الثلاثاء، 27 فبراير 2018

هارفرد تستعيد 'الآيات الشيطانية'

بقلم حسين عبد الحسين

كان الباكستاني شهاب أحمد طالبا في "الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا" يوم صدرت رواية "آيات شيطانية" لمؤلفها الهندي سلمان رشدي في العام 1988، قبل أن يصدر "مرشد الثورة" الإيرانية الراحل روح الله الخميني فتوى بقتل رشدي وكل من تعاون معه في نشر الرواية أو ترجمتها.

قد يعتقد كثيرون أن عبارة "آيات شيطانية" من تأليف رشدي، لكن طلاب التاريخ الإسلامي يعرفون أنها تصف حادثة وقعت مع نبي المسلمين، وهي حادثة تعرضت لنقاش طويل على مدى القرون الأربعة عشر التي تلت ظهور الإسلام.

انكب أحمد على دراسة حادثة "آيات شيطانية"، وخصص لها أطروحته للدكتوراه، التي قدمها في جامعة برنستون الأميركية. وفي العام 1998، نشر جزءا منها كبحث في دورية "دراسات إسلامية" المتخصصة. تبوأ أحمد منصب بروفسور في جامعة هارفرد، وأصيب قبل أعوام بمرض عضال. وقبل وفاته في 2015، عن 49 عاما، قام بإعداد كل أعماله للنشر. شكلت أطروحته أحدث منشوراته بعد وفاته، إذ قامت بنشرها هارفرد، قبل أسابيع، في كتاب يبدو أن الجامعة المرموقة خشيت أن يؤدي عنوانه إلى ردود فعل، فعدلته ليصبح التالي: "قبل السُنّة: الآيات الشيطانية في بدايات الإسلام".

في الروايات الإسلامية، كان الرسول وأتباعه عرضة لتنكيل واسع دفع بعضهم إلى اللجوء إلى الحبشة، وأن الرسول تمنى لو يتوصل إلى تسوية مع قريش، وأنه فيما كان يوحى إليه بسورة النجم، وصل إلى الآيتين "أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى"، فوسوس الشيطان للرسول، فتابع الأخير السورة بالقول "تلك هي الغرانيق الأولى، وإن شفاعتها لترتجى".

اقرأ للكاتب أيضا: لماذا يكره العالم أميركا؟

وحسب الروايات الإسلامية، فرحت قريش لأن الرسول وصف آلهتها بالشفيعة، وسجد المسلمون وسجدت قريش، وأقفل اللاجئون المسلمون في الحبشة عائدين إلى مكة. لكن جبرائيل استعرض مع الرسول السورة، ولما وصلا إلى الآيتين الشيطانيتين، قال جبرائيل للرسول إنه لم يأت إليه بهما، فحزن نبي المسلمين، لكن الله نسخ الآيتين، وأنزل عددا من الآيات ليؤكد براءة الرسول.

أحصى أحمد كل الروايات الإسلامية حول الآيات الشيطانية، ورفع عددها من 28 في أطروحته إلى 50 في كتابه، وقدم عرضا تفصيليا ومتخصصا لعلم الحديث. وتبنى التصنيف الإسلامي المعتمد، لناحية أن الروايات الإسلامية تنقسم إلى ثلاثة: سيرة ومغازٍ، وتفسير، وحديث. والمعروف أن السيرة والتفسير أقدم تاريخيا، يليها الحديث، الذي بدأ ظهوره بعد حوالي 200 عاما على وفاة الرسول، أي أثناء خلافة المأمون العباسي.

اعتقد أحمد أن كتّاب السيرة، ابن اسحاق وأبو معشر والواقدي، أرادوا تدوين تاريخ الأمة الفتية، فقدموا، برعاية الخليفة العباسي الأول السفاح، روايات أقرب في روحيتها إلى رؤية القرآن للرسل كبشر يخطئون، ثم يتوب الله عليهم ويهدي خطاهم، وهذه صور تنطبق على يوسف وداود وسليمان ويونس في القرآن. حتى محمد، عدد أحمد أكثر من ثلاثين آية تأمره التروي في التلاوة وعدم استعجال الوحي.

هذه الصور دفعت أحمد للاعتقاد أن المسلمين الأوائل نظروا إلى النبوة وكأنها عمل ارتقى مع التجربة، وأنهم تبنوا النمطية السائدة التي تمتحن الرسول، وتدفعه إلى حافة اليأس، قبل أن ينصره الله ويجعله من الغالبين. على هذا الشكل كانت السيرة.

أما التفسير، فمحاولات لتقديم حياة المسلمين الأوائل لوضع الآيات في سياق يسمح بتفسيرها، إذ بدون سياق، تصبح الآيات عصية على التفسير.

ثم الحديث، وهذا مشروع تدوين تأريخي مختلف عن سابقيه، ومبني على محاولة التخفيف من الجانب البشري للرسول، ومنح العصمة للجزء الأكبر من أعمال وحياة الرسول. لكن حتى العصمة، اختلف المحدثون في مدى تغطيتها لنشاطات الرسول، فاعتبر البعض أنها تقتصر على تلاوته الآيات، واعتبر البعض الآخر أنها تشمل الكبائر فقط، فيما اعتبرت بعض الفرق، مثل الشيعة، أنها عصمة كاملة شاملة لجميع أعمال وأقوال الرسول.

اقرأ للكاتب أيضا: للبيع: سياسيون في لبنان

لم يتطرق أحمد إلى التأثيرات التاريخية في المدارس الثلاثة. مثلا تأثير المأمون الآتي من مرو شرق خرسان مع تأثير آسيا الوسطى وبلاد فارس، وهو ما يظهر جليا في هوية مؤلفي "الستة الصحاح"، وجميعهم من غير العرب ممن ينتمون إلى هذه المناطق. وفي هذه المناطق، الشخصيات التاريخية غالبا ما تكون إلهية مقدسة، مقارنة بالمشرق العربي، حيث الشخصيات التاريخية أكثر بشرية. قبل المأمون، كان التاريخ العباسي أكثر عربية، بل مشرقي الطابع، حتى أن مهد الحركة العباسية كان في الحميمة في بلاد النبط، جنوب الأردن، وهو ما قد يفسر روايات المسلمين الأوائل التي تصور الرسول كبشري يخطئ، مقارنة بالروايات العباسية والفارسية اللاحقة، التي أسبغت عليه عصمة تقارب القداسة، ما يحتم نسف قصة "الآيات الشيطانية" واعتبارها دسا قام به أعداء الإسلام من الزنادقة وغير المسلمين.

واعتبر أحمد أن مهندسي السنّة بشكلها اللاحق، كانوا يدركون التباين بين المسلمين الأوائل والسنّة اللاحقة، وينقل القاضي عياض اليحسوبي (توفي في 1149) أن تقرير "الآيات الشيطانية" "لم ينقله أهل الصحاح الستة، بل إن مفسري القرآن والمؤرخين هم من أولع به وبمثله".

الطريف أن من يتم تصنيفهم اليوم على أنهم من متشددي العقيدة، لم ينسفوا حادثة "الآيات الشيطانية"، بل قبلوا حدوثها، وإن بتعديل بعض تفاصيلها، وهذا ليس في كتاب أحمد، ولكن في بحثه المنشور قبل 20 عاما. إذ يلفت فيه إلى أن السوري ابن تيمية وافق على الحادثة، وأيده محمد بن عبد الوهاب، فيما رفضها علماء من الأزهر، الذين كفّروا ابن تيمية، واعتبروا أنه ليس من السلف الصالح. الفارق الوحيد يكمن في أن ابن عبد الوهاب اعتبر أن الرسول لم يتفوه بـ "الآيات الشيطانية"، بل إن الشيطان نفسه فعل ذلك، فاختلط الأمر على الحاضرين.

"ما تفعله الروايات عندما تتوافق بالإجماع هو تدوين رؤيتها التاريخية لموضوع ما، وهي رؤية يتبناها الكاتب أو ربما المجموعة التي يمثلها الكاتب"، كتب طوني ستيورات. هكذا، "يصبح التاريخ تاريخ مدونيه أكثر منه تاريخ المدون عنهم".

خلاف بين ترامب و صندوق النقد حول خفض الضرائب

واشنطن - حسين عبدالحسين

انقسمت الأوساط الاقتصادية الأميركية والعالمية حول التجربة الاقتصادية التي يجريها الرئيس دونالد ترامب، بين مؤيد ومعارض. المؤيدون، ومعظمهم من أعضاء حزبه الجمهوري ومديري الشركات الأميركية الكبرى، يشيرون إلى التجربة النيوليبرالية التقليدية التي قامت بموجبها الحكومات الغربية، بين منتصف سبعينات القرن الماضي ووسط ثمانيناته، بخفض الضرائب وتخفيف القيود التشريعية على الشركات، وفي الوقت ذاته دعوة المؤسسات الحكومية لخفض النفقات الحكومية.

وتتمحور فكرة النيوليبرالية حول «إبقاء الحكومات الأموال في أيدي المواطنين»، ما يشجع على الاستهلاك وينشّط القطاع الخاص، فيقوم الأخير بالدور الذي يفترض أن تقوم به الحكومة. ولكن الجزء الأكبر من الجباية الضريبية التي ستتخلى عنها الخزينة الأميركية هي من ضرائب الشركات، لا لغالبية المواطنين، ما يدفع بعض الاقتصاديين إلى الاعتقاد أن الشركات ستستخدم الفائض لإعادة شراء أسهمها في الأسواق المالية، وتوزيع أرباح على المستثمرين، وهؤلاء غالبهم من المتمولين، ما يعني أن الجزء الأكبر من المال الذي ستستغني عنه واشنطن سيعود إلى نسبة ضئيلة من الأميركيين، واستهلاك هؤلاء لا يكفي لتنشيط الاقتصاد.

ويعتقد معارضون لخطط ترامب خفض الضرائب، التي أظهرت آخر استطلاعات الرأي ارتفاع شعبيتها بين الأميركيين، أن الاقتصاد الأميركي ينتج بدرجة تقارب أقصى إمكاناته، ما يعني أن أي مال إضافي في أيدي المستهلكين سيرفع نسبة الواردات، ويرفع نسبة العجز التجاري، وستنتقل بذلك الأموال التي تستغني عنها الحكومة الأميركية إلى الشركاء التجاريين الذين تستورد منهم الولايات المتحدة، وفي طليعتهم الصين وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ما حدا بأحد الخبراء إلى القول تهكماً على شعار ترامب الانتخابي، إن «خفض الضرائب الأميركية سيجعل الصين واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية عظيمة مجدداً».

ولافت أن «صندوق النقد الدولي، الذي دأب على مدى العقود الماضية على حض حكومات العالم على تبني تشريعات المدرسة الاقتصادية النيوليبرالية، انتقد خطوة ترامب. وقالت مديرته كريستين لاغارد إنها تخشى أن تشعل خطوة ترامب «سباقاً نحو الهاوية»، أي أن تقوم الحكومات بالتنافس على خفض ضرائبها لاستقطاب الشركات والمستثمرين. وأشارت في جلسة خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، إلى أن «سباقاً من هذا النوع سيؤدي إلى تقليص عائدات الحكومات، وبالتالي تقليص تقديماتها الاجتماعية ونقل تكاليف هذه إلى المواطنين، ما يؤدي إلى تقليص النمو العالمي عموماً». واعتبرت أن «الحكومات حول العالم بحاجة إلى مال عام، ولا بأس أن تقوم بخفض الضرائب، بشرط أن تذهب الأموال إلى غالبية المواطنين، لا إلى قلّة من الأثرياء، على غرار قانون ترامب».

وجاءت تصريحات لاغارد في وقت نشر عدد من وسائل الإعلام الأميركية استطلاعات أظهرت أن أكثر من نصف الأميركيين لم يلاحظوا أي زيادة في رواتبهم، حتى بعد الخفوضات الضريبية. ووفق القانون الجديد، ستنخفض الضريبة على من هم في منتصف سلم المداخيل بنسبة 20 في المئة، أي نحو 1090 دولاراً سنوياً، وهو مبلغ قد يبدو لا بأس به لأصحاب هذه المداخيل. ولكن المشكلة تكمن في أن هذا المبلغ سنوي، وعندما يُقسّم إلى 26 دفعة (يتقاضى الموظفون الأميركيون رواتبهم كل أسبوعين)، تصبح الزيادة على الراتب 41 دولاراً، وهو مبلغ بالكاد يلاحظه أصحاب الرواتب.

وما لم ترتفع مداخيل الأميركيين في شكل ملحوظ، لن يساهم قانون ضرائب ترامب في تنشيط الاستهلاك في الشكل الذي يتوقعه الفريق الرئاسي، ما قد يؤكد مزاعم الاقتصاديين المعارضين للقانون ممن يصرّون على أن الجزء الأكبر من مبلغ 1.5 تريليون دولار الذي ستتكلفه الخزينة الفيديرالية، سيذهب إلى جيوب كبار المتمولين وشركاتهم.

وإذا صحت التوقعات بأن المستفيدين هم من كبار المتمولين، مع ارتفاع العجز السنوي في الخزينة وتالياً الدَين العام، يعني ذلك أن الضرائب التي تدفعها غالبية الأميركيين سيستفيد منها الأثرياء على حساب الأقل ثراء، ما يعني أن الحكومة لم تتخل عن دورها كموزع للثروات من الأغنياء إلى الفقراء، وفقاً لقوانين الضرائب التصاعدية التي تتبناها الحكومات الغربية منذ عقود، بل باتت الحكومة توّزع الثروات من الفقراء إلى الأغنياء، وهي تجربة لا تروق لشريحة واسعة من الاقتصاديين الغربيين، وبعض الحكومات، خصوصاً الأوروبية القائمة على سخاء الرعاية الاجتماعية للمواطنين.

ولكن تعميم تجربة ترامب الاقتصادية مرهون بنجاحها، فهي إن حققت نهضة اقتصادية متمثلة بنمو يفوق 3 في المئة، فإن نموذجه سيتحول إلى مدرسة تسعى حكومات العالم إلى تبنيها، ما يعني أن «سباق خفوضات ضريبية» أو «سباقاً نحو الهاوية»، وفقاً لتعبير لاغارد، آت لا محالة.

