الثلاثاء، 30 أبريل 2019

عن إسرائيل دولة اليهود

حسين عبدالحسين

تفاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، لردة الفعل السلبية الناجمة عن قيام حكومته بمنح الجنسية الروسية للانفصاليين الأوكرانيين، وهم روس عرقيا، يعيشون شرقي أوكرانيا، على مقربة من الحدود مع روسيا. وقال بوتين إن حكومات كل من بولندا ورومانيا والمجر تمنح الجنسية للبولنديين والرومان والمجريين عرقيا، أينما كانوا حول العالم؛ وهو ما يعيد إلى الواجهة نقاشا متجددا حول الهوية القومية والحكومات: هل تمثل كل حكومة في العالم عرقا بشريا محددا، أم تمثل المواطنين ـ على اختلاف أعراقهم ـ ممن يعيشون داخل حدود الدولة وتحت سيادة الحكومة المذكورة؟

النظام العالمي الذي تم تشييده بعد الحرب العالمية الثانية استند إلى اتفاقية وستفاليا (1648م)، التي أقامت مبدأ السيادة الوطنية على مساحة محددة، وأنهت مقدرة حاكم ما على مساندة أبناء دينه داخل حدود دولة أخرى. في نفس الأثناء، سمحت الاتفاقية لأبناء المذاهب التي تختلف عن المذهب الرسمي للحكومة، بممارسة شعائرهم الدينية بحرية.

هكذا صارت حكومات أوروبا، ومستعمراتها في أميركا التي استقلت فيما بعد، تساوي بين مواطنيها ـ بغض النظر عن أعراقهم أو معتقداتهم ـ ولا تتدخل في شؤون الحكومات الأخرى، حتى لو تعرض أبناء مذهب حكومة ما لاضطهاد أو انتقاص لحقوقهم السياسية.

وفي النصف الأول للقرن الماضي، تقدمت العرقية على السيادة الوطنية لفترة، فراح النازيون يجتاحون دول جوارهم بحجة تحرير أبناء جلدتهم الألمان من اضطهاد حكومات هذه الدول، مثل النمسا وبولندا.

على أن العالم لم يعش التجربة الأوروبية المنصوص عنها في وستفاليا، فواصلت غالبية حكومات العالم اعتبار نفسها ممثلة لأبناء عرقها أو دينها. حتى يوم حاولت أوروبا إقامة دول قومية في مستعمراتها، كان من شبه المستحيل إقامة دول ذات صفاء عرقي أو ديني، فدولة العلويين في سوريا كانت تعاني من تخمة في السنة، ودولة المسيحيين في لبنان كانت تعاني من ارتفاع عدد المسلمين، سنة وشيعة.

أما الدول الأكثر تنوعا، مثل تركيا، فهي عانت الأمرين في محاولة لإقامة أمة تركية صافية، فدخلت مع اليونان في نزاع وصل حد التبادل الديموغرافي، فرحل الأناضوليون اليونان من تركيا إلى اليونان، ورحل اليونانيون الأتراك إلى الأناضول. لكن على الرغم من كل محاولاتها، بقيت تركيا متنوعة أكثر مما يسمح إقامة دولة صافية عرقيا، فتواصلت صراعات الدولة التركية لبسط سيادتها على مناطق ذات غالبية كردية وأرمنية وعربية، واستتب لها الأمر في مناطق، لكن الصراع مازال قائما في مناطق أخرى.

المشاريع القومية (تساوي المواطنين داخل حدود بلادهم) في الشرق الأوسط، ومعظم دول العالم، فشلت؛ فأعلنت إيران الخميني نفسها دولة قائمة على المذهب الشيعي الاثني عشري، وهو ما يستثني الإيرانيين من المذاهب الأخرى من اعتبار أن حكومة إيران هي حكومتهم. ومثل إيران، طرّز صدام حسين شعار "الله أكبر" على العلم العراقي، وكأن لا بأس أن يحمل المسيحيون العراقيون علم دولتهم وعليه عبارة إسلامية، وكذلك فعلت السعودية الإسلامية في دستورها، وعلمها، وتصنيفها مواطنيها، وحتى زوارها، بل إن المؤسس عبدالعزيز ابن سعود، يوم منعه البريطانيون والفرنسيون من إضافة البادية السورية ـ التي كان قد حاز على مبايعة عشائرها ـ إلى مملكته، قام بتجنيس هؤلاء، فصاروا سعوديون يعيشون في سوريا.

إذا، ليست دول الشرق الأوسط ملك مواطنيها بغض النظر عن عرقهم أو دينهم، بل هي دول يسيطر عليها عرق واحد أو مذهب واحد، ويستثني الأعراق والمذاهب الأخرى، أو يعاملهم كمواطني درجة ثانية، أي أقليات؛ مثل الكرد في العراق وتركيا، والشيعة في السعودية والبحرين، والسنة في إيران والعراق.

وينصّب حكام هذه الدول أنفسهم حكاما عابرين لحدودهم، فتعتبر إيران نفسها حكومة الشيعة أينما كانوا في العالم، وتتنافس السعودية وتركيا على زعامة السنة في العالم، ويعتقد رئيس لبنان ميشال عون أنه رئيس مسيحيي المشرق (طالما أن لشيعة لبنان حكومتهم في طهران ولسنة لبنان حكومتهم إما في الرياض أو في أنقرة).

وسط كل هذه الفئوية والعنصرية والطائفية الدينية المذهبية، يتنطح سكان الشرق الأوسط للتعييب على إسرائيل، واتهامها بالعنصرية ضد العرب ممن يعيشون داخل حدودها، وسماحها لنفسها بلعب دور حكومة اليهود حول العالم.

واقعيا، لا تختلف إسرائيل عن دول الشرق الأوسط، ولا بعض دول أوروبا التي أشار إليها بوتين، ولا روسيا والصين وغيرها من الدول، التي ترى نفسها حكومات عابرة للحدود، على حسب انتشار أبناء عرقها أو دينها، وهو ما يجعلها حكومات غير محدودة بمساحة جغرافية.

وحده الغرب في أوروبا، وأميركا الشمالية، وأستراليا، هو الذي يرى الدولة على أنها حكومة ذات سيادة محدودة بمساحة جغرافية معينة، وأن مواطنيها هم من مولودي هذه المساحة، أو من المهاجرين إليها ممن استحقوا الجنسية، وجميعهم يتساوون في الحقوق والواجبات تحت سقف القانون. هؤلاء المواطنون هم من تدافع عنهم حكومات الغرب، أينما كانوا حول العالم، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم.

أيهما النموذج الأصلح؟ للمعجبين بعصر التنوير الأوروبي والفكر السياسي الناجم عنه، يتقدم النموذج الغربي، الذي يساوي بين مواطني الدولة بغض النظر عن عرقهم أو دينهم. أما المتمسكون بأن الدنيا هي جماعات متنافسة، وأنه "لا يحك جلدك إلا ظفرك"، فنموذج الهوية القبلية العابرة للحدود يناسبهم أكثر، والقبيلة في العادة مغلقة ويستحيل الانتساب لها.

والقبيلة أيضا تنظر إلى نفسها كوحدة متجانسة، ذات رأي واحد، وطموح واحد، ومصلحة واحدة، وهو ما يقلص الحرية الفردية إلى حد العدم، ويحول كل فرد إلى مناصر، دوره ينحصر في نصرة قبيلته على منافسيها، والتصفيق لزعيمها، وهي ثقافة تبدو أنها منتشرة في العالم، ولكنها لحسن الحظ ما تزال متعثرة في دول الحريات، على الأقل حتى الآن.

السبت، 27 أبريل 2019

مخاطر المراهنة على ترامب... تقلق اليهود الأميركيين

واشنطن - من حسين عبدالحسين

يتباهى قادة اللوبي الإسرائيلي «ايباك» بتردادهم أن في جيوبهم «توقيعا على بياض» من أكثر من مئة عضو في الكونغرس من الحزبين. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تمتعت إسرائيل بدعم لا يضاهى في الكونغرس بغرفتيه، وهو دعم دائم لم يتأثر يوما بعلاقة حكومة إسرائيل بأي من الرؤساء الأميركيين. حتى في أوقات التوتر بين الدولتين الحليفتين، مثل في رئاستي جورج بوش الأب الجمهوري وباراك أوباما الديموقراطي، لم يحد الكونغرس عن دعمه المطلق لإسرائيل.
لكن الزمن يبدو أنه يتغير، إذ وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي الذي أجراه معهد «بيو» المرموق، ظهر أن 51 في المئة من الأميركيين، من الحزبين، يعارضون حكومة إسرائيل، فيما يؤيد 64 في المئة من الأميركيين إسرائيل، وحقها في الوجود، وتحالف الولايات المتحدة معها.
ويظهر الاستطلاع تبايناً حزبياً، إذ أعرب ثلثا الديموقراطيين عن معارضتهم لحكومة إسرائيل، فيما أبدى ثلثا الجمهوريين تأييدهم للحكومة الإسرائيلية. على أن ما يقلق إسرائيل، وأصدقاءها في العاصمة الأميركية، يكمن في التوزيع العمري بين الجمهوريين، إذ يبدو أن نحو نصف الجمهوريين ممن تقل أعمارهم عن 50 سنة، يعارضون الحكومة الإسرائيلية، أي أنهم لا يؤيدون الدعم المطلق الذي يمنحه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب لرئيس حكومة إسرائيل اليميني بنيامين نتنياهو.
وتنخفض نسبة الجمهوريين المؤيدين لحكومة إسرائيل إلى 40 في المئة لدى الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و29 عاماً، ما يعني أن ثلثي الشباب الجمهوريين يعارضون نتنياهو وحكومته، وهذا مصدر القلق الكبير لدى أصدقاء إسرائيل، ويعني أن المستقبل في واشنطن لا يحمل تأييداً لسياسات الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة.
والمشكلة في سياسة نتنياهو، الذي يحكم إسرائيل منذ نحو عقد، هي مراهنته على مصادقة اليمين الأميركي والجمهوريين، على حساب معاداته اليسار المتمثل في الديموقراطيين.
ويعتقد المتابعون أن أحد أسباب سياسة نتنياهو هي شعبويته، والتي تكسبه تأييداً بين اليمين الإسرائيلي المتطرف والمستوطنين، ولكنها تبعده عن اليسار الأميركي، الذي لم يتأخر في الماضي عن التماهي مع اليمين الأميركي، في دعم إسرائيل بشكل شبه مطلق.
وفي إطار شعبويته، قام نتنياهو بخطوات غير مسبوقة، مثل إعلان تأييده المرشح الجمهوري ميت رومني ضد ولاية رئاسية ثانية لأوباما، وهو ما أكسب إسرائيل عداء البيت الأبيض، الذي حاول نتنياهو امتصاصه بالمراهنة على مجلس النواب في الكونغرس، الذي سيطرت عليه غالبية من الجمهوريين بين العامين 2010 و2018، وبعد ذلك على مجلس الشيوخ، الذي انتزعه الجمهوريون ومايزالون يسيطرون عليه منذ العام 2014.
واستخدم نتنياهو الكونغرس الجمهوري لمناكفة أوباما، من قبيل قبوله دعوة الكونغرس لإلقاء كلمة أمامه، بغرفتيه، وزيارته واشنطن، من دون إبلاغ البيت الأبيض، وهو ما يخالف الأعراف، وما أثار حنق أوباما وإدارته وقبل رحيله بأسابيع، أهدى أوباما نتنياهو قراراً في مجلس الأمن دان الاستيطان الإسرائيلي، في وقت امتنعت واشنطن عن استخدام حقها في النقض، «فيتو»، لنسف القرار المذكور، والذي حمل رقم 2334.
ومع فوز ترامب بالرئاسة، تحسنت العلاقة بين البيت الأبيض ونتنياهو، وقدم الرئيس الأميركي بعض الانتصارات لصديقه الإسرائيلي، لكنها انتصارات، على الرغم من الاهتمام العالمي الواسع الذي حصدته سطحية، ويمكن لأي رئيس مقبل عكسها بسهولة، فترامب، الذي تظاهر باعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل، نقل السفارة إلى القدس الغربية، الإسرائيلية أصلاً، ولم يتلفظ بكلمة «القدس الموحدة»، ما ترك القدس الشرقية، الفلسطينية حسب القانون الدولي، قابلة للمفاوضات.
أما في موضوع الجولان السوري، فأصدر ترامب «إعلاناً رئاسياً»، قال فيه إن بلاده تعترف بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة السورية المحتلة، لكن الإعلان الرئاسي هو بمثابة تمني، وأقل شأناً من المراسيم الاشتراعية الرئاسية والقوانين الصادرة عن الكونغرس.
هكذا، لم تثمر مراهنة نتنياهو على ترامب انتصارات طويلة الأمد، بل انتصارات أقرب إلى الاستعراضات الإعلامية، وهي انتصارات سطحية ثمنها مرتفع بسبب خسارة حكومة إسرائيل تأييد ثلثي الديموقراطيين، وثلث الجمهوريين، مع ارتفاع ملحوظ في معارضة نتنياهو واليمين الإسرائيلي في واسطي الشباب الأميركيين والأصغر سناً.
والخطأ الذي ارتكبه نتنياهو برهانه على ترامب واليمين، ومعاداته الديموقراطيين واليسار، ارتكبته حكومات أخرى حول العالم، حسب بعض الخبراء، الذين يعتقدون ان توتر العلاقة بين أوباما وهذه الحكومات ربما دفعها إلى أحضان ترامب، لكن هذه الحكومات لا يبدو أنها تتحسب لنهاية رئاسة ترامب والترامبية، وربما كان الأجدى بها الإصرار على التمسك بتحالف دولها مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن هوية الرئيس الحزبية أو هوية الحزب المسيطر على الكونغرس.

