤدي تغيرها الدائم الى ضعضعة الصيغة الكيانية بشكل مستمر.
هذا هو النقاش المفقود في لبنان، والذي يستعيض عنه ارباب الطوائف بـ "التجليط" على شاكلة الشعارات الشعبوية، وتخويف جماعاتهم، واثراء انفسهم، وخوض معارك فارغة حول الميثاق والمناصفة والمثالثة. ويبدو ان غالبية اللبنانيين تغرق في هذه المتاهات، وتتلهى بها عن السياسات التي يمكنها ان تخرج المسيحيين من خوفهم، والشيعة من مظلوميتهم، والسنة من نقمتهم، والدروز من تحولهم الى "هنود حمر".

الجمعة، 22 فبراير 2013

كيري يراهن على «عقلانية» الأسد لدخول التاريخ ... رغم إخفاقه سابقاً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يعتقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري ان انجازا عظيما ينتظره في سورية، وان هذا الانجاز في حال تحقق، من شأنه ان يسمح له دخول التاريخ من بابه الواسع، والانضام الى عدد من اسلافه من وزراء الخارجية الذين يصنفهم التاريخ الاميركي في مصاف الكبار، من امثال جورج مارشال وهنري كيسينجر وجيمس بايكر.
ويقول احد كبار الديبلوماسيين ممن يعرفون كيري في مقابلة اجرتها معه صحيفة «بوليتيكو» امس: «اذا ما استطاع التوصل الى اتفاقية يخرج فيها (الرئيس السوري بشار) الاسد من الحكم، على سبيل المثال، سيكون ذلك انجازا هائلا له». 
كيري يبني آماله لدخول التاريخ على تحقيق اختراق ديبلوماسي في سورية، وفي هذا النوع من التفكير استعادة لرؤية الرجل لطموحاته ابان تسلمه منصب رئيس «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس الشيوخ، خلفا لزميله السناتور جو بيدن، الذي تم انتخابه نائبا للرئيس في نوفمبر من العام 2008.
في 2008، كما اليوم، اعتقد كيري ان سورية هي «الثمرة الناضجة على الغصن المتدلي»، حسب التعبير الاميركي، والتي تنتظر فقط من يقطفها. وفي 2008، كان كيري يحلم بتحقيق انجاز عبر سياسة «الانخراط مع الاسد»، الذي كان كيري يرى ان من شأنها ان تؤدي الى حلحلة امور كثيرة في منطقة الشرق الاوسط، اذ لو اصبح الاسد صديقا وحليفا لواشنطن، كان يمكن التعويل على دور ايجابي له في العراق حيث كان الجيش الاميركي، وفي لبنان حيث كانت اميركا تسعى الى بناء ديموقراطية على حساب دور «حزب الله» المسلح.
وختاما، توهم كيري وفريقه انه يمكن للأسد استخدام علاقاته الجيدة في وساطة مع طهران للتوصل الى اختراق ديبلوماسي يؤدي الى ابرام «التسوية الكبرى» بين اميركا وايران، وهو سيناريو تشاركه كيري الديموقراطي، على صفحات الرأي للصحف الاميركية، مع زميله الجمهوري الذي تقاعد في ذلك العام السناتور تشاك هيغل، والذي يستعد لتولي منصب وزير دفاع، الاسبوع المقبل، على الرغم من العرقلة المستمرة للجمهوريين في مجلس الشيوخ لتعيينه.
لكن الاسد لم يتحول الى حليف لواشنطن بل تحول كيري الى حليف للأسد داخل واشنطن. 
فبين العام 2008 واندلاع الثورة السورية في مارس 2011، قاد كيري اكبر حملة تأهيل لصورة الاسد في الولايات المتحدة، واستخدم علاقاته الممتازة بالرئيس باراك اوباما لتسريع عملية الانفتاح على الاسد، وارسلت الادارة وقتذاك، على جناح السرعة الى دمشق، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وهو يعمل الآمن مستشارا لامين عام الامم المتحدة للشؤون السياسية، ورافقه في رحلاته المتعددة عضو «مجلس الامن القومي» دان شابيرو، الذي يعمل اليوم سفيرا لبلاده في اسرائيل والموجود حاليا في واشنطن للاعداد لزيارة اوباما المتوقعة الى تل ابيب ورام الله وعمان الشهر القادم.
ثم نشأت صداقة بين الزوجين كيري والاسد، وتكررت زيارات كيري الى دمشق الى درجة انه في يوم من الايام، عندما دعاه السفير الاسرائيلي في واشنطن الى مأدبة عشاء في منزله، اصر كيري على اصطحاب السفير السوري السابق عماد مصطفى الى المأدبة، بيد ان الاسرائيليين اعتذروا بلباقة من كيري، وقالوا له ان استضافة سفير دولة هي في حالة حرب رسميا مع اسرائيل هو خارج الاصول والبروتوكولات الديبلوماسية المعتمدة.
وبلغ اعجاب كيري بالاسد الى حد انه حتى بعد اندلاع الثورة، نجح في اقناع ادارة اوباما بأنه يمكن استخدام التظاهرات لسلمية للسوريين للضغط على الاسد من اجل القيام بـ «اصلاحات»، وعبر كيري عن ذلك علنا، وتبعته في ذلك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. حتى ان الخطاب الرسمي لاوباما تأثر بكيري الى درجة انه عندما انبرى الرئيس الاميركي للتعليق على الاحداث في سورية في يوليو 2011، اي بعد خمسة اشهر على اندلاعها، لم يطلب من الاسد الرحيل، بل طلب منه افساح المجال امام الاصلاح.
اليوم، يحاول كيري، المعروف عنه الاعتداد برأيه الى حد الغرور، ان يكرر «انجاز» 2008 - 2011، وهو يعتقد انه يمكن لمهاراته الديبلوماسية ان تقلب الصورة في سورية.
وكما في العام 2008، كذلك في العام 2013، تعتمد طموحات كيري على نقطة جوهرية هي «عقلانية الاسد»، واعتبار ان حاكم سورية يسعى فعليا الى تسويات، وان كل ما على الاميركيين فعله هو تمهيد الطريق للأسد للتوصل الى حلول ديبلوماسية تخدم في نهاية المطاف المصالح الاميركية.
لكن في العام 2013، تقلص ايمان كيري بعقلانية الاسد الى حد ما، بل صار يعتقد ان حسابات الاسد مبنية بشكل كبير على موسكو، لذا، يعتقد كيري اليوم انه يمكن الاعتماد على عقلانية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو ما حمل كيري على الاصرار على الحديث مع الاخير، ودار حديث هاتفي بينهما قبل يومين، بعدما تفادى لافروف الحديث الى كيري لمدة اسبوع، في وقت يكثر لافروف من تصريحاته العلنية القائلة بأن الاسد سيبقى بموجب اي تسوية تحصل.
لكن كيري يثق بمقدرته على تغيير حسابات الروس، التي من شأنها ان تغير من حسابات الاسد، حسبما ينقل ديبلوماسيون كبار في وزارة الخارجية تحدثت اليهم «الراي» ورفضوا الافصاح عن اسمائهم لاسباب مهنية.
ويقول الديبلوماسيون ان كيري جعل من سورية اهتمامه الرئيسي، وانه صمم من اجلها رحلته الدولية الاولى التي تبدأ غدا وتستمر حتى السادس من مارس، وتشمل زيارته لندن وبرلين وباريس وروما وانقرة والقاهرة والرياض وابوظبي والدوحة. وسيلتقي كيري خلال زياراته كبار المسؤولين في هذه العواصم للتباحث معهم في الشأن السوري.
وعلمت «الراي» ان كيري سيعمل على حشد دولي لرؤيته لحل الازمة السورية، وان هذه الرؤية مبنية على نقاط متعددة، اولها التوصل الى حظر ضمني وغير رسمي على ارسال الاسلحة الى الثوار السوريين، كما الى الاسد، والى استخدام هذه الدول لنفوذها لدى المعارضة كما لدى الاسد، في حالة ايطاليا ومصر والامارات، لحض الطرفين على عقد حوار فوري ومباشر وغير مشروط من اجل التوصل الى صيغة وجدول زمني يخرج بموجبهما الاسد من الحكم في سورية.
كم هي واقعية رؤية كيري وحلوله للازمة السورية، وكم هي متجذرة في خياله الذي اثبتت احداث 2008 - 2011 عدم واقعيته بشكل قاطع؟ 
سيسعى كيري الى تسويق رؤيته، ولكن يبدو ان الديبلوماسية في الشأن السوري في مكان، فيما قرقعة السلاح واصوات المدافع في سورية في مكان آخر.

السلطة الرابعة تقع في حفر أوباما

حسين عبدالحسين

فيما كانت مجموعة مراسلي البيت الأبيض، التي تلازم الرئيس الأميركي باراك أوباما أينما ذهب، في الفندق المخصص لها في ولاية فلوريدا حيث كان الرئيس يقضي عطلته، وفيما كان المراسلون يصارعون الضجر بتمضية الوقت يتحادثون في شؤونهم العائلية وشجونهم بعدما أعلمهم المكتب الإعلامي الرئاسي أن لا مناسبات مقررة لباقي اليوم، إذ بمجموعة منهم تجلس في بهو الفندق، تتفاجأ بمحطة رياضية تبث صورا بدا فيها أوباما يلعب الغولف صحبة بطل هذه الرياضة الأميركي المعروف تايغر وودز.

هنا ثارت حفيظة معظمهم، فهؤلاء الصحافيون يندرون وقتهم للرئيس، ويتوقعون أن يكونوا أول من يعرف أخباره ويكتب عنها ويصورها. كذلك الوسائل الاعلامية التي يعملون لديها، تنفق اموالا طائلة ثمنا للطائرة الصحافية، التي تتبع الرئاسية، كما تتكبد تكاليف الفندق والاقامة ووسائل الاتصال.
هذا الغضب الصحافي أشعل ما يشبه ثورة ضد اوباما، وتناقلت وسائل الاعلام إحصاءات تظهر أن اوباما عقد 107 مؤتمرات صحافية في ولايته الأولى، مقارنة بـ355 عقدها سلفه جورج بوش.

ثم أطل اد هنري، رئيس جمعية مراسلي البيت الأبيض والعامل في “شبكة فوكس”، ليبدي اعتراضه، وقال في مقابلة على أخبار “ان بي سي” إن الموضوع “لا يتعلق بقصة سخيفة كمباراة الغولف، ونحن لا يهمنا ما عدد النقاط التي أحرزها الرئيس أو عدد الحفر التي أصابها”. وأضاف: “ما يعنينا هو الوصول الى رئيس الولايات المتحدة الاميركية، ديمقراطيا كان أم جمهوريا”.
وأطل أبرز وجهين إعلاميين في المشهد السياسي الداخلي في واشنطن، جيم فانديهي ومايك الان، ليكتبا في صحيفة “بوليتيكو” ان الحادثة تظهر أن “أوباما هو سيد تحديد وتحجيم والتلاعب بالتغطية الإعلامية له وللبيت الابيض”.

وأضاف الكاتبان أن تلاعب اوباما بالإعلام لا يتعلق بالحزبية، ولا بتهاون الاعلام الموالي للديمقراطيين معه، بل هو تلاعب بالشكل التقليدي، اي أن البيت الأبيض “يستخدم خدعا قديمة لتحديد التغطية من قبيل التسريبات المدروسة والمقابلات التي تعطى للإعلاميين الموالين دون غيرهم”.
ويضيف فانديهي والان أن اوباما أضاف الى الأساليب القديمة، اتقانه استخدام الوسائل الجديدة مثل مواقع التواصل الاجتماعي والتغطية الاخبارية المخصصة لفئات معينة، واثارة موضوعات في أوقات محددة للسيطرة على نوعية النقاش السياسي في البلاد.

كل هذه الألاعيب التي يستخدمها اوباما وادارته، مترافقة مع ضعف الاعلام التقليدي امام تقدم مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل الاعلامية الحديثة، قلبت ميزان القوى بين السلطة الاولى والرابعة لمصلحة الأولى، وهو ما يشكل خطرا على حيوية الديمقراطية الاميركية برمتها، يقول الكاتبان، اللذان يختمان أن “البيت الأبيض في عهد أوباما ـ وهو يتمتع بمهارة بالاعلام الرقمي ولا يهوى الاعلام التقليدي ـ استغل نقطة الضعف لدى الاعلام التقليدي هذه بذكاء واستغلها بلا رحمة”.