السبت، 24 فبراير 2018

ترامب سرَّعَ نقل السفارة إلى القدس طمعاً بأصوات وأموال... يهود أميركا

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تسلّم العاملون في القنصلية الأميركية في القدس الغربية مذكرة من وزارة الخارجية تم إعلامهم فيها انه ابتداء من 14 مايو المقبل، الذي يصادف الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل، سيتحول مبنى قنصليتهم الى مبنى «سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل»، عملاً بقرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة من تل أبيب الى القدس.
ومع التغيير الذي أعلنته إدارة ترامب عبر قنواتها، تصبح السفارة الأميركية الحالية في تل أبيب فرعاً من السفارة المزمع إعلانها في القدس الغربية.
قرار ترامب لا يتعارض مع قرار القمة الطارئة لـ «منظمة التعاون الاسلامي»، التي انعقدت في اسطنبول في ديسمبر من العام الماضي، وأصدرت بياناً ختامياً أكدت فيه أنها تعتبر القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين المزمع قيامها. 
وفي السياق نفسه، تداولت أوساط وزارة الخارجية الأميركية أن قنصليتها الثانية الواقعة على الخط الأخضر، الذي قسّم القدس في العام 1948 إلى غربية للاسرائيليين وشرقية للفلسطينيين، ستواصل خدماتها القنصلية للفلسطينيين حسب المعتاد. 
والقنصلية الأميركية العامة تعمل بمثابة بعثة ديبلوماسية أميركية معتمدة لدى السلطة الفلسطينية، ويترأسها القنصل العام دونالد بلوم، وهي تتبع لوزارة الخارجية الأميركية بشكل مباشر، من دون أن تمر بالسفارة الأميركية المعتمدة لدى إسرائيل، في تدبير فريد من نوعه، ولا يماثله إلا القنصلية الأميركية العامة في هونغ كونغ، التابعة للصين نظرياً والتي تتمتع باستقلال ذاتي.
ومع اختيار إدارة ترامب القدس الغربية موقعاً لسفارتها بدلاً من تل أبيب، تكون الولايات المتحدة اختارت البقاء ضمن الأطر المتفق عليها دولياً، وبذلك تترك موضوع تقسيم السيادة على القدس رهن توصل الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي، إلى تسوية سلام نهائية.
وغير الذكرى السبعين للاستقلال الاسرائيلي، لا تبدو هناك مبررات كثيرة للسرعة الأميركية في نقل السفارة، إذ سبق للمسؤولين الأميركيين، بمن فيهم نائب الرئيس مايك بنس، أن أبلغوا الإسرائيليين بأن نقل السفارة سيتم «قبل نهاية العام 2019».
على أن السبب الأرجح خلف السرعة الأميركية هو المشهد السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، في ظل الاستعدادات للانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل، وهي انتخابات تثير ذعر الجمهوريين، بعد سلسلة من الخسارات الفادحة في دوائر انتخابية كان ترامب والجمهوريين حققوا فيها انتصارات كاسحة في انتخابات 2016. 
ويبدو أن ترامب يعتقد ان نيله حظوة الاسرائيليين قد يدفع أصوات اليهود الاميركيين وأموالهم الانتخابية، خصوصاً أموال الملياردير اليهودي شلدون ادلسون، تجاه الحزب الجمهوري، وهو ما قد يساعد في محاولة احتفاظ الجمهوريين بالغالبية في الكونغرس بغرفتيه. 
ومساء أول من أمس، أوضحت الناطقة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت ان السفارة المقبلة ستكون ضمن مجمع كبير موجود أصلاً ويضم انشطة القنصلية الاميركية العامة في إسرائيل، في حي أرنونا.
واشارت إلى أنه «في المرحلة الاولى» سينتقل إلى السفارة السفير ديفيد فريدمان، المدافع الشرس عن مبدأ نقل السفارة الى القدس، إضافة الى فريق صغير.
وأضافت: «ننوي فتح جناح جديد في مجمع أرنونا بحلول نهاية العام الحالي، لكي تكون للسفير وفريقه مكاتب أوسع. وفي موازاة ذلك باشرنا البحث عن موقع يكون المقر الدائم لسفارتنا»، مشيرة إلى أن بناءه «سيستغرق وقتاً».
وفي مقابل الترحيب الاسرائيلي العارم، دانت القيادة الفلسطينية القرار، مؤكدة أنه يشكل «استفزازاً للعرب».
وندد أمين سر «منظمة التحرير» الفلسطينية صائب عريقات «بأشد العبارات بقرار الإدارة الأميركية نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في اليوم الذي تتزامن فيه ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني».
وقال لوكالة «فرانس بريس» إن «هذا القرار مخالفة فاضحة للقانون الدولي والشرعية الدولية وتدمير كامل لكل اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل»، كما أنه «استفزاز لمشاعر العرب والمسلمين والمسيحيين». 
واعتبر أن إدارة ترامب «بهذه الخطوة تكون عزلت نفسها كلياً وأصبحت جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل».
من جهتها، قال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية يوسف المحمود، في بيان أمس، إن نقل السفارة يشكل «مساساً بهوية شعبنا العربي الفلسطيني ووجوده، ومساساً مباشراً ومتعمدًا بمشاعر أبناء شعبنا وأمتنا العربية».
بدورها، اعتبرت حركة «حماس» أن نقل السفارة إلى القدس و«تحديد موعد تنفيذ ذلك في ذكرى تهجير الشعب الفلسطيني ونكبته، يمثل تحدياً صارخاً لشعبنا»، ويعد «اعتداءاً جديداً على حقوق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية، واستفزاز لمشاعر أمتنا العربية والإسلامية».
وفي حين وصفت تركيا القرار الأميركي بأنه «مقلق للغاية» متهمة واشنطن بـ«القضاء» على آمال السلام، أعلنت مصر أمس عقد اجتماع عربي - أوروبي على مستوى وزراء الخارجية غداً الاثنين في بروكسيل، لبحث تداعيات قرار واشنطن بشأن القدس، وسبل إحياء عملية السلام.
وأوضحت الخارجية المصرية، في بيان، أن الاجتماع سيضم وزراء خارجية اللجنة السداسية العربية ونظراءهم من دول في الاتحاد الأوروبي، على أن يعقد بمقر مفوضية الاتحاد بالعاصمة البلجيكية.
واللجنة الوزارية السداسية تتكون من وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وفلسطين، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.

الجمعة، 23 فبراير 2018

واشنطن تُحمّل لبنان مسؤولية «افتعال» أزمة النزاع البحري مع إسرائيل

واشنطن - من حسين عبدالحسين

بعدما هدأت عاصفة مصانع الصواريخ الإيرانية، التي هددت إسرائيل بضرب لبنان بسببها، تحول النزاع بين بيروت وتل أبيب إلى نزاع على الحدود البحرية بينهما، التي يعتقد الخبراء أنها تحوي مخزوناً من الغاز الطبيعي، وتحولت الولايات المتحدة الى وسيط بين الطرفين، وراح مساعد وزير الخارجية وسفير أميركا السابق في لبنان ديفيد ساترفيلد، يتنقل بين عاصمتي البلدين في محاولة للتوصل الى تسوية ترضي الطرفين.
ورغم تكتم الأطراف المعنية على مجريات المفاوضات بالوساطة الأميركية، تناقلت الأوساط المتابعة في واشنطن بعض التفاصيل، ومنها اعتقاد واشنطن أن «اللبنانيين هم من افتعلوا المشكلة بطرحهم البلوكات البحرية المجاورة للمياه الإسرائيلية لمناقصة دولية».
وعلمت «الراي» من مصادر أميركية مطلعة على مصادر المفاوضات أن لبنان يعلن مساحة بحرية تبلغ 22.700 كيلومتر مربع، وأن الخلاف مع اسرائيل ينحصر حول 775 كيلومتراً مربعاً منها فقط. 
ورأت المصادر أن المشكلة بدأت عندما أعلن اللبنانيون ترسيمهم حدودهم البحرية مع إسرائيل بشكل أحادي، وأبلغوا الأمم المتحدة بنتيجة ترسيمهم الحدود، معتبرة أنه «لا يمكن حل أي نزاع حدودي في العالم بوسائل أحادية، ولا بد من المفاوضات للتوصل الى تسوية، وإن تعذرت التسوية، يمكن الاحتكام إلى المحاكم الدولية».
وذكّرت المصادر بأن النزاعات حول الحدود البحرية أمر شائع جدا بين الدول، وأن مياه البحر الأبيض المتوسط «ليست الوحيدة المتنازع عليها بسبب مخزونها المتوقع من الطاقة»، وضربت مثالاً على ذلك بحر قزوين في شمال إيران، حيث يعتقد الخبراء أن ارض هذا البحر المغلق والمعزول عن محيطات العالم تحوي كميات ضخمة من النفط والغاز، وهو ما اثار نزاعا بين الدول الخمس التي تطل عليه، «لكننا لا نرى أيا من هذه الدول تهدد بعضها البعض بالصواريخ والحروب».
ويرى مسؤولون أميركيون أن «ميليشيا (حزب الله) التابعة لإيران تبحث عن ذرائع للنزاع مع اسرائيل»، معتبرين أن «حادثة الطائرة من دون طيار» التي أرسلتها طهران للتحليق في المجال الجوي الإسرائيلي كانت آخر المحاولات الإيرانية لافتعال حرب إقليمية.
وتسعى واشنطن لإقناع اللبنانيين بقبول تقسيم المساحة المتنازع عليها بواقع 60 في المئة للبنان، و40 في المئة لاسرائيل، لكن المسؤولين اللبنانيين متمسكون حتى الآن بكل مساحة الأرض التي أعلنوا سيادتهم عليها. والمشكلة، وفق المصادر الأميركية، هي أنه «لا يمكن لأي دولة إعلان سيادتها على أي أرض أحادياً»، فإعلان السيادة على ارض حدودية مختلف عليها يحتاج إما إلى موافقة الطرفين، واما إلى تحكيم دولي، واللبنانيون يرفضون الأمرين. 
كيف تنتهي هذه المعضلة؟ يقول المسؤولون الأميركيون إنه يمكن للبنان «إعلان سيادته على ما يشاء، لكن لا توجد شركات طاقة عالمية مستعدة للتنقيب أو لاستخراج النفط أو الغاز في أراضٍ متنازع عليها»، وهو ما يعني أن الأرض ستبقى خارج عملية الانتاج اللبناني.
ويختم المسؤولون بأن المشكلة قد تتفاقم في حال عثر المنقبون على آبار نفطية أو غازية تمتد على جانبي الحدود البحرية، وعندها يصبح مطلوباً من لبنان وإسرائيل التوصل الى شراكة وتقسيم نسبي للعائدات، ولا تعود الخطوط الحدودية عاملاً في تحديد المشاركة. ومن دون شراكة لبنانية- إسرائيلية وتقسيم نسبي، تبقى مصادر الطاقة المتنازع عليها خارج نطاق الاستخراج والانتاج.

الأربعاء، 21 فبراير 2018

الكويت تشتري 15 قارباً عسكرياً أميركياً

واشنطن - من حسين عبدالحسين

وافقت وزارة الخارجية الأميركية على بيع الكويت قوارب عسكرية بحرية سريعة بقيمة 100 مليون دولار، حيث سلمت وكالة التعاون الأمني العسكري الأميركية الكونغرس البلاغات المطلوبة.
وذكرت الوكالة في بيان ان «حكومة الكويت طلبت 15 قارب مراقبة مجهزة بـ 36 مدفعاً رشاشاً من عيار 0.50، بمعدل مدفعين في القارب الواحد، وستة احتياط. كما تضمّن الطلب الكويتي اجهزة مساندة، وتدريباً للمشغلين، وأدوات تدريب، ودعماً تقنياً ولوجستياً. وتم تقدير العقد بـ 100 مليون دولار».
واعتبرت الوكالة ان «البيع المقترح سيسهم في تعزيز الأمن الخارجي والداخلي للولايات المتحدة، عن طريق تقوية أمن دولة صديقة، وان الكويت تلعب دوراً في المجهود الأميركي في تثبيت الاستقرار في المنطقة، وتأمين قواعد، وعبور القوات الأميركية في المنطقة».
وأوضحت أن الكويت «تنوي استخدام القوارب للمراقبة والاعتراض والحماية المائية، وان هذه القوارب ستساعد الكويت في تطوير وتعزيز قدراتها الذاتية في الدفاع»، مبينة أن «الكويت لن تواجه مشاكل في امتصاص هذه الادوات في قواتها المسلحة، وان الصفقة المقترحة لن تخلّ بموازين القوى في المنطقة». 
وقال بيان «وكالة التعاون الأمني العسكري» ان المتعهد الرئيسي سيكون كفيتشاك، وهي شركة تابعة لمجموعة فيغور، العاملة في بلدة كنت في ولاية واشنطن شمال غرب البلاد، وان تنفيذ العقد سيحتاج إلى زيارات عدة يقوم بها مسؤولون في الحكومة الأميركية ومتعهدون إلى الكويت للمشاركة في المراجعات التقنية والتدريب والصيانة، على أساس موقت، لفترة تمتد إلى 24 شهراً. كما سيحتاج تنفيذ العقد، حسب البيان، إلى اقامة ثلاثة متعاقدين في الكويت لفترة سنتين.
وختم البيان ان الصفقة «لن تؤثر في جهوزية القوات الأميركية، وان البيان هو عن صفقة محتملة، حسب ما يتطلب القانون، ولا يعني انه تم اتمام العقد، بانتظار صدور الموافقة النهائية عن الكونغرس».
وفي الكونغرس، عبّر عاملون في «لجنة الشؤون المسلحة» لـ «الراي» عن اعتقادهم ان الموافقة على بيع الكويت هذه القوارب الأميركية ستمرّ بسرعة، مرددين المقولة التي دأب على تكرارها المسؤولون الأميركيون ان «الكويت أبرز حليف للولايات المتحدة حول العالم خارج تحالف الأطلسي، وان العلاقة القوية بين البلدين تعني ان الصفقة ستنال موافقة الكونغرس من دون عقبات».

أميركا تقتدي بالصين في تمويل النمو بالدَيْن

واشنطن - حسين عبدالحسين
جريدة الحياة

في فترة حصول «الركود الكبير» الأميركي في خريف عام 2008، زار وفد اقتصادي صيني الولايات المتحدة وعقد لقاءات مع المسؤولين الكبار والخبراء الأميركيين. وفيما كان الصينيون يستمعون إلى متحدثين في ندوة عن ضرورة ترشيق القطاع العام وإطلاق يد القطاع الخاص في الاقتصاد، اعترض أحد المشاركين الصينيين قائلاً إن هذه النصائح هي «وجهة نظر»، إذ للصين تجربة مختلفة أدت إلى نتائج باهرة في النمو الاقتصادي. فردّ أميركيون بالقول إن ما يعترض عليه زميلهم الصيني، هي مبادئ معروفة باسم «إجماع واشنطن»، ليرد الصينيون «أهلاً بكم إذاً إلى إجماع بكين».

وشرح الاقتصادي الصيني «إجماع بكين»، موضحاً أنه مزيج من «اليد الخفية» للسوق مع «اليد الظاهرة» للحكومة، ويمكن الحكومة أن تلعب دوراً كبيراً في توجيه القطاع الخاص وحفزه لتأكيد استمرار النمو. منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، تراجع نمو الناتج المحلي الصيني إلى نصف ما كان عليه ليصل الى أدنى مستوياته في 26 عاماً في 2017، مسجلاً معدل نمو بلغ 6.8 في المئة، وهو منخفض بحسب الأرقام الصينية. وليس تراجع النمو الصيني إلى نحو النصف المشكلة الوحيدة، بل تكمن أيضاً في إدمان بكين على حقن اقتصادها بالديْن لحمله على الاستمرار في النمو، وكانت الخطوة الأخيرة في هذا الإطار إيعازها لشركات الإقراض الحكومية، بشراء سندات الخزينة التي أصدرتها الحكومات المحلية بسبب كسادها في السوق، وهي خطوة بدت وكأنها إنقاذ حكومي لاقتصاد يترنح.