الخميس، 25 أبريل 2019

«المال مقابل الأرض» في «صفقة العصر»

واشنطن - من حسين عبدالحسين


للمرة الرابعة في ستة اشهر، أعلن كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، تأجيل اطلاق «صفقة العصر» للسلام بين العرب واسرائيل، وحدد شهر يونيو موعداً للكشف عنها، من دون ان يقدم تبريرات مقنعة للتأجيل، لكن الغالب ان السبب رفض غالبية العرب، من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، للخطة المزعومة. 
وحتى يقدم كوشنر خطته بتفاصيلها، يمكن رسم الخطوط العريضة للصفقة، على الأقل بالاستناد الى تصريحات سابقة له، ولفريقه، وللباحثين المقربين منه. ويمكن القول ان عمادها فكرتان قديمتان نسبياً، لطالما لجأت اليهما الحركة الصهيونية في سعيها لاقامة دولة اسرائيل على أقصى ما يمكنها من ارض فلسطين التاريخية. 
الفكرة الأول هي المال الصهيوني مقابل الأرض الفلسطينية، وهو ما دأبت على فعله الوكالة الصهيونية، والتي كانت بمثابة حكومة في المنفى لليهود الذين اعلنوا نيتهم اقامة دولة اسرائيلية لهم في فلسطين، والعودة اليها من كل انحاء العالم. وقتذاك، قامت الوكالة بشراء ملايين الدونمات من الاراضي الفلسطينية. 
وتظهر وثائق الارشيفات، ان بيع العرب أراضيهم في فلسطين تحول الى ظاهرة أقلقت قادة ذاك الزمان، ودفعت المؤسسات الدينية الاسلامية الى اصدار فتاوى حرمت فيها عمليات بيع اي عقارات لليهود، لكنها فتاوى لم تنجح في منع سماسرة الأراضي العرب من السماح للوكالة الصهيونية بالاختباء خلفهم لشراء الاراضي باسماء عربية، قبل نقلها الى ملكية الوكالة. 
ولا تزال نسبة الارض التي اشتراها اليهود من العرب قبل قيام دولة اسرائيل في منتصف مايو 1948، بالنسبة لاجمالي مساحة فلسطين، موضوع نزاع، اذ يعتقد الباحثون الفلسطينيون - من أمثال رشيد خالدي - ان عشية اعلان الدولة الاسرائيلية، لم يملك اليهود والوكالة الصهيونية اكثر من اثنين في المئة من اجمالي الارض، فيما يصرّ الاسرائيليون على ان الملكية اليهودية كانت اكثر من ذلك بكثير. 
هذه المرة، لا تنوي دولة اسرائيل شراء العقارات من الفلسطينين في الضفة الغربية والقدس، بل مصادرتها، باستثناء تسع مدن كبيرة وبعض الضواحي المحيطة بها في الضفة، التي تمنح «صفقة العصر» الفلسطينيين فيها حكماً ذاتياً شبيها بالقائم حاليا، ويمكن اضافة قطاع غزة الى دولة الحكم الذاتي. 
ومقابل تنازلهم عن مطالبتهم بالسيادة الضفة الغربية والقدس الشرقية، في اطار دولة فلسطينية مستقلة مزمع اقامتها، يحصل الفلسطينيون على نحو اربعة مليارات دولار، على شكل استثمارات في مناطقهم، بهدف تحسين اقتصادهم ومعاشهم. 
والحوافز الاقتصادية التي يعرضها كوشنر، والتي دأب على مطالبة دول الخليج بتحمل نفقتها، تندرج في سياق السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين، منذ انتخاب ترامب رئيساً، وهي سياسة قضت بوقف الجزء الاكبر من المساعدات التي كانت تخصصها الحكومات الأميركية المتعاقبة للفلسطينيين، في السلطة وفي مخيمات اللجوء في الشتات، والتي كانت تقارب 400 مليون دولار سنويا. 
ومن شأن وقف المساعدات للفلسطينيين - الذين يعانون اصلاً اوضاعاً اقتصادية متردية بسبب صعوبة تحركاتهم التي يعوقها الاحتلال الاسرائيلي في الضفة والقدس الشرقية - ان يضعف من قدرتهم على رفض «صفقة العصر»، وان يجبرهم على قبولها بسبب العوز والفاقة والحاجة الماسة الى الاموال.
الفكرة الثانية التي يبني عليها كوشنر صفقته للسلام المزعوم هي «فرض اسرائيل لأمر واقع على العرب»، واجبارهم على قبوله، وهو فرض يصل الى حد تباهي بعض المؤسسات الصهيونية واليهودية الأميركية بالانتصار على العرب، ومطالبة العرب والعالم بالاعتراف بالانتصار الاسرائيلي، وتالياً التنازل عن الارض الفلسطينية. 
ويقف في صدارة المؤسسات المؤيدة لاسرائيل، «ملتقى الشرق الاوسط» الأميركي، الذي يديره الباحث دانيال بايبس. ويعمل بايبس، ومركزه، ومن يدور في فلكه، منذ فترة، على تسويق «مبدأ الانتصار» اي اجبار العالم على الاعتراف بالانتصار على الفلسطينيين، وهو ما يتطلب ان يدركه العرب، فيتخلون عن كل أرض فلسطين التاريخية، باستثناء القطاع، الذي يعتقد الاسرائيليون المتدينون انه جزء من سيناء المصرية، ويظنون انه بموجب اي تسوية مع العرب، يمكن مطالبة مصر بفرض سيادتها عليه. 
وفي سياق «مبدأ الانتصار»، سبق لكوشنر القول إن حجر الزاوية في «صفقة العصر» هو أن يفهم الفلسطينيون ان اي تسوية ستتم اليوم يجب ان تكون مبنية على «وقائع 2019»، لا 1993، أي العام الذي وقّع فيه الفلسطينيون والاسرائيليون اتفاقية اوسلو المبنية على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، اي أن تعيد اسرائيل الاراضي العربية التي احتلتها للعرب مقابل السلام معهم. 
هكذا، يدعو كوشنر الفلسطينيين، بشكل شبه مباشر، الى القبول بالأمر الواقع، والتنازل عن الضفة للاسرائيليين، مقابل بقائهم في جيوب سكانية يتم رفدها باستثمارات مالية تؤدي الى تحسن وضع الفلسطينيين، فيكون خيارهم بين اثنين: اما وضعهم الحالي، واما صفقة كوشنر. 
ومما تقدم، يبدو جلياً ان لا حاجة لمشاركة الفلسطينيين في اي عملية سلام او للاستماع لمطالبهم للتوصل الى تسوية بينهم وبين الاسرائيليين. كل المطلوب توقيعهم على التنازل عن الضفة والقدس الشرقية، مقابل المليارات والاستثمارات. اما العرب الآخرين، فيعتقد كوشنر انه «لكل منهم ثمن»، من قبيل ان «صفقة القرن» رصدت مليارات الدولارات للاستثمار في لبنان، على غرار الضفة. 
وسبق لباحثين اسرائيليين ان اقترحوا الافراج عن الاموال الدولية لاعادة اعمار سورية، ما يسمح بعودة اللاجئين اليها، وكسر العزلة الدولية عن نظام بشار الأسد، مقابل تنازل السوريين عن هضبة الجولان، التي تحتلها اسرائيل منذ العام 1967. 
اما من لا يمكن اقناعهم بقبول «صفقة العصر» بالمال، فيمكن اغراؤهم بتنازلات سياسية اخرى يرغبون بها ويمكن ان تقدمها واشنطن، وفي طليعتها القضاء على النظام الايراني، مقابل التوقيع على معاهدة سلام ثنائية بين اسرائيل وكل واحدة من الحكومات العربية على حدة.

الأربعاء، 24 أبريل 2019

تقرير مولر يقسّم الديموقراطيين ويضعضع شعبية الرئيس الأميركي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

انقسم قادة الحزب الديموقراطي حول كيفية التعامل مع تقرير مولر، الذي لم يعثر على تواطؤ مقصود بين دونالد ترامب وموسكو، في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، من دون ان ينفي امكانية محاولة ترامب عرقلة مجرى العدالة في التحقيقات في علاقته مع الروس... على ان مولر لم يوجه اي ادعاء ضد الرئيس الأميركي، معللاً احجامه عن ذلك بالقول إنه جاء وفقا لتعليمات وزارة العدل، التي كانت كلفته التحقيق، على شرط عدم الادعاء ضد الرئيس. 
ولأن تحقيق مولر كشف عدداً من ارتكابات ترامب التي تشكل تجاوزا للقوانين الاميركية، انقسم الديموقراطيون الى فريقين: واحد يطالب بالبدء باجراءات عزل الرئيس، وهي اجراءات يمكن لمجلس النواب، الذي تسيطر عليه غالبية من الديموقراطيين، اقرارها، لكنها ستسقط حتما في مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين، وفريق آخر بقيادة رئيسة الكونغرس الديموقراطية المخضرمة نانسي بيلوسي، التي ترى ان انسداد افق العزل، وتكلفته الشعبية المرتفعة من دون نتائج تذكر، هو بمثابة انتحار سياسي قد يكلف الديموقراطيين الغالبية التي يتمتعون بها في انتخابات العام المقبل. 
وكان احد اعضاء الكونغرس من الديموقراطيين شبّه تقرير مولر بالقول ان المحقق الخاص «ترك وراءه اثرا من فتات الخبر يؤدي الى الحقيقة، من دون ان يكشفها»، وهو ما يتطلب قيام الكونغرس بذلك. على ان العضو نفسه التزم الموقف الذي عممته بيلوسي، والقائل إن الديموقراطيين ما زالوا في طور القيام بالمزيد من التحقيقات، وانهم لم يتخذوا بعد قرار التصويت على عزل الرئيس. 
ويرى الديموقراطيون الفرصة سانحة لاستنزاف الرئيس، عن طريق مواصلة لجان الكونغرس تحقيقاتها المبنية على تقرير مولر، وعن طريق جلسات الاستماع، المفتوحة للعامة منها والمغلقة، مع ما يرافق ذلك من تغطية اعلامية من شأنها ان تبقي تجاوزات ترامب وفضائحه قيد التداول، وهو ما من شأنه ان يقلّص فرص اعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، في وقت اظهرت استطلاعات الرأي تراجعا في شعبية الرئيس، بواقع خمس نقاط مئوية على الأقل، لتصل الى 47 في المئة، حسب مركز راسموسن اليميني، والى 39 في المئة - وهي الادنى منذ انتخابه - حسب استطلاع بوليتيكو - مورنينغ كونسلت، وهو استفتاء محسوب على جماعة الوسطيين من غير الحزبيين. 
وفي آخر تطورات تحقيقات الكونغرس، أعلنت لجنة العدل، برئاسة الديموقراطي جيري نادلر، نيتها استجواب محامي البيت الابيض السابق دون ماغان، الذي اظهر التقرير انه آثر الاستقالة على تنفيذ طلب ترامب والقيام باقالة مولر من منصبه، في خطوة صريحة لعرقلة مسار التحقيق الذي كان يطارد الرئيس ويقلقه. 
كما قام فريق محاميي ترامب بالادعاء ضد لجنة العدل نفسها، التي كانت اصدرت مذكرات قانونية تجبر ترامب على الكشف عن بياناته الضريبية للاعوام السبعة الماضية، بحجة انه يمكن لهذه البيانات اثبات فرضية ان الرئيس الاميركي مدين بأموال مصدرها حكومات اجنبية، منها الروسية، وهو ما يجعله عرضة للابتزاز. 
وفي السياق نفسه، سبق لمصرف «دويتشه بنك» ان اعلن تعاونه مع لجان الكونغرس في الكشف عن خطوط الائتمان التي سبق ان قدمها لأعمال ترامب. وكان المصرف نفسه توصل الى تسوية قضت بتسديده غرامة بقيمة 10 ملايين دولار لتورطه في تبييض اموال روسية. 
ويحاول فريق محامي ترامب اقناع المحاكم الاميركية ان في كشف الكونغرس عن بيانات الرئيس المالية مخالفة صريحة للحرية الفردية والخصوصية التي يكفلها الدستور. 
من جهتهم، سار الجمهوريون على خطى رئيسهم، وتظاهروا وكأن تقرير مولر جاء بمثابة صك براءة، وكرروا مقولة ان المحقق الخاص لم يوجه اي اتهامات لترامب، وانه لم يدّع ضده امام المحاكم، وهو ما يؤكد براءته. 
وتجاهل الجمهوريون واقع ان وكيل وزيرالعدل رود روزنستاين، الذي كان ترامب نفسه هو من عينه في منصبه، هو الذي حدد مهمة مولر، ورسمها على انها تحقيق من دون ادعاء يطول الرئيس، بسبب حصانة دستورية يتمتع بها. على ان هذه الحصانة لا ترد في اي من النصوص الدستورية الاميركية، وهو ما جعلها موضع جدل بين القانونيين والسياسيين من الحزبين.

