الثلاثاء، 30 يونيو 2020

واشنطن تستبعد «الحرب الانتحارية» ضد إسرائيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

اعتبر مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب أن فرص نشوب حرب بين إسرائيل و «حزب الله» ضئيلة جداً، رغم التصعيد في الخطاب اللبناني، الذي تلى إقرار الدولة العبرية بدء التنقيب عن الغاز في منطقة بحرية متنازع عليها. 
وسبق للولايات المتحدة أن خاضت جولات ديبلوماسية متعددة للتوصل إلى تسوية بين البلدين، إلا أن الجانب اللبناني رفض الحلول الأميركية. والخلاف يتمحور حول الحدود البحرية، وعلى مساحة قدرها 860 كيلومتراً مربعاً. 
ويقول مسؤول أميركي إن «لبنان كان رسم حدوده البحرية مع قبرص بناء على النقطة رقم 1، وهي النقطة نفسها التي استندت إليها إسرائيل لرسم حدودها مع لبنان، الذي تراجع عن اعتبار هذه النقطة أقصى حدوده الجنوبية، وأعلن النقطة 23 بدلاً منها، وهو ما غير الإحداثيات، وأعطى اللبنانيين المساحة الإضافية».
وسبق لبيروت أن أرسلت إلى الأمم المتحدة، الحدود التي أعلنتها حدودها البحرية مع «فلسطين»، إلا أن العلم والخبر لا يعني اعترافاً تلقائياً بالحدود كما يراها اللبنانيون، بل يشكل بلاغاً رسمياً للمنظمة الدولية بوجود منطقة بحرية متنازع عليها، وهو أمر مألوف بين معظم الدول المتجاورة، ولدى الأمم المتحدة سلسلة من الآليات لحل هكذا نزاعات.
يجاور المنطقة البحرية المتنازع عليها، من جهة لبنان، من الشمال، «بلوك 9»، والذي تعول عليه بيروت الأمل لاكتشاف مخزونات نفط فيه. وكان كونسورتيوم نفطي فرنسي - إيطالي - روسي قام بأعمال تنقيب في «بلوك 4»، لكن النتائج لم تتطابق وتوقعات المسح الجيولوجي، وجاءت مخيبة للآمال، إذ كشفت عن وجود كميات متواضعة من الغاز لا فائدة ربحية منها. 
ووعد الكونسورتيوم بالعودة للتنقيب في «البلوك 9» اللبناني في الأشهر الأخيرة من هذا العام. 
من الجنوب، أي من جهة إسرائيل، يجاور المنطقة المتنازع عليها «بلوك رقم 72»، والذي بدأت شركة إسرائيلية بالتنقيب فيه عن الغاز. وفي حال لم يعثر الإسرائيليون على أي مخزونات كافية للإنتاج الربحي، فالأرجح أن لا مخزونات من الجهة اللبنانية كذلك، وهو ما قد يدفع شركة «توتال» الفرنسية، التي تدير أعمال التنقيب اللبنانية، إلى التخلي عن تنقيبها.
ويتابع المسؤول الأميركي أنه عندما ينشب نزاع حدودي، خصوصاً بحري، يلجأ البلدان إلى الوساطة، وغالباً ما تكون عبارة عن تقسيم المنطقة المتنازع عليها إلى نصفين، ينال كل من الدولتين حصة النصف. في الحالة اللبنانية، قام الديبلوماسي الأميركي السابق فرد هوف برسم خط بحري، اكتسب اسم «خط هوف»، مبني على إعطاء لبنان حصة تبلغ 60 في المئة من إجمالي المساحة المتنازع عليها، وإسرائيل نسبة 40 في المئة المتبقية، وهي تسوية وافقت عليها تل أبيب ورفضتها بيروت.
ويعتقد الخبراء أنه كيفما تم ترسيم الحدود البحرية، فان اكتشاف حقل للطاقة بينهما سيتطلب تنسيقاً على مستويات متعددة لمشاركة العائدات، مثلما هي الحال في حقل بحري للغاز في الخليج بين قطر وإيران. 
المشكلة أن لبنان يرفض التفاوض، ويعلل ذلك بالقول إنه لا يعترف بدولة إسرائيل، وإن «الحدود هي بين لبنان وفلسطين المحتلة»، حسب التسمية اللبنانية، رغم أن الأمم المتحدة لا توافق اللبنانيين، بل تعتبر أن الأراضي المجاورة لجنوب لبنان هي دولة إسرائيل، وهذه الأراضي، على عكس الضفة الغربية والقدس الشرقية، ليست فلسطينية ولا هي خاضعة لأي مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. 
تدرك واشنطن أن النزاع على الحدود البحرية «سيستمر حتى إشعار آخر»، لكن غالبية المسؤولين لا ترى أن هذا النزاع سيؤدي إلى نشوب نزاع مسلح. كما لا يتوقع المسؤولون الأميركيون أن يشن «حزب الله» أي حرب ضد إسرائيل «إلا في حال تعرضت إيران لخطر وجودي». 
لكن في غياب خطر من هذا النوع، يعرف الحزب أن أي حرب ستكون مكلفة على مناطق مناصريه والبنية التحتية اللبنانية، وهذه المرة، على عكس 2006، لن تهب أي دولة لإرسال مساعدات مالية لمساعدة اللبنانيين على إعادة إعمار المناطق التي قد تتضرر من الصراع.
لبنان في مأزق اقتصادي ومالي، والحروب لا تساعد في حل مأزق من هذا النوع، بل على العكس، تساهم في تعميقه، وهو ما يعرفه اللبنانيون جيدا. «لذا»، يختم المسؤول الأميركي، «لا أرى أن لبنان سينخرط في حرب انتحارية ضد الإسرائيليين، على الرغم من التصعيد المحتمل في الخطاب بين الجانبين».

ميليشيات المرشد

حسين عبدالحسين

داهمت قوة "مكافحة الإرهاب" العراقية ميليشياويين في بغداد، بعد ورود معلومات حول نيتهم تنفيذ هجوم بصواريخ الكاتيوشا على محيط مطار بغداد أو قرب مواقع يتواجد فيها أميركيون، واعتقلت القوة 13 مقاتلا من ميليشيا "الحشد الشعبي"، الموالية لإيران، واقتادتهم إلى المنطقة الخضراء، حيث مقرّات الحكومة العراقية والسفارة الأميركية.

في غضون ساعة، ظهرت في شوارع بغداد قوافل من سيارات "تويوتا" التي تقل مقاتلي الحشد، ووصلت المنطقة الخضراء، وحاصرت مداخلها. والأرجح أن قادة الميليشيا هددوا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بضرورة الإفراج عن مقاتليهم، أو يفرجون هم عنهم بالقوة. تراجع الكاظمي وبرر تراجعه بالقول إنه لم يتم العثور على صواريخ، وأفرج عن المقاتلين، وكأن دولة ذات سيادة، مثل العراق، لا يمكنها اعتقال مشتبه بهم.

تلفزيون إيران العربي بثّ أن الكاظمي أفرج عن معتقلي "الحشد الشعبي" تحت "ضغوط شعبية"، وهو خبر كاذب، إذ من نافل القول إنه عندما يتظاهر العراقيون، فهم غالبا ما يمزّقون صور قادة إيران وميليشياتها، ويحرقون قنصلياتها. الحقيقة هي أن الحكومة العراقية أذعنت أمام العنف الذي هدد "الحشد الشعبي" بممارسته. الحشد نفسه الذي يعلن نفسه حاميا للعراق، فيحاصر مقر حكومته، وهو ما يظهر كمية النفاق والتقية التي تمارسها إيران وميليشياتها.

ويصرّ "الحشد الشعبي" أنه تشكّل بناء على فتوى من المرجعية الشيعية في النجف، وهذه كذبة اخرى، فميليشيات البدريين والصدريين والعصائب قائمة منذ ما قبل فتوى النجف بكثير. ثم أن مرجعية النجف سحبت مقاتليها، المعروفين بـ "ألوية العتبات المقدسة"، من الحشد، وحصرت مهمتهم بالدفاع عن المقامات الشيعية الدينية. وصرّح مقربون من المرجعية أن "من يوالي غير وطنه لا دين له"، وهو ما اعتبره العراقيون هجوما ضد ميليشيات الحشد المسماة "الألوية الولائية"، أي التي تدين بالولاء لـ "الولي الفقيه"، أي "مرشد الثورة" الإيراني علي خامنئي.

ومثلما لقنت ميليشيا المرشد في العراق الحكومة العراقية درسا، كذلك فعلت قبلها باثني عشر عاما ميلشيا إيران في لبنان، أي "حزب الله"، الذي شن حربا ضد الحكومة اللبنانية ومؤيديها في بيروت والجبل في 7 مايو 2008، لإجبار الحكومة على التراجع عن قرارها بتفكيك شبكة هاتفية خاصة بالحزب، واستبدال مسؤولين في أمن مطار بيروت الدولي. مثل بغداد، تراجعت بيروت أمام من يدعون الدفاع عن الوطن.

ومثلما يسمي إعلام إيران ميليشياتها في العراق "ضغطا شعبيا"، يستخدم إعلام المرشد تسمية "الأهالي" لوصف "حزب الله" في لبنان. و"الأهالي" هؤلاء سبق أن اشتبكوا مع "قوات حفظ السلام" التابعة للأمم المتحدة والمنتشرة جنوب لبنان، وأجبروا القوة على الامتناع عن تفتيش مواقع تخشى أن يكون "حزب الله" يكدس صواريخه فيها. هكذا، قضى "الأهالي" في لبنان على قرارات مجلس الأمن وعلى مهمة حفظ السلام.

وفي اليمن، لميليشيات المرشد الرواية نفسها: انقلبت ميلشيا الحوثي على حكومة شرعية لوطن تدعي أنها تدافع عنه. ثم نصبت صواريخها، فسارعت السعودية لتدمير الصواريخ وقواعدها، فاندلعت حرب اليمن، التي يصورها المرشد وحلفاؤه حول العالم على أنها حرب سعودية ضد اليمن، فيما السعودية تستضيف حكومة اليمن المنفية، التي فرّت من عنف ميليشيا المرشد الحوثية.

نموذج ميليشيات المرشد صار واضحا في العراق ولبنان واليمن، وقريبا في سوريا، مع طموحات لتكرار التجربة في البحرين، وربما السعودية، وتونس، أو أي بلد عربي يمكن لإيران اختراقه وتأسيس مجموعات مرتزقة بين صفوف سكانه. كذلك صارت واضحة الأكاذيب التي يستخدمها الإعلام الإيراني في التغطية على حقيقة مهمة ميليشيات المرشد، ففي العراق، تصرّ إيران أن ميليشيا "الحشد الشعبي" تدافع عن العراق ضد "داعش"، وكأن "داعش" في منطقة بغداد الخضراء، وفي بيروت، تتظاهر إيران أن ميليشياتها تدافع عن لبنان ضد إسرائيل، وكأن إسرائيل في بيروت أو جبل لبنان، وفي اليمن، تتظاهر ميليشيات المرشد أنها تدافع عن اليمنيين، وكأن السعودية، التي تجاور اليمن منذ قيامه وتنفق عليه، هي التي تسعى لاحتلاله.

نموذج ميليشيات المرشد ليس حديثا، بل هو قديم بقدم التاريخ، فالملك في السلالات الإيرانية المتعاقبة ـ من الأخمنيين إلى البارثيين فالساسانيين والصفويين ـ كان يطلق على نفسه لقب "شاهنشهاه"، أي "ملك الملوك"، والمقصود بالملوك هنا الملوك المحليين الذين غزاهم الإيرانيون وأخضعوهم، وأبقوا على حكمهم مقابل تسديدهم للشاهنشاه مبالغ مالية، ومشاركتهم في حروبه بتزويده بالمقاتلين، وقسم الولاء له. ومن هؤلاء كان ملوك مملكة واسط العراقيين الجنوبيين، وبعدهم المناذرة، وغيرهم من ملوك أرمينيا. حتى أبرهة، الجنرال الحبشي المنشق عن أثيوبيا الذي حكم اليمن، خاض معارك ضد الإيرانيين الذين حاولوا إخضاعه والسيطرة على مرفأ عدن الذي كان يربط تجارة الهند بأوروبا، ونجحوا في ذلك بعد موته.

ومن ملوك العرب من أفادوا من قربهم جغرافيا لبيزنظية، فأقاموا توازنا بين الإمبراطوريتين وعاشوا في استقلال، ومنهم ملوك الحضر شمال العراق، وملوك تدمر شرق سوريا. أما دعاية المرشد، التي تحتار بين التفاخر بماضيها الإيراني والتاريخ الإسلامي الذي هزم الإيرانيين، تمزج بين الاثنين، وتستخدم الإسلام السياسي كوسيلة عابرة للحدود، وتستخدم التفاخر الإيراني لبث الحماسة داخليا، فتكون النتيجة تاريخا مزورا وحاضرا مزريا. ومن باب التزوير، نشرت مواقع إعلامية إيرانية أن مملكة تدمر شكلت حدود الإمبراطورية الإيرانية غربا. طبعا لم يحصل ذلك، لكن المرشد يقيم قواعد عسكرية اليوم في تدمر، ويتلاعب بالتاريخ ليخدم أهدافه.

التاريخ يعيد نفسه أحيانا. إيران تتصرف مثل الإمبراطوريات الإيرانية الغابرة، كقوة لقطع طرق وابتزاز التجارة بين الشرق والغرب، وفي الأثناء، يجد الإيرانيون لأنفسهم مرتزقة عربا لا يدركون فداحة ما يرتكبونه بحق أهلهم وناسهم، باسم الشاهنشاه المرشد. هي جاهلية عربية تنتظر مخلصا. أما الخلاص، فهو وعي مدني حول المواطنية والمصالح الوطنية، بدلا من خزعبلات الميليشيات ومرشدهم.

السبت، 27 يونيو 2020

فاوتشي: شيء ما لا يعمل في مكافحتنا... «كوفيد - 19»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