وبسبب إدمان بكين على تمويل نمو اقتصادها بالديْن، فهو ارتفع إلى نحو 5 ترليونات دولار أو ما يوازي 50 في المئة من ناتجها المحلي. في وقت يشير اقتصاديون إلى مديونية صينية أكبر تختبئ في حسابات الحكومات المحلية والشركات الحكومية الضخمة، في ظل غياب شبكات الأمان الحكومية الاجتماعية، ووسط تركيبة سكانية تواجه تسارع الشيخوخة في صفوفها.

أميركا برئاسة دونالد ترامب قررت حذو الصين، وأن تعمد إلى تمويل نموها بالديْن، فمع إقرار الكونغرس قانون الخفوضات الضريبية، توقع «مكتب موازنة الكونغرس» الحكومي والمستقل حزبياً، أن يرتفع العجز السنوي لموازنة حكومة الولايات المتحدة الفيديرالية من 519 بليون دولار العام الماضي الى 955 بليوناً هذه السنة، أي بنسبة 84 في المئة، وهي زيادة كبيرة ستؤدي إلى رفع الديْن العام، الذي تعدى نسبة 100 إلى الناتج المحلي بوتيرة أسرع، مع توقع المكتب أن ينفد المال بحوزة وزارة الخزانة منتصف الشهر المقبل، بدلاً من منتصف نيسان (أبريل)، بحسب ما كان متوقعاً قبل صدور القانون، ما يتطلب إصدار الكونغرس قانوناً لرفع سقف الاستدانة الحكومية.

ويترافق الارتفاع المتوقع للعجز السنوي في الموازنة، وتالياً الديْن الأميركي العام، مع وصول العجز التجاري في البلاد إلى مستويات لم يشهدها منذ ما قبل «الركود الكبير» عام 2008، إذ أظهرت بيانات وزارة التجارة، أن العجز بلغ 566 بليون دولار عام 2017، بزيادة تعدت 12 في المئة عن عام 2016.

والعجز التجاري ينتقص من نمو الناتج المحلي، وبحسب أرقام العام الماضي، بلغ العجز 2.9 في المئة من حجم الاقتصاد، ما يعني أن من دون العجز لكان معدل النمو الاقتصادي قارب نسبة 6 في المئة عام 2016.

ويترافق ارتفاع الديْن العام الأميركي مع وعد ترامب، بتقديم خطة إعادة تأهيل البنية التحتية وتطويرها، مع تمويل الحكومة لثلث تكاليف مشروع ضخم من هذا النوع، يتوقع الخبراء أن تناهز كلفته تريليون دولار. والاستدانة الحكومية لتمويل مشاريع بنية تحتية، وتالياً رفع نسبة نمو الناتج المحلي، هي واحدة من الأساليب المفضلة لدى الحكومة الصينية.

كيف يمكن ترامب، الذي وعد ناخبيه بالقضاء على العجز التجاري، خصوصاً مع الصين الذي بلغ 375 بليون دولار العام الماضي، أن يقنع هؤلاء الناخبين بأنه وفى بوعوده؟ وكيف يمكن ترامب الذي وعد مؤيديه الذين يطلقون على أنفسهم تسمية «المحافظين مالياً»، ويعارضون أي زيادة في الإنفاق الحكومي أو العجز أو الديْن بالإنفاق الرشيد، أن يبرر لهم الارتفاع الهائل في العجز والدين؟ وكيف يمكن ترامب أن يحقق معدل نمو 4 في المئة، بحسب وعوده، أو 3 في المئة استناداً إلى وعود مساعديه بعد وصوله إلى البيت الابيض، مع استمرار ارتفاع العجز التجاري؟

قد يكون من حسن حظ الرئيس الأميركي، أن الناتج المحلي نما بنسبة 5.2 في المئة في الشهر الأول من هذا العام، بحسب بيانات «احتياطي أتالانتا» العضو في «الاحتياطي الفيديرالي»، وهي نسبة في حال صحت وحافظت على وتيرتها، فهي تظهر أن تمويل النمو الاقتصادي بالديْن على الطريقة الصينية، أمر ممكن أميركياً. وفي حال انتهجت أميركا هذا المسار، سيتقلّص النمو بينها وبين الصين إلى أدنى مستوياته، فنسبة نمو اقتصادي 6.5 في الصين لا تبعد كثيراً عن نسبة نمو 5.5 في المئة في الولايات المتحدة.

وكما سيشترك البلدان في نمو اقتصادي مرتفع، كذلك سيتشاركان في انفلات ديونهما الحكومية من عقالها، وهي خطوة لا تزال في طور التجربة. وليس واضحاً ماذا ستكون عواقبها، على رغم اهتزاز السوق المالية الأميركية، في ما بدا مثابة إنذار إلى أميركا ورئيسها وحكومتها، مفاده بأن الازدهار المتوقع ليس مؤكداً ولا ثابتاً، كما يحلو لهؤلاء المسؤولين التباهي.

الثلاثاء، 20 فبراير 2018

فريدمان: 400 ألف مستوطن لن يذهبوا إلى أي مكان وإخلاؤهم بالقوة سيؤدي إلى حرب أهلية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حذر سفير أميركا لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، أمام زعماء المنظمات اليهودية الأميركية، من حرب أهلية في إسرائيل في حال الإصرار على إخلاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية. 
وذكر مراسل القناة الاسرائيلية العاشرة وموقع «آكسيوس» الاميركي باراك رافيد، أن فريدمان، وهو من اليهود المتدينين الأرثوذوكس، أبلغ زعماء «المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية»، أثناء مؤتمر عقدوه الاسبوع الماضي، أن المستوطنين البالغ عددهم نحو 400 ألف في الضفة الغربية «لن يذهبوا الى أي مكان»، وأن إخلاءهم بالقوة «سيؤدي إلى حرب أهلية» في الدولة العبرية، لافتاً إلى أن «نواة الجيش الإسرائيلي تتحول أكثر فأكثر إلى صهاينة متدينين، متمسكين بالأرض، لأنهم يرون أن الله منحهم إياها».
وسبق للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تباهى مراراً بأنه قادر على التوصل إلى تسوية للصراع بين العرب والاسرائيليين، محملاً أسلافه مسؤولية الفشل في إتمام عملية السلام، ومؤكداً أنه الوحيد الذي يعرف كيف يمكن عقد الصفقات بسبب خبرته الطويلة في عالم الأعمال. وكلّف ترامب صهره جاريد كوشنر ومحاميه جيسون غرينبلات، والاثنين من اليهود الأرثوذوكس المتدينين، مسؤولية التوصل إلى سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. 
إلا أن حماسة ترامب لم تؤدِ إلى تغييرات تذكر في سياق العملية السلمية، وعلى الرغم من التهديدات المنقطعة النظير التي وجهها الى السلطة الفلسطينية، من قبيل وقف التمويل الأميركي عنها وإغلاق مكتبها التمثيلي في واشنطن، ما تزال عملية السلام متعثرة منذ تولي ترامب الرئاسة، قبل أكثر من عام.
وكان فريدمان، الذي دعا وزارة الخارجية الأميركية للاعتراف بالمستوطنات والتوقف عن وصفها بغير الشرعية، أبلغ زعماء المنظمات اليهودية الاميركية أن العام المقبل هو الحد الاقصى لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأن عملية الانتقال ستتم قبل ذلك. على أن السفير الأميركي، على غرار ترامب، لم يحدد المكان الذي ستنتقل إليه السفارة الاميركية، وهي إنْ انتقلت إلى القدس الغربية، فإن ذلك سيعكس التزاماً أميركياً بالتقسيم الدولي للمدينة، وهو التقسيم الذي يمنح الاسرائيليين غربها والفلسطينيين شرقها.
وقال فريدمان انه لا يعتقد ان أي تهديدات أو ضغوطات أميركية على اسرائيل، ستحمل الأخيرة على التنازل عن أي من مواقفها، خصوصاً إصرارها على ابقاء مستوطناتها في الاراضي الفلسطينية. 
ورداً على الانتقادات التي تتعرض لها اسرائيل، خصوصاً من اليهود الاميركيين المؤيدين للحزب الديموقراطي، وهي انتقادات مفادها ان على اسرائيل الاختيار بين كونها دولة حصرية لليهود، ما ينسف الديموقراطية فيها، أو كونها دولة ديموقراطية متعددة المذاهب والاثنيات، قال فريدمان انها انتقادات وهمية لأن اسرائيل تعيش كدولة يهودية منذ 25 عاماً، وهي مع ذلك لم تعرف غير الاستقرار والبحبوحة.
ويبدو أن السفير الأميركي حاول التقليل من أهمية التوصل الى سلام مع الفلسطينيين، بقوله إن سلاماً من هذا النوع لن يقي إسرائيل المخاطر الأمنية التي تواجهها من تنظيمات ارهابية، مثل «حزب الله» اللبناني وتنظيم «داعش»، معتبراً أن أي سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين سيقضي حتماً بالإبقاء على وجود عسكري إسرائيلي في وادي الأردن، «حتى لا تتحول الضفة الغربية إلى غزة أخرى»، أي أن إسرائيل تخشى سيطرة الاسلاميين وإقامتهم قوة عسكرية في الضفة على غرار غزة في حال انسحاب إسرائيلي أمني كامل من وادي الاردن.
وختم السفير الاميركي بالقول ان السلام يجب ان يكون بمثابة طلاق بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لا زواج، وان المشكلة تكمن في أن الفلسطينيين غير قادرين على الانفصال عن الاسرائيليين بسبب الفشل الفلسطيني في إقامة مؤسسات حكم يمكنها الاعتماد على نفسها، خصوصاً في النواحي الامنية.
في المحصلة، بدت مواقف فريدمان وكأنها مواقف السفير الاسرائيلي لدى الولايات المتحدة، لا العكس، إذ انها تتعارض، لا مع مواقف وزارة الخارجية وحدها، بل مع مواقف ترامب نفسه، الذي سبق أن قال في مقابلتين على الأقل ان المستوطنات الاسرائيلية «لا تساعد» في التوصل الى سلام، وهو (أي ترامب) أبلغ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ان البيت الابيض لن يوافق على قانون كان نتنياهو يسعى الى تمريره في الكنيست، ويقضي بضم المستوطنات في الاراضي الفلسطينية رسمياً إلى اسرائيل.

عباس يطالب بـ «آلية متعددة» ويدعو لمؤتمر دولي للسلام

واشنطن - أ ف ب - طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإنشاء آلية متعددة الأطراف لحل القضية الفلسطينية عبر مؤتمر دولي للسلام في منتصف 2018.
وعرض عباس في مداخلة نادرة أمام مجلس الأمن، مساء أمس، خطة للسلام في الشرق الأوسط، داعياً الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين الى القيام بذلك، ومؤكداً أن الفلسطينيين سيكثفون الجهود للحصول على «عضوية كاملة» في الأمم المتحدة. 
ولفت إلى أنه من أصل 193 بلداً في الأمم المتحدة، اعترفت 138 دولة فقط بفلسطين، داعياً إلى «عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف العام 2018، يستند لقرارات الشرعية الدولية، ويتم بمشاركة دولية واسعة تشمل الطرفين المعنيين، والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة وفي مقدمها أعضاء مجلس الأمن الدائمين والرباعية الدولية، على غرار مؤتمر باريس للسلام أو مشروع المؤتمر في موسكو كما دعا له قرار مجلس الأمن 1850».
وتطرق إلى دور الأمم المتحدة، معتبراً أنها فشلت في تنفيذ أي من قراراتها، وقد صدر 705 قرارات عن الجمعية العامة، و86 قراراً عن مجلس الأمن، وذلك بسبب تهرب إسرائيل من مسؤولياتها.
وأكد مجدداً أن المشكلة ليست مع اليهودية كديانة وإنما مع المحتل، أياً كان دينه، مضيفاً ان «إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاهلت كل مطالبنا، وقد أبدينا استعداداً للتوصل إلى صفقة سلام تاريخية، واعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل».
وخلال اجتماع مجلس الأمن، قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي إن المفاوضين الأميركيين مستعدون «لإجراء محادثات لكننا لن نلاحقكم»، في انتقاد لمغادرة الرئيس الفلسطيني قاعة الاجتماع أثناء تصريحاتها.

لماذا يكره العالم أميركا؟

بقلم حسين عبد الحسين

في الفضاء الإعلامي الناطق بالعربية، يندر العثور على أي مادة إيجابية بحق الولايات المتحدة. في المقالات والتقارير في إعلام الدول الصديقة، مثل مصر وتركيا والعراق، كما في إعلام الدول العدوة، مثل إيران وسورية والسودان، يتم تصوير أميركا على أنها مصدر كل بلاء الكون وشروره. في الإعلام الناطق بالإنكليزية كذلك، باستثناء في أميركا وإسرائيل، الصورة عن أميركا سلبية. حتى في كندا، لا تسلم الجارة الأميركية من الانتقاد المتواصل.

التفسير لدى رجالات دولة مخضرمين، من طراز السناتور السابق جورج ميتشل، هو أن هذا النوع من الكراهية مفهوم، ففي تاريخ البشرية، حسد ضد القوي والناجح والمتفوق، وفي هذه الحالة الولايات المتحدة. وميتشل هذا يتمتع بخبرة دولية واسعة، فهو عراب اتفاقية السلام التي أنهت الحرب الأهلية الإيرلندية، وهو مبعوث سلام إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، على الرغم من فشله في إحداث أي تقدم بسبب تعقيدات صراع أفشل كل من سبقه من مبعوثين.

لكن الأرجح أن كره العالم للولايات المتحدة ليس مصدره الغيرة، على ما يعتقد السناتور ميتشل. هذا الكره تصنعه أجهزة استخبارات الحكومات المعادية لأميركا، الصديقة منها والحليفة، وتموله، وتسعى إلى نشره بين سكان المعمورة وتحويله إلى ثقافة طاغية.

تفوق أميركا ليس في جيشها، ولا في اختراعاتها بل في الحرية التي يتمتع بها أفرادها وفي تفويض أمرهم إلى حكومة ينتخبونها لأجل محدد

لكن كراهية أميركا، على انتشارها، تبقى مزيفة ومصطنعة، فالعالم بأكمله يتابع أدق تفاصيل الحياة الأميركية، من الانتخابات الرئاسية، إلى حفل جوائز الأوسكار السينمائية، ومباريات كرة السلة، والمسلسلات الكوميدية، وبرامج تلفزيون الواقع، وأفلام هوليوود. يتلقى العالم أخبار أميركا بشغف ويتابعها، ويسعى للاندماج فيها. وزيارة الولايات المتحدة ـ إن للانتساب لجامعاتها أو للإقامة فيها والهجرة إليها ـ ما تزال في صدارة أولويات غالبية سكان المعمورة.

