الأحد، 31 ديسمبر 2017

واشنطن تختار «الحرب الباردة» ضد طهران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

رغم النبرة الأميركية العالية المترافقة مع تحذيرات وتهديدات ضد إيران، تؤكد مصادر مطلعة في واشنطن أن سياسة إدارة دونالد ترامب تجاه طهران هي نوع من «الحرب الباردة»، التي تستند إلى إستراتيجية مواجهة طويلة الأمد وليست مباشرة.
وأشارت تقارير في العاصمة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل وقعتا «وثيقة تفاهم استراتيجية» في 12 ديسمبر الجاري، تهدف إلى مواجهة ايران في المنطقة. 
وفي هذا السياق، ذكر موقع «آكسيوس»، المعروف بصلاته الوثيقة داخل الادارة، أن سلسلة لقاءات مكثفة عقدها في البيت الابيض مسؤولون أميركيون، برئاسة مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، مع نظرائهم الاسرائيليين، برئاسة مستشارهم للأمن القومي مائير بن شابات.
وكان هدف اللقاءات وضع سياسة الرئيس دونالد ترامب حول إيران، التي أعلنها في خطاب في 13 أكتوبر الماضي، موضع التنفيذ، وأفضت إلى توقيع مذكرة تفاهم لاستراتيجية مشتركة مبنية على أربع نقاط، تتصدرها ضرورة تفعيل النشاطات السرية والديبلوماسية لقطع طريق إيران في سعيها للحصول على أسلحة نووية، واستغلال الاتفاقية النووية الحالية مع الإيرانيين للتأكد من أنهم لا يقومون بأي خرق لبنودها. 
ثاني نقاط الاستراتيجية المشتركة تمحورت حول «مواجهة نشاطات إيران في المنطقة، خصوصاً محاولاتها إقامة خنادق لها في سورية، والدعم الايراني لـ (حزب الله) ومجموعات إرهابية أخرى». وورد في الاستراتيجية أن هذه النقطة تتضمن تقديم «سياسة أميركية - إسرائيلية لكيفية التعاطي مع اليوم الثاني (لانتهاء) الحرب الاهلية في سورية».
ثالث النقاط تطرقت إلى مواجهة برنامج إيران للصواريخ البالستية، ومحاولات طهران تصنيع «صواريخ تتمتع بدقة ويمكن توجيهها عن بعد في لبنان وسورية، وذلك لاستخدامها ضد إسرائيل».
أما النقطة الرابعة والأخيرة في الاستراتيجية الاميركية - الاسرائيلية فدعت إلى إعداد سيناريوهات عسكرية مشتركة لمواجهة إمكانيات التصعيد المتعددة في المنطقة، سواء في إيران أو سورية، أو في مواجهة «حزب الله» في لبنان أو «حماس» في غزة.
والاستراتيجية المشتركة تؤكد الانطباع العام السائد، بين المقربين من الادارة الاميركية، ان سياسة واشنطن، في عهد ترامب تجاه طهران، هي نوع من «الحرب الباردة»، وأنه على عكس التهديدات التي يوجهها الرئيس الاميركي لإيران، بين الحين والآخر، لا تبدو إدارته في عجلة من أمرها للانخراط في مواجهة عسكرية مسلحة مع الجمهورية الاسلامية، بل تبدو، بقيادة وزيري الدفاع والخارجية جيمس ماتيس وريكس تيلرسون، عاكفة على تصميم مواجهة طويلة الأمد مع طهران، والتغلب عليها بالأسلوب نفسه الذي تغلبت فيه الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي، بعد عقود من المواجهة بينهما ومن دون الانخراط في صراع عسكري مباشر.
وكان ترامب وقع مرسوم تسليح المعارضة السورية بمبلغ ناهز 400 مليون دولار، في خطوة اعتبر المراقبون أنها أولى الخطوات في «الحرب بالوكالة» المتوقعة بين واشنطن وطهران، وهي حرب ستغطي رقعة جغرافية واسعة ومتنوعة، وستتضمن، إلى «المواجهات بالوكالة»، مواجهات استخباراتية وعسكرية سرية، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية والمالية التقليدية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران وحلفائها حول العالم.
ومع اندلاع التظاهرات المناوئة للنظام في إيران، دار نقاش في الأوساط الأميركية حول تجربة الإيرانيين مع «الثورة الخضراء» في العام 2009، أظهر وجود إجماع أميركي على توجيه اللوم إلى الرئيس السابق باراك أوباما، لتغاضيه عن قيام النظام بسحق الثورة الشعبية الواعدة، التي كان يمكن لها، حسب البعض، أن تقوّض الحكومة المتشددة وأن تستبدلها بأخرى معتدلة.

السبت، 30 ديسمبر 2017

عن الأيام الثمانية بين الميلاد ورأس السنة

حسين عبدالحسين

قد يكون مسجد "قبة الصخرة" في القدس من أشهر المباني العالمية، وهو عبارة عن بناء مثمّن الأضلاع، على رأسه قبّة تظلل بدورها صخرة، يسميها المسلمون صخرة المعراج، ويعتقدون ان فيها أثر قدم الرسول في آخر خطوة له قبل عروجه الى السماء. المسيحيون، بدورهم، يعتقدون أن الأثر نفسه هو أثر القدم اليسرى للسيد المسيح، قبيل ارتقائه الى السماء، بعد 40 يوماً من قيامه بعد الصلب. ومسجد قبة الصخرة بناه الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان في العام 695 للميلاد.

لكن إذا كانت الصخرة تحت "قبة الصخرة" هي قدم المسيح اليُسرى، فأين اليُمنى؟ بحسب التقليد المسيحي، فإن أثر القدم اليمنى ما زال في موضع صعود المسيح الى السماء، أي تحت قبة "كنيسة الصعود"، وهذا بناء مثمّن الأضلاع أيضاً، يشبه في تصميمه مسجد "قبة الصخرة" الى حد بعيد، لكنه أكثر تواضعاً، وأصغر حجماً.

وتقول الروايات المتواترة ان والدة الامبراطور البيزنطي، قسطنطين الكبير، الذي أعلن المسيحية ديناً للامبراطورية ونقل عاصمتها من روما الى القسطنطينية - اسطنبول، هي التي بنت "كنيسة الصعود" في العام 392 ميلادية، ثم رممها الصليبيون في القرن الثاني عشر للميلاد.

ما يهمنا في تشابه تصميم المبنَيين وتشابه الأسطورة المرافقة لهما، قدَم محمد ومعراجه الى السماء من مسجد "قبة الصخرة"، وقدم المسيح وصعوده الى السماء من كنيسة فيها قبة تظلل صخرة كذلك، هو عدد الأضلاع لكل منهما: ثمانية.

ومثمّن الأضلاع هو شكل أحد أشهر المباني الأثرية في كرخ بغداد، في مقبرة السيدة زبيدة أو السيدة زمرد خاتون. ويختلف المؤرخون على هوية صاحبة الضريح، فيعتبر البعض انه يعود الى زبيدة، زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد. ويرى البعض الآخر أنه قبر زمرد خاتون، والدة الخليفة الناصر لدين الله. وتعلو القبر العراقي، قبة تشبه البرج، وتشبه البرج الذي يعلو قبر النبي دانيال جنوبي إيران. ودانيال من أنبياء اليهود، حسب العهد القديم، وهو عاش في بابل في القرن السادس قبل الميلاد، وتنبأ بسقوط نبونعيد، آخر ملوك ما بين النهرين.

ولبرج قبر زبيدة قصة ترتبط ببابل وبرجها، لكن ما يهمنا هنا هو القاعدة المثمّنة. أما أهم ما اشتهرت به زبيدة، فكان قيامها برعاية طريق الحج العراقي بنصبها محطات استراحة فيها مياه، لذا تم إطلاق اسم "درب زبيدة" على هذا الطريق.

واسم زبيدة في العراق يساوي اسم زنوبيا او زينب في بلاد الشام، وهو ما قد يفسر كيف تحولت عين الماء في قرية راوية، جنوبي دمشق، الى ضريح السيدة زينب اليوم، أي ارتباط زبيدة وزينب بعملية الري ومنح الحياة. وفي الآية 30 من سورة الانبياء "وجعلنا من الماء كل شيء حي".

هذه المقدمة الطويلة لربط عملية منح الحياة بالري، كما في بغداد ودمشق، والقيامة من الموت والصعود الى السماء، كما في القدس، القاسم المشترك الأبرز بين عناصرها هو الرقم ثمانية.

والرقم ثمانية لا يرمز الى الميلاد الأول، بل الى الميلاد الثاني بعد القيام من الموت. ولأن الله خلق الكون في ستة أيام، واستوى على العرش في اليوم السابع، يصبح اليوم الثامن رمز بداية الحياة الجديدة، حياة القيامة ما بعد الموت، ومعها الصعود الى السماء أو المعراج. ولأن المسيحية تتمحور حول القيامة والعودة الى الحياة بعد الصلب، يقدّس المسيحيون اسم الرب في "اليوم الثامن"، اي اليوم الأول من الأسبوع التالي، أو يوم الأحد.

وكان الرومان لا يهنأون بميلاد طفل إلا في اليوم الثامن لميلاده، الذي كان يعتبرونه يوم ميلاده الفعلي. وثمانية أيام تفصل يوم ميلاد المسيح عن ميلاد الشمس في سنة جديدة، اي رأس السنة. ويحتفل اليهود بعيد هانوكه (ضاع اللفظ السامي الفعلي وقد يكون حانقوه او غير ذلك) باضاءتهم ثماني شُموع، واحدة كل يوم. على ان التقليد اليهودي لم يُضِع لفظ اسم التقليد فحسب، بل اضاع كذلك الأسطورة الأصلية التي يرجح أنها كانت مرافقة له. يهود اليوم، يحتفلون بمعجزة بقاء زيت الإنارة يشتعل لثمانية ايام، ليسمح لجيش اسرائيلي بالتغلب على خصومه، لكن الأرجح أن هذه أسطورة تمت صناعتها لاحقاً، واستبدلت سابقة متعلقة بالحياة بعد الموت. ويصادف هانوكه غالباً في فترة الميلاد المسيحي.

لماذا اختار الأقدمون، الرقم ثمانية للرمز الى الحياة الثانية والصعود الى السماء؟ لا يمكن الإجابة الا بالتكهن. اما ابرز ما يتبادر الى ذهن الباحث، عند دراسة رمزية الأرقام لدى القدماء، فهو النظر الى الكواكب ومجموعات النجوم. فقد ربطوا الرقم خمسة بكوكب الزهرة ومفهوم القوة، وربطوا عُطارد الأقرب الى الشمس بأسطورة الإله الأقرب الى الإله الأعلى، وهو ما يعطي الكوكب ورقمه، أي ستة، رمزاً رسولياً.

والخوض في كيفية ربط الأرقام بالكواكب، يحتاج الى تفصيل لا مجال للتوسع فيه هنا، لكن من نافل القول أنه يمكن ترجيح ارتباط الرقم ثمانية بالكوكبة المعروفة بـ"الجبّار" عند العرب، وبـ"أوريون" لدى اليونان، وهي مؤلفة من ثماني نجوم، مرتبة على شكل الرقم 8.

هذه الكوكبة هي من الكواكب شبه دائمة الحضور في السماء، بسبب البُعد الهائل لنجومها عن الأرض، ما يقلص تأثير حركة الأرض في رؤيتها ويجعلها أكثر حضوراً، على غرار "الدب الأصغر" و"الدب الأكبر"، الحاضرَين دائماً بسبب تمركزهما فوق القطب الشمالي، ما يعني انه كيفما تحركت الأرض، يمكن لسكان النصف الشمالي رؤية هذه الكوكبة، وتالياً الاسترشاد بها اثناء السفر بسبب حضورها الدائم.

و"الجبّار" هذا على حضوره شبه الدائم، يغيب احياناً، ويعود، وهو ما دفع الأقدمين الى ربطه بقصص الإله الذي يعود من الموت، على غرار دموزي البابلي وأدونيس الفينيقي.

والمعلومات عن "الجبّار" شحيحة، وتأتي من مصادر غير إسلامية، مثل القديس يوحنا الدمشقي، العامل في بلاط الأمويين، الذي كتب أن العرب كانوا يعبدون إلهاً اسمه "جبّار". وهو كلام، إن صحّ، قد يفسر الهندسة الأموية المثمنة في "قبة الصخرة". ولا شك أن الصخرة سابقة للبناء والقبة، ويمكن ان تكون حازت اهتماماً كصخرة صعود الى السماء قبل بناء المسجد، وأن المسجد شُيد أصلاً لتكريس اهميتها، ثم تغيرت الأسطورة المرافقة الى حكاية المعراج المذكور في الحديث حصراً دون القرآن. ومن غير المستبعد لدى الأقدمين تشييد بناء ديني متمحور حول صخرة، مثل حالة الكعبة والحجر الأسود.

والرقم ثمانية يرد في القرآن في الآية 17 من سورة الحاقة: "والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية". والصورة القرآنية، لناحية قيام العرش فوق ثمانية، ليست بعيدة من صورة الإضلاع الثمانية التي تحمل قبة الصخرة أو برج قبر زبيدة.

الرقم ثمانية هو رمز تجدد الحياة. نراه في "قبة الصخرة" و"كنيسة الصعود" و"قبر زبيدة"، كما نراه في السماء في كوكبة "الجبّار - أوريون"، وفي الأيام الفاصلة بين الميلاد ورأس السنة، وفي عدد أيام عيد هانوكه اليهودي.