هزّ وباء «كوفيد - 19» الولايات المتحدة بعنف، في ما بدا وكأنها «موجة اجتياح ثانية» من فيروس كورونا المستجد، في وقت أكد الخبراء أن البلاد ما زالت غارقة في براثن «الموجة الأولى». وتمثّل الاهتزاز في عدد من الأرقام القياسية للإصابات التي سجلتها بعض الولايات، وأميركا عموماً، اذ قارب عدد الجديدة الـ40 ألفاً، بالتزامن مع ارتفاع في نسب الوفيات اليومية. 
ودفع ما يبدو انهيار المكافحة الأميركية للوباء، لجنة مكافحته لاطلالة إعلامية للمرة الأولى منذ شهرين، تصدرها نائب الرئيس مايك بنس، بمشاركة الدكتورين انتوني فاوتشي وديبرا بيركس. وكان جلياً أن بنس أدلى بتصريحات سياسية تجافي الواقع، اذ هو أشاد بالخطوات التي اتخذتها الإدارة في مكافحة الوباء، في وقت تعدى اجمالي المصابين المليونين ونصف المليون. 
ومثل بنس، الذي حرص على عدم مخالفة الرئيس دونالد ترامب أو اظهار خطأ تصريحاته حول الوباء وكيفية الوقاية منه، حرص فاوتشي كذلك على تفادي الادلاء بأي تصريحات قد تعارض أقوال الرئيس الأميركي. وقال رئيس قسم «مكافحة الأمراض المعدية» في «مركز مكافحة الأوبئة» الفيديرالي: «شيء ما لا يعمل، أقصد أنه يمكننا أن نرسم كل الجداول البيانية الممكنة، لكن شيء ما لا يعمل (في مكافحة أميركا الوباء)». 
وسجلت 45242 حالة إصابة جديدة، الجمعة، في أكبر زيادة يومية منذ ظهور الوباء ما يرفع إجمالي عدد المصابين بالفيروس في الولايات المتحدة إلى 2.55 مليون شخص على الأقل. وقد بلغ عدد الوفيات 128 ألفاً، في أكبر حصيلة مؤكدة في العالم. 
وتابع الطبيب الأميركي أن الإدارة تعمل على تغيير أسلوبها في المكافحة، وأن الخطة الجديدة تقضي بمحاولة العثور على المصابين ممن لا تبدو عليهم أعراض، فيساهمون تالياً في نشر الفيروس، وينجم عن ذلك قيام جيوب وبائية بين السكان. وأوضح: «ما علينا القيام به هو العثور على الأشخاص المصابين في مجتمعنا وتحديد نسبة الاختراق». 
الخطة الجديدة تتطلب، حسب فاوتشي، «انشاء شبكة واسعة» من الفحوصات، أي أن المختبرات ستقوم بفحص شخص من مجموعات مجتمعية تتألف من 10 أو 20 شخصاً، فإن تبين أن الفحص سلبي، لا يخضع من هم في مجموعته لفحوص، وان تبين أنه ايجابي، يتم اخضاع كل فرد لفحوصات لكشف المصابين بينهم وعزلهم.
وعلى عكس بنس وفاوتشي، سرقت بيركس الأضواء بادلائها بتصريحات، خالفت علانية ما سبق لترامب أن أدلى به، اذ سبق للرئيس أن كرر أن سبب الارتفاع في اعداد المصابين يعود الى الزيادة الهائلة في عدد الفحوصات، وانه لولا زيادة الفحوصات، لما سجّلت الولايات المتحدة، زيادة مماثلة في الإصابات.
لكن بيركس أشارت الى أن المشكلة تكمن في أن النسبة الايجابية لمن يتم فحصهم ارتفعت بشكل كبير في عدد من الولايات، وأشارت خصوصا الى تكساس الجنوبية - ثاني أكبر الولايات من حيث عدد السكان، اذ يقطنها نحو 30 مليون نسمة. 
وقالت إنه منذ بدء زيادة عدد الفحوصات في تكساس في مايو الماضي، كان عدد المصابين نسبة الى اجمالي من يتم فحصهم في انخفاض، ثم قبل أسبوعين ونصف الأسبوع، بدأت هذه النسبة تسجل ارتفاعاً ملحوظاً ويومياً، وهو ما يعني ان القلق ناجم عن الارتفاع في نسبة المصابين ممن يتم فحصهم، لا بسبب ارتفاع اعداد المصابين بشكل مطلق.
ولا تزال مشكلة الفيروس، سياسية أكثر منها طبية في الولايات المتحدة، خصوصاً بعدما وظّف ترامب ثقله الإعلامي لتصوير الوباء وكأنه مؤامرة نسجها الديموقراطيون والاعلام للنيل من رئاسته وحرمانه الفوز بولاية ثانية. 
ومن مآثر الرئيس الأميركي أنه سخر من اجراءات التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات، بل هو عقد حفلات خطابية انتخابية - الأسبوع الماضي - بمشاركة الآلاف من مؤيديه، ولم يرتد، كما غالبية الحاضرين، كمامة. وتحول عداء ترامب للكمامات الى موضوع حسّاس سياسيا، حتى ان بنس لم يجرؤ على الاجابة عن سؤال حول ضرورة ارتداء كمامات، واكتفى بالقول: «نعتقد أن المبدأ الأول هو أنه يجب على الناس الاستماع إلى حكومتهم والسلطات المحلية».
وبسبب ثقافة معاداة الكمامات والسخرية من الفيروس في صفوف مؤيدي ترامب وعدد كبير من الجمهوريين، راحت الأرقام تقفز بشكل كبير في الولايات التي تسكنها غالبية جمهورية، في وقت انخفضت في ولايات الديموقراطيين. هكذا، فيما واصلت نسبة الإصابة بالفيروس انخفاضها في الولايات الموبوءة سابقاً، مثل نيويورك ونيوجرسي وماساشوستس وميشيغن وميريلاند، راحت نسبة الإصابات الجديد ترتفع بشكل حاد في الولايات التي كانت تبدو وكأن الفيروس لم يطلها، وفي طليعتها آريزونا وفلوريدا وساوث كارولينا وتكساس. 
وعلى عكس تظاهر حكام الولايات الجمهورية وكأن الوباء لا يعنيهم، واصرارهم على ابقاء كل الأماكن العامة مفتوحة وتعمل، قررت كل من آريزونا وتكساس الانقضاض على المطاعم وأماكن السهر واقفالها في محاولة لتدارك انتشار الوباء.
وفيما يبدو وكأن الوباء ينذر بكارثة سياسية وخيمة على فرص اعادة انتخاب لولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل، قامت ادارة ترامب بتقديم مطالعة أمام المحكمة الفيديرالية العليا طالبة منها شطب قانون الرعاية الصحية المعروف بـ«أوباما كير»، نسبة الى الرئيس السابق باراك أوباما، الذي عمل على اقراره.
وشطب القانون، في وقت تمر البلاد في فترة أكثر ما تحتاج فيها الى ضمانات صحية واستشفائية، بدا معاكسا لما يحتاجه ترامب. على أن الرئيس، المعروف عنه بأنه صاحب استشعار دقيق لمزاج الغالبية، يبدو هذه المرة متعثرا في مماشاة مزاج أميركيين، بمن فيهم جمهوريون كثر، ينقلبون ضد رئيسهم بسبب فشله في مواجهة وباء صحي «عاث في الأرض بلاء».

الخميس، 25 يونيو 2020

ترامب يُعاني من ابتعاد الجمهوريين عنه

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في اطلالة له عبر «برنامج الليلة»، الذي يقدمه الكوميدي الشهير ستيفن كولبير، قال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون إنه لا يعتقد أن الرئيس دونالد ترامب مؤهل للقيام بدور رئيس للبلاد. وسأله كولبير: «ألم ترى ضحالة ترامب وتواضع قدراته قبل ان تنتخبه قبل أربعة أعوام»؟ فأجاب بولتون: «كنت أعتقد أنه ربما يمكن تغييره بعد دخوله البيت الأبيض، ولكني صرت متأكداً أن ذلك مستحيل، لذا، عندما يأتي يوم الانتخابات (في 3 نوفمبر)، لن أنتخب أي من المرشحين ترامب أو (منافسه الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو) بايدن».
ومثل بولتون، اكتشف جمهوريون كثر أن ترامب حالة مستعصية، وأنه لن يتعلم أو يكتسب مهارات رئاسية أثناء ولايته، وأنه لن يفسح المجال للمحترفين، أمثال بولتون، في القيام بالدور الفعلي، فيما يكتفي هو بدور الواجهة، على غرار ما كان يفعل الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، الذي كان ممثلاً قبل أن يصبح سياسياً، وكان معروفاً عنه انعدام حنكته السياسية، ولكنه لم يمانع في تسليم الدفة خلف الكواليس الى مساعديه المتخصصيين وأصحاب الحنكة، الذين كان يتقدمهم نائبه، الرئيس في ما بعد، جورج بوش الأب.
بولتون اكتشف فداحة مشكلة وجود ترامب في الرئاسة من داخل البيت الأبيض، لكن عدداً كبيراً من الأميركيين اكتشفوا، وما زالوا، انعدام كفاءة ترامب من خارج البيت الأبيض، خصوصاً مع انحسار وباء فيروس كورونا المستجد في الولايات الزرقاء، ذات الغالبية الديموقراطية، وبدء انتشاره على نطاق واسع جداً في الولايات الحمراء، ذات الغالبية الجمهورية.
أما سبب انخفاض الوباء بين الديموقراطيين وتفشيه بين الجمهوريين، فمرده الى اصرار ترامب على التعامل مع «كورونا» على أنه مؤامرة ينسجها الديموقراطيون، بالاشتراك مع وسائل «الاعلام الكاذب»، لتقويض ولايته الأولى، وحرمانه ولاية ثانية.
هكذا، حوّل ترامب موضوعاً علمياً بحتاً الى مادة تراشق سياسي، فرفض ارتداء كمامة، وسخر ممن يرتدونها، وأصرّ على الادلاء بخطاب انتخابي في قاعة رياضية مقفلة أمام آلاف المؤيدين، حيث كان هو وعدد كبير من الحضور من دون كمامات.
كما أمضى الأشهر الماضية وهو يحرّض ضد الاقفال والتباعد الاجتماعي، ويدعو الناس الى العودة الى حياتهم الطبيعية لمنع تباطؤ الاقتصاد.
بعد كل التحريض، انحسر الوباء في الولايات الديموقراطية، مثل نيويورك ونيوجرسي وماساشوستس وميريلاند، وراح ينتشر بسرعة فائقة ومثيرة للقلق في الولايات الجمهورية، مثل اريزونا وساوث كارولينا وآركنساس ونورث كارولينا وتكساس. هكذا، أظهرت استطلاعات الرأي أن 38 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون أن الرئيس ادار أزمة «كورونا» بشكل جيد، مقابل غالبية 58 في المئة ممن يعتقدون أن أداءه كان سيئاً.
ومثل بولتون، تخلى جمهوريون آخرون عن ترامب، لكن على عكس بولتون، لن يبقى هؤلاء في بيوتهم يوم الانتخابات، بل هم سيقترعون لمصلحة بايدن، وهم لهذا السبب أقاموا مجموعة باسم «جمهوريون من أجل بايدن».
من هؤلاء الجمهوريون، وزيرا الخارجية السابقان كولين باول وريكس تيلرسون، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وزوج مستشارة ترامب كيلي آن كونوواي، والاعلامي المعروف وعراب المجموعة التي حملت اسم «المحافظين الجدد» بيل كريستول، والاستراتيجيان الجمهوريان ريك ويلسون ومايكل ستيل، رئيس اللجنة المركزية السابق للحزب الجمهوري، وستيف شميت، مدير حملة المرشح الجمهوري السابق للرئاسة جون ماكين.
وفي اطلالة تلفزيونية، لخص شميت امتعاض هؤلاء الجمهوريين من ترامب، وقال: «لقد كان ترامب أسوأ رئيس على الإطلاق في تاريخ البلاد، وأنا لا أقول ذلك بشكل عشوائي، فترامب أخذ أميركا في ثلاث سنوات قصيرة إلى مكان ضعف مقارنة بالمكان الذي ترك فيه (الرئيس السابق) باراك أوباما منصبه».
وتابع: «كثيرون منا كانوا متشككين بشدة وقلقين للغاية مما ستكون عليه رئاسة ترامب، لكننا لم نتوقع هذا القدر، ونحن نعيش الآن لحظة إذلال وطني لا مثيل لها».
وأضاف شميت: «عندما تستمع إلى الرئيس، ترى أن أقواله هي تأملات معتوه، أحمق، ولا أستخدم هذه الكلمات للشتيمة، بل أستخدمها لأنها الكلمات الدقيقة في اللغة الإنكليزية لوصف سلوكه... أما في أفعاله، فلم نر أبدا مستوى مشابه من انعدم الكفاءة، وهو مستوى مذهل، وعلى أساس يومي، لم يسبق أن ارتكبه أي شخص في تاريخ البلاد ممن تولوا مسؤوليات بهذا الحجم».
وختم شميت أنه «لأمر مدهش أن هذا الرجل هو رئيس الولايات المتحدة، فهو رجل محتال، تورط في العديد من حالات الإفلاس والأعمال الفاشلة... إنه رئيس الولايات المتحدة الآن الذي قال إنه سيجعل البلاد عظيمة مرة أخرى، ولكنه جلب الموت والمعاناة والانهيار الاقتصادي على نطاق أسطوري حقاً».
جمهوريون آخرون بدأوا يخالفون ترامب، تصدرهم السناتور المخضرم ليندسي غراهام، الذي كان معاديا للرئيس في أيامه الأولى، ثم تقرب منه وصار صديقه لخوفه من أن يؤدي عداؤه الى خسارته مقعده. لكن غراهام يبدو أنه يقرأ المزاج الشعبي الجمهوري بدقة، وهو ما دفع السناتور الى مخالفة ترامب، الذي كان دعا مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون الى التحقيق في «خيانة أوباما» بفتح ادارة الرئيس السابق تحقيقات استخباراتية طالت حملة ترامب. لكن غراهام، ومعه شيوخ جمهوريين آخرين، رفضوا تصريحات ترامب، ورفضوا حتى اجراء تحقيقات.
وفي وقت خسر ترامب معركته القضائية في محاولة منع نشر كتاب بولتون، انهمك في معركة ثانية، هذه المرة لمنع نشر كتاب بقلم ابنة اخته، تتهمه فيها بأنه «رجل خطير»، وتنشر عنه خفايا محرجة من داخل عائلة ترامب.
وسط توالي انفضاض الجمهوريين عنه، من عائلته ومن أركان إدارته ومن حزبه، لم يكن مستغرباً أن تُظهر ثلاثة استطلاعات رأي مختلفة أن ترامب يتأخر عن بايدن شعبياً بواقع 10 - 14 نقطة مئوية.
وكان أقصى ما وصل اليه ترامب هو تأخره عن بايدن بأربع نقاط، قبل أشهر، لكن الفارق عاد الى ما كان عليه، وهو ما حمل الخبراء الأميركيين على القول إنه لو جرت الانتخابات غداً، لما فاز بايدن بالرئاسة فحسب، ولكن لسحق ترامب بشكل غير مسبوق.
لكن ما يشجع ترامب أن الانتخابات ستجرى بعد أكثر من أربعة أشهر. وفي انتخابات 2016، قادت الديموقراطية هيلاري كلينتون استطلاعات الرأي طوال الحملة لكنها خسرت الانتخابات نهاية المطاف.
وأعلن الحزب الديموقراطي، ليل الأربعاء، إنه سيعقد مؤتمراً افتراضياً بشكل أساسي في أغسطس المقبل لإعلان بايدن مرشحاً للحزب بانتخابات الرئاسة. وسيلقي المرشح الرئاسي شخصياً خطاب قبوله ترشيح الحزب في ميلووكي (ولاية ويسكونسن)، في حين سيبقى مندوبو الحزب في البيوت.
في المقابل، ينوي الجمهوريون عقد مؤتمر فعلي في جاكسون فيل (ولاية فلوريدا) في أغسطس أيضاً، يُخصص لإعلان ترامب قبول ترشيح الحزب يوم 27 من الشهر نفسه، أمام الآلاف في قاعة مغلقة.

الأربعاء، 24 يونيو 2020

واشنطن تُطلق عملية القضاء على الاتفاقية النووية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حسب ما كان متوقعاً في أوساط العاصمة الأميركية، قدّمت الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن يهدف إلى تمديد حظر استيراد وتصدير الأسلحة التقليدية من وإلى إيران. وكان متوقعاً أن تعمم واشنطن قرارها في الأمم المتحدة قبل نهاية يونيو، وفقاً لجدول زمني عكفت الديبلوماسية الأميركية على الإعداد له، وتوصّلت بموجبه إلى أن الموعد النهائي لتقديم القرار يجب أن يكون قبل نهاية الجاري.
ويرتكز جدول الديبلوماسية الأميركية على موعد انتهاء صلاحية الحظر الأممي المفروض على إيران في 18 أكتوبر المقبل، بموجب انقضاء مهلة خمس سنوات حددتها الاتفاقية النووية مع إيران، وهي الاتفاقية المكرسة بقرار مجلس الأمن الرقم 2231. 
وعلى إثر توزيع واشنطن القرار على الدول الأعضاء، قال وزير الخارجية مايك بومبيو، في تغريدة، ليل الثلاثاء، «إن انتهى حظر الأسلحة في أكتوبر، ستصبح إيران قادرة على شراء مقاتلات جديدة مثل سوخوي - 30 الروسية وجاي - 10 الصينية». 
وأضاف: «بهذه الطائرات المميتة للغاية، تصبح أوروبا (خصوصاً ألمانيا وإيطاليا) وآسيا في مرمى نيران إيران، والولايات المتحدة. لن تسمح بحدوث ذلك».
وردّ وزير الخارجية الإيراني ظريف، على بومبيو، بتغريدة على «تويتر»، فجر أمس، مشيراً إلى أن نظيره الأميركي «يائس من تضليل العالم إلى الحد الذي يزعم فيه أنه بحلول أكتوبر المقبل، ستبادر إيران لشراء مقاتلات وثم سترسلها إلى نقاط أبعد من أقصى مدى لها».
وأضاف: «ربما يمكن لبومبيو أن يوضح لنا كيف ستعود هذه المقاتلات إلى إيران حتى بعد نفاد وقودها!».
وأمس، أعلن بومبيو عن فرض عقوبات على قباطنة خمس ناقلات إيرانية نقلت إجمالاً نحو 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني إلى فنزويلا. 
إلى ذلك، ترتكز الخطة الأميركية على مسودة قرار يهدف إلى تمديد الحظر. وتُلزم الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات فعالة لمنع إيران من استيراد الأسلحة، أو تصديرها، أو نقلها إلى دول أخرى، ما لم توافق لجنة مجلس الأمن المخولة الإشراف على تطبيق عقوبات الأمم المتحدة حول العالم. 
وتطلب القرار أيضاً من كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فحص الشحنات العابرة عبر أراضيها للتحقق من واردات أو صادرات الأسلحة غير المشروعة من وإلى إيران، ومنح الدول الأعضاء سلطة الاستيلاء على هذه الأسلحة وتدميرها.
العواصم الأوروبية دائمة العضوية في مجلس الأمن، أي لندن وباريس، ومعهما برلين، تؤيدان تمديد حظر الأسلحة، فيما تعارضه موسكو وبكين، وهما تتمتعان كذلك بعضوية دائمة في مجلس الأمن، ما يعني أن القرار أحدث شرخاً داخل الجبهة المؤيدة لاستمرار الاتفاقية النووية مع إيران. 
ويتوقع الديبلوماسيون الأميركيون أن تقوم روسيا والصين بممارسة حق النقض (الفيتو)، وهو ما يضع أميركا والأوروبيين أمام حل وحيد لتمديد الحظر، وهو تدمير الاتفاقية النووية بأكملها. 
وكانت واشنطن حاولت، بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين، اقناع روسيا والصين بعدم نقض القرار، مقابل تعهد أميركي بعدم نسف الاتفاقية النووية داخل مجلس الأمن. لكن روسيا والصين تمسكتا بالاتفاقية النووية بحذافيرها، بما فيها البند الذي ينص على انتهاء صلاحية حظر الأسلحة.
في حال تركت روسيا والصين القرار الأميركي يمرّ من دون «فيتو»، لن تسعى أميركا إلى نسف الاتفاقية النووية، ولكن في حال أسقطتا قرار تمديد حظر السلاح، ستعمد واشنطن إلى الطلب من المجلس تفعيل بند التحكيم، بالاستناد إلى أحدث التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أشار إلى اختراقات إيرانية متعددة للاتفاقية، أبرزها منع طهران المفتشين النوويين من زيارة موقعين يشتبه في أن الإيرانيين قاموا بإجراء تجارب تسليح نووي فيهما. 
ويعتقد بعض الخبراء الدوليين، والأميركيين، أن «الجمهورية الإسلامية» تماطل في فتح أبواب الموقعين في وقت تسعى إلى «تعقيمهما» ومحو آثار أي إشعاعات نووية قد يعثر عليها المفتشون.
وتنص بنود التحكيم، في الاتفاقية النووية، أنه في حال غياب الإجماع، تنهار الاتفاقية وتعود عقوبات الأمم المتحدة على إيران تلقائياً، ولا يحتاج الأمر إلى تصويت أعضاء مجلس الأمن، ما يعني أن لا قدرة لأي من الدول دائمة العضوية على ممارسة «الفيتو» لوقف انهيار الاتفاقية.
ولأن موسكو تدرك الآلية وتعرف أنه يمكن لواشنطن القضاء على الاتفاقية من خلال اللجوء إلى التحكيم، سعت ديبلوماسية روسيا ودعايتها إلى محاولة تعميم مقولة مفادها بأن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية النووية، وأنها بذلك لم تعد قادرة على تفعيل بند التحكيم. 
لكن الانسحاب الأميركي جاء بموجب كلمة ألقاها الرئيس دونالد ترامب من دون أي بيان رسمي إلى مجلس الأمن، ما يعني أن الولايات المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، ما زالت في الاتفاقية، وما زال اسمها مدوناً بين الأعضاء المخولين طلب التحكيم.
وسعى الديبلوماسيون الروس إلى شن حملات من المناورة الديبلوماسية والإعلامية، واتهم نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف الولايات المتحدة بالانتقائية، وقال في ندوة الكترونية نظمها «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك: «أعتقد أنه أمر مشين أن تحاول الإدارة الأميركية اختيار ما يخدم مصالحها ورفضها التام لآراء الآخرين، وحتى رفضها التام للمنطق، في محاولة لهزيمة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاقية النووية)». 
وأضاف الديبلوماسي الروسي: «إذا كان هذا سيحدث بالطريقة التي يقترحها العديد من خبراء الفكر والعديد من كُتّاب الرأي من المطلعين على القرار داخل واشنطن، عندئذ سننتهي حتماً بأزمة حادة داخل مجلس الأمن». 
وتابع: «ستكون ضربة قوية لسيادة مجلس الأمن... وستتحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك».
في طهران (وكالات)، قال الرئيس حسن روحاني، إن بلاده ستكون مستعدة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة إذا اعتذرت عن الانسحاب من الاتفاق النووي، وقدمت تعويضاً. 
وأضاف: «لكننا نعلم أن دعوات الحوار مع طهران ما هي إلّا أقوال وأكاذيب».

