الأربعاء، 30 يوليو 2014

هنا باريس: كلنا غزة

حسين عبدالحسين

لم يكن المشهد في حديقة نلسون مانديلا، القريبة من متحف اللوفر الشهير في العاصمة الفرنسية يشي بأنها ستتحول إلى ساحة مواجهة. فجأة ظهر من الخواء جمع من المتظاهرين في عمر الشباب وهم ينادون شعارات بالفرنسية دعماً لغزة ويلوحون مزيجاً من الاعلام، معظمها فلسطينية، مع حضور للأعلام الجزائرية والتركية وحتى راية أو اثنتين لتنظيم القاعدة.
اقتربتُ من الجمع لالتقاط بعض الصور، لكن لعلمي أن السلطات الفرنسية كانت حظرت التظاهر، بقيت على مسافة منهم. قلت في نفسي ان بطاقات الاعتماد الصحافية الأميركية قد لا تسعفني في هذه الحالة. لكن ببقائي بعيداً، أثرت ريبة بعض المتظاهرين، فرجال الأمن الفرنسيين بثياب مدنية كانوا في كل مكان، بما في ذلك بين المتظاهرين انفسهم، وكانوا يلتقطون الصور، ربما للاحتفاظ بها في ملفاتهم. ولأن الأمن الفرنسي، الظاهر والخفي، كان منتشراً، لم تتأخر الشرطة في الحضور، لكن أبواقها سبقتها، ما دفع ببعض المتظاهرين الى تحذير بعضهم البعض.
"قل لسفيان انهم جو"، قال احد المشاركين بلهجتهم المحكية. ويبدو ان سفيان هذا من اصحاب السوابق في التظاهر، و أنه من الممكن أن يكون في مأزق اكبر من الآخرين في حال تم القاء القبض عليه. كذلك، أشار تنادي المتظاهرين الى معرفة بعضهم البعض والى وجود شبكة تنظيمية، وإن جزئية، هي أعمق من التظاهر عفوياً.
ومع تعالي ابواق الانذار ووصول قوات مكافحة الشغب، راحت حفنة من الشباب تفرض شعاراتها صياحاً، فصارت هتافات "الله اكبر" و"العزة للاسلام" تغلب على باقي الشعارات. ثم بدأ بالفرار من الجمع نفر من المتظاهرين كان لافتاً تشابه هندامهم: لحى طويلة، شوارب محفوفة، وسراويل اقصر من الكواحل. ثم انتشرت قوات الأمن الفرنسية وحاصرت الحديقة. المدنيون من الأمنيين الفرنسيين صاروا اكثر ظهوراً، إذ لم تبد عليهم علامات توتر كما العامة، وراحوا يتجولون بين الشرطة بكل ثقة وأمان وهم يراقبون المتظاهرين وتحركاتهم. أما من لم يتمكن من الفرار من المتظاهرين، فاضطر للخروج من الحديقة بالمرور بنقاط التفتيش التي وضعتها الشرطة على المارة وراحت تفتش الحقائب اليدوية.
لم يكن واضحاً ما الذي تبحث عنه الشرطة. هذا شاب يرتدي قميصاً كتب عليها بالانكليزية "انا احب غزة"، مر من دون مساءلة، وذاك شاب اخرجت الشرطة من حقيبته كوفية فلسطينية وأعادتها إليه بلطافة، وتلك شابة تمر جانب الشرطة وهي تلوح بالعلم الفلسطيني، بدون أن يتعرض لها أحد.
الشرطة، بدورها، بدا عليها التوتر، ربما بسبب المواجهات العنيفة مع المتظاهرين في مناطق اخرى، ما حدا بها الى ارسال تعزيزات حتى كادت اعداد الأمنيين تناهز عدد المتظاهرين. لماذا إذاً اندلعت المواجهات؟ ولماذا تمنع الحكومة الفرنسية، التي تتباهى بأنها اولى الديموقراطيات ومطلقة شعار "حرية، مساواة، اخوة"، تظاهرات سلمية مساندة لغزة على غرار التي سارت في مدن غربية اخرى مثل لندن وشيكاغو الاميركية وغيرها؟ سفيان وصحبه يعتقدون ان السبب هو مؤامرة غربية كبيرة وقديمة، تتضمن تحامل الفرنسيين على الاسلام والمسلمين. "انذال، كلاب، يكرهون الاسلام لانهم اعداؤه" قال احد المتظاهرين.
من هنا يمكن الاستنتاج أن التظاهرة لم تكن لغزة وحدها، بل كانت لغزة ظاهراً ولمظلومية يشعر بها كثيرون من العرب الفرنسيين، كما البريطانيين والاميركيين باطناً، وان كانت مشكلة الفرنسيين العرب اعمق واعقد منها في الدول الاخرى. وما يؤكد عمق مشكلة الهوية العربية في الغرب كان واضحاً في الكثير من مشاركات هؤلاء عبر صفحات التواصل الاجتماعي، والتي دعت في الغالب إلى قضايا لا ترتبط بغزة كثيراً، من قبيل دعوة البعض لمجابهة الحكومة الفرنسية حول منعها للحجاب في المؤسسات العامة وحظرها النقاب بصورة تامة. وفي الولايات المتحدة، تشابكت النداءات لنصرة فلسطين مع دعوات للقاءات لمنع بعض دوائر الشرطة، مثل في نيويورك، من فرض رقابة لصيقة على العرب والمسلمين ودور عبادتهم وأماكن لقاءاتهم أكثر من المجموعات الأميركية الأخرى.
والريبة والعدائية العربية في دول الغرب تغذي وتتغذى من عداء مشابه للسكان المحليين، فحزب جان ماري لوبين، اليميني المحافظ، تصدر الأصوات الفرنسية في الانتخابات الاوروبية الاخيرة، فيما "حفلة الشاي" الأميركية لا تخفي عداءها للعرب الاميركيين والعرب حول العالم.
حتى الرئيس باراك أوباما، اثناء حملته الانتخابية الاولى في العام ٢٠٠٨، تعرض لمساءلة كثيفة حول إن كان مسلماً، وهو أجاب دوماً بالنفي، ولكنه لم يحدث أن أضاف أن لا مشكلة في وصول مسلم إلى الرئاسة الأميركية.
غزة، يعتقد كثيرون من العرب والمسلمين في الغرب أن حكوماتهم تظلمها، بالضبط كما تظلمهم، لذا، لم يكن غريباً أن تختلط صيحات "غزة" بهتافات لشؤون غيرها لأن المظلومية، على الأقل حسب ما يعتقد كثيرون من المتظاهرين، مصدرها واحد. -

الأربعاء، 16 يوليو 2014

واشنطن تخفّض توقعاتها للنمو هذه السنة

حسين عبدالحسين - واشنطن

خفضت الحكومة الأميركية توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة من 3.3 إلى 2.6 في المئة، بعد تسجيل نمو نسبته 2.9 في المئة فقط خلال الربع الأول. ولكنها ما زالت تؤمن باستمرار نمو اقتصادها إلى 3.3 في المئة عامي 2015 و2016، قبل أن يتراجع إلى 2.7 في المئة بدءاً من عام 2017 «بسبب اقتراب الاقتصاد من سوق العمل الكاملة»، أي انخفاض نسبة البطالة إلى نحو 5.4 في المئة.

وأشارت الحكومة في تقرير للكونغرس بعنوان «توقعات اقتصادية»، الصادر عن «مكتب الموازنة»، إلى أن «معدل النمو بين عامي 2013 و2018 سيكون أدنى مما كان متوقعاً في مسودة موازنة عام 2015 بسبب نسبة البطالة التي تنخفض أسرع من المتوقع».

ويعتقد اقتصاديون أميركيون أن انخفاض نسبة البطالة دليل على اقتراب الاقتصاد الأميركي من «أقصى طاقته»، ما يؤدي حكماً إلى تباطؤ في النمو السنوي.

وخفضت الحكومة توقعاتها لعجز موازنتها السنوي هذه السنة من 649 بليون دولار إلى 583 بليوناً، عازية ذلك إلى نجاحها في فرض مزيد من التقشف في موازناتها، وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها العجز السنوي إلى ما دون 600 بليون دولار منذ الأزمة المالية عام 2008.

وأشار التقرير الى أن «العجز هذه السنة سينخفض من 3.7 في المئة من الناتج المحلي إلى 3.4 في المئة»، في حين خفضت الحكومة توقعاتها للعجز خلال العامين المقبلين من 3.1 إلى 2.9 في المئة، و2.8 إلى 2.7 في المئة على التوالي، ولكنها اعتبرت أن العجز سيكون أكبر مما توقعت مطلع السنة بدءاً من عام 2018 وحتى عام 2024، عندما سيبلغ 2.1 في المئة، بدلاً من 1.6 في المئة الواردة في تقريرها الماضي».

وتوقع التقرير أن تصل نسبة البطالة إلى ستة في المئة خلال الربع الأخير من السنة، أي أقل بـ0.2 في المئة من المعدل المسجل في الربع الثاني»، مشيراً إلى أنها «ستنخفض بسرعة متوسطة، إذ مع تحسن وضع سوق العمل، يُتوقع عودة من تخلوا عن البحث عن عمل إلى البحث مجدداً». وأضاف: «مع استمرار النمو، ستنخفض البطالة إلى 5.4 في المئة عام 2017، وبسبب الانخفاض السريع في نسبة البطالة خلال الشهور الماضية، يُتوقع أن تصل إلى 5.4 في المئة قبل سنة ونصف سنة من توقعاتنا في تقريرنا السابق». وعن التضخم، أوضح التقرير أنه «يراوح منذ فترة بين واحد واثنين في المئة، ونسبة التضخم الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، كانت اثنين في المئة على مدى سنة حتى أيار (مايو) الماضي، وستبلغ 2.3 في المئة سنوياً خلال العقد المقبل».

أما عن المدخول، فأشار إلى أن «أرباح الشركات شهدت خلال عام 2013 ارتفاعاً أسرع من أجور اليد العاملة، في وقت بقيت نسب الفائدة منخفضة، ولذلك ارتفعت حصة أرباح الشركات من إجمالي العائد الوطني، فيما تبقى أجور العمال في مستوى أدنى من مستوياتها التاريخية».

وتابع: «مع تحسن الاقتصاد، يُتوقع أن تنقلب الصورة، فترتفع أجور اليد العاملة والفوائد قليلاً بالنسبة الى إجمالي المدخول الوطني، فيما تنخفض حصة الشركات منه».