الثلاثاء، 23 أبريل 2019

التقشف لا يكفي لمنع انهيار لبنان

حسين عبدالحسين

في تصريحات لا سابق لها، أظهر بعض مسؤولي لبنان جدية في تعاملهم مع أزمة اقتصادية ومالية حتمية ينتظرها لبنان. تخلى وزير الخارجية جبران باسيل عن شعبويته وتحريضه المتواصل لقاعدة المؤيدين، وأبدى تأييدا لرئيس الحكومة سعد الحريري لناحية خفض النفقات وتطبيق التقشف الحكومي، بما في ذلك تخفيض رواتب القطاع العام، في محاولة من الرجلين لإقناع المجتمع الدولي أنهما جادّان في تطبيق الإصلاحات المطلوبة لحصول بيروت على الأموال الموعودة في مؤتمر سيدر.

وتعد وزارة المالية اللبنانية، على موقعها الإلكتروني، بخفض النفقات البالغة حوالي 16 مليار دولار سنويا، بواقع 20 في المئة، وهو ما ينسف العجز السنوي كليا، فتتساوى واردات حكومة لبنان مع نفقاتها.

لكن المشكلة تكمن في أن قدرة الحكومة محدودة على خفض الانفاق، إذ أن 35 في المئة من مدفوعاتها السنوية، أي 5 ونصف مليار دولار، مخصصة لخدمة الدين العام، وهو من الأعلى في العالم مقارنة بالناتج المحلي المتواضع في لبنان، والذي لا يتعدى 52 مليارا. وللمقارنة، تبلغ نفقات فيسبوك السنوية 15 مليار دولار، فيما تبلغ نفقات شركة آبل 195 مليارا.

وتسعى بيروت إلى خصخصة قطاع إنتاج وتوزيع الكهرباء، وهو قطاع شبه حكومي يغرق في الفساد، ويكبد الخزينة مليار ونصف سنويا، أي ما يوازي 10 في المئة من إجمالي الانفاق اللبناني السنوي. وكان البنك الدولي حاول قبل سنوات الإشراف على خصخصة هذا القطاع، إلا أن مافيات مولدات الكهرباء الخاصة والمحسوبية في "شركة كهرباء لبنان" حملت المسؤولين اللبنانيين على رفض المساعدة الدولية، وهو ما أضاف إلى الدين اللبناني حوالي 15 مليار دولار، منذ تاريخه.

لكن مشكلة لبنان ليست في فساد دولته، التي تحتل المرتبة 138 من 180 عالميا، حسب مؤسسة "الشفافية الدولية"، ولا في إنفاقه الذي يفوق وارداته، فحسب، بل إن مشكلة لبنان تكمن في سياسته الخارجية وفلسفة وجوده: هل لبنان هو دولة تقدم مصالح شعبها على مصالح شعوب العالم؟ أم أن لبنان من المظلومين والمستضعفين والممانعين في العالم ممن يتصدون لقوى الإمبريالية والاستكبار؟

هذا السؤال لا يطال لبنان وحده، بل هو يطال أكبر دول العالم، مثل الولايات المتحدة، التي غالبا ما تحتار في سياستها الدولية: هل تختار أميركا مصالحها، أم تعلي مبادئها ولو على حساب المصالح؟ في الغالب، اختارت أميركا، كما دول كثيرة أخرى، مصالحها أولا. أما المبادئ، فاختارتها الحكومات في الحالات التي تطابقت فيها مصالحها مع مبادئها، أو في الحالات التي لم يكن لها مصالح، فأيدت المبادئ، غالبا من موقف المتفرج.

في تاريخه الحديث، منذ تكوينه قبل 99 عاما، سنحت أمام لبنان فرصا متكررة للاختيار بين الانعزال عن الإقليم والسعي وراء مصالحه حصريا، وهي السياسة التي تبناها الرئيسان الراحلان فؤاد شهاب وشارل حلو وشهدت زمن لبنان الذهبي؛ أو الانخراط في واحد من المحاور الإقليمية والدولية المتعددة المتنافسة، والتي كان آخرها المحور الذي تقوده إيران والمعروف بـ"محور الممانعة"، وهي السياسة التي اختارها ثلاثة رؤساء في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1990): الياس الهرواي وإميل لحود وميشال عون.

في زمن الهراوي، اعتقد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري أنه يمكن مزاوجة مصلحة لبنان وتحالفاته الإقليمية، فشهد لبنان نموا اقتصاديا كبيرا، ممولا بديون أكثر من العادة بسبب استمرار العمليات الحربية فيه أثناء عملية إعادة إعماره، وعندما انتفض الحريري وحاول إخراج لبنان من المحاور الإقليمية المتناحرة، تم اغتياله.

وفي الزمن الذي سيطر فيه محور إيران، بقيادة "حزب الله" على لبنان، حاول الرئيس السابق ميشال سليمان تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية بمناورات سياسية، مثل "إعلان بعبدا"، وهو إعلان لم يؤد إلى عزل لبنان، بل إلى عزل سليمان نفسه.

إن جدية مسؤولي لبنان في التقشف لا تكفي لإخراج بلادهم من الهاوية المنتظرة، بل تحتاج البلاد إلى فلسفة جديدة، تقضي بالتوصل لقناعة مفادها أن انخراط لبنان في محاور مواجهة الإمبريالية هو انخراط مكلف بالنسبة لبلاد متواضعة الإمكانيات، وأن مصلحة اللبنانيين تتطلب أنانيتهم، واقتناعهم أن لفلسطين أهلها ولسوريا شؤونها، وأن مصلحة لبنان هي في حياده، وامتثاله للقانون الدولي، بما في ذلك توقيع سلام مع إسرائيل، على غرار مصر والأردن وتركيا، فالنمو الاقتصادي مستحيل من دون استقرار أكيد وسلام لا مواربة فيه.

وفي سياق التخلي عن الشعبوية ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، يمكن للبنان استغلال مصائب هؤلاء، فلبنان يتمتع بأكبر نسبة من خريجي الجامعات والموارد البشرية، ويمكن استغلال العمالة الرخيصة التي يقدمها اللاجئون، فيتحول لبنان إلى قوة اقتصادية إقليمية ذات صادرات صناعية وخدماتية. وعمل اللاجئين يخفّض من تكلفة الإنتاج، ويقلّص التوتر السياسي والاجتماعي الذي يولده فقرهم، ويمنح دولة لبنان عائدات ضريبية على دخلهم.

أما اللبنانيون ممن يرون في السلام مع إسرائيل مذلّة ومهانة، ويرون في العلاقات الجيدة مع عواصم الغرب، وفي طليعتها واشنطن، خيانة للعرب وقضيتهم، فما عليهم إلا أن يقرروا أيهما يريدون: مقارعة الاستكبار العالمي بلا عمل ولا مدخول ولا آفاق مالية، أو الخروج من سياسة المحاور والانشغال بالعمل، وتحقيق الطموح، والعيش حياة كريمة ورغيدة.

الأحد، 21 أبريل 2019

مصادر اميركية: لن تطلق اسرائيل رصاصة الحرب الاولى مع ”حزب الله“

واشنطن - من حسين عبدالحسين

الكنائس الغربية واليهود، ردت مصادر في واشنطن على التقرير الذي أوردته «الراي» نقلاً عن الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، الذي رجح اندلاع حرب بين حزبه واسرائيل هذا الصيف، بالقول انه «إذا اندلعت الحرب، وعلى غرار العام 2006، فلن تكون اسرائيل هي من يطلق رصاصة الحرب الاولى، لكنها لن تتوانى في الدفاع عن نفسها في حال تعرضت لهجوم». 
ويعتقد المسؤولون الأميركيون بأن الدولة العبرية لا تنوي شن حرب على لبنان، وان السياسة الاسرائيلية لم تعد تتلهى بفروع «الحرس الثوري الايراني»، بل صارت ترى ان «المواجهة الوحيدة المطلوبة هي مواجهة الحرس الثوري والنظام الايراني نفسه... في ايران». 
ويرى المتابعون الاميركيون انه «قد يحاول نظام الملالي في ايران تشتيت الانتباه عن المصاعب الاقتصادية، التي يواجهها بسبب تجدد العقوبات الاميركية، عن طريق فتح حروب جانبية». 
كما يعتقد المتابعون في العاصمة الاميركية ان «حرب العام 2006 نفسها كانت لتشتيت الانتباه عن المصاعب التي كان يواجهها حزب الله وحليفه الرئيس السوري بشار الأسد على اثر اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري». 
ورصد المسؤولون مصاعب اقتصادية جمة يواجهها «حزب الله» بسبب شح الاموال الايرانية، وهي مصاعب صارت تطول الدولة اللبنانية نفسها.
لا مخرج من المأزق الاقتصادي الذي تغرق فيه ايران وحليفاها، الأسد في سورية و«حزب الله» في لبنان «من دون تخلي إيران عن نشاطاتها الخبيثة المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، حسب المسؤولين الأميركيين، الذين يضيفون: «لسنا نحن وحدنا من نرى ذلك، بل كل الاطراف الدولية المعنية بمنطقة الشرق الاوسط». 
ويوضح المسؤولون انه حتى روسيا، التي يفترض انها في عداد حلفاء طهران «تنخرط حاليا في مواجهة، ليست علنية بالكامل، مع ايران على... الاراضي السورية». وفي هذا السياق، جاءت الضربة الجوية التي وجهتها المقاتلات الاسرائيلية لمعمل صواريخ في محافظة حماة السورية، في 13 ابريل، وهو معمل يتم فيه انتاج صواريخ «ام 600»، وهي النسخة السورية لصواريخ «فاتح» الايرانية. 
ويشير المسؤولون الى ان الغارة المذكورة لتأكيد افتراق روسيا عن ايران في سورية، فالدفاعات الجوية الروسية، التي يفترض انها أغلقت الاجواء السورية امام أي مقاتلات معادية، بما فيها الاسرائيلية، لم تتحرك لوقف الاسرائيليين اثناء الغارة. ويقولون انه، عملا بالبروتوكول المتفق عليه في السماء السورية، ابلغت تل أبيب، موسكو، نيتها شن الغارة المذكورة قبل وقت قصير من وقوعها. 
النقاشات في العاصمة الاميركية تشي بأن الاهتمام الاسرائيلي لم يعد منصباً على «حزب الله» ولبنان، كما في الماضي، بل صار ينحصر بالتركيز على «ضرب الرأس»، اي «الحرس الثوري»، الذي صنفته الولايات المتحدة تنظيماً ارهابياً قبل اسابيع، وتنوي مواصلة زيادة الضغط الاقتصادي والسياسي والديبلوماسي على هذا التنظيم، وعلى النظام الايراني بأكمله، رغم من تحذيرات بعض الاصوات «الصديقة لطهران» في العاصمة الاميركية من مغبة ان تدفع سياسة ادارة الرئيس دونالد ترامب تجاه طهران الى مواجهة عسكرية مباشرة معها. 
هل ينخرط «حزب الله» في حرب ضد اسرائيل في حال وقوع مواجهات بين اميركا و«الحرس الثوري»؟ حتى الآن، يجمع المسؤولون والخبراء الاميركيون على ان طهران ستستعين «بكل اصولها في المنطقة» في حال اندلاع مواجهة معها، لكن هذا لا يعني حرباً جانبية بين اسرائيل ولبنان، كما في الماضي، وكما ألمح اليها نصرالله.

الجمعة، 19 أبريل 2019

تصنيف «الحرس الثوري» إرهابياً يسمح بضربه... أميركياً!