جيفري: هدفنا إعطاء السوريين صوتاً ليقرروا مصيرهم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كرر المبعوث الأميركي الى سورية جيمس جيفري ما سبق لـ «الراي» أن نشرته، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، لناحية أن «قانون قيصر» الأميركي، الذي فرض عقوبات قاسية على الرئيس السوري بشار الأسد وأركان نظامه، هو قانون لا يستهدف لبنان، ولا يؤثر على اقتصاده، وأن الأزمة الاقتصادية هي من صنع اللبنانيين أنفسهم. واعتبر أن القانون يستهدف «الحكم التوتاليتاري لواحد من أعتى جزاري العالم، الرئيس الأسد».
وفي ندوة إلكترونية نظمها «معهد الشرق الأوسط»، قال المسؤول الأميركي إن «هدفنا ليس الإطاحة بالاقتصاد» السوري، «فالأسد يفعل ذلك بنفسه... ما نريده هو أن نتسبب بألم حقيقي لمن هم حول الأسد حتى يدركوا أن آلامهم لن تتغير ما لم يخالفوا سياسة الأسد». 
لكنه استدرك مضيفاً:«عندما أقول إننا لا ندعوا إلى تغيير النظام، أعني أن الدور الأميركي أو العالمي لن يغيرا نظام الأسد، ولكن إذا أراد السوريون تغيير النظام، فسنوافق على ذلك، وندعم قيام أي حكومة جديدة يختارونها». 
وتابع أن مصير سورية «متروك لشعب سورية ليقرر»، أما ديبلوماسية الولايات المتحدة، فهدفها أن «تعطي السوريين صوتاً ليقرروا أي حكومة يريدون».
ولفت جيفري الى أن العقوبات الأميركية سعت الى حرمان كبار المسؤولين السوريين من التمتع بـ«عشاء على ضوء الشموع» في باريس، أو اخذ عائلاتهم الى «اجازات في ديزني لاند». 
وأضاف: «نريدهم أن يدركوا أن ثرواتهم في الخارج يمكن استهدافها أيضا». وتابع أن «الجانب المالي من الفساد الاقتصادي هو نفسه في جميع الأنظمة الاستبدادية، خصوصاً نظام الأسد»، ومن المهم افهام «مئات آلاف السوريين ممن يتمتعون بسخاء مسؤولي الأسد» أن لا مستقبل اقتصادي لهم في بقائهم تابعين لأركان النظام.
وشدد على أن «قانون قيصر لا يستهدف المدنيين»، بل على العكس يلاحق المسؤولين عن حجب وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في أنحاء سورية. 
وتابع أن «العقوبات هي البديل عن تدخل عسكري واسع» في سورية، وهو تدخل - حسب المسؤول الأميركي - لا يؤيده المجتمع الدولي، ولا الأميركيون. 
وقال إن هدف العقوبات ليس الإطاحة بالنظام، بل اجباره على تغيير سياساته وتصرفاته، عملاً بقرار مجلس الأمن الرقم 2254، وان «مجلس الأمن لا يطيح بأنظمة» بل يعمل على الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين. اما في حالة الأسد، فقد تحولت سورية الى مصدر لاهتزاز الأمن اقليمياً ودولياً باستضافتها مجموعات إرهابية وتعاونها مع ايران، التي تصنفها واشنطن دولة راعية للارهاب. 
كذلك، يعتبر المجتمع الدولي أن استخدام الأسد لأسلحة كيماوية، حسب ما ورد في بيان «منظمة مكافحة انتشار الأسلحة الكيماوية» التابعة للأمم المتحدة قبل أشهر، هو مصدر اهتزاز للاستقرار العالمي.
ولفت جيفري الى أن أهمية «قانون قيصر» تكمن في أنه يحدد الموقف الأميركي تجاه سورية. والقانون يختلف عن السياسة، إذ انه ملزم للادارات المتعاقبة، فيما السياسة ترتبط بهوية الرئيس المقيم في البيت الأبيض وفريقه. 
وأشار الى أن قانون العقوبات حاز على ما يشبه الاجماع في الكونغرس، بغرفتيه، وأن القانون يمثل الموقف الأميركي الثابت تجاه الأحداث في سورية. 
ولأن واشنطن لا تسعى للاطاحة بالأسد، يصبح القانون، خريطة طريق أميركية لكيفية التوصل الى تسوية سورية، مبنية على بنود القرار 2254، الذي ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية من النظام ومعارضيه تقوم بكتابة دستور جديد، وتنخرط في انتخابات تنظمها وتشرف عليها الأمم المتحدة. 
واعتبر المسؤول الأميركي أن الأسد يقوم بتنظيم انتخابات برلمانية، وربما رئاسية العام المقبل، في خطوة تتعارض صراحة مع قرارات الأمم المتحدة التي تحصر اجراء ومراقبتها الانتخابات بنفسها وبممثليها.
وقال جيفري إن نظام الأسد مصمم بشكل يحصر القرارات بدائرة ضيقة من المحيطين به، وضرب مثالاً على ذلك مفاعل «الكبر» النووي، الذي كانت كوريا الشمالية تبنيه للأسد في شمال سورية الشرقي، قبل أن تغير عليه مقاتلات اسرائيلية وتحيله رماداً في العام 2007. 
وأضاف أنه «كان مثيراً للاعجاب وقتذاك أن دائرة صغيرة وضيقة جداً محيطة بالأسد كانت وحدها تعرف عن المفاعل النووي، وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات اليوم داخل النظام».
وسبق لوسائل إعلامية أميركية، مثل «بوليتيكو» و«فورين بوليسي»، أن نشرت تحقيقات تساءلت فيها عن قدرة الأسد على البقاء في ظل العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ الأسبوع الماضي.
واشنطن مصممة، حسب جيفري، على جعل الأسد ودائرته الصغيرة يدفعون ثمن سياساتهم، من دون السماح لهم «بتحقيق النجاح النهائي». أما اذا راهن الرئيس السوري ومن معه على التغيير في نوفمبر المقبل، أي في حال فشل الرئيس دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية وانتقال الرئاسة للمرشح الديموقراطي جو بايدن، فهو رهان سيكون خاسراً،«بغض النظر عمن يتم انتخابه، فإن سياستنا في سورية هي سياسة الحزبين».
هل يختار الأسد أن يمضي في طريق كوريا الشمالية، فيحول سورية الى دولة معزولة بدلا من رضوخه للعقوبات الأميركية وموافقته على التغيير، يجيب جيفري أنه «بادئ ذي بدء، سيكون اختيار سيناريو كوريا الشمالية صعباً، نظراً لانفتاح سورية وسكانها، أولا على العالم العربي، ومن بعده على المجتمع العالمي، وذلك على مدى القرون الماضية». 
ويختم: «لا أعرف بلدا في العالم يريد أن يكون مثل كوريا الشمالية، بل إن الدول غالبا ما تحذر بعضها البعض من مغبة السير في هذا الطريق».

الثلاثاء، 23 يونيو 2020

لما لا يندمج "حزب الله" بالجيش اللبناني؟

حسين عبدالحسين
الحرة

يردد معارضو حل ميليشيا "حزب الله" اللبناني أن وجوده هو للإبقاء على "سياسة الردع" في وجه ما يسمونها الأطماع الإسرائيلية في لبنان، أي أنه لو تخلى الحزب عن سلاحه، تجتاح إسرائيل لبنان، وتحتله، وتقيم مستوطنات فيه، وتستولي على موارده الأولية.

طبعا لا موارد أولية في لبنان. التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية لم يعثر على أي مخزونات. الثروة المائية اللبنانية تعاني من تلوث، وخزان المياه الجوفية، مثل في البقاع، قارب أن ينضب بسبب الاستخدام العشوائي. ولبنان يعاني من انعدام التخطيط المدني، وتلوث البيئة، والاكتظاظ السكاني، وعدم قدرة دولته على تأمين الكهرباء بشكل متواصل، وعدم قدرتها على تأمين المياه إلى البيوت، وعدم قدرتها على جمع النفايات أو تدبير كيفية التخلص منها. مع هذا، يصّر "حزب الله" أن إسرائيل لها أطماع في دولة يتحين كل من فيها فرصة الهروب منها والهجرة.

لكن لنسلّم أن إسرائيل هي، كما يقول "حزب الله"، تسعى للقضاء على "حزب الله" للإستيلاء على بؤرة الفوضى والتلوث المسماة لبنان، وهو ما يستوجب أن يكون اللبنانيون متحسبين للدفاع عن بلادهم في وجه الإسرائيليين، وهو ما يطرح السؤال: لما لا يقوم "الجيش اللبناني" بالدفاع عن البلاد؟

يجيب مناصرو "حزب الله" أن الجيش اللبناني يعاني من عدم تسليحه، ويضيفون: "سلحوا الجيش ثم طالبوا بحل ميليشيا الحزب". وإذا كان الحال كذلك، لم لا يسلّح "حزب الله" الجيش، أو، لم لا يندمج "حزب الله" كليا في "الجيش اللبناني"، ويكون بذلك قد وهب قوته التي يتباهى بها إلى الجيش الوطني الذي يأتمر بأوامر الحكومة المنتخبة؟

إن احجام اندماج "حزب الله" بالجيش اللبناني هو إهانة للجيش نفسه، إذ هو يشي أن لا ثقة للحزب بدولته ولا بجيشها. أما معارضو الاندماج من خصوم الحزب، فهم يخشون أن يعطي الاندماج تفوقا للحزب الموالي لإيران داخل الجيش، ويسهّل إمكانية قيامه بانقلاب وإقامته حكما عسكريا.

لكن الاندماج لا يعني انضمام ميليشيا "حزب الله" على حالها إلى الجيش اللبناني، بل يعني حصول الجيش على سلاح الحزب، بما في ذلك صواريخه وشبكة اتصالاته السرية، وتطويع أفراد الحزب في الجيش. وعملية التطويع في أي جيش تعني إعداد الأفراد لتبني العقيدة القتالية للجيش.

"العقيدة القتالية" لـ "حزب الله" هي الولاء للولي الفقيه، أي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فيما عقيدة الجيش اللبناني هي الدفاع عن البلاد في وجه أي اعتداء خارجي. ثم أن انخراط مقاتلي "حزب الله" في الجيش اللبناني، وتوزيعهم على الكتائب والألوية، يعني أن هؤلاء المقاتلين اللبنانيين صاروا في السلك العسكري اللبناني، وهو ما يعني أن انضباطهم خاضع للشرطة العسكرية، وأن محاسبتهم تتم أمام القضاء العسكري، بدلا من خضوعهم إلى "انضباط حزب الله" ومحاسبتهم أمام محاكمه الحزبية.

وانخراط ميليشيا "حزب الله" في الجيش الوطني تُسقِط صفة الإرهاب الدولي عن الحزب، فالإرهاب هو قيام مجموعة غير حكومية بممارسة عنف منظم. أما اندماج الميليشيا في الدولة، فيجعل دولة لبنان مسؤولة أمام المجتمع الدولي، ويمكن إذ ذاك للأمين العام للحزب حسن نصرالله بالترشح لأرفع المناصب السياسية في لبنان، وترؤس كتلة برلمانية تساهم في صناعة قرارات الدولة وسياساتها، الخارجية والداخلية والاقتصادية، بدلا من أن يقف نصرالله ـ كلما خطر له ـ ليدلي بخطاب يصدر فيه أوامر وإملاءات للبنانيين.

في ذروة سطوة التحالف الذي كان معروفا بـ "14 آذار"، زار بطريرك الموارنة الراحل نصرالله صفير البيت الأبيض، والتقى الرئيس السابق جورج بوش، المعروف بإيمانه المسيحي. ويبدو أن الحديث تطرق إلى مبدأ التسامح كركن من أركان المسيحية. بعد اللقاء، قال بوش إن الولايات المتحدة مستعدة للانفتاح على "حزب الله" إن تخلى عن العنف وتحول إلى حزب سياسي، وهو وعد أميركي له سوابق تاريخية، إذ سبق لواشنطن أن رفعت عددا من التنظيمات عن لوائح الإرهاب، بل ومدّت السجّاد الأحمر لإرهابيين سابقين، واستقبلتهم في البيت الأبيض، مثل في حالة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.


وفي نفس سياق استيعاب "حزب الله"، دخل أركان "14 آذار" في تحالف انتخابي مع "حزب الله" وحلفائه، وهو تحالف لم يعارضه إلا ميشال عون، العائد في حينه من منفاه، برعاية الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان نفوذه ينحسر في لبنان. لكن تبين فيما بعد أن "حزب الله" كان يعتقد أنه هو الذي يفتح باب عودة التيار السيادي اللبناني إلى حضن محور الأسد وإيران، فانفرط التحالف، وكان طبيعيا أن ينشأ على انقاضه تحالف بين "حزب الله" وعون.

هذه المرة، اقتصاد لبنان في طريقه لانهيار كامل وشامل، والسبب هو ابتعاد الاستثمارات الأجنبية عن لبنان لأسباب متعددة، أولها انعدام الاستقرار فيه بسبب وجود ميليشيا مسلحة غير خاضعة لسلطة الحكومة المنتخبة، يمكنها أن تأخذ البلاد إلى حرب في أية لحظة. ويرافق وجود ميليشيا "حزب الله" فساد حكومي متحالف مع الحزب: الفساد يغض النظر عن لا دستورية ميليشيا "حزب الله"، والحزب يستخدم عضلاته لحماية الفساد والإبقاء على حلفائه الفاسدين في السلطة.

حتى يعود لبنان دولة طبيعية ذات اقتصاد ينمو، لا بد من إنهاء ميليشيا "حزب الله" وإناطة قوتها العسكرية للردع والدفاع بالجيش اللبناني. ومع انتهاء وضع الميليشيا الشاذ، تنتفي الحاجة إلى بقاء الفاسدين في الحكم، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب بلبنان، وينعش اقتصاده.