الخميس، 21 فبراير 2013

لا تغيير للسياسة الأميركية في لبنان: دعم السيادة... والجيش

| واشنطن - «الراي» |

يبدو ان سياسة الولايات المتحدة الاميركية حول لبنان ما زالت تسير حسب توصيات الادارة السابقة، والتي تقضي بتكرار لازمة دعم السيادة اللبنانية، واغداق المديح على الجيش اللبناني، الذي يتصوره الاميركيون حليفا لهم. ويكثر المسؤولون الاميركيون الحديث عن المساعدة الاميركية الى الجيش والتي تقدر بـ 76 مليون دولار سنويا. 
وفي هذا السياق، تحدث مساعد وزير الدفاع الاميركي ماثيو سبنس، الذي قال انه زار بيروت اخيرا، والتقى قائد الجيش العماد جان قهوجي، وكان بينهما تبادل للآراء حول موضوعين: الاول هو ازمة اللاجئين السوريين في لبنان، والتي تتفاقم مع مرور الايام، والثاني هو «الشراكة مع الجيش اللبناني والتأكيد على العلاقة القوية والاحترافية» بين العسكر في واشنطن وبيروت.
سبنس قال في ندوة في مركز ابحاث آسبن ان «لبنان مهم بحد ذاته»، وان بلاده تراقب تطور الاحداث في سورية، وتأثيرها على لبنان، وعلى المنطقة عموما، وعلى مصالح الولايات المتحدة.
أما كولن كال، الذي شغل قبل تقاعده من الحكومة قبل نحو العام ونصف العام منصب سبنس، تحدث بحرية اكبر بسبب خروجه من موقع المسؤولية، وقال ان اميركا دعمت الجيش اللبناني واوصلته الى مراحل متطورة، الا ان «حزب الله تطورت قدراته في الفترة نفسها». 
كما تحدث كال عن «الربيع العربي»، وقال ان الثورات ازعجت «محور المقاومة» لانها اظهرته انه لا يتحدث باسم الشارع العربي حسبما كان يزعم في الماضي.
وقال كال ان «سقوط نظام الاسد سيكون ضربة مدمرة لحزب الله»، وتساءل عما ستكون ردة فعل الحزب عليه في حال شعر بالضعف في مرحلة ما بعد الاسد، وقال: «قد يشعر (حزب الله) ان عليه ان يكون اكثر قبولا لرأي الآخرين، او يصبح حزبا من دون رحمة». 
واعتبر المسؤول السابق ان التقارير التي تتحدث تدخل ايران و«حزب الله» في سورية تشير الى «قلق» لدى الحليفين مما يجري هناك. 
وأوضح كال ان «لبنان اكثر هدوءا من بقية المنطقة، وهو عكس ما تعودنا عليه، ولكن هل يكون هذا هدوء ما قبل العاصفة؟» معتبرا ان الجيش اللبناني يقوم بمجهود جيد لناحية «مكافحة الارهاب».
لكن عددا من الحاضرين لم يوافقوا المسؤولين الاميركيين اقوالهم، واعتبروا ان الجلسة تحولت الى جلسة «مديح غير مبرر» بحق المؤسسة العسكرية.
وقال احد الحاضرين ان «الجيش اللبناني يساير حزب الله كثيرا، والدليل هو التطبيق العشوائي للقوانين، فمن يساعد الثوار السوريين من اهالي عرسال يلاحقهم الجيش، فيما هناك مطلوب بحكم الاعدام في بلدة بريتال، التي لا تبعد اكثر من 30 دقيقة بالسيارة، والمطلوب غالبا ما يعطي مقابلات تلفزيونية حية من دون ان يشعر الجيش بضرورة القاء القبض عليه تنفيذا للحكم... كما لا يحاول الجيش القاء القبض على مطلوبين كثر آخرين كالمسؤولين الاربعة في حزب الله الذي صدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة الدولية، والمتهم بمحاولة قتل النائب بطرس حرب».
ومما قاله ان «تكاليف الجيش اللبناني تبلغ مليار و100 مليون دولار سنويا، وهو اكثر من ثلث المال الذي تستدينه الحكومة اللبنانية كل عام، وان الجيش لا يتبع لسلطة سياسية معينة، والدليل عدم تدخله في احداث مايو عام 2008 خوفا من تفككه»، واوضح: «اذا كان الجيش اللبناني لا يستطيع وقف حرب اهلية، فماذا يستطيع ان يفعل بالضبط؟».
بدوره، اثنى روبير فاضل، النائب اللبناني الذي صادف حضوره الجلسة، على دور الجيش اللبناني، وروى كيف يتدخل الجيش للفصل بين المتحاربين في منطقتي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس، وقال ان الجيش «اتصل بالقادة من الجهتين، وقال لهم انه يجب وقف اطلاق النار في اليوم التالي الساعة الخامسة، وان الجيش سينتشر في هذا الموعد».
وختم فاضل بالقول: «لا اعرف جيشا في العالم يعمل في هكذا ظروف ويتصرف بهذه الطرق».

الأربعاء، 20 فبراير 2013

الاميركيون راحلون: عشرة اسباب حول مغادرة الولايات المتحدة للشرق الاوسط

حسين عبدالحسين

في يناير 1980، حاول محررو "المجلة" في عددها الأول التحري عن نوايا الولايات المتحدة، وكتبوا تحت عنوان "ماذا تخطط أميركا؟" أن واشنطن وضعت موضع التنفيذ "مبدأ كارتر"، الذي يقضي بإنشاء قوة تدخل بهدف إرسالها إلى مناطق غنية بالنفط كالخليج لحمايتها من أي تهديد سوفياتي، بعد عام من اجتياح السوفيات لأفغانستان.

اليوم، وبعدد 33 عاما، تحاول “المجلة” مرة أخرى أن ترصد النوايا الأميركية، ولكن على عكس العام 1980 و”مبدأ كارتر”، يبدو أن “مبدأ اوباما” يقضي بسحب الجيوش الأميركية، على الأقل من الشرق الأوسط وأوروبا، والتفرغ لشؤون البلاد الداخلية، في وسط مزاج شعبي أميركي عام يطالب بإنهاء الدور العسكري الذي تضخم جدا في العقد الأخير، والعودة إلى العزلة التي تفرضها الولايات المتحدة على نفسها بين حقبة وأخرى من تاريخها.

في هذ الإطار، رصدت “المجلة” عشرة أسباب تظهر أن أميركا هي في طور تقليص دورها العسكري حول العالم. هذه الأسباب، من دون تراتبية أو أهمية معينة، هي التالية:

• نهاية “الحرب على الإرهاب”
أثناء المناظرة الرئاسية الثالثة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وجه المرشح الجمهوري ميت رومني انتقادا لمنافسه باراك أوباما، لنيته خفض موازنة وزارة الدفاع، وقال رومني إن “البحرية الأميركية تحتاج إلى بوارج أكثر، إذ لديها 284 فقط، وهو الرقم الأدنى منذ العام 1916″، فأجابه الرئيس الأميركي: “طيب، يا حضرة المحافظ، ولدينا عدد أقل من الأحصنة والحراب كذلك، مما كان لدينا في الحرب العالمية الأولى”.
ويتزامن الحديث عن جعل القوات الأميركية أكثر رشاقة واعتمادا على التكنولوجيا، منها على عديد القوات، في وقت تعتزم الحكومة الأميركية تخفيض موازنتها العسكرية، التي تضخمت جدا منذ إعلانها “الحرب على الإرهاب” في عام 2001.

أولى بوادر التخفيض جاءت مع نهاية حرب العراق، ولا بد من أن الميزانية ستشهد المزيد من تقليص للنفقات مع قرب نهاية الحرب في افغانستان، مع ما يعني ذلك من تسريح لفائض الجنود العائدين من الحرب وتقليص عدد المشاة والبحرية.
وكان الانفاق العسكري الأميركي قد بلغ 711 بليون دولار سنويا في عام 2012، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 500 بليون سنويا مع نهاية الأعمال العسكرية في افغانستان العام المقبل. وللمقارنة، فإن الموازنة الدفاعية في العام 2000 كانت 300 بليون سنويا، أي أنه حتى مع التخفيض، ستبقى الموازنة الأميركية الدفاعية المتوقعة في الأعوام المقبلة أكبر بحوالي الثلثين منها قبل 13 عاما.

وبلغة الاقتصاد، سيتراجع الانفاق الدفاعي من 4 ونصف في المائة من الناتج المحلي، إلى ثلاثة في المائة، وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها إدارة أميركية بتخفيض موازنتها الدفاعية، اذ سبق أن فعلت ذلك في الأربعينات مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم وبعد حربي كوريا وفيتنام، وفي التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، واليوم بعد نهاية “الحرب على الارهاب”، وحربي العراق وأفغانستان.

• تطور العلوم الحربية
“بعد عقد من الحرب في افغانستان والعراق، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام منعطف استراتيجي لا يختلف عن نهاية الحرب الباردة”، يقول الادميرال جوناثان غرينيرت، آمر البحرية الأميركية، في دراسة له في مجلة “اميريكان انتيريست” في فبراير (شباط) الماضي. مقتبسا من “التوجيه الاستراتيجي” الذي قدمه وزير الدفاع ليون بانيتا العام الماضي، واصبح بمثابة دليل سياسة الدفاع الأميركية للعقد المقبل، ان بانيتا تحدث عن ضرورة “تحويل القوة الأميركية الى قوة أصغر وأكثر ليونة”، وأن “تكون هذه القوة على جهوزية تامة، مع الحلفاء والشركاء، لمواجهة والحاق الهزيمة بأي عدوان في أي مكان حول العالم، خصوصا أولئك الذين يسعون إلى منعنا من تسليط قوتنا”.

في مقالته في “المجلة” قبل 33 عاما، كتب جون كولي من واشنطن “انه في عام 1979، بدأ التخطيط جديا لإنشاء قوة أميركية من 100 ألف جندي قادرة على التحرك والانتقال الى أي بقعة من العالم تتعرض فيها المصالح الأميركية للخطر”، وان “هذه القوة تحتاج الى خمس سنوات لاستكمال مقوماتها”، وان “كل 25 ألف جندي يحتاجون 16 يوما للانتقال الى المنطقة المهددة”. مضيفا: “حتى ذلك الحين، لا يمكن تخيل وجود أي مقاومة سريعة وجدية للقوات السوفياتية، إذا أرادت اجتياح بعض دول الخليج”.

بعد عقد على مقالة كولي، انهار الاتحاد السوفياتي وقواته من دون أن تقترب أي منها من الخليج، بيد أن قوات عراقية فعلت ما لم يفعله الروس، اذ اجتاح صدام حسين الكويت.
يقول غرينيرت إنه “في أقل من عشرة أيام على اجتياح الكويت، وصلت إلى شواطئها خمسة تشكيلات من المقاتلات الأميركية، وحاملتا طائرات، وبارجتان”، ويضيف انه بعد أسابيع، “كانت القوات الأميركية قد نقلت جوا أكثر من 500 ألف جندي، و540 الف طن حمولة، واوصلت بحرا مليونين ونصف المليون طن من المعدات”.

اليوم، تقول القوات الأميركية ان بإمكانها التدخل في أي بقعة على وجه الأرض في أقل من 12 ساعة، وخوض حرب والفوز بها، وهذه السياسة الحربية هي التي يعمل على تطويرها الأميركيون منذ 33 عاما، وهي تعني ان واشنطن تعمل منذ عقود على تفادي احتلال اراض غير اميركية لفرض سلطتها، بيد أن حربي العراق وافغانستان، والاحتلال الذي رافقهما، شكلت استثناء فرضته مدرسة “المحافظين الجدد”، ولا يبدو أنه سيتكرر في المستقبل المنظور.

أما أفضل مثال لفهم التغيير في سياسة استخدام القوة الاميركية حول العالم، ونهاية عصر المشاة والاحتلال، قد يأتي من خلال مقارنة حربي العراق وافغانستان بحربي اميركا الخفية وغير المعلنة ضد “تنظيم القاعدة” في كل من باكستان واليمن. النتيجة في الحروب الأربع هي تصفية كوادر هذا التنظيم وقياداته، لكن بدلا من استخدام المشاة كما في افغانستان، تقتصر الحرب في اليمن على الطائرات من دون طيار، التي يديرها طيارون من داخل اميركا، والتي تحلق عاليا وبعيدا عن الأنظار، والتي صارت تثير ذعر أفراد التنظيم اكثر بكثير من دورية مارينز يمكن نصب كمين لها او مواجهتها.