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت تتضح أكثر فأكثر معالم السياسة التي ترسمها إدارة الرئيس دونالد ترامب في مواجهة إيران، اذ يبدو ان تصنيف واشنطن «الحرس الثوري» تنظيماً ارهابياً لا يهدف لزيادة الضغط المالي والاقتصادي على طهران فحسب، بل هو خطوة تسمح للحكومة الاميركية التبرير، قانونياً أمام الكونغرس، لأي مواجهة عسكرية. 
ويندلع جدال في الكونغرس حول «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية»، الصادر على اثر هجمات نيويورك وواشنطن في العام 2001، والذي يسمح للحكومة الاميركية الانخراط عسكرياً في مواجهة كل من تصنفهم ارهابيين، وتنظيماتهم، في أي مكان في العالم. 
والقانون المذكور هو اساس استخدام القوة العسكرية الاميركية لشن الحرب في افغانستان، واستندت اليه ادارة الرئيس السابق باراك أوباما في تبرير الحرب ضد تنظيم «داعش» في العراق وسورية.
والقانون نفسه استخدمته ادارة الرئيس السابق باراك أوباما في تبرير عمليات عسكرية أخرى شنتها في مناطق بعيدة عن حرب افغانستان، مثل العمليات التي قامت بها القوات الخاصة ضد تنظيم «القاعدة» في اليمن، كما في الصومال وليبيا. 
ودفع استمرار انتشار جنود اميركيين في العراق وسورية بعض اعضاء الكونغرس لاتهام الادارات المتعاقبة بسوء استخدام «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية» الحالي، وطالبوا بإلغائه، او تعديله على الأقل. ويعتقد هؤلاء الاعضاء انه لا يمكن للقانون ان يكون «شيكا على بياض» يسمح للحكومة بشن حروب متنوعة، حول العالم، من دون طلب موافقة الكونغرس قبل كل عملية عسكرية.
وترتفع التكلفة السياسية للموافقة على اي قانون جديد، بسبب المعارضة الشعبية العارمة ضد اي حروب جديدة، وهو ما يعني ان الغالبية الساحقة لاعضاء الكونغرس ستضطر للتصويت ايجاباً لمصلحة قوانين حربية جديدة، وهو أمر كفيل باخراجهم من الكونغرس في الانتخابات المقبلة. 
ولعلمهم ان تصويتهم لمصلحة «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية» جديد، هو أمر متعذر. ولعلمهم ان اسقاط القانون الحالي يكبل يدي الادارة ويحرمها التحرك عسكريا ضد تهديدات جدية... يتظاهر اعضاء الكونغرس بالعجز، فلا ينسفون القانون القديم، ولا يستبدلونه بأي قانون جديد، فيما هم لا يترددون في انتقاد النشاطات العسكرية الاميركية حول العالم. 
ولعلم الادارات المتعاقبة ان القانون الحالي هو السبيل الوحيد لكل العمليات العسكرية التي تنوي واشنطن القيام بها. راحت هذه الادارات تتوسع في تعريف معنى الارهاب والحرب على الارهاب، فصار الانتشار العسكري في المناطق السورية شرق الفرات هدفه «تأكيد عدم عودة داعش» الارهابي، مع علم الجميع، في واشنطن وخارجها، ان استمرار بقاء القوات الاميركية هدفه مواصلة دعم الحلفاء الاكراد لمنع أي عملية عسكرية تركية ضدهم، وفي الوقت نفسه مراقبة، ومحاولة تعطيل، الجسر البري الذي يربط طهران ببيروت، عبر بغداد ودمشق. 
وفي سياق توسيع تعريف الارهاب، قامت إدارة ترامب بخطوة غير مسبوقة بإعلانها «الحرس الثوري» تنظيماً ارهابياً، على الرغم من الاشكالية القانونية للتعريف، اذ تنص القوانين المعتمدة أميركياً، وفي الأمم المتحدة، على ان الارهاب هو عنف تمارسه مجموعات غير حكومية، فيما «الحرس» هو مجموعة حكومية ايرانية لا تستوفي التصنيف الاميركي الجديد، بل ان ما ينطبق على «الحرس» هو التصنيف الذي دأبت الادارات المتعاقبة، منذ زمن الرئيس السابق بيل كلينتون، اطلاقه على النظامين الايراني والسوري، باتهامهما بأنهما «راعيان للارهاب»، من دون وصفهما «ارهابيين» بشكل مباشر. 
هكذا، يفتح التصنيف الباب امام الإدارة الاميركية، الحالية او المستقبلية، بالانخراط في مواجهة عسكرية ضد «الحرس» وضد ايران بشكل عام، في اطار «قانون تخويل استخدام القوة العسكرية» القائم والمخصص للحرب ضد الارهاب. 
في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، سأل احد حلفاء ترامب، السناتور الجمهوري راند بول، وزير الخارجية حول نية استخدام واشنطن القوة ضد ايران في اطار مكافحة الارهاب. لم ينف مايك بومبيو نية استخدام القوة، على الأقل من باب العرف السياسي القاضي بترداد عبارة «ابقاء كل الخيارات على الطاولة». 
كما ان وزير الخارجية لم يربط بين «ارهاب الحرس الثوري» وامكانية اندلاع مواجهة عسكرية، بل عمد لاتهام طهران بايواء ودعم عناصر من «القاعدة»، وهو تصريح يشي بأن رؤية الادارة تجاه ايران تقضي بربطها بالارهاب، ان كان ارهاب «القاعدة» او ما تصنفة اميركا «ارهاب حزب الله» وتنظيمه الأم، أي «الحرس الثوري».

الخميس، 18 أبريل 2019

الخليج بين ضفتيه

حسين عبدالحسين

تقول صديقة تركية إن في نقاشاتهم حول تحالف أنقرة والدوحة، غالبا ما يرى الأتراك انفسهم أنهم سليلو حضارة عمرها مئات السنوات، فيما قطر هي دولة وليدة بلا تاريخ، وأن التحالف بينهما أسبابه سياسية آنية فحسب.

ومثل تركيا، تنظر إيران إلى الدول العربية جاراتها نظرة تباهي، فيعتبر الإيرانيون أنهم ينحدرون من حضارة عمرها آلاف السنوات، فيما الجزيرة العربية سكانها بدو رحل، بلا تاريخ ولا حضارة، وأنه لولا اكتشاف مخزونات الطاقة الضخمة عند عرب الخليج، لكانوا ما زالوا في مصاف البرابرة. لكن نظرتي تركيا وإيران تجاه العرب خاطئة، تاريخيا، وتنم عن عنصرية فاقعة.

ومن يعرف تاريخ جزيرة العرب قد يعرف أنها تعرضت لعملية تغيير مناخي أدى إلى تحول معظمها من واحة خضراء إلى صحراء قاحلة. لكن سكانها لم يرحلوا، بل ابتكروا قنوات جرّوا فيها المياه من مصادر ارتوازية وغيرها، ووصل طول بعض هذه القنوات مئات الكيلومترات. تقنية هذه القنوات نقلتها إيران فيما بعد، وكان المؤرخون يعتقدون، حتى الماضي القريب، أنها اختراع إيراني، إلى أن تم اكتشاف الأصلية في واحات عربية، في العين في أبوظبي مثلا، وهي قنوات يسميها السكان أفلاج، المشتقة من فلج، وهي اللفظ المحلي للفظة فلق المذكورة في القرآن، والتي تعني خلق الكون بفتق كتلة واحدة. ويصف كتاب المسلمين رب العالمين بـ "رب الفلق“.

وبسبب بقائهم في ديارهم التي راحت تتصحر، ولأن جزيرة العرب، وإلى شمالها، الصحراء السورية، شكلتا جسرا بريا إلزاميا لقوافل التجار بين الشرق والغرب، تحولت النقاط الصحراوية إلى معابر الزامية، وأثرى أهلها لمرور التجارة في أراضيهم. ثم بعد اكتشاف الرياح الموسمية فوق المحيط الهندي، مع بداية الألفية الأولى للميلاد، انتهت حصرية خطوط التجارة داخل جزيرة العرب والعراق والمشرق، وراحت تنافسها قناة الفراعنة، السابقة للسويس، والبحر الأحمر، وتقدمت أهمية مدن ساحل جزيرة العرب، مثل عدن ومسقط.

ومع صعود البرتغال وإسبانيا وبريطانيا كقوى بحرية، منذ القرن الخامس عشر، أرشد العرب البحّار البرتغالي فاسكو داغاما إلى الهند، فداغاما انطلق من البرتغال جنوبا، وأطلق اسم "رأس الرجاء الصالح" (كايبتاون) على المدينة الجنوب إفريقية، واستدار شرقا حول إفريقيا، ووصل سواحل زنجبار (تانزانيا وكينيا اليوم)، ومن هناك، قاده الملاّح العربي أحمد بن ماجد، ابن رأس الخيمة الإماراتية، إلى الهند.

إذا، لم يكن الإماراتيون برابرة، بل هم ابتكروا الأفلاج قبل آلاف السنوات، ونقلها عنهم الإيرانيون، وهم برعوا في الملاحة وفتحوا الباب أمام الأوروبيين إلى الهند، وبين التاريخين، لعبت الإمارات، مثل دول الخليج — الكويت والبحرين وقطر — دور محطات للملاحة التجارية بين العراق والبحر الأبيض المتوسط، من ناحية، والهند، من ناحية ثانية، وحصل ذلك بين ظهور الإسلام، في القرن السابع الميلادي، واكتشاف طريق الهند من أوروبا حول إفريقيا، في القرن الخامس عشر.

والدور العربي في التجارة البحرية العالمية موثق، على سبيل المثال في الآثار والنقود التاريخية التي تم العثور عليها في الدور، في إمارة أم القيوين، فضلا عن الآثار التي تركها الرومان ومن تلاهم في الكويت والبحرين (دلمون).

حتى اسم قطر يأتي من التسمية الآرامية القديمة بيت قطرايا، وجذر الكلمة هو كتل أو جدر، بمعنى حائط (كوتل بالعبرية) أو جدار، أي الجدار الذي يحيط بأرض فيجعل منها كتلة. واسم قطر مرادف ايتومولوجيا لاسم مدينة قادش الإسبانية، أقدم مدينة اوروبية، وهي أصلا مستوطنة فينيقية اسمها جدار (الجيم الفينيقية تلفظ مثل المصرية).

والهيمنة العربية في الخليج واضحة، حتى على الضفة الإيرانية، التي يسكن مساحات واسعة منها عرب يعانون من اضطهاد طهران لهم. والآثار العربية التاريخية ماتزال قائمة في مواقع إيرانية، كما في جزيرة خرك، التي تحوي قبورا نبطية ومسيحية عربية. واستمرت السطوة العربية على الخليج مع صعود سلطنة عمان وزنجبار، التي سادت الخليج وبحر العرب والقرن الإفريقي، ولم تنته السلطنة في زنجبار الا في ستينيات القرن الماضي.

لعرب الخليج تاريخ عريق ينافس التاريخ الإيراني والأوروبي، وإن كانت القرون الخمسة الأخيرة جارت عليهم مع شح المياه والموارد، إلا إن الثورة النفطية كانت بمثابة ابتسام القدر لهم، وهي ابتسامة تعاملت معها غالبية الحكومات الخليجية بحكمة، فشيدت دولا تتفوق اقتصاديا ومعرفيا على دول ذات مخزونات نفطية مشابهة، مثل إيران والعراق، اللتين تعانيان من "لعنة النفط"، بدلا من العيش في نعيمه.

في أبوظبي، الأسبوع الماضي، انعقدت القمة الثقافية السنوية الثالثة، التي جمعت خبراء من أكثر من 90 دولة، تباحثوا في كيفية حوار الحضارات، وكيفية الحفاظ على التراث البشري، الذي يعاني خطر الاندثار، كما في تدمر السورية والموصل العراقية. في أبوظبي، تناقش المثقفون، وعلى الضفة الإيرانية، كان مسؤولو الجمهورية الإسلامية يتوعدون الجيش الأميركي بالحرب.

للخليج ضفتان ضاربتان في التاريخ وتتمتعان بمخزونات كبيرة من الطاقة، ضفة إيران الثورية تعيش في فاقة وعوز وانحدار فكري، وضفة العرب تعيش في نعيم ورغد ومؤتمرات ثقافية، وفي الفارق بين الاثنين دروس وعبر لمن أراد أن يعتبر.