أما سلام لبنان مع إسرائيل، فيمكنه أن ينتظر مواقف "جامعة الدول العربية" التي يلتزمها لبنان، بما في ذلك "مبادرة بيروت للسلام"، فإن مضى العرب إلى سلام مع إسرائيل، يمضي معهم لبنان، وإن لم يمضوا، يعيش لبنان كدولة طبيعية ذات جيش قادر على الدفاع عنها وفق مصالح لبنانية بحتة، لا الدخول في حروب حسب مصالح إيران أو سوريا. هكذا، يصبح لبنان حكومة أكثر سيادة وأقل فسادا، واقتصاد أكثر نموا.


السبت، 20 يونيو 2020

الولايات الأميركية «المنكوبة» تُخفّف القيود ومستعدة لـ «موجة ثانية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مونتغمري كاونتي مقاطعة في ولاية ميريلاند وتحاذي مقاطعة كولومبيا، التي تستضيف العاصمة الفيديرالية واشنطن. يسكنها مليون ومئة ألف نسمة، وعانت من انتشار وباء كورونا على نطاق واسع، اذ بلغ عدد الإصابات 14 ألفاً، أي أكثر من الدنمارك، التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين.
يوم الجمعة، أعلن مجلس المقاطعة بدء تنفيذ «المرحلة الثانية» من خطة اعادة فتح الاقتصاد، ما يعني أنه، للمرة الأولى منذ 13 مارس الماضي، ستعود المطاعم والمقاهي وصالات الرياضة والحلاقة الى العمل، وسيتم السماح للناس بالتجمع في مجموعات أقصاها 50 شخصاً، بعدما أعلن المجلس أن نسب تفشي الاصابة بين السكان، ونسب استخدام المستشفيات، عادت الى ما كانت عليه يوم 7 مارس. 
وكانت المقاطعة سجلت زيادة في الإصابات بلغت 0.3 في المئة، وهو ما شكل انخفاضاً على مدى اسبوعين على التوالي، في وقت سجلت ولاية ميريلاند، بشكل عام، زيادة في الإصابات الجديدة بلغت 0.4 في المئة، وهو ما شكل كذلك انخفاضاً لمدة اسبوعيين متتاليين.
لو كانت ميريلاند دولة مستقلة، لكان ترتيبها 22 في العالم لناحية اجمالي الاصابات، اذ تبلغ 64 ألفاً في الولاية التي يبلغ عدد سكانها نحو ستة ملايين، خلف الصين وأمام بلجيكا. لكن الرقم الضخم لأعداد الإصابات في الولاية لا يعكس مجريات الاحداث، اذ ان نسب الزيادة في الإصابات والوفيات انخفضت الى ما كانت عليه قبل بدء تنفيذ الحظر الصحي، وهو ما سمح بالانتقال الى المرحلة الثانية، بانتظار الانتقال الى الثالثة، والتي تشهد العودة الكاملة الى الحياة الطبيعية.
صادف انتقال مونتغمري كاونتي الى المرحلة الثانية، مع انتقال ولاية نيويورك بأكملها الى المرحلة الثانية كذلك، وهو ما دفع حاكم ولاية نيويورك اندرو كومو الى إعلان التوقف عن عقده مؤتمره الصحافي بشكل يومي، على غرار ما فعل على مدى الأسابيع الثمانية الماضية. 
ويعتقد المسؤولون الأميركيون والخبراء، ان غالبية الولايات الأميركية - خصوصاً التي عانت من انتشار الوباء على نطاق واسع مثل نيويورك وميريلاند - مستعدة اليوم لمواجهة «موجة ثانية»، في حال حصولها، أفضل بكثير من الأولى، استناداً الى مجموعة من العوامل، أولها الخبرة التي راكمها المسؤولون الحكوميون والصحيون، وكذلك العامة. 
ويقول الخبراء إنه في الأشهر الماضية، نجحت المؤسسات الصحية في تعزيز استعداداتها، وزادت مخزوناتها من أدوات الوقاية الصحية، وعدد الأسرة ووحدات العناية الفائقة.
أضف الى التحسن الكبير في الاستعدادات، راكم الأطباء خبرة أوسع، وصار أمامهم نوعان أو اكثر من الأدوية التي أظهرت فاعليتها في مكافحة المرض، أو على الأقل تقليص فرص الوفاة وتقصير مدة المرض، مثل دوائي «ريمديسيفير» و«ديكساميثازون». 
ومنذ أن خصص الكونغرس 25 مليار دولار لعملية فحوص كشف فيروس كورونا المستجد، انتشرت الفحوص بشكل واسع، وصارت متوافرة في كل مكان، ودقيقة في معظمها، في انتظار بعضها الذي يتم تطويره ويستند الى فحص لعاب يمكن اجراؤه في المنازل، فضلاً عن فحوص «بي سي آر»، ذات النتائج شبه الفورية.
وأقامت حكومات معظم الولايات «مكاتب متابعة» أسندت اليها مهمة متابعة المصابين، والاتصال بمن يُعتقد أنهم تعرضوا للعدوى من مصابين. 
وسجلت الولايات المتحدة، أكثر من مليونين و300 ألف إصابة، ونحو 122 ألف وفاة، بينما شفي ما يزيد على 960 ألف شخص.
ويشير الخبراء الى الخبرة التي راكمها العلماء منذ بدء انتشار الوباء، اذ صار من شبه المؤكد أن مخاطر انتقال الفيروس عبر الأسطح شبه منعدمة، وأن الانتقال في الهواء الطلق صعب كذلك، وأن الوسيلة التي تساهم بشكل أساسي في الانتقال هي الاقتراب من شخص مصاب والتعرض لتنفسه لمدة 15 دقيقة على الأقل. 
لهذا السبب، قام حاكم كاليفورنيا غيفين نوسام بفرض ارتداء الكمامات على سكان ولايته، وهي الأكبر في البلاد (40 مليون نسمة)، اثناء تواجدهم في الأماكن العامة المغلقة والنقل العام.
وتحول موضوع الكمامات الطبية الى خلاف سياسي بامتياز، اذ فيما ينصح غالبية الخبراء بارتداء كمامة في الأماكن المغلقة، ويعتبرون أنها تساهم في تقليص مخاطر الاصابة بالفيروس بشكل كبير، وفي وقت يتمسك الديموقراطيون بارتدائها، يعتبر الجمهوريون أن الوباء بأكمله «من الاخبار المزيفة»، وأن فرض ارتداء الكمامات يأتي «في سياق قمع الحريات والسيطرة على الناس مجتمعياً».
وساهم في تأزيم الانقسام أن الرئيس دونالد ترامب يرفض ارتداء كمامة، وهو لم يظهر حتى الآن بكمامة لأنه - حسب المقربين منه - يعتقد أنه «سيبدو احمقاً» في حال وضع واحدة على وجهه. 
على أن الجمهوريين تحينوا فرصتهم لاعتبار أن الديموقراطيين ينافقون، ودقوا ناقوس الخطر ضد الوباء بهدف تعطيل الاقتصاد والاسهام في حرمان ترامب من الفوز بولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل. 
وأشار الجمهوريون الى أن الديموقراطيين واصلوا اصرارهم على ضرورة الابقاء على الحجر والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، ثم بعد اندلاع التظاهرات المناهضة لعنف الشرطة، خصوصاً ضد الأفارقة الأميركيين (غالبيتهم الساحقة ديموقراطية)، غض الديموقراطيون النظر عن التظاهرات الحاشدة.
وسمحت تظاهرات الديموقراطيين لترامب بالإصرار على استعادة النشاط الأحب الى قلبه، وهو الادلاء بخطابات أمام مناصريه في ملاعب رياضية ضخمة تتسع لجماهير غفيرة. ولطالما أشار الرئيس الى قدرته على الحشد الجماهيري للدلالة على شعبيته، وقام بمقارنة خطاباته بالخطابات التي يدلي بها منافسوه، ويعتبر ترامب أنها لا تحوز نفس الاهتمام الجماهيري الذي تسرقه خطاباته.
وليل أمس، استأنف الرئيس الأميركي نشاطه عبر تجمّع انتخابي محفوف بالمخاطر في أوكلاهوما، إذ حشد أنصاره داخل قاعة مغلقة للمرّة الأولى منذ تفشي «كوفيد - 19». 
ويرخي التوتر بثقله على المدينة، حيث ثمة خشية من هذا التجمع الذي يحيط به جدل مزدوج: أولاً خطر مفاقمة تفشي الوباء في البلد الأكثر تضرراً في العالم من الفيروس، بالإضافة إلى خيار الرئيس استئناف التجمعات الانتخابية في خضمّ فترة إحياء ذكرى إنهاء العبودية، الأمر الذي اعتبره مسؤول محلي من حركة «حياة السود تهمّ»، «صفعة حقيقية».
في هذا السياق، أحيا آلاف الأميركيين الذكرى 155 لإنهاء العبودية عبر تظاهرات حملت طابعاً احتفالياً في بعض الأحيان، أسقط خلالها التمثال الوحيد في واشنطن لجنرال كونفيديرالي، بينما تهز البلاد توترات عرقية منذ وفاة جورج فلويد أواخر مايو. 
وعمت احتفالات الذكرى التي تعرف بـ«جونتينث» (دمج يونيو و19 وفق لفظهما بالانكليزية)، وهو «يوم التحرير» الذي أدرك خلاله «العبيد» في غالفستون في تكساس أنّهم صاروا أحراراً، كل المناطق. 
في واشنطن، أسقط متظاهرون ليل الجمعة - السبت تمثال الجنرال الكونفيديرالي ألبرت بايك، وهو التمثال الوحيد لشخصية كونفيديرالية في العاصمة. 
وندد ترامب على «تويتر» بالحادث الذي وصفه «بالعار على بلادنا»، بعدما نشر بياناً مشتركاً مع زوجته ميلانيا لمناسبة ذكرى إنهاء العبودية أشاد فيه «بالتحرير».
واتهم شرطة واشنطن بأنها «لم تقم بعملها ووقفت متفرجة على التمثال وهو يسقط ويحرق». 
وتركزت التظاهرات المنددة بـ«العنصرية والقمع وعنف الشرطة» التي تم تنظيمها بدعوة من النوادي المحلية لكرة السلة في محيط النصب التذكاري لمارتن لوثر كينغ في العاصمة، الجمعة. 
وكانت التظاهرة التي خرجت قرب البيت الأبيض احتفالية حيث رقص المئات على وقع موسيقى «غو غو» الشعبية التي نشأت في واشنطن في الستينات والسبعينات، قبل أن يسيروا في شوارع وسط المدينة. 
في الأسابيع الأخيرة، تكثفت الدعوات إلى إزالة النصب التذكارية لشخصيات لعبت دوراً في معسكر الكوفيديراليين خلال الحرب الأهلية (1861 - 1865)، والمنتشرة بكثرة في الجنوب. 
إلى ذلك، رفض قاض فيديرالي، أمس، طلباً تقدمت به إدارة ترامب بمنع إصدار كتاب مستشار الرئيس السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون.
وقال القاضي رويس لامبرث في بيان: «بينما يثير سلوك بولتون أحادي الجانب مخاوف خطيرة تتعلق بالأمن القومي، إلا أن الحكومة لم تثبت أن الأمر بمنع الإصدار هو الإجراء المناسب».
ومن المقرر نشر الكتاب وهو بعنوان «الغرفة حيث حدث ذلك... مذكرات البيت الأبيض»، خلال ايام، إلا أن وزارة العدل حاولت وقف صدوره، واعتبرت انه يحتوي على معلومات سرية.

الخميس، 18 يونيو 2020

كيف يؤثر «قانون قيصر» على غير السوريين؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

صمم الكونغرس الأميركي «قانون قيصر سورية للحماية المدنية» في شكل يختلف عن القوانين السابقة التي أدت إلى فرض عقوبات أميركية على حكومات حول العالم. 
القانون سعى إلى استهداف ثلاث مجموعات، أولها الرئيس بشار الأسد وأفراد نظامه، إن في الحكومة السورية، أو في القوات المسلحة، أو في حزب البعث العربي الاشتراكي. وثانيها، القطاع المالي، وركن زاويته المصرف المركزي، ما يعني أنه سيصبح متعذراً تحويل أموال أو مرور مقاصات من خلال أي مصرف سوري أو أجنبي يعمل في سورية، حكومي أم خاص. وثالثها، القطاع النفطي، الصغير نسبياً، في وقت تسيطر على مناطق النفط السورية، في الشرق، مجموعات معارضة للأسد تدعمها واشنطن. 
هدف «قانون قيصر»، تحويل انتصار الأسد العسكري على معارضيه إلى «نهاية المطاف»، بحسب التعبير المتداول في الأوساط الأميركية، أي نزع قدرته على تحويل انتصاره العسكري إلى انتصار مالي، يساعده على التطبيع مع حكومات العالم ومستثمريه. 
تقول الباحثتان في «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدني» دانا سترول وكاثرين بوير، إنه رغم مخاطر العقوبات على سورية التي كانت سابقة لدخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ، الأربعاء، كان عدد من المستثمرين الأجانب والعرب ما زالوا مهتمين بإمكانات الاستثمار. وتضمنت لائحة المستثمرين الأجانب شركات مقراتها في دول الخليج وأوروبا الشرقية. 
وكتبت الباحثتان، في دراسة حول القانون، أنه بعد تحسن العلاقات الديبلوماسية العام الماضي بين بعض دول الخليج والأسد، شارك وفد من رجال الأعمال السوريين، بمن فيهم من هم على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية، في منتدى للقطاع الخاص في الخليج. 
وفي وقت لاحق من العام 2019، شارك وفد من إحدى دول الخليج في معرض دمشق التجاري الدولي السنوي. 
وتعتقد الباحثتان أن بعض الدول الخليجية كانت تأمل في أن يؤدي إعادة تأهيلها الأسد إلى إحداث توازن في القوى في وجه النفوذ الإيراني في سورية، لكن هذه الدول تعرضت، منذ ذلك الحين، لضغوط أميركية كبيرة حتى تتوقف عن مخالفة العقوبات. 
ومع ذلك، تقول الباحثتان، واصل مستثمرون من الكويت والسعودية والإمارات «تشكيل شركات، أو الحصول على تراخيص للعمل في قطاعي البناء والسياحة في سورية».
وتتابع الدراسة: «ما زال هناك العديد من الشركات التي تتخذ من لبنان مقراً لنشاطاتها في سورية، بما في ذلك الاستثمار في القطاعات المستهدفة بقانون قيصر (مثل النفط والغاز)، وبعض هذه الشركات يملكها لبنانيون، بينما أسس متمولون سوريون شركات أخرى وسجّلوها في لبنان»، وهو ما أثار مخاوف من أن يعرّض ذلك لبنان لعقوبات «قيصر»، «الأمر الذي قد يدفع اقتصاده المتأرجح إلى الاقتراب من حافة الهاوية».
ويختلف «قانون قيصر» عن قوانين العقوبات الأميركية السابقة، إذ هو يحدد أهدافاً إن تحققت، تنقضي صلاحية القانون. الأهداف الأميركية، سبعة، يقول القانون، إن نفذتها سورية، يتم رفع العقوبات عنها. «يجوز للرئيس (الأميركي) أن يعلق كلياً أو جزئياً فرض العقوبات»، حسب نص القانون «إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية قد استوفيت في سورية»:
- أولاً، إن توقفت حكومتا سورية أو روسيا «عن استخدام المجال الجوي السوري لاستهداف السكان المدنيين بالبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، والأسلحة التقليدية».
- ثانياً، إن توقفت حكومات سورية أو روسيا أو إيران أو أي جهة أجنبية «عن محاصرة مناطق سورية معزولة، وإن سمحت بدخول المساعدة الدولية والحصول بشكل منتظم على المساعدة الإنسانية وحرية السفر والرعاية الطبية».
- ثالثاً، إن أفرجت الحكومة السورية «عن جميع السجناء السياسيين المحتجزين قسراً في سجون نظام الأسد، و(سمحت) بوصول منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى السجون للتحقق» من خلوها من المعتقلين السياسيين.
- رابعاً، إن توقفت سورية وروسيا وإيران وأي طرف أجنبي «عن الاستهداف المتعمد للمرافق الطبية، والمدارس، والمناطق السكنية، وأماكن التجمع العامة، بما في ذلك الأسواق».
- خامساً، إن قامت سورية باتخاذ خطوات لـ «الوفاء بشكل قابل للتحقق من التزاماتها بموجب اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتكديس واستخدام الأسلحة الكيماوية، وقامت بتدمير تلك الأسلحة، بالتزامن مع إحراز تقدم ملموس في أن تصبح سورية دولة موقعة على اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والسمية وتدمير تلك الأسلحة».
- سادساً، إن سمحت الحكومة السورية بـ«العودة الآمنة والطوعية والكريمة النازحين بسبب النزاع». 
- سابعاً، إن «اتخذت الحكومة خطوات يمكن التحقق منها لإرساء مساءلة ذات مغزى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية و(تحقيق) العدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد». 
ويعرف من تابع التحقيقات، التي سبقت إقرار القانون، والنقاشات، التي رافقت كتابة نصه، أن الهدف الرئيسي للمشرعين الأميركيين كان يكمن في السعي إلى حرمان الرئيس السوري من الإفادة من أي إعادة تأهيل مالية أو اقتصادية ما لم يخرج من الحكم ويوافق على مشاركة نظامه في تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 2118، والذي ينص على أن التسوية السياسية تتضمن مشاركة النظام والمعارضة في إقامة حكومة وحدة وطنية، تقوم هذه بإجراء انتخابات برلمانية بإشراف دولي، ويكتب أول برلمان منتخب دستوراً جديداً، يتم على أساسه انتخاب برلمان جديد، ورئيس، وتشكيل حكومة، أي بكلام آخر، ستقوم الولايات المتحدة بحجب الأموال عن دمشق ما لم يتم إعادة تشكيل الدولة ومؤسساتها بشكل يرضي النظام، من دون الأسد، والمعارضين.
أما استهداف من يتعاونون مع الحكومة من غير السوريين، فسيتضمن محاولة حرمانهم من تقديم بدائل «غير سورية» للأسد للالتفاف على القانون والعقوبات الناجمة عنه. 
وستقوم واشنطن بمعاقبة من يحاولون مساعدة الأسد على اختراق بتجميد أموال هؤلاء المنقولة وغير المنقولة، وفق الآلية نفسها التي تعتمدها الحكومة في استهداف أفراد وكيانات حول العالم في إطار مكافحة تمويل الإرهاب ومكافحة تبييض الأموال.

