الثلاثاء، 25 فبراير 2014

أولى بوادر ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة... في كتاب

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

بعدما نجحت مجموعة من القوات الاميركية الخاصة في قتل زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن في منزله في باكستان في مايو 2011، اتصل الرئيس باراك أوباما بسلفيه جورج بوش وبيل كلينتون لاعلامهما. في الاتصال مع كلينتون، قال أوباما «ربما قالت لك هيلاري»، لكن كلينتون لم يكن لديه ادنى فكرة عن الموضوع، ما حمل الرئيس الحالي على اخباره بأن اميركا نجحت في اصطياد واحدا من ألد اعدائها.

اهمية الرواية التي يوردها جوناثان الن، احد ابرز الصحافيين المتابعين لخبايا الشؤون الداخلية في المشهد السياسي الاميركي، تكمن في انها تصور وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بمظهر المحترفة، التي لم تشرك حتى اقرب المقربين اليها، زوجها الرئيس السابق، في المعلومات السرية حول الاستعدادت الاميركية للنيل من بن لادن.

والرواية تكتسب اهمية للرد على منتقدي كلينتون الذين يعتبرون انها دمية في يدي زوجها، وانها في حال انتخبت رئيسة، فانما تعيد بيل كلينتون لولاية رئاسية او ولايتين، وهو امر يعارضة بشدة الجمهوريون والمحافظون واليمين الاميركي عموما.

هذه الرواية واخرى مشابهة لها هي في صلب كتاب الن، الصادر حديثا بعنوان «»ايتش آر سي»، وهي الاحرف الاولى من اسم هيلاري رودهام كلينتون، ويتناول سنوات عملها كوزيرة للخارجية بين الاعوام 2009 و2013، فيما يعتقد مراقبون ان الن ألّف كتابه بدعم، وربما بطلب، من فيليب رينز، وهو احد ابرز العاملين في فريق العلاقات العامة لهيلاري، والذي سيلعب دورا رئيسيا في ادارة حملتها الانتخابية المتوقعة مع مطلع العام 2016.

ورغم ان واشنطن على موعد في يونيو المقبل مع كتاب «مذكرات» كلينتون حول عملها في ادارة أوباما، على جاري العادة حيث يقوم المسؤولون السابقون بكتابة مذكراتهم على اثر خروجهم من الحكم، يعتقد البعض ان كتاب «ايتش آر سي» هو بمثابة جس نبض للترشيح، وان كتاب كلينتون المقبل سيعمد الى تقديمها في الصورة التي تعمل حملتها على تقديمها للاميركيين كمرشحة عن الحزب الديموقراطي للرئاسة في انتخابات العام 2016.

وفيما يحاول الن، ان يقدم كلينتون كوزيرة للخارجية مخلصة لرئيسها، ومتفانية في سبيل عملها حيث طارت مئات الاف الاميال حول العالم، ومتعالية عن صغائر الامور والانقسامات السياسية داخل ادارة أوباما، وداخل وزارتها، وداخل حزبها، الا ان الكتاب يشي بأن كلينتون لم تشح يوما بنظرها عن الشؤون الداخلية وخصوصا عن انتخابات 2016.

ويروي الكتاب انه في اثناء عشاء كانت كلينتون تشارك فيها مع ملكة انكلترا اليزابيث الثانية، استأذنت هيلاري وخرجت في الفرصة الاولى المتاحة حتى تتصل بولايتها نيويورك وتتحدث مع مرشح من حزبها الديموقراطي كان فاز للتو في مواجهة انتخابية قاسية ضد خصمه الجمهوري.

وتهنئة وزيرة الخارجية للمرشح المذكور تشي بأنها، رغم انشغالها بالسياسة الخارجية، لم تتخل يوما عن السياسة الداخلية، وعن بناء قاعدة شعبية وصناعة حلفاء.

لكن بعض المراقبين يعتقدون ان الكتاب، الذي جاء منحازا لكلينتون اكثر من اللازم، تجاهل امورا متعددة قد تحسب لها في خانة الفشل، من قبيل ان سياسة اوباما الخارجية شهدت فشلا ذريعا في ملفات متعددة، كان ابرزها الموضوعين الفلسطيني والسوري.

ورغم ان كلينتون كانت تتمتع بخبرة خارجية اكثر من أوباما، الا ان الادارة توغلت في اخطائها عندما راهنت، على سبيل المثال، على سهولة التوصل الى حل سلمي للصراع العربي - الاسرائيلي.

على ان من يعرف واشنطن يعرف كذلك ان فشل سياسة أوباما الخارجية ليس مسؤولية كلينتون، فالرئيس الاميركي، حسب مسؤولين سابقين آخرين من امثال وزير الدفاع روبرت غايتس في كتاب مذكراته، عمد على حصر قرارات الخارجية والدفاع في ايدي «مجلس الامن القومي» المقرّب منه.

ولو صدق قول غايتس ان ادارة أوباما هي اكثر مركزية من الادارات المتعاقبة التي عمل فيها منذ ادارة الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون في بداية السبعينات، لبدا واضحا ان كلينتون -- كما غايتس ودايفيد بتروايوس وليون بانيتا -- غالبا ما قدموا نصائح في شؤون متعددة مثل سورية، ليلقوا معارضة تامة من أوباما شخصيا.

والارجح ان حملة كلينتون الرئاسية ستلجأ لاستخدام «فكرة مركزية القرار» في ادارة أوباما لتبرير فشل الامور الخارجية التي حدثت اثناء عمل كلينتون وزيرة للخارجية، بما في ذلك موضوع هجوم بنغازي في 11 سبتمبر 2012، والذي ادى الى مقتل السفير الاميركي كريس ستيفنز، وهو ملف شائك يحاول الجمهوريون استخدامه كسلاح لاحراج المرشحة الرئاسية والطعن بمصداقيتها، وبفاعليتها، وبحكمة قراراتها.

ختاما، يعرّج الكتاب على دور بيل كلينتون كداعم لزوجته في حملتها الرئاسية العام 2008، ويقول ان الرئيس السابق الف لائحة بكل حلفاء عائلة كلينتون والعاملين السابقين في ادارته الذين اداروا ظهرهم لهيلاري وتبنوا أوباما مرشحا لهم. منذ ذلك الوقت، عمد كلينتون على تحجيم هؤلاء ومعاقبتهم، واستبدالهم في فريق «عائلة كلينتون».

عقوبات بيل كلينتون هذه قد تخيف كل العاملين في الحزب الديموقراطي الذين قد تخول لهم انفسهم دعم اي مرشح مناوئ لكلينتون في اثناء الانتخابات الحزبية التمهيدية في العام 2016، وهو ما يبدو مستبعدا حصوله اذ ان كلينتون، قبل حوالي عامين على اعلان الديموقراطيين مرشحهم، تبدو مرشحة الحزب الديموقراطية من دون منازع، مع ترجيح وجود منافسين اقل وزنا لا يهددوا صدارتها ولا حظوظها.

الدبلوماسية الفرنسية.. توقف ثرثرة أميركا

حسين عبدالحسين

بقي مصير قرار مجلس الأمن رقم 2139 المخصص للأزمة في سوريا معلقاً حتى ما قبل التصويت بدقائق، عندما مر المندوب الروسي الدائم، فيتالي تشوركين، بالصحافيين في طريقه إلى قاعة مجلس الأمن في مبنى الأمم المتحدة، وأجاب على أحد الأسئلة بالقول "بالتأكيد سنصوت لمصلحة القرار"، الذي تم التصديق عليه بالإجماع، على الرغم من الحملة التي شنتها ضده، البعثة الدائمة للحكومة السورية لعرقلته، أو لحمل الروس على ممارسة حق النقض "الفيتو" ضده.


الموافقة الروسية المفاجئة، جاءت بعد طلب الروس تأجيل التصويت 24 ساعة حتى صباح السبت الماضي، لإجراء المزيد من المشاورات مع موسكو. الأميركيون راهنوا على "لا" روسية، وفوجئوا بـ "نعم" في اللحظات الأخيرة.

وفيما يعتقد البعض أن موسكو تراجعت بسبب الضغوط التي يواجهها حلفاؤها في أوكرانيا، سرت الأنباء في العاصمة الأميركية أن المحرك الأول خلف القرار 2139، والذي نجح في انتزاع موافقة روسيا، كان الدبلوماسية الفرنسية.