الثلاثاء، 16 أبريل 2019

محامي بوغيث لـ «الراي»: طلب الكويت استرداده أو الاستئناف السبيل لخروجه من سجنه الأميركي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«سليمان بوغيث بريء... لم يشارك في أي أعمال ارهاب، وكل ما فعله كان كلاما بكلام». هكذا يلخّص ستانلي كوهن، محامي بوغيث، موقفه من الكويتي المنزوعة جنسيته، وصهر زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن. 
ويعتبر المحامي كوهن انه ما زال أمام بوغيث أمل في الخروج من سجنه الاميركي المحصن، وان من السيناريوات الممكنة، الاستئناف، أو أن تقوم الكويت بطلب استرداده ليكمل محكوميته فيها. 
وفي مقابلة مع «الراي»، يصف كوهن، بوغيث بـ«موكله المفضل». ويقول: «احببته كشخص، كان واحداً من الموكلين المفضلين ممن عملت معهم في حياتي، وكان رجلاً جيداً، ورجلاً مسالماً». 
يقول كوهن انه يتفادى الاتصال المباشر مع بوغيث ، الذي يعيش في سجن فيديرالي فائق الحماية في ولاية كولورادو، وهو سجن ينزل فيه محكومون آخرون من «القاعدة»، من أمثال أبو حمزة المصري وزكريا موسوي ورمزي يوسف. 
ويبرر كوهن تفاديه الاتصال مع موكله السابق بالقول انه سمع ان بوغيث يسعى لاستئناف حكم السجن مدى الحياة بحقه. ويقول: «أسمع أن صحته جيدة، وحالته جيدة، ولكن الاستئناف غالباً ما يديره محامو دفاع مختلفون عن محامي البداية... هكذا هو العرف». 
ويستعيد المحامي الاميركي مراحل محاكمة بوغيث، التي يصفها بالشكلية التي كانت اهدافها تحقيق مكاسب سياسية لادارة الرئيس السابق باراك أوباما. ويقول انه تم تسريع المحاكمة، فتمت في غضون سنة واحدة فقط، العام 2014، على غير العادة في محاكمات من هذا النوع. 
«كان اوباما يرغب في اثبات انه يمكن محاكمة الارهابيين في محاكم مدنية داخل الولايات المتحدة، بدلا من احالتهم على محاكمات عسكرية في معتقل غوانتانامو». بوغيث بريء، حسب كوهن، «لكن السلطة السياسية الاميركية كانت بحاجة لكبش محرقة».
يتابع كوهن ان الادعاء، أي الحكومة الاميركية، لم تقدم دليلاً واحداً يثبت تورط بوغيث بأي جريمة او عملية ارهابية. «قرأت نصف مليون وثيقة، وسافرت الى الشرق الاوسط وشمال افريقيا ثماني مرات، واجريت مقابلات مع كبار قياديي القاعدة والمعتقلين في غوانتانامو، بمن فيهم العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر خالد الشيخ محمد، وامضيت سنة ونصف السنة استعد للمحاكمة»، حسب كوهن، الذي يضيف: «لم يتعرف ولا واحد من قادة القاعدة، ولا الشيخ محمد، ولا الشهود، على سليمان». 
ويضيف انه استنطق كبير المحققين الاميركيين في هجمات 11 سبتمبر 2001، الذي كان سبق له ان قرأ عشرات آلاف الوثائق التي صادرتها القوات الاميركية من مقار «القاعدة» في افغانستان وباكستان، ولم يرَ في أي منها اي ذكر لبوغيث. 
ويروي كوهن ان الحكومة الاميركية حاولت ربط بوغيث بمحاولة البريطاني ريتشارد ريد تفجير طائرة ركاب بإخفائه متفجرات في حذائه، لان سليمان كان قال، على اثر هجمات 11 سبتمبر، ان المسلمين سيهجمون بطائرات اكثر واكثر. 
ويقول: «اجريت مقابلة مع الشخص الذي صنع الحذاء القنبلة، وقال انه لا يعرف سليمان ولم يلتقه في حياته... الشخص الوحيد الذي تعرف عليه كان رجلاً ممن ذهبوا الى المخيمات في افغانستان، واستمعوا اليه يحاضر، وصافح يده وقتها». 
وعن امكانية ضلوع بوغيث في امكانية تمويل عمليات ارهابية، يرد المحامي باستغراب: «اي تمويل»؟ ويتساءل: «ما هو التمويل الذي تحتاجه عمليات خطف طائرة؟ نحن لا نتحدت عن تسليح جيوش وتمويل عملياتها، بل عن عمليات يتم تنفيذها بامكانات بسيطة». 
وعن التطورات التي أدت إلى اعتقاله، يقول كوهن ان بوغيث «انتقل الى افغانستان وباكستان ليعيش في وسط اسلامي، وامضى هناك وقتا كإمام محاضر، وعلى اثر هجمات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، اعتقلته ايران مع عدد من العرب الذين انتقلوا عبر الحدود الايرانية، وسجنته لمدة 11 عاماً». ويضيف ان ايران «تعاملت مع الحكومات الغربية، وسلمتها الكثير من المطلوبين بحوزتها». 
وكانت مجلة «نيويوركر» تحدثت، قبل اعوام، عن سلسلة من اللقاءات السرية التي عقدها السفير السابق رايان كروكر مع مسؤولين إيرانيين في جنيف، والتي تم فيها تنسيق الحرب الاميركية في افغانستان، والى حد ما في العراق، من قبيل تسليم طهران مطلوبين لواشنطن. وبعد تراجع العلاقة بينهما، توقفت إيران عن تسليم الغرب اي مطلوبين، وراحت تفرج عنهم، وسمحت لبعضهم بالعودة الى دولهم الأم. وكان وزير الخارجية مايك بومبيو قال، في جلسة استماع امام الكونغرس الاسبوع الماضي، ان «ايران آوت قادة وناشطين في تنظيم القاعدة، ما يدينها بالتورط في الارهاب». 
بعد الافراج عنه في إيران، اصيبت زوجة بوغيث، إبنة اسامة بن لادن، بتوعك، وكانت حاملاً، فانتقلا الى تركيا، ولجأت هي الى السفارة السعودية، التي اعادتها إلى المملكة، حيث تعيش اليوم مع اولادها وبعض اخوتها. بدوره، امضى بوغيث 50 يوماً معتقلا لدى الاستخبارات التركية، التي استجوبته، وسمحت له المغادرة الى الاردن. ويقول كوهن ان سليمان كان ينوي العودة الى مسقط رأسه الكويت، لكن قوات خاصة اميركية اعتقلته في عمّان، ونقلته الى نيويورك، حيث تمت محاكمته. 
يتابع كوهن ان القاضي كان مصمماً على انزال حكم المؤبد ببوغيث، وان الادعاء، اي الحكومة، عرضت عليه الاعتراف بالذنب والتعاون معها في التحقيقات، مقابل تخفيض الحكم الى 20 عاماً، لكنه رفض. ويعزو كوهن الرفض الى شخصية صهر بن لادن، و«نزاهته». 
ويلفت كوهن الى ان لبوغيث خمسة أو ستة اولاد يعيشون في الكويت، وان ابنته نالت جائزة تفوق دراسية في مدرستها. 
ويعتقد المحامي الاميركي ان بوغيث «ليس مذنباً»، وان كل ما ارتكبه هو الادلاء بخطابات حماسية ونارية عن مواجهة المسلمين لاميركا والامبريالية، لكنه لم يشارك في اي تخطيط أو دعم لاي عمليات عنف، ولم يحرّض على العنف، ولم يدع احداً الى حمل سكين لقتل شخص آخر. 
«كل ما فعله هو الكلام»، حسب كوهن، الذي يقول انه ما زال امام بوغيث امل في الخروج من سجنه المحصن، وان من السيناريوات الممكنة، الاستئناف، أو ان تقوم الكويت بطلب استرداده ليكمل محكوميته فيها، «هذا اذا قبلته الكويت»، وفق تعبيره.

الاثنين، 15 أبريل 2019

ترامب يكيل المديح للسيسي ويشدد على «متانة» العلاقة بينهما

واشنطن - من حسين عبدالحسين

على اثر زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لواشنطن، قبل أيام، ولقائه الرئيس دونالد ترامب، سمعت «الراي» من الاوساط الأميركية المتابعة للقاء، ان «الثناء الذي كاله ترامب لنظيره المصري لا يعكس استياء واشنطن من القاهرة». 
وتشير الى عدد من «نقاط التوتر» بين العاصمتين، يتصدرها اعلان مصر نيتها شراء مقاتلات «سوخوي 35» الروسية، ويليها «الموقف الرمادي» تجاه النظام الاسلامي في ايران، وتجاه حلفاء طهران في المنطقة، مثل الرئيس السوري بشار الأسد و«حزب الله» اللبناني.
لكن الرئيس الاميركي، المعروف بعدم استماعه لنصائح مساعديه، قال لهم ان علاقته بالسيسي «متينة»، وان لا حاجة للعتاب. وامام الصحافيين في المكتب البيضاوي، سارع ترامب لكيل الاطراء والمديح على ضيفه المصري، وقال ان «السيسي يقوم بعمل ممتاز». 
من ناحيتهم، يعتقد مسؤولون أميركيون ان «العلاقة المصرية - الايرانية في افضل حالاتها، للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود». وهذا التحسن أدى، بدوره، الى توتير علاقة المصريين مع حلفائهم، الذين يسعون لاقامة تحالف اقليمي ودولي لمواجهة الجمهورية الاسلامية. 
ويتابع المسؤولون انهم لا يرون «خطوطاً واضحة للسياسة الخارجية المصرية، التي تبدو مضطربة ومتناقضة». 
«نحن نعطي السيسي ملياري دولار كمساعدة عسكرية، وهو ينفق مئات ملايين الدولارات لشراء مقاتلات سوخوي»، يقول مسؤول أميركي. ويضيف: «والمشكلة، ان لا الرئيس المصري، ولا أياً من مساعديه ممن نحن على تواصل معهم، يبدو انه يرى المفارقة او يقدر فداحة المشكلة من وجهة النظر الأميركية». 
بعض الخبراء في واشنطن يرون ان السيسي يعتقد ان سياسته الخارجية مبنية على «مناورات ديبلوماسية ذكية» تعطي مصر نفوذاً اوسع بكثير من الحالي. «يتمتع السيسي بتنسيق وعلاقة ممتازة مع اسرائيل، وفي الوقت نفسه يطور علاقته بالايرانيين»، حسب المسؤول. ويتابع: «يتمتع السيسي بتحالف معنا، وفي الوقت نفسه يسعى لتمتين العلاقة المصرية مع موسكو عبر تنسيق امني وامكانية منح الروس حق استخدام قواعد عسكرية في بلاده». 
لكن الولايات المتحدة لا تبحث عن حلفاء يسعون الى المناورة بينها وبين خصومها، بل الى بناء جبهات دولية واضحة في مواقفها واهدافها، مثل التحالف الذي ادارته لمكافحة الارهاب، واليوم التحالف الذي تسعى لبنائه لمواجهة ايران، بما في ذلك التحالف العسكرية الجاري الاعداد له، والمعروف بـ«التحالف الشرق اوسطي العربي» او «ميزا»، والذي من المفترض ان يتألف من دول مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة، فضلاً عن الاردن ومصر. 
وكانت الانباء تضاربت حول انسحاب مصر من «ميزا»، وهو ما دفع العاملين في الادارة الأميركية الى محاولة استغلال زيارة السيسي ودفع الرئيس الاميركي لمعاتبته حول شؤون سياسة مصر الخارجية، وخصوصا تحالف «ميزا»، والذي يفسّره مسؤولون اميركيون في سياق حرص القاهرة على علاقتها التي تتحسن، باضطراد، مع موسكو وطهران.