الأربعاء، 17 يونيو 2020

هوك: أميركا توافق على «نووي» إيراني شبيه... بالإماراتي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أربعة أشهر بالتمام تفصل العالم عن نهاية الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على صادرات وواردات إيران من الأسلحة التقليدية، حسب الاتفاقية النووية المكرسة بقرار مجلس الأمن الرقم 2231 الصادر في العام 2015، وهو ما دفع الولايات المتحدة الى تكثيف ديبلوماسيتها لاقناع دول مجلس الأمن بضرورة إصدار قرار منفصل يجدد حظر الأسلحة على طهران.
وفي هذا السياق، أطل أرفع ديبلوماسي أميركي مسؤول عن الملف الإيراني، بريان هوك، عبر ندوة إلكترونية، أول من أمس، وجدد مطالبة واشنطن بتمديد حظر الأسلحة، وتعديل الاتفاقية النووية الحالية، التي قال إنها تشبه نظيرتها مع كوريا الشمالية، وأن العالم «يعرف كيف ينتهي فيلم كوريا الشمالية»، معتبراً أن «الاتفاقية النووية الحالية تضع إيران على طريق حيازة سلاح نووي». 
وقال هوك إن الولايات المتحدة «توافق على اتفاقية نووية تسمح لإيران بإنتاج طاقة نووية، لكن من دون تخصيب أو ممر نحو صناعة سلاح، على غرار برنامج الإمارات للطاقة النووية». 
وتابع أن العالم يحتفل بالذكرى العاشرة لاتفاقية «واحد اثنان ثلاثة، الموقعة في عهد إدارة (الرئيس السابق جورج) بوش، والذي يمنح الإمارات الطاقة النووية، من دون القدرة على التخصيب»، معلناً أن طهران «على وشك تحقيق الاختراق نحو إنتاج سلاح في أقل من عام، ومن الأفضل أن تكون غير قادرة على التخصيب».
ومما قاله المسؤول الأميركي إن «إيران تحب أن ترى نسخة من حزب الله (اللبناني) على الحدود الجنوبية للسعودية، وهو ما يحقق هدف مد الهلال الشيعي من طهران إلى بيروت، وصولاً إلى اليمن». وأضاف أن القوات الأميركية اعترضت «عدداً من شحنات الأسلحة الإيرانية التي كانت متجهة إلى الحوثيين في اليمن، والحوثيون هم ميليشيا قبلية قامت إيران بتنظيمها وتدريبها بعد دخولها في الاتفاقية النووية».
وحسب هوك، رأت إيران «في الاتفاقية النووية ضوءاً أخضر لسياساتها غير النووية التوسعية في المنطقة»، وقال إنه رأى «مستودعات للأسلحة والذخيرة الإيرانية مخزنة في قاعدة الأمير سلطان الجوية، وهي أسلحة تم جمعها بعد المعارك مع الحوثيين».
وفي ما يتعلق بالسلام في اليمن، قال هوك: «يسعدنا أن السعوديين يدعمون الجهود الرامية إلى إنهاء القتال، لكن إيران تجلس دائماً خارج قاعات الاجتماعات، وتقوم بحض الحوثيين على مواصلة الحرب، فإيران تريد الاستمرار في مهاجمة المملكة العربية السعودية من خلال وكلائها، وهو الشيء نفسه الذي تفعله مع الميليشيات الأخرى في أماكن أخرى في المنطقة».
ولفت الديبلوماسي الأميركي إلى أنه عندما رأت واشنطن أن طهران بدأت بارتكاب بعض الهجمات، في مايو 2019، «قمنا بزيادة قواتنا بمقدار 14 ألفاً في المنطقة، وعززنا الدفاعات الجوية السعودية».
وأضاف «ان وجود قواتنا يرتفع وينخفض، لكن المهمة لا تتغير... كنا مبدعين في كيفية القيام بذلك».
وأشار كوك، من ناحية ثانية، الى أن إسرائيل لن تسمح لإيران «باستخدام سورية كقاعدة صواريخ أمامية».
وتحدث هوك عن الديبلوماسية التي أدت لإطلاق المعتقل الأميركي في إيران مايكل وايت، وقال إنها تطلبت أشهراً عديدة، وجرت من خلال الحكومة السويسرية. وقال: «أنا على اتصال مع النظام (الإيراني) من خلال السويسريين، وإيران تستخدم أخذ الرهائن كأداة لسياستها الخارجية».
وأضاف: «لا يزال لدينا في سجون إيران، اثنان من عائلة نامازي، ومراد طباز، وهو عالم مشهور بالحفاظ على البيئة، كان يحاول المساعدة في إنقاذ الأنواع من الانقراض (الفهود الإيرانية)، اعتقله الحرس الثوري وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، وقد دانت الأمم المتحدة الحكم».
وأكد الديبلوماسي الأميركي، أنه يود أن يلتقي شخصياً المسؤولين الإيرانيين، «لكن الديبلوماسية مع النظام لا تجري بشكل منتظم». وأضاف: «كان باب الديبلوماسية مع إيران مفتوحاً من جانبنا، ليس فقط لتبادل الرهائن، ولكن أيضاً في كل القضايا التي أفسدت علاقاتنا على مدى السنوات الـ41 الماضية». 
وتابع أن الرئيس دونالد ترامب «يحب مقابلة الإيرانيين، وقد التقى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ثلاث مرات».
وعن امكانية اندلاع مواجهة مسلحة مع طهران، شدد هوك على أن «إيران تعرف جيداً مخاطر التصعيد ضد هذا الرئيس (ترامب)، الذي واجه وكلاءهم وقضى على (قائد -فيلق القدس-السابق قاسم) سليماني، ويدرك النظام الإيراني أن أيام الإفلات من العقاب ولّت». 
وأضاف: «ربما عاشت إيران فترة من دون عقاب، ولكنها هذه الفترة انتهت، وما قمنا به تجاهها ليس له سابق خلال 41 عاماً في تاريخ الجمهورية الإسلامية». 
وفي سياق متصل، قال هوك إن «ألمانيا صنفت (حزب الله) على انه تنظيم إرهابي. وطيران ماهان أصبحت مدرجة على (قائمة) الحظر، ونحن مستمرون في تعبئة المجتمع الدولي لمواجهة القوة الإيرانية، وطهران لا تملك الأموال التي كانت تمتلكها لإنفاقها على عملياتها». 
وأكد هوك أن الولايات المتحدة احبطت «العديد من الهجمات الإرهابية في المنطقة وخارجها» ومصدرها إيران. وتابع: «كان هناك طموحات (في الولايات المتحدة) للذهاب في تحسين العلاقة مع إيران الى ما هو أبعد من الاتفاق النووي، لكن طهران فهمت ذلك على أنه ترخيص للتحرك بحرية في الشرق الأوسط، وتفاخر أحد جنرالاتها بأن بلاده تسيطر على أربع عواصم، اما الآن، إذا نظرنا الى الاحتجاجات في لبنان والعراق، وفي كل المحافظات الإيرانية الـ31، سنرى أن سياستنا تؤتي ثمارها».
وتحدث هوك عن الاقتصاد الإيراني، الذي قال إنه كان يواجه انكماشاً كبيراً حتى قبل بدء انتشار فيروس كورونا المستجد، ولفت الى أن «البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وضعا الاقتصاد الإيراني في المرتبة الثالثة لأسوأ اقتصاد في العالم بعد فنزويلا وليبيا». 
وأضاف الديبلوماسي الأميركي، ان «طهران كانت تعتمد على النفط لتمويل سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، وفي وقت قصير جدا، نجحنا في خفض صادراتها من 2.5 مليون برميل يومياً إلى 70 ألفاً».
وتابع أن وزير الخارجية مايك بومبيو أعطى الزعماء الإيرانيين خياراً، «إما الحضور إلى طاولة المفاوضات، وإما الاشراف على انهيار اقتصادي». وقال انه بسبب التعثر الاقتصادي الإيراني، «اضطر (حزب الله) لشن حملة جمع تبرعات للمرة الأولى في تاريخه، فإيران كانت تزود (حزب الله ) بنسبة 75 في المئة من إيراداته، واليوم تقول الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سورية إن إيران لا تملك المال الذي اعتادت على انفاقه، وأن الأيام الذهبية ولّت». 
لهذا السبب، يقول هوك، نرى «في العراق تراجعاً لشعبية إيران». وفي هذا السياق تأتي الاحتجاجات «في العراق وإيران ولبنان، ضد الفساد وغياب الشفافية، وضد النظام الذي يفضل الأيديولوجية على مصالح الناس». 
النموذج الإيراني، يؤكد هوك، هو اليوم «تحت الضغط».

الثلاثاء، 16 يونيو 2020

مسؤول أميركي لـ «الراي»: لا عقوبات على لبنان بل على أفراد وكيانات تبيّض الأموال وتموّل الإرهاب

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكد مصدر رفيع المستوى في الادارة الأميركية، أنه «لا توجد أي عقوبات أميركية على لبنان» أو على أي من المؤسسات الحكومية، وأن بعض العقوبات الأميركية مفروضة على عدد من الأفراد أو الكيانات، المتهمين بتبييض الأموال أو بتمويل الارهاب.
عدا عن ذلك، فان الولايات المتحدة لا تعاقب لبنان، بل تسعى دائماً لمساعدته، وهي من المتعهدين بتبرعات مالية له في حال التزامه إصلاحات اقتصادية من خلال «مؤتمر سيدر»، وهي من المانحين بشكل متواصل للقوات الأمنية، مثل الجيش والأمن العام والأمن الداخلي.
كما تنفق واشنطن على برامج اجتماعية، وتطوير قدرات، وتدريب مجتمع مدني، وتمويل جامعات ومنح تعليم، وتشكل الممول الأكبر لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، التي ينتشر أكثر من عشرة آلاف من جنودها في الجنوب اللبناني، بتكلفة سنوية تقارب نصف المليار دولار.
وتقوم «اليونيفيل» بحملات دعم اجتماعي، بما في ذلك توزيع مساعدات غذائية وطبية على اللبنانيين.
ويقول مسؤول أميركي لـ«الراي» إن «الحكومة الأميركية ترصد أموالاً تقارب ربع المليار دولار سنوياً لمساعدة لبنان بأشكال متعددة، منها مالية، عينية، ومباشرة، وغير مباشرة».
ويتابع أن الولايات المتحدة «لا تفرض عقوبات على دول وتقوم في الوقت نفسه برصد مساعدات سنوية مالية وعينية لها». ويعتبر أن «إلقاء اللوم في انهيار اقتصاد لبنان على عقوبات أميركية غير موجودة، هو من ضرب من الخيال والدعاية والتضليل».
ويضيف المسؤول الأميركي، أن الولايات المتحدة «لا تتدخل بالشأن الداخلي اللبناني، وليس لديها أزلام أو محاسيب، ولا تتعامل مع المسؤولين كأفراد، بل تتعامل مع بيروت بندية، من حكومة الى حكومة، وأنه بغض النظر عمن يترأس الجمهورية أو الحكومة أو المؤسسات الحكومية الاخرى، فان علاقة واشنطن ببيروت ومؤسساتها تبقى هي نفسها: «نحن نتوقع من دولة لبنان أن تحترم الاتفاقات الدولية المتعددة التي توقع عليها، ان لناحية مكافحة الارهاب وتمويله، او مكافحة تبييض الأموال، أو احترام حقوق الانسان».
وبالاجابة عن سؤال حول دور الولايات المتحدة في المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، يؤكد المسؤول أن «مشكلة لبنان الاقتصادية هي من صنع اللبنانيين انفسهم، خصوصاً منهم الذين يولون الحروب الاقليمية أولوية على النمو الاقتصادي».
ويتساءل: «هل رأيت المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال يتدفقون على دول منخرطة في حروب، او تعاني من عدم الاستقرار وانفلات الأمن»؟ ويجيب: «رأس المال يهرب من الحروب ويحب الاستقرار وحكم القانون، ولبنان، مثل ايران أو فنزويلا، تحكمه عصابات موازية للدولة، وهذا يحرم البلاد من الاستثمارات الخارجية».
ويشير المسؤول الى أن السياسة الخارجية الأميركية، تقليدياً، يندر أن عاقبت حكومة أي دولة على ضعفها، بل حاولت مساعدة الحكومات الضعيفة لتبني استقلالها وسيادتها. «خذ سياساتنا في العراق مثالا»، يقول المسؤول الاميركي، «نسعى منذ سنوات لدعم الحكومة العراقية لتقف على رجليها ضد الارهاب والسلاح خارج الدولة، وغالبية العراقيين صاروا يعرفون أين تكمن مصلحتهم، ومن يعمل عكس مصلحتهم ويحاول ربط بلادهم بالصراعات الإقليمية والدولية».
وكانت دراسة صادرة عن مجموعة من الجمهوريين الأميركيين، تبنّاها عدد من نواب الكونغرس، طالبت ادارة الرئيس دونالد ترامب بفرض عقوبات على حليفي «حزب الله»، رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية السابق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
على أن الدراسة تمثل رأي فئة جمهورية فحسب، ومن غير المرجح أن تتحول الى سياسة عامة تجاه لبنان. ويلفت المسؤول الى أنه، مع بعض الاستثناءات، غالباً ما تسير السياسة الخارجية وفقاً لاجماع الحزبين، على سبيل المثال العقوبات التي فرضتها واشنطن على «حزب الله» نهاية العام 2015، يوم كان الكونغرس بغالبية جمهورية في غرفتيه، ويوم كان الرئيس في البيت الأبيض ديموقراطياً، أي باراك أوباما، ووقع القانون الذي دخل حيز التنفيذ منذ ذلك الوقت.
ومثله «قانون قيصر» لمحاسبة نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته على «تجاوزاتها الرهيبة لحقوق الانسان»، فقد صدر القانون عن مجلس نواب تسيطر عليه غالبية ديموقراطية ووقعه رئيس جمهوري، أي دونالد ترامب.
وعلى عكس الاعتقاد السائد، تتطلب قرارات فرض العقوبات على حكومات أو كيانات أو أفراد الكثير من البحث والتمحيص داخل أروقة قرار الإدارة الأميركية. يقول المسؤول إن واشنطن لا تفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين في حال ثبت تورطهم في فساد، فهذا شأن داخلي. ولا تفرض عقوبات على مسؤولين لمجرد تحالفهم أو دعمهم حزب الله، بل أن أي عقوبات يمكن فرضها على مسؤولين يجب أن تستند الى إثباتات حول دعم مادي أو مالي يقوم به مسؤولون لبنانيون، للحزب، الذي تصنفه واشنطن «إرهابياً».
وقبل قرابة عقدين، قام سياسي لبناني، أثناء مشاركته في حفل إفطار، بتقديم تبرع مالي لمؤسسة تعود لرجل دين كانت واشنطن تصنفه ارهابياً. ورغم أن السياسي المذكور من خصوم «حزب الله» عموماً ومن «أصدقاء واشنطن»، الا أنه تعرض لعقوبات تلقائية، وتطلب وقفها عمل سياسي واداري واسع داخل واشنطن.
المعيار الأميركي لفرض عقوبات يستند الى مساعدات مادية، عينية أو مالية، يقدمها أي شخص لأي كيان أو فرد مصنف ارهابياً أو منخرط بتبييض الأموال. أما الحكومات، فلا يمكن تصنيفها «إرهابية» أو داعمة لتبييض الأموال، وهو ما يعني أن فرض عقوبات على حكومات يكون غالباً بسبب سياستها التي ترعى الارهاب أو تبييض الأموال، أو تهدد السلم الدولي، مثل قيام روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم الاوكرانية.
وعملية فرض العقوبات، عملية ادارية معقدة، وتتطلب مشاركة اربعة وزارات فيديرالية، هي العدل والخزانة والخارجية والدفاع، وموافقتها كلها بناء على قرائن وإثباتات مؤكدة.
يختم المسؤول الأميركي: «نحن نتمنى للبنان كل الخير والاستقرار والسلام والبحبوحة، ومشكلة اللبنانيين الاقتصادية لا ترتبط بنا، ولا عقوبات نفرضها على لبنان، بل مشكلة اللبنانيين هي سياسات حكامهم التي أبعدت المستثمرين والأموال عن البلاد، ونتمنى أن يدركوا خطأهم ويعملوا على إصلاحه».