الاثنين، 14 يوليو 2014

أميركا تتراجع عن قرار تدمير كل منشآت سورية الكيماوية

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

وافقت الولايات المتحدة على تسوية اقترحتها السكرتاريا التقنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية تقضي بقيام نظام الرئيس السوري بشار الأسد بتدمير سبعة من أصل 12 معملا يملكها لإنتاج الأسلحة الكيماوية، متراجعة بذلك عن قرار سابق للمنظمة، تبناه مجلس الأمن في قراره رقم 2118، يجبر دمشق على تدمير ترسانتها الكيماوية ومعامل انتاجها بالكامل، تحت طائلة استخدام القوة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وقال المبعوث الأميركي الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية روبرت ميكولاك ان بلاده درست اقتراح السكرتاريا بعناية للتوصل الى تسوية «في موضوع تدمير منشآت الإنتاج» الكيماوية، وانه «رغم ان الاقتراح يتطلب تنازلات جدية ولا يتوافق تماما مع قرار هذا المجلس في سبتمبر 2013، الا ان الولايات المتحدة مستعدة لدعم حل التسوية من اجل توصل المجلس الى قرار... طالما ان سورية تقبله كذلك».

وقال ميكولاك اثناء اجتماع عقده مجلس المنظمة في لاهاي الأسبوع الماضي، ان واشنطن ليست مستعدة الى ان «تذهب ابعد من ذلك او ان تنخرط في المزيد من المساومة»، مضيفا: «نحن نأمل ان تدعم سورية هذه التسوية، بما في ذلك تدمير سورية للمنشآت السبعة، وفي تلك الحالة، يبرم المجلس القرار حتى تبدأ أخيرا عملية التدمير».

وتابع المبعوث الأميركي: «دعوني أكون واضحا، إذا رفضت سورية هذه التسوية واستمرت في تمردها، يجب ان يكون هناك عواقب، اذ لا يمكن السماح لسورية ان تعرقل كل محاولة للحل وأن تستمر في تجاهل التزاماتها وتجاهل هذا المجلس بإبقائها على منشآتها لإنتاج الأسلحة الكيماوية للأبد».

لكن التهديد الأميركي بدا فارغا، اذ ان «العصيان» السوري، حسب المسؤول الأميركي، يتصاعد منذ فترة، فيما دأب المسؤولون الاميركيون على التلويح بعواقب لا يبدو انها تخيف أحدا.

ويقول ميكولاك انه «منذ مارس الماضي، صار الموقف السوري أكثر تصلبا ورفض الانخراط في مفاوضات ذات معنى». ويضيف ان «الموقف السوري حول ما يجب تدميره لم يتغير منذ مارس»، وهو ما يطرح السؤال التالي: إذا كانت دمشق ملتزمة بمواقفها الرافضة لتدمير أي من منشآتها الكيماوية الاثنتي عشرة منذ خمسة أشهر من دون عواقب، فما الذي يمكن ان يدفعها الى تغيير هذا الموقف غير التصريحات الأميركية المتكررة حول العواقب؟ ويكشف المبعوث الأميركي عن اجتماع انعقد في موسكو في أواخر شهر يونيو الماضي، جمع مسؤولين سوريين واميركيين وروس وممثلي المنظمة، التي قدمت اثناءه تسوية «تتضمن قبول كل الأطراف لحدود الانفاق، التي تمت مراجعتها»، كما تتضمن التسوية كذلك «إجراءات مراقبة (دولية على المنشآت السورية) أكثر فاعلية».

وتشير التقارير الأميركية الى ان 1300 طن من المواد الكيماوية التي سلمها الرئيس بشار الأسد للمجتمع الدولي يتم تدميرها حاليا. ومن المقرر ان تنتهي عملية التدمير في سبتمبر المقبل، وهو الموعد الذي تأمل واشنطن ان يتزامن مع تدمير سبعة منشآت ووضع خمسة متبقية تحت مراقبة دولية. ومع ان الخطوة المقبلة للمنشآت الخمسة مازالت غير معلومة، الا انه يبدو ان واشنطن صارت تبدي ليونة أكثر حول طرح روسيا والأسد تحويلها الى منشآت كيماوية مدنية.

كذلك، يبدو ان واشنطن تعتقد ان التقرير الذي قدمته دمشق حول ترسانتها الكيماوية في سبتمبر الماضي تشوبه ثغرات، وان الأسد لم يعلن عن كل الكمية التي بحوزته، حتى لو كان سلم معظمها، وهو ما دفع ميكولاك الى القول ان هدف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية هو «التأكد من دقة واكتمال الإعلان السوري، والاستمرار في المراقبة حتى تتكون الثقة الضرورية لدى المجتمع الدولي ان سورية أعلنت وفككت برنامج أسلحتها النووية بالكامل».

وربما تأمل الإدارة الأميركية اعلانا من المنظمة تؤكد فيه التفكيك الكامل لترسانة الأسد الكيماوية قبل حلول نوفمبر، وهو تاريخ موعد انتخابات الكونغرس النصفية، اذ من شأن اعلان من هذا النوع ان يسمح للرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي تقديمه للأميركيين على انه إنجاز لمطالبتهم بتأييد الديموقراطيين، أصحاب الشعبية المتهالكة التي تنذر بالإطاحة بسيطرتهم على مجلس الشيوخ، مع ما يعني ذلك من القضاء على آخر معاقل النفوذ السياسي للرئيس الأميركي وتحويله الى «بطة عرجاء» بالكامل بانتظار خروجه من الحكم في العام 2016.

واشنطن : الاستعانة بالجمهورية الإسلامية لهزيمة الدولة الإسلامية

حسين عبدالحسين

"اشتدي يا أزمة تنفرجي" هو القول الذي اختاره سفير أميركا السابق في العراق، ريان كروكر، ليفتتح به مقالته التي حملت عنوان "كيف يمكن لاتفاقية أميركية – إيرانية ان تساعد في انقاذ العراق". ومما كتبه كروكر في صحيفة "واشنطن بوست" أن "السؤال الذي يواجه الولايات المتحدة وإيران لم يعد حول إمكانية العمل سويا، بل كيفية فعل ذلك"، معتبراً أن من شأن "اتفاقية نووية شاملة" في فيينا ان تساهم في تعزيز الاتصال بين الدولتين، وان فشل المفاوضات النووية سيفرض "خيارات سيئة".

وأضاف كروكر انه إذا كان الهدف "احتواء الدولة الإسلامية، فلا بد للولايات المتحدة والدول الأخرى (مثل إيران) ان تعيد النظر في سياساتها السابقة، وان تدير عداواتها... فبالنسبة لإيران، تفتت العراق وقيام دولة إسلامية سنية راديكالية بجوارها سيكون كارثياً". لذا، يعتقد كروكر أنه لا بد من الاستعانة بالجمهورية الإسلامية في إيران لإلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية في العراق.


وفي السياق نفسه، يعتقد كروكر، الذي قلده الرئيس جورج بوش أرفع وسام مدني لخدمته في العراق، انه "من غير المنطقي للغرب ان يدعم حربا ضد (الرئيس السوري بشار) الأسد وكذلك حرباً ضد الدولة الإسلامية، فالأسد شر، ولكن في هذه الحالة، هو حتماً اقل الشرّين سوءاً".


ولا شك ان مقالة كروكر هذه تطرب آذاناً كثيرة في طهران، فالرجل يدعو صراحة إلى تبني واشنطن لمعظم وجهات النظر والسياسات الإيرانية في منطقة الشرق الاوسط، مصوراً التبني بأنه يخدم مصالح الولايات المتحدة على أفضل حال.


ومن غير المعروف ما الذي أوصل الدبلوماسي السابق إلى هذا الموقف، الأقرب الى اليمين الأميركي والحزب الجمهوري والذي يعمل اليوم عميداً لإحدى الجامعات في ولاية تكساس الجنوبية، ذات الغالبية الجمهورية، لكن المعروف أن كروكر لم يعد منفرداً في رأيه داخل الولايات المتحدة، بل هو يتماهى مع تيار يتسع ويتطابق في مواقفه مع اللوبي الموالي للنظام الإيراني داخل العاصمة الأميركية.


وكدلالة على اقتراب كروكر من اللوبي الإيراني، يمكن مطالعة المؤلفين اللذين ضما اسميهما الى اسمه في توقيع المقالة، وهما السفيرين السابقين توماس بيكيرنغ ووليام لويرز.


بيكيرنغ معروف بالتصاقه باللوبي الموالي لطهران في واشنطن، والذي يتزعمه الإيراني – السويدي المقيم في أميركا تريتا بارسي. أما لويرز، فهو يعمل حالياً كمدير لجمعية "مشروع إيران"، التي تقدم نفسها على موقعها على أنها "تسعى لتحسين الاتصالات الرسمية بين حكومتي الولايات المتحدة وإيران".



ومن بين أعضاء الجمعية وجوه في العاصمة الأميركية، معروفة بتأييدها لانفتاح أميركي فوري وغير مشروط على إيران، وابتعاد عن دول الخليج العربي، من أمثال رئيسة مركز أبحاث كارنيغي، جيسيكا ماثيوز، وخبير الشؤون النووية جيم والش، والسفير السابق في مصر فرانك ويزنر.


هكذا، لم يعد الحديث عن التقارب الأميركي مع إيران هامشياً، بل صار في صميم النقاش الأميركي الدائر حول الشرق الأوسط، وفي هذا السياق قدمت "خدمة أبحاث الكونغرس" تقريراً إلى أعضاء الكونغرس والعاملين فيه بعنوان "الأزمة العراقية وسياسة الولايات المتحدة"، ربطت فيه التعاون الأميركي – الإيراني بالتوصل الى حل في العراق وإلحاق الهزيمة بـ"الدولة الاسلامية".


لكن على عكس كروكر وصحبه، لم يعتبر التقرير المذكور ان التوصل الى تسوية نووية شرطاً لقيام تنسيق بين واشنطن وطهران في العراق، بل رأى ان التنسيق في العراق قد ينعكس إيجاباً على المفاوضات النووية بين المجتمع الدولي وإيران.