• في أميركا نفط أيضا
يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه “تاريخ الجزيرة العربية” إن اميركا فازت في الحرب العالمية الثانية، لأنها كانت الوحيدة المكتفية ذاتيا لناحية حاجة جيشها الى النفط، فيما كانت القوات الألمانية تخوض حربا مصيرية ضد القوات السوفياتية للسيطرة على منابع النفط في محيط البحر الأسود.

اكتفاء أميركا بالنفط ذاتيا انتهى مع حلول عام 1952، ما جعل اميركا تخشى أن تسعى موسكو الى محاولة الاستيلاء على خزان الخليج النفطي، فتنجح بذلك بتعطيل القوة الاميركية الى حد بعيد، وهو ما ساهم الى حد كبير في اطلاق الحرب الباردة بين الجبارين.
كانت تلك مواجهة كلاسيكية بين قوتين عالميتين تتنافسان على مصادر الطاقة حول الأرض.

في عددها الأول قبل 33 عاما، كتب محررو “المجلة” ان السؤال هو: “ماذا تخطط اميركا؟ وكيف ولد مبدأ كارتر؟ وما هي احتمالات تطبيقه؟ ماذا تريد إدارة كارتر ان تفعل في تلك المنطقة الحساسة، وماذا تستطيع أن تفعل؟ ما هو حجم عزمها على التدخل عسكريا في المنطقة”.

ربط المحررون وقتذاك بين خطاب كارتر في حال الاتحاد في 1980 بتدخل عسكري محتمل لأميركا في الخليج. أما أبرز ما قاله كارتر في ذلك الخطاب فهو التالي: “خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انضممتم الي لتحسين أمننا وآفاق السلام، ليس فقط في منطقة الخليج الحيوية والمنتجة للنفط، بل حول العالم”. ولم يخطأ محررو “المجلة” في تحليلاتهم وقتذاك، فالولايات المتحدة لم تستخدم جيوشها مثلا للتصدي للاجتياح السوفياتي لافغانستان، ربما لندرة النفط هناك، ولكن عندما اجتاح صدام حسين الكويت، وهي صاحبة احد اكبر احتياطات النفط في العالم، قامت اميركا ببناء تحالف دولي عريض، وحركت أساطيلها وجيوشها التي أجبرت قوات صدام على الانسحاب.

أما السؤال اليوم فهو: هل مازال الخليج العربي، ونفطه، يتمتعان بالأهمية الاستراتيجية نفسها في العقل الأميركي؟
في تقريرها للعام 2012، تقول “وكالة الطاقة الدولية” انه بسبب التقنية الجديدة التي ابتكرتها شركات اميركية لاستخراج الغاز والنفط، من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة الأولى في انتاج الغاز في العالم مع حلول العام 2016، والأولى في انتاج النفط في العالم، متقدمة حتى على المملكة العربية السعودية، مع حلول العام 2020.

وتظهر بيانات وزارة الطاقة الأميركية ان انتاج الولايات المتحدة النفطي ارتفع بنسبة 30 في المائة منذ عام 2008، ليصل الى 6.5 مليون برميل يوميا الشهر الحالي، وهو رقم مرتفع مقارنة بانتاج السعودية، الأولى في العالم حاليا، والذي يبلغ 9 ملايين و700 الف برميل في اليوم.

الأرقام تشير كذلك إلى أن الزيادة في الانتاج النفطي الأميركي في عام 2011 كانت الأعلى منذ أن تم اكتشاف هذه المادة للمرة الأولى في ولاية بنسلفانيا في عام 1859.

هكذا، للمرة الأولى منذ عام 1952، ستتمتع أميركا باكتفاء نفطي من المتوقع أن يستمر حتى عام 2035، ما سيعطي واشنطن ربع قرن من الاستقلالية في الطاقة، ويعفيها من السباق مع دول العالم الأخرى للوصول إلى الأسواق النفطية أو لمحاولة تثبيت الدول النفطية أمنيا وسياسيا، وهذا ما يعني اعتمادا أميركيا أقل على القوة العسكرية حول العالم.

“هذا يعطينا حرية أكثر للحديث عن الشرق الأوسط الذي نريد أن نراه، والعالم الذي نريد أن نراه”، يقول الرئيس باراك أوباما في مقابلة أجرتها معه مجلة “التايم” في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

• نهاية مفهوم القوة العظمى
يعتبر مؤرخون أن أحد أبرز أسباب نشوب الحرب العالمية الأولى، كان بسبب نجاح بريطانيا في إفشال مشروع المانيا بناء خط قطار برلين – بغداد، الذي كان من المفترض أن يصل إلى ميناء الكويت، وان يشكل طريقا تجاريا مختصرا بين الهند واوروبا، بدلا من الطريق البحرية التي تمر في قناة السويس، والتي كانت تحت سيطرة الانكليز.

في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كان احتلال الاراضي والسيطرة على طرق التجارة ضروريا من أجل قيام الامبراطوريات ومن اجل حفاظها على قوتها وعلى سيطرتها على الأسواق وعلى مصادر المواد الأولية.
وفي النصف الثاني من القرن الماضي، تواجهت للسبب نفسه القوتان العظميان اميركا وروسيا في ما عرف بـ”الحرب الباردة”، والتي انتهت بفوز الاميركيين.

لكن اميركا لم تهزم الاتحاد السوفياتي عسكريا، ولا نفطيا، بل اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا، وهو ما تحول الى عنوان للمواجهة بين اميركا ومنافستها الامبراطورية المقبلة، اي الصين، التي تسعى الى اللحاق بالولايات المتحدة، خصوصا على الصعيدين الافتصادي والعلمي.
“إن اقتصادا قويا، ناميا، يؤمن الأساس لكل أدوات القوة. كذلك، الأدوات الاقتصادية كالعقوبات والمساعدات، ستكون حاسمة في هذا القرن لانها عادة اكثر الأدوات فاعلية من حيث كلفتها المنخفضة نسبيا”، يقول البروفسور في جامعة هارفرد جوزيف ناي في كتابه “مستقبل القوة”.
ويضيف الأكاديمي الأميركي، الذي ابتكر عبارة “القوة الناعمة”، أن “القوة الاقتصادية ستكون واحدة من اهم الأدوات في جعبة القوى الذكية” حول العالم.

داخل الولايات المتحدة، يندر أن يعثر الباحث على مقالة أو دراسة أو كتاب يحذر من القوة العسكرية الصينية الصاعدة أو من العقيدة الصينية السياسية، على غرار التحذيرات من قوة الاتحاد السوفياتي وتمدد الشيوعية حول العالم اثناء الحرب الباردة، بل تتركز التحذيرات حول مقارنات ثنائية بين البلدين، اميركا والصين، في المضامير الاقتصادية والثقافية والعلمية والأكاديمية.

والسباق الأبرز اليوم بين أميركا والصين، والذي يستحوز على معظم اهتمام الاميركيين، هو مطاردة الاقتصاد الصيني لنظيره الأميركي، الأكبر في العالم. وكانت الصين حلت محل اليابان كصاحبة ثاني اكبر اقتصاد في العالم في عام 2010، فيما تشير الترجيحات إلى أن الصين ستحل محل اميركا مع نهاية هذا العقد.

كذلك، تدور رحى السباق الاميركي الصيني حول عدد “براءات الاختراع” المسجلة في كل دولة، وحول حجم الموازنات السنوية المرصودة لـ”الأبحاث والتطوير”، في وقت تسعى الصين الى إرسال طلاب لتحصيل العلم في أميركا والعودة الى بلادهم، وتسعى في الوقت نفسه الى استقطاب الجامعات الأميركية العريقة لتفتح فروعا لها في الصين كخطوة اولى تسمح للصينيين بنسخ التفوق الأكاديمي والبحثي العلمي الأميركي، على غرار عملية النسخ التي قامت بها الصين لعدد كبير من الصناعات الأميركية على مدى العقدين المنصرمين.
ويبدو أن الرئيس باراك أوباما وادارته وفريق مستشاريه تنبهوا عموما لنوعية السباق مع الصينيين، فالقوة العظمى العالمية لم تعد تقاس بالقوة العسكرية وحدها، بل بقوة الاقتصاد والابتكارات، وهو ما دفع اوباما الى الاعلان، مبكرا، نيته الخوض في سباق ابتكار تقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة قبل الصين، ما جعل حكومته تقدم اعفاءات ضريبية ومحفزات وضمانات قروض للشركات الاميركية، التي عملت على تطوير صناعة الطاقة البديلة.

• “إعادة تمحور” السياسة الخارجية
السباق الأميركي مع الصين لم يفرض على أميركا الالتفات الى شؤون الاقتصاد على حساب الدفاع بالمطلق، بل دفع أوباما وإدارته إلى تبني سياسة “إعادة التمحور” (بيفوت بالانكليزية). وبموجب هذه السياسة، يفترض ان تنقل الولايات المتحدة تركيزها من الشرق الأوسط الى الشرق الأدنى إدراكا من إدارة اوباما أن الصين هي القوة الصاعدة التي قد تشكل تهديدا على صدارة اميركا للعالم أو على المصالح الأميركية حول العالم.
هذا يعني، حسب المسؤولين الأميركيين، ان غرق اميركا في مستنقعات الشرق الأوسط فيما الصين تكرس هيمنتها على منطقة غرب آسيا هو ضرب من الجنون الاستراتيجي الذي يتطلب إعادة تصويب.

سياسة أوباما لإعادة التمحور مبنية على جزأين: الأول هو انهاء تورط اميركا في حروب شرق اوسطية، وهو ما حصل فعلا في العراق نهاية عام 2011، ومقرر أن يحدث في افغانستان مع نهاية العام المقبل. اما الجزء الثاني، فهو مبني على شبكة تحالفات تقيمها واشنطن مع معظم الدول المحيطة بالصين، والتي على الرغم من انها تتمتع بعلاقات تجارية ممتازة مع الصينيين، تشعر بالخوف من هيمنة صينية وتحاول تاليا مواجهتها بتحالف مع الأميركيين.

وفي اطار هذه التحالفات، تسعى ادارة اوباما الى توقيع معاهدة “الشراكة عبر الهادئ”، وهي اتفاقية تتمحور حول قيام سوق مشتركة، او اتفاقية تجارة حرة، تقترن باتفاقيات دفاع مشترك، وقد وقعت عليها تسع دول حتى الآن هي اميركا واستراليا، وبروناي وتشيلي ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام. وكانت باكورة هذه الاتفاقية اعلان واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية يتمركز فيها 2500 عنصر من المارينز في استراليا.
وجاء الإعلان في وقت تتحدث واشنطن عن تخفيض نفقاتها العسكرية ووجودها في دول الشرق الأوسط، ما يعني أن أميركا لا تنوي تقليص دورها العسكري عالميا بشكل عام، بل تنوي على الأرجح نقل ثقلها من منطقة الى أخرى، على حسب تصريحات الرئيس الأميركي ومجموعة مساعديه.
ولأميركا اتفاقيات تجارة حرة ودفاع مشترك مع الدول ذات الاهمية الاستراتيجية في تلك المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، تضاف الى “الشراكة عبر الهادئ”. ومن المتوقع ان تعمل واشنطن على توسيع هذه الشراكة قدر الامكان، وهو ما يعطي الولايات المتحدة أفضلية استراتيجية واقتصادية وعسكرية كبيرة على الصين، في ملعب الأخيرة.

• انقسام النخبة
في عددها الأخير (ديسمبر/كانون الثاني – فبراير/شباط 2013)، نشرت مجلة “فورين افيرز” المرموقة مقالتين حول السياسة الخارجية. الأولى بقلم البروفسور اليساري في جامعة “ام آي تي” باري بوزن، حض فيه الولايات المتحدة على تبني سياسة خارجية تتناسب وواقعها الاقتصادي المستجد، المثقل بالديون، حيث تعدى الدين العام 16.5 ترليون دولار.