عندما أدرك السوريون أنهم بشر

حسين عبدالحسين - الحرة


كتبت زميلة سورية مقيمة في لبنان عن تجربتها المريرة مع المديرية العامة للأمن العام، أي السلطة اللبنانية المسؤولة عن إصدار الإقامات لغير اللبنانيين، وعبّرت ببراعة عن المأزق الذي تعيشه بين سلطة سورية لا تمثلها، وسلطة لبنانية تعاملها وتعامل كل السوريين في لبنان بازدراء وكراهية.
لم تبد لي تجربتها قاسية بما فيه الكفاية، ولكنها ذكرتني بعقود خلت أمضيتها في زيارات سنوية إلى الأمن العام اللبناني، حتى أني أذكر المقرّات التي بدّلها، منذ زمن الحرب الأهلية يوم كان في وطى المصيطبة، ثم بعد انتقاله إلى سبيرز، وأخيرا إلى العدلية.
الدول العربية الشقيقة تكره بعضها البعض، وأكثر ما تكرهه هو أن يحمل مواطنوها جنسيتين عربيتين، وأنا من القلة القليلة من مزدوجي الجنسية العربية. لبنان لا يمانع الازدواج، لكن عراق صدام حسين يرفضه ويلاحق المزدوجين، بل يصادر أملاكهم في العراق ويلاحق أقاربهم، وهو ما أجبرني على العيش وكأني عراقي مقيم في لبنان بحاجة لإقامة سنوية، وهو ما كان يتطلب المرور في دوائر دولتين، العراقية الصدامية المرعبة، ثم اللبنانية الفاسدة المزدرية لغير اللبنانيين.
وفي العام 1993، قتل الديبلوماسيون العراقيون في بيروت، وهم عادة من بعثيي الاستخبارات، المعارض الطاعن في السن طالب السهيل. الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم ينس معارضيه يوما، وسعى لقتلهم، ولو في الصين. بعد الاغتيال، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين بغداد وبيروت، فكان خياري الوحيد زيارة عمان لتجديد جوازي العراقي الذي كانت صلاحيته قاربت الانتهاء. ويتذكر عراقيو ذاك الزمان أن الأردن كان البلد الوحيد الذي يسمح بزيارة العراقيين بدون تأشيرة.
وصلت عمان بالطائرة لأن مرور العراقيين، ممن لم ينشطوا في المعارضة العراقية، كان محظورا عبر سوريا الشقيقة، وتوجهت من المطار إلى السفارة العراقية، التي كان بابها المستوحى من حضارة الرافدين، مقفلا، وكان إلى جانبه بابا أصغر وشباكا صغيرا جدا. قرعت الشباك بدقات لم أسمعها لأن صوت دقات قلبي كان أعلى بكثير، فأطل موظف بشاربين بعثيين وعبسة مخابراتية، وقال لي وكأنه سبق أن قتلت له أمه وأبيه وكل عشيرته: "ها؟ شتريد؟" شعرت بالأمان لأن الاحتقار كان يعني أن الأمور عادية. لو عثر الموظف على أي ما يدينني، لكان عاملني بلطف شديد، والعراقيون كان أكثر ما يخيفهم هو أن يقول لهم موظف الأمن "تفضل أخي منّا (من هنا)". اللطافة كانت تعني النهاية.
استجمعت كل ما كنت أعرفه من لهجتي العراقية الرثة، وأخبرته أني بحاجة لتجديد جوازي المتبقي على صلاحيته أيام. بدون أن ينظر إلي، سألني سلسلة من الأسئلة عن الوثائق المطلوبة، وكنت أعددتها كلها؛ هوية الأحوال الشخصية، شهادة الجنسية، هوية وشهادة والدي، وثيقة وفاة جدي، كل ما من شأنه أن يثبت أني عراقي عثماني، لا إيراني، التابعية.
ثم سأل عن بطاقة الحصة التموينية، وهذه كانت متعذرة على المغتربين في بيروت من أمثالي. لم أكد أجيب بالنفي حتى أقفل النافذة الحديدية. قرعت مجددا بخوف أكبر، لم يفتح، فمشيت، بدون وجهة. ثم جلست على الرصيف. أياما قليلة وأتحول إلى إنسان بدون وثائق، مثل أي خاروف أو حمار أو عنزة. هكذا كنت وكان العراقيون: نستجدي أوراقا ثبوتية حتى ننتسب لجمهورية صدام، وهي جمهورية لم تعترف بها حكومات كثيرة أصلا.
لكني كنت من المحظيين. دارت الاتصالات، وعثرنا على رجل أعمال عراقي كبير كان يقيم في عمّان، وكان من أصدقاء الطفولة لوالدي. خابرته ولم أكن التقيته في حياتي، ولم يتوقف عن الصراخ: "حسونة ابني، ابن أخوية، حبيبي". قاد سيارته إليّ شخصيا، واستضافني، وأصر على جلوسي بجانبه، وعلى صب "التمن (الأرز) والمرق في ماعوني (صحني)" بيديه، فيما كان كل من يحيطوننا ينادونه شيخ، ويقبلون كتفيه. اتصل بالسفارة وسهّل الأمور.
على الرغم من واسطتي الضخمة، كنت خائفا، وكنت صائبا، فالقائم بالأعمال، الذي أظهر كل الود، لم يتوقف عن محاولة الإيقاع بي. قال لي ونحن في منتصف حديث ضاحك، أنه سيجدد جوازي، وأن إقامتي في لبنان مضمونة لأني لبناني أيضا. استوقفته وحادثته بجدية، وقلت له أنه لو حاولت كل دول العالم منحي جوازها، لرفضت لأني أتمسك بجوازي العراقي وبولائي لأبي عدّاي، أي صدام. طبعا كنت أكذب. كنت لبنانيا أيضا، وكنت أكره الطاغية الدموي صدام، ولكن على قول المثل "إن كان لك عند الكلب حاجة، قل له يا سيدي".
أما أنظمة العسس الاستخباراتي، من صدام إلى خامنئي والأسد فنصرالله، فالعيش في ظلها ذلّ، مهزومة كانت أم منتصرة
وكما في عمّان، كذلك في بيروت، أتقنت أساليب مراضاة موظفي الأمن. القاعدة الأساس هي إقناع رجل الأمن العام اللبناني، كما أي رجل أمن عربي، أنه أهم منك بكثير، وأنك درويش تكاد تكون أهبلا، وأن تسعى للاستجداء، وأن تستغني عن المنطق وتنفذ ما يقوله. لا أدري من أي يعثرون على رجال الأمن هؤلاء، لكن عقد النقص لديهم تجاه الآخرين غالبا ما تكون بحجم السلطة التي يتمتعون بها. كلما ارتقوا في السلطة، كلما زادت عقدهم وأحقادهم ضد مواطنيهم. في كل يوم عشته في العراق ولبنان، شعرت بالمذلة، على الرغم من انتصاراتي كعراقي على إيران في قادسية صدام، وعلى أميركا في أم المعارك، وعلى الرغم من انتصاراتي الإلهية المتواصلة كلبناني على إسرائيل، كلها تذوي ساعة تجد نفسك مجبرا على التعاطي مع رجال الأمن.
يوم راحت أميركا لتطيح بصدام، هللت، فوبخني لبنانيون وسوريون وفلسطينيون لأني تخليت عن القضية. ويوم دعمت أميركا وفرنسا استقلال لبنان عن الرئيس السوري بشار الأسد، هللت، ووبخني سوريون وفلسطينيون لأني خائن. ويوم انتفض السوريون على الأسد، هللت، ووبخني فلسطينيون لأن إيران والأسد وحسن نصرالله سيستعيدون القدس.
أدرك السوريون، كما أدرك قبلهم الكويتيون والعراقيون واللبنانيون، أن الأمة كذبة، وأن انتصارات الأمة كذبة أكبر، وعرفوا أنهم بشر، وأن الشعب ليس قبيلة واحدة متجانسة بل أفراد أصحاب آراء متباينة، وأن الانتصارات الوطنية هي انتصارات لحقوق الأفراد، ولعيشهم في حرية واحترام، كما في صراخ ذاك المسن السوري: "أنا إنسان مو حيوان، وهالناس كلها متلي". أما أنظمة العسس الاستخباراتي، من صدام إلى خامنئي والأسد فنصرالله، فالعيش في ظلها ذلّ، مهزومة كانت أم منتصرة.

السبت، 13 يونيو 2020

الجمهوريون «يبتعدون» عن ترامب ويحبسون أنفاسهم حتى صدور كتاب بولتون

واشنطن - من حسين عبدالحسين

التغيير في الولايات المتحدة يجري على نطاق أوسع وأعمق بكثير مما يقدمه الإعلام الأميركي أو تتصوره بقية العالم.
كل موقع، وكل شركة، وكل مؤسسة، أصدرت بيانات تشرح فيها الإجراءات التي باشرت باتخاذها لمناصرة السود ومكافحة التمييز.
تفتح موقع «نتفلكس»، تظهر صفحة تعلن أن الموقع أعدّ سلسلة من الأفلام الوثائقية وغير الوثائقية التي تشرح معاناة الأميركيين من أصول أفريقية. تطلب مأكولات من خدمة التوصيل الى المنازل، يصل مع الأكل بياناً مطبوع يشرح فيه المطعم الخطوات التي اتخذها لزيادة عدد العاملين السود فيه، ولزيادة رواتبهم ومساواتها بنظرائهم من الأعراق الأخرى، والأهم، منحهم يوم الانتخابات عطلة مدفوعة الأجر. هكذا، يدرك رأس المال الأميركي فداحة الموقف والتغيير الجذري والواسع في المزاج العام الذي يطول الولايات المتحدة بعد مقتل الأسود جورج فلويد على أيدي الشرطي الأبيض ديريك شوفين في ولاية مينيسوتا الشمالية. حتى أعتى مؤسسات البيض المؤيدة للجمهورين، مثل «جمعية سباق السيارات» المعروفة باسم «ناسكار»، أصدرت سلسلة من القرارات كان أهمها منع رفع أي من الجمهور اعلام الكونفيديرالية الأميركية، الدولة الجنوبية التي أعلنت انشقاقها منتصف القرن التاسع عشر لرفضها تحرير العبيد، فأشعلت حرباً أهلية ضد الشمال الذي فاز في الحرب وحرر العبيد، وأعاد توحيد البلاد.
لكن بعض البيض لايزال يرفع أعلام الكونفيديرالية الجنوبية، وهو ما يزعج السود لأنه يمثل الدولة التي رفضت انهاء العبودية.
التغيير الواسع طال معاقل الجمهوريين ووصل الكونغرس، فأعلنت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، ذي الغالبية الجمهورية، بدء تغيير اسماء عشرة قواعد عسكرية تحمل اسم جنرالات ومسؤولين راحلين من كونفيديرالية الجنوب. وفي مجلس النواب، انضم زعيم الأقلية الجمهورية كيفين ماكارثي الى الغالبية الديموقراطية وأعلن تأييد كتلته وحزبه لقوانين إصلاح الشرطة والعدالة من أجل الأميركيين من أصول أفريقية.
وحده ترامب بقي عصياً على التغيير الذي يجتاح البلاد، اما من دون علم، واما بعلم ولكن لاعتقاده أن قوته الانتخابية تكمن في الصورة التي رسمها عن نفسه كحامي البيض من التغيير ومن أي تعديلات لمصلحة الأقليات. هكذا رفض اقتراح تغيير اسماء القواعد العسكرية، قبل أن يقول المشرعون الجمهوريون في الكونغرس كلمتهم. مع ذلك، افترق جمهوريو الكونغرس عن رئيسهم، وأعلنوا بدء تشريع لفرض تغيير هذه الأسماء.
و«ناسكار» وجمهوريو الكونغرس لم يكونوا وحدهم ممن تركوا ترامب، اذ رصد المتابعون تغييراً واسعاً في صفوف القاعدة الجمهورية، فعلى مواقع التواصل الاجتماعي، برزت موجة من اليمين المحافظ المطالبة بإصلاح الشرطة وانصاف السود، فيما أظهرت استطلاعات الرأي تأييداً واسعاً لدى البيض لعملية تعزيز المساواة مع السود.
أما ترامب، فراح يتمسك بشعارات رفعها متطرفو الحزب الديموقراطي، وعارضها قادة الحزب بكل أطيافهم، من رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي والمرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن، الى المرشح السابق للرئاسة السناتور الذي يتمتع بنفوذ لدى اقصى يسار الحزب بيرني ساندرز.
الديموقراطيون عارضوا الدعوات لحجب التمويل عن أجهزة الشرطة أو تفكيكها، لكن ترامب تمسك بالشعار لتفنيده، وراح يتهم الديموقراطيين، في تغريدات، بأنهم يريدون تفكيك الشرطة حتى تعم الجريمة، وأنه الوحيد الذي سيمنع ذلك.
على الرغم من محاولاته، لم يلاق تحريض ترامب ضد الديموقراطيين صدى واسع، بل إن الرئيس عانى من بعض التهكم بعدما أعلن منظمو خطاباته الانتخابية الحاشدة، التي ينوي استئنافها هذا الأسبوع، أن حملته ستجبر مناصريه على توقيع وثيقة اعفاء مسؤولية في حال إصابتهم بفيروس كورونا المستجد أثناء مشاركتهم.
وكان ترامب أجبر الحزب الجمهوري على نقل المؤتمر الحزبي العام لترشيحه لولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، من ولاية جورجيا إلى ولاية فلوريدا، بعدما اشتبك مع مسؤولي جورجيا، الديموقراطيين، حول امكانية السماح للمشاركين في المؤتمر بمشاركتهم من دون كمامات طبية للوقاية من مخاطر انتقال فيروس كورونا.
وفلوريدا يديرها جمهوريون، وكان ترامب أعلنها ولاية إقامته بعدما نقل إقامته إدارياً من نيويورك، بعدما باشر مسؤولو نيويورك الديموقراطيون في التحري عن بياناته الضريبية.
وفلوريدا هي من الولايات المتأرجحة دائماً، والتي يتسابق الحزبان على الفوز بها في الانتخابات الرئاسية كمفتاح وصول مرشحيهما إلى البيت الأبيض. ويأمل ترامب أنه، بعدما أعلنها ولايته، أن يساهم ذلك في فوزه فيها، لكن استطلاعات الرأي تشير الى تأخره عن منافسه بايدن في الولاية بنقطتين ونصف نقطة مئوية.
والى تأخره في فلوريدا، يعاني الرئيس تفوق بايدن عليه في ويسكونسن وميشيغن، اللتين فاز بهما ترامب في العام 2016 بأقل من نقطة مئوية واحدة، وساهمتا في تتويجه رئيساً. لكن هذه المرة، يتأخر ترامب في ويسكونسن وميشيغن بأكثر من ست نقاط مئوية في كل منهما، وهو فارق شاسع، ان استمر، يعني استحالة فوز ترامب بولاية ثانية.
في جورجيا وتكساس، يكتب الخبير جيفري سكيلي على موقف «فايف ثيرتي آيت» المتخصص، «لا يزال ترامب في الصدارة بفارق نقطة واحدة ونقطتين على التوالي، وهذا هامش ليس كما يفترض أن يتوقع المرء لترامب، خصوصاً إذا ما اخذنا في الاعتبار، أنه فاز بجورجيا بخمس نقاط وتكساس بتسع في 2016».
ويضيف سكيلي: «إذا صار ثلاثي الولايات متأرجحاً وسط احتمال أن تميل أريزونا إلى الديمقراطيين، سيعطي ذلك بايدن العديد من المسارات الإضافية لتخطي عتبة الـ270 صوتاً» المطلوبة في الكلية الانتخابية للفوز بالرئاسة.
وزاد في مصاعب ترامب الجمهورية، قبل ذهاب واشنطن الى عطلة نهاية الأسبوع، البيان الذي أصدرته دار نشر «سايمون اند شوستر» وقدمت فيه مقتطفات من كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، الذي سيصدر في 23 يونيو الجاري بعنوان عنوان «ذا رووم وير إت هابند: وايت هاوس ميموار» (الغرفة التي حدث فيها ذلك: مذكرات البيت الأبيض)، قال فيها إن «مجلس النواب في الكونغرس ارتكب خطأ بالسعي لمحاكمة ترامب بالتركيز بشكل ضيق على أوكرانيا، فيما تجاوزات ترامب في الواقع تشمل النطاق الكامل لسياسته الخارجية».
وحذر ترامب مطلع العام الحالي، بولتون من نشر الكتاب طالما أنه موجود في البيت الأبيض، بينما أكد محامو الرئيس أن أجزاء كبيرة من المعلومات الواردة في كتاب المذكرات سرية.
لكن دار النشر في بيان وزع على الصحافيين في إطار حملتها للترويج للكتاب «هذا هو الكتاب الذي لا يريدك دونالد ترامب أن تقرأه».
وفي تحدٍ للبيت الأبيض يقول بولتون في الكتاب «أشعر أنني تحت ضغط كبير يتمثل بضرورة ذكر قرار واحد مهم اتخذه ترامب خلال فترة عملي لم يكن مدفوعا بحسابات إعادة انتخابه».
وكان صانع السياسات الجمهوري المحافظ المتشدد، استقال من منصبه في سبتمبر الماضي بعد خلافات مع الرئيس الأميركي، خصوصاً حول كوريا الشمالية وحركة «طالبان» في أفغانستان.