اقرأ للكاتب أيضا: للبيع: سياسيون في لبنان

وبالتدقيق، يتبين أنه حتى الحكومات المعادية لأميركا، تنظر إلى كل ما هو أميركي باحترام وتسعى للتمثل به، وهو ما يجعل بعض مواقف هذه الحكومات أمرا عجيبا. مثلا، تطلق الصين، التي تلعن النموذج الأميركي المبني على الحريات الفردية، شعار "الحلم الصيني"، وهي عبارة مستوحاة من "الحلم الأميركي"، وهو حلم مصمم للأفراد ولحريتهم ولسعادتهم، لا لحكوماتهم، وهو ما يتنافى مع فلسفة الحكم الصيني القائم على قيادة الحكومة لحياة كل صيني بتفاصيلها الدقيقة.

ومن عجائب كراهية العالم لأميركا أن "الجمهورية الإسلامية" في إيران أعلنت عن استيائها يوم أصدر الرئيس دونالد ترامب مرسومه الاشتراعي، الذي قضى بمنع دخول مواطني بعض الدول إلى الولايات المتحدة، ومنهم مواطني إيران. اعترضت طهران على منع أميركا، التي تشتمها يوميا وتسميها "الشيطان الأكبر"، دخول الإيرانيين إليها، في موقف متناقض لا يتناسب مع دولة قائمة على شتم أميركا وثقافتها وفلسفة كيانها السياسي.

ومن عجائب الأمور أيضا تلك الأغنية المصرية العنصرية ضد الرئيس السابق باراك أوباما، والتي أرادت إظهار تفوق نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ليس على أوباما فحسب، بل على أميركا بأكملها، فأوردت صورا تظهر السيسي والجيش المصري في سيارات همفي العسكرية، التي يتسلمونها بموجب المساعدة الأميركية السنوية إلى مصر، في مفارقة لم تخف إلا على منتجي الأغنية.

اعترضت طهران على منع أميركا، التي تشتمها إيران يوميا وتسميها "الشيطان الأكبر"، دخول الإيرانيين إليها

ربما هي وسيلة تستخدمها الحكومات لتبرير تسلطها المسبب لتؤخرها وشعوبها، مقارنة بتقدم الولايات المتحدة والدول الديموقراطية الحرة. فيتظاهر رئيس روسيا فلاديمير بوتين وكأنه انتزع الشرق الأوسط من السيطرة الأميركية، وتتظاهر الصين وكأنها الأولى في عدد التسجيلات السنوية للملكية الفكرية (وهي عملية يتلاعب فيها الصينيون لإظهار تفوق مزعوم).

لكن الواقع هو أن تفوق أميركا ليس في جيشها، ولا في اختراعاتها، بل في الحرية التي يتمتع بها أفرادها، وفي تفويض أمرهم إلى حكومة ينتخبونها لأجل محدد، مقارنة بالدول التي تكره أميركا، والتي يحكم حكامها شعوبهم إلى الأبد، ويحصون على مواطنيهم أنفاسهم، ويمنعون عنهم حريتهم.

ولأن حرية شعوب العالم محدودة، يصبح متنفسها الوحيد التعبير عن الكراهية تجاه الولايات المتحدة. ولأن الولايات المتحدة هي من الدول القليلة التي تحترم حرية الرأي، حتى السلبي منه في حقها، تصبح وكأنها مصدر الشر في العالم. لكنها صورة مزيفة يصنعها طغاة العالم ويفرضونها على شعوبهم. أما هذه الشعوب، فتعشق أميركا سرا، ويسعى مواطنوها لزيارة الولايات المتحدة والهجرة إليها في أي فرصة تسنح لهم.

الأحد، 18 فبراير 2018

موازنة ترامب لعام 2019: بيان سياسي لإرضاء الأنصار المحافظين

واشنطن - حسين عبدالحسين

قدم فريق الرئيس دونالد ترامب موازنته لعام 2019، متوقعاً أن يبلغ الإنفاق 4.41 تريليون دولار أي ما يوازي 21 في المئة من الناتج المحلي، في مقابل عائدات تصل إلى 3.42 تريليون أي 16.3 في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي، وعجز سنوي في موازنة الحكومة الفيديرالية بواقع 984 تريليون دولار، أي 4.7 في المئة من الناتج المحلي.

وهكذا، يرتفع العجز السنوي في عهد ترامب المحسوب على الجمهوريين المحافظين مالياً، بنسبة 25 في المئة عمّا كان عليه في زمن سلفه الديموقراطي باراك أوباما، وبلغ خلال عهده في موازنة عام 2017 نحو 665 تريليون دولار.

ويعمد الفريق الرئاسي، في مسودة الموازنة التي قدمها إلى الكونغرس، إلى تبني ما وصفها الخبراء بـ «البهلوانيات» في الأرقام، فيجعل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 80.3 في المئة بسبب عدم احتسابه بعض أجزاء الدين العام، وحصره بتسمية «دين الحكومة للجمهور». في وقت يعتقد الاقتصاديون أن نسبة الديْن الأميركي إلى الناتج المحلي تعدت 100 في المئة مع بلوغه 20.6 تريليون دولار، فيما يبلغ الناتج المحلي السنوي 19.7 تريليون.

ومثل الإدارات السابقة، كانت مسودة الفريق الرئاسي لموازنة العام المقبل، مثابة بيان يرسم الموقف السياسي ورؤية الرئيس وفلسفته في الحكم. المشكلة الوحيدة تكمن في أن رؤية ترامب تبدو متضاربة، فهو يحسم 756 بليون دولار، على مدى العقد المقبل من «الإنفاق غير الدفاعي»، أي ما يخفض هذا الإنفاق بنسبة 42 في المئة مقارنة بالأرقام الحالية. فيما يعمد إلى زيادة «الإنفاق الدفاعي» بواقع 777 بليون دولار، وهي أموال ناتجة في غالبها من تقليص موازنة «الحروب» التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً، والمتوقع أن تصل خاتمتها على مدى السنوات القليلة المقبلة.

لكن خفوضات ترامب للإنفاق غير الدفاعي تتعارض مع ما صادق عليه قبل أسبوع لموازنة هذه السنة، والتي توافق فيها ترامب وحزبه مع الديموقراطيين على زيادة الإنفاق بواقع 300 بليون دولار على مدى العامين المقبلين، نصفها للدفاع والآخر للإنفاق غير الدفاعي.

واعترض الاقتصاديون أيضاً على الصورة الزهرية التي يرسمها فريق ترامب للنمو وتالياً للعجز السنوي، وقال هؤلاء إن مسودة الموازنة «قدّرت معدل النمو الأميركي على مدى العام المقبل بـ3 في المئة، فيما تشير كل التوقعات الحكومية وفي القطاع الخاص، إلى أن نسبة النمو ستبلغ 2 في المئة فقط».

وبعد الاعتراضات، أرسل الفريق الرئاسي ملحقاً مرفقاً إلى الكونغرس على أساس احتساب النمو بمعدل 2 في المئة، فأدى ذلك إلى زيادة في العجز تجاوزت 300 بليون دولار سنوياً، ليتخطى المعدل المرتفع المتوقع أصلاً، بالغاً نحو 1.2 تريليون أو 6 في المئة من نسبة الناتج المحلي الأميركي، وهي مرتفعة في «الأوقات الطبيعية»، أي عندما لا تكون الحكومة في موقع الإنفاق لاحتواء ركود ما وإعادة تنشيط الاقتصاد.

في المواضيع الكبرى التي حاول فريق ترامب الإشارة إليها في الموازنة، نيته إنفاق 200 بليون دولار على مدى العقد المقبل، لتمويل مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة في البلاد. لكن المسودة ذاتها، تقلّص الإنفاق في أبواب محسوبة على البنية التحتية، مثل تقليص موازنة الإدارة المسؤولة عن سلامة عمل القطارات التابعة لوزارة النقل، ما يعني أن ترامب يحاول تمويل بعض مشاريع البنية التحتية، باقتطاع الأموال من مشاريع بنية تحتية ضرورية أخرى.

وكان فريق ترامب أعلن أن خطته للبنية التحتية تبلغ 1.5 تريليون دولار، حصة تمويل الحكومة الفيديرالية فيها 200 بليون فقط، فيما تؤمّن بقية الأموال من الحكومات المحلية وتلك في الولايات، فضلاً عن القطاع الخاص عبر مشاريع «بناء تشغيل ونقل».

وفور إعلان خطة البنية التحتية، اعترض كثيرون، كان في طليعتهم زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور عن ولاية نيويورك تشاك شومر، الذي قال في خطاب أمام المجلس، إن «الطلب إلى الحكومات المحلية التي تعاني من شح في الأموال أصلاً، تمويل مشاريع من هذا النوع، يعني أنها ستضطر إلى رفع ضرائبها على المواطنين».

واعتبر شومر أن «في توكيل القطاع الخاص مشكلة، لأنه يسعى إلى الربح السريع من طريق فرض رسوم مرور». وقال إن «مشكلة الاستناد إلى القطاع الخاص، أنه سيسارع إلى بناء طرق وجسور في المناطق التي يعيش فيها الأثرياء أو ذات الكثافة السكانية، ولكن القطاع سيتفادى الدخول في مشاريع بناء في المناطق الريفية، حيث تنخفض الكثافة السكانية، وتالياً نسبة المرور وتحقيق الأرباح بالسرعة التي يسعى إليها القطاع الخاص.

خطة ترامب الاقتصادية لاقت اعتراضات واسعة من الطرفين، وعلى رغم أنها على غرار كل موازنات الرئاسات السابقة، بمثابة بيان أو موقف سياسي لإرضاء المؤيدين والأنصار، إلا أنها مع ذلك تغرق في بهلوانيات وتناقضات مع سياسات ترامب الاقتصادية الأخرى، أو مع وعوده بعدم الاقتطاع من أي من الصناديق الاجتماعية، التي يفيد منها جزء واسع من أنصاره. مع ذلك لحظت مسودة موازنة 2019 اقتطاعات بواقع 7.1 في المئة من صندوق ”الرعاية الصحية“، و22.5 في المئة من صندوق «العناية الصحية» المخصص لذوي الدخل المحدود، والذي يمول جزءاً كبيراً من برنامج الرعاية الصحية المعروف بـ ”أوباما كير».

مولر «المُحنّك» يحاصر ترامب وفريقه بدل الانقضاض عليهم دفعة واحدة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أظهر روبرت مولر، المحقق الخاص في إمكانية تورط الرئيس دونالد ترامب بالتواطؤ مع الحكومة الروسية أثناء حملته الرئاسية قبل عامين، مهارة وحنكة سياسية كبيرة بتقديمه رابع دفعة من القرارات الظنية، اتهم فيها هذه المرة 13 مواطناً وثلاثة كيانات روسية بالتورط في التدخل بالعملية الانتخابية الاميركية.
وقبل إعلان القرار الظني، مساء أول من أمس، حمل مسؤولو وزارة العدل مسودة القرار إلى البيت الابيض لإطلاع ترامب عليه، الخميس الماضي، على اعتبار أن إدانة مواطنين من روسيا يدخل في سياق الأمن القومي الذي يجب إطلاع الرئيس عليه. 
وبعد إطلاع ترامب على القرار، شن البيت الأبيض حملة ضد الهجمات الإلكترونية الروسية، وأصدر بياناً دان فيه هجوم «نوت - بيتيا»، الذي نفذه الجيش الروسي في يونيو من العام الماضي، حسب زعم الاميركيين. 
وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة العدل الأميركية أن التحقيق الذي يقوده مولر أصدر قراراً ظنياً بحق 13 روسياً وثلاثة كيانات بتهم انتحال شخصية أميركيين، وسرقة كلمات سر وهويات أميركيين، وتمويل حملات إعلانية وتظاهرات داخل الولايات المتحدة لـ«بث الفرقة» وتقويض الديموقراطية.
ومما ورد في القرار الظني أن مواطنين روساً سددوا أموالاً لأميركية تُشبه المرشحة الديموقراطية السابقة هيلاي كلينتون، ولأميركي طلبوا منه بناء قفص يشبه السجن لوضع شبيهة كينتون داخله وتصويرها.
وعلى عكس الانطباع العام، لم تكن الحيل الروسية تجري سراً، إذ يبدو أن مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) كان يتجسس على ما يقوم به عملاء روسيا في أميركا. وكشف القرار مراسلات عبر البريد الالكتروني يقول فيه أحد العملاء الروس لعائلته في روسيا ان «اف بي آي» اكتشف العملية، وأنه مشغول جداً لأنه يمضي وقته في محاولة لتغطية أي آثار ممكن أن يقتفيها الاميركيون.
كما تطرق القرار الظني إلى ما يعرف بـ «مزرعة وكالة أبحاث الانترنت» التابعة للاستخبارات الروسية، ومقرها في مدينة سانت بطرسبورغ، وإلى نشاطات هذه الوكالة في إدارة 31 ألف حساب مزيّف على مواقع التواصل الاجتماعي، بتصرف أصحابها وكأنهم من المواطنين الأميركيين، وجعلهم يدلون بآراء تتعلق بالشؤون الداخلية الاميركية.
وعلّق وكيل الوزارة العدل رود روزنستاين، الذي يتعرض لحملة قاسية من الجمهوريين، (وهو أعلى سلطة في الوزارة مولجة بالإشراف على تحقيق مولر)، بالقول إن القرار الظني لم يطل أي مواطن أميركي، ولم يعتبر أن التدخل الروسي أدى إلى التأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت ترامب للبيت الأبيض.
وعلى الفور، علّق ترامب في تغريدة أعلن فيها براءته بيد أنه أقرّ بالتدخل الروسي الذي كان قد نفاه مراراً. وقال إن التحقيق أظهر أن الروس باشروا تدخلهم في العام 2014، أي قبل سنتين من إعلان ترامب ترشحه للرئاسة، وهو ما يعني براءة الرئيس. وتزامناً، أصدر البيت الابيض بياناً تضمن رسالة مشابهة، مع دعوة الأميركيين لإقفال الملف، والوحدة ضد العدو الروسي.
لكن القرار الظني حمل في طياته الكثير مما دان ترامب وتصريحاته السابقة، فالرئيس الاميركي سبق أن أصرّ على أن روسيا لم تتدخل، وأن الاختراقات الالكترونية قد يكون نفذها ولد يزن 100 كيلوغرام مع جهاز كمبيوتر في غرفة نومه. ثم راح ترامب يكرر أن التحقيق هو بمثابة «صيد ساحرات» يستهدفه سياسياً، وشدد على أن لا تواطؤ بينه وبين حملته، من ناحية، وبين موسكو، من ناحية ثانية.
القرار الظني الصادر، أول من أمس، كان الرابع من نوعه، بعد توجيه التهم إلى أربعة من مستشاري الرئيس ممن سبق أن عملوا في حملته الانتخابية أو في إدارته. 
وجاء في القرار الاخير أن الروس اتصلوا بأميركيين، وأن الاميركيين قد يكونوا تعاونوا معهم ربما من دون معرفة هوية هؤلاء الروس، وهو ما يبقي الباب مفتوحاً لقرار ظني جديد يتهم أميركيين بالتواطؤ. كما أورد القرار ما مفاده أن هدف التدخل الروسي كان لضرب بعض المرشحين، مثل «الديموقراطية» كلينتون والجمهوريين ماركو روبيو وتيد كروز، ولدعم الجمهوري ترامب والديموقراطي بيرني ساندرز.
ويظهر إصدار القرار الظني على دفعات حذاقة مولر، الذي يبدو أنه بات يُحاصر ترامب وفريقه، بدلاً من الانقضاض على الكل دفعة واحدة. وبصدور قراره الأخير، فتح مولر الباب أمام ترامب للتراجع عن مواقفه السابقة التي نفى فيها وجود تدخل روسي في الانتخابات الاميركية.
كذلك، أجبر قرار مولر إدانة مواطنين روس من دون أميركيين ترامب على اللحاق بالقرار الظني، وتبنيه وإنْ على مضض، والإشادة بالتحقيق. ثم حاول ترامب اقتناص الفرصة للإيحاء وكأن التحقيق وصل خاتمته من دون إدانته، وهو ما يعني براءة الرئيس. 
على أن مولر، الذي أفاد من مديح ترامب، لا يبدو أنه على وشك ان ينهي تحقيقه، بل يبدو أنه مايزال في منتصف عملية تعرية المتورطين وإدانتهم، الواحد تلو الآخر.
وفي رد فعل سريع من جانب روسيا، أعلن الكرملين أنه لم يتلق أي معلومات رسمية عن لائحة الاتهام الأميركية، فيما وصفت وزارة الخارجية الروسية الاتهامات الأميركية بأنها «سخيفة» و«هراء».
بدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إن كل ما يقال عن تأثير موسكو على الانتخابات الرئاسية الأميركية «هراء».