الأحد، 14 أبريل 2019

واشنطن تعيد إحياء «مشروع كاساندرا» لاستهداف «حزب الله» وحلفائه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لم تكن علاقة الولايات المتحدة بـ«حزب الله» متوترة دائماً، فرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بذل جهدا كبيرا لانتزاع الاعتراف بالحزب في اتفاقية أبريل العام 1996، وفي تقديم الحزب كمؤسسة لبنانية سياسية. 
وبعد اغتيال الحريري، وقبيل انسحاب سورية من لبنان في أبريل 2005، كانت واشنطن تأمل في طي ماضي لبنان الميليشيوي، وهو ما قاله الرئيس السابق جورج بوش الابن، اثناء استقباله ملك الأردن عبدالله الثاني، في 16 مارس 2005، وفي اليوم التالي لدى استقباله بطريرك الموارنة السابق نصرالله بطرس صفير. قال بوش: «آمل ان يبرهن حزب الله انه ليس تنظيما إرهابيا بإلقائه سلاحه».
وتابعت وزيرة خارجية بوش، كوندوليزا رايس هذه السياسة تجاه الحزب، اذ على الرغم من حرب يوليو 2006 مع إسرائيل، ظلّت رايس تأمل في ان يتحول «حزب الله» الى حزب سياسي بلا ميليشيا عسكرية، وهي لهذا السبب، شجعت «تحالف 14 مارس» على التحالف مع الحزب في انتخابات 2005 البرلمانية، وفي الدخول معه في تسوية في اتفاقية الدوحة في مايو 2008.
كل محاولات واشنطن في حمل الحزب اللبناني على التخلي عن السلاح الخارج عن سيطرة الحكومة المنتخبة باءت بالفشل، فأطلقت ادارة بوش حملة «مشروع كاساندرا»، التي كانت تهدف الى إحصاء عمليات التمويل غير الشرعي للحزب، ومحاولة تجفيف منابع التمويل.
لكن مع وصول باراك أوباما الى الرئاسة، انتصر الجناح المعارض لمحاصرة «حزب الله» مالياً، وهو جناح قاده مستشار أوباما ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) لاحقاً جون برينان، الذي كتب في دورية «الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية»، في يوليو 2008، ان «السبيل الأنجح للتعامل مع إيران يقضي بفتح حوار مباشر معها، وحثّ حزب الله على المزيد من الانخراط في النظام السياسي اللبناني، وقبول قلق ايران المشروع حول شؤون الأمن الإقليمي». 
وتحولت دراسة برينان الى كتاب ارشادات لم تحد عنه أوباما، بالتزامن مع فتح حوارات مباشرة مع طهران، ومع الحوثيين في اليمن، وحوار غير مباشر مع «حزب الله». 
وفيما كان مسؤولو أوباما يتحاورون مع طهران وحلفائها، كانت الوكالات الحكومية المركزية تمضي بالعمل وفقاً لـ«مشروع كاساندرا»، وتحصي أفراد شبكات التمويل، وتبييض الأموال، والاتجار بالمخدرات والسلاح والسيارات المستعملة، وكلها شبكات كانت تمرر ارباحها للحزب اللبناني. لكن اوباما، الذي كان يستجدي صداقة ايران، جمّد أي اجراءات أميركية ضدها أو ضد «حزب الله»، الى ان خرج من الحكم وخلفه دونالد ترامب، الذي أعاد إطلاق المشروع المذكور، بل وسّعه وعززه، وأضاف اليه «الحرس الثوري الايراني» بأكمله.
هكذا، صنفت إدارة ترامب - منذ مطلع العام 2017 - نحو 40 مؤسسة وفرداً على ارتباط بالحزب، «كيانات إرهابية»، وحظّرت التعامل معها، وكان آخرها مؤسسة صيرفة تابعة للبناني قاسم شمص، الذي صنفته وزارة الخزانة على انه من أرباب الاتجار بالمخدرات، وأعلنت انه يسهل انتقال الأموال ووصولها الى ايدي «حزب الله». 
وفي 2011، كانت دائرة جنوب نيويورك ادعت على مجموعة من الأشخاص والمؤسسات اللبنانيين بتهمة مساعدة «حزب الله» بتبييض 480 مليون دولار في عام واحد، وتضمنت لائحة الادعاء البنك اللبناني الكندي، ومؤسسة «حسن عياش للصيرفة»، وذكرت أن هؤلاء قاموا بنقل أموال لمصلحة الحزب عن طريق مصارف لبنانية، مثل بنك لبنان والمهجر، وبنك الشرق الأوسط وإفريقيا، والبنك الفيديرالي. 
كما ادعت الدائرة نفسها ضد اللبناني مارون سعادة، الذي وصفته بأنه «عضو في التيار الوطني الحر»، التابع للرئيس اللبناني ميشال عون والمتحالف مع «حزب الله». ووصف الادعاء، سعادة بأنه من أرباب الاتجار بالمخدرات. 
وفي ابريل 2016، ادعت الدائرة نفسها ضد اللبنانيين علي فياض وفوزي جابر وخالد المرعبي، ووصفت فياض بأنه تاجر سلاح، ومن كبار مسؤولي «حزب الله»، وأفادت بأنه يعمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويساهم بتزويد السلاح في سورية والعراق. وبعد «عملية لدغة» قامت بها الوكالات الأميركية، تم اعتقال فياض في براغ، في ربيع 2014، إلا أن إدارة أوباما لم تباشر «عملية انتزاع» الى واشنطن لمحاكمته، فأطلقته الحكومة التشيكية تحت ضغط من بوتين، وعاد فياض الى بيروت.
إدارة ترامب قامت بإعادة تجديد «مشروع كاساندرا»، وتوسيعه ليشمل شخصيات لبنانية متنوعة، منها من «التيار الوطني الحر»، ومنها شخصيات تابعة لرئيس البرلمان نبيه بري. ويشكّل وضع شمص على لائحة العقوبات فاتحة المجهود الأميركي المتجدد، الذي دفع بشخصيات لبنانية مؤيدة لعون، وبينهم مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة المالية، الى زيارة واشنطن، الأسبوع الماضي، في محاولة لثنيها عن ملاحقة اللبنانيين من غير أعضاء «حزب الله»، فيما يحاول مسؤولو «التيار الوطني»، تسويق انتخاب صهر عون، وزير الخارجية جبران باسيل، رئيساً بعد انتهاء ولاية لعون.
وكما سبق أن أوردت «الراي»، تبدو واشنطن جادة من أي وقت مضى في تشديد الخناق على لبنان والعديد من المسؤولين، على أنواعهم، ممن يتعاونون مع إيران أو «حزب الله» ويستفيدون منهما مالياً أو سياسياً، والأرجح أن السعي السياسي لمسؤولي الأحزاب المتحالفة مع «حزب الله» في العاصمة الأميركية لن تنجح في ثني الأميركيين عن موقفهم.

الأربعاء، 10 أبريل 2019

حوار الحضارات لا صدامها بـ «قمة الثقافة» في أبو ظبي

أبو ظبي - من حسين عبدالحسين 

بمشاركة رئيس حكومة اسبانيا السابق خوسيه زاباتيرو، ورئيس بوليفيا السابق خورخي كويروغا، وبمشاركة وزيرة الثقافة والتطوير المعرفي الاماراتية نورا الكعبي، ووزير الدولة زكي نسيبه، انعقدت في أبو ظبي «قمة الثقافة» السنوية الثالثة، التي تركزت حول استخدام الثقافة والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كأدوات تقريب الشعوب من بعضها البعض، وتعزيز الحوار بينها، بدلاً من الصدام. 
وتطرق المؤتمرون الى الموقفين الشهيرين للمفكرين الاميركيين فرانسيس فوكوياما، صاحب نظرية «نهاية التاريخ»، التي اصدرها مع نهاية الحرب الباردة، واعتبر فيها ان «الديموقراطية والرأسمالية انتصرت على الشيوعية والعقائد الاخرى»، وتنبأ بأن «الديموقراطية الليبرالية ستسود المعمورة، ما سيعزز السلم العالمي». 
وفي وقت متزامن، اصدر الراحل صاموئيل هنتغتون نظريته حول الصراع الحتمي بين الحضارات الانسانية المختلفة، معتبرا ان هذه «الحضارات تخضع لنظرية النشوء والترقي، حيث تسود الأقوى، وتندثر بموجبها الاضعف». 
نظرية فوكوياما ثبت خطؤها، وفوكوياما نفسه تراجع عنها، ونشر منذ فترة وجيزة مقالة مطولة في دورية «فورين افيرز»، اشار فيها الى «صراع الهويات الذي يسيطر على الكوكب حالياً»، معتبرا انه «على عكس النظريات حول رأس المال، التي تعتبر ان كل البشر يسعون كل الوقت لمصالحهم، تبين ان جزءا كبيرا من البشر اليوم لا يسعون الى مكاسب مادية، بل يقدمون عليها مصالحهم المعنوية، مثل تعزيز الهوية والتمسك بالتقاليد». 
في أبو ظبي، تشارك المؤتمرون خبراتهم حول استخدام الثقافة كلغة تواصل بشري وحضاري. مديرو متاحف من البرازيل الى الكاميرون، وعلماء آثار ممن يعملون على الحفاظ على التراث البشري في الموصل، وتدمر، وغيرها من البقع في العالم التي تهدد الصراعات بتدمير تراثها البشري، الذي يعود عمره الى آلاف السنين في بعض الحالات، تحدث كل منهم عن تجاربه، وعن تفاعل الناس مع الاثار والتراث، وعن صعوبة الحصول على التمويل للحفاظ على هذا التراث وحفظه وحمايته. 
وتحدث المؤتمرون عن تجارب استخدام وسائل التواصل الحديث، لنشر المجموعات التي تحتفظ بها المتاحف على الانترنت، وهي وسيلة اخرى للحفاظ على معروضاتها من التلف، فيما أشار أرباب المتاحف من الافارقة الى سعيهم لاستعادة بعض تراثهم الوطني من متاحف اوروبا، اذ هم يعتقدون ان من حق الاجيال الافريقية ان تطلع على هذا التراث في متاحف وطنية، بدلا من بقاء المعروضات التراثية في مدن اوروبا البعيدة عنهم، والعصية على غالبيتهم. 
وكان للاعلام والاعلاميين حصة من الجلسات المنعقدة، وتحدث زملاء من مجلة «ايكونوميست» المرموقة وصحيفة «ذا ناشونال» التي تصدر في أبو ظبي، عن التحديات التي فرضتها المواقع الإخبارية، التي صارت تؤثر في قرارات هيئات التحرير حول العالم، وصارت تطرح السؤال التالي: هل يلحق المحرورن ما يطلبه الجمهور، حتى لو كانت اخباراً بلا قيمة فعلية، أو يوظف المحررون خبراتهم في حقل الاعلام لاختيار الاخبار الانسب وذات التأثير على حياة القراء والمحيط الذي يعيشون فيه؟ 
هو حوار بين الحضارات، لا صدام، استضافته أبو ظبي، بمشاركة اصحاب رأي ومثقفين واعلاميين من 90 دولة، وتم التطرق لمسائل وأمور كثيرة وشائكة ومعقدة، ولم تتسع الايام الاربعة للتوصل الى ختام لحديث لا ينتهي.

الثلاثاء، 9 أبريل 2019

الربيع الذي لن يأتي: نحن آسفون يا جزائر

حسين عبدالحسين

مع استقالة رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، رحل الطاغية العربي السادس، منذ انهيار نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على أيدي القوات الأميركية، قبل 16 عاما. مع ذلك، لم يصل الربيع إلى الشرق الأوسط، بل إن اهتزاز الطغاة واقتلاعهم شهد إراقة دماء أكثر، وتشريد الملايين، وعودة الطغيان بأشكال أكثر تشددا وبطشا.

وإذا كان الربيع لا يأتي برحيل الحاكم، فكيف يأتي؟ ومن المسؤول عن استمرار البؤس والشقاء؟

لا بد أن المشكلة هي في المحكومين (أو بعضهم)، ومنهم من تسلموا الحكم في عدد من دول الطغيان المنهار، أو حتى في أجزاء من هذه دول. ولكن بدلا من أن يقدم المحكومون السابقون أداء ديموقراطيا مقبولا، قدموا أداء هابطا، ونافسوا أسلافهم في الحكم في الجشع والانتقام من الماضي الظالم.

ولا بد أن المشكلة هي في المحكومين، في مجتمعهم، الذي لا يقدر على إنتاج منظومات حكم مبنية على الحرية والمساواة وتداول السلطة، بل إن مفهوم غالبية المحكومين في الشرق الأوسط للحكم هو سباق على تقاسم موارد الدولة، الشحيحة أصلا.

في الماضي كنا نعتقد أن المحكومين يصبون للحرية، التي لا يعيق تحقيقها إلا حفنة من الحكام الدمويين وأزلامهم. رحل الطغاة والأزلام، وأسقط العراقيون تماثيل صدام وصوره، ورشقوها بالأحذية والنعال. ثم رفع بعض العراقيون، مكان صور صدام، صور ملالي إيران والعراق، وأظهر العراقيون أن البعث ليس حزبا، بل هو شخصية فردية وجماعية، وثقافة عامة، وأن الحياة والرأي فيها للأقوى، وما على الأضعف إلا الخضوع للأقوى، ورفع صوره، والتظاهر بعبادتها.

وفي مصر، سقط حسني مبارك، فدارت معركة بين الجيش والإسلاميين. حكم الإسلاميون، فأظهروا فظاظة مقرونة بالهبل: حوّلوا مبنى البرلمان إلى مسجد، وراحوا يتبارون في رفع الآذان داخله. مزقوا الدستور، وحاولوا استبداله بوثيقة تطوبهم حكاما أبديين، على نسق الحاكم المنتخب دائما وأبدا في تركيا. عاد الجيش، فعاد المصريون إلى الصاق الجزمات العسكرية على رؤوس أولادهم، وراحوا يصفقون ويهتفون. يقول العسكر إن باراك أوباما عدو مصر، تخرج بعض الراقصات في لوحات راقصة هابطة وعنصرية ضد الرئيس الأميركي السابق، وتتنافس مصريات في تقذيع أوباما أمام الإعلام: "شت يور ماوس يا أوباما".