لا يعرف الأميركيون، حتى الآن، ما دار بالضبط بين الفرنسيين والروس قبل موافقة موسكو على القرار. يقول الأميركيون إنه إبان المصادقة على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في مجلس الأمن، وعد الفرنسيون المؤيدون للقرار، الروس المعارضين، بالوقوف على مصالحهم في موضوع كوسوفو، الإقليم الذي كان ينازع من أجل استقلال تعارضه موسكو. هكذا، بوعود فرنسية، تراجع الروس عن معارضتهم لمحكمة لبنان، فيما وقف الأميركيون يؤيدون، وربما يصفقون تشجيعاً.

هذه المرة حول سوريا، يبدو الأمر مشابهاً. مجهود فرنسي دبلوماسي خارق، خلق مفاجأة روسية، على عكس رغبة ممثلي الرئيس السوري، بشار الأسد في الأمم المتحدة.

مؤشرات الاندفاعة الفرنسية في مجلس الأمن كانت بادية، للأميركيين على الأقل، منذ زيارة الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، إلى واشنطن ولقائه نظيره الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض.

خلف الأبواب الموصدة، كما في المؤتمر الصحافي الذي تلا لقاء القمة بين الرئيسين، كان التباين واضحاً. أوباما تحدث عن "عملية جنيف" والحل السياسي كمسار وحيد لإنهاء الأزمة في سوريا. هولاند، على الرغم من الود في العلاقة بين الاثنين، خالفه صراحة. قال إن مؤتمر جنيف مخصص حصراً لنقل السلطة التنفيذية من الأسد إلى حكومة انتقالية سورية، تتمتع بصلاحيات كاملة. أما الأمور الأخرى، مثل إنهاء حصار قوات الأسد ضد المدنيين السوريين، سيتم فرضها من خلال مجلس الأمن.

بعد الزيارة، استخف الأميركيون بالفرنسيين، واعتبروا أن الروس استخدموا الفيتو بحق ثلاثة قرارات في مجلس الأمن حول سوريا في أقل من ثلاث سنوات، وأنهم لن يمانعوا أبداً استخدام الفيتو للمرة الرابعة والخامسة.

لكن على الرغم من التلكؤ الأميركي، مضى الفرنسيون قدماً في القرار، وضغطوا من أجل وضعه بالحبر الازرق، الذي يضعه على مسار حتمي باتجاه التصويت، منتصف الأسبوع الماضي. وفي دبلوماسية ربع الساعة الأخيرة، وفيما كان العالم والأميركيون يتفرجون، عقد الفرنسيون والروس جلسات مكثفة، توصلاً إلى التصديق على القرار.

الدبلوماسيون الفرنسيون في واشنطن تحدثوا إلى صحافيين في جلسات مغلقة حول القرار. قالوا إن صدوره بالفصل السادس لا يقل شأناً عن الفصل السابع، وأن الفصل السادس ملزم للدول والحكومات، وأن قرارات متعددة، مثل القرار 1559 الذي أجبر الأسد على سحب قواته من لبنان في العام 2005، سبق أن أثبتت فاعليتها. ويضيف الفرنسيون أن القرار 2139 هو الأول حول سوريا، غير القرار 2118 المخصص لنزع ترسانة الأسد الكيماوية.

ويعتقد الفرنسيون أن من شأن القرار 2139 أن يفتح باب تدويل الأزمة السورية ومناقشتها في مجلس الأمن منذ الآن وصاعداً، وهم يسعون إلى إقناع الأمين العام بتعيين مندوب لمراقبة تنفيذه، على غرار القرار 1559، وهو ما يتطلب موازنة مالية وموافقة سنوية من اللجنة السادسة في المنظمة.

على أن أهم ما في القرار 2139، حسب الدبلوماسيين الفرنسيين، يكمن في أنه، للمرة الأولى، خرجت الأزمة السورية من أيدي الثنائي سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا المعطل، وجون كيري، وزير خارجية أميركا المتلكئ.

هكذا، وضع القرار المذكور الدبلوماسية الأميركية، التي كانت تستجدي الروس للضغط على الأسد لقبول هدنة إنسانية من نوع ما، في المقعد الخلفي، ووضع الأزمة الإنسانية السورية في عهدة مجلس الأمن الدولي، الذي، بغياب الدور الأميركي الدولي، يبدو الوسيلة الأفضل لوقف الأسد وممارساته بحق المدنيين السوريين.

أما واشنطن، التي كانت تأمل في أن يتحول "مؤتمر جنيف" إلى "عملية طويلة ومعقدة" فيها أخذ ورد بين النظام والمعارضة، وأن يثمر المؤتمر هدنة على الأرض وتبادل معتقلين وأموراً أخرى غير الانتقال السياسي، فوجدت نفسها من دون مؤتمر جنيف، ومن دون حل سياسي، ومن دون خطة غير انتظار الفرنسيين الذين نشطت دبلوماسيتهم وأظهرت أن النفوذ الدولي لا يحتاج إلى كل القوة التي تملكها أميركا، بل أن النفوذ يحتاج إلى بعض الحذاقة، وثرثرة أقل.

السبت، 22 فبراير 2014

مؤيدو العقوبات على إيران في أميركا يعمّمون تصريحات خامنئي للضغط لإقرارها

حسين عبدالحسين

اقلقت التصريحات التي اطلقها المرشد الاعلى للثورة الاسلامية في ايران علي خامنئي، مطلع الاسبوع الماضي، عددا من المسؤولين الاميركيين، وخصوصا ممن يعولون على التوصل الى اتفاقية مع طهران حول ملفها النووي لدرء مخاطر الانزلاق نحو مواجهة قد تفضي لتوجيه اميركا لضربة عسكرية ضد ايران.

ومما قاله خامنئي، في تصريحات اظهرت وكأنه يوّبخ مسؤولي حكومة الرئيس الايراني حسن روحاني، ان الامة الايرانية قالت «اننا لن نستسلم للبلطجة والابتزاز الاميركيين»، وان بعض الناس ممن «يحاولون اخفاء وجه اميركا الحقيقي عليهم الا يفعلوا ذلك»، وان على هؤلاء «ان لا يغطوا قباحة اميركا وبربريتها وعنفها بحق امتنا». وتابع ان هؤلاء «يحاولون تصوير (الحكومة) الاميركية على انها صديقة، ولكن عليهم الا يفعلوا ذلك، فهذا عمل عقيم».

وتأتي تصريحات خامنئي في وقت تتواصل المناوشات في كواليس مجلس الشيوخ في محاولة لتمرير دفعة جديدة من العقوبات الاميركية على طهران، مع مفعول متأخر يبدأ بعد عام من الاقرار. ويعتقد مؤيدو العقوبات، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ان ايران ليست جادة في المفاوضات النووية، وانها تهدف لاضاعة الوقت حتى تتوصل لصناعة وانتاج سلاحا نوويا.

استحالة التوصل الى حل نووي بين ايران والعالم هي ما اكده خامنئي بقوله ان «بعض المسؤولين الايرانيين يعتقدون ان المسألة النووية يمكن حلّها من خلال المفاوضات مع اميركا، وانا قلت: ان كنتم تصرون على التفاوض معها حول هذا الامر على وجه الخصوص، فلا مشكلة، ولكني في الخطاب نفسه قلت اني لست متفائلا... لست ضد (المفاوضات) ولكني لست متفائلا».

واضاف خامنئي: «حتى لو توصلنا الى حل للنووي يوما ما وفق توقعات اميركا، مع ان ذلك مستحيل، سيطلبون شيئا آخر... لاحظوا كيف يتطرق المتحدثون الاميركيون الى حقوق الانسان والصواريخ والاسلحة وما الى ذلك».

هكذا، عمم مؤيدو العقوبات الجديدة على ايران تصريحات خامنئي، وذيّلوها بتعليقات حول «النوايا الحقيقية لايران على لسان زعيمها»، معتبرين ان خامنئي نفسه لا يؤمن بجدوى المفاوضات، ما يعني ضرورة اقرار عقوبات جديدة.

وقانون العقوبات صار اليوم يحوز على غالبية في الكونغرس بمجلسيه، الا ان زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، السناتور الديموقراطي هاري ريد، يمنع ادراج القانون على جدول الاعمال من اجل النقاش او التصويت.