تعديلات على تصاريح دخول البيت الأبيض

واشنطن - ا ف ب - أمر كبير موظفي البيت الأبيض بإجراء تعديلات على إجراءات منح أذون الدخول الى موقع أهم أسرار البلاد، وذلك بعد ان تمكن أحد كبار الموظفين من العمل لأشهر من دون تصريح أمني كامل.
واقترح جون كيلي، الجنرال السابق في قوات «المارينز»، سلسلة من التعديلات التي تهدف لفرض قيود على منح التصريحات الأمنية الموقتة، لكن يبدو انها تهدف أيضاً لمنع تكرار فضيحة روب بورتر.
وقد استقال المساعد بورتر الذي كان يتمتع بحرية الوصول يومياً إلى المكتب البيضوي ويطلع على وثائق بالغة السرية، إثر اتهامات بأنه كان يضرب زوجتيه السابقتين.
وكان مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) على علم بالاتهامات منذ أشهر وأبلغ البيت الأبيض، لكن بورتر ظل يتمتع بحرية الوصول الى أسرار الدولة ولقاءات حساسة.
وبين التعديلات التي يريدها كيلي، بذل الجهود لإعطاء الأولوية لأكثر القضايا إلحاحاً وتحسين تشارك المعلومات بين «اف بي آي» والبيت الأبيض.
والاجراءات على ما يبدو تمثل تهديدا محتملا لمكانة صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره الخاص جاريد كوشنر الذي يحمل تصريحاً موقتاً.

بريغوجين: إذا أرادوا أن يرونني شيطاناً فهذا شأنهم

شُبهات كبرى حول دور «طبّاخ بوتين» في إيصال ترامب إلى البيت الأبيض

واشنطن - وكالات - على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يرد فيها اسمه بالتحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن يفغيني بريغوجين الشهير بلقب «طباخ بوتين»، بات متهماً بشكل رسمي بقيادة تدخل موسكو في الانتخابات التي أوصلت الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض العام 2016.
ووجه المحقق الخاص روبرت مولر، أول من أمس، اتهامات إلى 13 مواطناً روسياً بالتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتركيز نشاطهم في ولايات كانت متذبذبة بين ترامب والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
وبعيداً عن جدل التحقيق الذي لم ينته بعد، إلا أن ورود اسم بريغوجين باعتباره متهماً رئيسياً، للمرة الأولى، يسلط الضوء على شخصية الرجل الذي ورد اسمه أيضاً بالتدخل الروسي في سورية وأوكرانيا، ووضعته وزارة الخزانة الأميركية خلال العامين الماضيين على لائحتي عقوبات.
ودور بريغوجين، حسب ما ورد في لائحة الاتهام، يتلخص بأن شركة «أبحاث الإنترنت» التي مولها قادت «عملية مذهلة أطلقت في العام 2014 لمحاولة إحداث انقسام اجتماعي بالولايات المتحدة، والتأثير في السياسة الأميركية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية العام 2016».
ويؤيد تقرير بثته شبكة «سي إن إن» في أكتوبر من العام الماضي ما ورد في لائحة الاتهام، إذ كشفت أنها اطلعت على وثائق مسربة من شركات بريغوجين تؤكد أنها موّلت «تقارير زائفة» جرى بثها على منصات التواصل واطلع عليها عشرات الملايين من الأميركيين.
كما مول بريغوجين الإعلانات التي تدخلت بالانتخابات، ومن ضمنها عقد تمويل وكالة أبحاث الإنترنت، وطرق مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث والترويج الآلي.
والمثير، حسب «سي إن إن»، أن لدى شركة بريغوجين (التي وصلت موازنتها في 2013 إلى مليون دولار شهرياً)، قسماً اسمه «قسم الاستفزازات»، مُختص بنشر الأخبار التي تثير الانقسامات في الغرب، وكيفية اختلاق الأخبار لتحقيق الأهداف التي تحددها.
وتورد لائحة الاتهام أن بريغوجين، الحليف المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قاد العام 2016 مجموعة من مئات الأشخاص تناوبوا على العمل بميزانية قدرت بملايين الدولارات، ركزت على تعزيز حملة ترامب وتحقير منافسيه، وبينهم هيلاري كلينتون.
وقدم أعضاء هذه المجموعة أنفسهم كمواطنين أميركيين على منصات التواصل في «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«إنستاغرام»، ناشرين محتوى وصل إلى «أعداد كبيرة» من الأميركيين.
وحسب الاتهام، كانت المجموعة على اتصال بعدد من الأشخاص في حملة ترامب «عن غير قصد»، وكان لديها «هدف إستراتيجي أوسع لزرع الشقاق في النظام السياسي الأميركي».
وهذا المحتوى الذي أنتجته المجموعة أعاد نجلا ترمب دونالد جونيور وإريك نشره على «تويتر»، وكذلك مسؤولون كبار في حملة الرئيس وأشخاص من داخل دائرته الضيقة.
واستخف بريغوجين بالاتهام الموجه إليه، حسب وكالة «ريا نوفوستي» الروسية، قائلاً إن «الأميركيين أشخاص حساسون جداً، يرون ما يريدون أن يروه، وأنا لدي احترام كبير لهم، أنا لستُ غاضباً على الإطلاق لوجودي في اللائحة، إذا أرادوا أن يروني شيطاناً فهذا شأنهم».
وعلى الرغم من أن بريغوجين معروف بكونه يدير شركة تعمل لصالح الكرملين وتتعهد بإعداد الطعام خلال حفلات الاستقبال فيه، فإن وسائل إعلام أميركية وروسية نشرت تقارير عن علاقة الرجل الخاصة ببوتين، لا سيما أنهما ينحدران من مدينة سان بطرسبورغ.
وبات الرجل حديث وسائل إعلام روسية وغربية عدة، لا سيما أنه أصبح من أصحاب المليارات في روسيا خلال سنوات قليلة، بعد أن تحول من «متعهد مطابخ» للجيش الروسي إلى «متعهد حروب خاصة» كان له دور في الحرب الأوكرانية وانتقل الآن إلى دور لافت في الحرب بسورية.

الأربعاء، 14 فبراير 2018

مديرو الاستخبارات الأميركية: ترامب لم يطلب التصدي للتدخل الروسي

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في جلسة استماع حازت اهتماماً واسعاً بين الأميركيين، عقدتها لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مساء أول من أمس، قوّض رؤساء وكالات الاستخبارات الأميركية الثلاث الكبار موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتمسك بمقولة ان روسيا لم تتدخل في الانتخابات الرئاسية في العام 2016، وان التقارير عن التدخل الروسي، الذي أدى الى تفوقه على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، هي تقارير من صنيعة أجهزة «الدولة العميقة»، بالتعاون مع وسائل «الإعلام المزيف».
وما ساهم في نسف موقف ترامب خصوصاً، هو ان قادة الوكالات الثلاثة - مدير الاستخبارات القومية دان كوتس، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) مايك بومبيو، ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) كريس راي - هم من تعيين ترامب نفسه، ما ينفي عنهم صفة التآمر على الرئيس بسبب أهوائهم السياسية الموالية للحزب الديموقراطي المعارض. 
وأجمع مديرو الوكالات الثلاث على أن روسيا تدخلت في انتخابات 2016، وتوقعوا أن تسعى مجدداً للعبث بالعملية الديموقراطية الأميركية عبر تدخلها في الانتخابات النصفية للكونغرس المقررة في نوفمبر المقبل، التي سيحاول فيها الديمقراطيون استعادة الغالبية في مجلس النواب البالغ عدد مقاعده 435 ومجلس الشيوخ الذي سيجدد ثلث مقاعده (33 مقعداً).
وقال كوتس ان «الولايات المتحدة تتعرض لهجوم إلكتروني» تقوده روسيا، في مسعى من الأخيرة للتأثير في نتائج الانتخابات وبسط نفوذها على المشهد الداخلي الاميركي، مضيفاً: «نتوقع أن تواصل روسيا (استخدامها البروباغاندا)، ومواقع التواصل الاجتماعي، والشخصيات الوهمية، والناطقين المتعاطفين معها، ووسائل أخرى، لبسط نفوذها ومحاولة البناء على عملياتها المتنوعة، من أجل تأجيج الانقسامات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة».
وحاول عدد من الشيوخ من الحزب الديموقراطي تحميل وكالات الاستخبارات مسؤولية التصدي للمحاولات الروسية، فجاءت الاجابة من مديري هذه الوكالات أن دورها يقتصر على التحري وجمع المعلومات والاستخبارات، وأن لا إمكانيات لديها ولا مسوّغ قانونياً للقيام بأعمال تصدي. 
على أن مديري الوكالات وجّهوا أصابع اللوم في عدم مواجهة روسيا والتصدي لتدخلاتها في الانتخابات الأميركية إلى البيت الأبيض. 
وفي هذا السياق، أجاب راي عن سؤال السيناتور الديموقراطي جاك ريد، حول إن كانت أي من الوكالات تلقت تعليمات من ترامب لمنع روسيا من التدخل، بالقول: «لم يطلب منا الرئيس ذلك».
ولاحقاً، رد ترامب على مديري وكالات الاستخبارات، عبر مصادره، بالقول انه ما زال لا يصدّق أن روسيا تدخلت في انتخابات العام 2016. 
ويحتار الخبراء الاميركيون في سرّ موقف ترامب المصرّ على نفي ما يجمع عليه الاميركيون بغالبيتهم الساحقة، بما في ذلك وكالات استخباراتهم، في موضوع التدخل الروسي.
ويعتقد بعض الخبراء أن ترامب يرى في الاعتراف بالتدخل الروسي انتقاصاً من حجم انتصاره على كلينتون، فيما يرى جزء آخر أن ترامب مدين للروس في شؤون متعددة، يتصدرها عدد من القروض التي استلفها من «دويتشه بنك» الألماني، والبالغ قيمتها 336 مليون دولار، لتمويل مشاريع بناء فنادقه وشققه الفاخرة. 
ويعتقد كثيرون أن أموال البنك الالماني هي في الواقع تبييض لأموال دائرة المسؤولين الروس المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، وهو ما يجعل ترامب مديناً بشكل مباشر لنظيره الروسي وساعياً بشكل متواصل للاصطفاف الى جانبه.
وكان ترامب رفض فرض أي عقوبات جديدة على روسيا من العقوبات التي أقرّها الكونغرس بإجماع أعضائه من الحزبين. 
وفي الاتصالات واللقاءات الثمانية التي حصلت بين بوتين وترامب، منذ وصول الأخير إلى السلطة مطلع العام الماضي، لم يعلن البيت الأبيض عن أي من هذه الاتصالات أو اللقاءات، التي جاء الاعلان عنها جميعها من موسكو، في خطوة زادت من شكوك الاميركيين بعلاقات مشبوهة لرئيسهم بموسكو.