وقال التقرير إن "جانبا من الرد الأميركي (على أزمة العراق) يمكن ان يتضمن العمل مع إيران لإصلاح البنية السياسية العراقية ومحاولة الانتزاع من (الدولة الإسلامية في العراق والشام) داعش مكتسباتها". وتابع التقرير أن "فعل ذلك يرفع من إمكانية الربط بين تعاون أميركي – إيراني محتمل في العراق والديبلوماسية الدولية الجارية حول برنامج إيران النووي".


ونقلت "خدمة أبحاث الكونغرس" عن مسؤولين في الإدارة الأميركية قولهم إن المسؤولين فيها "استبعدوا عموماً إمكانية تعاون عسكري مباشر مع إيران". لكن المسؤولين أنفسهم لا يبدو انهم استبعدوا تعاوناً أميركياً – إيرانياً غير مباشر في العراق، ربما عن طريق رئيس حكومة العراق نوري المالكي، حليف الدولتين.


إذاً، لم يعد التعاون العسكري او الدبلوماسي بين اميركا وإيران أمراً مستبعداً في العاصمة الأميركية، بل صار النقاش يتمحور حول ماذا يأتي أولاً: التوصل الى اتفاقية نووية أولاً ثم تعاون في العراق، ام تنسيق في العراق يؤدي الى انفراجات في الحوار النووي.


أما معارضو التعاون الأميركي مع إيران، فيبدو أن نجمهم يخفت وحضورهم يتراجع، اللهم إلا إذا قدمت إيران لهم هدية بتصلبها في المفاوضات، ما يفرض على إدارة أوباما البقاء بعيداً عن طهران، في العراق وفي غير العراق، وما يفرض على واشنطن الاستمرار في سياسة مواجهة مع الإيرانيين هي في الأصل لا ترغب بها.

الأحد، 13 يوليو 2014

«الحرس الثوري» يريد تطبيق النموذج السوري بحذافيره في العراق

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

تسعى الأوساط المعنية في العاصمة الأميركية الى فهم السياسة الإيرانية في العراق منذ سقوط الموصل وقيام «الدولة الإسلامية»، خصوصا موقف طهران من بقاء او رحيل رئيس الحكومة نوري المالكي. الا انه على غرار المرات الماضية، يتعذر ان يجد الاميركيون سياسة واحدة صادرة عن طهران، بل رأيان وسياستان: الأولى بقيادة «الحرس الثوري» وعلى رأسه مرشد الثورة علي خامنئي، والثانية برعاية الرئيس حسن روحاني ودعم ما يعرف بالإصلاحيين والمعتدلين.

وكتب الباحث مهرداد معروفيان من مركز أبحاث «اميريكان انتربرايز انستيتوت» اليميني المحافظ انه يبدو ان «قائد فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني هو القائد الميداني لإيران في العراق. ونقل عن مسؤولين اميركيين قولهم ان سليماني «أمضى وقتا مطولا في بغداد لتنسيق مجهود قوات الامن العراقية وتعبئة الميليشيات الشيعية والمتطوعين».

واضاف المسؤولون الاميركيون ان «استراتيجية سليماني في العراق تبدو وكأنها مبنية عل النموذج الذي استخدمه لمساعدة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد في سورية، وهي مبنية على استقطاب كثيف لمقاتلين محليين من طوائف معينة، وتحريك القوى التابعة لإيران إقليميا مثل حزب الله اللبناني، الى جانب القوات المسلحة التقليدية للدولة المضيفة المهددة».

ويقول معروفيان ان في إيران اسما لهذه الميليشيات غير النظامية في سورية والعراق ولبنان: الباسيج.

ويعتقد الخبراء الاميركيون ان سليماني و«حزب الله» يقفان خلف تشكيل وتدريب وتمويل الميليشيا السورية التي تحمل اسم «قوات الدفاع الوطني»، والتي صارت تشارك في معظم المعارك الكبيرة في سورية، كان آخرها انخراطها الى جانب قوات النخبة لدى الأسد في معارك حي الشيخ نجار في حلب، في الأسبوعين الماضيين.

ويلفت معروفيان الى تصريحات مسؤولين إيرانيين يتبنون فيها مسؤولية إيران عن انشاء هذه الميليشيات التي يطلقون عليها تسمية «المقاومة».

وكان اللواء في الحرس الجمهوري الإيراني حسين حمداني قال، في تصريح له أخيراً، انه عبر «خلق الباسيج، يولد الطفل الثالث للثورة (الإيرانية) في العراق، بعد سورية ولبنان». واضاف حمداني: «نحن نؤمن كليا بالدفاع الشعبي والكامل، والوجود الشعبي في المشهد هو سر المقاومة... في سورية، عندما دخل الناس الى جانب الجيش، انقلب الوضع فجأة لمصلحة المقاومة». ويختم حمداني: «هذا يتكون في العراق اليوم».

ويعلق معروفيان بالقول ان في بال مسؤولي «الحرس الثوري الإيراني» امرا محددا جدا عندما يطلقون تسمية الباسيج على المقاتلين الشيعة العراقيين، اذ وصفهم هذا ليس مخصصا للعراق بل لصراع المنطقة ولاستراتيجيتهم لخوض هذا الصراع.

ويتهم معروفيان طهران بتعبئة شيعة العراق «كجزء من تعبئة إقليمية يعتقدون ان من شأنها ان تقلب الموازين لمصلحتهم في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها»، معتبرا ان تبني طهران لخطاب طائفي على صعيد المنطقة بأكملها، على الرغم من ادانة مسؤوليها لذلك، هو «أخطر على المصالح الأميركية» من «الدولة الإسلامية» وحدها. ويعتقد معروفيان ان من شأن التعبئة الإيرانية المتواصلة للشيعة ان تساهم بالمزيد من الزعزعة لاستقرار المنطقة، وان تدفع القاعدة الى تعبئة سنية مماثلة. ويختم: «لا يمكن للولايات المتحدة ان تدعم استراتيجية الباسيج».

بدوره، يعتقد كبير الباحثين في «معهد الشرق الأوسط» اليكس فاتانكا ان «لا اجماع» في طهران على ما يتوجب فعله في العراق، فالصقور في إيران يعتقدون انها مواجهة تتسع لمنتصر وحيد، وان عليهم الانتصار على «الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربي».

في الوقت نفسه، يقول فاتانكا، انه رصد بعض الأصوات في طهران، خصوصا في أوساط المعتدلين من جماعة روحاني، ممن لمحوا الى إمكانية قبول إيران تخليها عن المالكي، والتعاون مع الولايات المتحدة من اجل إقامة حكومة شراكة وطنية في العراق.

ويقول فاتانكا لـ «الراي» ان خامنئي مازال يعاني مما يراها تجربة إيران السيئة في التعامل مع الاميركيين في الماضي، كما ضد «طالبان» في بداية حرب أفغانستان في العام 2001، حتى يعود بعدها الاميركيون لوضع إيران في «محور الشر»، كما ورد في خطاب حال الاتحاد الذي ادلى به الرئيس السابق جورج بوش في العام 2002.

ويضيف فاتانكا ان خامنئي يخشى من ان تكون تكلفة أي تدخل أميركي الإطاحة بالمالكي، حليف إيران، او إعادة النظر في «اتفاقية القوات» بين العراق وأميركا، وهو ما قد يؤدي الى ابعاد بغداد عن طهران واقترابها من واشنطن.

في الوقت نفسه، يقول الخبير الأميركي من أصل إيراني ان إيران ترغب في القضاء على «الدولة الإسلامية»، وهي ربما تعتقد ان «قيام الاميركيين بذلك هو افضل بكثير من إمكانية ارسال طهران لجيوش إيرانية الى داخل الأراضي العراقية»، بسبب ما قد تثيره عملية التدخل الإيرانية من نقمة عربية ضدها.

ويلخص فاتانكا الموقف الإيراني على الشكل التالي: «رغم الآراء المتضاربة في طهران، يريد كل من الصقور والمعتدلين الحفاظ على النفوذ الإيراني في العراق، وهما اتفقا في الوقت الحالي على دعم سريع لقوات بغداد المسلحة التي يقودها المالكي، ضد داعش، ورغم تحفظات خامنئي على عودة أميركية الى العراق، الا ان قيام اميركا بتعطيل داعش أفضل لطهران من تدخل الجيش الإيراني مباشرة».

ويوضح: «اما مصير المالكي، فأمر ثانوي في الحسابات الاستراتيجية لدى الطرفين».

أميركا: عودة الحديث عن فقاعة اقتصادية

حسين عبدالحسين - واشنطن

لم يتضح عن أي فقاعة تتحدث رئيسة الاحتياط الفيديرالي الأميركي جانيت يلين، عندما قالت «باختصار ليس من اختصاص الاحتياط الفيديرالي فرقعة الفقاعات». هذا التصريح أثار حشرية مراقبين اقتصاديين أميركيين، ما دفع بالمعلق المعروف في صحيفة «نيويورك تايمز» نيل اروين إلى القول إن «أسعار كل الأصول مرتفعة حول العالم، كما أن العائدات على الاستثمارات منخفضة أيضاً على رغم بقاء نسبة التضخم منخفضة في أميركا وأوروبا، ما يشي بأن الاقتصاد الأميركي وربما العالمي يعيش في فقاعة ربما تنفجر في أية لحظة»، وإلاّ «ماذا سيحصل عندما تنتهي مرحلة كل شيء مزدهر؟».

في السياق ذاته، كتب المعلق في صحيفة «وول ستريت جورنال» مارك هلبرت، أن «مؤشراً آخر إلى اقتراب ارتفاع أسعار الأسواق المالية من نهايتها هو قيام الشركات بخفوضات كبيرة لأسعار أسهمها»، وهو أمر مقلق لأن ابتعاد الشركات عن إعادة تملك أسهمها بسبب ارتفاع أسعارها، يرتبط بتوقعاتها لأداء السوق، وينذر بأنها تمر في فقاعة تدفع هذه الشركات إلى التحسب وعدم شراء أسهمها بأسعار مرتفعة، خوفاً من انهيار مالي يكلفها غالياً في ما بعد.

لكن خبراء آخرين لا يؤيدون التوقعات بانهيار يلي الفقاعة المزعومة التي تمر فيها السوق حالياً. الدليل الأول، بحسب هؤلاء، هو التخوف ذاته الذي يبديه المحللون والمستثمرون. ويقول الخبراء المشككون أن الفقاعات تحصل عندما يتخيل الجميع أن السوق في ارتفاع متواصل من دون حدود، فيُقبل مستثمرون كبار وصغار على الشراء، رافعين بذلك قيمة الأسهم إلى مراحل خيالية بعيدة من الواقع، ما يؤدي إلى عودة مفاجئة إلى الأسعار الحقيقية وانهيار في الأسعار، ومبيعات أسهم في شكل كبير تؤدي إلى مزيد من الانخفاض حتى ما دون السعر الواقعي للسهم أو السلعة.