الخميس، 11 يونيو 2020

سياسة بايدن تجاه إيران... مرشحاً و«رئيساً» ... وعود الحملات تمحوها تفاصيل الواقع

حسين عبدالحسين
جريدة الراي

بعد أيام من إعلان الرئيس دونالد ترامب، انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، في مايو العام 2018، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية أحادية على طهران، تواصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع جون كيري حول أفضل الخيارات المتاحة، فما كان من وزير الخارجية الأميركي السابق، الّا أن نصح صديقه الإيراني بانتظار خروج ترامب من البيت الأبيض في يناير 2021، حتى يقوم خليفة ترامب، الديموقراطي بالعودة إلى ما قبل الانسحاب الأميركي، ورفع العقوبات.
الخبراء الأميركيون يعتقدون أن طهران التزمت نصيحة كيري إلى حد بعيد، وراهنت على منافسيه الديموقراطيين. لم يكن نائب رئيس السابق جو بايدن، خيار إيران الأول، بل كان منافسه السناتور بيرني ساندرز، الذي قاد حملته الانتخابية أكثر الأميركيين حماسة للانفتاح على النظام الإيراني من دون شروط، من أمثال مدير الحملة عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا رو خانا ومستشارها لشؤون السياسة الخارجية مات دس.
لكن ساندرز لم يفز، بل اقتنص بايدن ترشيح الديموقراطيين. وفيما يعتقد البعض أن سياسة بايدن الخارجية ستكون، حتماً، تتمة لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما، إلّا أن الأمور أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. فبايدن، الذي أمضى عقوداً في مجلس الشيوخ وترأس لجنة الشؤون الخارجية فيه، كان أقرب إلى الوسط سياسياً منه إلى اليسار، الذي كان أوباما ينتمي إليه.
وبعدما دخل الرجلان البيت الأبيض، سلّم أوباما، بايدن ملف السياسة الخارجية، ولكن تنفيذياً فقط، فأوباما كان الرئيس، وكان تالياً صاحب الكلمة العليا، وبايدن وضع رأيه جانباً، ونفّذ رؤية رئيسه بأمانة.
هذا يعني أنه لو أصبح بايدن رئيساً، بدلاً من ترامب، فإن حظوظ عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية ورفعها العقوبات عن إيران لن يكون أمراً محسوماً، خصوصاً في حال أدت الانتخابات إلى فوز الديموقراطيين بغالبية مجلس الشيوخ. فالمجموعة الديموقراطية من الشيوخ يترأسها السناتور عن ولاية نيويورك تشاك شومر، وهو أبدى معارضة شرسة لتوقيع الاتفاقية النووية أصلاً، في 2015، ما دفع لمواجهته رئيس حزبه، وهي من المرات القليلة التي تحصل فيها هذه المواقف.
أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، فصحيح أنها تأتي من مقاطعة انتخابية ذات وزن إيراني - أميركي، وهو ما يدفعها إلى رفع الصوت ضد انسحاب ترامب من الاتفاقية وضد قتله قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، إلّا أن بيلوسي تتخذ مواقف من هذا النوع في إطار المواجهات السياسية ضد خصومها الجمهوريين... لكن لو كان الرئيس الذي انسحب من الاتفاقية، ديموقراطياً، لالتزمت بيلوسي الصمت في الغالب.
أما الشخصيات التي ستقوم بأدوار محورية في المساهمة في رسم سياسة بايدن تجاه إيران، فيتصدرها وكيل وزارة الخارجية السابق بيل بيرنز، والمقرب من وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والذي عمل بعد خروجها من الوزارة مستشاراً للأمن القومي لبايدن، وهو جايك سوليفان.
وسوليفان كان مستشار السياسة الخارجية في حملة كلينتون أثناء ترشحها عن الحزب الديموقراطي ضد ترامب، في 2016، وهو اليوم يلعب الدور نفسه داخل حملة بايدن. والاثنان، بيرنز وسوليفان، هما من مصممي ومفاوضي الاتفاقية مع إيران.
ومنذ خروج الديموقراطيين من البيت الأبيض، بدت مواقف سوليفان تجاه إيران وكأنها مبنية على نكايات سياسية فحسب، لا استراتيجية معينة، أي أنه على غرار بقية الديموقراطيين المعارضين للحكم، يتبنى سوليفان مواقف معاكسة لمواقف ترامب والجمهوريين أياً تكن هذه المواقف.
هكذا، عندما أعلن ترامب انسحابه من الاتفاقية النووية، شكك سوليفان بقدرة واشنطن على فرض عقوبات اقتصادية موجعة لوحدها، ومن دون مشاركة حلفائها أو دول العالم الأخرى. وكتب في مجلة «اتلانتيك» أن «العقوبات تكون أكثر فاعلية عندما يتعاون العالم بنشاط مع الولايات المتحدة للضغط على إيران، وأقل فعالية بكثير عندما يتعاون العالم بنشاط مع إيران لإحباط الولايات المتحدة من خلال البحث عن الحلول لالتفاف على العقوبات».
إلّا أن سوليفان ناقض نفسه في الثاني عشر من مايو الماضي، وقال في ندوة عبر الانترنت إن «انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية الدولية وإعادة فرض العقوبات على طهران، أثبت قوة الدولار والنظام المالي الأميركي، وأظهر أنه كان كافياً لفرض خفض إنتاج النفط الإيراني».
تكرر خطأ توقعات سوليفان في الشأن الإيراني بعد اغتيال سليماني، مطلع هذا العام، إذ - ككل الديموقراطيين - حذّر من عواقب مقتل سليماني، وكتب مقالة وقّعها وبيرنز في«اتلانتيك»، توقعا فيها ردة فعل إيرانية «ستكلف الولايات المتحدة أكثر بكثير من تكلفة مقتل سليماني إيران».
ورأى المسؤولان السابقان أن «في وفاته، قد ينفّذ سليماني فعله النهائي للانتقام من الولايات المتحدة».
وكما توقعاته الفاشلة حول عدم قدرة أميركا وحدها على فرض حصار على إيران، تبيّن أن توقعات سوليفان وبيرنز حول ردّ فعل طهران على مقتل سليماني فاشلة كذلك، إذ اقتصر الرد الإيراني على إطلاق صواريخ على قاعدة عين الأسد في العراق، لم تؤد إلّا إلى ارتجاجات في الدماغ لدى عشرات العسكريين الأميركيين والعراقيين.
هذا يعني أننا أمام سؤال: كيف سيتصرف سوليفان تجاه إيران، في حال فوز بايدن بالرئاسة، وتبوؤيه منصباً رفيع المستوى في السياسة الخارجية؟
قبل مقتل سليماني بأشهر قليلة، أي في أكتوبر 2019، كتب سوليفان وبيرنز مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز»، جاء فيها:«سيكون على الإيرانيين أن يصبحوا أكثر واقعية، إذ من غير المعقول الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستقدم تخفيفاً كبيراً للعقوبات من دون تأكيدات أن طهران ستبدأ على الفور بمفاوضات بشأن اتفاقية إضافية تمدد على الأقل أوقات انتهاء صلاحية الاتفاقية الأولى، وتعالج قضايا التفتيش والصواريخ البالستية العابرة للقارات».
وأضاف سوليفان وبيرنز: «عرف الإيرانيون منذ المحادثات السرية (في سلطنة عمان) أننا رأينا الاتفاقية كعملية تتطلب تحديثاً وتطويراً، بما في ذلك ضبط الأسلحة الأخرى، فكانت الاتفاقية النووية الحجرالأساس لمزيد من المفاوضات، وكان القصد من الاتفاق النووي أن يكون بداية، وليس نهاية، للديبلوماسية مع إيران».
وختم الرجلان: «إذا طلبتم منا اقتراح مسار للديبلوماسية مع إيران، فإننا نقترح عدم البدء من حيث نحن اليوم، لكننا نحن حيث نحن، ونعلم إلى أين نتجه... ويجب أن نغتنم فرصة الديبلوماسية».
ليس محسوماً أن بايدن سيعود على الفور إلى الاتفاقية النووية في حال فوزه بالرئاسة، فوعود الحملات الانتخابية تمحوها تفاصيل الواقع، وهو ما حدث تماماً لأوباما الذي أصرّ على أنه سيسحب القوات الأميركية من العراق في ستة أشهر من تسلمه الرئاسة مطلع 2009... ولم تنسحب هذه القوات حتى نهاية 2011، وهو ما يشي بأن ما سيفعله بايدن لن يكون عكس سياسة ترامب تجاه إيران، بل سيبني عليها.

الأربعاء، 10 يونيو 2020

هل تصبح علاقة بغداد بطهران «ندّية» ... بدلاً من «ولائية» عابرة للحدود؟

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بدأت أمس الجولة الأولى من الحوار الإستراتيجي بين واشنطن وبغداد، عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة وعلى مستوى وكيلي ومساعدي وزيري خارجية البلدين، بمشاركة سفراء وخبراء. وفيما كان متوقعاً أن تكون النقطة الأكثر سخونة متعلقة بمستقبل وجود القوات الأميركية في العراق، بدا أن الأولوية للحوار ترتبط بتكريس سيادة حكومة العراق وقواتها المسلحة، ودمج ميليشيا «الحشد الشعبي» فعلياً ورسمياً في صفوف القوات المسلحة.
وظهر «الحشد» للمرة الأولى استجابة لفتوى المرجعية الشيعية العليا، بوجوب «الجهاد الكفائي» في وجه تنظيم «داعش» الإرهابي، وحاز شرعية قانونية بإصدار الحكومات المتعاقبة مراسيم جعلته تابعاً لرئيس الحكومة ومرتبطاً بوزارة الداخلية، التي تسدد مرتبات مقاتليه.
وساعد وجود الرئيس السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، وإصراره على التقارب مع ايران، في التقارب بين التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة للقضاء على «داعش»، والميليشيات المسلحة بقيادة أبو مهدي المهندس.
وبعد القضاء على «داعش»، سعت طهران إلى تحويل «الحشد» إلى تنظيم شبيه لـ«الحرس الثوري» و«حزب الله» اللبناني، أي إلى تنظيم عسكري وسياسي واجتماعي موالٍ للمرشد الأعلى علي خامنئي، من دون أن يكون تحت سلطة الحكومة المنتخبة. 
لكن تكرار تجربة الحرس والحزب، في العراق تعثرت. ويبدو أن الحوار العراقي - الأميركي يتباحث في كيفية إنهائها لتعزيز سيادة الحكومة العراقية، ثم النقاش في تعزيز العلاقات الثنائية الندية والقوية.
ورصدت الدوائر المتابعة في العاصمة الأميركية مواقف عراقية متعددة، منها لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ومنها مرسوم اشتراعي صادر عنه مطلع يونيو الجاري، حول «الحشد». تبع ذلك مذكرة مبنية على المرسوم وصادرة عن رئيس «الحشد» فالح الفياض. وفي مواقف الرجلين ما يشي بإصلاحات وتغييرات قادمة لطبيعة ودور «الحشد». 
الكاظمي قال في خطاب قسمه اليمين، أنه يصر على حصر السلاح بأيدي الدولة، وأنه عازم على استصدار قانون نيابي لتنظيم أوضاع الأحزاب يحظر فيه الولاء لأي جهات في الخارج.
وموضوع الولاء كان أدى لانشقاقات داخل «الحشد» مع انسحاب مجموعات «العتبات المقدسة». وترافق ذلك مع تصريح لحميد الياسري، المقرّب من المرجعية الدينية، قال فيه إن «من يوالي غير وطنه لا دين له»، وهو ما اعتبره كثيرون هجوماً مبطناً على مجموعات «الحشد» المسماة «الألوية الولائية»، التي تدين بالولاء لـ«الولي الفقيه». 
مقتل المهندس وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في غارة أميركية في بغداد أوائل يناير الماضي، قضى على «العقل المدبر» لـ«الحشد»، وسحب المرجعية مباركتها أضعفته شعبياً، ووصول رئيس حكومة، ليس من تابعي إيران في العراق، قلل من نفوذه في الدولة. 
كلها تطورات أجبرت «الحشد» على التراجع، فأصدر الفياض، مطلع الشهر الجاري، مذكرة حول تدابير جديدة، أبرز ما فيها تخلي الميليشيات عن أسمائها الأصلية، مثل «النجباء» و«كتائب حزب الله العراق» وغيرها، والتزامها بأرقام ألوية. 
كما أشار الفياض إلى تنظيمات تطول الوضع الوظيفي للمقاتلين، وسلم مرتباتهم، ومستحقاتهم الاجتماعية والتقاعدية، وأمر باغلاق مكاتب الميليشيا داخل المدن، وعدم قيامها بأعمال اجتماعية غير المشاركة في مؤازرة القوات الأمنية في القتال.
وكانت ميليشيا «الحشد»، على غرار «حزب الله» اللبناني، أقامت مؤسسات اجتماعية تابعة لها، من مدارس ومستوصفات طبية، وهيئات تعبئة حزبية واجتماعية وعقائدية وإعلامية. وفي الآونة الأخيرة، دأبت على «تعفير» المناطق، أي تعقيمها من فيروس كورونا المستجد، وتوزيع إغاثة غذائية على المحاصرين بسبب الحجر الصحي، وكلها نشاطات من المتوقع أن تحظرها الحكومة وتنيطها بمؤسسات الدولة المتخصصة.
على أن الخبراء لفتوا إلى عدد من الأمور المتعلقة بـ«الحشد» التي لا تزال بحاجة الى ضبط. وكتب الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مايكل نايتس، بالاشتراك مع الباحث في لندن حمدي مالك، أنه يمكن لايران استخدام «انتشار قوات الحشد الشعبي في المدن لتخويف الحكومة عن طريق نشر وحدات تكتيكية في مواقع حساسة (على سبيل المثال، بجوار مكتب رئيس الحكومة، أو حتى داخل مجمع القصر الجمهوري، حيث تنعقد الاجتماعات الحكومية)».
المشكلة الثانية تكمن في غياب تحديد كيفية محاكمة مسؤولي ومقاتلي «الحشد»، ففي العراق محاكم عسكرية متخصصة بمحاكمة أي من منتسبي الأجهزة الأمنية الحكومية، إلا أن هذه الصفة لا تنطبق على مقاتلي «الحشد»، المدنيين من الناحية القانونية. 
في لبنان، لدى «حزب الله» محاكمه الحزبية التي تعمل خارج المحاكم المدنية والعسكرية، وهو نموذج حاول سليماني تكراره في العراق بإقامة عدالة خاصة للميليشيا بعيداً عن القانون العراقي، ما أدى إلى تأسيس «قسم الأمن» في «الحشد»، وهو آلية تأديبية، يرأسها حاليا حسين فلاح اللامي، المعروف بلقب أبو زينب اللامي، وهو عضو في «كتائب حزب الله».
ويرى الخبيران أن غياب هذا الموضوع عن مذكرة الفياض يشي بأن «الحشد» عازم على «عدم الخضوع لأي سلطة قضائية أو أمنية خارج صفوفه»، وهي مشكلة ستتطلب معالجة من قبل الحكومة، في الوقت الذي تجدد فيه بغداد إطار علاقتها بالولايات المتحدة، وبجنودها المنتشرين على أراضيها، وبعلاقة هؤلاء بالحكومة العراقية، والحصانة الديبلوماسية التي يتمتعون بها. 
الحوار الإستراتيجي معقد وطويل، وسيشمل جوانب متعددة، عسكرية واقتصادية وأمنية. ومن المرجح أن تجدد فيه واشنطن رهانها على بغداد كحليفة رئيسة في المنطقة، في وقت سيشدد العراقيون على أهمية تحييد العراق عن الصراع الأميركي - الإيراني، وهو مطلب تم تداوله في أروقة السياسة الأميركية، وتردد أنه يتمتع بموافقة من أعلى مراكز القرار. 
أما إيران، فأمامها خيار تحويل علاقتها مع العراق إلى ندية والى صداقة جيدة وجوار بين بغداد وطهران، على مستوى الحكومتين، بدلا من العلاقة الحالية القائمة بين «الحرس» و «الحشد»، والولاء العراقي العابر للحدود تجاه خامنئي.