واشنطن متمسكة بخروج الأسد عبر «جنيف» ... ولو على جثث المقاتلين الروس

واشنطن - من حسين عبدالحسين

أكدت مصادر حكومية أميركية لـ«الراي» صحة ما نشرته وكالة «بلومبرغ» حول مقتل أكثر من 100 من المقاتلين الروس المرتزقة في صفوف قوات الرئيس السوري بشار الأسد، أثناء الهجوم الذي تصدت له القوات الأميركية وحلفاءها في دير الزوور شرق سورية، يوم 7 فبراير الجاري.
وجاءت الأنباء عن مقتل هذا العدد الكبير من الروس في وقت كرر وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون، من الكويت، موقف سياسة بلاده تجاه الأزمة السورية، لناحية ان الولايات المتحدة وحلفاءها متمسكون بما يعادل 30 في المئة من إجمالي مساحة سورية، شرق البلاد، حيث الغالبية الكردية، وحيث منابع النفط.
وقال تيلرسون ان بلاده ستبقي الامور على ما هي عليها في هذه المنطقة السورية، الى أن يتم التوصل الى تسوية وفقاً لمقررات «مؤتمر جنيف»، التي تعتقد الولايات المتحدة أنها مبنية على خروج الأسد من السلطة، بموجب عملية انتقال سياسية بمشاركة كل الفرقاء السوريين.
وكانت «بلومبرغ» نقلت عن مصادر حكومية اميركية وروسية قولها إن الهجوم الذي شنته قوات الأسد وحلفاءها، ضد «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) المدعومة أميركيا شرق البلاد، قد أدى الى مقتل أكثر من 100 مقاتل روسي وجرح 200 آخرين. 
ولفتت المصادر إلى ارتفاع عدد الضحايا الروس، في مشهد قد يعيد إلى أذهان المسؤولين الروس صوراً من «كابوس أفغانستان»، حين عانى الاتحاد السوفياتي من مستنقع دموي بسبب قيامه باحتلال أفغانستان في العام 1979، ثم خروجه مُجبراً منها بعد نحو العقد من الزمن.
وقال المسؤولون الاميركيون إنه أثناء تصديهم مع الحلفاء لهجوم الأسد والروس، أعلمت القيادة العسكرية الأميركية نظيرتها الروسية بأنها كانت بصدد توجيه ضربة قوية للمهاجمين، وان على موسكو سحب أي قوات لها يمكن أن تكون في منطقة الهجوم.
لكن يبدو أن موسكو، التي ترسل مقاتلين روس يعملون في شركات أمن خاصة للقتال في صفوف قوات الأسد، آثرت أن لا تصرّح عن مشاركة قوات تابعة لها على الأرض، وحاولت إعلامهم في الخفاء وتدبير انسحابهم، إلا أن أوامر موسكو لم تصل للمقاتلين الروس في الوقت المطلوب، ففتكت بهم القوتين الجوية والمدفعية الاميركية، وأوقعت في صفوفهم مئات القتلى والجرحى.
وقال الاميركيون إنهم حاولوا حفظ ماء الوجه لموسكو، أولاً بإعلامها بالهجوم لسحب مقاتليها، وثانياً بعدم الاعلان عن هوية القتلى في صفوف المهاجمين، لكن الخبر انتشر على نطاق واسع في صفوف الأهالي والمقاتلين المحليين. 
ويقول المسؤولون الاميركيون انهم أملوا بأن يقنع فشل هجوم الأسد وروسيا على مناطق تواجد مستشارين عسكريين أميركيين وقوات حليفة لأميركا بأن واشنطن «أكثر من جدية» في احتفاظها بالسيطرة على المناطق التي ينتشر فيها حلفاؤها، علماً أن هذا التصدي لم يكن الأول من نوعه ضد قوات أو مقاتلات تابعة لتحالف روسيا وإيران والأسد.
كذلك، أعرب المسؤولون الاميركيون عن أملهم في أن تعتبر القوى الاقليمية الاخرى، المنخرطة في الحرب السورية، من تجربة الهجوم الروسي الفاشل، وأن لا تحاول هذه القوى أن «تمتحن العزم الاميركي في رسم خطوط بالنار»، في إشارة إلى جدية الولايات المتحدة في استخدام قوتها النارية المتفوقة للإبقاء على مناطق النفوذ في الشمال السوري على ما هي عليه.
في المقابل (وكالات)، نفت روسيا التقارير عن مقتل مئات الروس، نتيجة ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سورية.
وقال مصدر في وزارة خارجيتها للصحافيين، أمس، «إن المعلومات عن مئات القتلى الروس هي معلومات كلاسيكية مضللة». وتزامناً، أعلن الكرملين أن روسيا لا تعتزم فرض أي قانون أو قيود على سفر المواطنين الروس إلى سورية، مشيراً إلى أنه لا يمكن استبعاد وجود مدنيين روس في سورية لكن ليس لهم صلة بالقوات المسلحة الروسية.

الثلاثاء، 13 فبراير 2018

للبيع: سياسيون في لبنان

بقلم حسين عبد الحسين

في لبنان رواية رسمية مفادها أن دولة سيدة ومستقرة تعمل بموجب قوانينها ودستورها، تحكمها سلطة تنفيذية (رئيسا جمهورية وحكومة) منبثقة عن برلمان منتخب. ولأن لجارة لبنان الجنوبية إسرائيل أطماعا في أرض لبنان ومائه وغازه البحري، يحافظ اللبنانيون على "مقاومة" يفترض أنها عفوية منبثقة عن "الأهالي وصمودهم"، وهو ما حول "الصيغة اللبنانية" من دولة لطوائفها إلى دولة شعارها "الشعب والجيش والمقاومة". هذا في الخيال.

أما الحقيقة، فمفادها أن من يعيشون في بقعة الأرض المسماة لبنان ينحدرون من حضارة دفعتها طبيعة أرضها التي تفتقر إلى أنهار كبيرة ومحاصيل زراعية كافية، إلى استخدام مواردها الطبيعية، أي الأشجار، لبناء سفن ولإحراق الخشب لاستخراج معادن، ولتأسيس شبكة تجارية امتدت من حمص في سورية إلى شواطئ الأطلسي في البرتغال والمغرب.

لم يبق أمام الحريري إلا كتلته النيابية الضخمة، فباعها لـ"حزب الله" مقابل عودته رئيسا للحكومة

على أنها على براعتها، لم تتحول الشبكة الفينيقية يوما إلى هوية جامعة، بل حافظت على هوية أفرادها كتجار شنطة، ينقلون بضائع الآشوريين إلى المصريين، ويوالون الغرب ضد الشرق، أو العكس، سعيا لمكاسب شخصية لزعمائهم، الذين يخطؤون بين الحين والآخر، فيفرون في سفنهم، مثل ملك صور "لولي"، الذي فرّ وفينيقيوه إلى منفاهم في قبرص في القرن السابع قبل الميلاد، بعدما أغضب أسياده الآشوريين. وهكذا، لم يؤسس الفينيقيون يوما، على براعتهم، شعبا متجانسا أو أمة أو حضارة ذات نفوذ.

إقرأ للكاتب أيضا: مواصفات الاستبداد

لبنانيو اليوم مثل فينيقيي الأمس، تجار مواقف سياسية للطرف الإقليمي الذي يدفع أكثر. في ليلة واحدة، انقلب مؤيدو جمال عبد الناصر والوحدة العربية إلى أزلام عدوته اللدودة السعودية، وشذب شيوعيو لبنان لحاهم حتى تصبح إسلامية تتناسب مع الثورة الإيرانية، وانقلب بعثيو صدام حسين العراقي إلى بعثيي حافظ الأسد السوري.

الانتهازية بين السياسيين مفهومة، فهؤلاء بطبيعتهم ينافقون. المشكلة هي في سرعة ورشاقة الانقلاب في صفوف محازبيهم.

في سني منفاه الباريسي، زار رئيس لبنان الحالي ميشال عون الكونغرس الأميركي، وأخبره أنه خلال عمله ضابطا، لم تكن مزارع شبعا لبنانية، بل كان فيها مركز شرطة سوري طرد عون ودوريته العسكرية من المنطقة.

قال عون يومذاك إن لا مشكلة للبنان مع إسرائيل، وإن حكام سورية من آل الأسد يستغلون لبنان لتصفية حساباتهم مع الإسرائيليين، وإن آل الأسد يفعلون ذلك عبر أداتهم "حزب الله"، الذي وصفه عون يومذاك بالتنظيم الإرهابي.

منذ عودته من باريس إلى لبنان، قبل أكثر من عقد، انقلب عون ومناصروه على أنفسهم: صار الأسد، الذي طرد عون من قصره في لبنان إلى منفاه في فرنسا، حامي مسيحيي الشرق، وصار "حزب الله" حامي لبنان في وجه "العدو الإسرائيلي".

ومثل عون، انقلب رئيس حكومته سعد الحريري، الذي بكى أثناء خطابه المباشر الذي أعلن فيه قيام محكمة دولية لمحاسبة قتلة والده، وهي محكمة أصدرت قرارا اتهاميا بحق خمسة قياديين في "حزب الله". أوعز أسياد الحريري إليه إنهاء الخصومة مع الرئيس السوري بشار الأسد، فزار سعد الحريري دمشق وأمضى ليلة في ضيافة الأسد، قبل أن يغضب أسياد الحريري، ويغضب هو على الأسد، على إثر اندلاع الثورة السورية في العام 2011. ثم غضب أسياد الحريري عليه، وانتزعوا منه شركة والده، وسمحوا للمحاكم بإذاعة اسمه كمدعى عليه بالتخلف عن التزاماته المالية.

لبنان دولة ذات سيادة خيالية. أما في الواقع، فلبنان مشاع يحكم فيه القوي الضعيف، ويصفق الضعيف لأسياده

لم يبق أمام الحريري إلا كتلته النيابية الضخمة، فباعها لـ"حزب الله" مقابل عودته رئيسا للحكومة، بشكل يعوض عنه خسارة إمبراطوريته المالية في بلد كلبنان يحل في مراتب متقدمة في الفساد العالمي، بحسب ترتيب "الشفافية الدولية".


لبنان يستعد لانتخابات نيابية في غضون أشهر قليلة. لن تغير نتائج الانتخابات الكثير، بل ستعيد رسم حجم الكتل الانتخابية بشكل طفيف. "حزب الله" يمسك بقرارات لبنان السيادية، خصوصا السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية، فيما "تجار الشنطة" من السياسيين اللبنانيين يتسابقون في انتخابات نيابية يسعى كل منهم فيها لنيل أكبر عدد من المقاعد النيابية للحفاظ على حصصه المالية والإدارية في الدولة.

في صدارة هؤلاء السياسيين اللبنانيين وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يعتقد أن "مجلس النواب" المتوقع انتخابه هو الذي سينتخب خلفا لحماه عون، وباسيل طبعا يعوّل على أن يكون هو رئيس لبنان المقبل بعد عون. وهو لهذا السبب، يطلق التصاريح وعكسها، من أنه يختلف و"حزب الله"، إلى دعوته دول العالم إلى مقاطعة الولايات المتحدة، بل فرض حصار عليها. الوزير العتيد مستعد لقول ما يلزم لانتزاع أكبر حصة في الثروة النفطية المزمع استخراجها بالشراكة مع الحريري والسياسيين الآخرين، وليصل للرئاسة.

لبنان دولة ذات سيادة خيالية. أما في الواقع، فلبنان مشاع يحكم فيه القوي الضعيف، ويصفق الضعيف لأسياده.

ثم يصطف اللبنانيون جميعهم أقوياء وضعفاء، من معارضي "حزب الله" أو من مؤيديه، على أبواب سفارات أميركا وكندا وأوروبا. يتسللون بعيدا عن الأنظار لتلد نساؤهم في دول متقدمة يحوز فيها أولادهم على جوازات سفر محترمة. ثم يعودون إلى لبنان ويستأنفون صراخهم ضد الإمبريالية ومطامع إسرائيل وإلى ما هناك من تفاهات.

الاثنين، 12 فبراير 2018

مقاييس خاصة للفقر في أميركا

واشنطن - حسين عبدالحسين

أشعلت مقالة الأميركي الفائز بجائزة «نوبل» في الاقتصاد آنغس ديتون، النقاش حول معدلات الفقر في الولايات المتحدة مقارنة ببقية بلدان العالم. وأورد ديتون عدداً من الأسباب التي دفعته للاعتقاد بأن عدد من يعيشون في الفقر الشديد يبلغ 3.5 مليون أميركي، وأن هذا الرقم يضع البلد في مصاف بعض الدول النامية، ما يتطلب مراجعة لسياسة المساعدات الأميركية الخارجية، وإعادة توجيهها نحو فقراء الداخل.

ويصنف «مكتب الإحصاءات الأميركي» كل أسرة أميركية مؤلفة من ٤ أفراد مع مدخول سنوي أقل من ٢٢ ألف دولار على أنها تعيش في الفقر. لكن التصنيف الأميركي يختلف عن التصنيف العالمي الذي يرى أن الفقير هو كل فرد يعيش على دولارين يومياً. ولو طبقنا المعايير الدولية على أميركا، ينخفض عدد الفقراء الأميركيين من ٤٥ مليوناً، وفقاً للحكومة الأميركية، إلى أقل من مليون وفقاً للمنظمات الدولية.

وكان «البنك الدولي» أعلن في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن تقاريره عن الفقر في العالم ستتضمن فقراء الدول المتطورة مثل أميركا.

الاختلاف في تصنيف الفقر، والاختلاف في قياسه، كان محور النقاش الأميركي حول عدد الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر. ديتون رفض اعتماد رقم دولارين لتصنيف الأميركيين فقراء، إذ يعيش فقراء الدول غير المتطورة في بلدان تقل فيها تكلفة المعيشة كثيراً عنها في الولايات المتحدة، وأن البنية الاجتماعية في الدول النامية تسمح للفقراء بالعيش في منازل الأقارب، وهو ترتيب أقل شيوعاً بكثير بين الأميركيين. كذلك، تقل تكاليف المواد الغذائية بكثير في الدول النامية منها في أميركا. هذا التفاوت دفع ديتون لاعتبار أن عتبة الفقر في أميركا يجب أن تكون ٤ دولارات يومياً، ما يجعل رقم الاميركيين ممن يعيشون في فقر شديد 3.5 مليون مواطن، وهو ما يدفع أميركا الى الصدارة في الفقر الى جانب الدول غير المتطورة.

على أن عدداً لا بأس به من المعلقين تصدوا لديتون، وأشاروا إلى ما وصفوه بـ «ثغرات» في منهجيته، في طليعتها قياسه الفقر في أميركا نسبة الى المدخول، فيما تقيس المنظمات الدولية الفقر في الدول النامية وفقاً لإنفاق الفرد، أي أن المستطلعين لا يسألون المستفتين عمّا يجنونه في اليوم لاعتقادهم بأن هؤلاء سيعمدون إلى المبالغة في فقرهم، فيوجّه المستفتون السؤال التالي: ماذا اقتنيتم اليوم؟ والسؤال الأخير يأخذ في عين الاعتبار المقتنيات والمساعدات العينية، مثلاً في حال حصول الفرد على وجبات غذائية حكومية مجانية، يتم احتسابها في خانة المدخول الفردي.

وإذا ما تم تطبيق الوسيلة ذاتها على محدودي الدخل الأميركيين، يتبين أن هؤلاء يحصلون على مساعدات عينية أكبر كثيراً مما يجنيه أقرانهم في الدول النامية، فالحكومة الفيديرالية الأميركية تمنح قسائم غذاء لذوي الدخل المحدود، وهي قسائم تسمح لاصحابها بشراء تموينات غذائية من المخازن، ما يمكن احتسابه في خانة المصروف، حتى في حال انعدام المدخول.

بكلام آخر، جزء من احتساب دخل الفقراء مبني على ما يجنيه هؤلاء عينياً، إلى جانب مدخولهم النقدي البسيط، في حال توافره. ما يفعله ديتون هو أنه لا يحتسب البرامج الحكومية الأميركية لمساعدة الفقراء، ما يرفع من نسبتهم، ويجعلها مشابهة لما هي عليه في عدد من الدول النامية.

وكانت مراكز البحوث اليمينية، مثل «جمعية تراث»، حاولت الاشارة إلى أن فقراء الولايات المتحدة في وضع أفضل كثيراً من فقراء العالم، فأصدرت دراسة، قبل سنوات، أكدت فيها أن ٨٢ في المئة ممن يصنفهم «مكتب الإحصاءات» في خانة الفقراء يملكون جهاز فرن كهربائياً (ميكرويف)، وأن ٦٥ في المئة من ٤٣ مليون فقير أميركي يملكون أكثر من جهاز تلفاز في منازلهم، وأن ٦٤ في المئة منهم مشتركون في باقات القنوات الفضائية. وأضافت الدراسة أن ٥٥ في المئة من فقراء أميركا يملكون هواتف خلوية، و٣٩ في المئة منهم يملكون جهاز كمبيوتر.

على أن ”القطبة المخفية“ في دراسة ”جمعية تراث“ تكمن في أنها تشمل كل من يصنفهم ”مكتب الاحصاءات“ في خانة الفقراء، لكن من يقبعون في فقر شديد يعانون بلا شك من دون أن تظهر معاناتهم في استفتاءات من هذا النوع.