ويقول بوزن إنه من الأفضل لواشنطن أن تقوم بإعادة رسم سياستها بنفسها، بدلا من ان تفرض الظروف عليها ذلك، ويكتب: “اذا ما استمر دين الولايات المتحدة في النمو واستمرت القوة بالانتقال الى دول اخرى، قد تفرض أزمة اقتصادية أو سياسية مستقبلا على واشنطن تغيير سياستها (الخارجية) فجأة، مع ما يفرض ذلك على الدول الصديقة وغير الصديقة من تكيف مفاجئ، وهو ما يبدو انه المسار الأخطر”.
المقالة الثانية كتبها الباحثون، الأقرب الى اليمين، ستيفن بروكس وجون ايكينبيري، ووليام وولفورث، وجاء فيها انه “منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تبنت الولايات المتحدة استراتيجية عظمى واحدة هي الانخراط العميق، سمحت لها بحماية أمنها وبحبوحتها، كما سمحت لها بنشر مبادئ الاقتصاد الليبرالي واقامة تحالفات دفاعية متينة في اوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط”.

ويضيف هؤلاء ان هذه الاستراتيجية جاءت في مصلحة اميركا في العقود الستة الماضية، ولا يوجد سبب للتخلي عنها.
“تموضع أميركا حول العالم هو الشيطان الذي نعرفه، والعالم من دون انخراط اميركا فيه هو الشيطان الذي لا نعرفه.. واذا ما قرر زعماء اميركا ممارسة الانسحاب، يكونون بالتالي يخوضون في تجربة هائلة تمتحن كيف يسير العالم من دون قوة منخرطة وليبرالية تقوده، والنتائج ممكن ان تكون كارثية”، تقول المقالة.

على ان هذا الانقسام بين افراد النخبة الاميركية حول السياسة الخارجية الاميركية المقبلة يتلاشى عند الحديث عن الشرق الأوسط، فحتى المطالبون ببقاء أميركا “منخرطة” حول العالم، يبدو أنهم يؤمنون بضرورة “إعادة التمحور” من الشرق الأوسط إلى الأدنى، التي تمارسها إدارة اوباما.

وفي هذا السياق، كتب الثلاثي بروكس – ايكينبيري – وولفورث في الدراسة نفسها ان “هناك منافسا للهيمنة الأميركية، وهي الصين، ومن اجل تعديل قوتها، على الولايات المتحدة ان تبقي على تحالفاتها في آسيا وعلى المقدرة العسكرية للتدخل هناك”. متابعين: “ستكون نتيجة ذلك أنه على الولايات المتحدة الخروج من افغانستان والعراق، وتقليص وجودها العسكري في اوروبا، واعادة التمحور نحو آسيا، وهو تماما ما تفعله ادارة اوباما”.

إذن يبدو أن السياسة الخارجية الأميركية تتأرجح بين اليسار المطالب بتقليص دور اميركا في العالم ككل، واليمين الذي يؤيد ابقاء الدور الأميركي فاعلا، ولكن نقل التركيز من أوروبا والشرق الأوسط الى غرب آسيا والشرق الأدنى، ما يعني أن هناك شبه اجماع بين افراد النخبة الأميركية على ضرورة الخروج الكلي عسكريا وسياسيا من الشرق الأوسط تحديدا.

• انقلاب في الرأي العام الأميركي
في نوفمبر (كانون الثاني) 1998، كتبت بروفسورة “العلوم الاخلاقية” في جامعة آريزونا ماريان جينينغز، بحثا نشرته في صحيفة “ديزيرت نيوز”، وتضمن تحليلا لعادات الأميركيين بحسب أحدث استطلاعات الرأي، وحاولت أن تظهر فيه أن البلاد لو سارت حسب آراء الأكثرية، لتغيرت فيها أمور كثيرة، بعضها ربما يأخذ منحى غير اخلاقي.

دراسة جينينغز عكست استياء لدى معارضي الرئيس السابق بيل كلينتون من شعبيته المرتفعة دائما، على الرغم من الفضائح التي طالته مثل فضيحة علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا ليوينسكي. وجاءت الدراسة في خضم فضيحة ليوينسكي التي لاحقت كلينتون وأدت الى مصادقة مجلس النواب على عملية خلعه.

لكن التأييد الشعبي لكلينتون أجبر الجمهوريين، الذين كانوا يسيطرون على غالبية مقاعد الكونغرس، على التراجع، ما دفع هؤلاء الى اتهامه بأنه “يحكم حسب استطلاعات الرأي”، اي انه يتخذ دائما القرارات التي تظهر الاستطلاعات انها اكثر شعبية بين الأميركيين، ما يبقي نسب تأييده مرتفعة بشكل متواصل.

ولا شك ان الرئيس الأميركي، كل رئيس، يبقي عيونه مفتوحة تجاه استطلاعات الرأي. ففي اثناء الولاية الاولى، يفعل الرئيس ذلك بهدف ضمان انتخابه لولاية ثانية، وفي الولاية الثانية، يبقى الرئيس متحسبا تجاه الرأي العام من اجل “ذكراه” وصورته التي سيتذكرها التاريخ بعد خروجه من الحكم. ولا شك ان الرئيس السابق جورج بوش الابن خرج في موقع لا يحسد عليه، اذ تدنت شعبيته وشعبية نائبه ديك تشيني الى مستويات قياسية، حتى ان نسبة مؤيديه يوم خروجه لم تتجاوز ربع الأميركيين.

“الحكم حسب استطلاعات الرأي”، التهمة التي طالت كلينتون، تطال باراك اوباما ايضا بين الحين والآخر.
صحيح ان اوباما صوت ضد الحرب في العراق حتى عندما كانت الحرب تتمتع بشعبية بين الاميركيين، لكن موقفه هذا تحول فيما بعد الى نقطة قوة له مع مؤيديه ومع كل الذين انقلبوا الى معارضين للحرب التي طالت وكثرت تكاليفها البشرية والمالية.

وكما العراق، كذلك في افغانستان، ابدى اوباما رغبة في سحب القوات الاميركية من هناك، وهو ما اعطاه تفويضا اميركيا شعبيا حتى عندما اعلن خطة لزيادة القوات هناك، اذ ان غالبية الاميركيين اعتبرت ان اوباما يرسل المزيد من الجيوش الى هناك، من اجل التسريع في انهاء الحرب.

ولأن اوباما يتحسب دوما للرأي العام، ولأن غالبية الأميركيين صارت تؤيد انهاء الحربين، فهو أعلن أن استراتيجيته تقضي بانهائهما، وعدم التورط في أي حروب جديد ما لم تقتض الضرورة القصوى ذلك. بذلك حازت رؤية اوباما للسياسة الخارجية الشرق اوسطية، وللسياسة الدفاعية كذلك، تأييدا كبيرا بين الاميركيين.

حتى عندما بدا ان التدخل العسكري الأميركي مبرر تماما، مثلا في الحالة الليبية عندما كانت قوات معمر القذافي تستعد لاقتحام بنغازي، وربما ارتكاب مجازر بحق المدنيين هناك، ظل اوباما مترددا في التدخل، وهو عندما أمر الأسطول السادس المرابض في البحر الأبيض المتوسط بالمباشرة بشن الحملة التي اعلنها “تحالف الأطلسي” لحماية المدنيين ضد قوات القذافي، فهو فعل ذلك بخجل، ولم يتوجه الى الكونغرس طلبا للموافقة على اعلان حرب، على عادة الرؤساء الأميركيين.

وعندما بدأ أعضاء الكونغرس من معارضيه من الحزب الجمهوري بتوجيه الأسئلة حول قيام أوباما بإعلان الحرب من دون اعلامهم، بحسب ما يقتضي الدستور، قال أوباما إن بلاده لم تعلن الحرب، بل شاركت لمدة أسبوع واحد من ضمن حملة الأطلسي. وبعد مرور الأسبوع، احجمت القوات الأميركية عن المشاركة، ولم تساهم الا بطيارتين من دون طيار كان التحالف يحتاج لهما لعدم قدرته القضاء على اهداف ارضية من دون القوة الجوية الأميركية.

في ليبيا، تصرف اوباما حسبما تمليه الرغبة الشعبية الاميركية، وكذلك فعل في سوريا، حيث تخطى عدد القتلى 60 الفا، من دون ان تحرك القوات الاميركية ساكنا او تفكر في التدخل.
ولا شك أن تصرفات أوباما هذه تمليها الرغبة الشعبية، التي تميل اليوم الى سحب القوات الاميركية من المعمورة، والتفرغ للشؤون الداخلية.
سياسات اوباما هذه تعززها احدث استطلاعات الرأي، ففي شهر اكتوبر (كانون الأول) الماضي، اجرى معهد “بيو” استطلاعا شمل 1511 اميركيا، واظهرت نتائجه ان اثنين من بين كل ثلاثة اميركيين يعتقدون “انه يجب ان تكون مشاركة الولايات المتحدة أقل في التغييرات التي تجري في الشرق الأوسط”، فيما اعتبر أقل من ربع المستفتين أن على بلادهم ان تنخرط اكثر في الشؤون العربية.

• نهاية “المحافظين الجدد”
“المحافظون الجدد” هي تسمية تشمل نخبة من المثقفين الأميركيين من المحسوبين على اليمين والحزب الجمهوري، لكن ايرفينغ كريستول، “الأب الروحي” لهذه الموجة السياسية، كان في الأساس مثقفا شيوعيا يتمسك بنهج تروتسكي. اما رؤيته للدور الاميركي حول العالم، فكان يتمحور حول ضرورة قيام الولايات المتحدة بنشر مبادئها الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية، وان لا ضير في استخدام القوة العسكرية الأميركية للقيام بدور “الهندسة الاجتماعية” في بناء البلدان والدول وتحويلها الى ديمقراطيات، على غرار ما فعلت اميركا في المانيا واليابان وكوريا الجنوبية في النصف الثاني من القرن الماضي.

على أن نظرية كريستول هذه، لم تكن لتلقى رواجا لو لم تجد الأساطيل الأميركية نفسها على أهبة الاستعداد لمطاردة مخططي وممولي هجمات 11 سبتمبر (ايلول) في نيويورك وواشنطن. ومع أن الجيوش الأميركية كانت متوجهة أصلا في حملة تأديبية وعقابية ضد المسؤولين عن هذه الهجمات في افغانستان، الا أن “المحافظين الجدد” الذين كانوا يشغلون مناصب متعددة ورفيعة في الإدارة الأولى للرئيس بوش الابن، مزجوا حملة التأديب بفكرة “نشر الديمقراطية” و”بناء الأمم”.

وعزز من موقع “المحافظين الجدد” واقع ان النخبة الأميركية عموما بدأت تطرح على نفسها اسئلة من قبيل “لماذا يكرهوننا”، وتحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بالخوض في السياسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للشعوب الأخرى.
هكذا ذهبت اميركا الى افغانستان، لا لمطاردة تنظيمي “القاعدة والطالبان” فحسب، بل لبناء حكومة ديمقراطية في افغانستان. وفي وقت لاحق، شجع الانتصار العسكري السهل ادارة بوش على اختيار بلد آخر لشمله ببرنامج “نشر الديمقراطية”، وتم اختيار العراق لأسباب متعددة ومتشابكة شاركت في تقديمها لوبيات النفط والسلاح واعادة الاعمار، كذلك اللوبي التابع للمعارضة العراقية المقيمة وقتذاك في العاصمة الاميركية.

في الأسابيع التي تلت هجمات 11 سبتمبر، قامت مراكز الرأي باستطلاع وجهات نظر الاميركيين حول رأيهم تجاه التغيير الكبير المقبل في السياسة الخارجية الاميركية. واظهرت الاستطلاعات تأييدا واسعا لضرورة مطاردة الجيش الأميركي للجهة التي خططت ونفذت الهجمات.
لكن غالبية الاميركيين لم تبد تأييدا يذكر لمبدأ “نشر الديمقراطية” حول العالم، اذ اعتبر 29 في المائة منهم فقط ان على بلادهم القيام بمجهود من هذا النوع.