الجمعة، 29 ديسمبر 2017

واشنطن تربط خروجها من سورية برحيل الأسد

واشنطن - من حسين عبدالحسين

عكست التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وكرر فيها اتهامات موسكو لواشنطن بتسليح «إرهابيين سابقين» وإبقاء قوات لها في الأراضي السورية، من دون مسوغ شرعي ومن دون موافقة الحكومة السورية، عكست الإحباط الروسي من إصرار أميركا على الحفاظ على وجود عسكري لها ولحلفائها في سورية، حتى بعد القضاء على تنظيم «داعش» كلياً، وربط هذا الوجود برحيل الرئيس بشار الأسد. 
ويعتقد ديبلوماسيون أوروبيون في واشنطن أن موسكو أعطت «الضوء الأخضر» لقوات الأسد، والميليشيات الموالية لإيران، بشن هجوم لاستعادة أراض من المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الغربية لدمشق على الحدود مع لبنان واسرائيل، علماً أن هذا الهجوم يمثل اختراقاً للهدنة التي كانت إسرائيل وسورية والأردن وأميركا وروسيا قد توصلت إليها في نوفمبر الماضي، وتقضي بوقف إطلاق النار في محافظة القنيطرة.
وسعت تل أبيب لوقف القتال في المناطق السورية المتاخمة للجولان السوري، الذي تحتله إسرائيل، بهدف وقف زحف الميليشيات الموالية لايران صوب الحدود السورية - الاسرائيلية، وإقامة بنية تحتية عسكرية هناك، يمكن من خلالها تهديد الشمال الاسرائيلي.
غير أن مصادر أميركية لا توافق رأي الديبلوماسيين الأوروبيين من أن هجوم الأسد وميليشيات إيران قرب الحدود اللبنانية والاسرائيلية هو نتيجة عدم الانسحاب الاميركي من مناطق سورية شرق الفرات. ويشير الأميركيون إلى أن النظام يقصف المناطق التي شارف على استعادتها من المعارضة المسلحة منذ ثمانية أسابيع، وأن عملية استعادة هذه المناطق ليست ردة فعل، بل تتطلب خطة مدروسة مسبقاً.
وتضيف المصادر الاميركية أن روسيا وعدت إسرائيل بوقف زحف إيران وميليشياتها في الجنوب السوري، وفي هذا السياق كانت هدنة القنيطرة التي وقعتها اسرائيل واميركا. ولطالما ردد الرئيس الأميركي دونالد ترامب انه يعتقد أن الحل ممكن بالتوافق مع الروس.
لكن المؤسسات الأميركية لا يبدو أنها توافق رأي رئيسها، وهي باتت على قناعة بأن روسيا لا تستطيع وقف التمدد الإيراني عبر الحدود العراقية إلى شرق سورية، ومن دمشق جنوباً باتجاه اسرائيل، وهو ما يُملي على القوات الاميركية وحلفائها من المعارضين السوريين فرض معادلات جديدة على الأرض. وفي هذا السياق، جاء توقيع ترامب، في السابع من ديسمبر الجاري، مرسوم تسليح المعارضين السوريين وتمويلهم، إذ بلغ حجم الأموال الأميركية المرصودة لهذا الغرض 393 مليون دولار.
ويبدو أن واشنطن قررت أن تحذو حذو الإيرانيين لناحية تشكيل ميليشيات محلية من المقاتلين، ونشر المستشارين العسكريين والخبراء في صفوفها لإدارتها وقيادتها للانتصار في معاركها، على غرار التجربة الاميركية في الحرب ضد «داعش».
لكن وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) بحاجة إلى مسوّغ يبرر بقاء قرابة ألفي مستشار عسكري اميركي على الاراضي السورية، وهو ما دفع الادارة الاميركية إلى ربط هذا البقاء بحجة منع عودة التنظيمات الإرهابية عموماً، الأمر الذي أجبر الإدارة الاميركية على اعتبار أن لا شريك سورياً يمكن تسليمه الأرض المستعادة من «داعش»، وأن الأسد هو أحد أسباب قيام التنظيم الإرهابي، وتالياً، لا يمكن الركون إليه كشريك يمكن تسليمه الأراضي التي تمت استعادتها.
هكذا، في خضم السباق مع الإيرانيين لاستقطاب حلفاء محليين والسيطرة على مساحات سورية، وجدت أميركا نفسها مجبرة على إعلان أن الأسد «غير صالح» في مرحلة ما بعد الحرب على الارهاب، وهو ما يربط أي انسحاب اميركي برحيله عن الحكم.
المعادلة الأميركية الجديدة لم ترُق لموسكو، التي تراهن على الأسد كرجلها الوحيد في سورية، مع وجود بعض «الشخصيات الاحتياطية»، مثل نائب الرئيس فاروق الشرع والضابط سهيل الحسن، حسب اعتقاد المصادر الاميركية. 
وتقول المصادر نفسها ان واشنطن أبلغت موسكو بأن رحيل الأسد شرط لخروج القوات الأميركية من سورية، واندماج حلفائها في قوى نظامية جديدة، يتم تشكيلها بعد رحيل الرئيس السوري عن الحكم، وهو موقف يبدو أنه أغضب الروس ودفع لافروف إلى شن هجومه الأخير ضد الادارة الاميركية.

"أميركا أولاً" أم "أميركا وحيدة"؟

حسين عبدالحسين

قضت سخرية القدر أن تتعرض إدارة دونالد ترامب للمذلة، بعد أيام قليلة على ادلاء الرئيس الاميركي بخطاب حدد فيه رؤيته للأمن القومي للولايات المتحدة، وأعلن فيه ان أميركا لن تكون لطيفة بعد الآن، وانها ستكشّر عن انيابها، وتخوض في منافسة استراتيجية ضد روسيا والصين وباقي العالم.

"أميركا أولا" هو الشعار الذي أطلقه ترامب في حملته الانتخابية، وفي أدائه القسم الرئاسي، وفي خطابه عن الأمن القومي. لم تمض أيام قليلة حتى قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد لقاء للتصويت على سيادة القدس، بعد ان اوحى ترامب للعالم — بطريقة مسرحية لم تقترن بأي خطوات عملية او سياسات فعلية — أنه قرر الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل.

على الرغم من كل عنترياته، لم يتجرأ ترامب على التلفظ بعبارة "القدس الموحدة" عاصمة لاسرائيل، بل تقصّد الغموض، وذكرالقدس بشكل عام، وترك تفاصيل ترسيم حدود القدس وتقرير مصيرها الى المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

كان ترامب يسعى لإصابة أكثر من عصفور بحجر واحد: يقدم نفسه على انه الرئيس الاميركي الوحيد الذي يتمتع بالجرأة الكافية لاعلان القدس عاصمة اسرائيل، بعد 22 عاماً من بدء صدور سلسلة من القرارات في الكونغرس التي تطالب بالأمر. مكسب آخر رآه ترامب في استمالة اليمين المسيحي الذي يعد نفسه بعودة المسيح، فقط بعد قيام دولة اسرائيل وعاصمتها القدس. المكسب الثالث، في رأي ترامب، كان الحصول على الدعم المالي والانتخابي الكبير لليهود الاميركيين في حملة ترشحه لولاية رئاسية ثانية في العام 2020. بدا لترامب إعلانه المسرحي حول القدس تذاكي يعود عليه بمكاسب، ومن دون تكلفة أو أضرار.

بعد خطابه عن القدس، أدلى ترامب بخطابه عن استعادة مجد أميركا وقوتها، مكرراً صورة "أميركا اولا".

ولم تمض أيام حتى وجدت أميركا نفسها مقبلة على مواجهة ديبلوماسية في الأمم المتحدة، مواجهة تمتحن أميركا برئاسة ترامب المستقوي. وعلى طريقته المسرحية، أعلن ترامب أن بلاده ستوقف المساعدات المالية للحكومات التي تصوّت لمصلحة "قرار القدس". لكن حتى حكومات هذه الدول لم تكترث لتصريح رئيس أميركا.

مصر، مثلاً، متعاقدة مع الاميركيين. تقدم لهم أمن حدودها مع اسرائيل، وأمن الملاحة في السويس، وحق تحليق الطيران العسكري الاميركي في الاجواء المصرية، مقابل مئات ملايين الدولارات. المساعدة الاميركية لمصر لا تشتري لواشنطن أكثر من ذلك. هكذا، صوتت مصر ضد قرار القدس.

في المحصلة، صوتت إلى جانب أميركا وإسرائيل حكومات سبع دول فقط، وهي دول عدد سكانها قليل واقتصاداتها صغيرة، ومعظمها من الجزر النائية، ما دفع أحد المعلقين الاميركيين إلى القول، بتهكم، إن على ترامب الاحتراس من الاحتباس الحراري الذي قد يطيح بحلفاء أميركا السبعة حول العالم.

أراد ترامب أن يحصد فوزاً مجانياً في خطاب يدغدغ فيه مشاعر اليمين المسيحي وبعض اليهود الاميركيين، وأراد أن يظهر أميركا قوية، فجاءت ردة الفعل عكسية: لم تظهر أميركا قوية، بل ظهرت وحيدة.

كشفت كارثة خطاب ترامب الفارغ حول القدس أميّته في السياسة الدولية. الرجل بائع شنطة، يستخدم حسابه على "تويتر" وخطاباته الرئاسية ليبيع الناس كلاماً؛ لا يعرف أن للكلام حساب، وأن في السياسة الدولية، قد يؤدي الكلام غير المدروس إلى ردات فعل مؤذية.

هكذا، أفسد تصويت الأمم المتحدة على منع اسرائيل ابتلاع القدس الموحدة عاصمة لها انتصار ترامب الضرائبي التشريعي، وشتت انتباه الاميركيين وإعلامهم عن إنجاز ترامب في الكونغرس باتجاه المذلة التي لقتها الولايات المتحدة في المحفل الدولي الذي تستضيفه وتسدد غالبية تكاليفه.

سيتذكر التاريخ يوما أن رئيس أميركا دونالد ترامب رفع شعار "أميركا أولاً"، فجنى "أميركا وحيدة".

الخميس، 28 ديسمبر 2017

أميركا في السنة الأولى من عهد ترامب: أداء اقتصادي جيد ولكن دون الطموحات

واشنطن- حسين عبدالحسين

قدم اقتصاد الولايات المتحدة أداء جيداً في السنة الأولى من حكم الرئيس دونالد ترامب، إذ شهد الناتج المحلي تحسناً مطرداً في النمو، الذي ارتفع من ١.٢ في المئة في الفصل الأول، الى ٣.١ و٣.٣ في المئة في الفصلين الثاني والثالث على التوالي.

وترافقت أرقام النمو الاقتصادي الجيد مع بيانات إيجابية من وزارة العمل، التي أظهرت آخر تقاريرها لهذا العام، ان الاقتصاد الأميركي أضاف ٢٢٨ ألف وظيفة الشهر الماضي، متجاوزاً بذلك تكهنات الخبراء، الذين كانوا توقعوا إضافته ١٩٠ ألف وظيفة، في وقت بقي معدل البطالة على حاله بواقع ٤.١ في المئة.

لكن الأداء الاقتصادي الأميركي الجيد لم يرق ليكون ممتازاً كالذي وعد به الرئيس دونالد ترامب، الذي دأب على تكرار مقولة ان الاقتصاد سيحقق معدلات نمو في حدود ٤ في المئة سنوياً أثناء رئاسته. وقبل أيام قليلة، توقع ترامب، قبيل لقاء إدارته الأسبوعي، ان ينمو الاقتصاد ٤ و٥ وحتى ٦ في المئة سنوياً، وهي معدلات نمو لا يتوقعها اي من الاقتصاديين الأميركيين، من اليمين الجمهوري او اليسار الديموقراطي.

والنمو الاقتصادي الأميركي الجيد، الذي من المتوقع ان تحققه الولايات المتحدة مع صدور أرقام نمو الفصل الرابع في الأسابيع المقبلة، من غير المتوقع ان يتعدى ٢.٥ في المئة لعام ٢٠١٦، وهي نسبة سابقة لإقرار ترامب أياً من مشاريع القوانين التي وعد بها، إن لناحية إنهاء الضمان الصحي المعروف بـ «أوباما كير»، او خفض الضرائب، او الإنفاق على مشاريع تطوير البنية التحتية المتهالكة في البلد وتحديثها.

وعلى رغم محاولة ترامب الإيحاء بأن رئاسته منحت ثقة لأسواق المال الأميركية، وتالياً انعكست ايجاباً على النمو الأميركي، إلا أن السبب الأرجح للنمو الأميركي هو ارتفاع ملحوظ في النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما عزز الصادرات الأميركية، وفي الوقت ذاته رفع وارداتها، فسجّل الميزان التجاري ارتفاعات متتالية في العجز، بلغت ذروتها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بواقع ٤٨.٧ بليون دولار، وهو عجز لم تكن البلاد شهدت له مثيلاً منذ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢.

لكن السؤال الأميركي الأكبر يبقى: إلى أي حد يمكن سياسات الخفوضات الضريبية والإنفاق على البنية التحتية المساهمة في رفع معدل النمو الأميركي على المديين المتوسط والطويل؟ مع العلم ان الكونغرس أقرّ قانوناً للإصلاح الضريبي يعتبر الأضخم منذ عام 1986، ويشكل النصر التشريعي الأبرز للرئيس الأميركي بعد إخفاقات توالت منذ انطلاقة عهده. ويرى فريق الرئيس في القانون إنجازاً يعتبر سابقة، يساهم في خفض البطالة، بينما يعتبره خصومه وخبراء كثر لمصلحة الأثرياء وكبريات الشركات، ويقلص قدرات الطبقة الوسطى الشرائية.

غالبية الاقتصاديين الأميركيين يعتقدون بأن سياسات ترامب الاقتصادية تشبه السياسات التي تتبناها الحكومات لمعالجة الأزمات والاهتزازات الاقتصادية، التي تصيب الدول من حين إلى آخر، فتقوم بخض الضرائب والفوائد التي يمنحها المصرف المركزي، بالتزامن مع زيادة في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، وهي سياسات محدودة الأمد، وتهدف من خلالها الحكومات إلى لعب دور رديف في دفع النمو، فيما القطاع الخاص يعيد ترشيق نفسه ويستعيد أنفاسه لدفع النمو مجدداً.

لكن سياسات ترامب المخصصة لزمن الأزمات، في وقت لا يعاني الاقتصاد الأميركي، ولا العالمي، من أزمات تذكر، يثير مخاوف الاقتصاديين، الذين يعتقدون ان قيام الحكومة بدفع النمو الاقتصادي بالاستدانة قد يؤدي الى خلق فقاعة من شأنها ان تنهار وتؤدي بدورها الى ركود. وقتذاك، تكون الحكومة استنفذت الأدوات والأرصدة التي تستعين بها عادة لمواجهة الأزمات، وهو ما يضع الحكومة والمصرف المركزي في موقع ضعيف وغير قادر على دفع الاقتصاد في فترة الركود.

ويعزو الاقتصاديون الأميركيون، من اليمين واليسار، تراجع معدل نمو الاقتصاد الأميركي من ٣ في المئة سنوياً في التسعينات، الى ٢ في المئة منذ بدء الألفية، الى أسباب بنيوية، تتصدرها الشيخوخة السكانية التي تصيب الغرب والصين واليابان. ويعتقد الاقتصاديون ان تحقيق الاقتصاد الأميركي نسبة ٣.١ في المئة، على رغم انخفاض البطالة الى مستوى متدن يناهز ٤ في المئة، هو مؤشر إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة يعمل بأقصى طاقته، وأن أي محاولة حكومية لرفع نسبة نمو الناتج المحلي إلى معدلات أعلى ستكون بالاستدانة، وستؤدي إلى تضخم مالي، وقد تؤدي إلى ركود.