هل يتوجب على الولايات المتحدة وقف مساعداتها إلى فقراء العالم وإبدال اتجاه هذه المساعدات إلى فقراء الداخل؟

الإجابة هي لا، وفقاً للمعلّق ريان بريغز، الذي يعتقد أن نسبة المساعدات الأميركية الى العالم متدنية سنوياً مقارنة بالدول المتطورة الأخرى. صحيح أن حجم المساعدات الأميركية هو الأكبر في العالم، لكنه بالكاد يبلغ ١ في المئة من الموازنة السنوية للحكومة الفيديرالية، ما يجعله ضئيلاً ويجعل تأثيره، لناحية تحسين صورة أميركا الإنسانية وموقعها في العالم، أكبر كثيراً من كلفته.

ويعتقد بريغز أن واشنطن يمكنها العمل على تقليص الهوة بين الأثرياء والأقل دخلاً، لكن ذلك لا يعني أن فقراء أميركا يعيشون في الفقر المدقع ذاته والظروف التي يعاني منها فقراء العالم.

صراعٌ لتحديد شكل المواجهة ومسرحها... إيران تريدها معركة ميليشيات وإسرائيل تُفضّل حرباً شاملة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

تأكيداً لما أوردته «الراي» قبل أيام، نقلاً عن مصادر ديبلوماسية في العاصمة الأميركية، تصاعد التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران، مع إسقاط حلفاء طهران مقاتلة إسرائيلية في سورية، أول من أمس، فردت تل أبيب بتدمير جزء من نظام الدفاع الجوي العائد لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وتعتقد جهات أميركية وإسرائيلية انه منذ فترة ليست قصيرة، يدير بعض الأنظمة الصاروخية العائدة لنظام الأسد مقاتلون في «حزب الله» و«الحرس الثوري» الايراني، وأنها بمهاجمتها مواقع الدفاع الجوي العائدة للنظام، هاجمت إسرائيل أهدافاً إيرانية داخل سورية. 
وفي ظل تصاعد التوترات، تسارعت الوساطات الأوروبية لاحتواء الموقف، وهي الوساطات نفسها الناشطة منذ أسابيع لنزع فتيل التوتر بين الجهتين، ولحمل الايرانيين على «عدم اختبار الاسرائيليين»، خوفاً من ردة فعل هؤلاء، واعتبار تل أبيب أنه تم تجاوز «الخطوط الحمر» وكسر «قواعد اللعبة»، ما من شأنه أن يؤدي إلى الانخراط في حرب اسرائيلية شاملة ضد «حزب الله» في لبنان. 
ولا يفهم الأوروبيون ما الذي تريده ايران تحديداً، فهي إنْ كانت تسعى للابقاء على نظام الأسد، فهذا أمر لا تعارضه إسرائيل، حسب المصادر الديبلوماسية الأوروبية في واشنطن، التي أوضحت أن «ما تعارضه إسرائيل هو أي تغيير في موازين القوى العسكرية المتفق عليه منذ انتهاء حرب يوليو 2006، سواء في لبنان أو في سورية».
ربما يحاول الإيرانيون أخذ إسرائيل رهينة حتى يوافق العالم، خصوصاً الولايات المتحدة، على الانسحاب من الاراضي السورية وإعادتها الى سيادة الأسد. أو ربما تعتقد إيران أن اسرائيل تقف وراء التحول في موقف واشنطن لناحية الابقاء على وجود عسكري أميركي في سورية، شرق الفرات، خصوصاً في المناطق النفطية التي يمكنها تأمين بعض الأموال لنظام الأسد المتهالك.
في وسط البحث بنوايا ايران الاقليمية المعقدة، ينقل الديبلوماسيون الاوروبيون عن الاسرائيليين قولهم إن «موقف تل أبيب بسيط وواضح»، ويقضي بـ«الإبقاء على ميزان القوى على ما كان عليه منذ 2006، وأي محاولة تغيير في هذا الميزان سيدفع إسرائيل الى مجابهتها، حتى لو أدى ذلك الى حرب شاملة مدمرة».
وتميّز إسرائيل بين «الحملة العسكرية» و«الحرب»: الأولى تشنها بالقوات النظامية في مهلة محدودة، فيما الثانية تتطلب استنفاراً عاماً واستدعاء الاحتياط للانضمام الى صفوف الجيش. 
وحسب المصادر الأوروبية، فإن أي مواجهة إسرائيلية مع إيران ستكون «حرباً»، ولن تكون مجرد «حملة عسكرية»، ولذلك فإن «الإسرائيليين يحاولون قدر الامكان تفادي تصعيد الأمور لأن لا حلول وسط» في أي مواجهة عسكرية ضد إيران وحلفائها. 
وتقول المصادر ان «إسرائيل ليست مهتمة بحرب احتواء أو حرب استنزاف أو أي حروب تتحول الى مستنقعات دموية، وهي الحروب التي تسعى إيران الى توريط اسرائيل فيها».
ومثل إسرائيل، سبق لمسؤولين أميركيين أن كرروا أنهم لا يمانعون الانخراط في مواجهات عسكرية شاملة، سواء ضد نظام الأسد أو إيران أو روسيا أو تركيا، للحفاظ على مناطق النفوذ الأميركية شرق الفرات. وتالياً، فإن ما لن تفعله واشنطن، هو الانخراط في معارك كر وفر ضد ميليشيات في مناطق مأهولة بالسكان. 
إذاً، هي معركة اختيار كيفية المواجهة ومسرحها: الإيرانيون يريدونها مواجهة ميليشيات في وجه قوات إسرائيل أو أميركا النظامية، فيما إسرائيل وأميركا تصرّان على الابتعاد عن هذا النوع من الحروب، والخوض عوضاً عنها في حروب شاملة مدمرة يتم الاعتماد فيها إلى تفوق قوتيهما النارية والتكنولوجية. 
ولأن نوعية الحرب التي قد تخوضها إسرائيل ستكون من النوع المدمر «بشكل يعيد لبنان (أو سورية) إلى عصور الظلام»، حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فإن تل أبيب تسعى إلى تفادي هذا النوع من الحرب وإقناع الإيرانيين، عبر الوسطاء الدوليين، بأنها ستكون حرباً مؤلمة كثيراً لإيران، وحلفائها، وحلفائهم (مثل الحالة اللبنانية). 
في المواجهة الأخيرة التي أسقط فيها تحالف إيران مقاتلة «اف 16» إسرائيلية فوق مناطق الجليل، ردت تل أبيب بتدمير جزء كبير من البنية التحتية لمنظومة الدفاع الجوي الروسية العائدة للأسد. 
«في المرة المقبلة»، يقول الديبلوماسيون الأوروبيون، «لن تتوانى إسرائيل عن تدمير الدفاعات الجوية العائدة للأسد عن بكرة أبيها»، لكن الاسرائيليين يسعون لإقناع الايرانيين بضرورة احترام قواعد اللعبة، لما فيه مصلحة تل أبيب ومصلحة حلفاء طهران، وفي طليعتهم الأسد وقوته العسكرية المتهالكة أصلاً.

أي رسالة وجهتها روسيا لأميركا بإسقاط الـ «إف 16»؟

«روسيا منحت الضوء الأخضر للنظام السوري لإسقاط الطائرة الإسرائيلية» هذا ما ذهب إليه المحلل الإستراتيجي الروسي فاتشسيلاف ماتزوف في مقابلة مع قناة «الجزيرة» الفضائية، وتلاه محللون إيرانيون وإسرائيليون ذهبوا لذات النتيجة.
وخلاصة حديث ماتزوف أن موسكو استخدمت إسقاط الطائرة الإسرائيلية كصندوق بريد وجهت من خلاله رسالة للولايات المتحدة التي قال إنها غيرت قواعد اللعبة في سورية، عبر تمريرها صواريخ مضادة للطائرات لمن وصفهم بـ«الإرهابيين» الذين تمكنوا من إسقاط طائرة «سوخوي 25» فوق إدلب الأسبوع الماضي.
وأضاف المحلل الروسي إن موسكو منزعجة من الغارة الأميركية على «الحشد الشعبي السوري» في دير الزور قبل أيام والذي أسقط نحو مئة قتيل، مشيراً إلى معلومات غير رسمية عن وجود جنود روس بين القتلى.
وبرأيه فإن «روسيا منحت إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ غارات داخل سورية خلال الأعوام الماضية»، وبعثت رسالة مفادها أن هذه المعادلة تغيّرت.
بدوره، أيّد الخبير الإيراني في القضايا الإقليمية حسين ريوران هذا الراي، قائلاً إنه «لا يمكن القول إن النظام (السوري) أرسل هذه الرسالة من دون التنسيق مع إيران، وإن الاثنين لا يمكن أن يقوما بذلك من دون التنسيق مع روسيا». ووسط البحث عن الخطوط الحمراء والأضواء الخضراء في ما جرى أول من أمس، تحدث محللون إسرائيليون عن قناعة تل أبيب بأن لا شيء يحدث في سورية من دون علم روسيا.
وترجيحاً لنظرية «صندوق البريد»، تساءل المحلل العسكري رياض كريشان عن سبب غياب الدفاعات الجوية التي أسقطت الطائرة الإسرائيلية عن اعتراض الطائرات التي أغارت على أهداف سورية عدة بعد الغارة.
ورجح أن يكون هناك دور لروسيا في عدم تكرار حادث إسقاط الطائرة عبر منع استخدام منظومات الدفاع الجوي الروسية مرة ثانية.

السبت، 10 فبراير 2018

خارجيات 23 الديموقراطيون في أميركا ينتظرون «الموجة الزرقاء»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مع تسارع التقارير حول التحقيقات في إمكانية تورط الرئيس دونالد ترامب مع روسيا في اختراق حسابات منافسيه الديموقراطيين في انتخابات 2016، ينتظر الديموقراطيون بفارغ الصبر موعد الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل لتوجيه صفعة للرئيس وتحجيم نفوذه.
وكانت نتائج انتخابات محلية في ولاية ميزوري الجنوبية، حيث الغالبية مؤيدة للجمهوريين وحيث تغلب ترامب على منافسته هيلاري كلينتون بفارق 28 نقطة، شهدت مفاجأة بفوز مرشح ديموقراطي في دائرة لم يترشح فيها ديموقراطيون منذ الستينات، بسبب صلابتها في موالاة الجمهوريين.
هذه النتيجة، بعد المفاجأة التي فجرها الديموقراطيون باقتناصهم مقعداً في مجلس الشيوخ من ولاية ألاباما المؤيدة للجمهوريين تقليدياً كذلك، قبل أسابيع، وبعد النتائج الباهرة التي حققها الديموقراطيون في انتخابات ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي، كلها منحت الديموقراطيين الأمل بإمكانية استعادتهم مجلس النواب في الكونغرس على ظهر موجة شعبية عارمة «زرقاء»، نسبة الى لون الحزب التقليدي، في الانتخابات هذا الخريف، على غرار الموجة الديموقراطية الكاسحة في العام 2006.
وكانت الأيام الأخيرة شهدت بعض التراجع في استطلاعات الرأي للديموقراطيين أمام الجمهوريين، من تفوق بواقع 12 نقطة مئوية إلى تفوق بست نقاط مئوية فقط. وعزا المتابعون هذا التراجع إلى سلسلة الاخبار الطيبة، خصوصا الاقتصادية، التي طغت على تطورات الاسبوعين الماضيين.
إلا أن الأخبار الاقتصادية تتأرجح بين إيجابية وسلبية، وأسواق المال هبطت فجأة من دون إنذار، وهو ما يعني أن رهان الجمهوريين على الاقتصاد لحفاظهم على الغالبية في الكونغرس، هو رهان محفوف بالمخاطر.
وفي هذا السياق، أصدر «مركز كوك» للأبحاث الانتخابية، وهو مركز غير حزبي يتمتع بمصداقية واسعة في الأوساط الأميركية، تقريراً جاء فيه ان التقديرات انقلبت في 21 دائرة انتخابية لمصلحة الديموقراطيين. 
ويتفوق الجمهوريون على الديموقراطيين بـ 24 مقعداً في مجلس النواب، ويمني الديموقراطيون أنفسهم بإمكانية انتزاع الغالبية بسبب إعلان 36 عضواً من الجمهوريين في الكونغرس نيتهم التقاعد. وإعلانات من هذا النوع تمنح المنافسين الأمل بإمكانية اقتناص المقعد الخالي، إذ أن مواجهة عضو في الكونغرس يسعى لإعادة انتخابه أصعب بكثير من مواجهة مرشحين للمرة الاولى.
وعلى مدى الأسبوع الماضي، تراجع اهتمام الإعلام الاميركي بموضوع التحقيقات الروسية بعض الشيء، بعد إعلان فريق محامي ترامب نيته عدم الموافقة على التحقيق معه، وانشغل الأميركيون بتقارير أظهرت أحد أعمدة الفريق الرئاسي روب بورتر وقد اعتدى على زوجتين سابقتين له. وكان «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) امتنع عن منح بورتر الاذونات المطلوبة لاطلاعه على التقارير الحكومية السرية، وذلك بعد عام على عمر الادارة، وهو ما اثار فضول الأميركيين، الذين اكتشفوا أن سبب حجب الاذونات عن بورتر يعود لاعتدائه على زوجتين سابقتين قبل أعوام.
وممن لم يتم منحهم أذونات حتى الآن كبير مستشاري الرئيس وصهره جاريد كوشنر، الذي تخشى السلطات الأمنية الأميركية من علاقاته بجهات صينية قد تسعى للحصول على أسرار الدولة، في حال تم السماح له بالاطلاع عليها.
ووسط تقارير اعتداء أعضاء في الفريق الرئاسي على زوجاتهم وحجب الأذونات عن آخرين بسبب علاقات مشبوهة لهم مع الحكومة الصينية، ينتظر الأميركيون صدور كتاب مدير «اف بي آي» السابق جيمس كومي، الذي كان ترامب طرده العام الماضي بسبب رفضه التعهد بإقفال ملف التحقيقات الروسية أو إعلان ولائه للرئيس، وهو كتاب من المتوقع أن يساهم في المزيد من الضعضعة الانتخابية للجمهوريين بسبب اهتزاز رئيسهم وتكاثر فضائحه وفضائح أفراد فريقه.