وبعد اكثر من عقد، وبعدما انفق الاميركيون ما يقارب 5 ترليونات دولار لتمويل الحربين، وخسروا اكثر من 7000 جندي، وبعد ان شعر الاميركيون ان بناء حكومات ديمقراطية في العراق وافغانستان أمر شبه مستحيل، على الرغم كل التضحيات المالية والبشرية التي قدموها، انخفض تأييد مبدأ “نشر الديمقراطية” حول العالم، الذي قدمه “المحافظون الجدد” مطلع العقد الماضي، الى أقل من نصف ما كان عليه في العام 2002، واظهر استطلاع الرأي الذي اجراه معهد بيو في أكتوبر، أن عدد الأميركيين الذين مازالوا يؤيدون نشر الديمقراطية في العالم لا يتعدى الـ13 في المائة.

• “احتواء” إيران النووية بدلا من منعها
يزعم الناشط الإيراني – الأميركي والمؤيد لانفتاح أميركا على نظام إيران تريتا بارسي في كتابه “رمية نرد واحدة” انه بعد أسابيع على اندلاع حرب العراق في عام 2003، ارسلت طهران كتابا الى واشنطن عبر دبلوماسيين سويسريين يمثلون المصالح الأميركية في إيران، واقترحت فيه انهاء برنامجها النووي وفتح صفحة جديدة بين البلدين. ويقول بارسي إن الأميركيين، وخصوصا نائب الرئيس تشيني، شعروا بثقة زائدة في النفس على اثر سقوط نظام صدام حسين، فرفضوا تلقف العرض الإيراني.

لكن يبدو أن الذعر الإيراني من الموجة الأميركية لنشر الديمقراطية انتهى بعد ذلك بقليل، إذ بادرت إيران إلى إعادة تفعيل، بل تسريع، برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وعملت على بناء منشأة سرية تحت الأرض، في جبل فوردو المحاذي لمدينة قم. وفي وقت لاحق، اكتشفت الاستخبارات الغربية مفاعل فردو النووي، في وقت علمت عواصم العالم أن مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بنسبة 3 في المائة قد تعدى 1200 كيلوغرام.
بوش حاول إظهار حزمه في مواجهة الإيرانيين، ورفض الدخول في مفاوضات معهم قبل ايقافهم التخصيب، وكرر مقولة أن “كل الخيارات، بما فيها العسكرية” هي على الطاولة الأميركية. لكن يبدو أن إيران كانت تعلم أن لا بوش، ولا من سيخلفه، سيقدم على حرب أخرى، خصوصا بعدما خسرت حربا العراق وافغانستان كل التأييد الشعبي الذي حصدتاه إبان اندلاعهما.

واستمرت إيران في التخصيب في وقت برز نجم المرشح الرئاسي من الحزب الديمقراطي باراك اوباما، الذي كرر اثناء حملته انه كان ينوي أن “يبادر” إلى الحوار مع ايران من أجل التوصل الى حلول في ملفها النووي، حتى انه وعد بإرسال وزيريه للخارجية والدفاع الى طهران لمباشرة الحوار.
وجاء الامتحان الأول بعد ستة اشهر على دخول اوباما البيت الأبيض، اذ اندلعت في حزيران 2009 ما عرف بـ “الثورة الخضراء” في ايران، التي بدأت اعتراضا على اعادة انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا، وتحولت الى انتفاضة ضد حكم علي خامنئي بأكمله، اذ ذاك بدأ النظام الايراني بقمع الثورة بعنف.

واثباتا لحسن النية، لم ينبر اوباما الى انتقاد القمع الايراني، بل ارسل وفودا سرية طلبا للحوار.

هكذا، شعرت ايران ان واشنطن ضعيفة، فضاعفت من تخصيبها لليورانيوم، واخذت تخصب كمية منه الى درجة 20 حتى وصل مخزونها في شهر نوفمبر الماضي 135 كيلوغراما. ومن المعلوم ان انتاج قنبلة نووية يحتاج الى 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المائة، حتى يتم تخصيبه الى درجات تتعدى الـ 90 في المائة.
ومع ان اوباما، كما بوش، كرر انه يبقي الخيار العسكري على الطاولة لمنع ايران من انتاج السلاح النووي، الا انه لا يبدو ان طهران تأخذ هذه التهديدات العسكرية الاميركية على محمل الجد، الى درجة انها صارت تضع المزيد من الشروط حول استئناف المفاوضات مع دول مجلس الامن والمانيا للتوصل الى حل حول ملفها النووي.

ولأن الشعور الشعبي الاميركي معارض لاي عمل عسكري حول العالم، صارت تعلو اصواتا للمطالبة بما كان يعتبر خطيئة في عالم السياسة الاميركية قبل سنوات، اذ كثر عدد المثقفين من المطالبين بـ “قبول دخول ايران نادي الدول النووية”، و”قبول حيازتها سلاحا نوويا”، ووجوب “انتهاج سياسة احتواء او ردع” لايران النووية بدلا من توجيه ضربة عسكرية تمنعها من الحصول على هذا النوع من السلاح.
وفي شهر يناير 2013 وحده، نشر مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جيمي كارتر مقالة في “واشنطن بوست” يؤيد فيه اسياسة الاحتواء، فيما عبر عن دعمه لترشيح اوباما للسناتور السابق تشاك هيغل وزيرا للدفاع، وكان هيغل كتب في كتابه “اميركا الفصل القادم” أن على واشنطن “المبادرة” لاجراء حوار غير مشروط مع ايران، وإعادة العلاقات الطبيعية معها كما فعلت ادارة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون مع عدوتها الصين الشيوعية مطلع السبعينات.

كذلك نشر البروفسور في جامعة كولومبيا روبرت جيرفيز مقالا في مجلة “فورين افيرز” بعنوان “التوصل الى نعم مع ايران”، وتبنى المقال الاعلاميان جورج ستيفانوبوليس على شبكة “اي بي سي”، وفريد زكريا على شبكة “سي ان ان”.
ومن نافل القول ان الحديث عن “احتواء” ايران ومباشرة الحوار غير المشروط معها، لم يكنا ممكنين لو كانت واشنطن ماتزال تعكس صورة القوة العسكرية القادرة على بث الذعر، على الأقل، لدى خصومها، حتى لو لم تكن تنوي استخدام هذه القوة العسكرية فعليا لثنيهم عن القيام بسياسات لا تتوافق مع المصالح الاميركية.

• عودة الحزبين إلى العزلة
يحلو لكثيرين التفكير أن ضمور الدور العسكري الأميركي حول العالم هو بسبب انتخاب باراك اوباما من الحزب الديمقراطي رئيسا، وهو ما دفع كثيرين، حتى من غير مؤيدي الحزب الجمهوري، تأييد مرشحي هذا الحزب، جون ماكين في عام 2008 وميت رومني العام الماضي، الى الرئاسة.
الا ان الواقع يشي بأن تراجع الدور العسكري الأميركي حول العالم لم يكن ليختلف بغض النظر عن هوية والتوجهات السياسية لسيد البيت الأبيض، فعلى عكس الاعتقاد السائد، لم يبدأ التراجع العسكري الأميركي في عهد اوباما، بل في زمن سلفه بوش.

في هذا السياق، لا بد من التذكير ان ادارة بوش هي التي وقعت “معاهدة وضع القوات” مع العراقيين، والتي سمحت للجيش الاميركي البقاء لعام واحد بعدما انهى مجلس الأمن تفويض احتلال اميركا للعراق في عام 2010. كما ان سياسة الانفتاح على اعداء اميركا السابقين، مثل نظامي سوريا وايران، لم تبدأ مع اوباما بل بدأت تحت اشراف وزيرة خارجية بوش، كوندوليزا رايس، التي دعت السوريين الى مؤتمر السلام في انابوليس في ربيع عام 2007، والتي ارسلت وكيلها وليام بيرنز للمشاركة في مفاوضات ما يعرف بـ”مجموعة دول خمس زائد واحد” مع الايرانيين.

اوباما بدوره استكمل الانسحاب الاميركي من العراق حسب جدول بوش، واستأنف سياسة الانفتاح على بشار الاسد في سوريا، وسياسة الحوار مع ايران وفرض العقوبات عليها في الوقت نفسه في مجلس الامن. وفي الاطار نفسه، كان لا بد لأوباما من انهاء الحرب في افغانستان، والأرجح انه حتى لو وصل الجمهوري ماكين الى الرئاسة، لكن فعل الأمر نفسه، وهو ما ينطبق ايضا على رومني لو قيض له الحاق الهزيمة باوباما والحلول مكانه.

إذن الانكفاء العسكري الأميركي حول العالم، والعزلة الأميركية المرافقة له، لا ترتبط بوجهة نظر رئيس واحد او حزب واحد او عقيدة. وباستثناء بعض “المحافظين الجدد” ممن مايزالون يؤيدون العمل العسكري بكل أشكاله، يبرز إجماعا أميركيا حول ضرورة الانكفاء وكبح الدور الاميركي العالمي.
وكان أول الملتقطين للشعور الأميركي العام، العابر للعقائد، الخبير البريطاني في الشؤون الاستراتيجية لورنس فريدمان، الذي نشر مقالة في “ناشونال انترست” حملت عنوان “خرابة على تلة”، وهو عنوان يتهكم على إطلاق الرئيس الراحل رونالد ريغان على بلاده لقب “المدينة المشعة على تلة”.

ومما قاله فريدمان ان “عاملين يميزان اميركا عن القوى العظمى التي برزت في الماضي: (أولا أن) القوة الأميركة تعتمد على التحالفات بدلا من المستعمرات، و(ثانيا أنها) ترتبط بعقيدة سياسية مرنة تمكنها من العودة اليها حتى بعدما تكون قد تخطت حدود قوتها”.

التاريخ يعيد نفسه
الأسباب العشرة التي سقناها حتى الآن، تشير إلى أن أميركا تمر في مرحلة ضمور عسكري حول العالم. ولكن هل يجوز اعتبار هذه مرحلة تكتيكية، أو هل هي تشير إلى ضمور قوة الامبراطورية الأميركية بشكل دائم، وتاليا تراجع دورها العالمي إلى غير رجعة.
من المبكر الحكم على ديمومة التراجع الأميركي، فالمواجهة بين أميركا والصين مازالت في بداياتها، ولا ضمانات أن الصين ستستمر في صعودها الاقتصادي، إذ يرجح خبراء كثيرون ان تصطدم بما يسمى “فخ المدخول المتوسط” حيث تتحسن مستوى المعيشة فيها الى درجة لا تعود اليد العاملة فيها هي الأرخض عالميا، فيما لا تنجح في تحويل نفسها الى دولة صناعية بالكامل يمكنها منافسة الدول الصناعية الغربية مثل أميركا وألمانيا واليابان.

كذلك يضرب الخبراء صعود اليابان، ثم توقفها، مثالا على أن الصعود الصيني قد لا يتجاوز الولايات المتحدة، وبذلك تبقى أميركا الأولى اقتصاديا في العالم، وتاليا الأولى عسكريا وسياسيا.
لكن بغض النظر عن نتائج المنافسة بين أميركا والصين وانعكاسها على ميزان القوى العالمي، يمكن الجزم بأن الدور العسكري الأميركي في العقود القليلة المقبلة سيكون أصغر بكثير مما كان عليه في العقود الأربعة الماضية، على الأقل استدلالا بما فعلته أميركا على اثر حروبها الكبرى الماضية، الحربين الكونيتين وحربي كوريا وفيتنام والحرب الباردة، إذ عمدت إلى تخفيض مجهودها الحربي إلى أدناه في المراحل التي تلت الحروب، وعمدت الى التفرغ إلى وضعها الداخلي، وخصوصا الاقتصادي.

واستدلالا بالماضي أيضا، يمكن القول إن اليوم، وبعد نهاية “الحرب على الإرهاب” ومغامرتي العراق وأفغانستان، تتصرف واشنطن بالطريقة نفسها كما فعلت في الماضي: تقوم بتقليص إنفاقها العسكري، وتسريح المشاة، وتخفيض عدد بوارجها وسفنها الحربية، وتأجيل برامج تطوير الأسلحة على غرار تجميدها برنامج صناعة طائرات اف 35 المكلف، وتتفرغ لشؤونها الأخرى الاقتصادية والاجتماعية.
هل يعني ذلك أن أميركا ستنشغل بشؤونها عن شؤون العالم إلى الأبد؟ لا إجابة حاسمة عن ذلك، لكن الإجابة الوحيدة المتوافرة اليوم هي أن أميركا ستبتعد عسكريا عن مناطق العالم حتى اشعار آخر، وهي ان كانت تخطط في يناير 1980 إرسال قواتها الى الخليج، فهي اليوم تنوي سحبهم من الشرق الأوسط.