وترى أقلية من الاقتصاديين، وفي طليعتهم وزير المال السابق ورئيس جامعة «هارفرد» المرموقة سابقاً لاري سمرز، ان الانخفاض المزمن في نسب النمو الأميركية والعالمية يعزى الى التغييرات البنيوية في طبيعة الاقتصاد وأداواته، وبروز ظاهرة «اقتصاد المشاركة»، والمكننة التي تستبدل اليد العاملة في غالبية المصانع، وحتى في قطاع الخدمات، مع توقع انتشار ظاهرة السيارات التي تقود نفسها، ما يؤدي إلى بطالة لدى ملايين السائقين العاملين بالأجرة، وكذلك انتشار خدمات آلية في قطاعات، مثل المصارف، وهو ما قضى على وظائف عمال المصارف وغيرهم في قطاع الخدمات.

تحديث الاقتصاد الأميركي ورفع نسب نموه تتطلب تحديث قدرات اليد العاملة، خصوصاً من المسنين، الذين من المتوقع أن يتأخر موعد تقاعدهم، مع ارتفاع معدل الأعمار في الغرب والعالم عموماً. ويعتقد الاقتصاديون بأن إبقاء هؤلاء في سوق العمل فترات أطول يساهم في تعزيز النمو ويقلص من تأثيرات الشيخوخة السلبية في النمو.

لكن أساليب الرئيس ترامب لمعالجة أسباب تدني نسب النمو السنوية تبدو موقتة، وتنتمي إلى مدارس اقتصادية ولّت، وهي ما تثير مخاوف لدى الاقتصاديين، وتدفعهم للاعتقاد بأن معالجات ترامب ستؤدي إلى رفع نسب النمو موقتاً فقط، مع ما يعني ذلك من احتمال انخفاض وركود لاحقاً، بالتزامن مع رفع العجز وعدم معالجة ارتفاع الدَين العام، المنفلت من عقاله، والذي تعدت نسبته إلى الناتج المحلي الأميركي ١٠٠ في المئة.

الاقتصاد الأميركي حقق نمواً جيداً عام ٢٠١٦، ولكنه يعتبر كذلك مقارنة بتوقعات الفترة التالية للركود الكبير الذي أصاب البلد في خريف عام ٢٠٠٨. أما لو نظرنا إلى توقعات عام ٢٠٠٧، لوجدنا أن الاقتصاد الأميركي اليوم يقف على عتبة ١٩ تريليون دولار، أي أدنى بـ١.٧ تريليون من تقديرات الاقتصاديين قبل عقد من الزمن، وهو ما يشي بأن السياسات الأميركية الاقتصادية المتبعة تحتاج إلى تحديث جذري، يؤدي بدوره إلى معالجة أعمق لمشاكل الاقتصاد على المديين المتوسط والطويل.

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

يوم يحسد العرب الفلسطينيين على عدوهم

بقلم حسين عبد الحسين

بودي أن أعثر على صورة لمواطن عربي واحد يتحدى عسكر الأنظمة العربية على غرار صور صراخ المراهقة الفلسطينية عهد التميمي في وجه جنود إسرائيليين. بودي أن أرى مواطنا عربيا واحدا، ناهيك عن المواطنات، ممن يمكنه أن يتحدى أي مخبر درجة رابعة في أي جهاز استخبارات عربي. بودي أن أرى ابن عم زوجة ملازم في جهاز استخباراتي عربي لا يتصرف وكأنه ظل الله على الأرض، ويتحدى الآخرين لأنه "مدعوم" و"صاحب سند" و"ابن فلان" أو "قريب علتان".

الفيديوهات والصور التي تداولتها الأوساط العربية، على شكل واسع، لمراهقة فلسطينية تتحدى الجنود الإسرائيليين، ليست دليلا على شجاعتها، بل هي دليل أنها تحدت في يوم، وعادت إلى بيتها، لتعود وتتحدى الجنود في يوم ثان. لم يزر خفافيش الليل منزلها ليقتلعوا حنجرتها، ويرمون جثتها في نهر العاصي، أو يعيدونها لأهلها جثة ذات أعضاء تناسلية مقطعة، أو ذات جمجمة مثقوبة، مثل ذلك الثقب الذي أحدثته استخبارات الرئيس أبو عدي، "أسد السنة" لدى الكثيرين من عرب اليوم، في رأس رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر في العام 1980.

مؤلمة هي صور التميمي وهي تتحدى الإسرائيليين، لا لأنها فتاة تقارع الجنود في الشارع، على ما يتصور بعض العرب، بل لأنها تصرخ وتشتم وتتحدى جنودا ممن تربى عرب كثيرون على حمل الحقد والكراهية تجاههم، لأنهم "جنود صهاينة غزاة بغضاء يهود"، ليتبين أن هؤلاء الجنود لا يصبون جام غضبهم على من يشتمهم، أو على من يلتقط صور من يشتمهم.

وعهد التميمي لن تكون الأولى، ولا الأخيرة، ممن يحسدها العرب على لطافة عدوها. ذاك اللبناني الراحل سمير القنطار المرتزق الذي انتقل من علمانية "أبو العباس" إلى "المقاومة الإسلامية"، لو يسأل أنفسهم العرب ممن يعتقدونه بطلا: لماذا لم يقتله الأمن الاسرائيلي فور القبض عليه متلبسا في مقتل عائلة اسرائيلية في الشمال؟ لماذا ألقت إسرائيل القبض عليه، وحاكمته، وسجنته لعقود، وسمحت له أن يتعلم العبرية في سجنه، وأن يقيم علاقات اجتماعية؟

لماذا حاكمت إسرائيل الفلسطيني مروان البرغوثي، عدوها اللدود في زمن “الانتفاضة الثانية”؟ لماذا لم تقتله فور اعتقاله؟ ولماذا سمحت للصحافيين بالتقاط صوره وهو يرفع شارة النصر، مكبلا، وتسمح له بإرسال الرسائل السياسية عن طريق زوجته فدوى؟

ختاما، على العرب أن يتساءلوا: ما الذي يمنع الماكينة العسكرية الإسرائيلية الجبارة من ارتكاب حرب إبادة وتطهير عرقي لإقامة إسرائيل عنوة، من النهر إلى البحر؟ ما الذي يمنع إسرائيل من ارتكاب مجازر على نطاق مجازر صدام حسين وحافظ الأسد وولده بشار؟

الصورة واضحة. العرب اليوم، وخصوصا من السوريين، يحسدون الفلسطينيين على عدوهم. على الأقل يمكن للفلسطينيين والفلسطينيات التظاهر، والصراخ، والتحدي. أحيانا يتم اعتقالهم والإفراج عنهم، وأحيانا يتم اعتقالهم لفترات طويلة. أما إن اعتقدت إسرائيل أن فلسطينيا يشكل خطرا داهما على أمنها، فتقوم بتصفيته؟ لهذا، لا يزال أحد أبرز قيادات حماس إسماعيل هنية حيا يرزق في غزة، لأنه لا يتدخل في الأعمال الأمنية. هنية ليس حيا فحسب، بل هو يطل بحرية عبر الإعلام العربي، ويحرض على الإسرائيليين ويدعو لقتلهم. لماذا لم تقتله إسرائيل حتى الآن، فيما في دول العرب أناس راحوا ضحايا تصريح لم يعجب طغاة العرب واستخباراتهم؟

في إيران، قتل الباسيج التابع للنظام ندى سلطاني بالرصاص وهي تسير في تظاهرة أثناء "الثورة الخضراء". لم تشاكس ندى، لا صور لها وهي تصرخ على جنود الولي الفقيه أو تشتمهم أو تهددهم. فقط سارت معترضة، فتلقت رصاصة في رقبتها أردتها قتيلة على الفور.

غالبية العرب لا تقبل المقارنة أعلاه. إسرائيل شر مطلق، يقول الخميني. أما أشرار العرب، من صدام إلى الأسد، فظلمهم مقبول طالما أنهم يعلنون العداء لأميركا والغرب وإسرائيل. هكذا، لا يهم كثير من العرب أن يكون مجموع ضحايا الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى ستين عاما، أقل بما لا يقاس من ضحايا ست سنوات من الثورة السورية ضد بشار الأسد.

السلم والسلامة لعهد التميمي، وعسى أن تعود لعائلتها ولدروسها، فالبنت ما تزال يافعة، والأجدى بمجتمعها أن يقيها صراعات الشوارع، بدلا من أن يرسلها إلى الشارع ويصفق لها وهي في ريعان الشباب. لكن في قصتها عبرة، لا لأصحاب البطولات الوهمية من العرب، بل للعرب الواقعيين ممن يفكرون بعقولهم بدلا من عواطفهم، ويدركون أن الصراع مع إسرائيل أرحم بكثير من أي صراع مع أي من طغاة العرب.

الأحد، 24 ديسمبر 2017

دراسة أميركية تحذّر من مخاطر هيمنة إيران على المنطقة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت سياسة دونالد ترامب تجاه إيران تأخذ شكلاً أكثر جدية، مع توقيع الرئيس الأميركي، في وقت سابق من هذا الشهر، مرسوم تزويد «المعارضة السورية المعتدلة» بأسلحة وعتاد حربي ومعدات بقيمة 393 مليون دولار، مستفيداً من مبلغ نصف تريليون دولار كان سلفه باراك أوباما رصده لهذا الغرض.
وجاء قرار ترامب تسليح مقاتلي «المعارضة السورية المعتدلة» شرق الفرات في وقت نشر مركز أبحاث «راند»، المحسوب على وزارة الدفاع (البنتاغون)، عدداً من الدراسات عن التطورات العسكرية حول العالم، وما تفرضه من تعديلات وتطويرات على جهوزية وقدرات الولايات المتحدة.
واعتبرت إحدى هذه الدراسات أن إيران ستهيمن على منطقة الشرق الاوسط، وقدمت سيناريوهات متعددة عن كيفية مواجهة الإيرانيين في احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين أميركا وحلفائها، من جهة، والجمهورية الاسلامية، من جهة أخرى. 
واضافت انه «مع العدد الكبير لسكانها وتعبئتهم السياسية، ومع إظهارها قدرتها على استخدام أدواتها العسكرية والميليشيوية بشكل فعّال للتأثير في مجرى الأحداث، يمكن اعتبار إيران الدولة صاحبة الحظ الأوفر لتصبح (القوة) المهيمنة في منطقة» الشرق الاوسط.
وأشارت إلى أنه «فيما عمدت دول مجلس التعاون الخليجي إلى شراء معدات عسكرية حديثة، طوّرت إيران قدرات (الحرس الثوري)، وهي تتمتع بأكبر ترسانة صواريخ بالستية في المنطقة، وسعت، حسب بعض الادعاءات، الى حيازة قدرات أسلحة نووية». 
لكن طهران وقعت اتفاقية مع المجتمع الدولي لتجميد وتفكيك بعض أجزاء برنامجها النووي، وهي إذا ما التزمت بالاتفاقية، «سيصبح بإمكانها شراء أسلحة تقليدية مع بدء العام 2020، وشراء صواريخ بالستية في 2023». ومع حيازتها تقنية عسكرية متقدمة، «مثل صواريخ (سام) متطورة وصواريخ موجهة عن بعد وطويلة المدى، قد تتقلص الفجوة قدرات دول مجلس التعاون الخليجي وايران بشكل كبير»، وفق الدراسة.
ويعتقد خبراء مركز «راند» أن إيران برهنت في سورية أنها «قادرة على إقحام عناصر من (الحرس الثوري) في صفوف الميليشيات الموالية لها، وقيادة هذه الميليشيات نحو النصر على أرض المعركة، وهذه مقدرة تعكس إمكانيات إيران على فرض نفوذها». 
النجاحات الايرانية في لبنان وسورية والعراق، حسب الدراسة الاميركية، أثارت «قلق دول الخليج لجهة أنه يمكن لإيران دعم مجموعات داخل حدودهم لزعزعة الاستقرار الداخلي وبث الفرقة» في بعض الدول.
ولفت مركز «راند» إلى الأهمية المستمرة لمضيق هرمز، الذي يمر عبره 17 مليون برميل نفط يومياً، ومن شأن إغلاقه أن يؤدي إلى كارثة في أسواق النفط العالمية، وتداعيات على كبرى اقتصادات العالم، وفي طليعتها الاقتصاد العالمي الاكبر، أي الاميركي. 
وبعدما لفتت إلى أن المضيق يحدد سياسة أميركا تجاه الخليج منذ الثمانينات، قدمت الدراسة سيناريوهات لأي محاولات إيرانية لإغلاقه، في حال شعور طهران بالخطر ومحاولاتها إجبار العالم على دفع تكلفة عالية لأي مواجهة مسلحة معها.
وحسب السيناريوهات الأميركية، يقتضي إبقاء المضيق مفتوحاً قيام الولايات المتحدة وحلفائها باحتلال نقاط أساسية على الساحل الايراني المشرف على الخليج.