وتأتي معارضة ريد بطلب من الرئيس باراك أوباما، الذي تعمل ادارته على اقناع المشرعين الاميركيين بضرورة «اعطاء الديبلوماسية مع ايران فرصة». وأخيرا، كشفت المجموعات الصديقة لاسرائيل عن بعض قوتها اذ قامت مجموعة «اصدقاء اسرائيل المسيحيين»، وهي احدى اكبر المجموعات الاميركية اليمينية واكثرها تمويلا ونفوذا وخصوصا في جنوب البلاد، بارسال بريد الكتروني لمناصريها حثتهم فيه على الضغط على ريد للافراج عن قانون العقوبات.

وفي اقل من ثلاث ساعات على صدور البريد الالكتروني، يقول مستشارو ريد، تلقى مكتب زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ اكثر من عشرة الاف رسالة الكترونية من ناخبية في ولاية نيفادا، فضلا عن الاف الاتصالات الهاتفية التي انهالت على مساعديه بهدف الضغط عليهم وحثهم على تأييد القانون والسماح بمناقشته واقراره.

في هذه الاثناء، يعتقد خبراء ان في ايران ثلاثة تيارات في الموضوع النووي: تيار يعتقد بضرورة المضي قدما بالبرنامج النووي والتوصل الى صناعة سلاح من اجل ردع القوى العسكرية في المنطقة، وخصوصا النووية منها مثل اسرائيل والهند وباكستان، وتيار «وسطي» يؤمن بوجوب الابطاء في العمل في البرنامج النووي بهدف التوصل الى تسويات مع الغرب تسمح برفع العقوبات واعادة انعاش الاقتصاد الايراني، وتيار ثالث يرى ان التخلي عن النووي امر لا مفر منه نظرا للتبعات البيئية للمفاعلات النووية، خصوصا في حال وقوع زلازل، فضلا عن التكلفة الاقتصادية والسياسية الهائلة التي تدفعها ايران من اجل برنامج غير مفهوم جدواه او فائدته.

ويعتبر الباحث في «جامعة الدفاع القومي» نعمة جيرامي ان التيار الايراني المعارض بالكامل للبرنامج النووي هو الاضعف، وان مقاليد السلطة تتنقل بين التيارين الوسطي والمتشدد، وان الاثنين يؤمنان باستمرار التخصيب، وان بأشكال ودرجات مختلفة.

اما خامنئي، الذي يحكم «بالاجماع» اي «من دون مراسيم»، حسب جيرامي، فمواقفه تتراوح بين التيارين الوسطي والمتشدد، فهو اعطى تفويضا لروحاني الوسطي من اجل القيام بما يلزم لتخفيف العقوبات الاقتصادية على ايران من خلال المفاوضات، ولكنه في الوقت نفسه لا يرغب في تحجيم التيار المتشدد الذي يقوده «الحرس الثوري الايراني»، قاعدة خامنئي ومصدر قوته.

على ان جيرامي يشكك بمصداقية روحاني، وهو يعتقد ان الاخير يأمل في ان تؤدي المفاوضات الى انشقاقات في صفوف المجموعة الدولية، وخصوصا بين الثلاثي الاوروبي، اي فرنسا وبريطانيا والمانيا، من جهة، والولايات المتحدة من جهة اخرى، على غرار الانقسام الذي وقع بين الجانبين ابان الحرب في العراق، ما يحسن من موقف ايران ويسمح لها بالنفاذ من هذه التشققات ورفع العقوبات مع الحفاظ في الوقت نفسه على التخصيب وعلى البرنامج النووي.

ويختم جيرامي ان تاريخ المفاوضات النووية مع ايران يظهر انها غالبا ما تلين عندما يشتد الضغط عليها، مثل مطلع العقد الماضي وابان اندلاع الحرب في العراق، فيما تتصلب طهران ويتجه المرشد نحو المتشددين عندما تشعر بضعف المجتمع الدولي وبقوتها، وهو ما حدث مع حلول العام 2005 عندما ادركت ان اميركا سقطت في المستنقع العراقي.

موسكو تعرض قراراً دولياً حول سورية مقابل أوكرانيا

حسين عبدالحسين

علمت «الراي» من مصادر اوروبية في العاصمة الاميركية ان موسكو حاولت، في الساعات الاخيرة قبل اقرار مشروع في مجلس الامن حول الازمة في سورية، اجراء «صفقة» مع العواصم الغربية تسمح بموجبها بالمصادقة على القرار من دون ممارستها حق النقض «الفيتو»، في مقابل تخلي الغرب عن دعم المعارضة الاوكرانية.

وكان اعضاء مجلس الامن وضعوا نص قرار بالحبر الازرق، تمهيدا للتصويت عليه امس، الا ان البعثة الروسية استمهلت الرئاسة، وطالبت بتأجيل التصويت الى اليوم بهدف اجراء المزيد من المشاورات.

ويدعو القرار الذي قدمته كل من استراليا ولوكسمبورغ والاردن، ممثلا المجموعة العربية في مجلس الامن، الافرقاء المتحاربين في سورية للسماح بمرور المساعدات الانسانية الى المدنيين المحاصرين. كما يدعو القرار الى وقف «البراميل المتفجرة» التي تلقيها مروحيات بشار الأسد في مدن وبلدات سورية متعددة.

ورغم ان القرار لا ينص على عقوبات محددة في حال عدم تجاوب الاطراف المعنية، الا انه نص على «ابقاء المجلس» مطلعا، ما يعني حكما متابعة التنفيذ في قرارات واوقات لاحقة.

وكان نص القرار لاقى اعتراضا روسيا فوريا، ثم ما لبثت ان قدمت البعثة الروسية مشروعا مضادا يستبدل الدعوة لوقف قصف الأسد العشوائي ضد المدنيين بدعوة «لمحاربة التنظيمات الارهابية المسلحة».

ويعتقد الخبراء الاميركيون ان قوات الأسد كثفت من قصفها العشوائي في منطقة مساكن هنانو في حلب بهدف هدمها وتسويتها بالارض بأكملها والانطلاق عبرها لاستعادة المدينة التي يسيطر الثوار على معظم اجزائها.

ولعلم الولايات المتحدة بأن الروس كانوا سيتجهون لتعطيل مشروع القرار حول سورية، ترددت واشنطن في العمل على اقراره مع استعدادها للتصويت لمصلحته وتأييده. ولكن في وقت لاحق، تقول المصادر الاوروبية، انضمت واشنطن الى حلفائها، خصوصا فرنسا، التي عملت بكد من اجل التصويت على القرار «حتى لو نسفته روسيا»، بهدف وضع موسكو امام مسؤولياتها وامام الرأي العام الدولي.

بيد ان المسؤولين الاميركيين قالوا انهم لا يعتقدون ان «موسكو تهتم عموما للرأي العام»، وانه سبق لروسيا ان مارست الفيتو بحق ثلاثة قرارات سابقة حول سورية في مجلس الأمن.

وفيما يستمهل الروس المجلس في ما يبدو انها محاولة لاتمام صفقة «قرار حول سورية مقابل اوكرانيا»، ترجح المصادر الاميركية ان «يقوم الروس بنسف القرار الاممي، الا اذا اعادوا حساباتهم ورأوا المعاناة الانسانية في سورية».

في هذه الاثناء، يسعى ثلاثي «الصقور» في الادارة الاميركية حول سورية، وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الامن القومي سوزان رايس والمبعوثة الدائمة في الامم المتحدة سامنتا باور الى الضغط مجددا باتجاه الخيار العسكري ضد الأسد.

وتقول المصادر المقربة من هؤلاء ان «المبرر» لاستخدام القوة ضد الأسد موجود، ويتمثل بالقرار الملزم الصادر عن مجلس الامن رقم 2118 والذي يثبت حق استخدام القوة العسكرية في حال تخلف الأسد عن تسليم كامل ترسانته الكيماوية مع نهاية شهر يونيو المقبل.

وكان مسؤولون في «منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيماوية» الدولية قالوا لوكالات انباء ان الأسد سلم حتى الآن 11 في المئة من ترسانته، متخلفا بذلك عن جدول المواعيد الذي تم الاتفاق عليه في شهر اكتوبر الماضي.

وتأتي محاولات كيري - رايس - باور «لاعادة الخيار العسكري في سورية الى الطاولة» في وقت طلب الرئيس باراك أوباما من فريقه للأمن القومي اعادة النظر بالسياسة تجاه سورية، على اثر فشل مؤتمر «جنيف - 2» الذي كان يفترض ان يقدم الحل السياسي كطريق وحيد لانهاء الازمة المندلعة منذ مارس 2011.