الثلاثاء، 19 فبراير 2013

الفصل المقبل من المواجهة في سورية بدأ بالفعل: حلفاء جدد لإيران ضد إسلاميين متطرفين

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

فجأة تحول مكتب وزير خارجية الولايات المتحدة في الطبقة السابعة من مبنى الوزارة، الواقع على «شارع سي» في العاصمة الاميركية، الى خلية عمل متخصصة في الموضوع السوري، الذي سيطر على لقاءات وزير الخارجية جون كيري مع امين عام الامم المتحدة بان كي مون، اول من امس، وقبل ذلك مع نظيره الاردني ناصر الجودة.
وعلمت «الراي» ان كيري حاول عبثا الاتصال بنظيره الروسي سيرغي لافروف في هذه الاثناء للحديث حول سورية، بيد ان مساعدي لافروف ردوا بأن الوزير الروسي مشغول وغير متوافر، ووعدوا بالاتصال فور افراغه من مشاغله، ومرت ثلاثة ايام، ولافروف لم يعاود الاتصال بكيري.
وتقول مصادر مطلعة على ما دار في لقاءات كيري وضيوفه الى ان الوزير الاميركي يعتقد ان روسيا هي مفتاح الحل في سورية، وان الرئيس السوري بشار الاسد سيدرك فورا ان من الافضل له البحث عن بدائل لاستمراره في القتال حال معرفته ان موسكو وافقت على خروجه من الحكم وبدء المرحلة الانتقالية «التي من المفترض ان تشمل اعضاء من نظامه من دونه»، وان «يحافظ من سيخلف الاسد على مصالح روسيا في سورية لنيل مباركتها في التخلي عن الاسد»، وهو ما يتطلب، بحسب المصادر نفسها، تمتين العلاقة بين موسكو والمعارضة السورية، وهو ما يسعى كيري الى القيام به.
وانعكس تفكير كيري في تصريحات الناطقة باسم وزارته فكتوريا نولاند التي قالت للصحافيين اول من امس: «تعلمون اننا نبحث عن ارضية مشتركة مع موسكو حول سورية منذ اكثر من عام، واعتقد انه (كيري) مهتم بالحديث (مع لافروف) حول اقتراح ائتلاف المعارضة السورية القائل بأنهم مستعدون للحوار مع اعضاء في النظام».
واضافت نولاند ان كيري «يرغب في تشجيع روسيا على دعم الائتلاف في ذلك».
ويبدو ان استعجال كيري يرتبط بنظرة صارت تسيطر على التفكير الاميركي ومفادها ان الصراع في سورية في طريقه الى فصل جديد سيشهد تراجع الاسد وبعض قوى المعارضة، لمصلحة صعود ايران وحلفاء سوريين جدد لها، من جهة، وقوى اسلامية متطرفة، من جهة اخرى، ما يعني ان مقدرة الروس للتأثير في مجريات الاحداث في سورية ستتقلص، وكذلك مقدرة واشنطن.
وكانت صحيفة «واشنطن» بوست اول من اثار هذه الفرضية، الاسبوع الماضي، وتحدثت عن سعي ايران وحليفها «حزب الله» الى بناء ما يسمى «الجيش الشعبي»، هدفها ان تقاتل «الى جانب القوات الحكومية السورية من اجل ابقاء الاسد في السلطة، لكن المسؤولين يعتقدون ان هدف ايران على المدى الطويل هو ان يكون لديها نشطاء موثوق بهم في حال تفتت البلاد الى جيوب اثنية وطائفية».
في هذا السياق، اعتبر الباحث المتخصص في شؤون سورية ولبنان في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» دايفيد شنكر ان قيام طهران و«حزب الله» بانشاء ميليشيا موالية لهما داخل سورية هو «اعتراف ضمني بأن وضع الاسد بات مهزوزا، وانه على وشك السقوط».
وشكك شنكر في مقابلة اجرتها معه «الراي» تعداد مقاتلي «الجيش الشعبي»، وقال ان رقم 50 الفا، الذي اوردته الصحيفة، لا بد من ان يتضمن قوات «الشبيحة» الموالية للأسد، لكنه اعتبر ان «الاسد لن يكون مسرورا لدى سماعه بأن ايران تشكل مجموعة قتالية موالية لها داخل سورية، من دون المرور به».
شنكر اعتبر ان مصلحة ايران تقتضي بسيطرة حلفائها من السوريين على «مرفأ على الاقل»، في حال انهيار الاسد في دمشق وتراجعه الى جيب علوي شمالي غربي البلاد. وقال ان طهران تحتاج الى سورية من اجل تمرير السلاح الى «حزب الله»، وانه على الرغم من سيطرة هذا الحزب على مطار «رفيق الحريري الدولي» في بيروت، الا ان هذا المرفق ليس آمنا «لهبوط طائرات 747 ايرانية محملة بالاسلحة الايرانية فيه».
كما اعتبر الباحث الاميركي ان المرافئ اللبنانية التي يسيطر عليها «حزب الله» هي عرضة للتفتيش الدولي بموجب القرار 1701 الذي يحظر تسليح الحزب، ما يعني ان استمرار سيطرة حلفاء ايران على مرفأ سوري ذات اهمية بالغة، خصوصا انه لا يوجد في الوقت الحالي اي قرار يحظر تصدير الاسلحة الى سورية.
هل هو صعود فعلا ايران على حساب الاسد، من جهة، وتقدم المجموعات الاسلامية المتطرفة، من جهة اخرى، الذي صار يدفع واشنطن الى محاولة التعجيل في التوصل الى حل بين النظام السوري ومعارضيه يقضي بخروج الاسد من الحكم والبدء بمرحلة انتقالية؟
يصعب الاجابة عن هذا السؤال اميركيا، ولكن الواضح ان الروس يتمسكـون بالاسد ولا يرون ان زمام الامور داخل سورية بدأ يفلت منه، اومن معارضيه، وربما يعتقدون ان المماطلة مع الاميركيين تحسن من موقعهم ومن موقع الاسد التفاوضي، وربما تؤدي في ما بعد الى ابقائه في السلطة، ولكن هذا التقييم يبدو ان موسكو صارت تنفرد به، وان حتى واشنطن وطهران صارتا تعتقدان ان الفصل المقبل من المواجهة في سورية قد بدأ، وان العاصمتين تتسابقان لفرض وقائع جديدة، الاولى عبر الديبلوماسية والثانية عبر «حزب الله» وميليشياتها الجديدة التي تنوي انشاءها داخل سورية.





الخميس، 14 فبراير 2013

لوبارون: القيادة الكويتية لا تثق بـ «الإخوان المسلمين»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

كتب سفير الولايات المتحدة السابق في الكويت ريتشارد لوبارون ان «القيادتين السعودية والكويتية، تتشاركان بقوة، وان ليس بصراحة، وجهة النظر القائلة بأن الاخوان (المسلمين) يجب عدم الوثوق بهم».
لوبارون، الذي عمل سفيرا لبلاده لدى الكويت بين 2004 و2007 وتقاعد من السلك الديبلوماسي العام الماضي، انضم إلى «مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط» التابع لـ «مجلس الاطلسي» بصفة باحث، واصدر دراسة حملت عنوان «الولايات المتحدة ودول الخليج: شركاء غير مؤكدين في منطقة متغيرة».
وجاء في الدراسة ان قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي يختلف موقف قيادتها عن نظرائها في الخليج تجاه الاخوان، فالقيادة القطرية، حسب لوبارون، «عملت منذ مدة بعيدة على انشاء علاقات مع مروحة واسعة من الإسلاميين بمن فيهم اولئك التابعون للاخوان ولحماس».
وتابع لوبارون: «بالنسبة إلى قطر، فان صعود الإسلاميين إلى السلطة عن طريق الانتخابات يمثل فرصة لهذه الدولة الخليجية الصغيرة لبسط نفوذها من خلال دعمها المالي والعقائدي».
«إلا أن دول الخليج، غير قطر، تعتقد بشكل عام ان المد الاخواني مشكلة»، وفق الدراسة.
«مسؤولو الإمارات العربية المتحدة يعتبرون تقريبا اي نوع من التنظيم الإسلامي بمثابة خطر، ليس في الامارات وحدها، وانما في الخليج عموما، ويقولون، على سبيل المثال، ان التظاهرات في الكويت تؤشر إلى مؤامرة منسقة ساهمت في تحفيزها احداث الربيع العربي»، حسب السفير الاميركي السابق.
وكتب لوبارون ان «القادة في الخليج يعتقدون ان الديموقراطية ذات التعددية الحزبية لا تتوافق مع بقاء ملكياتهم».
واضاف انه «على الرغم من ان القيادة في العربية السعودية والكويت والبحرين وعمان لا تنفق الكثير من المجهود على شرح وجهات نظرها السياسية، شنت الامارات وقطر حملات وطنية دفعتهما إلى المسرح العالمي، وقامتا بتبني العولمة والحداثة، فيما رفضتا في الوقت ذاته معظم اشكال التعبير السياسي والمشاركة، واعتبرتا ان (التعبير والمشاركة) غير منسجمين، بل غير ضروريين، لمجتمعيهما».
وختم المسؤول السابق دراسته بتقديم خمس توصيات اعتبر ان من شأنها ان تؤدي إلى تحسين وتمتين العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج. 
وتصدرت توصيات لوبارون اقتراحه بالتوصل إلى اجماع حول كيفية التعامل مع حاجات الدول العربية الاقتصادية في هذه الفترة الانتقالية.
في توصيته الثانية، دعا لوبارون إلى «التوصل إلى اتفاق مفاده ان دعم (الخليج) للعنف واشكال اخرى من التطرف، مثل (تنظيم) القاعدة او سلفيين متطرفين، هو شيء خطير».
وقال لوبارون ان دعم الخليج لهذه التنظيمات من شأنه ان يضع الولايات المتحدة في موقع مواجهة مع الخليج، وان «الخليج والولايات المتحدة مرا بحلقة طويلة من تجريم الآخر بعد 11 سبتمبر، ومن شأن ذلك ان يتفاعل مجددا في حال انكشاف دلائل تشير إلى تورط رسمي او غير رسمي في دعم ارهابيين في دول (عربية) تمر بمراحل انتقالية».
التوصية الثالثة دعا فيها لوبارون إلى اقامة «حديث هادئ ومستمر» بين واشنطن والعواصم الخليجية يتناول «موجة التغيير في المنطقة، وتجلياتها داخل دول الخليج». وقال ان «حوارا من هذا النوع منقطع بين الطرفين، ماعدا بعض المقاربات الخاصة التي يتم التعبير عنها في بعض البيانات العامة، حيث التباين صعب وسوء الفهم هو العادة».
واضاف: «قد يدعي البعض ان حوارات كهذه تمثل تدخلا في شؤون الخليج الداخلية، لكن ادنى المطلوب لسياسة اميركية خارجية وامنية فعالة يتطلب تفادي مفاجآت من شأنها ان تضر بالمصالح الاميركية».
في توصيته الرابعة، كتب لوبارون انه «يجب تأكيد ان اي حل لوقف سعي ايران إلى الاسلحة النووية يأخذ بعين الاعتبار ايضا التهديد المستمر للخليج من ايران وغير المتعلق بأسلحة الدمار الشامل».
وتابع: «ان الفشل في ذلك يساهم في تعزيز الرواية، التي تسببت بها حرب العراق، والقائلة بأن الولايات المتحدة دعمت صعود الشيعة من اجل ابقاء السنة في مرحلة عدم توازن».
وختم لوبارون توصياته بالدعوة إلى النظر إلى ما تحتاجه «علاقة امنية متينة وطويلة الأمد».