الخميس، 21 ديسمبر 2017

ترامب يعتمد استراتيجية كسب الجمهوريين في مواجهة «التحقيق الروسي»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حقق الرئيس دونالد ترامب وحزبه الجمهوري نصراً تشريعياً كبيراً بإقرارهما قانون التخفيضات الضريبية، بتكلفة 1.5 تريليون دولار، ستتم إضافتها الى العجز السنوي لموازنة الحكومة الفيديرالية على مدى العقد المقبل.
وسيفرض القانون تغييرات واسعة على قانون الضرائب الاميركية، لم تشهد البلاد لها مثيلا منذ تعديلات الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان في العام 1986. ويدخل القانون الجديد، الذي صادق عليه الكونغرس بغرفتيه ووقعه ترامب، حيز التنفيذ في غضون أسبوعين. 
وبموجب القانون، تنخفض الضرائب على الشركات من 35 في المئة حالياً إلى 21 في المئة، فيما تنخفض ضرائب الدخل على العائلات بنسب أقل ومتفاوتة حسب الاختلاف بين مداخيلها. لكن التخفيض الضريبي للشركات دائم، فيما التخفيض الضريبي على مداخيل الاميركيين موقت وتنتهي مفاعليه في العام 2025، ترتفع بعدها الضرائب بشكل تلقائي لتعود الى مستوياتها الحالية، وهو ما جعل الاميركيين المعارضين يعتبرون أن التخفيضات دائمة للاغنياء، وموقتة للأقل دخلاً. 
ومن أبرز ما جاء في القانون الضريبي الاميركي الجديد، إبطاله بند إلزامية التأمين الصحي الذي كان أقره الرئيس السابق باراك أوباما، وهو ما يعطل أجزاء واسعة من برنامج الرعاية الصحية المعروف بـ «أوباما كير»، ويهدد ديمومة البرنامج بشكل عام. كما أقر الجمهوريون، في متن قانونهم الضريبي، بنداً يسمح للولايات المتحدة بالتنقيب عن النفط في مساحات المياه الاقليمية، التي يعتقد الخبراء أنها تحوي احتياطات كبيرة من النفط. 
وحاولت المعارضة في الكونغرس، المتمثلة بالحزب الديموقراطي، عرقلة زحف الجمهوريين، على أساس أن التخفيضات ترفع المديونية العامة، التي تبلغ 100 في المئة من حجم الاقتصاد الاميركي حالياً. وقال الديموقراطيون أيضاً إنه بموجب قانون الموازنة، الذي وافق عليه الحزبان قبل سنوات، يقوم «مكتب موازنة الكونغرس» بفرض اقتطاعات إلزامية بهدف لجم ارتفاع الانفاق وتالياً العجز والمديونية. في حالة قانون ترامب، يخشى الديموقراطيون أن تأتي الاقتطاعات من برامج الرعاية الاجتماعية، وخصوصاً صناديق ضمان الشيخوخة ورواتب المتقاعدين وصناديق رعايتهم الصحية. 
وكان الضحية الأولى لقانون ترامب الضريبي برنامج الرعاية الصحية الحكومي المجاني لاطفال الفقراء، وكذلك بعض البرامج التعليمية المخصصة لذوي الدخل المحدود. 
على انه رغم انتصاره التشريعي والسياسي المدوي، لا يزال ترامب يخشى من التحقيق الجاري في إمكانية تورطه ومساعديه مع الحكومة الروسية بالتآمر ضد منافسته المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، في الانتخابات الرئاسية العام الماضي.
وكان فريق التحقيقات، الذي يديره المحقق الخاص روبرت مولر، حصل على أكثر من 15 ألف من المراسلات الالكترونية بين أفراد الفريق الانتقالي لترامب، وهو ما أثار غضب الرئيس وفريقه، فراح الجمهوريون يهاجمون مولر على أساس أنه اجتاح الخصوصية، ليرد البعض أن الفريق الانتقالي مؤسسة حكومية، وأن البريد الالكتروني الذي يتم منحه لافراده هو بريد حكومي، وتالياً يحق للمحققين قراءة محتوياته.
وفيما يمضي مولر في تحقيقاته، يمضي الجمهوريون ووسائلهم الاعلامية في شن حملة تشنيع ضد المحقق الخاص وفريقه، وضد مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) ووزارة العدل، بهدف الانتقاص من مصداقية التحقيق والدعوة الى طرد مولر ووقف التحقيق. لكن ترامب قال انه لا ينوي طرد مولر، ربما بسبب العاصفة السياسية التي قد تثيرها خطوة من هذا النوع.
وفيما يترافق انتصار ترامب التشريعي مع تسارع التحقيقات التي قد تدينه، يبدو أن الرئيس الاميركي صار يدرك أن الوسيلة الأفضل لمواجهة تحقيقات مولر تقضي بالمضي قدماً بخطوات سياسية جريئة تكسبه شعبية بين الجمهوريين. والشعبية، في هذه الحالة، تعني بقاء ترامب في الرئاسة، حتى لو دانته التحقيقات، إذ إن أي محاكمة للرئيس ستذهب إلى مجلس الشيوخ، واعضاء هذا المجلس، وغالبيتهم من الجمهوريين، لن يصوتوا لمصلحة خلع الرئيس إذا ما أحسوا أنه يتمتع بشعبية لدى القاعدة الجمهورية، إذ إن تصويتهم ضده من شأنه أن يفقدهم التأييد، ويؤثر في حظوظ إعادة انتخابهم إلى المجلس في الدورات المقبلة.

مطالبات بالتحقيق في فضيحة أوباما و«حزب الله»

نيويورك - «إيلاف» - تفاعلت قضية التقرير الذي نشرته مجلة «بوليتيكو» عن قيام إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بوقف تحقيقات كانت تجريها إدارة مكافحة المخدرات الأميركية حول شبكة تابعة لـ«حزب الله».
وكشف التقرير، أن إدارة أوباما التي أرادت من خلال إيقاف التحقيقات ضمان انجاز الاتفاق النووي مع إيران، سمحت للحزب اللبناني بالحصول على إيرادات بلغت مليارات الدولارات من الاتجار بالمخدرات والتي استخدمت لدعم العمليات الإرهابية.
وبعد الكشف عن هذه المعلومات، حض النائب الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا روبرت بيتنغر، لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي في المجلس النيابي على فتح تحقيق حول الادعاءات الواردة في التقرير.
وقال «إنه فيما كان الجنود الأميركيون يقاتلون بشجاعة الإرهابيين من تنظيم (داعش)، وبعضهم دفع الثمن النهائي، فإن إدارة أوباما كانت تحمي الإرهابيين من (حزب الله) الذين كانوا يمولون أنفسهم عن طريق الاتجار بالمخدرات غير المشروعة».
وحذر من أن «الترابط المتزايد بين المنظمات الارهابية وكارتلات المخدرات فى أميركا اللاتينية يشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي للولايات المتحدة».

نكبة العرب

بقلم حسين عبد الحسين

فنّدت حرب العراق مقولات عربية عديدة، كان في طليعتها أن شقاء العرب سببه الإمبريالية والنفوذ الأجنبي في بلدانهم. وصلت القوة الأميركية العظمى العراق، بعدتها وعديدها، بجنودها وأموالها ونفوذها الديبلوماسي. أطاحت أميركا بطاغية قاربت دمويته الجنون. دعت العراقيين إلى انتخاب حكومة تمثلهم. استخدمت نفوذها لإسقاط ديون العراق المتراكمة عالميا.

بدلا من أن يقتنص العراقيون فرصة العمر، وأن يعفوا عما مضى، وأن يتصالحوا مع أنفسهم ومع دول جوارهم، وأن يبنوا عراقا قائما على "الحياة والحرية والسعي الى السعادة"، استغل العراقيون الفرصة الأميركية لإظهار أبشع ما في النفس البشرية. سارعوا إلى الثأر من بعضهم البعض. سلموا أمرهم لمرجعية دينية تستقي علمها عن الحكومات من كتب القرون الوسطى. ثم بنى العراقيون عراقا لبعض مواطنيه من دون بعضهم الآخر، وراحوا يتصارعون على حكمه ونهب ثرواته.

لم يمض الكثير من الوقت حتى كانت صور الخميني، الذي تسبب بمقتل مئات آلاف العراقيين في الثمانينيات، والخامنئي، الذي ما يزال يتسبب بموت آلاف العراقيين اليوم، ترتفع في شوارع بعض المدن العراقية. لم يمض الكثير من الوقت حتى راح سياسيو العراق من الشيعة يتنافسون في تطرفهم، وعادوا إلى عادات شتم دول الجوار، مثل شتمهم السعودية، التي كان صدام حسين يعشق شتمها وحكامها. وعاد العراقيون إلى القسم بـ "تحرير القدس"، ويكادون يرمون صواريخ سكود على إسرائيل، تماما كما فعل صدام من قبلهم، وكأن صدام حسين لم يكن استثناء بين العراقيين، بل كان نتيجة ثقافتهم وموروثهم السياسي والاجتماعي.

ليست فلسطين نكبة العرب، بل تخلُّف العرب عن استيعاب فكر الحداثة، الذي نص على المساواة بين المواطنين، وحقهم في الحياة، وفي اختيار حكوماتهم ومحاسبتها، هو النكبة. لم ينتشر فكر الإسلام السياسي من كابول إلى طرابلس الغرب إلا بسبب الفراغ الذي تسببت به ضحالة مثقفي العرب والفرس والأفغان والباكستانيين. هي ضحالة سمحت لأساتذة التعليم، من ميشال عفلق إلى حسن البنا وعبدالله عزام، بملء الفراغ الفكري العربي والإسلامي بشعوذات وفكر متخلّف مبني على شعارات وعواطف، وصراخ في الشوارع، وإحراق أعلام، والمطالبة بسيادة يعتقد العرب أنها مسلوبة.

لكن ما جدوى سيادة العرب على القدس إن كانت نماذج الحكم التي يقدمونها على طراز الحكومات الفاشلة التي تحكمهم في بغداد وبيروت ودمشق؟

كان المفكر اللبناني السوري الراحل سمير قصير، الذي اغتيل في بيروت صيف 2005، من ألمع مثقفي النخبة العربية. كتب قصير عن ضرورة إصلاح الذات العربية، والخروج من الشقاء، وإنهاء حكم الطغاة.

كان قصير يحلم بانتفاضات شعبية عربية لا تكون على شاكلة الغوغائية التي تدعو لها الحكومات والحركات الإسلامية اليوم. كان يحلم بـ "انتفاضة في الانتفاضة"، أي انتفاضة العرب ضد حكامهم وثقافتهم ورجعيتهم. انتفاضة ضد الاستبداد وضد طبائع الاستبداد، التي تؤدي إلى استبدال مستبد بآخر، على الرغم من الثورات الشعبية المتكررة.

كان قصير واضحا في رؤيته للحل الفلسطيني: الإسراع في تطبيق حل الدولتين. كتب قصير يوما أنه إذا كان العرب يعتقدون أن إسرائيل هي سبب شقائهم، عليهم اقتطاع الأرض الإسرائيلية عن العربية، كما يبتر المريض عضوا من اعضائه ليشفى.

أراد سمير قصير الانتقال من عبثية "تحرير الأرض" العربية إلى ضرورة "تحرير العقول" العربية.

قتلوا سميرا لكنهم لم يقتلوا فكره المستنير، وهنا نكرر دعوته. في هذا الزمن، صار للإنسان قيمة أكبر بكثير من أرضه. العقول العربية تبدع خارج بلدانها أكثر مما تبدع داخلها، وفي هذه المفارقة دليل أن شقاء العرب ليس مرتبطا بتحرير أرضهم، بل هو شقاء سببه عدم تحرير عقولهم.

الصراعات تقضي على الإبداع. آن الأوان للعرب أن يدركوا أن نكبتهم هي في عقولهم، وأن ما يعتقدون أنه بطولة وشرف ودفاع عن الأرض، هو في الواقع غوغائية يدفعهم إليها طغاتهم لتشتيت انتباههم عن فساد حكوماتهم، ولإبقاء الوضع على ما هو عليه.

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

حيرة في أميركا من «عقيدة ترامب» القائمة على «الواقعية المبدئية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

احتارت الأوساط الأميركية في المبدأ الجديد الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية، وأطلق عليه تسمية «الواقعية المبدئية»، وهي تسمية تحمل في ما تحمله تناقضاً واضحاً.
وقال ترامب، في الخطاب الذي أعلن فيه عن «استراتيجية الأمن القومي» الأميركي الجديدة، مساء أول من أمس، «إن استراتيجيتنا الجديدة مبنية على واقعية مبدئية، مستهدية بمصالحنا القومية الحيوية، ومتجذرة بمبادئنا الأزلية الأبدية». 
ولطالما انقسمت واشنطن، تاريخياً، الى معسكرين في السياسة الخارجية، الأول يدعو إلى ضرورة التزام الولايات المتحدة المبادئ المؤسسة التي تقوم عليها، وفي طليعتها الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، وأن تعمل على حماية الحكومات المتمسكة بهذه المبادئ، والمساهمة في نشرها حول العالم.
أما المعسكر الثاني فدعا الإدارات المتعاقبة الى تجاهل مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، لأن الالتزام بها يعوق مصالح أميركا حول العالم، ويؤخرها في سباقها مع القوى العالمية الاخرى، مثل الصين وروسيا.
وفي العام 2011، برزت الى الواجهة مجموعة ممن وجدت ضالتها في حماية الثورة الليبية من البطش الذي كان متوقعاً أن يلحقه بها الزعيم الراحل معمر القذافي، فأطلقت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون مقولة ان التدخل العسكري الأميركي في ليبيا كان يستوفي الشرطين ويجمعهما. وأعلنت واشنطن تدخلها في ليبيا آنذاك تم وفق مبدأ «حماية المدنيين» الانساني، وربطت تدخلها المبدئي المذكور بالاشارة الى انه يصادف أن فيه مصلحة اميركية في الوقت عينه.
وباستثناء المبرر الذي استخدمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لتدخلها العسكري المحدود في ليبيا، تغرق واشنطن في انقسام دائم بين أهل الواقعية وأهل المبادئ، الى أن جاء ترامب وقرر ربط المتناقضين في مبدأ واحد أطلق عليه تسمية «الواقعية المبدئية».
والتناقض في «عقيدة ترامب» في السياسة الخارجية، إن جاز التعبير، يشبه خطابه المتناقض في معظم نواحيه، إذ ما الذي يربط بين ارتفاع أسعار الاسهم المالية الأميركية أو تقليص واشنطن تشريعاتها في وجه الشركات، بالعلاقات وموازين القوى الدولية؟ 
وعلمت «الراي» من مصادر مقربة من البيت الأبيض أن خطاب ترامب كان من بنات أفكار مستشاره السابق للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون. وعلى الرغم من أن الاخير استقال من البيت الابيض قبل أشهر، الا أن المطلعين يقولون ان الاستقالة كانت شكلية، وأن ترامب وبانون على اتصال شبه يومي.
وبدت بصمات بانون واضحة في الاستراتيجية الاميركية التي أعلنها ترامب، إذ تضمنت المطالبة بإغلاق الحدود الأميركية امام المهاجرين الى الولايات المتحدة، وجاء فيه ان قوة اميركا مبنية على «تقوية العائلات… وبناء مجتمعنا… والاحتفال بالعظمة الاميركية كمثال ساطع للعالم».
والأفكار الثلاثة هذه من الخطاب الجمهوري اليميني، الموجه الى العائلات والتماسك المجتمعي والتقاليد، إذ ان غالبية مؤيدي الحزب هم من الريفيين، فيما يؤيد سكان المدن الحزب الديموقراطي. وفيما يعتقد الجمهوريون أن التاريخ الأميركي يخلو من أي شوائب ويجب العودة الى الماضي، تعتقد غالبية الديموقراطيين ان أميركا قامت على دموع ودماء شعوب كثيرة، وان أميركا كقوة عظمى عليها أن تقتصد في استخدام قوتها، وأن تعتذر ممن يمكن أن تكون آذتهم في الماضي.
هكذا، خلا خطاب ترامب من «استراتيجية أمن قومي» فعلياً، وجاء متمحورا حول «نقاط كلام» موجهة للداخل ولمجهود إعادة انتخابه لولاية ثانية في العام 2020. 
حتى في حديثه عن روسيا، التي وصفها بمنافسة لأميركا مثل الصين، أصر ترامب على الحديث عن التعاون الاستخباراتي بين الدولتين، وهو تعاون أدى أخيراً إلى إحباط هجوم إرهابي كان معداً للتنفيذ في مدينة سان بطرسبورغ، على الرغم من العقوبات الأميركية القائمة على روسيا، والتي حاول ترامب مراراً رفعها، ليصطدم بكونغرس معارض، مع أن الغالبية التي تسيطر عليه تنتمي لحزب ترامب الجمهوري نفسه.
والاشارة الى تعاون ادارة ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له حسابات داخلية كذلك، إذ ترى غالبية المسيحيين البيض المحافظين في بوتين حليفاً طبيعياً لهم، لا على المسرح الدولي، بل داخل الولايات المتحدة لمواجهة ما يعتقده هؤلاء تهديد غير المسيحيين وغير البيض لـ «الثقافة البيضاء» التي يعتقدون ان الولايات المتحدة تقوم عليها، وان ترامب وبوتين يحميانها معا اليوم حول العالم.