والتحسب عند المستثمرين لا يزال كبيراً، ربما بسبب أزمة 2008 التي لم تنجل تماماً بعد، إذ على رغم ارتفاع سوق الأسهم المالية في شكل كبير، لا تزال الأسواق الأخرى مثل العقارات، إما ترتفع في شكل بطيء أو تتأرجح بين ارتفاع وتراجع، وهو ما لا ينبئ بقرب حصول انهيار ما.

والقلق الرئيس يأتي من الاحتياط الفيديرالي ذاته وبرنامج شراء السندات الذي يعمل به منذ أكثر من سنتين، والذي راكم للاحتياط ديناً بلغ 1.6 ترليون دولار. والأكيد أن الاحتياطي يطبع نقداً في مقابل هذه السندات التي يمكنه الاحتفاظ بها لفترات طويلة وامتصاصها حتى يتكفل التضخم بتقلصيها.

لكن المشكلة وعلى عكس التوقعات، لم تؤد سياسة «النقد الرخيص» إلى رفع مستويات التضخم، ما دفع الاحتياط إلى الاستمرار في برنامجه، إلى أن أعلن أخيراً نيته بوقفه مع حلول تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

وبرر الاحتياط الفيديرالي خطوته بأنه فعل ما بوسعه لحفز الاقتصاد وخفض البطالة، لكن للسياسات النقدية حدوداً لا يمكن تخطيها، ويصبح مزيد من الازدهار الاقتصادي بعد ذلك مرتبطاً بالسياسات الاقتصادية للحكومة والكونغرس.

لكن تراجع الفيديرالي عن ضخ الأموال سببه على الأرجح، الخوف من التسبب بفقاعة لمحت إليها رئيسته، فالنقد الرخيص يدفع المستثمرين نحو الاستدانة، ثم يقوم هؤلاء باستخدام المال للمضاربة في الأسواق المالية، ما يرفع أسعار الأسهم في شكل اصطناعي.

وفي الماضي، عندما سرت أنباء عن نية الاحتياط وقف برنامجه، شهدت الأسواق المالية الأميركية تراجعاً قارب الانهيار، ما حدا بيلين الى القول في حينه أن «المصرف مستمر في برنامجه» لطمأنة الأسواق في وقت كان الاقتصاد يحاول جاهداً استعادة عافيته.

لكن وقف برنامج شراء السندات وحده قد لا يكون كافياً للجم استخدام النقد الرخيص في المضاربة في الأسواق المالية، لأن الفوائد على المدى القصير هي في أدنى مستوياتها، وهي تدفع أيضاً بعض المستثمرين إلى اغتنام الفرصة وتحقيق الأرباح باستخدام أموال يقترضونها، ما يعزز المضاربة وفرص نشوء فقاعات.

لذا، األمح مسؤولو المصرف المركزي الأميركي إلى إمكان بدء رفع معدلات الفائدة على المدى القصير مع مطلع العام المقبل، وكل ذلك بهدف لجم إمكان المضاربات وتفادي نشوء فقاعة، في وقت يكاد الاقتصاد الأميركي يلتقط أنفاسه.

ويعتقد بعض الاقتصاديين الأميركيين أيضاً، أن الأسواق المالية غالباً ما تتأثر بعاملين هما النقد الرخيص والثقة. فالثقة التي تبديها يلين وصحبها بالاقتصاد عبر إعلانها موعدا لوقف برنامج شراء السندات وبدء الحديث عن رفع معدلات الفائدة، من شأنه أن يعزز ثقة المستثمرين بأن الاحتياط الفيديرالي لم يعد يرى خطورة على الاقتصاد في الأفق المنظور تتطلب تدخله.

كل الإجراءات النقدية تُضاف إلى مجموعة قوانين سنها الكونغرس منذ اندلاع الركود الكبير في منتصف أيلول (سبتمبر) عام 2008، بهدف الحد من المضاربة من قبيل منع المصارف الأميركية من استخدام أموال المودعين لشراء أسهم مالية وتحقيق أرباح سريعة، وإجبار هذه المصارف على توسيع كمية أصولها والاحتياطات التي تحتفظ بها.

ومع ان إجراءات أميركية من هذا النوع، في وقت تبحث فيه الصين مثلاً عن إجراءات معاكسة من قبيل خفض كمية الاحتياطات النقدية المفروضة على مصارفها لحفز الدين وتالياً النمو الاقتصادي، من شأنها أن تكبح النمو الاقتصادي الأميركي. لكن يبدو أن الولايات المتحدة في هذه المرحلة لا تزال تعيش كابوس انهيار 2008، وهي تفضل نمواً بطيئاً مع ضوابط ضد المضاربة على نمو متسارع، مع خطر نشوء فقاعات يؤدي انفجارها إلى صعوبات أكبر والى تعطيل النمو لفترات أطول.

السبت، 12 يوليو 2014

كيري في فيينا بعد انفراج في المفاوضات النووية مع إيران

| واشنطن – من حسين عبدالحسين |

يصل اليوم الى العاصمة النمساوية فيينا وزير الخارجية الأميركي جون كيري في محاولة لدفع المفاوضات بين مجموعة دول «5 + 1» وإيران، حول ملفها النووي، في اتجاه الحل، او على الأقل، التوصل الى اتفاقات جزئية تسمح بتبرير تمديد الاتفاقية الموقتة الموقعة في جنيف، التي تنتهي صلاحيتها الاحد المقبل، والتي سمحت برفع بعض العقوبات الدولية عن طهران في مقابل تجميد الأخيرة لبعض نشاطاتها النووية.

وعلمت «الراي» من عاملين في الكونغرس الأميركي ان وزارة الخارجية طلبت من قادة الحزبين «إبقاء جدول مواعيدهم مفتوحا هذا الأسبوع تحسّبا لأي مشاورات طارئة في حال التوصل الى اتفاق او تمديد للاتفاق الموقت».

وكانت المفاوضات النووية وصلت الى حائط مسدود، خصوصا على إثر تصريحات مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي شدد فيها على ان بلاده لن تقبل أي اتفاقية مع المجتمع الدولي تقضي بتخليها، لا عن التخصيب فحسب، بل عن التخصيب الى «مستويات صناعية» مطلوبة لتزويد مفاعلات انتاج الطاقة النووية بوقود.

ورافق خامنئي تصريحاته بحث الإيرانيين على تبني ما يسميه «اقتصاد المقاومة»، وهو ما فسره كثيرون في العواصم الغربية على انه دعوة صريحة من المرشد للاستمرار بالتخصيب الى مستويات لا يقبلها المجتمع الدولي، حتى لو كان ذلك يعني الاستمرار في الوضع الاقتصادي المأساوي الذي تعيشه غالبية الإيرانيين.

لكن في الساعات الأخيرة، اشارت التقارير المتواترة من العاصمة الأميركية الى حصول ما يشبه الانفراج في فيينا، وهو ما ألمحت اليه وزارة الخارجية الروسية، اول من أمس.

في إيران حاليا معمل انتاج طاقة واحد هو بوشهر، صممته روسيا وتزود إيران بالوقود النووي بموجب عقد ينتهي في العام 2021.

الوفد الإيراني قال ان هدف بلاده هو الوصول الى مرحلة يمكنها صناعة وقودا نوويا لتزويد بوشهر لأنه «لا يمكن للأمة الإيرانية ان تكون تحت رحمة أية حكومة أخرى في حال قررت الأخيرة التوقف عن تسليم الوقود الدوري».

هنا، قدمت الوفود المشاركة عددا من الاقتراحات، حسب المصادر في العاصمة الأميركية، كان أبرزها ان تقوم روسيا بتزويد الوقود النووي لبوشهر مسبقا وبكمية تكفي للاستخدام لسنوات قليلة، ما يسمح لإيران – في حال تمنعت روسيا عن الاستمرار بالتزويد – ان تبحث عن بدائل. الوقود النووي الإضافي الذي ستحصل عليه طهران في شكل مسبق سيتم تخزينه على الأراضي الإيرانية، وبمراقبة تامة من وكالة الطاقة الذرية الدولية.

يقول متابعو تفاصيل مفاوضات فيينا ان الإيرانيين وافقوا مبدئيا على الاقتراح، وان الوفود دخلت في التفاصيل التي تقضي بتخفيض تخصيب اليورانيوم الإيراني الحالي الى نسب لا تتعدى 5 في المئة، وهو ما يتطلب قيام طهران بتفكيكها ما بين 10 الاف و15 ألف طرد مركزي لديها، والاكتفاء بما مجموعه خمسة الاف طرد تتكفل بتخصيب اليورانيوم الذي يمكن استخدامه لأغراض بحثية.

كذلك، طالبت المجموعة الدولية بأن تكون مدة الاتفاق 15 عاما، وهي مدة تسمح لإيران بتطوير ابحاثها في شكل تصبح قادرة على تصميم معمل انتاج نووي للطاقة، وتشييده، وتزويده باليورانيوم المحلي. بعد مرور المهلة المذكورة، يكون المجتمع الدولي اطمأن الى النوايا الإيرانية، ويمكن اذ ذاك لإيران تخصيب اليورانيوم الى مراحل صناعية لإنتاج الوقود.

بكلام آخر، تقول المصادر الأميركية، ان على إيران تحويل برنامجها الحالي الى برنامج نووي بحثي والى نواة برنامج مستقبلي لإنتاج الطاقة النووية، وان موعد بدء طهران بإنتاج الطاقة هو 15 عاما من اليوم.