الأربعاء، 13 فبراير 2013

اوباما: سنفعل ما هو ضروري لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

اقل من خمس دقائق من اصل ستين خصصها الرئيس باراك اوباما لسياسته الخارجية في خطابه السنوي الخامس عن «حال الاتحاد» امام الكونغرس، اول من امس. 
تصدرت اولويات اوباما في السياسة الخارجية موضوع خفض القوات الاميركية في افغانستان بواقع 34 الف جندي، ثم حديثه عن مواجهة وهزيمة «تنظيم القاعدة»، فتطرقه الى تجربة كوريا الشمالية النووية، ثم تعهده منع ايران من حيازة اسلحة نووية، فالوعد بابقاء الضغط على بشار الاسد في سورية، فتكرار لازمة دعم اسرائيل.
وكان لافتا ان اوباما كان متساهلا مع الكوريين الشماليين حيال تجربتهم السلاح النووي، معتبرا ان هذه التجارب ستساهم فقط في عزل النظام الكوري الشمالي عن العالم.
وقال اوباما: «اميركا ستستمر في قيادة المجهود لمنع انتشار اخطر اسلحة في العالم، وعلى النظام في كوريا الشمالية ان يعرف انه سيدرك الامن والبحبوحة فقط عندما يلتزم بتعهداته الدولية». واضاف: «ان الاستفزازات التي رأيناها امس (الاثنين) ستؤدي فقط الى المزيد من العزلة لهم». 
وتابع الرئيس الاميركي: «كذلك قادة ايران، عليهم ان يدركوا ان الآن هو وقت الحل الديبلوماسي، لان تحالفا (دوليا) يقف موحدا في مطالبتهم بالالتزام بتعهداتهم، وسنفعل ما هو ضروري لمنعهم من الحصول على سلاح نووي». 
في الشرق الاوسط، يقول اوباما، «سنقف مع المواطنين في مطالبهم للحقوق العالمية، وسندعم انتقال مستقر نحو الديموقراطية»، واضاف: «نحن نعرف ان العملية ستكون فوضوية، ولا يمكننا ان نملي مسار التغيير في دول مثل مصر، لكن يمكننا وسوف نصر على احترام الحقوق الاساسية لكل انسان».
وتطرق الرئيس الاميركي لماما الى الوضع في سورية فقال: «سنبقي الضغط على نظام سوري يرتكب الجرائم بحق شعبه، وسندعم قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق كل سوري».
وبشكل مقتضب اكثر، تحدث اوباما عن العملية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وقال: «سنقف بثبات مع اسرائيل في سعيها الى الامن والى سلام دائم». 
واوضح: «هذه هي الرسائل التي سأنقلها الى الشرق الاوسط عندما اسافر الى هناك الشهر المقبل»، مضيفا ان «كل هذا العمل يعتمد على شجاعة وتضحية اولئك ممن يخدمون في الاماكن الخطيرة ويعرضون انفسهم لمخاطر شخصية عظيمة: ديبلوماسيينا، ضباط استخباراتنا، والرجال والنساء في قواتنا المسلحة».
ومن المتوقع ان يزور اوباما اسرائيل، للمرة الاولى منذ انتخابه رئيسا قبل خمس سنوات، الشهر المقبل. وستشمل زيارته زيارة الى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والى الاردن.
وقال الرئيس الاميركي: «طالما انا القائد الاعلى للقوات المسلحة، سنحافظ على اقوى قوة عسكرية في العالم».

الباحث طوني بدران لـ «الراي»: النظام السوري يرفض الحوار... ورد على الخطيب بإحراق بيته

| نيويورك - «الراي» |

شكك باحثون بارزون في واشنطن في جدوى الدعوة الى الحوار في سورية التي اطلقها رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب ودعمتها الامم المتحدة التي كرر امينها العام بان كي مون هذا الموقف في ندوة حوارية عقدها «مجلس العلاقات الخارجية» اول من امس.
وقال كبير الباحثين في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» طوني بدران في تصريح لـ «الراي» على هامش الندوة ان «من المتوقع ان يدعو بان كي مون الى الحوار، فهذه وظيفته، لكن السؤال يتعلق بالاحتمالات الواقعية لنجاح الحوار وبرغبة كل من الطرفين للخوض فيه». 
واضاف بدران: «نحن لا نعرف بالضبط ما دوافع الخطيب للمبادرة الى الحوار، ولكننا نعرف موقف النظام من هذه الدعوة، خصوصا بعدما قام باحراق بيت الخطيب في دمشق، ورفض اطلاق سراح السجناء السياسيين».
ورجح بدران ان يكون سبب رفض النظام هو اصراره على الحوار بشروطه، و«اعتبار (الرئيس السوري بشار) الاسد ان الخطيب هو دمية، وان الاسد يريد حوار من يعتبرهم اسياد الخطيب». 
وقال انه «يمكن للأسد الانتقاص من دعوة الخطيب بارساله مسؤولين من الدرجة الثانية في النظام»، مضيفا ان «الخطيب يقول ان مبادرته هي لرحيل الاسد، ولكن من يعتقد انه بعد عامين على الجرائم الدموية سيقوم الاسد بتوضيب اغراضه والرحيل، فهذا ضرب من الخيال».
بدوره، اعتبر البروفسور السوري في جامعة اوهايو عمر العظم ان «المعارضة قالت نعم للحوار، لكنه سيكون حوارا على رحيل الاسد وعلى مرحلة مابعد الاسد، وليس على اطالة عمر نظامه وبقائه واشراكه في الحكم، وهذا يختلف عن شرط رحيله قبل بدء الحوار». 
وقال العظم لـ «الراي» ان غالبية السوريين «يفضلون الحل السياسي على الحسم العسكري لأن الحسم يعني هزيمة طرف، ويؤدي الى ردة فعل في المستقبل وانتقام المهزوم، ما يعني الدخول في حلقة مفرغة من العنف».
واوضح العظم: «لذا المخرج هو حل سياسي، وهذا يحتاج الى جهوزية الطرفين، والنظام غير جاهز لان من وجهة نظره لا يرى نفسه مهزوما، ويعتقد ان لديه ترسانة من السلاح لم يستخدمها بعد، ولديه دعم روسيا وايران والصين، وهو لم يخسر السيطرة بالكامل على واي مدينة حتى الآن».
وكان بان كي مون قد اعتبر ان لا «حل عسكريا في سورية»، داعيا «الطرفين الى التوقف عن القتال من دون شروط»، والى «تغليب الديبلوماسية والحوار على الوسائل العسكرية». كما دعا «دول العالم الى عدم تزويد اي من الطرفين بالسلاح»، واعتبر ان «لدى السوريين حاليا نافذة امل صغيرة للبدء بالحوار». 
وقال بان كي مون في الندوة التي ادارتها الاعلامية كريستيان امانبور، انه توقف عن عد الايام والساعات في سورية، بل صار يقيسها بعدد الضحايا الذي يتزايد يوميا.


هل كانت “الحرب الباردة” باردة فعلا؟

حسين عبدالحسين

“إذا فشلت محاولات الردع، يمكن لاستخدامنا الأسلحة النووية أن يرسل إشارة إلى موسكو إن أميركا مصممة على حماية الخليج”، يكتب مساعد وزير الدفاع لشؤون السياسة العامة بوب كومر في دراسة في ديسمبر (كانون الأول) من العام 1980.
الدراسة جاءت على اثر اجتياح السوفيات لأفغانستان وسقوط الشاه رضا بهلوي، حليف أميركا، وخوف واشنطن من أن تحاول موسكو اجتياح ايران. وتظهر الدراسة أن القوات الروسية كانت توجه صواريخها نحو الخليج، وان الترسانة الروسية كانت تتضمن 152 صاروخا تكتيكيا يمكنها حمل رؤوس نووية، و300 قذيفة مدفعية نووية، و283 مقاتلة قادرة على استخدام قنابل نووية ضخمة.
أما الخطة الأميركية، فكانت تقضي باستخدام القوة النووية المحدودة للتسبب بإغلاق المعابر الجبلية عبر سلسلة زغروس لمنع القوات الروسية من التقدم، ثم قصف القوات الروسية نوويا في حال دخلت ايران، ثم شن هجوم كامل على القيادة النووية السوفياتية في القوقاز وتدميرها ان اقتضى الأمر. أما خوف اميركا الأكبر، فكان من أن تؤدي مواجهة من تلك النوع الى حرب نووية شاملة بين البلدين.
في إيران 1980، كما في أزمة صواريخ كوبا 1962، وأزمات أخرى حول العالم، تصبب كل من الأميركيين والسوفيات عرقا، مرارا، خوفا من القيام بخطأ حسابي يؤدي الى اندلاع مواجهة نووية مميتة بينهما. صحيح انه كان بين العاصمتين “خطا ساخنا” لتدارك أي تصعيد ووقفه قبل اندلاع حرب نووية، الا أن ذلك لم يمنع من وقوع مباريات “عض أصابع” بين الجبارين.
تلك كانت “الحرب الباردة”، والتي حتى لو كان اسمها يشي بأنها كانت بليدة ومملة، لكنها في الواقع كادت تتحول ساخنة مرات عديدة.
تلك الحرب التي كانت مبنية على “سياسة الردع” بين الطرفين، وعلى سياسة أميركا القاضية بـ”احتواء” الخطر السوفياتي بدلا من مواجهته مباشرة، هي النموذج التي يقترح كثيرون استعادته في تعامل واشنطن، والمجتمع الدولي عموما، مع إيران، اي السماح لطهران بانتاج أسلحة نووية، ومن ثم “ردعها”.
والمفارقة أن كبار الدعاة الى “حرب باردة” بين العالم وإيران كانوا من قياديي “الحرب الباردة” في واشنطن، من أمثال مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريزينسكي، وهم يعلمون، أكثر من غيرهم، ان تلك الحرب لم تكن باردة جدا.
و”ردع” أو “احتواء” ايران النووية يصبح أكثر تعقيدا بسبب ضيق المساحة الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط.
ففي حالة أميركا وروسيا، يأخذ الصاروخ الباليستي النووي العابر للقارات قرابة 45 دقيقة لبلوغ هدفه، وهو ما يعطي الدفاع وقتا كافيا للتنبه واطلاق صواريخ نووية بالاتجاه المعاكس، ما يعني انه لو بادر الروس مثلا إلى تسديد الضربة النووية الأولى لأميركا، لكانت أميركا قادرة على الرد بضربة مثلها، وهذا اساس “مبدأ الردع”.
كذلك كان يمكن للروس، أو الأميركيين، التراجع عن هجومهم فيما صواريخهم في الجو في مدة الـ45 دقيقة، وتغيير توجيه هذه الصواريخ النووية الى المحيطات بدلا من ذلك.
أما في حالة ايران، فلو فرضنا أنها أو إسرائيل أرادت تسديد الضربة النووية الأولى، فإن الصاروخ يصل الى هدفه في أقل من سبع دقائق، ولو اعتبرنا أن أي دولة خليجية اقدمت على اقتناء صواريخ نووية لردع ايران، فإن المدة ستكون اقصر من ذلك، ما يعني ان لا وقت لتغيير الهدف، وان العصبية ستكون زائدة، لأنه لن يكون هناك متسع من الوقت لمبادلة الضربة الايرانية بضربة معاكسة، ما يعني أن التوتر سيكون أكبر، وأن الاصبع على زناد الأسلحة النووية سيكون اكثر اضطرابا، خصوصا في منطقة لا تنتهي فيها المواجهات الساخنة اليومية.
إن “الحرب الباردة” بين اميركا وروسيا لم تكن على ذلك القدر من البرودة، ولا شك أن محاولة تبني حرب نووية مشابهة في الشرق الأوسط ستكون اصعب واكثر عرضة للتسبب بدمار شامل، وهو ما يجعل من فكرة حصول نظام ايران على أسلحة نووية، ثم “ردعها” فيما بعد، فكرة لا تلقى استحسانا لدى الكثيرين من الخبراء الاستراتيجيين حول العالم.

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

طهران تملك 135 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بينما تحتاج القنبلة النووية إلى 225 كيلوغراماً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

تتضارب الرسائل الايجابية والسلبية بين واشنطن وطهران، فبينما دعا نائب الرئيس الاميركي جو بيدن الى حوار مع نظام ايران وعبّر وزير الخارجية الايراني علي صالحي عن تفاؤله حول المفاوضات النووية المقررة في 26 الجاري، اطل مرشد الثورة علي خامنئي ليحكم سلفا بان الحوار مع الغرب عقيم، فيما اتخذ الرئيس محمود احمدي نجاد موقفا بين الاثنين بقوله ان الغرب «اصلح لهجته» ولكن لا حوار قبل ازالة «الاسلحة عن جبين الشعب الايراني».