الجمعة، 9 فبراير 2018

أميركا بانتظار تركيا... في منبج

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«هذه الإدارة لا تمزح»... بهذه العبارة افتتح أحد المسؤولين الأميركيين واحدة من الجلسات المغلقة المخصصة للتعليق على قصف مقاتلات ومدافع أميركية قوات تابعة للرئيس السوري بشار الأسد حاولت التقدم نحو مناطق النفوذ الأميركية في سورية شرق الفرات، حيث أعلنت القوات الاميركية مقتل 100 من أصل 500 مقاتل من القوات الموالية للأسد.
ثم يعدد المسؤول المرات التي «حاولت فيها روسيا وإيران والأسد» امتحان جدية الحكومة الاميركية الحالية، فأرسلت ايران قوات ارضية لم تتوان القوة الاميركية الجوية عن تدميرها. بعد ذلك ارسل الأسد مقاتلة «سوخوي»، فاسقطتها أميركا... فطائرة ايرانية من دون طيار، ثم مقاتلتي «سوخوي» روسيتين قامت مقاتلتان اميركيتان بطردهما من أجواء منطقة شرق الفرات. 
وفي الفترة الاخيرة، دأب مسؤولون اتراك على تكرار تحذيراتهم للقوات الاميركية من مغبة بقائها في منبج ومناطق سورية اخرى حيث تنتشر مجموعات مسلحة كردية. وحذر المسؤولون الاتراك، بمن فيهم الرئيس رجب طيب اردوغان، من اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين الحليفين في حال عدم انسحاب الاميركيين.
ويقول المسؤولون الاميركيون ان على اردوغان ان ينظر الى تجارب روسيا وايران والأسد حتى يفهم مدى جدية واشنطن في تصديها لاي محاولات اختراق للمناطق التي ينتشر فيها حلفاؤها... «اذا كان الاتراك يحذرون من بقائنا في منبج تحت طائلة المواجهة العسكرية، فنحن بانتظارهم».
وحسب المسؤولين، فان «سورية تعاني من انهيار سلطتها المركزية، وهو ما يدفع القوى العالمية الى حماية مصالحها داخل سورية بنفسها، ولا افضلية لاحدها على الاخرى، ولا صلاحية للمسؤولين الاتراك في توجيه انذارات للقوات الاميركية المتواجدة في اي بقعة من الارض السورية».
المسؤولون شددوا على جدية هذه الادارة في المواقف التي تتخذها، وغمز احدهم من قناة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي حذر الأسد في العام 2012 من مغبة استخدام الاسلحة الكيماوية تحت طائلة توجيه ضربة له، ثم تراجع أوباما عن الضربة... «خطوطنا الحمراء لا تراجع عنها»، قال احد المسؤولين. 
يضيف المسؤولون ان «لا عودة لشمال سورية شرق الفرات الى سيادة دمشق ما لم يخرج الأسد من الحكم، وتتوصل الاطراف المتنازعة الى تسوية ترضي الجميع». هذا الموقف الذي دأب المسؤولون الاميركيون على تكراره، واوردته وزارة الدفاع في نص استراتيجيتها الدفاعية للعام 2017. 
لم تحرر الولايات المتحدة مناطق شرق سورية من «داعش» لتهديها للأسد وحلفائه، او هذا على الأقل ما يستنتجه اي مشارك في الجلسات المغلقة.
يقول المسؤولون الاميركيون ان ادارة الرئيس دونالد ترامب لا ترغب في مواجهات عسكرية مع اي من الاطراف المنتشرة في الاراضي السورية، «لكن أميركا لن تسمح في الوقت نفسه لهذه القوات في تحديد اين يمكن لاميركا ان تنشر قواتها وحلفائها واين لا يمكنها ذلك».
وكان المسؤولون الروس حاولوا الايحاء بوجود فارق بين انتشار قوات روسيا في سورية، بدعوة من «الحكومة السورية»، وانتشار الاميركيين، رغم ارادة حكومة الأسد. 
وفي هذا السياق، يقول المسؤولون الاميركيون ان «شرعية الأسد وحكومته انتهت منذ زمن بعيد، وان عضوية حكومته تم تعليقها في الجامعة العربية ومعظم المحافل الدولية، ولا عودة لأي حكومة سورية الى عضوية هذه الجمعيات الدولية، وتاليا لا سيادة، من دون خروج الأسد من الحكم».

الخميس، 8 فبراير 2018

عواصم أوروبية تُفاوض إيران لمنع حرب إسرائيلية وشيكة على «حزب الله»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

«السؤال هو ليس إنْ كانت إسرائيل ستضرب قواعد إيرانية في لبنان، بل متى؟»... بهذه الكلمات لخّصت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى في واشنطن الموقف الهش بين إسرائيل ولبنان.
وكشفت أنه في الاجتماع الذي استغرق خمس ساعات بينهما في موسكو قبل نحو أسبوعين، حمّل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة إلى الإيرانيين مفادها ان إسرائيل ستضرب قواعد إنتاج الصواريخ في لبنان، حتى لو أدى ذلك إلى حرب مدمّرة مع «حزب الله».
وقالت المصادر الديبلوماسية إن مساعي دولية حثيثة تجري عبر أكثر من عاصمة لإفهام الإيرانيين فداحة الموقف وجدية الاسرائيليين في إنهاء ما يعتبرونه تهديداً جدياً لهم. 
وشرحت الموقف الاسرائيلي على الشكل التالي: «في حرب يوليو من العام 2006، أسست إسرائيل لما تسميه (عقيدة الضاحية) القاضية بإلحاق دمار شامل بمناطق مناصري (حزب الله) والبنية التحتية فيها، وفهم الحزب الموقف الاسرائيلي، ومنذ ذلك الحين التزم الطرفان التهدئة تحت طائلة الحرب الشاملة كوسيلة ردع». 
وأضافت المصادر: أن «جزءاً من الردع الذي أسسه الاسرائيليون يقضي بعدم استيراد (حزب الله) لأي أسلحة نوعية من شأنها أن تُغيّر في موازين القوى، على سبيل المثال أنظمة دفاع جوية معينة يمكنها تقويض التفوق الاسرائيلي المطلق في الجو».
لكن يبدو أن إيران «تحب اللعب على حافة الهاوية، وهي لم تقم بتأسيس مصنع للصواريخ أو أكثر في لبنان فحسب، وهذه مشكلة يمكن لإسرائيل استيعابها من دون تصعيد»، حسب المصادر التي أوضحت أن «مشكلة إيران تكمن في محاولتها تزويد (حزب الله) بصواريخ تتمتع بدقة إصابة الأهداف عن بعد، وهذا تهديد استراتيجي جدي للاسرائيليين يدفعهم بالذهاب إلى حرب شاملة من أجل وقفه».
المشكلة الثانية، وفقاً للمصادر الديبلوماسية في واشنطن، تتمثل بقلق الاسرائيليين من قيام طهران بتزويد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بصواريخ ألمانية صُنعت في العام 2016، واستخدمتها قواته في هجمات بأسلحة غير تقليدية ضد فصائل المعارضة السورية، «وهذه صواريخ وجدت طريقها إلى دمشق، وصارت على مقربة من متناول (حزب الله) في بيروت». علماً أن المسؤولين الاسرائيليين كانوا وجهوا اتهامات للأسد، في حرب 2006، بتزويد الحزب اللبناني بصواريخ من مخازن جيشه.
نتنياهو يُلاحق بوتين منذ أكثر من سنتين للتصدي لهذه المشكلة وتفادي الحرب مع «حزب الله»، لكن يبدو هذه المرة أن إسرائيل حصلت على معلومات استخباراتية جدية أثارت قلقها، ودفعت رئيس حكومتها إلى زيارة موسكو على عجل لتحميل بوتين رسالة للإيرانيين مفادها أن تل أبيب لن تتردد في الذهاب إلى حرب مدمرة ضد «حزب الله» في لبنان وسورية، إنْ لم تتوقف إيران عن محاولة التلاعب في ميزان القوى العسكري بين الطرفين.
كعادته، وعد بوتين نتنياهو أنه «سيتصرف»، لكن المصادر تعتقد أن «بوتين لم يفِ بوعوده للإسرائيليين في الماضي، ومن المستبعد أن يفي بها مستقبلاً، وهو ما يزيد من فرص اندلاع حرب، خصوصاً في ظل إدارة أميركية لا تمانع أي حملة عسكرية إسرائيلية من هذا النوع».
ومع تصاعد التوتر، «دخلت عواصم أوروبية على خط التهدئة في محاولة لإقناع إيران بالتراجع تفادياً لحرب إضافية في منطقة مشتعلة أصلاً»، على ما كشفت المصادر الديبلوماسية، التي ختمت بالتحذير من أن الوساطات الأوروبية قد لا تُثمر، وهو ما يدفع إسرائيل ولبنان أكثر إلى المواجهة، وهي مواجهة، حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، يبدو أنها لن تقتصر على تدمير مناطق «حزب الله» وحده، بل إلحاق دمار شامل بعموم المناطق اللبنانية وبنية البلاد التحتية.
في سياق متصل (القدس - «الراي»)، حمّل رئيس حزب «البيت اليهودي» المتطرف وزير التربية الاسرائيلي نفتالي بينيت، إيران المسؤولية عن الغارات الإسرائيلية ضد سورية ولبنان، كما اعتبر أن تسلح «حزب الله» بأكثر من 130 ألف صاروخ بين العامين 2006 و2012، يُعدّ «إخفاقا إستراتيجياً من جانب إسرائيل».
وقال في حديث إذاعي، صباح أمس، إن إسرائيل تعمل على منع ترسيخ التواجد الإيراني في سورية بشكل متواصل، معتبراً أن تجنب اندلاع الحرب يقتضي إبعاد «العدو» عن المنطقة الحدودية.
وأضاف، انه لا يمكن تجاهل التوتر القائم على الحدود الشمالية، لكنه لا يرى أن جولة الحرب المقبلة قريبة.
وتأكيداً لمعلومات المصادر الديبلوماسية، قال الوزير الاسرائيلي إنه يوجد في لبنان أكثر من 100 ألف صاروخ غير دقيق، «وفي حال أصبحت دقيقة فإنها تشكل تهديداً جدياً على إسرائيل، وهي لن تسمح بذلك بأي ثمن».

الثلاثاء، 6 فبراير 2018

إدارة ترامب تسعى لمراقبة المسلمين السُنّة المقيمين والزوار في الولايات المتحدة

واشنطن - من حسين عبدالحسين

كشفت مصادر أميركية أن «وكالة الجمارك وحماية الحدود» قدمت مقترحات تقضي بمراقبة المسلمين السنة المقيمين في الولايات المتحدة وممن يزورونها.
وجاء في التقرير الذي نشرته مجلة «فورين بوليسي» أن للحكومة مكاسب كبيرة «في تخصيص موارد أكبر لمراقبة وتقييم الأشخاص» ممن تشتبه بهم الوكالات الفيديرالية، وان المراقبة يجب أن تتواصل وأن تستمر لفترات طويلة.
ولفت المراقبين التركيز على كلمة «السنة» في التقرير، رغم الإجراءات المستمرة والملاحقات للمتعاطفين مع «حزب الله» من مسلمين شيعة وسنة، وحتى من غير المسلمين، ومراقبة الحسابات والتحويلات وإيراد أسماء جديدة في لائحة العقوبات. 
ويأتي التقرير في أعقاب دراسة نشرتها وزارتا العدل والأمن القومي، منتصف الشهر الماضي، حاولتا فيها دعم محاولات الرئيس دونالد ترامب فرض حظر سفر على المسلمين إلى الولايات المتحدة، فيما يؤكد معارضو الحظر أن معظم العمليات الإرهابية في السنوات القليلة الماضية، التي ارتكبها مسلمون في أميركا، لم يكونوا من الزوار أو الوافدين، بل كانوا في غالبيتهم المطلقة من المسلمين من الجيل الثاني والثالث ممن ولدوا في الولايات المتحدة ونشأوا فيها.
وجاء في الدراسة أن ثلاثة من كل أربعة من المسلمين ممن تم توجيه تهم إرهاب إليهم وفدوا إلى الولايات المتحدة من خارجها، وأن ربع مرتكبي العمليات الارهابية، أو محاولات العمليات، هم من المسلمين الاميركيين.
بناء على المقترحات والدراسة، تسعى إدارة ترامب إلى تخصيص موارد أوسع لفرض برامج مراقبة أطول على المسلمين من حاملي بطاقات الإقامة الدائمة في البلاد، وكذلك على الزوار من المسلمين. 
أما الفئة الوحيدة التي لا تطولها برامج المراقبة هذه فهم المواطنون الأميركيون المسلمون، إذ يحظر الدستور الاميركي مراقبتهم، على غرار المواطنين الأميركيين من أتباع الديانات الاخرى، إلا بمذكرات قضائية صادرة بعد اقتناع القاضي بأن الدلائل المتوافرة تتطلب الموافقة على مراقبة المواطن المستهدف.
وبقاء المسلمين الاميركيين خارج دائرة المراقبة الحكومية يتنافى مع واحدة من وعود ترامب الانتخابية، التي قال فيها إنه في حال وصوله الى البيت الابيض، فسيسعى إلى إقامة قاعدة بيانية تحوي أسماء كل المسلمين في الولايات المتحدة (المواطنون والمقيمون والزوار)، وهو اقتراح لاقى في حينه معارضة واسعة، خصوصاً من الاميركيين من أنصار الحريات الشخصية التي يكفلها الدستور.
وبعد انفضاح انحياز «وكالة الجمارك وحماية الحدود» ضد المسلمين السنة ومطالبتها بمراقبتهم بصورة متواصلة، وهو ما يتجاوز القوانين الاميركية التي ترعى الحرية الشخصية، حتى للمقيمين، ردت الوكالة بأن مقترحاتها كانت بمثابة مسودة أولية غير نهائية، وأنه لا يحق للإعلام التلصص على تسريبات هي بمثابة نقاشات إدارية داخلية.
أما دراسة وزارتي العدل والأمن القومي، فتعرضت أيضاً لانتقادات واسعة، لا سيما من الجمعيات المدافعة عن الحريات المدنية للاميركيين، التي اعتبرتها بمثابة دراسة «تمييز عنصري». ولفت بعض هذه الجمعيات الى أن الدراسة ذكرت انه تم ترحيل 1716 من غير الأميركيين لأسباب تتعلق بالأمن القومي في الفترة الممتدة بين 2001 و2017، وهو رقم قد يبدو مرتفعاً، لكنه في الواقع ضئيل لدى مقارنته بعدد من تم ترحيلهم في الفترة نفسها لأسباب متنوعة لا تتعلق بالارهاب، والذين بلغ عددهم 373 ألفاً.
وأشارت الدراسة الى أن السلطات الأميركية قامت باعتراض دخول 2554 شخصاً إلى الولايات المتحدة بسبب الاشتباه بتورطهم بنشاطات تهدد الأمن القومي للبلاد في فترة 2001 - 2017، لافتة إلى أنه في فترة 2011 - 2016 منعت السلطات الاميركية 73 ألف راكب حول العالم من الصعود على متن الطائرات المتجهة الى الولايات المتحدة لأسباب متنوعة، منها ما يتعلق بشؤون الامن القومي، ومنها ما يتعلق بشؤون أخرى.
ويبدو أن أهم ما يمكن استخلاصه من الدراسة المذكورة هو أن السلطات الأميركية كانت تعمل على مدى الأعوام السبعة عشرة الماضية على مراقبة، ومنع سفر، ومنع دخول، واعتقال، وترحيل مئات آلاف المواطنين من غير الأميركيين من حول المعمورة، وأن محاولة ترامب تصوير أن خطر المسلمين على أميركا هو الأكبر بصورة توجب حظره حظراً شاملاً، هي محاولة من باب الشعبوية السياسية، التي لا تستند إلى وقائع أو بيانات يمكنها تبرير هذا النوع من الإجراء الجذري.

Since December 2008