على ان الخيارات الجديدة التي سيقدمها العاملون في الفريق الرئاسي قد تتضمن الوقوف الى جانب الأسد في «حربه ضد الارهاب»، وهو ما قد يدفع باتجاهه بعض الاعضاء في هذا الفريق، خصوصا روبرت مالي الذي تم تعيينه قبل ايام. والمعروف ان مالي يتمتع بصداقة قديمة مع الأسد، وهو التقى معه مرارا في دمشق، ويطالب منذ اليوم الاول لاندلاع الثورة السورية بـ «حلول سياسية» وبأخذ مصالح الأسد بعين الاعتبار.

الخميس، 20 فبراير 2014

... ويبقى الرحيل هو الحل

حسين عبدالحسين

قال ابي لاهثا بلكنة عراقية: "حسين". هو لم ينادني بالعراقي منذ زمن بعيد. ذلك اليوم، قبل عشر سنوات، عاد الى عراقيته. ربما لان العاطفة تتدفق بلهجة الام. قبّل وجنتي مبللهما بدموع قليلة لانه كان يحاول تماسك نفسه. لو تكلم اكثر، لاجهش بالبكاء، ولو تكلمت انا لبكيت وابكيته اكثر. امي تبكي. طبعا، النساء يبكين. اما الرجال، فيستديرون ويهاجرون. وداعا بيروت. مرحبا واشنطن.
ابي رحل قبلي. ابوه قال له "عليك ان ترحل الى بيروت يا علي". لا قادسية صدام قادسيتنا ولسنا من الخميني الدجّال في شيء. حرب ايران ستنتهي في اسابيع، او اشهر. قبلات سريعة بين جدي وابي من دون دموع. ينقضي الصيف ونعود. لم نعد. وداعا بغداد، مرحبا بيروت.
المهاجرون لا يتحولون الى مهاجرين. في البدء يعتقدون انهم سواح. يبهرهم العالم الجديد. يمنحهم قصصا يخبؤونها. يدونونها. يعتقدون انهم سيعودون كي يقصونها على احبابهم. ثم تكثر القصص، وتتزاحم الذاكرة، ويتلاشى بعضها، ويتلاشى معها الاصدقاء الذين كانت القصص مخصصة لهم.
ثم يستوطن المهاجرون في مهجرهم. يتزوجون، ينجبون. اولادهم يكبرون.
تبقى في مخيلة الاباء والامهات صورة الوطن الاول، الصديق الاول، الصديقة الاولى، الفكاهة الاولى، الاحرف الاولى، القبلة الاولى، الصبا، الشباب.
لكن لاولادهم مخيلتهم، ولهم وطنهم الاول. لابي بغداد، ولي بيروت، ولابني واشنطن. هي قصة البشرية منذ ما قبل الحضارة. الناس يرحلون. يبحثون عن حياة افضل. بعضهم يشيّد وطنه الاول في مهجره ويسميه غربة. البعض الآخر يندمج في مهجره ويحتفظ بوطنه الاول في ذاكرته. لدى الاثنين، حنين يتفاوت في قسوته وفي التعبير عن نفسه.
قبل عشر سنوات غادرت بيروت. اعتقدت ان احوال العرب ستتحسن واني سأعود.
منذ عشر سنوات، وفلسطين مازالت قيد التحرير. اسرائيل مازالت متينة كبيت العنكبوت. الامبريالية مازالت تنهار، يوما بعد يوم وعاما بعد عام.
منذ عشر سنوات، والفتنة مازالت قيد الاعداد. لم تقع. الاعداء يحاولون بث سمومها فيرسلون اشباحهم ليقتلون هنا، اويفجرون هناك. لكن الفتنة لم تقع، والمنطقة لم تقسم، ولم تضعف. مازالت قوية ممانعة صامدة تواجه المخططات المرسومة لها، او هكذا يقولون لنا. 
منذ عشر سنوات والعراقيون يتباحثون في مشاركة السلطة. صدام حسين صار بطلا لانه قال لا مشاركة ولا مشاركين، فقط قطع آذان والسن واقتلع اظافر واعدم، وعلى اغاني "يا كاع ترابج كافور".
منذ عشر سنوات واللبنانيون ينتخبون رؤساء بالاجماع. يشكلون حكومات وحدة وطنية. رتابة ووضاعة وتفاهة لا متناهية ودلعونا عن الحبايب الذين راحوا وما ودعونا.
منذ عشر سنوات والثابت الوحيد في لبنان والعراق، والآن سوريا، هو الرحيل. الرحيل هو الحل.
نرحل. نوضب ذكرياتنا ونأخذها معنا. الذكريات جميلة، لكن الاشواق مؤلمة. اما العودة، فمؤلمة اكثر، وغبية.
لم يعد ابي الى بغداد. لم اعد انا الى بيروت. كلانا في انتظار. ولكلينا مخيلة يتكئ عليها. تمنحه بسمة تعينه في غربته، ثم تتلاشى، ويتلاشى الوطن الاول.

وداعا بغداد، وداعا بيروت، مرحبا واشنطن.

قمة الرياض بديلاً عن جنيف 2

حسين عبدالحسين

عندما يزور الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الرياض منتصف الشهر المقبل، لن يقدم التسوية السياسية في سوريا كحل وحيد للأزمة فيها، فمؤتمر "جنيف 2ط الذي خصص لهذه التسوية، والذي شاركت فيه السعودية والفصائل السورية القريبة منها، انهار بسبب "عنجهية" نظام بشار الأسد، حسب مجلس الوزراء السعودي، وبسبب استمرار روسيا بتقديم الدعم للأسد حتى "يضاعف من رهانه" ويستمر في الحملة العسكرية التي يشنها ضد معارضيه والمدنيين، حسب وزير الخارجية الأميركية جون كيري.

وبين انهيار التسوية واللقاء المزمع عقده بين أوباما والعاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، للمرة الأولى منذ العام 2010، تستعد كل من واشنطن والرياض لتقديم بدائل للحل السياسي المنهار، والتوصل إلى اتفاق حول الخطوات المقبلة.

الولايات المتحدة ما تزال ترفض أي تدخل عسكري مباشر لها في سوريا. كذلك، تعارض واشنطن تسليح الثوار، أو توسيع برنامج تدريبها الخجول، والذي يخرّج 250 مقاتلاً سوريا شهرياً بعد أن يتم تدريبهم في الأردن. 

في الوقت نفسه، تعتقد الإدارة الأميركية أن لديها خيارات أخرى يمكنها تقديمها للثوار، مثل زيادة في الدعم اللوجستي، وتزويد الثوار بمعلومات استخباراتية وبصور جوية حول أماكن انتشار مقاتلي الأسد وحزب الله. كذلك، تعتقد واشنطن أن بإمكانها تقديم وسائل مواصلات واتصالات.

لكن السعودية لا تعتقد أن من شأن هذه الخيارات أن تشكل بديلاً جدياً لانهيار التسوية السياسية، وأن خطوات من هذا النوع من شأنها إضاعة الوقت. بدلاً من ذلك، تقترح الرياض تزويد الثوار السوريين المقربين منها، والتي تتحمل مسؤولية انضباطهم، بأسلحة نوعية، ولا سيما الصواريخ المحمولة على الكتف، والتي يمكنها إسقاط مروحيات الأسد وبعض مقاتلاته، وبذلك إنهاء غارات البراميل المتفجرة التي تروع المدنيين السوريين وتقتل أعداداً كبيرة منهم.

حتى الأمس القريب، كان التباين بين أميركا والسعودية حول كيفية التعاطي مع الأزمة السورية واضحاً، وهو، بالإضافة إلى الاختلاف حول كيفية مقاربة ملفات النووي الإيراني والعراق ومصر وشؤوناً أخرى، أدى إلى جفاء وشبه توتر في العلاقة.

لكن تطوراً حدث وأجبر واشنطن على العودة إلى السعوديين في محاولة للدفاع عن بعض المصالح الأميركية. هذا التطور يتمثل بالزيادة المفاجئة للقلق الأميركي من ازدياد سطوة وقوة الفصائل الإسلامية المتطرفة، التي تسيطر على بعض المناطق في سوريا، في وقت تشير المعلومات المتواترة في العاصمة الأميركية إلى أن ما يقارب 2500 من المقاتلين الأجانب، والذين يقدر إجمالي عددهم بعشرة آلاف، يحملون الجنسية السعودية.