أميركا لروسيا: باقون في سوريا

حسين عبدالحسين

منذ دخول روسيا الحرب السورية، أواخر العام 2015، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انسحاب قواته، خمس مرات على الأقل، في عملية تكاد تقارب العبث. أما سبب إعلانات الانسحاب الروسية المتكررة فبقي مجهولاً، الى أن كادت مقاتلات "سوخوي-35" الروسية تصطدم بمقاتلات "اف-22" الاميركية، الأسبوع الماضي، في السماء السورية شرقي الفرات.

وسبق لتحالف روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد، ان حاول امتحان جدية الولايات المتحدة في اقفال المنطقة الجوية، التي يسيطر عليها التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" في الشرق السوري، فأرسل سوخوي سورية، فأسقطها الاميركيون بعدما اسقطوا طائرات ايرانية من دون طيار.

الرسالة الاميركية الى روسيا وإيران واضحة: الولايات المتحدة باقية في شرق الفرات، وستبقيه عصياً على سيطرة الروس والايرانيين الى أن يتوصل السوريون الى تسوية سياسية، تؤدي إلى إنهاء الحرب، وتشكيل حكومة تمثل النظام ومعارضيه، فعلياً لا شكلياً.

والسبب الاميركي الذي أعلنته وزارة الدفاع الأميركية للبقاء شرق الفرات، هو "منع عودة داعش"، لكن القيادة الاميركية لمحاربة "داعش" مركزها العراق، ما يعني أن للبقاء الاميركي شرقي سوريا هدفاً آخر غير معلن.

في تعريفه "مهمة الولايات المتحدة في سوريا"، يكتب السفير الاميركي السابق والباحث في "معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى" جيمس جفري، إنه "يمكن، وعلينا، تفسير مهمة الحرب على داعش بصورة اوسع لتشمل ضبط إيران وعميلها في دمشق (الأسد)، بما ان تصرفاتهما هي التي أدت الى صعود داعش في العام 2013".

هذه المهمة الاميركية المطاطة في سوريا، لا يبدو أنها تعجب بوتين، الذي يسعى لإظهار سوريا وكأنها أصبحت في جيب روسيا، وهو لهذا السبب، لم يترك مناسبة إلا وأذلّ فيها "حليفه" الأسد، تارة بدعوته للوقوف في سوتشي وحيداً أمام بوتين وجنرالاته، وطوراً في زيارة بوتين قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا، من دون مراسم ولا سيادة سورية، وبحضور فردي للأسد، مرة أخرى.. ثم يأتي مشهد إمساك الضابط الروسي بذراع الأسد لثنيه عن اللحاق ببوتين لوداعه أمام الطائرة، ليؤكد، مراراً وتكراراً، الذلّ الذي يبدو أن بوتين يتقصد إنزاله بالأسد.

إمساك الولايات المتحدة وحلفائها بمساحة شاسعة من سوريا شرقي الفرات، وفي الجنوب، تفسد على بوتين محاولته تصوير نفسه سيداً للأسد وسوريا. لذا، يكرر بوتين أن روسيا تسحب قواتها من سوريا، في محاولة لحمل الاميركيين على القيام بخطوة مماثلة. لكن القوة العسكرية الاميركية، التي يمسك بها الجنرالان جيمس ماتيس وزير الدفاع وهنري ماكماستر رئيس مجلس الأمن القومي، لا تبدو مستعدة للتنازل لبوتين عن شرق سوريا، وقيام مقاتلاتين اميركيتين بطرد نظيرتيهما الروسيتين، بعدما قاربت المقاتلات المتواجهة الاصطدام. وهي رسالة حاسمة من ماتيس وماكماستر الى بوتين، مفادها أن أميركا مستعدة لقتال روسيا للبقاء في شرق سوريا، وهو موقف أميركي لا يملك بوتين وسيلة أو حيلة للتعامل معه أو التخلص منه، وهو ما يغيظ الروس.

"نعتقد أنه بعد الانتصار على داعش، لم تعد هناك جدوى لبقاء قوات التحالف بقيادة أميركية في سوريا، خصوصاً أنهم لم تتم دعوتهم من الحكومة السورية"، يقول السفير الروسي في جنيف اليكسي بورودافكين في تصريح نقلته وكالة "تاس" الروسية الرسمية.

خلافاً لما يعتقد البعض، ليس الوجود العسكري الروسي في سوريا دليلاً على عودة القوة الروسية العظمى الى سابق عهدها، بل هو دليل مرور الولايات المتحدة بمرحلة اختلال توازن سمحت للقوى الأصغر، مثل روسيا وايران، بالإبقاء على صورة رئاسة الأسد، بلا رئاسة ولا سيادة. لكن حتى في أوقات انعدام توازنها، تلتزم القوة الاميركية بمصالحها القومية في حدها الأدنى، وتكشّر عن انيابها، في وجه بوتين او غيره، عندما يحاول الرئيس الروسي امتحانها.

أما الرئيس الاميركي دونالد ترامب، فمنشغل عن شؤون العالم بإهانة خصومه السياسيين، من حزبه أو حزب معارضيه، وغارق في أزمات تبقيه غافلاً عن السياسة الدولية، التي يديرها الجنرالات، وهو ما يظهر رهان بوتين على ترامب رهاناً خاسراً بعض الشيء.

الأحد، 17 ديسمبر 2017

قلق أميركي من إحياء «الشراكة عبر الهادئ»

واشنطن - حسين عبد الحسين

عبّرت أوساط الإدارة الأميركية في مجالسها الخاصة، عن قلقها من إمكان إعادة إحياء «اتفاق الشراكة عبر الهادئ، في وقت تبدو اليابان مصممة على المضي في المصادقة على الاتفاق بين الأعضاء الـ11 الباقين، على رغم انسحاب الولايات المتحدة.

وكان «اتفاق الشراكة عبر الهادئ»، نصّ على إمكان المصادقة عليه على رغم انسحاب أعضاء من الدول الموقعة، شرط ألا ينخفض عدد الأعضاء المتبقين عن ستة، ومجموع الناتج المحلي في اقتصادات هذه الدول عن 85 في المئة من مجموع الناتج يوم التوقيع.

كونغرس الولايات المتحدة لم يصادق على الاتفاق، ولم يكن متوقعاً ذلك في مهلة سنتين وفق ما ينص، ثم جاء إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب بلاده منها مثابة رصاصة الرحمة، إذ كانت الولايات المتحدة تشكل أكثر من 50 في المئة من مجموع الناتج المحلي للأعضاء الـ12، الذين قدّر الخبراء مجموع اقتصاداتهم بقيمة 40 في المئة من الاقتصاد العالمي.

أما سبب السباق بين أميركا واليابان، فيتعلق بالتباين في مصالح البلدين، إذ تقتضي مصلحة الولايات المتحدة التي يشكل ناتجها المحلي ربع الاقتصاد العالمي، التوصل إلى اتفاقات تجارة حرة ثنائية مع الدول، وتتمتع أميركا بأفضلية غير مسبوقة في المفاوضات الثنائية بسبب ضخامة حجمها، مقارنة باقتصاد أي حكومة قد تنخرط في محادثات ثنائية معها.

أما اليابان التي يساوي اقتصادها 6 في المئة من الاقتصاد العالمي، فهي تحتاج إلى الانخراط في اتفاقات مع تكتلات اقتصادية دولية، تعطي طوكيو هامش مناورة أوسع في اي مفاوضات ثنائية، مثل تلك المتوقعه مع واشنطن. كما أن لليابان مصلحة في الانخراط في تكتلات اقتصادية دولية تسمح لها بمواجهة تمدد النموذج الصيني، المبني على الحجم الاقتصادي والسكاني والقوة العسكرية مع عدم احترام قوانين الحماية الفكرية. فيما تسعى اليابان إلى حماية براءات الاختراعات العالمية والتزام القوانين الدولية، في شكل يحمي مصالح التقدم التكنولوجي الياباني العالمي.

وفي غياب الولايات المتحدة عـــن الزعامة الدولية بما في ذلك في شرق آسيا، ربما تنجح اليابان في إقناع منافستها كوريا الجنوبية، ويربطها بأميركا اتفاق تجارة حرة ثنائي، ولم تنخرط في الشراكة عبر الهادئ»، في الانضمام إلى الاتفاق بشكله المتجدد بغياب الأميركيين.

ومثل اليابان، ترى كل من كندا والمكسيك وجود حاجة إلى المصادقة على صيغة جديدة من «الشراكة عبر الهادئ»، حتى بعد الانسحاب الأميركي، لأن شراكة من هذا النوع تحسّن موقف الكنديين والمكسيكيين في المفاوضات المتوقعة لتعديل اتفاق التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية، والمعروف بـ «نافتا».

وعلى رغم أن «الشراكة عبر الهادئ» في صيغة متجددة ستشكل واحدة من اكبر المناطق الاقتصادية في العالم، إلا أنها ستكون أصغر بكثير من سابقتها التي كانت أميركا واحدة من أعضائها، وقد يشكل مجموع اقتصادات دولها أقل 20 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، وهي نسبة جيدة. لكن تبقي اليابان في مركز متأخر نسبياً مقارنة بالثلاثة الكبار، أي أميركا والصين والاتحاد الأوروبي.

وفي وقت تمضي واشنطن في مفاوضاتها مع شركائها السابقين في «الشراكة عبر الهادئ»، بهدف التوصل إلى اتفاقات تجارة حرة ثنائية مع كل منها، يهدد الاتفاق بصيغته المتجددة موقف الأميركيين، ويعطي دفعاً لمَن تفاوضهم، وهو السبب الذي يثير بعض القلق في صفوف الاقتصاديين العاملين في إدارة ترامب.

ومن شأن إعادة إقرار اتفاق «الشراكة عبر الهادئ» بصيغة متجددة، أن يحرج إدارة الرئيس ترامب سياسياً، لطالما كرر الرئيس الأميركي أمام مناصريه أن هدف الاتفاق كان سعي الأعضاء إلى «انتزاع وظائف الأميركيين»، ما يعني أن المصادقة على الاتفاق من دون أميركا، قد يظهر أن الهدف من صيغته الأصلية كان في مصلحة كل الدول الأعضاء، وأن الاعضاء المتبقين يبحثون فعلياً عن مصلحة اقتصاداتهم بتبنيهم التجارة الحرة البينية، وهو المبدأ الذي تمسك به حزب ترامب الجمهوري حتى وصول ترامب إلى السلطة مطلع هذه السنة.

في هذه الأثناء، اعتبر الاقتصاديون المؤيدون للاتفاق بصيغته الماضية، وهم قلّة بسبب عدم شعبية الاتفاق بين غالبية الأميركيين من مختلف الانتماءات السياسية، أن في حال تابع ترامب الانسحاب من اتفاقات التجارة الحرة التي ترتبط بها الولايات المتحدة مع دول العالم، قد تنشأ تكتلات كثيرة من دون أميركا، ما يتركها وحيدة ويحول اقتصادها على ضخامته، إلى اقتصاد معزول مع صناعة وصادرات غير قادرة على التنافس في السوق العالمية، ما يهدد بدوره الاقتصاد الأميركي بالضمور، ويضعف موقف واشنطن في أي مفاوضات مستقبلية للانخراط في اتفاقات اقتصادية متعددة الجانب.

السبت، 16 ديسمبر 2017

القدس ومرارة السوريين

بقلم حسين عبد الحسين

في الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام صدام حسين في العراق، توجه عدد من العراقيين بصورة عفوية إلى شارع حيفا في بغداد، حيث كانت تسكن غالبية خمسة آلاف فلسطيني كانوا يقطنون العراق. انهال العراقيون على الفلسطينيين وبيوتهم بالحجارة والنعال، وأجبروهم على الرحيل، فأسكنتهم الأمم المتحدة في مخيم طريبيل على الحدود مع الأردن، حتى تم تدبير إعادة توطنيهم في دول العالم، مثل بيرو ونيوزلندا.

الخطوة العراقية، على بربريتها، عكست إحباطا عراقيا عاما من "القضية الفلسطينية". قضى العراقيون عقودا يعانون من حكم أحد أكثر طغاة التاريخ دموية، فيما كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يزور بغداد ويستعرض جيش صدام إبان غزو الأخير الكويت. كانت بغداد تستضيف الفلسطينيين أبو نضال وأبو العباس وغيرهم من المرتزقة ممن وظفتهم استخبارات صدام واستخدمتهم لتنفيذ عمليات قتل وخطف في الشرق الأوسط والعالم.

ويوم زار رئيس حكومة العراق نوري المالكي واشنطن في صيف 2006، أدان في مؤتمره الصحافي مع الرئيس السابق جورج بوش في البيت الأبيض الحرب الإسرائيلية ضد "حزب الله" اللبناني، ووصفها بـ "عمليات تدمير يتسبب بها الهجوم الإسرائيلي على لبنان"، وكان ذلك قبيل إدلائه بخطاب أمام الكونغرس بغرفتيه، وتزامن مع إعلان تبرعات عراقية للفلسطينيين في غزة. وقتذاك، ثارت ثائرة العراقيين على مواقع الحوار السابقة لمواقع التواصل. اعتقد العراقيون أن "ما فيهم يكفيهم" وأن فقراءهم بحاجة للأموال التي أراد المالكي أن يتصدق بها على شعوب الجوار. أما اليوم، فالسيد نائب الرئيس نوري المالكي يعتبر خطاب ترامب حول القدس بمثابة "إعلان حرب" على العرب والمسلمين.