هذا من حيث المبدأ، ولكن في الواقع، تحتاج الخطة المذكورة الى جلسات مكثفة بين الوفود لكتابة نص يحدد بالتفصيل مسؤولية كل من الأطراف. كذلك، مازالت الوفود بحاجة الى الاتفاق حول كيفية رفع العقوبات عن إيران: هل يتم ذلك بعقد جلسة لمجلس الأمن تلغي كل قرارات العقوبات السابقة وتتبنى نص الاتفاقية النهائية؟ اما ان القرارات الأممية تبقى حتى يمكن العودة اليها في حال تخلّفت طهران عن الاتفاق؟

الانفراج المبدئي، الذي مازالت تصاحبه أمور شائكة تتطلب المزيد من العمل لحلحلتها، هو الذي اعاد مستشار نائب الرئيس الأميركي لشؤون الامن القومي جاك سوليفان الى فيينا الجمعة، والانفراج نفسه هو الذي دفع كيري الى الحضور الى العاصمة النمساوية اليوم، على أمل ان يشكّل الحضور الديبلوماسي الأميركي الرفيع دفعا أكبر باتجاه التوصل الى اتفاق كامل مع منتصف الأسبوع.

يذكر ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يرافق الرئيس فلاديمير بوتين في جولة في دول اميركا اللاتينية، وان التوصل الى اتفاق في فيينا يتطلب حكما حضوره.

لكن هل يسمح الأسبوع المتبقي في عمر الاتفاقية الموقتة ابرام اتفاقية نهائية وشاملة، أم ان كيري سيقدم عناصر الانفراج الى الكونغرس لإقناعه بأن المفاوضات مازالت على الطريق الصحيح، وأن إيران لا تماطل، وأن المزيد من الوقت مازال مطلوبا للتوصل الى اتفاقية نهائية مع حلول مطلع العام المقبل كحد اقصى؟

مسؤولون أميركيون: إسرائيل ستمضي قدماً في حرب غزة ... وقد تتطلب اجتياحاً برياً جزئياً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

أعرب مسؤولون أميركيون عن اعتقادهم ان إسرائيل ستمضي قدما في عملية عسكرية محدودة، قد تتطلب اجتياحا بريا جزئيا لقطاع غزة، بهدف تدمير ما أمكن من مخازن الأسلحة والصواريخ التي تعود لحركة «حماس».

وقال المسؤولون في جلسة مغلقة مع الصحافيين انه «يبدو ان الطرفين اعتادا على مواجهات من هذا النوع تتكرر كل سنتين، وتستمر أسبوعا او أكثر، ويحقق كل طرف فيها أهدافا عسكرية وسياسية.

في حالة إسرائيل، يعتقد المسؤولون ان الهدف هو «السعي لتقليص قدرة حماس العسكرية ما أمكن عن طريق العثور على مخازن الأسلحة والصواريخ وتدميرها». على ان المهمة لن تكون سهلة، بحسب هؤلاء، الذين يعتقدون ان «حماس تخبئ أكثر أسلحتها وصواريخها في مناطق مكتظة بالمدنيين، ما يجعل أي توغل عسكري إسرائيلي في غزة مكلفا بشريا للطرفين».

ويضيف المسؤولون ان رئيس حكومة إسرائيل «بيبي (نتنياهو) ليس تحت أي وهم انه يمكن لأي عملية عسكرية ان تنجح في اقتلاع حماس بالكامل من القطاع او تدميرها، لذا فهو سيعمد الى الحد من قدراتها فقط». ويتابع أحد المسؤولين ان «لا مصلحة لإسرائيل أساسا في القضاء على حماس، اذ يتعذر العثور على تنظيم قادر على حكم القطاع الذي يسكنه مليون ونصف المليون فلسطيني، وهو ذات أكبر كثافة سكانية في العالم».

والتصريحات الأميركية هذه تشبه ما كتبه بعض المعلقين الإسرائيليين في الصحف الأميركية، مثل شمويل روزنر، الذي كتب في مجلة سلايت انه «قد لا تتمكن إسرائيل من فهم لماذا تتصرف حماس بالشكل الذي تتصرف فيه، لكن إسرائيل تفضل في الوقت نفسه لا عقلانية حماس على البدائل الأخرى». ويضيف روزنر: «إسرائيل لم تعد تتمنى ان تسقط حماس كما كانت تتمنى في العام 2008».

ماذا يحصل لو انهارت «حماس»؟

يرجح المسؤولون الاميركيون ان يغرق القطاع في فوضى كبيرة وان يتحول الى بؤرة تثير قلق إسرائيل أكثر من الوضع الحالي.

من الجانب الفلسطيني، يبدي المسؤولون الاميركيون عجبهم حول قيام «حماس» بالتصعيد، «فهذا التنظيم معزول أكثر من أي وقت مضى، لا حلفاء له في مصر ولا في معظم الدول العربية، وحتى إيران منهمكة في حربيها في سورية والعراق ومنشغلة عن حماس».

ماذا تجني «حماس» من المواجهة المندلعة مع الإسرائيليين؟ يعتقد الأميركيون انها قد تكسب بعض التعاطف في أماكن ما أو انها «تحاول اثبات وجودها بين الحين والآخر، ولكن ذلك لا يؤثر على ارض الواقع، ولن يؤدي الى انفراج الازمة المالية التي تعانيها الحركة، او الى اقناع المصريين، مثلا، بفتح حدود غزة الجنوبية لتخفيف الحصار الذي يخنق سكان القطاع».

على ان بعض الكتاب الاميركيين، وخصوصا من اليمينيين المؤيدين لإسرائيل، لا يعتقدون ان هذه المواجهة بين إسرائيل و«حماس» هي «تكرار ممل» للمواجهات السابقة او انها ذات نهاية معروفة سلفا.

جول بولاك، كتب في موقع «برايتبارت» المؤيد للحزب الجمهوري، ان هذه المواجهة مختلفة، وانها قد تكون المعركة الأخيرة لـ «حماس».

وعدد بولاك بعض الأسباب التي تدفعه للاعتقاد ان «هذه المرة مختلفة»، وتضمنت ان «بمهاجمتها تل ابيب والقدس»، وهو ما لم يحصل سابقا، بسبب قانون غير مكتوب بين الطرفين، «استدعت حماس الدمار لنفسها».

ويضيف بولاك انه على عكس المرة الماضية التي أنقذ فيها أوباما حماس وفرض هدنة، «هذه المرة أوباما على الجهة الخطأ، وهو لا رأي له أصلا»، كما ان «لا أحد من حلفاء حماس يدعمونها». وختم الكاتب ان هذه المرة، «تؤيد غالبية من الإسرائيليين اجتياح غزة».

في سياق متصل، ابدى خبراء اميركيون أيضا عجبهم حول خطوة «حماس» وتصعيدها في هذا التوقيت، اذ على عكس نوفمبر 2012 يوم كان الرئيس باراك أوباما فاز للتو بولايته الثانية وكان مازال يتمتع بشعبية ورصيد سياسي، يستعد الرئيس الأميركي صاحب الشعبية المتهالكة وحزبه الديموقراطية لانتخابات الكونغرس النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، ما يعني ان من شبه المستحيل ان يمارس أي ضغوط على حكومة إسرائيل او رئيسها نظرا لنفوذ اللوبي الموالي للإسرائيليين في الداخل الأميركي وحاجة الديموقراطيين لدعم هذا اللوبي مع اقتراب الانتخابات.

وتأييد أوباما غير المشروط لإسرائيل كان جليا في فحوى المخابرة الهاتفية بينه وبين نتنياهو، اذ ورد فيها، حسب البيان الصادر عن البيت الأبيض، ان «الرئيس كرر ادانة الولايات المتحدة القوية لاستمرار قصف حماس وتنظيمات إرهابية أخرى على إسرائيل بالصواريخ».

وأضاف البيان ان أوباما «شدد على حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات»، كما عبر أوباما «عن قلقه من مخاطر المزيد من التصعيد، داعيا كل الأطراف لفعل ما بوسعها لحماية أرواح المدنيين وإعادة الهدوء».

وختم البيان ان «الولايات المتحدة مستعدة لتسهيل التوصل الى وقف للأعمال العدائية، بما في ذلك العودة الى اتفاقية نوفمبر 2012 لوقف النار»، وهو ما يبدو – كما في الجولات الماضية – سقف المواجهة المندلعة هذه المرة.

الجمعة، 11 يوليو 2014

«داعش» يبيع النفط بـ 55 دولاراً للبرميل!

حسين عبدالحسين

أبدت مصادر في الإدارة الأميركية قلقها من تنامي النفوذ المالي والتجاري لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) على إثر ورود تقارير موثوقة تشير الى ان مدخول التنظيم يبلغ مليون دولار يومياً في أقل تقدير.

وحسب موقع «تقرير نفط العراق»، سيطر التنظيم على بئر او بئري نفط في جبل حمرين، الواقع جنوب مدينة كركوك، فور بسط نفوذه على الموصل في 10 يونيو الماضي. وقال الموقع ان كمية انتاج النفط في حقل حمرين تتراوح بين 16 و20 الفا في اليوم، وانه رغم ان الكمية ضئيلة نسبيا، الا انها تدر أرباحاً وفيرة على «داعش».

واحصى الموقع 160 شاحنة نفط تنتقل يومياً من الأراضي التي يسيطر عليها «داعش» الى السليمانية في كردستان حيث يتم تكرير النفط وبيعه في السوق السوداء.

ونقل الموقع عن عاملين في «تهريب» نفط حمرين، عبر كردستان الى تركيا والسوق العالمية، ان «داعش» يبيع البرميل بنصف سعر السوق الدولي، أي نحو 55 دولارا، وهي ما يترك هامشا ربحيا كبيرا للمتعاونين معه في تجارته النفطية، ويجعل من الصعب على حكومة كردستان العراق مكافحة هذه التجارة.

كذلك، تشير التقارير في العاصمة الأميركية الى ان «داعش» يسيطر على حقول نفط سورية في محافظة دير الزور، كان آخرها حقل العمر الذي نجح التنظيم بالاستيلاء عليه عن طريق اقناع قوة تنتمي الى «جبهة النصرة» المناوئة بالانشقاق والانضمام اليه، وهو ما حصل.

ولا تتوافر أرقام موثوقة لكمية النفط السوري الذي يتم استخراجه وبيعه، الا ان بعض الخبراء قدروا الكمية بين الفين وخمسة الاف برميل، وهي من شأنها ان تدر على التنظيم ربع مليون دولار يوميا.

في السياق نفسه، تحدث خبراء في واشنطن عن قيام «داعش» ببيع كمية من الذخائر والأسلحة، ومعظمها صناعة أميركية، صارت فائضة لدى التنظيم بعد استيلائه على مخازن سلاح الجيش العراقي. ويقول بعض الخبراء انه «يمكن شراء رشاش ام -17 الأميركي بنصف سعره في أسواق تكريت او أربيل، والغالب ان مصدر هذه الأسلحة الموصل».