ولأن واشنطن والعواصم الغربية تسعى منذ فترة إلى مراقبة المواطنين الغربيين ممن يشاركون في القتال في سوريا ويمكن عودتهم إلى أوطانهم يوماً، لتنفيذ عمليات عنف فيها، ازداد الاهتمام الغربي عموماً والأميركي خصوصاً بالحرب السورية، ما أجبر واشنطن على محاولة التواصل مع الأصدقاء والحلفاء في هذا السياق.

أولى الخطوات الأميركية تمثلت في عقد لقاءات مع الحلفاء الأوروبيين لتبادل المعلومات والأفكار. الخطوة الثانية تمثلت بعقد لقاء، الأسبوع الماضي في العاصمة الأميركية، لمسؤولين أمنيين من دول منطقة الشرق الأوسط من أصدقاء أميركا، وشارك من الجانب السعودي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.

واللافت اليوم أنه، فيما كانت أميركا تميل في الماضي للاعتقاد بأنه يمكنها التعاون مع إيران والأسد من أجل لجم المجموعات الإسلامية المتطرفة، صارت التقارير المتواتر اليوم تشير إلى مسؤولية إيران والأسد في تغذية بعض النشاط المتطرفة، من أجل تبرير العنف الذي يمارسه الأسد وحلفائه بحق معارضيه.

هكذا، شعرت واشنطن أنها بحاجة إلى ترميم تحالف حقيقي في وجه المجموعات الإسلامية المتطرفة، وهنا وجدت ضالتها في السعودية، التي أصدرت سلسلة قرارات مؤخراً فرضت بموجبها عقوبات مشددة على أي سعوديين يشاركون في القتال في سوريا.

لكن، في الوقت الذي تعتقد واشنطن أن السعودية يمكنها أن تقدم تعاوناً غير مسبوق ضد الإرهاب، تتوقع واشنطن أن تطلب السعودية في المقابل، وفي إطار مكافحة الإرهاب نفسه، إنهاء أسبابه، والتي يتصدرها استمرار بقاء الأسد في منصبه، ومساهمة إيران في دفع بعض المجموعات المتطرفة إلى الواجهة.

ولأن السعودية تقدم معلومات يمكن الركون إليها لتبديد مخاوف أميركا من المجموعات المتطرفة في سوريا، ستجد واشنطن نفسها مجبرة للركون إلى معلومات سعودية حول المجموعات الأخرى، وخصوصاً السورية المعتدلة، مثل "الجيش السوري الحر" وغيرها، والتي راحت مؤخراً تنظم صفوفها وتظهر انضباطاً على الأرض وارتباطا بالقيادة السياسية للمعارضين السوريين وحلفائهم الإقليميين والدوليين.

هكذا، تعد الرياض واشنطن بفصل الصالح عن الطالح بين المقاتلين في سوريا، وتزويد المجموعة الأولى بسلاح نوعي وتدريب يمكنه قلب تقدم قوات الأسد وحلفائه، وفي الوقت نفسه مطاردة الإرهابيين داخل سوريا والقبض عليهم وعلى شبكاتهم خارجها وحول العالم، وهذا عرض تجد واشنطن نفسها مجبرة على قبوله.

بعد سوريا، سيكون هناك حديث أميركي - سعودي عن إيران، ولكن التباين مازال واضحاً بين الطرفين. واشنطن تصر على جدوى الحوار مع طهران، فيما الرياض تعتقد بضرورة الاستمرار في الضغط على الإيرانيين الذين يعدون، منذ زمن، ولا يفون.

إذاً، هل يمكن لأميركا والسعودية التقارب في سوريا والاستمرار في الاختلاف حول إيران؟ هذا ما تعمل الحكومتان على تسويته في الأسابيع القليلة المتبقية قبل لقاء القمة المنتظر في الرياض.

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

ماذا لو كان صراع حضارات فعلاً ؟

حسين عبدالحسين

في الولايات المتحدة قارب التاريخ نهايته للمرة الثانية. المرة الاولى كانت في العام 1992 بعد انهيار القوة العسكرية السوفياتية والقوة الاقتصادية اليابانية. وقتذاك انفردت اميركا في صدارة العالم عسكريا واقتصاديا، وكتب فرنسيس فوكوياما وصحبه عن نهاية التاريخ بانتصار الليبرالية، وكتب غيره عن "اجماع واشنطن" كصيغة وحيدة لتقدم الدول.