وقبل العراقيين، طرد الكويتيون الفلسطينيين من الكويت بسبب التأييد الفلسطيني لصدام. كانت التظاهرات في الضفة الغربية وغزة تهتف "يا صدام ويا حبيب دمر دمر تل أبيب"، فيما كان الكويتيون يختنقون بانبعاثات آبارهم النفطية، وهي ثروتهم الوطنية، التي كان صدام أضرم الحرائق فيها قبل انسحابه.

وقبل العراقيين والكويتيين، أشعل اللبنانيون حربا أهلية ضد الفلسطينيين، الذين أعلن قادتهم أن "طريق القدس تمر في جونيه"، رغم أن جنوب لبنان، الذي كانت الميليشيات الفلسطينية تحتله، كان ملاصقا لشمال إسرائيل، ويبعد عشرات الكيلومترات من جونية الشمالية.

بعد اللبنانيين، والكويتيين، والعراقيين، يراقب اليوم السوريون ”القدس“ وفي فمهم ماء. كيف يغضب العرب والمسلمون لنقل مبنى أميركي، ويلتزمون الصمت والسوريون يختنقون برائحة الأسلحة الكيماوية التي انتزعها مجلس الأمن الدولي من الرئيس السوري بشار الأسد؟

"دمشق، وبغداد، وصنعاء، وبيروت، كلها تحتلها إيران"، كتب صديقي السوري شعبان، مضيفا: "لما تزعلون على نقل مبنى سفارة من مدينة لمدينة؟ أمركم غريب".

على شريطي الإخباري في فيسبوك مرارة واضحة لدى السوريين من ردة فعل عدد كبير من العرب حول القدس، في وقت التزم هؤلاء العرب أنفسهم الصمت أمام صور السوريين قتلى وجرحى وأشلاء، تحت أنقاض بيوتهم ومخابزهم ومستشفياتهم.

"الفرق الوحيد بين الوجع السوري والوجع الفلسطيني أن التضامن مع الأخير مسموح، والمتاجرة به رابحة"، كتبت الصديقة علا، وأضافت أن "جماعة لا أحب الحديث بالسياسة لأني إنسان وفنان وحساس ورقيق ورفيق ينتفضون ويشتمون" إسرائيل بلا تردد، لكن "يصيبهم صمت مطبق أمام مجازر أولاد" سورية.

أما إياد، الزميل والصديق السوري العزيز، فأغاظه تهاون العرب في موقفهم تجاه روسيا "رغم أن روسيا نفسها اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، قبل شهر فقط من اعتراف أميركا بها، ورغم أنه سبق أن اعترفت روسيا بدولة إسرائيل عام 1948 قبل أميركا بسبعة شهور".

ومن السوريين من لم يعبّر عن موقفه تجاه القدس، والتزم بالصمت، مثل رضوان ومحمد وجمانا وإبراهيم وطه وعُمَر، أو نشروا على صفحاتهم على فيسبوك تعليقاتهم حول مواضيع أخرى غير القدس، مثل تعليقات عَمر حول قضايا التحرش الجنسي في الولايات المتحدة.

السوريون يعيشون مرارة عاشها قبلهم اللبنانيون والكويتيون والعراقيون، وهي مرارة سببها أنهم يرون العالم عموما، والعرب خصوصا، تثور ثائرتهم حول أصغر موضوع فلسطيني، ولكن يبقى صامتا حول مأساة سورية، بل يطالب العالم السوريين بتسوية سياسية مع قاتلهم في دمشق.

يوم أعلن الرئيس السابق جورج بوش بدء عملية "حرية العراق"، خرج العرب والأوروبيون ضد الحرب الأميركية، وخرجت غالبية العراقيين تأييدا للحرب والإطاحة بطاغوتهم. حتى حسن نصرالله، زعيم "حزب الله" ورجل إيران في لبنان، طالب بتسوية مع صدام، عدو إيران التاريخي. يومذاك شعر العراقيون بأن العالم تآمر ضدهم، وكانت أولى ردود فعلهم بعد التحرير أن رموا فلسطينيين أبرياء بالحجارة والنعال.

لا تستخفوا بمرارة السوريين. حتى لو كانت القضية الأخرى ذات قداسة وقدسية، فدم سوري واحد أقدس بكثير من أي مبنى، ديبلوماسيا كان أم إلهيا.

اسرائيل كأداة لإغضاب المسلمين

حسين عبدالحسين

نظّمت احدى جمعيات مسلمي الولايات المتحدة، قبل سنوات، زيارة طلابية الى مبنى الكونغرس المحلي في ولاية تكساس، الولاية ذات الغالبية السكانية من البيض المسيحيين ومناصري الحزب الجمهوري اليميني. ثارت ثائرة بعض المسيحيين ممن يرون المسلمين الاميركيين بمثابة طابور خامس يكره الولايات المتحدة، ويتآمر مع الارهاب للسيطرة على الحكومة الاميركية وفرض الشريعة الاسلامية في البلاد.

يومها قامت احدى اعضاء الكونغرس المحلي للولاية بنصب علم اسرائيل في مكتبها، وكتبت على صفحتها أن من شأن هذا العلم ان يبقي الطلاب الزائرين المسلمين بعيدين منها.

تلك الحادثة تكاد تكون الابلغ في التعبير عن نظرة البيض المسيحيين تجاه اسرائيل والمسلمين، فغالبية البيض المسيحيين تعاني نقصاً فادحاً في المعلومات، ليس عن العالم فحسب، بل عما يجري في الولايات الاميركية الاخرى. أولئك يعتقدون أن اسرائيل هي الترياق الذي يمكن استخدامه ضد ما يخالونه سمّاً اسلامياً. هكذا، ولإغضاب المسلمين، ادلى الرئيس الاميركي بخطاب أعلن فيه "اعترافه" بالقدس عاصمة لاسرائيل، على رغم تحذيرات حلفائه العرب والاوروبيين من مغبة ردود أفعال المسلمين حول العالم.

راح الاميركيون والاوروبيون، من معارضي خطاب ترامب، يشيرون الى رد الفعل الاسلامي الذي تلى الخطاب. ما لا يعلمه هؤلاء أن رد الفعل، والتغطية الاعلامية التي رافقته، هو بالضبط ما يريده ترامب، حتى يصوّر نفسه، امام اليمين المسيحي، على انه اول رئيس اميركي شجاع، لا يهاب رد فعل المسلمين.

استغلال ترامب غضب المسلمين لحصد شعبية المتطرفين من المسيحيين، لم يكن الاول من نوعه في خطاب القدس. في الماضي، أعلن المرشح ترامب نيته منع دخول كل المسلمين الى الولايات المتحدة، واعلن نيته اقامة قاعدة بيانية لتسجيل المسلمين الاميركيين. وبعد انتخابه، اصدر ترامب مرسوماً اشتراعياً لمنع دخول مواطني ست دول ذات غالبية اسلامية، المسيحيين منهم والمسلمين. ومنع السفر لا يحتاج الى مرسوم اشتراعي، بل هو عملية ادارية بسيطة اقصى ما تتطلبه اصدار تعميم الى القنصليات المعنية. لكن ترامب يحتاج الى الاثارة والتشويق في عملية تصوير نفسه كمحرّض ومتطرف، وكرئيس لا يأبه لمشاعر المسلمين، على الرغم من استثماراته في دولهم، كما في فنادقه في اسطنبول وغيرها.

مثل قرار منع السفر المزعوم، أدلى ترامب بخطاب حول القدس لم يتعد كونه خطاباً، فحتى اشعار آخر، تستمر السياسة الرسمية الخارجية للولايات المتحدة على ما كانت عليه قبل الخطاب، وهي سياسة تعتبر ان القدس الشرقية والضفة الغربية "أراضٍ متنازع عليها". ومازالت حكومة الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات الاسرائيلية في هذه الاراضي، مستوطنات غير شرعية، وتعتبر واشنطن ان بقاء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المتنازع عليها يرتبط بموافقة الفلسطينيين ضمن تسوية الحل النهائي.

ولأن خطوة ترامب مسرحية اكثر منها حقيقية، فهو تفادى التفوه بأي من الكلمات التي كان من شأنها ان تؤدي الى تغييرات حقيقية في السياسة الاميركية تجاه القدس، فهو لو قال "القدس الموحدة" عاصمة اسرائيل، لنسف مبدأ السلام من اساسه، ولو قال انه سيعترف بشرعية المستوطنات -وهو المطلب المزمن لاسرائيل وأصدقائها في واشنطن- لقلَب السياسة الاميركية رأساً على عقب. لكن ترامب لم يقل أياً من ذلك.

قدم الرئيس الاميركي خطاباً فضفاضاً دغدغ فيه مشاعر فئة من المسيحيين البيض الاميركيين، وتلقفت الحكومة الاسرائيلية الأمر، وقدمته على انه جزء من بطولاتها الوهمية في الديبلوماسية الدولية. لكن اصدقاء اسرائيل كانوا يقولون كلاماً مختلفاً في الكواليس، على طراز "ماذا يفيدنا اعتراف ترامب بالقدس موحدة عاصمة لاسرائيل فيما ايران النووية تبني مصانع صواريخ وقواعد لها في سوريا؟".

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

هل كانت السعودية مملكة يهودية؟

حسين عبدالحسين

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، مؤخراً، مقالة بعنوان "قبل الاسلام: يوم كانت السعودية مملكة يهودية"، أشارت فيها الى العثور في العام 2014 على نقش بالحرف العربي، مع رسم الصليب، في بلدة بئر حما القريبة من حدود السعودية مع اليمن. ويعود تاريخ النقش الى العام 470 ميلادية، وهو ما يجعله أقدم نقش عربي معروف.

واعتبرت الصحيفة ان النقش شكّل إحراجاً للسعوديين، اذ كيف يمكن أن يكون أول من استخدم الحرف الذي دُوّن به القرآن، من المسيحيين. وبسبب الإحراج السعودي المزعوم، لم تفرد الصحف العربية، ولا الأجنبية، اي اهتمام بفحوى النص المكتشف، واكتفت بالاشارة الى الاكتشاف الجديد كصلة وصل بين الحرفين النبطي والعربي. وتابعت الصحيفة بالإشارة الى مملكة حميَر اليهودية، معتبرة انها مملكة غطّت "معظم اليمن والسعودية"، من عسير الى نجد، وصولاً الى سواحل الخليج. 

وفي معرض حديثه عن يهود اليمن، يشكك الكاتب ارييل دافيد في مدى يهودية هؤلاء، إذ يشير التاريخ الى قيام ملوكهم باضطهاد المسيحيين. ولأن اليهود لا يضطهدون شعوباً أخرى بسبب تعاليم دينهم، وفق زعم الكاتب، فهذا ينتقص من يهودية مملكة اليمن. 

ولعل المقالة تستنفر في المرء رغبة في الرد وتسليط الضوء على الأخطاء، لا سيما في عدم فهم الكاتب الاسرائيلي للرؤية الإسلامية للإسلام واللغة العربية. فالإسلام لا يدعي حصرية اللغة العربية على غرار العلاقة بين اليهودية والعبرية. بل يعتبر المسلمون أن اللغة العربية متعددة اللهجات، وأن القرآن أنزل بلهجة قريش. كذلك، لا قدسية عند المسلمين للحرف العربي، بل ثمة إجماع على أن العرب كتبوا بحروف متعددة قبل الحرف الحالي، منه المسند والنبطي. وكذلك، لا حرج لدى المسلمين إن كان مسيحيون أو يهود كتبوا بالحرف العربي قبل بدء الرسالة الإسلامية في العام 610 ميلادية، بل إن المسلمين يعتبرون أن كتابهم هو النسخة غير المحرّفة من الكتاب نفسه المُنزل على اليهود والمسيحيين، وأن مشكلة "أهل الكتاب" من قبل المسلمين انهم حرّفوا الرسالة السماوية نفسها التي بعثت إليهم وللمسلمين بعدهم.

مشكلة ثانية تكمن في خلط الكاتب الاسرائيلي، شأنه شأن غالبية اليهود والمسلمين، بين الجذور الإثنية واللغوية من ناحية، والأصول الدينية من ناحية ثانية، وهو أمر مفهوم، طالما أن مصادر روايات تاريخ اليهود والمسلمين هي كتبهم الدينية، وهو أمر يختلف لدى المسيحيين الذين لا يعولون على القيمة التاريخية لأناجيلهم، بل ينحون إلى تغليب التمسك بالقيم الروحية الواردة في هذه الكتب.

باختلاط الدين بالتاريخ والسياسة، تغرق روايتا اليهود والمسلمين التاريخية في العداء القائم بينهما اليوم. مثلاً، يردد اليهود والمسلمون أنهم أولاد عم، وأنهم من سلالة النبي ابراهيم، وهو ما يعني فعلياً أن اليهود والعرب عبرانيون، نسبة الى عابر (هود في القرآن)، ابن سام، والجد العاشر لابراهيم. فابراهيم عبراني، وهو ما يعني أن ولديه، اسحق اسرائيل واسماعيل، هما من العبرانيين أيضاً. كما انه يمكن النظر الى التطابق الايتمولوجي بين كلمتي عبري وعربي، وفق مبدأ القلب والابدال، للاستنتاج بأن تبني اليهود اسم عبرانيين، وتبني المسلمين اسم عرب، هو تصنيف سياسي لاحق. 

والروايات العبرية، كما العربية، مرتبكة في التمييز بين الجد الإثني والرسول الديني. فاليهود يتحدرون من يهوذا ابن اسرائيل. في حين أن أعظم ملوك اسرائيل، داود ابن شاؤل وابي سليمان، لم يكن يهودياً، بل تحدّر من سلالة بنيامين، شقيق يهوذا.

أما العرب، فيصفون النبي ابراهيم أحياناً بـ"أبينا"، مع ان ابراهيم لم يتحدث العربية، بل كانت لغته في الغالب الآرامية. ثم يحاول العرب إعادة أصلهم الإثني الى يعرب ابن قحطان (يقظان في العهد القديم) ابن هود. أما اسماعيل، فلا يتحدّر من قحطان، بل من شقيق قحطان فالق. واسماعيل، الذي تعلم العربية بعد هجرته الى ديار العرب، هو جد نبي المسلمين محمد، وهو ما يعني أن العرب سابقون على اسماعيل، وأن النبي نفسه من العرب المستعربة، لا العرب العاربة الأقحاح أولاد يعرب.