والأسى وصل تونس الجميلة، التي أسقط شعبها، لا قوات أميركا، طاغيته. في تونس، وقف قادة عرب يتبارون في هجاء الربيع العربي. وفي تونس، خرج تونسيون يحملون صورا لرئيس سوريا بشار الأسد، الذي حاولت حكومة الربيع العربي التونسية إعادته إلى عضوية "جامعة الدول العربية" بكل ما أوتيت من قوة. لماذا يعتقد التونسيون أنه يحق لهم الإطاحة ببن علي ولا يحق للسوريين الإطاحة بالأسد؟

وفي ليبيا، انهمك أرباب الربيع الليبي، الذي أطاح بالقذافي، بنسف قانون الزواج المدني، وتشريع زيجات أربع لكل رجل، بما في ذلك زواج من القاصرات من عمر التاسعة.

وحتى لا نعقد آمالا أكثر من المعقول، وحتى نتعلم من الدروس الماضية، لن يأتي ـ وللأسف ـ الربيع إلى الجزائر. استقالة بوتفليقة هي انقلاب عسكري عليه، زينته تظاهرات شعبية صادقة. سيختبأ الإسلاميون خلف الحشود الشعبية، وسيختبأ العسكر خلف المجلس الانتقالي، وسيتسابق الاثنان للسيطرة على الحكم، مع ترجيح انتصار العسكر، حتى لو دمويا.

لم تختلف الثورة الجزائرية على بوتفليقة عن نظيراتها في دول الشرق الأوسط. هي ثورات مليئة بالحماسة للتغيير، ومعدومة الرؤية والقدرة على التغيير. سيطالب الجزائريون، كأقرانهم في تونس وليبيا ومصر والعراق وسوريا، بأمور غريبة عجيبة لا تمت إلى الحرية ولا الديموقراطية بصلة، بل إنهم سيعتقدون أن للغالبية قدرة على إملاء رأيها على الآخرين، وأن الأقليات ليسوا من يخالفونهم بالرأي فحسب، بل هم خونة للثورة والوطن.

مشكلة الشرق الأوسط هي في المحكومين، هي في الناس، جميعهم، مسلمين وغير مسلمين، عربا وغير عرب. في لبنان الذي ناضلت فيه مجموعة معروفة بـ "تحالف 14 آذار" من أجل الحرية والديموقراطية، قامت المجموعة نفسها بتطويب قادتها زعماء لها إلى الأبد، وساهمت في منع مسلسلات تلفزيونية لم تعجبها. وفي كردستان، طال حكم الكاك مسعود برزاني حتى صار أطول من حكم صدام نفسه، وأثرى قادة كرد أنفسهم، مثل من اضطهدوهم من قادة العرب، وقضى قادة الكرد على الحرية، وسجنوا وضربوا معارضيهم.

لم يأت آل الأسد من المريخ، ولا صدام حسين، ولا رجب طيب أردوغان. هؤلاء هم أبناء الثقافة الفاسدة العنفية نفسها، التي لا تقبل الرأي الآخر، والتي تتمسك بالحكم عنوة، وتقضي على المعارضين وتتهمه بالخيانة، وتنهب مقدرات الحكم. كل منهم، حافظ الأسد وصدام وأردوغان، خرجوا من رحم الظلم، ورفعوا أصواتهم في وجه السلاطين، ودخلوا السجون. ثم خرجوا منه، وتحولوا هم إلى سجانين. كيف الخلاص من دورة المظلومين الذين يتحولون إلى ظالمين؟ كيف الخلاص من ثقافة لا تحتمل أي رأي مغاير؟ كيف الخلاص من استقواء القوي وتزلف الضعيف؟

هو ربيع لن يأتي. نحن آسفين يا جزائر. تخالوه ربيعا، ونوده لو كان كذلك، لكننا اكتوينا بنار الطغاة والثورات. ربما التغيير في مكان آخر.

هل تشمل «دائرة» العقوبات بري وباسيل... لاحقاً؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين
جريدة الراي

خلال زياراتهما إلى واشنطن، دأب كل من رئيس حكومة لبنان سعد الحريري ووزير خارجيته جبران باسيل على الرد على مفاتحة المسؤولين الأميركيين لهم حول موضوع «حزب الله»، بالقول إن القوة العسكرية للحزب، مستقلة عن دولة لبنان في قرارها، وعابرة للحدود، وإنها مسألة دولية، وان لا قدرة للدولة على التحكم بها أو ضبطها، وان الحل يرتبط بعملية السلام في الشرق الأوسط، فالموضوع هو تالياً إقليمي ودولي أكبر من لبنان.
والإجابة نفسها سمعها المسؤولون الأميركيون ممن زاروا بيروت على مدى السنوات الماضية.
«إذا كانت دولة لبنان غير مسؤولة عن حزب الله وتصرفاته، فعليها إفساح المجال للمجتمع الدولي للتعامل مع هذا التنظيم الإرهابي وضبطه»، يقول أحد المسؤولين الأميركين، شرط عدم ذكر اسمه.
لكن تصريحات المسؤولين اللبنانيين متضاربة ومتناقضة، إذ إنه بين الحين والآخر، يقول البعض منهم إن «حزب الله» هو جزء من النسيج اللبناني، وإنه ممثل في مجلس النواب، والحكومة، وحتى في مجالس البلديات المحلية. بناء عليه، تصبح مواجهة الحزب المذكور بمثابة مواجهة ضد لبنان. وسبق للرئيس اللبناني ميشال عون أن قال إن العقوبات الأميركية على «حزب الله» ستؤذي لبنان.
يقول المسؤول الأميركي لـ «الراي»، إن مشكلة بيروت أن «سياستها تجاه حزب الله متخبطة ومضطربة، فهي إما تنأى بنفسها عن المواجهة الدولية»، ويقصد الأميركية والأوروبية والعربية، مع الحزب، «أو تلتصق به، فينالها ما يناله».
وكان الرئيس دونالد ترامب أعلن، في مايو العام 2017، نية واشنطن الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، بالتزامن مع فرض عقوبات على إيران، وخصوصا على «الحرس الثوري». ومنذ ذلك التاريخ، عكفت الوكالات الحكومية على إعداد الأطر القانونية المطلوبة لفرض هذه العقوبات، وباشرت الأسبوع الماضي بعملية تطبيقها.
واندلع جدال واسع داخل صفوف الإدارة حول قانونية تصنيف «الحرس» كتنظيم إرهابي، إذ إن تعريف الإرهاب ينطبق على المجموعات العنفية غير الحكومية حصرا، فيما «الحرس» مؤسسة حكومية. لكن جزءاً واسعاً من المسؤولين الأميركيين لفت إلى أن «الحرس الثوري» ليس حكوميا البتة، بل هو، مثل «حزب الله»، قوة صاحبة قرار مستقل عن مؤسسات البرلمان والحكومة في إيران.
ويقول المسؤولون إن «العقوبات على الحرس الثوري ستكون قاسية وشاملة، وستطول كل المستفيدين منه، مجموعات وأفراد، في عموم منطقة الشرق الأوسط والعالم».
في هذا السياق، انتشرت أنباء في العاصمة الأميركية عن استعدادات أميركية لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين كبار من حلفاء «حزب الله»، وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعدد من الوزراء والنواب ورجال الاعمال المرتبطين به. واشارت تقارير الى ان العقوبات ستطول ايضاً، باسيل، وشخصيات تابعة له.
الأنباء عن فرض عقوبات على حلفاء «حزب الله» غير مؤكدة بعد، وفي حال قامت واشنطن فعليا بفرضها، فهي ستكون الأولى من نوعها، وستحتاج إلى سند قانوني يشرح كيف يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات على أشخاص ليسوا مدرجين على لوائح الإرهاب، ولا هم مسؤولون في حكومات تعاقبها واشنطن، مثل الحكومة السورية ونظام الرئيس بشار الأسد.
على أنه سبق للولايات المتحدة أن فرضت عقوبات على رجال أعمال وشخصيات في لبنان وسورية ممن اعتبرتهم مرتبطين بإيران والأسد، ويشكلون واجهة لإخفاء الأعمال والتحويلات المالية لطهران وحلفائها.
يختم المسؤول الأميركي بأن سياسة الحياد التي يتحدث عنها أحيانا اللبنانيون تتطلب حيادهم فعليا وابتعادهم عن إيران و«الحرس الثوري» و«حزب الله». أما «أن يدّعي اللبنانيون الحياد وعدم المقدرة على ضبط الحزب، ثم يفيدون من إيران وحلفائها مالياً وسياسياً، ويدافعون عنها محلياً ودولياً، ففي أفعالهم هذه مسؤولية، ونحن الآن في تحميل أي متورط مع الإيرانيين، حول العالم، مسؤولية تورطهم».


الخميس، 4 أبريل 2019

ديموقراطيو أميركا حائرون في مواجهة رئيس... لا يغرق ولا يحترق

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت حملة أحد المرشحين الديموقراطيين الـ 15 حتى الآن، عضو الكونغرس السابق عن ولاية تكساس روبرت اورورك (المعروف بـ «بيتو»)، تستقطب عدداً لا بأس به من اركان الديموقراطيين ممن سبق ان خدموا في ادارتي الرئيسين الديموقراطيين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما.

وبدأت معالم حملة بيتو تظهر: حملات التبرعات تجري على قدم وساق، وكذلك افتتاح المكاتب الفرعية للحملة في الولايات الخمسين المختلفة. ارباب استطلاعات الرأي انضموا لحملة المرشح، البالغ من العمر 47 عاماً، وبدأوا يجرون استفتاءاتهم لمعرفة نبض الناس، والشؤون التي تهمهم، ولرصد ردود الفعل على مواقف المرشح الديموقراطي، بهدف تهذيبها وتحسينها. 

على ان المعضلة في حملة بيتو، كما في حملات المرشحين الديموقراطيين الاخرى، هي معضلة اسمها الرئيس دونالد ترامب، الذي سيترشح عن الحزب الجمهوري لولاية ثانية، العام المقبل. 

يحتار الديموقراطيون كيف يواجهون رئيساً يبدو انه يعشق الأزمات والفضائح ويعتاش عليها. يومياً، تغطي وسائل الاعلام الاميركية خمسة أو ستة اخبار من العيار الفضائحي، التي كان من شأنها ان تطيح بأي من الرؤساء السابقين، ولكن ترامب يبدو عصياً على الفضائح، فهو، مثلاً، قبل أيام، هدد باقفال الحدود مع المكسيك - ثاني اكبر شريك اقتصادي للولايات المتحدة، بعد جارتها الشمالية كندا - وهو ما ينعكس سلباً على اقتصاد البلدين وينذر باحتمال دخولهما في ركود يمكنه ان يؤذي حظوظه الانتخابية... وقبلها هدد بحرب نووية مع كوريا الشمالية. 

وفي وقت كان ترامب يتبجح بانتصاره على خصومه الديموقراطيين في تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، الذي لم يصدر حتى الآن، تطرق إلى أحد المواضيع التي يبدو ان الجمهوريين يحاولون التملص منها، وهو مشروع الاطاحة بقانون الرعاية الصحية المعروف بـ «أوباما كير». وتعتقد غالبية السياسيين من الحزبين ان الغالبية الساحقة للشعب الاميركي تريد الحفاظ على القانون المذكور، وان احد اسباب تفوق الديموقراطيين على الجمهوريين بواقع سبع ملايين ونصف المليون صوت، في الانتخابات النصفية العام الماضي، سببه تمسكهم بالقانون، الذي سعى الجمهوريين لنسفه. وبدلاً من ان يتمتع ترامب بانتصار الجمهوريين المزعوم في تقرير مولر، راح يتحدث عن قانون الرعاية الصحية، وكأنه يعشق المشاكل والمشاكسة. 

في لقاءات المسؤولين في حملة بيتو، انقسام. البعض يعتقد ان السبيل الافضل لالحاق الهزيمة بترامب تكمن في تجاهل الضجيج الذي يثيره الرئيس الاميركي بشكل يومي، والتركيز على الشؤون الحياتية التي تتصدر اهتمامات الاميركيين، وفي طليعتها تأمين الرعاية الصحية، ولجم شركات الادوية التي رفعت اسعارها في السوق الاميركية بشكل صار يتعذر على مرضى كثيرين الحصول عليها، وتحسين سوق العمل، والاستمرار في تحفيز الاقتصاد لتقديم وظائف اكثر ورواتب اعلى. 

البعض الآخر من القادة الديموقراطيين في صفوف بيتو، يرى ان المواطن العادي لا يتابع تفاصيل السياسة الاميركية كثيراً، وان المرشحة السابقة هيلاري كلينتون قدمت برنامجاً انتخابياً تفوّق على ترامب وحملته بأشواط، لكنها خسرت السباق لأن ترامب يعشق «رمي الوحول» على خصومه، حسب التعبير الاميركي، ما يعني أن الطريقة الوحيدة لالحاق الهزيمة به هي محاربته باسلوبه، اي «رمي الوحول عليه»، والانخراط ضده في حملة تقذيع وشتائم وكذب. 