عائد هذا المدخول ممكن اضافته الى 420 مليون دولار يقال ان التنظيم استولى عليها من المصارف الحكومية العراقية التي سيطر عليها في محافظة نينوى، ما دفع الخبير ستيف ليفين الى القول انه «قد يكون بحوزة داعش ما مجموعه 1.3 مليار دولار».

ويجعل هذا المبلغ من «داعش»، الذي تضعه واشنطن على لائحتها للتنظيمات الإرهابية، «أغنى تنظيم إرهابي في العالم»، حسب أحد الخبراء، «متقدما على القاعدة وعلى حزب الله».

وباتت القدرة المالية لـ «داعش» تثير مخاوف واشنطن بحد ذاتها، فالولايات المتحدة عملت منذ هجمات 11 سبتمبر 2011 على تجفيف منابع تمويل الإرهاب وانشأت شبكة مصرفية دولية لمنع انتقال هذه الأموال عبر الدول. ويقول المسؤولون الاميركيون ان أكثر ما تخشاه بلادهم هو قيام «داعش» باستخدام هذه الأموال لشن هجمات خارج نطاق مناطق الصراع المندلع حاليا في سورية والعراق.

كذلك، يعتقد كثيرون ان التنظيم سيحاول استخدام الأموال لتكريس حكمه في المحافظات السورية والعراقية التي صار يسطر عليها او على أجزاء منها، وهي الرقة ودير الزور في سورية، ونينوى وتكريت وصلاح الدين وديالى والانبار في العراق، عبر الانفاق على مشاريع رعاية اجتماعية وبعض البنية التحتية.

ومجموع مساحة هذه المحافظات يبلغ أكثر من 270 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من بريطانيا التي تبلغ مساحتها نحو 230 ألف كيلومتر مربع، ومرة ونصف مساحة سورية، وثلاثة اضعاف مساحة الأردن.

الأرقام هذه تثير قلق الإدارة الأميركية، التي تعتقد انه كلما طال وجود التنظيم في الأراضي التي استولى عليها في العراق وسورية، كلما صار الحاق الهزيمة به وطرده منها أصعب وأكثر تعقيدا. لذا، تعلو بعض الأصوات داخل إدارة الرئيس باراك أوباما والكونغرس تدعو الى تعزيز قدرات الجيش العراقي والجيش السوري الحر، وتزويدهما بنصائح ميدانية وغطاء جوي لمواجهة «داعش» واخراجه من هذه المحافظات في أقرب وقت ممكن.

على ان سير المعارك لا يشي بأنه يمكن لأي من الجيشين، العراقي او السوري الحر، دحر «داعش» في المستقبل القريب، وانهما يحتاجان للمزيد من الاستعدادات القتالية ليتمكنا من ذلك، وانه في الوقت الحالي، ما زال «داعش» هو الذي يتقدم ميدانيا، رغم ان التقديرات الأميركية صارت تستبعد هجوماً كاملاً من قبل التنظيم على بغداد، وتستبعد ان يكون لدى التنظيم القدرة على اجتياح العاصمة العراقية او السيطرة عليها.

أميركا ترسم صورة زاهية لاقتصادها يعززها تقويم الوظائف والصادرات

واشنطن - حسين عبدالحسين

«لقد تسلمنا التقرير الذي يظهر أننا شهدنا أسرع نمو للوظائف في الولايات المتحدة في النصف الأول من السنة منذ العام 1999 (...). إنها المرة الأولى التي نرى فيها خمسة أشهر متواصلة من نمو الوظائف بأكثر من 200 ألف وظيفة شهرياً منذ العام 1999، وسجلنا أسرع انخفاض لمعدل البطالة منذ ثلاثين سنة». هذا ما قاله الرئيس باراك أوباما في إحدى اللقاءات في واشنطن، على وقع التصفيق الحار للحاضرين.

انه شعور بالزهو لدى أوباما وغالبية الأميركيين حول وضعهم الاقتصادي، خصوصاً إثر صدور تقرير الوظائف الذي ورد فيه أن الاقتصاد الأميركي أضاف 288 ألف وظيفة الشهر الماضي متفوقاً على التوقعات، ما ساهم في خفض البطالة إلى 6.1 في المئة وهو الأدنى منذ «الركود الأكبر» في أيلول (سبتمبر) 2008، خسرت البلاد بسببه أكثر من ثمانية ملايين وظيفة.

وعلى رغم أن التقرير ذاته أشار إلى أن نسبة «المشاركة في العمل»، أي نسبة مشاركة الأميركيين القادرين على الانخراط في سوق العمل، لا تزال عند أدنى مستوياتها منذ نهاية سبعينات القرن الماضي بواقع 62.1 في المئة، وعلى رغم أن أحدث التقارير حول التباطؤ الاقتصادي الأميركي في الربع الأول من السنة لفت إلى أن نسبة التقلّص بلغت 2.9 في المئة، بدلاً من 0.1 في المئة، إلا أن التفاؤل لا يزال يسود الأوساط الاقتصادية الأميركية، مدفوعاً بزيادة في الوظائف ونمو القطاع الصناعي والصادرات.

وفي وقت قدمت وزارة العمل صورة إيجابية عن نمو الوظائف، أصدرت وزارة التجارة تقريراً عزز التفاؤل الأميركي، وأعلنت فيه «تراجع العجز التجاري في أيار (مايو) الماضي إلى 44.4 بليون دولار أي بنسبة 5.6 في المئة عن نيسان (إبريل) الماضي، الذي راجعته الوزارة وخفضته إلى 47 بليوناً.

وكان التقلص التجاري الأميركي في الربع الأول من هذه السنة، والذي عزاه خبراء إلى شتاء قارس فرض أياماً كثيرة من الوقف القسري للأعمال في معظم الولايات المتحدة، أدى إلى تباطؤ الناتج المحلي للفترة ذاتها بواقع 1.5 في المئة، بحسب تقارير وزارة التجارة. وتظهر التقارير ذاتها أن صادرات أميركا في أيار ارتفعت بنسبة واحد في المئة مسجلة رقماً قياسياً بلغ 195.5 بليون دولار، معززة بارتفاع في صادرات السيارات وقطع غيارها محققة أرقاماً قياسية أيضاً، كما هي حال معظم المنتجات الاستهلاكية التي صدرتها البلاد.

وتراجعت الواردات الأميركية 0.3 في المئة لتبلغ 239.8 بليون دولار بسبب الانخفاض في واردات أميركا من النفط ومشتقاته، والتي بلغت أدنى مستوياتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2010، في وقت سجلت الواردات الأخرى أعلى المستويات.

ويقول خبراء إن زيادة الإنتاج النفطي الأميركي لا تساهم في تقليص العجز التجاري الأميركي فحسب، بل أيضاً في ما صار يطلق عليه الأميركيون تسمية reshoring، أو عودة الصناعات وتالياً الوظائف الأميركية، بعد عقود على هجرتها إلى دول آسيا حيث اليد العاملة أرخص والتكاليف أقل.

وتشيــــر تقديرات محلية إلى أن أميركا خســـرت 150 ألف وظيفة لمصلحة دول أخرى عـــام 2003، وكسبت ألفين فقط. أما العــــام الماضي، فتكاد عملية شحن الوظـــائف إلـــى الخارج تتوقف، في وقت عاد نحـــو 40 ألف وظيفة إلى داخل أميركا.

في السياق ذاته، أشار تقرير وزارة التجارة إلى نمو العجز التجاري مع الصين من 27.3 بليون دولار في نيسان إلى 28.8 بليون في أيار. وهذا العجز هو مصدر نقاش سياسي معقد يدفع كثراً إلى اتهام الصين بالتلاعب ودعم صناعاتها، كما يدفعهم إلى المطالبة بفرض حماية جمركية على الصناعات التي يعتقدون أن الصين تتلاعب بها.

وكانت الولايات المتحدة خسرت مركزها الأول في لائحة الدول المصدرة للصين عام 2010، فيما بلغت قيمة صادرات الصين 2.1 تريليون دولار عام 2013، في مقابل 1.6 ترليون للولايات المتحدة.

إلا أن أصواتاً أميركية كثيرة تطعن بكيفية احتساب قيمة الصادرات، وتضرب مثالاً على ذلك هاتف «آي فون» الذي تصنع أميركا الأجزاء الأكثر قيمة فيه وترسله إلى الصين التي تضيف إليه الأجزاء الأقل قيمة. لكن الصين هي التي تشحن المنتج النهائي مع علامة «صنع في الصين»، ما يعني أن قيمة الهاتف بأكملها تُحتسب على أنها من الصادرات الصينية.

وفي دراسة لـ «احتياط ولاية تكساس» وكتبها مايكل سبوسي وجانيت كويك، قال المؤلفان إن الطريقة الأفضل لاحتساب قيمة صادرات أي دولة هي بملصق يحدد نسبة مشاركة كل دولة في صناعة منتج ما، ويكتب عليه مثلاً: «صنع 15 في المئة في كندا، و20 في المئة في كوريا، و25 في المئة في اليابان، و30 في المئة في الولايات المتحدة و10 في المئة في الصين». ومن شأن احتساب كهذا أن يظهر القيمة الحقيقية لصادرات كل دولة، وأن يعكس مردود الأرباح على الاستثمارات في كل منها، ويعتقد كثر انه لا يزال الأعلى في أميركا.

وتظهر الدراسة أن «القيمة المضافة» التي تدخلها الولايات المتحدة على المنتجات التي تساهم في صناعتها تبلغ 55 في المئة من قيمتها، فيما تساهم الصين بـ35 في المئة. أما المعدل العالمي، وبحسب سبوسي وكويك، فهو 45 في المئة.

وهكذا يرى الاقتصادي دان إيكينسون، أن «القيمة المضافة» الإجمالية للصناعة الأميركية على المنتجات بلغت 2.1 تريليون (مقارنة بالصادرات الإجمالية، وبحسب تقارير المرافئ والبالغ 1.6 تريليون دولار) عام 2013، وأن الاستثمارات الخارجية في أميركا بلغت تريليون دولار للعام ذاته.