الثلاثاء، 9 يونيو 2020

واشنطن تترقب موجة تغيير شعبية انتخابية قادمة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

لا يعرف السياسيون الأميركيون حجم التغيير الذي أطلقه مقتل المواطن الأسود جورج فلويد على أيدي الشرطي الأبيض ديريك شوفين. لكن السياسيين، من الحزبين، يعلمون على وجه اليقين أن التغيير في صناديق الاقتراع قادم، وأن عليهم التحسب له، ومحاولة مماشاته، وركوب الموجة الشعبية التي أطلقها.
حتى الرئيس دونالد ترامب، الذي قلّما يتراجع في مواقفه، بدا مربكاً بعدما أظهر أحدث استطلاعات الرأي الذي أجرته شبكة «سي أن أن» انخفاض شعبيته إلى ما دون أربعين في المئة، وحاول تبرير ذلك بالقول إنه قام بتوظيف شركة متخصصة بالاستطلاعات، أبلغته أن الاستطلاع تشوبه مشكلة معروفة بـ«كبح أصوات» الجمهوريين. 
واتهم ترامب، الديموقراطيين بنشر نتائج من هذا النوع لإحباط عزيمة الناخبين الجمهوريين والإيحاء لهم بأن الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل محسومة ضدهم، ما يدفعهم إلى البقاء في المنازل وعدم الخروج للتصويت.
وقال ترامب في تغريدة إنه «على الرغم من ثلاث سنوات ونصف السنة من صيد الساحرات»، وهو الاسم الذي أطلقه على التحقيقات في تورط حملته مع جهات حكومية روسية للتأثير في مسار انتخابات العام 2016، «إلا أننا نفوز، وسننهي الموضوع في 3 نوفمبر». 
وفي بيان أصدرته شركة «ماكلوفلين وشركائه» التي وظفها ترامب، ذكرت أن «الاستطلاعات الإعلامية الأخيرة منحرفة بشكل مقصود، إذ من الواضح أن شبكات أن بي سي وأي بي سي وسي أن أن، يعمل فيها ناشطون ديموقراطيون من أمثال تشاك تود وجورج ستيفانوبولوس وغيرهم من الديموقراطيين ممن يشرفون على العمليات الإخبارية، ويحرضون على إجراء استطلاعات رأي يكون الجمهوريون فيها أقل تمثيلاً بين المستفتين، وهو ما يؤدي إلى نتائج متحيزة».
وأضاف البيان أن من المستفتين، شكل الديموقراطيون 32 في المئة، فيما شكل الجمهوريون 25 في المئة فقط. 
ويظهر الاستطلاع أن 44 في المئة من المستفتين عرّفوا عن أنفسهم كمستقلين لا ينتمون إلى أي من الحزبين، وهو ما يعني «أن التحيز إستراتيجية مقصودة لقمع تصويت الجمهوريين في نوفمبر، وأن الأوان قد فات لإلحاق الهزيمة (بالمرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق) جو بايدن، وأنه فات الأوان كذلك لفوز الرئيس ترامب». 
ومضت الشركة التي استأجر ترامب خدماتها في اجتهاداتها السياسية الخارجة عن خبرتها في عالم الأرقام، فحاولت النيل من مصداقية الاستطلاع، بالإشارة إلى أنه جرى قبل يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي صدرت فيه بيانات وزارة العمل التي أظهرت أن الاقتصاد الأميركي أضاف مليونين ونصف المليون وظيفة في مايو. «يبدو أن استطلاع سي أن أن منحاز في كل من تصميم العينة، والاستبيان، وذلك بهدف تصنيع نتيجة مناهضة لترامب» من باب الدعاية الانتخابية ضده، ختم البيان.
كما أعاد ترامب بث تغريدة ردّ فيها مكتب الرئيس السابق جورج بوش على مقالة كانت نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» نفى فيها أن الرئيس السابق لا ينوي انتخاب ترامب. 
وأوضح المكتب أن بوش متقاعد ومعتزل السياسة منذ خروجه من الحكم في العام 2009، وهو لا ينوي التدخل في مجريات السياسة الأميركية. 
وكان بوش لفت الأنظار عندما أصدر بياناً، على غير عادته، على إثر مقتل فلويد، دعا فيه إلى حوار بين الأعراق.
وفي هذا السياق، أعلنت الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، الإثنين، أنّ الملياردير الجمهوري الساعي للفوز بولاية ثانية سيستأنف في غضون أسبوعين تجمعّاته الانتخابية التي جمّدها بسبب جائحة «كوفيد - 19». 
وأكّدت الحملة بذلك معلومات أوردتها مجلة «بوليتيكو» مفادها بأنّ ترامب وفريقه باتا على قناعة بأنّ التظاهرات الضخمة المناهضة للعنصرية ستقلّل من شأن الأصوات التي تعتبر استئناف التجمّعات الانتخابية في ظلّ تفشّي فيروس كورونا المستجدّ أمراً سابقاً لأوانه.
وبعدما فنّد ترامب الاستطلاعات التي تشير إلى تأخره، انتقل إلى الهجوم، وواصل بناء حملته على أساس قوته وضعف الديموقراطيين، والقوة هي التي تنشر الأمان والاستقرار وتؤدي إلى خفض معدلات الجريمة، حسب الرئيس الأميركي، الذي قال إن «هذا العام شهد أقل عدد من الجرائم في تاريخ بلدنا، والآن يريد الديموقراطيون الراديكاليون اليساريون وقف تمويل الشرطة والتخلي عنها». وتابع: «أنا آسف، لكني أريد القانون والنظام!». 
طبعا لم يذكر ترامب أن الانخفاض غير المسبوق في معدلات الجريمة سببه الحجر الصحي والإقفال شبه التام الذي عاشته البلاد.
وبدا جلياً أن الرئيس الأميركي يسعى للإفادة من شعار طرحه المتظاهرون يدعو إلى وقف تمويل أجهزة الشرطة، وقال في تغريدة ثانية: «القانون والنظام، وليس وقف تمويل الشرطة وإلغاؤها. لقد ذهب الديموقراطيون الراديكاليون إلى حد الجنون!».
وأكد الرئيس الأميركي خلال اجتماع لمسؤولي وكالات إنفاذ القانون الاتحادية والمحلية في البيت الأبيض، الاثنين: «نريد التأكد من أنه لا يوجد أي أعضاء سيئين هناك... لكن 99 في المئة منهم عظماء».
على أن الديموقراطيين أدركوا فداحة الشعار الذي يطرحه مؤيدوهم في الشارع، فسارعوا للقيام بسلسلة من الخطوات التي تعارض وقف تمويل الشرطة، وأقرّ مجلس النواب في الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الديموقراطيين، قانوناً تضمن إصلاحات واسعة وجذرية لكيفية عمل أجهزة الشرطة. 
والقانون هو الأول من نوعه الذي يتعامل مع دوائر الشرطة على المستوى الفيديرالي بإصدار تشريع من الكونغرس، إذ إن هذه الدوائر تعيش في ظل لا مركزية واسعة، فتمويل كل دائرة شرطة يأتي من المقاطعة (كاونتي) التي تعمل بها (في الولايات المتحدة 3141 مقاطعة)، ويقوم سكان المقاطعة بانتخاب قائد الشرطة، المعروف باسم شريف، ونائبه. 
وفي حال وافق الجمهوريون على إصلاحات الديموقراطيين، تصبح معظم دوائر الشرطة خاضعة لسلسلة من القوانين الفيديرالية، التي تسمو على القوانين المحلية. 
ومثل الكونغرس، سارع المرشح الديموقراطي بايدن إلى إعلان معارضته لشعار وقف تمويل الشرطة. وقال أندرو بايتس، مدير «دائرة الاستجابة السريعة» في حملة بايدن، في بيان: «كما ورد في اقتراحه بشأن العدالة الجنائية قبل شهور، لا يعتقد نائب الرئيس بايدن أنه يجب وقف تمويل الشرطة». 
وتابع أن بايدن يدعم «الحاجة الملحة للإصلاح»، التي قال إنها تتضمن «تمويل المدارس الحكومية، والبرامج الصيفية، والصحة العقلية، وعلاج تعاطي المخدرات، بأموال منفصلة عن تمويل الشرطة، للسماح للشرطة بالتركيز على وظيفتها».
وختم بايتس بيانه بالإشارة إلى «خطة العدالة الجنائية» التي سبق لبايدن أن أعلنها، وتتضمن إنفاق مبلغ 300 مليون دولار إضافي لأعمال الشرطة والمجتمعات التي تستضيفها بشكل «سيحسن العلاقات بين الشرطة والسكان» وسيقدم «التدريبات اللازمة لتجنب الوفيات المأسوية غير المبررة».
كما طالب مشرعون ديموقراطيون (وكالات)، ترامب، بأن يتم فوراً تفكيك السياج الذي أقيم الأسبوع الماضي حول ميدان لافاييت في واشنطن، بسبب الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد. وذكرت الخدمة الصحافية لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الاثنين، إن بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، بعثا رسالة إلى ترامب، جاء فيها أن «ساحة لافاييت يجب أن تظل، رمزاً للحرية والانفتاح، وليس مكاناً يرتجف فيه رئيس البلاد، خوفاً من المتظاهرين الذين يطالبون بالعدالة».
إلى ذلك، جثا نواب ديموقراطيون في الكونغرس على ركبة واحدة، في تكريم صامت لفلويد.
وتقدمت نانسي بيلوسي، النواب الذين جثوا على ركبهم لمدة 8 دقائق و46 ثانية، وهي المدة ذاتها التي ضغط فيها ضابط أميركي على رقبة فلويد ما أدى إلى وفاته في 25 مايو الماضي.

البلاد التي أتى منها الإسرائيليون

حسين عبدالحسين

قال الأمين العام لـ "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله إنه واثق أنه سيرى اليوم الذي يعود فيه الإسرائيليون "إلى البلاد التي أتوا منها". لم يقل نصرالله ما هي هذه البلاد، لكن الخطاب العربي الخشبي المعروف، ومعه وريثته الدعاية الإيرانية، تعتقد أن الإسرائيليين غزاة مستوطنون، جاؤوا من دول أوروبا، غالبا الشرقية، مثل بولندا والمجر وغيرها.

صادف تصريح نصرالله مع الذكرى التاسعة والسبعين لعملية "الفرهود"، التي بدأت في يونيو 1941، واستهدفت يهود العراق، وأدّت، مع حلول العام 1950، الى إسقاط الجنسية العراقية عن 120 ألفا منهم، وترحيلهم إلى إسرائيل، وكانت حملة العنف العراقية غالبا بتحريض من الدعاية النازية المعادية للسامية.

ويوم وافقت جامعة الدول العربية على "مبادرة السلام" في بيروت في العام 2002، والتي تنص على اعتراف عربي بإسرائيل وتطبيع مقابل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، علت أصوات عربية مطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة اسرائيل. يومذاك، قامت وزارة الخارجية الاسرائيلية بإحصاء عدد اللاجئين اليهود ممن تم تهجيرهم من الدول العربية، مع لائحة بسندات العقارات والممتلكات التي خلّفوها وراءهم، وتركوها على عجل، واستولى على معظمها عرب من غير اليهود فيما بعد.

في خضم احتدام النقاش حول اللاجئين من فلسطين وحقوقهم، واللاجئين إلى فلسطين وحقوقهم، دأبت الفضائيات العربية على استضافة الديبلوماسي الإسرائيلي الراحل فكتور نحمياس، الذي كان يتحدث العربية بطلاقة. في إحدى الحلقات، توجه مشارك عربي إلى نحمياس بدعوته لمغادرة فلسطين والعودة إلى بلاده، فأجابه نحمياس بالعامية المصرية: "نرجع فين يا سيدي؟ تقدر ترجعلي عمارة أبويا في درب نصير (في حارة اليهود في القاهرة)؟".

نحمياس قام بتوثيق أعداد اليهود عشية انقلاب الضباط الاحرار في 1952، وخلص الى أن عددهم كان 84 ألفا. وحسب الرحالة اليهودي الأندلسي بنيامين (توفي في 1173 ميلادية)، كان لليهود في القاهرة معبدين، واحد "ليهود فلسطين ويسمى كنيس الشاميين، والثاني ليهود بابل ويسمى كنيس العراقيين".

ومثل في العراق ومصر، تعرض اليهود العرب لمضايقات أجبرتهم على الرحيل، وبلغ أعداد اللاجئين اليهود إلى إسرائيل في سنيها الثلاث الأولى، 48 ألفا من اليمن وعدن، و45 ألفا من المغرب وتونس والجزائر، و31 ألفا من ليبيا.

ومع حلول العام 1956، كان عدد يهود إسرائيل مليونا ونصف، نصفهم من العرب، أي ما يوازي عدد اللاجئين الفلسطينيين ممن غادروا فلسطين في 1948. وللمقارنة، كان عدد سكان لبنان في العام 1956 مليونا وأربعمائة ألف.

لم يأت كل اليهود إلى إسرائيل من أوروبا، بل جاء نصفهم من دول العرب، حتى أن مرسوم إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود، في العام 1950، يظهر أن ثلاثة يهود عراقيين ممن غادروا بغداد كان اسمهم نصرالله: نصرالله حسقيل شنايي، مواليد 1895، ونصرالله خضوري مردخ، مواليد 1900، ونصرالله عزرا دعبول، مواليد 1916.

الأرجح أن حسن نصرالله، أثناء تحصيل دراسته الدينية الحوزوية، كان منكبا على قراءة "شرح ابن عقيل" و"الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية"، والغالب أن مناهج التعليم الديني الشيعية لا تعدّ طلابها للتخصص في تاريخ اليهود العرب، أو تاريخ فلسطين وإسرائيل، أو التاريخ بشكل عام، غير التاريخ الديني، الذي تخالطه الماورائيات، فتشارك الملائكة في المعارك العسكرية.

والغالب أن رأي نصرالله حول تاريخ فلسطين واليهود جاء من الكرّاسات الحزبية والمقالات السياسية، وأن رأيه في القانون الدولي جاء من فتاوى المراجع الشيعية في إيران حول ضرورة مقارعة الاستكبار ونصرة المستضعفين، وهي آراء حميدة، ولكن بدون سند لها في العلوم الإنسانية من تاريخ أو قانون دولي.

لو كان نصرالله يعرف النذر اليسير من القانون الدولي، لأدرك أن دولة إسرائيل، بالحدود التي أعلنتها في العام 1948، هي دولة تتمتع بشرعية دولية تامة وكاملة، وباعتراف أكثر من 160 من دول العام الـ 195 في العالم، منها دولة فلسطين (العضو المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة)، وأن الخلاف القائم حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتمحور حول أراضي 1967، أي الضفة وغزة والقدس الشرقية. حتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، المولود في صفد الواقعة اليوم في إسرائيل، سبق أن كرر أن العرب أخطأوا بعدم قبولهم تقسيم 1948، وقال إنه لا يتوقع أن تتضمن أي تسوية مع الإسرائيليين عودة الفلسطينيين من أمثاله إلى إسرائيل.

لنفترض أن كل هذه التفاصيل لا تهم، وأن الشرعية الدولية انهارت، ونجحت إيران ومعها نصرالله في تدمير دولة إسرائيل واحتلال أراضيها، كيف يعود الإسرائيليون إلى بلادهم؟ وأي بلاد؟ الإسرائيليون من الدول العربية يبلغ تعدادهم اليوم 3.5 مليون نسمة. أين يذهب نصف مليون يهودي عراقي إسرائيلي؟ يعودون إلى العراق ويحملون علما عليه عبارة "الله أكبر"؟ يستعيدون مبانيهم في "عكد (زقاق) اليهودية" بين السوق الكبير وشارع الصادق في النجف؟ يعودون إلى حارات زليتن ومسلاته وأموطين ويدر الليبية لينخرطوا في حرب ليبيا بين "الإخوان المسلمين" والعسكر؟ وهل تتسع العقارات اليهودية في الدول العربية، إن كانت ما تزال على حالها، لتأوي أعدادهم التي تضاعفت خمس مرات منذ هجروها؟ للمقارنة، لبنان، الذي يستقبل مليون لاجئا سوريا، يشتكي ليل نهار من عبء إقامتهم.

قول نصرالله أن الإسرائيليين سيعودون "إلى البلاد التي أتوا منها" هو تصريح أساطيري، شاعري، غير واقعي لناحية تنفيذه، هذا إن آمنا أن سبعة ملايين يهودي إسرائيلي، وترسانتهم، سيلقون سلاحهم ويرحلون، في وقت تطلبت معارك التغلب على ميليشيات من الهواة، في سوريا، سنوات.

تصريح نصرالله هو لاستثارة حماسة المناصرين وتصفيقهم وتهليلهم، ولتشتيت انتباههم عن شقاء معيشتهم بلا اقتصاد، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا هدف، غير انتظار انتصاراته الإلهية وملاحمه الأسطورية، التي لا تشبه الواقع في شيء.

Since December 2008