هذه التفاصيل تفوت كاتب "هآرتس"، الذي يرى التاريخ من منظور الحاضر. ينظر الى كتابة عربية مع صليب في اليمن، فيَصِل إلى استنتاج مفاده أن العربية ليست لغة المسلمين، وأن جزيرة العرب كانت مملكة يهودية، وأن المسلمين والعرب اليوم يحاولون طمس الماضي لأنه ينتقص من أصالة روايتهم.

ثم أن الصليب علامة سابقة على المسيحية. إذ تعج القبور اليونانية، قبل المسيحية، بإشارة الصليب، والتي كانت في الغالب رمز قوة وتغلب على الموت، وهي دخلت المسيحية مع قسطنطين الكبير في القرن الرابع ميلادي، إذ تلقّى وَحياً سماوياً بأن "بهذه الإشارة تغزو". وبعد قسطنطين، بدأت إشارة الصليب تغزو النقود البيزنطية المسيحية، وصارت رمزاً لقهر الموت، وهو الفعل الذي قام به المخلص يسوع المسيح، بحسب الأناجيل. وهو ربما ما أدى الى الربط بين المسيح وإشارة الصليب، بعدما كانت الإشارة الأقدم للمسيح هي السمكة، رمز القيامة بعد الموت. وفي الأناجيل والقرآن، يعود يونس الى الحياة بعد أن يلفظه الحوت (أو النون) من باطنه.

هكذا، لا يمكن القفز إلى استنتاج بأن إشارة صليب، من القرن الميلادي الخامس في اليمن، تعني بالضرورة المسيحية بشكلها الحالي، بل ربما تعود الى طائفة كانت تتبنى رموزاً سائدة، مع تعاليم تتشابه مع المسيحية. كذلك، لا يمكن الاستنتاج بأن اليهود في القرآن هم يهود اليوم، فيهود القرآن قالوا ان عزيراً ابن الله، فيما يهود اليوم يوحدون كالمسلمين، ولا يشركون، لكنهم لا يقبلون محمد ورسالته.

والحال أنه لا يمكن الإحاطة بتاريخ العبرانيين، ولا من يتحدّر منهم من يهود ومسلمين، في مقالة صحافية واحدة. لكن لا بد من مطالبة الصحافيين بالابتعاد عن التأريخ الحزبي الذي يقودهم الى استنتاجات تنعكس في النقاش السياسي الدائر، كي لا يتحول التاريخ الى مادة دعائية سياسية... وكي لا "يَصدُق" كاتب إسرائيلي في قوله إن الكشف الأثري الجديد قد سبب إحراجاً فعلياً.

ترامب يتلقى صفعة انتخابية ثانية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

للمرة الثانية في أقل من خمسة أسابيع، مُني الرئيس دونالد ترامب وحزبه الجمهوري بهزيمة انتخابية قاسية، فبعد نجاح الحزب الديموقراطي، الشهر الماضي، في اكتساح انتخابات ولاية فيرجينيا المتأرجحة عادة بين الحزبين، فجّرت ولاية آلاباما الجنوبية، ذات الغالبية الجمهورية، مفاجأة كبيرة بفوز المرشح الديموقراطي دوغ جونز على منافسه الجمهوري روي مور، في الانتخابات الفرعية لمجلس الشيوخ، التي أجريت لملء المقعد الذي شغر بتعيين جيف سيشنز وزيراً للعدل، مطلع العام الحالي. 
والفوز الديموقراطي في الولاية الجمهورية هو الأول منذ 25 عاماً، ومعه تتقلص الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ إلى 51 من أصل 100 سيناتور، وهي غالبية ضئيلة جداً وتهدد أجندة ترامب في مرحلة مبكرة من رئاسته. 
ومع الفوز الديموقراطي، تصبح إمكانية سيطرة الديموقراطيين على غرفة من غرفتي الكونغرس (مجلسا النواب والشيوخ) أمراً محتملاً جداً في الانتخابات النصفية العام المقبل. 
وسيطرة الديموقراطيين على مجلس الشيوخ، مع حلول العام 2019، لا تعني فقط نسف أجندة ترامب السياسية وتقويض حظوظ إعادة انتخابه لولاية ثانية في العام 2020، بل تهدد ما تبقى من الولاية الأولى للرئيس في حال توصل المحقق الخاص بوب مولر الى قرار اتهامي بحق ترامب بتهمة التآمر مع روسيا ضد المرشحة للرئاسة هيلاري كلينتون وحزبها الديموقراطي، العام الماضي.
أهم خلاصات الهزيمة القاسية لترامب والجمهوريين في ولاية آلاباما أن هذه الهزيمة تظهر خيبة أمل بين الجمهوريين من رئيسهم وحزبهم، مقابل حماسة واسعة بين الديموقراطيين لاستعادة البيت الابيض والكونغرس. كما تظهر نتيجة آلاباما أن نتائج فيرجينيا الكاسحة لمصلحة الديموقراطيين لم تكن مصادفة، بل جاءت في سياق ينذر بتقهقر متوقع للحزب الجمهوري في الدورات الانتخابية المقبلة.
وتعليقاً على الهزائم التي بدأت تتوالى بحق الجمهوريين، كتب المعلّق في موقع «فوكس» (اليساري الليبرالي)، ان الصورة الأكبر تظهر أن «الحزب الجمهوري يقوده رئيس غير شعبي، وقادة كونغرس غير شعبيين، ويتبنى أجندة سياسية غير شعبية، وهو ما يضع الجمهوريين في خطر انتخابي هائل».
واكتسبت هزيمة آلاباما معاني سياسية واسعة، خاصة ان المرشح الجمهوري الخاسر روي مور كان مرشح اليمين المتطرف بقيادة مستشار ترامب السابق ستيف بانون، الذي نجح بإلحاق الهزيمة بمرشح المؤسسة الجمهورية أثناء الانتخابات التمهيدية الحزبية. 
وجاءت خسارة بانون ومرشحه واليمين المتطرف عموماً أمام ديموقراطي يساري، لا ديموقراطي وسطي، وهو ما يؤشر على عودة أميركية الى البرنامج السياسي الذي حمل الرئيس السابق باراك أوباما الى الحكم في العام 2008، بعد فوز الديموقراطيين بغالبية الكونغرس بغرفتيه في العام 2006. 
وتشي خسارة بانون واليمين المتطرف، في واحدة من أكثر الولايات المسيحية البيضاء، بانقلاب في المزاج الأميركي ضد الأجندة المتطرفة التي يتبناها كل من بانون وترامب، وبأن الانقلاب الشعبي الأميركي ضد الموجة اليمينية المتطرفة قد يتوسع خارج حدود الولايات المتحدة والقارة الاميركية ليصل الشواطئ الاوروبية، حيث عانت بعض الدول الاوروبية من صعود موجة تطرف يميني نجحت في فصل المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي، وكادت تستولي على الرئاسة في فرنسا، ورئاسة الحكومة في هولندا.

الرئيس يوقّع ميزانية الدفاع الضخمة ويعلن إستراتيجيته... الإثنين

واشنطن - رويترز، ا ف ب - أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض هربرت ريموند مكماستر أن الرئيس دونالد ترامب سيعلن عن استراتيجية أمنية جديدة الاثنين المقبل.
وقال مكماستر، خلال لقاء مع نظيره البريطاني مارك سيدويل ليل أول من أمس، إن الاستراتيجية الجديدة «ستركز على أربعة محاور رئيسية هي حماية الأمن الأميركي الداخلي، وتعزيز الرخاء، والحفاظ على السلم عن طريق القوة العسكرية، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة».
وأضاف ان الإستراتيجية «ستحدد التهديدات العالمية للولايات المتحدة ومصالحها بما في ذلك القوى الرجعية مثل روسيا والصين والأنظمة المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية والجماعات الإرهابية عبر العالم».
من جهة أخرى، وقع ترامب مرسوم ميزانية الدفاع الضخمة البالغة نحو 700 مليار دولار، والتي قال انها ستساعد الولايات المتحدة في تعزيز قوتها العسكرية وتحديث قواتها وعتادها.
وقال ترامب في مراسم التوقيع في البيت الأبيض محاطا بكبار قادة «البنتاغون» ومن بينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس «بتوقيع هذه الميزانية الدفاعية، نحن نسرع عملية استعادة القوة العسكرية للولايات المتحدة بالكامل». 
وفيما حصل القانون على موافقة الكونغرس بدعم من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، لم يتفق النواب بعد على كيفية تمويل هذا الانفاق العسكري الضخم، الذي يبلغ وحده مجموع النفقات العسكرية للدول السبع التي تأتي مباشرة بعد الولايات المتحدة من حيث قيمة نفقاتها العسكرية.

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

قرار ترامب في شأن القدس... بلا مفاعيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على الرغم من خطاب الرئيس دونالد ترامب، الذي «اعترف» فيه بالقدس عاصمة لاسرائيل، ما تزال السياسة الأميركية الرسمية تجاه الوضع في «الأراضي الفلسطينية» تنص على أن القدس الشرقية والضفة الغربية هي أراض «متنازع عليها»، وأن كل المستوطنات الاسرائيلية المقامة في هذه الاراضي هي مستوطنات غير شرعية.
أما سبب استمرار السياسة الأميركية تجاه فلسطين على حاله، فمرده الى ان الرئيس الاميركي تعمّد الغموض في خطابه الأربعاء الماضي، فهو لم يقل إن «القدس الموحدة» عاصمة إسرائيل، ولا اعترف بحدود القدس كما ترسمها الحكومة الاسرائيلية، بل اكتفى بالقول إن شكل حدود القدس خاضع لمحادثات الحل النهائي.
وفيما تباهى ترامب بما بدا مرسوماً اشتراعياً وقّعه على اثر خطابه، فإن ما وقّعه ترامب فعلياً هو نفس الإعفاء الذي دأب على توقيعه الرؤساء الاميركيون المتعاقبون على مدى الأعوام الاثنين والعشرين سنة الماضية، وهو إعفاء لوزارة الخارجية من تنفيذ قوانين الكونغرس التي تفرض نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. 
بكلام آخر، على عكس الانطباع السائد عربياً ودولياً، لم يقرن الرئيس الأميركي خطاب اعترافه المزعوم بالقدس بأي قرار أو مرسوم تنفيذي للقوانين المصادق عليها في الكونغرس والمتعلقة بنقل السفارة الى القدس. 
ويشبه خطاب ترامب الاستعراضي حول القدس خطابه الاستعراضي عندما أعلن نيته عدم تقديم إفادة للكونغرس بأن إيران متجاوبة مع الاتفاقية النووية، وهي خطوة لاقت استحساناً واسعاً في أوساط الحزب الجمهوري وأصدقاء إسرائيل، بيد أنها خطوة شكلية لم يقرنها الرئيس بأي تعليمات للعاملين في إدارته، خصوصاً في البعثة الأميركية إلى الأمم المتحدة، بضرورة تحدي الايرانيين والذهاب إلى تحكيم، حسب نص الاتفاقية، يسمح لأميركا بنقض أي محاولة في مجلس الأمن للإبقاء على الاتفاقية ويعيد تلقائياً العقوبات الاقتصادية الاممية على طهران.
خطابات ترامب المسرحية هذه، تتوافق مع ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، عن أن الرئيس الاميركي قال للعاملين في إدارته إن عليهم أن يتخيلوا أن كل يوم في إدارته وكأنه يوم في مسلسل تلفزيوني يومي. كما ذكرت الصحيفة أن ترامب يمضي أربع إلى ثماني ساعات يومياً وهو يشاهد التلفاز، وأن غالبية مواقفه مستوحاة مما يشاهده، خصوصاً على برنامج «فوكس اند فريندز» الصباحي، الذي تبثه قناة «فوكس نيوز» اليمينية.
وسبق لترامب أن لعب دور نجم مسلسل تلفزيون الواقع «ذي ابرنتيس»، ويبدو أنه ما يزال متأثراً بصناعة شخصيته بشكل من شأنه أن يرفع من شعبيته بين المشاهدين. ويعتقد المراقبون أن الرئيس الأميركي نجح فعلياً في إقناع مجموعة من الأميركيين بتأييده بشكل مطلق، لكن أسلوبه المسرحي، الذي يتسم بالتحريض ضد مجموعات دون أخرى، ساهم في الوقت نفسه بمنحه أدنى معدلات التأييد في تاريخ الرئاسة، في استطلاعات الرأي العام الدورية.
ترامب يبدو رئيساً تلفزيونياً أكثر منه رئيساً واقعياً، وهو ما قد يفسر المواقف النارية والخطابات المتكررة التي يدلي بها، ويتضح أنها مواقف وخطابات يندر أن تتحول الى سياسات فعلية على الأرض. ومن بين هذه المواقف خطابه حول اعترافه بالقدس عاصمة دولة اسرائيل، وهو خطاب بلا مفاعيل، على الرغم من أنه أثار ثائرة حكومات وشعوب الدول العربية والإسلامية، ممن راحوا يطالبونه بالتراجع عن قرار أوحى أنه اتخذه، لكنه في الواقع لم يتخذه فعلياً.
في سياق متصل (وكالات)، قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي إن الاعتقاد بعد قرار ترامب بشأن القدس كان «أن السماء ستُطبق على الأرض، لكن لم يحصل شيء».
وقالت بسخرية في لقاء مع شبكة «سي إن إن»، ليل أول من أمس، إنه «مرّ الخميس والجمعة والسبت والأحد ولا تزال السماء في مكانها ولم تسقط».
وأضافت: «الطبيعة البشرية للبعض تعتقد أن ما حصل أمر فظيع لكن ماذا لو كان المفيد هو ما فعلناه؟... ما نقوله أمر حقيقي القدس عاصمة إسرائيل».
وأشارت هايلي إلى أن الإدارة الأميركية «لم تتحدث عن القدس الشرقية لسبب واضح هو أنه أمر يتعلق بالفلسطينيين والإسرائيليين وكل ما نريده نحن أن تكون سفارتنا في العاصمة».
وعلى صعيد المواقف العربية الرافضة لقرار ترامب، أوضحت هالي أن واشنطن «لديها الكثير من القواسم المشتركة مع العرب أكثر من السابق بسبب المعركة الحالية مع إيران».
وأضافت: «قد نختلف حول هذه القضية لكن هناك الكثير من القضايا التي يمكن أن نعمل عليها سوياً».