الخميس، 10 يوليو 2014

نقد الذات العربية

حسين عبدالحسين

رحل فؤاد عجمي. رحل الرجل الذي طبعت أناقته اللغوية وغزارة أفكاره النقاش حول الشرق الأوسط على مدى العقود الثلاثة الماضية. رحل الرجل الذي لم يستح من المواجهات الفكرية، لا في وجه ذاك الشاب الإسرائيلي وخريج جامعة «إم آي تي» بن ناتاي الذي أصبح فيما بعد رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ولا في مواجهة الأكاديمي الفلسطيني إدوار سعيد.

فكر فؤاد عجمي لم يكن معقدا كتعابيره، بل كان بسيطا كمحياه. الهدف هو رفاه الشعوب العربية على غرار نظيرتها الغربية. المشكلة كانت في مطلع شبابه سببها إسرائيل التي كانت تجتاح قناة السويس في العام 1956 وتبتلع الضفة وغزة والجولان في العام 1967. لكن الزمن تغير والعقل العربي بقي على حاله.

كيف تصفي حركة حماس أكثر من 200 عضو في فتح إبان انقلابها الذي استولت فيه على قطاع غزة في العام 2007. ويكون الحق على إسرائيل؟ كيف يقتل بشار الأسد أكثر من 150 ألف سوري في ثلاث سنوات وتبقى فلسطين القضية المركزية؟ هناك في فلسطين، بالكاد يصل عدد القتلى الفلسطينيين إلى 10 آلاف منذ العام 1987، أي بعد انتفاضتين فلسطينيتين وثلاث حروب إسرائيلية، واحدة على الضفة واثنتين على غزة؟

نقد الذات العربية كان في صلب تفكير عجمي، وهو أمر كان يتناقض مع سعيد وأمثاله الذين ألقوا باللائمة في الشقاء العربي على الكولونيالية الأوروبية أولا، ثم الإمبريالية الأميركية ثانيا، وكأن الإمبريالية أمر طارئ على العرق البشري، وكأن إسكندر المقدوني، الذي ورد اسمه في القرآن على أنه «ذو القرنين»، لم يغز الشرق، ولم يؤسس مدينة حملت اسمه في مصر، أو كأن العرب لم يغزوا بلاد فارس وبلاد الروم وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
قد تساهم الإمبريالية في تعميق أزمة العرب، ولكن قد يمكنها أن تساهم في حلها. سعيد ومؤيدوه تبنوا الفكرة الأولى. عجمي تدرج من الأولى إلى الثانية.
معاداة الإمبريالية

لكن مدرسة «معاداة الإمبريالية» لا تؤمن بالتعددية في الرأي العربي. كلّ من اختلف معنا فهو «خائن» ومع الآخرين، يقول هؤلاء. عزز الانطباع حول «خيانة» عجمي للعرب وقضيتهم المزعومة أن الأخير راح يتحدث عن الأميركيين بصيغة «نحن»، فكان أول من تصدى له بعض عرب أميركا.
لكن هؤلاء، مثل عجمي، وفدوا من دولهم، عاشوا في أميركا، عملوا فيها ودفعوا ضرائب لحكومتها، أقسموا «يمين الولاء» للولايات المتحدة وحملوا جوازها. لكن لسبب ما، لا يقدم عرب أميركا من «معاديي الإمبريالية» أنفسهم على أنهم أميركيون على غرار باقي المهاجرين، بل يتصرفون كزوار أو كأن جوازاتهم الأميركية هي بطاقات إقامة مؤقتة، وهو ما يدفع الأميركيين بدورهم إلى معاملتهم بالصورة نفسها.

لم يتصرف عجمي كأميركي مؤقتا، فالرجل الذي ولد في قرية ارنون الجنوبية اللبنانية في العام 1945 وصل الولايات المتحدة في العام 1963 وقضى فيها 50 عاما حتى وفاته، ما يعني أنه قضى فعليا عمره في الولايات المتحدة أكثر من وطن منشئه لبنان، الذي ضاق ذرعا به وبآرائه المختلفة عن آراء الحزب الحاكم، فابتعد عجمي ولم يزر الوطن الأم لعقود قبل مماته.

على أن عجمي لم يتصرف يوما كعربي كاره لنفسه، على ما يحلو لناقديه القول. إنجليزيته كانت دوما جميلة ومعقدة، لكنه لم يتخل عن لكنته العربية. في الأشهر الأولى التي تلت الثورات العربية في تونس وليبيا ومصر وسوريا، أطل بشكل شبه متواصل على القنوات الأميركية. قدم عجمي صورة بهية عن الشعوب العربية وعن طموحاتها، ووصفها بمحبة للسلام والكرم وصديقة للشعوب الأخرى، بما فيها الغربية. أما المذنب الرئيسي، في فكر عجمي، فكان الاستبداد، إن في شخص صدام حسين في العراق أو حافظ وبشار الأسد في سوريا أو معمر القذافي في ليبيا. الحل، برأي الأكاديمي الراحل، يكمن بالتخلص من المستبدين. بعد ذلك يصبح الطريق مفتوحا لغد أفضل يقدم فيه العرب طاقات مجتمعهم الشاب ويلتحقون بركب العالم المتقدم.

كان عجمي يستمتع بشعر نزار قباني وبموسيقى أم كلثوم، ويكيل المديح للحضارة العربية أمام محدثيه، وخصوصا من الأميركيين. لم يكن عند عجمي مشكلة الدونية التي اتهمه بها البعض، لكنه لم يعتقد أن الجذور كانت تحتم على العرب أن ينطقوا بلسان واحد أو أن يتشاركوا برأي واحد، وهو الأمر الذي يبدو أنه فات معظم منتقديه، من العرب كما من الأميركيين.
مأزق العرب

وعجمي كان يردد كلمة «عرب» بشكل متواصل، حتى أثناء حديثه بالإنجليزية، التزم بحرف العين ولم يلفظها «آراب». اثنان من كتب عجمي حملت كلمة عرب في عناوينها: «مأزق العرب» و«قصر حلم العرب».
تصور عجمي أن العرب طيبون بفطرتهم. في الكويت، سيسعدهم التخلص من قوات صدام التي احتلتهم، وسينثرون الورود والحلوى على المحررين الأميركيين، وهو ما حصل. وكما في الكويت، اعتقد عجمي أن العراقيين سيستقبلون الاجتياح الأميركي بالورود والحلوى. ربما العبارة لم تكن من صنع عجمي نفسه بل من صناعة صديقه العراقي كنعان مكية، مؤلف كتاب «جمهورية الخوف» تحت اسم سمير خليل. لكن عجمي آمن أن الشعوب العربية، مثل الشعوب الأخرى، تصبو للتحرر من الديكتاتوريات الدموية مثل في العراق وسوريا.

لم ينظر عجمي إلى العرب كقبائل وطوائف متناحرة، ولم يعتبر أن ما جرى في العراق بعد صدام كان بسبب العراقيين، فكتب كتابه عن «الثور السورية»، وصور فيها معاناة، لا السوريين السنة فحسب، بل العلويين كذلك، من حكم آل الأسد. ومن نافلة القول: إن عجمي، كعرب وعرب أميركيين كثيرين، كان من أشد المؤيدين لتوجيه ضربة أميركية لقوات نظام الأسد. الضربة لم تأت، وهو ما ساهم في زيادة حنق عجمي ضد إدارة الرئيس باراك أوباما.
ربما راهن عجمي على بعض الشعوب العربية أكثر مما تحتمل. فهو عاد واتهم رئيس حكومة العراق نوري المالكي بالديكتاتورية في آخر مقالة له في «وول ستريت جورنال» قبل أسبوع من وفاته. ووجه المالكي أصابع اللوم في الفشل في العراق للرئيس باراك أوباما لتقاعسه وتراجعه عن سياسات سلفه جورج بوش.
سياسة المالكي

لكن من أين أتى صدام؟ ومن أين أتى المالكي؟ ألم يكن الرجلان نتاج مجتمع تبنى العنف وسيلة لحل النزاعات على مدى القرن الماضي على الأقل؟ ثم إن أوباما لم يبتكر سياسة جديدة في العراق، ولا حتى هو التزم بموعد سحب القوات الأميركية في ستة أشهر من تسلمه الحكم في مطلع 2009 كما وعد في حملته الانتخابية للرئاسة، بل التزم الجدول الذي كان حدده بوش للانسحاب.

ربما راهن عجمي أكثر من المعقول على مقدرة القوة العظمى في التغيير أو في المساهمة في صناعة مصير الشعوب. التجربة الأميركية نفسها نجحت في دول كثيرة أخرى، من اليابان وألمانيا إلى كوريا الجنوبية ودول يوغوسلافيا السابقة. لكن التجربة الأميركية تعثرت في العراق. الأداء الأميركي في العراق يتحمل جزءا من الفشل، ولكن العراقيين يتحملون الجزء الأكبر، وفي هذا عودة إلى المبدأ الأساسي الذي التزمه عجمي والقائل بضرورة «نقد الذات» كمقدمة لأي تغيير، حتى لو بمساعدة أميركية.
من عرفوا عجمي عن كثب يتذكرون أن الرجل كان مميزا في شخصيته وهندامه وآرائه وثقته بنفسه. أحبه طلبته في جامعة «جونز هوبكنز»، حتى الذين اختلفوا معه في الرأي. كان يصادقهم، ويسأل عنهم، ويتابع تطورهم الفكري، ويشاكسهم فكريا، ويشاكسونه.

قبل أعوام قليلة، اشتكى عجمي من ألم في رقبته. اعتقد أنه ناتج عن جلساته الطويلة على جهاز آيباد وأجرى فحوصات طبية، فتبين أنه كان يعاني من مرض خبيث انتشر في عظمه. كان العام الدراسي لم ينته بعد، لكن عجمي أعلن تقاعده وحصر نشاطاته بالكتابات الصحافية والإطلالات التلفزيونية.
عجمي كان إنسانا متكتما على شؤونه الشخصية، لكن أصدقاءه نقلوا عنه أنه أبدى تجاوبا مع العلاج وتحسنا كثيرا. الشهر الماضي، ردد مقربون من عجمي أن وضعه يسوء وأنه انتقل إلى بيت صيفي له في ولاية ماين الشمالية ليقضي فيها آخر أيامه. بعد ذلك بقليل، أصدر مركز أبحاث هوفر، التابع لجامعة ستانفورد المرموقة، بيانا أعلن فيه وفاة الأكاديمي، الذي شغلت أعماله وآراؤه رجال القرار والسياسة والثقافة في العاصمة الأميركية وعواصم أخرى.