بدورها، استغلت واشنطن حادثة ضبط السلطات اليمنية سفينة «جيهان» المحملة باربعين طنا من الاسلحة الايرانية والمتجهة الى المتمردين الحوثيين في شمالي البلاد، فأثنت وزارة الخارجية الاميركية على الحكومة اليمنية لما وصفته «نجاحا» في «مواجهة التهديدات لسيادة (اليمن)، ولعمليته السياسية الانتقالية، ولاستقرار المنطقة»، واعلنت دعم طلب اليمن من مجلس الامن ارسال بعثة دولية للتحقيق، والتأكد من ان ايران تلتزم بالعقوبات الدولية المفروضة عليها والقاضية بمنعها من تصدير اي اسلحة.

عن سر التضارب في الموقف الايراني حول المفاوضات، اعتبر الباحث الاميركي من اصل ايراني في «معهد كارنيغي للسلام» كريم سادجادبور ان «احد ابرز التحديات امام واشنطن في التعامل مع ايران يكمن في ان الايرانيين الذين يودون الحوار، من امثال صالحي وربما احمدي نجاد، لا يمكنهم تقديم اي شيء، فيما اولئك الذين يمكنهم تقديم شيء، كخامنئي، لا يريدون الحوار مع اميركا».

وقال سادجادبور في مقابلة اجرتها معه «الراي» انه «ليس غريبا ان تقوم الديكتاتوريات الشرق اوسطية بتعيين وزراء خارجية لبقين ويتحدثون الانكليزية بهدف تقديم صورة جيدة امام العالم». واضاف: «نظام صدام كان لديه طارق عزيز، ومعمر القذافي كان لديه موسى كوسى، وايران اليوم لديها صالحي». وتابع ان شخصيات كهذه «لا تعكس واقع حكوماتها، وليس لديها اي سلطة في الملفات المهمة، ووظيفتها الوحيدة خداع العالم».

واعتبر سادجادبور ان القرار الايراني بيد خامنئي ودائرة صغيرة تحيط به، وان شخصيات حكومية كصالحي من الممكن انهم لا يعرفون تفاصيل البرنامج النووي الايراني، وان صالحي «يتمتع بالذكاء الكافي ليعرف ان السياسات الايرانية التي يذهب الى الخارج للدفاع عنها، وخصوصا سجل ايران المزري في حقوق الانسان، هي قضايا لا يمكن الدفاع عنها»، كما «اشك ان يكون صالحي من المؤمنين بأن ايران يجب ان يحكمها مرشد اعلى يدعي انه ممثل الرسول على الارض... ولكني اعتقد ان صالحي يبرر دوره باسم وطنيته».

في هذه الاثناء، تعكف دوائر القرار في الادارة الاميركية على دراسة «كل السيناريوات الممكنة» لجلسة الحوار المقبلة بين دول مجلس الامن والمانيا، من جهة، وايران، من جهة اخرى، والمقرر عقدها في كازاخستان في 26 من الشهر الجاري، خصوصا على اثر ابلاغ طهران وكالة الطاقة الذرية، قبل اسبوع، نيتها تحديث اجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز الدولي، الامر الذي دفع برئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، اول من امس، الى اعتبار ان طهران قلصت المدة الزمنية المطلوبة للتوصل الى صناعة قنبلة نووية بنحو الثلث.

على ان خبراء اميركيين رفضوا الربط بين تحديث اجهزة الطرد الايرانية والتسريع في صناعة القنبلة النووية. 

وقالت الباحثة في «معهد العلوم والامن الدولي» كريستينا والروند ان «ايران اعلنت نيتها تركيب اجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز لتخصيب الوقود، وهو منشأة تحت الارض ولكنها ليست محصنة بعمق مثل مفاعل فوردو لتخصيب الوقود».

وقالت والروند لـ «الراي» ان «ايران تستخدم نطنز حصريا لتخصيب اليورانيوم الى درجة 5 في المئة» وانه على الرغم من انه يوجد في نطنز منشأة قريبة فوق الارض فيها جهازان يمكنها التخصيب الى درجة 20 في المئة، لكن «على حد علمي، لم يصرح الايرانيون انهم ينوون استخدام هذين الجهازين المتطورين للبدء بانتاج مادة مخصبة بدرجة 20 في المئة في هذه المنشأة».

«الراي» سألت والروند عن اين اصبح المجهود الايراني في التخصيب، فاجابت الخبيرة الاميركية بالقول انه حسب التقرير الفصلي، الذي يصدر كل ثلاثة اشهر عن وكالة الطاقة، بلغ مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة 134 كيلوغراما و900 غراما في شهر نوفمبر الماضي. 

واضافت: «هذه الكمية لا تتضمن اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة الذي ارسلته ايران الى منشأة التحويل في اصفهان لتحويله الى يورانيوم مؤكسد (على شكل قضبان للطاقة)، او كمية اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة الذي تقوم ايران بتخفيض درجة تخصيبه».

كم من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة تحتاج ايران لتخصيبه الى درجات اعلى لانتاج قنبلة نووية؟ تقول والروند انه «يصعب الاجابة لانها تعتمد على عوامل متعددة، ولكن معهد العلوم والامن الدولي يقدّر ان ايران تحتاج الى 225 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة لانتاج المطلوب لصناعة قنبلة واحدة».

الاثنين، 11 فبراير 2013

الجمهوريون يحاولون عرقلة المصادقة على تعيين هيغل والنتيجة في أفضل الأحوال وزير دفاع ضعيف

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

حتى لو صادقت «لجنة الشؤون المسلحة» في مجلس الشيوخ اليوم على تعيين تشاك هيغل وزيرا للدفاع، من غير المضمون ان تمر المصادقة على تعيينه بسهولة في الهيئة العامة لمجلس الشيوخ، وهو ما ينذر بأن هيغل، حتى لو تجاوز عقبة المصادقة في الهيئة العامة ايضا، سيمضي ولايته وزيرا ضعيفا في علاقته مع الكونغرس، في وقت تستعد ادارة اوباما الديموقراطية لمواجهات مقبلة مع الجمهوريين حول موازنة وزارة الدفاع والوزارات الاخرى.
هيغل تلقى حتى الآن صفعات سياسية واعلامية متعددة، فالمصادقة على تعيينه في اللجنة كان من المقرر حصولها الثلاثاء الماضي، الا ان رئيس اللجنة السناتور الديموقراطي كارل ليفين قام بتأجيلها بعدما اعلن كل الاعضاء الجمهوريين، والبالغ عددهم 12، معارضتهم على التصويت لاحالة الترشيح الى الهيئة العامة للمصادقة النهائية عليه.
وهذا يعني انه لو قيض للجمهوريين اقتناص احد الاعضاء الديموقراطيين البالغ عددهم 13 (بسبب سيطرة الحزب الديموقراطي على غالبية 55 - 45 في مجلس الشيوخ)، لكان نجح الجمهوريون في نسف تعيين هيغل من اساسه.
الجمهوريون عللوا معارضتهم لهيغل بالقول انه لم يقدم عددا من بيانات ابراء الذمة المالية التي طلبها بعض الاعضاء منه. ومنذ ذلك الحين، قدم هيغل معظم البيانات المطلوبة، وارسل العاملون في اللجنة من الجمهوريين رسائل بالبريد الالكتروني الى الاعضاء في حزبهم بأنه تم استيفاء البيانات.
لكن يبدو ان «وراء الاكمة ما وراءها»، وان موضوع البيانات المالية كان للتأخير فقط، فيوم اول من امس، اطل السناتور الجمهوري ليندسي غراهام ليعلن، عبر احد حوارات الاحد الصباحية المتلفزة، معارضته ترشيح هيغل، وليلوح بعرقلته، مطالبا اوباما بكشف كل ما كان يفعله يوم 11 سبتمبر الماضي، يوم وقوع الاعتداء على القنصلية الاميركية في بنغازي، والذي ادى الى مقتل اربعة اميركيين بينهم السفير كريس ستيفنز. 
وقال غراهام ان بوده ان يعلم ان كان اوباما تابع احداث الهجوم وقت وقوعه، وان كان توجه بالحديث الى السلطات الليبية مباشرة لمطالبتها بتأمين الحماية للاميركيين واخراجهم من القنصلية. 
وقال غراهام: «لا مصادقة (على تعيين هيغل والمرشح الى منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه جون بيرونان) من دون هذه المعلومات»،، مقتبسا عبارة نائب الرئيس جو بيدن عندما كان سيناتورا، وعندما عارض ترشيح الرئيس السابق جورج بوش لجون بولتون موفدا لبلاده في الامم المتحدة.
وفي وقت لاحق، كرر كبير الجمهوريين في «لجنة الشؤون المسلحة» السناتور جايمس انهوف معارضته تعيين هيغل، ولكنه اضاف اليها هذه المرة نيته طلب التصويت للمصادقة، نظرا لاهميتها على حد قوله، بـ 60 عضوا بدلا من 51. 
ونظرا الى ان هيغل، السناتور السابق، يحوز على موافقة زميلين سابقين له من الجمهوريين، يصبح رصيده النهائي 57 صوتا، ما يسمح للجمهوريين من امثال انهوف باستخدام حق التعطيل (فيليبستر) ونسف التعيين.
كذلك، كرر السناتور الجمهوري المخضرم جون ماكين معارضته للتصويت ايجابا للمصادقة على تعيين هيغل، معتبرا ان الاخير اخطأ عندما صوت في مجلس الشيوخ ضد «خطة زيادة القوات» في العراق. 
بيد ان ماكين سبق ان استبعد امكانية استخدام حزبه للـ (فيليبستر)، وقال انه لا يجب ان يخلق حزبه سابقة بتعطيل تعيين وزير الدفاع لاول مرة في تاريخ البلاد.
ومع انه يمكن للسناتور ليفين ان يمرر تعيين هيغل باكثرية الاصوات الديموقراطية في اللجنة، الا انه يدرك ان وزيرا للدفاع من دون اي صوت جمهوري سيكون له انعكاسات سلبية في المستقبل، وسيخالف العرف داخل اللجنة القاضي غالبا بالتصويت باكثرية تتشكل من الحزبين.
في السياق نفسه، يبدو ان ادارة اوباما تواجه مأزقا سياسيا في حصولها على المصادقة لتعيين برينان. ومع ان اداء الاخير في جلسة الاستماع في «لجنة الاستخبارات» كان افضل باشواط من اداء هيغل الضعيف، الا ان ارتباط اسم برينان ببرنامج تصفية زعماء تنظيم «القاعدة» حول العالم بطائرات من دون طيار، صارت تثير مشكلة لتعيينه.
ومنذ جلسة استماع برينان الخميس الماضي وحتى يوم امس، اجتاح الاعلام الاميركي نقاش عاصف حول شرعية استخدام هذه الطائرات بموافقة الحكومة وحدها، ومن دون رقابة او موافقة اي سلطة قضائية.
صحيفة «شيكاغو تريبيون» عنونت افتتاحيتها، اول من امس، «دفاعا عن الطائرات بلا طيار»، وكتبت ان «طبقة اضافية من الرقابة تقلص من فوائد عنصر الفورية والمفاجأة: لا نريد ان يأمل مشغلو الطائرات بلا طيار بأن ينتظر هدفهم الارهابي على السطح في باكستان فيما محكمة في واشنطن تناقش جدوى تصفيته».
الا ان السناتور المستقل اغنس كينغ رد في اطلالة تلفزيونية على هذه الافتتاحية بالقول ان «هذه الضربات يتم التخطيط لها على الاقل قبل اسبوع بعدما يتم التأكد من ان الشخص هو عدو للولايات المتحدة». واضاف كينغ: «انا اعتقد ان لدينا المتسع من الوقت للحصول على حكم قضائي قبل تصفية هؤلاء». 
ووافق كينغ السناتور الجمهوري راند بول، الذي قال في اطلالة مشابهة، ان «التعديل الخامس من الدستور يقول انه لا يجوز حرمان اي شخص من الحياة او الحرية او الملكية من دون محاكمة قانونية».
وختم كينغ ان المشكلة في استخدام هذه الطائرات هي ان السلطة التنفيذية تلعب دور السلطة القضائية كذلك، وهو امر يتناقض مع مبدأ فصل السلطات، وهو يعني ان «الرئيس، كائنا من كان، هو الجلاد وهو هيئة المحلفين وهو القاضي في الوقت نفسه».

Since December 2008