لم يكد العالم يسدل الستار على القرن العشرين حتى اطلق الرئيس السابق بيل كلينتون، اثناء قسمه اليمين لولاية ثانية، عبارته الشهيرة "القرن الاميركي". ثم راح المفكرون الاميركيون يبحثون عن سرّ تقدمهم، واعتقدوا ان الديموقراطية المستوحاة من عصر التنوير كانت عاملا، وان الرأسمالية عامل آخر، على الاقل بعد الحاقها الهزيمة بالشيوعية. لكن الاميركيين لم يتنبهوا الى ان الرأسمالية تأتي في اشكال والوان مختلفة، وان تلك التي سادت اثناء اعلانهم تفوقهم كانت "نيوليبرالية" لم يكن مضى الكثير على قيامها.
تلك النيوليبرالية التي بدأت كتجربة صغيرة في العام 1975 ونجحت في قلب نيويورك من مدينة مفلسة الى مدينة تمتع خزينتها بفائض مالي في اقل من سنتين، تبنتها في ما بعد مارغريت تاتشر، وبعدها رونالد ريغان، فالغيا التشريعات المالية، وخصخصا المرافق العامة، وحفزا القطاع الخاص، فانقلب ركود اقتصاديهما نموا. ثم راحت اميركا وبريطانيا تعممان النيوليبرالية الرأسمالية على العالم، فانهارت الدول التي تبنتها الواحدة تلو الاخرى، من تركيا الى المكسيك وغيرها، الى ان وصل الانهيار المالي الى اميركا نفسها في أيلول 2008.
وفيما كانت اميركا تسير في اتجاه انهيارها الاقتصادي، كانت الصين تحقق نموا باهرا، وراحت تقدم نموذجها الاقتصادي مثالا، وهو ما اطلق عليه الصينيون اسم "رأسمالية الدولة". وترافق تراجع اميركا وصعود الصين مع تراجع الغرب الديموقراطي وصعود دول البريكس: البرازيل، وروسيا، والهند والصين وجنوب افريقيا.
انهيار "النيوليبرالية الرأسمالية" الغربية امام "رأسمالية الدولة" الصينية كان يعني ايضا تراجعا في النظام العالمي الذي أسسه الغرب ويرعاه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كان ذلك هو العالم الذي تسلمه مَن يسمى بـ"زعيم العالم الحر" باراك أوباما في العام 2009.
وعلى الرغم من الحالة الشعبية التي خلقها أوباما في اميركا والعالم، والتي تمحورت حول شعاري "التغيير" و"نعم نقدر"، الا ان الرئيس الاميركي كان يبدو وكأنه استسلم لقدر الغرب المتدهور اقتصاديا ودوليا، فراح يحث الاميركيين على "العيش وفقا لمقدرتهم" وعمل على تقليص الدور الاميركي حول العالم من زعامة الى شراكة مع المجتمع الدولي، وحذّر سرا وعلنا من صعود الصين وتأخر بلاده فيما بدا وكأن اميركا ايقنت في حينه انها ستفقد صدارتها العالمية وسطوتها.
لكن ما حدث في السنوات الخمس الاخيرة، اي منذ انتخاب أوباما، اظهر ان النظم الاقتصادية وحدها لا تصنع القوى العظمى، وان المحرك الرئيسي لتفوق اميركا والغرب يكمن في الديموقراطية التي تمنح هذه الدول مقدرة هائلة على التكيّف، بطريقة داروينية، فتموت وتتلاشى الافكار التي لا افق لها، وتنتعش بسرعة الافكار الجديدة التي تمتلك المستقبل وترسمه، وانتخاب الشاب أوباما نفسه كان اكبر دليل على ان تفوق اميركا مرتبط بمقدرة على التغيير لا تكترث بتقاليد، ويمكن ان تطيح عائلة كلينتون، ذات النفوذ السياسي الشاسع، بطرفة عين، وان تتبنى مرشحا مغمورا من اصول افريقية، وكأن اميركا لم تعانِ يوما من مشكلة التمييز العنصري.
ومنذ انتخاب أوباما رئيسا، قدمت اميركا كثراً حكموا العالم بأفكارهم، من مارك زوكربرغ ومواقع التواصل الاجتماعي، الى عبقرية استخراج الوقود الصخري، فاختراعات ستيف جوبز وشركة آبل.
غياب امكانية التغيير بدوره هو الذي يبدو انه عطل صعود الصين، التي صار الاقتصاديون يجمعون على قرب تعثرها، فالصين صعدت لانها حولّت نفسها الى مصنع العالم الاستغلالي، ولكن هذه نافذة ذات مدة زمنية محدودة وتنغلق بمجرد ان تتحسن مداخيل الصينيين، فترتفع تكاليف اليد العاملة وتتراجع التنافسية، فضلا عن ان الصين تعاني من شيخوخة في السكان وتناقص في اجمالي عدد العاملين فيها.
امل الصين الوحيد كان مرتبطا بتحولها من دولة نامية الى اقتصاد متطور، وهذا يتطلب امورا كثيرة منها، على سبيل المثال، تقديم اختراعات، والاختراعات تتطلب فكرا حرا، وهذا لا يمكن ان يترعرع في جامعات لا يرتبط التقدم فيها بالجدارة، بل برضى الامين الفرعي للحزب الشيوعي الذي يقرر الترقيات ويراقب المنشورات.
ومع ان التجربة الصينية مازالت تتطور، الا انه صار واضحا ان "اجماع بيجينغ"، الذي اعتقد البعض انه استبدل "اجماع واشنطن"، قد بلغ حده، وانه لا يمكن للصين الاستمرار في التقدم من دون تقويض اسس النظام السياسي الاستبدادي القائم، وهذا ما لايبدو انه سيحصل في المستقبل القريب.
وكما الصين، كذلك روسيا وايران وغيرها من الدول. كلها تحاول تصوير الديموقراطية الغربية وكأنها فكرة هجينة في مجتمعاتها، وتصرّ على خصوصية مزعومة لانظمتها السياسية، الى حد ان ايران تحاول عزل نفسها عن شبكة الانترنت العالمية وخلق شبكة ايرانية بديلة بحتة، وهذا مثال واحد على كيفية قتل الافكار وعدم السماح بتلاقحها خوفا من التجديد ورغبة في عدم التغيير. لكن من لا يتغير، يموت، او هكذا قال داروين.
اما القول ان روسيا وايران والصين ترفض تبني الآداب المجتمعية للحقبة الفيكتورية، التي انتشرت في الغرب مع عصر التنوير والثورة الصناعية، فهو امر مفهوم، ويمكن الحفاظ على اي خصوصية مجتمعية مع تبنٍ كامل للديوقراطية بمجرد فهم دور الدولة والفصل بين الحيزين العام والخاص.
ولكن ان تتذرع الانظمة الديكتاتورية في هذه الدول بالخصوصية المجتمعية لابعاد الديموقراطية عن شعوبها، فهذا لن يؤدي الا الى استمرار تأخر هذه الدول وتفوق الغرب وانفراده بصدارة العالم.
اذا، بعيدا عن سوريا والعراق، وبعيدا عن بحر الصين واوكرانيا، وبعيدا عن مجلس الامن ومصادر الطاقة، هو في الاساس صراع فكري بين عصر التنوير وحريته وديموقراطيته وبين ومعارضيه بأفكارهم المختلفة والمتراوحة بين "رأسمالية الدولة"، و"جمهورية ولاية الفقيه"، و"المبايعة"، و"الديموقراطية التوافقية"، و"الديموقراطية الشعبية" على اشكالها. هو صراع بين شعوب تتسابق في ما بينها لتقديم الاختراعات حتى يحصد المخترعون ثروات طائلة، ومجتمعات تبيع ما في باطن الارض وتنفق على انفسها فتشق طريقا في الصحراء لاعتقادها ان المخلص سيأتي يوما ويسلك هذه الطريق التي لا تؤدي الى مكان.
اذا لم يكن هذا صراعا للحضارات، فماذا يكون؟

الخميس، 13 فبراير 2014

يلين: سياسة شراء السندات ستتوقف عاجلاً أم آجلاً

واشنطن - حسين عبدالحسين

صوت مجلس النواب الأميركي لمصلحة رفع سقف الدين، من دون فرض أية شروط، وأحال مشروع القانون على مجلس الشيوخ الذي يفترض أن يصادق عليه قبل 23 الجاري. وحصل مشروع القانون على موافقة 221 نائباً في مقابل معارضة 201، ومرر بأصوات الديموقراطيين، إذ انه لم يحصل إلا على 28 صوتاً جمهورياً، وفق وكالة «يو بي آي».

وتصافح رئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينرر، مع رئيسة الأقلية في المجلس الديموقراطية نانسي بيلوسي، بعد انتهاء التصويت.

ورحب البيت الأبيض بتمرير مجلس النواب مشروع القانون، ورأى في الأمر خطوة إيجابية، وأكد ان الاقتصاد الأميركي يمضي قدماً لكن ثمة أموراً كثيرة لا بد من القيام بها. وذكّر ان بإمكان الكونغرس أن يبدأ برفع الحد الأدنى للأجور حتى لا يعيش أي شخص يعمل بدوام كامل، وعائلته في الفقر، ويمكنه أن يعيد ضمانات البطالة الطارئة لـ1.7 مليون أميركي يبحثون يومياً عن العمل ويحتاجون إلى ما يعيلون به عائلاتهم، إلى جانب اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز الاقتصاد واستعادة الفرص لكل الأميركيين.

وفي هذا الاتجاه، أعلنت رئيسة الاحتياط الفيديرالي جانيت يلين خلال حديث خاص قبيل جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون المالية في الكونغرس، أن سياسة الحوافز النقدية التي اتبعها المصرف المركزي كانت ستصل الى نهايتها عاجلاً ام آجلاً، معتبرة انه لا يمكن شراء سندات الى ما لا نهاية، وأن هذه السياسة هي احدى الأدوات التي اثبتت فاعليتها، والتي يجب الحفاظ عليها لاستخدامها في ازمات مستقبلية.

وعلى رغم ان اعلان «المركزي» الأميركي خفضه شراء السندات من 85 الى 65 بليون دولار شهرياً يعني حكماً اهتزاز ثقة المستثمرين في الأسواق المالية، الا ان تمسكه بخفضه قيمة الحوافز عكس ثقته في تحسن الاقتصاد الأميركي وفي نمو نسبة الناتج المحلي السنوي المتوقع ان تتراوح بين 2.9 و3.5 في المئة للعام الحالي. ثقة المركزي هذه انعكست ايجاباً على الأسواق المالية وساهمت في رفع سعر الدولار امام العملات العالمية.

الثقة الأميركية في الاقتصاد تنبع من اعتقاد سائد بأن سياسات التقشف الحكومية التي قضت بزيادات ضريبية وخفوض في الإنفاق عام 2013، ادت الى تقلص النمو بنسبة 1 الى 1.5 في المئة، وفق تقارير «مكتب موازنة الكونغرس». هذه السياسات لن تتكرر هذا العام، وتالياً ستسمح للاقتصاد بالنمو من دون عوائق حكومية.

ومن يدقق في الانعكاسات السلبية للخفوض الحكومية، قد يرى الصورة الاقتصادية الأميركية في شكل أكثر إيجابية. على سبيل المثال، يرى الموظف في البيت الأبيض جايسون فورمان، في معرض تعليقه على بيانات الوظائف الصادرة عن وزارة العمل الأسبوع الماضي، ان عدد الوظائف الجديدة في كانون الثاني الماضي بلغ 142 الفاً في القطاع الخاص، فيما انخفضت الوظائف الحكومية بواقع 29 الفاً. ويقول فورمان، في مطالعة مكتوبة، ان عدد الوظائف التي أوجدها القطاع الأميركي الخاص على مدى الأشهر الإثني عشر الماضية بلغ 2.3 مليون، اي بمعدل 191 الف وظيفة في الشهر.