رحل ابن بلدة ارنون الجنوبية اللبنانية الذي كان يردد أن عائلته من أصول إيرانية انتقلت إلى لبنان بسبب أعمالها في زراعة وصناعة التبغ. مع حلول الخمسينات، انتقلت عائلته إلى بيروت حيث درس في مدرسة «إنترناشيونال كولدج»، ولم يكد يتم الثامنة عشرة حتى انتقل إلى الولايات المتحدة حيث أتم دراسته الجامعية، وتزوج الأميركية ميشال وأنجب منها.
ومنذ مطلع الثمانينات، ألف عجمي أكثر من عشرة كتب، جاءت باكورتها في العام 1981 بعنوان «مأزق العرب» وتناول فيه «الفكر السياسي العربي بعد العام 1967». وفي العام 1986. أصدر عجمي كتاب «الإمام المختفي» الذي عرض فيه سيرة حياة رجل الدين الإيراني اللبناني موسى الصدر الذي اختفى في العام 1978 في ظروف غامضة.

وفي العام 1998 أصدر عجمي كتابا شيقا آخر حمل عنوان «قصر أحلام العرب». أما آخر كتبه، فصدر في العام 2012 وحمل عنوان «الثورة السورية».
علاقات وطيدة مع إدارة بوش

وكان لعجمي علاقات وطيدة مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن، الذي كان يستقبله بشكل متواصل في البيت الأبيض، وظل على علاقة شخصية معه حتى بعد خروجه من الحكم، فكان بوش يرسل لعجمي بطاقات المعايدة الشخصية بشكل دوري. وفي إدارة بوش الابن أيضا، كان لعجمي علاقات وطيدة بنائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومساعد وزير الدفاع ديك تشيني.
هكذا، كان من الطبيعي أن تتكئ إدارة بوش الابن إلى أفكار عجمي وأقواله ومقالاته أثناء حملتها لإقناع الرأي العام الأميركي بضرورة الذهاب إلى الحرب في العراق. وهكذا كان عجمي يطل، في حرب العراق الثانية كما في الأولى، مدافعا عن ضرورة الحرب من أجل المصالح الأميركية، ومن أجل نشر الديمقراطية وتحرير الشعب العراقي من نير الاستبداد الذي كان يعيش في ظله.
ومع أن عجمي تعرض لحملات انتقاد كبيرة لمساندته حرب العراق، إلا أنه وجد نفسه فيما بعد صديقا لكثير من منتقديه أنفسهم الذين راحوا يطالبون الإدارة الأميركية بشن ضربة عسكرية ضد أهداف لقوات الرئيس السوري بشار الأسد.

على أن الحزبية الأميركية سيطرت على مواقف عجمي، وهو ثابر في مهاجمة الرئيس باراك أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام 2008 وحتى المقالة الأخيرة التي كتبها في «صحيفة وول ستريت جورنال» في الثالث عشر من الشهر الماضي، أي بعد ثلاثة أيام على أحداث الموصل العراقية، ووجه فيها أصابع اللوم إلى أوباما ورئيس حكومة العراق نوري المالكي، معتبرا أن عدم متابعة الأول لسياسة بوش وسحبه القوات الأميركية من العراق من دون الإبقاء على قوة صغيرة، مترافقا مع الممارسات الديكتاتورية للمالكي، هي التي أطاحت بالإنجازات التي تعبت إدارة بوش من أجل التوصل إليها لتثبيت الوضع الأمني في العراق مع حلول العام 2009.
رحل عجمي، لكن آراءه باقية، والنقاش حولها سيستمر لسنوات كثيرة، أو هذه على الأقل سنة المثقفين من أمثاله.

الأربعاء، 9 يوليو 2014

إيران تغرق في المستنقع العراقي

حسين عبدالحسين

إيران في مستنقع العراق، او هكذا على الأقل يعتقد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وهو اعتقاد عززه اعلان طهران تشييعها للعقيد الطيار في "الحرس الثوري الإيراني"، شجاعة علمداري مرجاني، ورفيقه كمال شيرخاني، اللذين قتلا في سامراء.

وفي جلسة مغلقة في العاصمة الاميركية، قدم أحد المسؤولين مطالعة تفصيلية للعتاد الإيراني الذي يتم ارساله الى العراق، وتحدث عن وصول سبعة مقاتلات "سوخوي 25" روسية الصنع الى قاعدة "علي بن ابي طالب" الجوية، قرب مدينة الناصرية الجنوبية.

والمقاتلات هذه ملك العراق أصلاً، وانتقلت الى إيران اثناء حرب الخليج الأولى مطلع التسعينات. ويقول المسؤول الأميركي إن طيارين في "الحرس الثوري الإيراني" هما الذين يقودان هذه المقاتلات ويقومان بالغارات الجوية على مناطق في شمال وغرب العراق خارجة عن سيطرة القوات الحكومية.

كذلك، يعتقد المسؤولون في واشنطن أن إيران زودت القوات الحكومية العراقية بعشر طائرات استطلاع من دون طيار، إيرانية الصنع من طراز "مهاجر 4"، يصل مداها الى 150 كيلومترا، وهي اقل تطورا من 12 طائرة استطلاع من طراز "ابابيل"، كانت طهران قد زودت حزب الله اللبناني بها، ويصل مداها الى 250 كيلومترا.

وعن طريق ميناء ام قصر الجنوبي، زوّدت إيران القوات الحكومية العراقية والميليشيات المتحالفة معها، مثل "عصائب اهل الحق" التي سلمت مواقعها في سوريا لمقاتلي "حزب الله" وانسحبت الى العراق، بسيارات عسكرية من نوع "سفير"، بعضها يحمل قاذفات صواريخ من طراز "فجر 1"، وكميات صواريخ عيار 107 ملم إيرانية الصنع من نوع "حاسب"، وصواريخ "قاهر" ذات المدى الاطول، ورشاشات "أي كي أم" الإيرانية كذلك.

في موازاة ذلك، يقول المسؤولون الاميركيون إن إيران أرسلت المئات من مستشاريها العسكريين الذين عملوا، بالاشتراك مع الضباط العراقيين، على وضع خطط متعددة لحماية سلسلة من المواقع من ضمنها مبان حكومية، والمراقد الدينية، ومطار بغداد الدولي، والمنشآت النفطية.

أما في حال تكرر سيناريو انهيار القوات الحكومية العراقية، على غرار ما حصل في الموصل في 10 حزيران/يونيو الماضي، فقد أتمت إيران استعداداتها بحشدها مجموعة من "قوات النخبة" في سربول الذهب وقصر شيرين، القريبتين من الحدود مع العراق. ويمكن لهذه القوات دخول العراق عن طريق خانقين باتجاه سامراء، حيث مرقد الإمامين العسكريين، تحسباً لأي طارئ هناك.

أما عن موقف واشنطن من التورط الإيراني المتزايد عسكرياً في العراق، فيبدي المسؤولون الاميركيون قلقهم بادئ الأمر، ولكن لا يمكن للسامع إلا أن يخرج بانطباع مفاده أن الأميركيين سعيدون في قرارة أنفسهم أن إيران تجد نفسها مضطرة للانخراط في الوضع العراقي.

هذه المرة، لن يقف الإيرانيون وهم يتفرجون، بل يهللون، للمعارك التي كان يخوضها الجيش الأميركي في وجه خصومهم في العراق. هذه المرة، يقول المسؤولون الاميركيون، ستجد إيران نفسها مجبرة هي على التدخل، فأميركا لن تهدر دماءً أو أموالاً لحماية رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي وحلفائه، بل إيران هي التي ستفعل ذلك.

قرابة عشر سنوات أمضتها أميركا في العراق، تعلمت منها أن دخول المستنقع العراقي أسهل بكثير من الخروج منه، وان نتائج التورط تأتي متضاربة بأحسن الأحوال، من دون أن تنعكس إيجاباً على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

أما الحل الوحيد الذي تعلمته واشنطن، وبعد الكثير من التضحيات والتجارب الفاشلة، فيكمن بالانفتاح على الأطراف العراقية جميعها، والتراجع عن قانون اجتثاث البعض وقوانين مشابهة. ربما يكون الدرس الوحيد الذي استخلصته أميركا من حربها في العراق أن لا حل عسكرياً فيه من دون حل سياسي مواز، وهو الدرس الذي التزمت فيه واشنطن في سوريا، وبحذافيره.

بعكس إيران، التي يبدو أنها لم تستخلص من التجربة الأميركية أن أي حسم عسكري، إن كان في سوريا أو في العراق، لا يجدي، وان الحل الوحيد المتاح يقضي بمصالحة تفتح الباب لمشاركة فعلية في السلطة، في دمشق كما في بغداد، ويوما ما ربما في طهران نفسها.

واشنطن ليست قلقة، بل قد تكون مسرورة، فبدلاً من ان تقوم هي بما تطلق عليه اسم "العمل القذر" عن طريق تدخلها العسكري، جاء من يقوم ذلك بدلاً منها.

أما أبرز الدلائل على استفادة واشنطن من تدخل إيران العسكري في العراق، الى جانب غرق طهران في المستنقع العراقي واستنزاف قدراتها، فيكمن في محاولة إيران الدفاع عن أهداف أعلنت أميركا نفسها أن لها مصلحة في بقاء القوات المعادية للحكومة بعيدة عنها، مثل مطار بغداد والمنشآت النفطية.

ويبدو ان الماكينة العسكرية الإيرانية ستعمل على الدفاع عن استمرار ضخ النفط العراقي، وبثمن باهظ، ما يسعد واشنطن لأنه كلما تدفق النفط، كلما تراجع سعره، وكلما انعكس ذلك إيجابا على النمو الاقتصادي الأميركي.

أما المستشارون العسكريون الألف، الذين ارسلتهم واشنطن الى بغداد للتعاون مع حكومة المالكي، التي كانت اول من عملت على طردهم من أجهزة الاستخبارات العراقية وبمساعدة إيرانية، فسيقيمون في بغداد لفترة. ربما يجد بعضهم نفسه في حضرة مستشارين إيرانيين، على غرار ما كان يحصل اثناء الاحتلال الأميركي للعراق. لكن هذه المرة، الأميركيون هم الذين سيبتسمون في وجه الإيرانيين المنهكين، وقد يكررون: "نحن راحلون، أما أنتم فباقون"، وهي العبارة التي ينقل السياسيون العراقيون أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، كان يرددها مراراً في الماضي.

Since December 2008