على ان غالبية من الديموقراطيين يعتقدون انهم تفوقوا على الرئيس في الانتخابات النصفية لأنهم قدموا اداء صادقاً وشفافاً أظهرهم مختلفين عنه، لا مشابهين له. هؤلاء الديموقراطيون يتصدرهم أوباما، والذي يتناقل الاميركيون تصريحاً لزوجته ميشيل ردت فيه على سفاهات ترامب بالقول انه عندما «ينحدرون (الجمهوريون) الى الأسفل، نرتقي نحن (الديموقراطيون) الى الأعلى». 

فهل يواجه الديموقراطيون ترامب رئاسياً باظهار اميته السياسية وتهافت افكاره، ام يواجهونه بمبادلته السفاهة والشتائم؟ سؤال يحير الديموقراطيون العاكفين على التوصل الى افضل السبل لاسقاط رئيس يبدو، حتى الآن، انه لا يغرق ولا يحترق.

الثلاثاء، 2 أبريل 2019

مشكلتنا مع إيران و'حزب الله'

حسين عبدالحسين

يندر أن يغوص مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، أو الأمين العام لـ "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، في نقاشات فكرية، بل هما يكتفيان في الغالب بالتعليق على شؤون الساعة، وإطلاق شعارات شعبوية بهدف تحفيز المحازبين، وهو ما سمح لنائب نصرالله، الشيخ نعيم قاسم، تولي مهمة تقديم تفكير الحزب، المستوحى في الغالب من الأفكار الإسلامية الإيرانية.

يقول قاسم، في حفل تأبين في بلدة قبريخا في جنوب لبنان، إن المواجهة مع أميركا "ليست عسكرية، وإنما سياسية وثقافية واجتماعية"، وإن الأميركيين توصلوا إلى أنه "يجب جذب الناس إلى قناعاتهم، بحيث ينحرف (الناس) بإرادتهم، ويسلمون" للأميركيين. لكن بدلا من أن تنحرف شعوب الشرق الأوسط، يعتقد قاسم أنها "استيقظت، وعادت إلى دينها، وربها، وطاعتها، واستقامتها". ويختم أن "المشكلة ليست في قناعاتنا وبما نؤمن به… فهل إذا كان لدينا أولاد نريد أن نربيهم على طاعة الله عز وجل، فنربيهم بطريقة نصف مؤمن ونصف كافر كي يرضوا عنا"؟

رؤية قاسم للشعوب والدول والصراعات قاصرة، وسابقة لأفكار عصر التنوير، إذ هي تعتبر أولا، أن كل شعب هو وحدة دينية متجانسة، ما يقضي على حرية الأفراد داخل هذه الشعوب، وتعتبر أن الأفراد في كل شعب متطابقي الرأي والدين والموقف. هكذا، في عقل قاسم تصبح كل شعوب الشرق الأوسط مؤمنة بالله والدين، وهو علامة استقامتها، فيما تصبح كل أميركا منحرفة، وساعية لحرف شعوب الشرق الأوسط عن دينها واستقامتها.

العالم، في تفكير قاسم، نصفان: نصف مؤمن يعيش في الشرق الأوسط، ونصف كافر يعيش في الولايات المتحدة والغرب، والتسوية بين الطرفين مستحيلة، إذ أنها تنتج أولادا هجناء، ناقصي دين.

لبّ المشكلة في تفكير قاسم و"حزب الله" وإيران هو استبدال الفرد بالجماعة، وهو فكر بدائي، فطري بطبيعته، عاشت واندثرت في ظلّه شعوب وحضارات غابرة، إلى أن جاءت بعض الأديان، وحرّضت الأفراد ـ ضد رأي جماعتهم ـ على الإيمان بخالق واحد يسمو على كل البشر، وهو في سموه، يجعل من الأفراد متساوين، في الحقوق والواجبات، ويمنحهم حياة ثانية فيها تعويض عن المظالم التي ألمت بهم في حياتهم الأولى. رسول المسلمين خرج على قريش ورأيها، وقبله خرج المسيح على اليهود. بعض الأديان كانت أول من سمحت بتمرد الفرد على جماعته.

لا دراسات وافية عن الموضوع بعد، ولكن يمكن ربط صعود الفردية، على حساب الجماعة، باكتشاف مبدأ التعامل النقدي، حوالي 600 عاما قبل الميلاد. قبل النقود، كان الاقتصاد بالمقايضة، وكان رئيس أي جماعة يحدد مهام كل فرد في عملية الإنتاج، مقابل رعاية الرئيس للأفراد، وحمايتهم، وإطعامهم. في تلك المجتمعات البدائية، لم يحتكر رئيس الجماعة وسائل الإنتاج والاقتصاد فحسب، بل كان رأيه السائد وحده، وكان وحده سليل الآلهة، ويعود إليهم بعد مماته.

ظهور النقود سمح لرئيس الجماعة بشراء إنتاج الأفراد، وحرره من مسؤولياته الأخرى، فأعطت النقود للأفراد خيارات واستقلالية، وسمحت لهم بشراء حياة أبدية مثل ملوكهم، فوجد تجار الهيكل فرصة سانحة في بيع صكوك الرضا الإلهي للأفراد نقدا، ومع تراكم الثروات لدى الهيكل، راح ينافس الملك في الحكم، وراح الملك ينافس الهيكل في الألوهية، وحصل مرارا أن جمع البعض الحكم والألوهية معا، فحازوا على سلطة مطلقة، وهو النموذج الذي يصف خامنئي اليوم، الفيلسوف الملك، حسب المبدأ الأفلاطوني.

بعد ألفيتين ونصف، اندلعت الثورة الصناعية في أوروبا، وراح الصناعيون يتسابقون لشراء ساعات العمل ومهارات العمال، فراكم العمال قدرات مالية سمحت لهم بالانشقاق عن لورداتهم وقبائلهم ومعابدهم، والاستقلال في معاشهم وآرائهم ومعتقداتهم، فصارت الحرية الفردية ـ حرية التعبير، والملكية، والدين، والمأكل، والملبس، والاجتماع ـ حجر الأساس في العقود الاجتماعية (الدساتير) لمعظم الحكومات الغربية.

ومن نافل القول إن الحرية الفردية في الغرب تعرضت، وما تزال، لانتكاسات كان أبرزها صعود القومية النازية والفاشية، التي ترى الناس ـ مثل الشيخ قاسم ـ أمما متجانسة، ومتطابقة في الرأي والتفكير والمعتقد. وعندما يصبح التباين داخل الشعب الواحد متعذرا، يصبح النقاش الوحيد المتاح هو ضد الشعوب الأخرى.

هكذا، تصبح شعوب الشرق الأوسط كلها مستيقظة، وشعوب الغرب كلها منحرفة، وأميركا، بعدما فشلت في الإقناع عبر حربها الناعمة، جرّدت جيوشها على المسلمين، وهؤلاء خياراتهم إما مؤمن أو كافر، ولا تسويات أمامهم، فانحصر خيارهم بالقتال.

وللإنصاف، ليست إيران و"حزب الله" وحدهما في التمسك بتفكير متأخر لا يدرك الأهمية المطلقة للحرية الفردية، ويحاول تقييدها بحجة الحفاظ على القيم المجتمعية، أو "الاحترام"، أو القول إن "حرية المرء تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر"، وكأن الحرية قيمة محددة يتم توزيعها بالتساوي.

"لا تجد انحرافا أو فسادا أو قتلا أو إجراما أو انتهاكا لحقوق الإنسان أو تدميرا في الأرض، إلا وتكون أميركا هي وراءه، إما بشكل مباشر، وإما من خلال أدواتها وعملائها، لأنها تريد السيطرة على العالم"، يقول الشيخ قاسم، في تصريح يتطابق مع تصريحات بوتين روسيا، أو مادورو فنزويلا، أو شي الصين، فالطغاة يتمسكون بالفكر المتأخر نفسه، ويقومون بشتم المطالبين بالحرية، إن من الخارج أو من الداخل.

مشكلتنا مع إيران و"حزب الله" هي مشكلة أحرار العالم مع طغاته، وهي ليست حربا للسيطرة على النفط، ولا على أرض، ولا على قواعد عسكرية. مشكلتنا مع إيران و"حزب الله" هي أننا نصبو إلى الحرية، فيما إيران ترفضها. أما الأحاديث عن الإيمان والكفر، والفساد والعملاء، والسيطرة على العالم، والمقاومة والتحرير، فمن باب تشتيت الانتباه عن القضية المركزية: الحرية.

دانين لـ «الراي»: عبقرية ترامب وحّدت العرب ضد إسرائيل... ولم توحّدهم في مواجهة إيران

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لخّص روبرت دانين، وهو مساعد وزير خارجية سابق في عهد الرئيس جورج بوش الابن، استياء المؤسسة الحاكمة في العاصمة الاميركية من السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب، بالقول ان «العبقرية السياسية لدى فريق ترامب وحّدت حلفاءها العرب ضد سلام اقليمي» ممكن مع اسرائيل، و«لم توحّدهم في مواجهة التهديدات الاقليمية لايران التوسعية».
وجاء تصريح دانين لـ«الراي»، اثناء دردشة حول الشؤون الاقليمية، وتعليقاً على البيان الختامي لقمة تونس العربية، والذي عبّرت فيه الدول العربية عن رفضها «الاعلان الرئاسي» لترامب، في 25 فبراير الماضي، وفيه ان «الولايات المتحدة تعترف بأن مرتفعات الجولان هي جزء من دولة اسرائيل». 
ويعتقد متابعو السياسة الخارجية ان انعدام الخبرة لدى ترامب وفريقه تعني ان كل السياسات الداخلية والخارجية صارت مصممة للاستهلاك الشعبي، ويتم توقيتها وفقا للدورة الاخبارية، وهو ما يعني ان سياسات الرئيس هي عبارة عن مواقف، في الغالب غير مدروسة، اهدافها قصيرة المدى، من دون أي تقدير إن كانت ستؤذي أهداف ترامب على المديين المتوسط والطويل. 
ومثل ترامب، كذلك رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي يرى أميركيون، كثيرون منهم من اصدقاء اسرائيل، ان اسلوب حكمه مبني على استطلاعات الرأي وصناديق الاقتراع، وان ترامب ونتنياهو يحكمان وكأنهما يديران «حملة انتخاب متواصلة». 
في هذا السياق جاء الاعلان الرئاسي الذي اصدره ترامب للاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري، الذي تحتله اسرائيل منذ العام 1967، وأعلنت ضمّه في العام 1981. وحسب القوانين الاميركية، لا يتمتع الاعلان الرئاسي بقوة قانونية تذكر، بل هو شبه تمني، ويمكن لأي رئيس مقبل ابطاله باعلان مماثل. والاعلان هو دون المرسوم الاشتراعي في القوة القانونية، والاثنان هما دون القوانين الصادرة عن الكونغرس من حيث الزاميتهما وقوتيهما القانونيتين. 
وبسبب رمزية الاعلان الرئاسي، سارع اصدقاء اسرائيل الى حشد مشرّعين في الكونغرس لتحويله الى قانون يتم بموجبه تثبيت الموقف الاميركي حول الجولان. ويستبعد المراقبون ان يحوز قانون من هذا النوع على الغالبية في الكونغرس. 
على انه رغم ضعف سنده الدستوري، أدى الاعلان الرئاسي دوره، اذ يبدو انه قلّص تأخّر نتنياهو عن الكتلة المنافسة له، والتي تتصدر استطلاعات الرأي في الانتخابات الاسرائيلية المقررة في التاسع من أبريل الجاري، من خمسة مقاعد الى ثلاثة فقط. 
هكذا، صار يبدو انه للحصول على حفنة من مقاعد في الكنيست، أطاح ترامب ونتنياهو بأي فرصة كانت متاحة لتحقيق «صفقة القرن»، وهي عبارة عن سلام عربي، مع اسرائيل، من دون الفلسطينيين، تحت عنوان توحيد العرب واسرائيل لمكافحة ايران. 
اما الاعلان الرئاسي، فقد دفع العرب وايران الى موقف متقارب رافض لضم الجولان للسيادة الاسرائيلية، بدلا من تقريب العرب واسرائيل لمواجهة إيران. 
ويعتقد بعض الخبراء، ان الانقسام الخليجي اثر سلبا على المحاولات الاميركية في بناء تحالف عربي متماسك ضد طهران...
«من قال ان مجموعة منعزلة من محامي العقارات لا يمكنهم ادارة ديبلوماسية فعّالة في الشرق الاوسط»؟ يختم دانين بتهكم.

Since December 2008