ويعتقد خبراء اميركيون ان الاقتصاد الأميركي بحاجة لخلق 180 ألف وظيفة شهرياً على الأقل كمؤشر الى نمو جيد يستوعب العاطلين من العمل كما المنضمين الجدد للقوة العاملة. وهكذا، بافتراض ان الحكومات الفيديرالية والمحلية لم تقلص وظائفها، وأن القطاع الخاص خلق 191 ألفاً في الشهر، ستبدو صورة الاقتصاد الأميركي زهرية اكثر مما تشي به الأرقام المتداولة.

ويعتقد كبير الباحثين الاقتصاديين في معهد «بروكنغز» دونالد كون، ان نسبة البطالة التي تشير الى عودة الاقتصاد الى سابق عهده هي 5.5 في المئة. ويقول كون في شهادة امام الكونغرس ان نسبة البطالة التي بلغت 6.6 في المئة، وفق وزارة العمل، تنخفض بسرعة، وعلى الاحتياط الفيديرالي الإعلان عن سياسة جديدة لتبرير استمرار خفضه الفائدة الى نسب تقارب الصفر في المئة.

وكان المصرف المركزي الأميركي اعلن في الماضي ان هدف سياسة التيسير النقدي التي اعتمدها ترتبط بخفض نسبة البطالة الى 6 في المئة، ما حدا بيلين الى القول بما يشبه التباهي، ان سياسات «المركزي» لدعم الاقتصاد والتي بدأت مع نهاية عام 2012، ادت الى خفض في نسبة البطالة من 8.5 الى 6.6 في المئة.

«الأخبار الزهرية» للاقتصاد الأميركي جاءت على خلفية تصريحات متكررة من السياسيين، وخصوصاً في الحزب الجمهوري، حول عدم رغبتهم في التهديد بعدم رفع سقف الاستدانة البالغ 17 تريليوناً و300 مليون دولار.

وكان مجلس الممثلين، الذي تسيطر عليه غالبية جمهورية، رفض قانوناً ينص على رفع سقف الدين الى ما بعد انتخابات الكونغرس المقررة في تشرين الثانـي (نوفمبر) المقبـل، لأن القـانون تم ربطه بزيادة في تعويضات العسكريين، ما نسفه ودفع رئيس الكونغرس جون بـايـنـر الى تـقـديم مـشروع قـانـون جـديـد مخصص لرفع سقف الاستدانة حصراً.

يذكر ان رفع ســقف الاستدانة من دون الوصول الى «حافة الهاوية المالية»، كما في الأزمات الماضية، من شأنه ان يرسل مزيداً من التطمينات للمستثمرين وأسواق المال. كما ان المزاج الأميركي حول الاقتصاد جيد، وعلى رغم بعض العثرات في تقرير من هنا او هناك، الا ان القناعة لدى غالبية المسؤولين والمعنيين تجمع على نـــمو مـــتوقع هذا العام، وهـــذه اخبار جيدة لا للولايات المتحدة فقط، وإنما للنمو العالمي الذي توقع صندوق النقد الدولي ان يكون مدفوعاً بالنمو الأميركي، نظراً الى تباطؤ اقتصادات الدول النامية والهزات المالية التي يعاني منها بعض هذه الدول.

الأربعاء، 12 فبراير 2014

خطة أوباما في سورية: الدفع لتنحي الأسد ... ومراقبة الغربيين الذين يقاتلون ضده

• الحرب في سورية تهدد استقرار المنطقة بما في ذلك لبنان والحل يأتي من خلال السياسة فقط

• وزير الأمن الأميركي: سورية أصبحت مسألة أمن قومي بالنسبة لناللرئيس الاميركي باراك أوباما خطتان في سورية.

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الاولى علنية ومبنية على اقناع روسيا وايران بالطلب من بشار الاسد وقف سفك الدماء، والامتناع عن التسبب بالدمار، والتنحي لمصلحة حكومة وحدة وطنية انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة. هذه الخطة ممكنة من خلال مؤتمر جنيف، الذي صار المسؤولون الاميركيون يطلقون عليه اسم «عملية جنيف» للدلالة على انها عملية طويلة من دون نتائج قريبة. كما يمكن لمؤتمر جنيف، حسب الاميركيين، ان يتحول الى لقاء لرعاية شؤون اخرى ذات صلة، مثل وقف اطلاق نار محلي، واجلاء مدنيين، وايصال مساعدات غذائية.

خطة أوباما الثانية حول سورية مضمرة، ومبنية على مراقبة لصيقة لكل المواطنين الغربيين الذين يذهبون للمشاركة في القتال ضد الاسد ويعودون من سورية الى بلادهم.

هذا هو الموقف الاميركي الذي حاول أوباما تلبيسه لضيفه نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند اثناء زيارة الاخير للعاصمة الاميركية ولقائهما الذي تلاه مؤتمر صحافي وعشاء، اول من امس. الا ان الضيف الفرنسي التزم بالتمايز.

وقبل وصول هولاند، كان اوباما نشر مقالة رأي في صحيفة «واشنطن بوست»، وكرر ما جاء فيها في كلمته المعدة سلفا امام هولاند والصحافيين. وما جاء في المقالة والتصريحات، ان الحرب في سورية تهدد استقرار المنطقة، بما في ذلك لبنان، وان الحل يأتي من خلال السياسة فقط، وان على الاسد الالتزام بمواعيد تسليم ترسانته النووية للأمم المتحدة.

لكن في جولة الاسئلة التي تلت، توسع أوباما في آرائه حول الوضع في سورية، ووصفه بالمأسوي، وقال ان «الدولة في سورية تنهار»، وان ذلك سيئ «لسورية، وللمنطقة، وللسلم الدولي، لاننا نعرف ان هناك متطرفين ممن استغلوا غياب السلطة في اجزاء من سورية بطريقة ممكن ان تهددنا مستقبلا».

لكن أوباما لم يتوسع اكثر في موضوع التطرف الذي يتجذر في سورية، بل اعتبره تهديدا مستقبليا، وهو يختلف عما ردده ارفع اركان ادارته، على مدار الاسبوع الماضي، فوزير الامن القومي جه جونسون ووزير العدل اريك هولدر شاركا في لقاء في بولندا ضمهما مع نظرائهما من بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا وبولندا، وكان البند الاهم هو التعامل مع مشكلة مشاركة مواطنين غربيين في القتال في سورية.

وفي محاضرة له في معهد «وودرو ويلسن»، قال جونسون ان الاستخبارات الغربية تعرف مواطنين غربيين انضموا للقتال في سورية، وان الشبكات المتطرفة هناك تسعى الى تجنيد هؤلاء الغربيين، وتثقيفهم عقيدة متطرفة، وارسالهم الى بلدانهم للقيام بعمليات عنف. ومما قاله جونسون ان «سورية اصبحت مسألة امن قومي اميركي».

وقبل جونسون، تحدث كل من مدير الاستخبارات القومية جايمس كلابر وبعده مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) جون برينان، وأكد الاثنان مشاركة غربيين في قتال سورية، وشددا على ان الاجهزة الغربية تراقب هؤلاء عن كثب وتلاحقهم خشية عودتهم مع مشاريع عنفية ومتطرفة.

اذا، مسؤولو ادارة أوباما يعتقدون ان لاحداث سورية انعكاسا سلبيا على الامن القومي الاميركي، وان ذلك لم يعد مسألة مستقبلية، بل تحول الى مشكلة آنية، وهو ما يتفادى الرئيس الاميركي قوله لأن ذلك قد يجبره على الحديث عن دور اميركي اوسع في سورية.

ولأن أوباما يتفادى «تكبير المشكلة السورية»، فهو يحاول في الوقت نفسه تضخيم نجاحات «جنيف - 2»، وهو قال اثناء مؤتمره الصحافي مع هولاند ان «عملية جنيف تشي بأننا اذا كنا ننوي حل هذه المشكلة، فان الحل سيكون سياسيا، ومؤتمر جنيف الاول التزم عملية انتقال تحافظ على الدولة السورية وتحميها، وتتسع لمصالح الطوائف المختلفة داخل سورية بشكل عدم هيمنة احد، وتسمح لنا بالعودة الى بعض الاشكال الطبيعية، وتسمح لمن تهجروا بالعودة الى منازلهم». ولكن أوباما عاد الى الواقعية متداركا: «مازلنا بعيدين عن تحقيق كذلك».