السبت، 9 ديسمبر 2017

الروس للأميركيين: نحن والأسد والإيرانيون نوافق على الشرع لرئاسة المرحلة الانتقالية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر أميركية رفيعة المستوى أن المسؤولين الروس أبلغوا نظراءهم الأميركيين أن موسكو وطهران والرئيس السوري بشار الأسد يوافقون على تولي نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إدارة «المرحلة الانتقالية» في سورية. 
وقال المسؤولون الروس إن الشرع يلقى قبولاً لدى الحكومة السورية ومعارضيها، خصوصاً أنه شخصية مدنية، ولم يتورط في أي من الأعمال القتالية المندلعة في البلاد منذ العام 2011.
لكن لا يبدو أن المشكلة لدى الأميركيين والأوروبيين تكمن في اسم الشخصية التي ستدير «المرحلة الانتقالية» في سورية، بل ان العواصم الغربية لا تزال تختلف مع موسكو وحلفائها حول شكل وتفاصيل المرحلة الانتقالية.
وفي هذا السياق، أوضح مسؤولون أميركيون مطلعون على المحادثات في شأن سورية، اشترطوا عدم ذكر أسمائهم، أن «الروس والأسد يعتقدون أنه يمكنهم تقليص أهمية المرحلة الانتقالية، وتحويلها (هيئة الحكم الانتقالي) إلى مجرد لجنة هامشية متخصصة بتعديل بعض فقرات الدستور، من دون المس بجوهر النظام وتراتبيته وأجهزته الأمنية». 
وذكر المسؤولون الأميركيون أنه سبق للأسد أن أوفد الشرع، في الاشهر الأولى التي تلت اندلاع الثورة السورية في مارس من العام 2011، لعقد لقاء مع من وصفهم بالمعارضين، في أحد فنادق دمشق، بهدف الاتفاق على إجراء تعديلات دستورية. بكلام آخر، قال المسؤولون الأميركيون: «لا يزال الروس والأسد يعتقدون أنه يمكن لتعديلات شكلية أن تنهي الأزمة السورية وتنهي القطيعة الدولية للأسد».
لكن واشنطن والعواصم الغربية ليست مستعدة للتنازل عن مواقفها المطالبة بتعديلات جذرية في نظام الحكم في سورية. ويعتبر الأميركيون، وفي طليعتهم قادة الحرب ضد تنظيم «داعش» أن تغييرات جذرية مطلوبة في حكومات العراق وسورية لتفادي عودة «داعش» بصيغة وحلة جديدة، أو ما يصطلح المسؤولون الأميركيون على تسميته «داعش نسخة 2.0». 
ويقول الأميركيون إن موافقة الأسد على تولي الشرع المرحلة الانتقالية تعني أنه ينظر إليها بمثابة لجنة فرعية حكومية تقوم بتعديلات دستورية، فيما الأمرالواقع يبقى أن الأسد ممسك بالسلطة، بغض النظر عن أي تعديلات. 
أما بالنسبة للمعارضين وحلفائهم العرب والغربيين، فيرون المرحلة الانتقالية بمثابة «تصفير للعلاقات» بين المعارضة والنظام مع خروج الأسد من الحكم. 
هل يمكن للأسد الترشح لولاية رئاسية جديدة بعد الانتهاء من العملية الانتقالية؟ ينقل الأميركيون عن المعارضين السوريين ان أي دستور جديد لسورية سينص على تحديد رئاسة أي رئيس بولايتين، مع مفعول رجعي، وهو ما يعني أن الأسد يكون قد تجاوز المدة المسموحة لبقائه في الرئاسة، وأن ترشحه لا يجوز دستورياً، بغض النظر عن الموقف السياسي للمعارضة.
هل يحق للشرع الترشح للرئاسة؟ ينقل الأميركيون عن المعارضين ان من سيمسكون بالمرحلة الانتقالية هم من سيشرفون في الغالب على الانتخابات المقبلة، برعاية دولية، وانه من حيث المبدأ، لا يجوز لمن يجري الانتخابات ويشرف عليها أن يترشح أيضاً، لكن هذه التفاصيل عرضة للمفاوضات، إنْ حصلت.

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

ترامب يستعجل الكونغرس إقرار الخفوضات الضريبية

واشنطن - حسين عبدالحسين

حضّ مساعدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأعضاء في الكونغرس بغرفتيه، على تسريع إقرار القانون الذي يحمل اسم «اقتطاع الضرائب و(إضافة) وظائف» قبل الـ22 من هذا الشهر، وإرساله إلى مكتبه لتوقيعه، كي يصبح سارياً قبل موعد عيد الميلاد. ويندرج ذلك في التزام الوعد الذي قطعه ترامب لمؤيديه، قائلاً لهم: «سستتسلمون عيدية الميلاد على شكل الاقتطاعات الضريبية التي سيحصلون عليها».

ويعمل المشرّعون الأميركيون على مدار الساعة للتوصل إلى صيغة نهائية يمكن أن تنال موافقة الغرفتين، وكان سبق لكل منهما وأقرّت مسودتها الخاصة. وعيّن كل من الغرفتين مندوبين عنها بهدف اللقاء والتفاوض على تذليل العقبات، وتوحيد المسودتين في نص نهائي يصدر على شكل قانون، ويُرسل إلى البيت الأبيض.

ومن المسودّتين اللتين أقرّهما الكونغرس بغالبية ضئيلة، وسط معارضة المشرعين الديموقراطيين، يظهر أن الأميركيين الذين يجنون 40 ألف دولار وأكثر سنوياً، والشركات بأحجامها المختلفة، سيستفيدون من الخفوضات الضريبية في السنوات الثماني المقبلة، بدءاً من مطلع العام المقبل وحتى نهاية عام 2025.

وبموجب القانون الجديد، سترتفع الضرائب على أصحاب مداخيل الحد الأدنى، أي الذين يجنون أقل من 40 ألف دولار سنوياً من 10 إلى 12 في المئة. فيما يبقي القانون على إعفاءات ضريبية تصب في مصلحة الذين يجنون أقل من ربع مليون دولار سنوياً، في السنوات الثماني المقبلة. لكن صلاحية الإعفاءات تنتهي مع نهاية عام 2025، مع ما يعني ذلك من ارتفاع الضرائب على الغالبية الساحقة من الأميركيين.

وحدها الشركات التي سيُخفّض العبء الضريبي عليها من 35 في المئة سنوياً إلى 20 في المئة، هي التي تبقى ضرائبها متدنية بعد فترة السنوات الثماني، ما يعني في المحصلة النهائية، سيرفع القانون الضرائب على الأقل دخلاً وسيمنح إعفاءات موقتة لذوي الدخل المتوسط، في حين سيعطي الشركات الكبيرة والمتمولين إعفاءات ضريبية دائمة، على أمل إغواء الفئة الأخيرة كي تعيد أموالها من الخارج واستثماراها في الداخل، فترفع بذلك نمو الناتج المحلي بنسبة يصرّ فريق ترامب على أنها ستناهز 3 في المئة سنوياً.

وكان ترامب أعلن عدم ممانعته إعادة النظر في تقليص ضرائب الشركات من 35 إلى 22 في المئة، بدلاً من ٢٠ في المئة، بهدف خفض الزيادة المتوقعة في العجز السنوي.

خارج الفريق الرئاسي، يجمع الاقتصاديون الأميركيون ومراكز البحوث من اليمين واليسار، على أن أقصى نسبة نمو يمكن أن تحققها الخفوضات الضريبية ستترواح بين واحد و4 في المئة، وهي نسبة ستكون موقتة، وسترفع معها نسبة نمو الدين العام، مع ما يعني ذلك من تكبيد الخزينة الفيديرالية تكاليف إضافية لخدمة الدين العام البالغ أكثر من 19 تريليون دولار. وتتحمّل الحكومة الفيديرالية ٢٦٦ مليون دولار سنوياً ثمن خدمة الدين وحده، وهي نسبة سترتفع من دون شك في حال أُقرّ قانون «اقتطاع الضرائب ووظائف»، ما ينتقص بدوره من نمو الناتج المحلي السنوي المطلوب رفعه بموجب القانون الجديد.

واستناداً إلى مكتب موازنة الكونغرس، سيؤدي القانون الجديد إلى رفع العجز السنوي بواقع 4.1 تريليون دولار، على مدى العقد المقبل.

ولتأكيد النظرية القائلة بعدم تخطي نسبة النمو الاقتصادي 4 في المئة، في حال إقرار قانون اقتطاع الضرائب، قدّم مركز البحوث المعروف باسم «اللجنة من أجل موازنة فيديرالية مسؤولة» جدولاً رصد فيه نسب الزيادة في نمو الناتج المحلي الأميركي، التي حصلت إثر اقتطاعات ضريبية ماضية.

وأظهر الجدول أن النمو ارتفع بعد الاقتطاع الذي بلغ 10 في المئة على كل الضرائب الأميركية عام 2004، بمقدار ١٤ في المئة، وزاد 6 في المئة لعام 2005، وبنسبة 22 في المئة إثر اقتطاع ضرائب المشتريات عام 2006. كل هذه الاقتطاعات الضريبية، وفق «اللجنة من أجل موازنة فيديرالية مسؤولة»، حصلت بالتزامن مع تمويل العجز الناتج عنها بالاستدانة الحكومية.

أما في عامي 2006 و2011، أدى خفضان ضريبيان تزامناً مع اقتطاع في الإنفاق، أي من دون تمويل العجز بمزيد من الدين الحكومي، إلى زيادة بنسبة 24 و14 في المئة على التوالي، ما يعني أن قانون ترامب المطروح للنقاش أمام الكونغرس حالياً، والذي يكبد الخزينة زيادة في العجز السنوي بمقدار 4.1 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، لن يؤدي إلى دفع النمو الاقتصادي الأميركي إلى نسب مرتفعة مثل تلك التي يعد بها الرئيس الأميركي وفريقه. وأفاد بيان «مكتب موازنة الكونغرس» بأن الضرائب سترتفع على غالبية الأميركيين بحلول عام 2027، بموجب قانون ترامب الضريبي الجديد، وسيتزامن ذلك مع خسارة 4 ملايين أميركي ضمانهم الصحي مع حلول عام 2019، وخسارة ١٣ مليوناً ضمانهم الصحي مع حلول عام 2027.

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

نقل السفارة الأميركية إلى القدس ... في ولاية ترامب الثانية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين | | القدس - «الراي» |

ما لم يقله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إعلانه ليل أمس عن عزمه على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كشفه مسؤولون في إدارته، بتأكيدهم أن نقل السفارة يستغرق سنوات، وأن القرار الجديد لا يؤثر في مجرى المفاوضات «السرية» القائمة، ويستند إلى تفاؤل أميركي بالتوصل قريباً إلى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ففي مؤتمر صحافي شارك فيه أكثر من 400 إعلامي بصورة شخصية، عبر الهاتف، أوضح مسؤولو الإدارة خلفية القرار الأميركي، الذي قوبل بموجة تنديد عربية وإسلامية ودولية، أن إدارة ترامب، رغم العبارات المنمقة التي تستخدمها لمداعبة مخيلة اليهود في إسرائيل وأميركا، فإنها تقر بأن «حدود القدس يتم تحديدها بموجب اتفاق السلام النهائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين»، ما يبقي الباب مفتوحاً لقدس شرقية عاصمة للفلسطينيين.

وحرص المسؤولون على تكرار أن الأمور على الأرض ستبقى على حالها، لأن أي عملية نقل لأي سفارة أميركية حول العالم تستغرق سنوات، وضربوا مثالاً على ذلك بعملية نقل السفارة الأميركية في لندن إلى مبنى جديد، وهي عملية استغرقت ثماني سنوات، كما أن السفارة الأميركية في تل أبيب يعمل فيها ألف ديبلوماسي.

ويعني ذلك أن العملية لن تتم في ولاية ترامب الأولى التي تنتهي في العام 2020، على أن تتم على الأرجح في ولايته الثانية إذا فاز مجدداً في الانتخابات الرئاسية.

وتفسيراً لحديث الأميركيين عن أن خطوتهم تدفع عملية السلام قدماً، قال المسؤولون إنهم والرئيس «يعلمون ما لا يعلمه الرأي العام والاعلاميون حول تطورات العملية السلمية خلف الكواليس»، وأن ترامب يبدي تفاؤلاً حيال إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين في المستقبل القريب، ويعتبر أن اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لاسرائيل لا يؤثر في مجرى المفاوضات السرية.

وعلى وقع تصاعد موجة الغضب، عربياً وإسلامياً ودولياً، المترافقة مع تحذيرات لإدارة ترامب من مغبة «إشعال» المنطقة، أكد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الاعلام بالوكالة الشيخ محمد العبدالله أن مسألة نقل السفارة تم بحثها خلال الجلسة المغلقة لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، التي استضافتها الكويت، أول من أمس، وأنه تم الاتفاق على أن يكون هناك تحرك جماعي مع الإدارة الأميركية «لإظهار قدر الغضب من هذا التصرف، وجار الإعداد لرسالة خليجية سيتم تسليمها للإدارة الأميركية بهذا الشأن».

وفي حين يُعقد اجتماع عربي طارئ على مستوى وزراء الخارجية السبت المقبل، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قمة لقادة دول منظمة التعاون الاسلامي في اسطنبول، الأربعاء المقبل، محذراً بعد محادثات مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس، من أن اعتراف واشنطن بالقدس «سيُفيد الجماعات الارهابية»، فيما أكد العاهل الأردني أن المدينة المقدسة «مفتاح استقرار» المنطقة.

وأعرب الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن استغرابه «أن تتورط الإدارة الأميركية في استفزاز غير مبرر لمشاعر 360 مليون عربي، ومليار ونصف المليار مسلم إرضاء لإسرائيل»، فيما برزت مواقف أوروبية معارضة للخطوة الأميركية، إذ أكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن «وضع القدس يجب أن يتحدد من خلال تسوية»، وأن المدينة «في نهاية الأمر يجب أن تشكل عاصمة مشتركة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية»، فيما أعربت ألمانيا عن قلقها، وحذت حذوها روسيا والصين ودول أخرى.

في موازاة ذلك، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية «ريشيت بيت»، أن رئيس الفيلبين رودريغو دوتيرتي بعث رسالة إلى إسرائيل يعلن فيها أنه معني بنقل سفارة بلاده إلى القدس.

Since December 2008