واردف أوباما ان «نظام الاسد تصرف بطريقة غير مسؤولة، واعتقد ان عرابيه (روسيا وايران) انزعجوا من ذلك، ولكننا سنستمر لا بالضغط على الاسد فحسب، بل باقناع دول مثل روسيا وايران ان استمرار الدماء والانهيار ليس في مصلحة احد».

لكن هولاند، الذي تكلم بعد أوباما وقال ان الرئيس الاميركي غطى معظم الاجابة المطلوبة حول سورية، اصر على ان مؤتمر «جنيف - 2» محصور بانتقال السلطة في سورية، من دون اي شؤون اخرى، متهما نظام الاسد بعرقلة الوصول الى حلّ.

كذلك، بدا هولاند اكثر تصميما على تصديق قرار في مجلس الامن في الامم المتحدة يفرض على جميع الاطراف في سورية تسهيل مرور قوافل المساعدات الانسانية واخراج المدنيين والجرحى من مناطق القتال.

كما بدا هولاند اكثر حزما في موضوع التزام الاسد بمواعيد تسليم ترسانته الكيماوية، وقال ان فرنسا واميركا ستلجآن الى قرار مجلس الامن الملزم، والذي يخول استخدام القوة، من اجل اجبار الاسد على الالتزام بتسليم الكيماوي.

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

سوريا تهدد أمن أميركا القومي

حسين عبدالحسين

"الليلة الماضية، عدت أنا ووزير العدل من لقاءات في بولندا جمعتنا مع نظرائنا من ستة دول هي المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واسبانيا، وايطاليا وبولندا، وكانت سوريا موضوع الحديث الأول بالنسبة لنا ولهم"، يقول وزير الأمن القومي، جيه جونسون، في محاضرة في العاصمة الأميركية. ويضيف: "لقد أصبحت سوريا مسألة أمن قومي أميركي".

تصريحات جونسون لم تكن الأولى من نوعها. قبلها أطل مدير "الاستخبارات القومية للولايات المتحدة" جايمس كلابر ومدير "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي ايه) جون برينان بتصريحات مماثلة تحدثت عن قيام المجموعات الإسلامية المتطرفة بتجنيد رجال يحملون جنسيات أميركية وأوروبية للمشاركة في القتال ضد قوات بشار الأسد في سوريا.

طبعاً خطر هؤلاء داخل سوريا لا يقلق الأميركيين، إذ سبق أن قال قائد الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي إن الحرب في سوريا هي بين طرفين إرهابيين هما أعداء للولايات المتحدة، أي "تنظيم القاعدة" و"حزب الله" اللبناني، وأن من مصلحة واشنطن استمرار القتال بينهما من دون التدخل لحسم هذا الصراع لمصلحة طرف دون آخر.

إلا أن تصريحات ديمبسي، الصيف الماضي، لطالما تصدى لها عدد من المسؤولين والخبراء ممن حذروا من أن استمرار القتال في سوريا من شأنه أن يتحول إلى مسرح تجنيد وتنظيم وتدريب وإقامة شبكات تمويل لمقاتلين إسلاميين متطرفين، وانه فور انتهاء المواجهات في سوريا، من الطبيعي أن يعود هؤلاء إلى منازلهم، وبعضهم مواطنين دول غربية، وأن يقوموا بأعمال عنف أو إرهاب في هذه الدول.

هذه التحذيرات التي تتوالى على مسامع الرئيس باراك أوباما، الذي يبدو انه لا يبالي بها، تحولت إلى حقيقة صارت تخيف المسؤولين الاميركيين.
"بالاعتماد على عملنا وعمل شركائنا الدوليين، صرنا نعرف أن أفراداً من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا يسافرون إلى سوريا للقتال في الصراع، وفي نفس الوقت، يسعى المتطرفون لتجنيد غربيين، وأدلجتهم، والإشراف على عودتهم إلى بلادهم مع مهمة متطرفة"، حسب الوزير الأميركي، الذي أردف: "لكن وزارة الامن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) واجهزة الاستخبارات تتابع عملها المشترك لتحديد هؤلاء المقاتلين الاجانب الذين يمثلون خطرا على الوطن".

وكانت الرواية الرسمية للادارة الاميركية تحذر من أن انهيار نظام بشار الأسد من شأنه تحويل سوريا إلى مقر للمجموعات المتطرفة تشن منه هجمات إرهابية ضد دول الجوار، وأوروبا، والولايات المتحدة، وهو ما دفع بواشنطن إلى الإحجام عن استخدام أي قوة عسكرية لترجيح كفة الثوار ضد الأسد.

لكن حتى مع بقاء الأسد، وجدت المجموعات المتطرفة لنفسها موطئ قدم في سوريا، وبدأت بممارسة نشاطات هي بمثابة كابوس للاستخبارات الغربية والأميركية، التي تسعى اليوم إلى التعامل مع نتائج هذا الواقع، ما دفع من طالبوا بإزاحة الأسد منذ اليوم الأول اعتبار انه لو قامت واشنطن بحسم الوضع السوري قبل أن يحوله الأسد إلى حرب أهلية، لكانت فرص انتقال السلطة سلمياً أكبر واستباب الأمن في سوريا أسهل.

على انه بغض النظر عن الخطر السوري تجاه الولايات المتحدة، مازال الرئيس الاميركي يتصرف وكأن الأحداث في سوريا هي "حرب الآخرين الأهلية"، حسب التسمية التي أطلقها عليها في خطابه إلى الشعب الأميركي في أيلول/سبتمبر الماضي.
ومما قاله أوباما العام الماضي، ومازال يكرره اليوم، هو إن لا مصلحة لبلاده التدخل في سوريا، وإن الأفضل هو البقاء بعيداً عن هذا الصراع حتى لا تنعكس امتداداته على الولايات المتحدة.

وجدد الرئيس الأميركي تصوره للحرب السورية على أنها مواجهة تؤثر في منطقة الشرق الأوسط دون غيرها، وكتب في مقالة نشرها مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند في صحيفة "واشنطن بوست"، بمناسبة زيارة الأخير للعاصمة الأميركية، جاء فيها: "فيما تهدد الحرب في سوريا استقرار المنطقة، بما فيها لبنان، على المجتمع الدولي أن يزيد من مجهوده للعناية بالشعب السوري، وتقوية المعارضة السورية المعتدلة، والعمل من خلال عملية جنيف 2 باتجاه انتقال سياسي يمكنه أن يخلّص الشعب السوري من الديكتاتورية والإرهاب".

هكذا، بينما يكرر كبار المسؤولين الأميركيين تحذيراتهم من أن تطال النار السورية "الوطن" الاميركي، يمضي أوباما في تأكيده أن ما يحدث في سوريا هو حرب السوريين فقط، وأن تأثيرات هذه الحرب تقتصر على منطقة الشرق الأوسط دون غيرها، وأن الحل الوحيد يكمن في "عملية جنيف"، وهي التي صار يبدو أن المسؤولين الأميركيين يدركون أنها ستكون عملية طويلة من دون نتائج في المدى المنظور، مع ما يعني ذلك من بقاء الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأميركية في حالة تأهب قصوى، فيما أوباما لا يبدو أن الانتظار يقلقه.

الاثنين، 10 فبراير 2014

«داو» تبحث مقاضاة مُزوّري الرسالة «الكويتية» والبداية... ملاحقة البصمة الإلكترونية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

علمت «الراي» من مصادر اميركية ان شركة «داو» كلفت فرقا قانونية تابعة لها دراسة امكانية مقاضاة من يقف وراء الرسالة التي تم تناقلها في الكويت، والتي نسبت الى رئيس الشركة اندرو ليفرز قوله ان الشركة قدمت رشاوى لمسؤولين كويتيين.

وقالت المصادر ان مجموعة من الاسباب تدفع كبار مسؤولي «داو» على ملاحقة مزوري الرسالة. اول هذه الاسباب الحفاظ على سمعة الشركة بالدرجة الاولى، واثبات التزام القانون امام «القسم المدني» في وزارة العدل الاميركية، وهو القانون الصارم الذي يحظر قيام الشركات الاميركية بتسديد أي رشاوى لمسؤولين في حكومات اجنبية.

وتقول المصادر الاميركية ان مسؤولي «داو» يرون في موضوع الرسالة فرصة سانحة للادعاء امام القضاء الكويتي، والفوز بحكم يحسم براءة الشركة من كل الاشاعات التي طاولتها في السنوات الماضية، والتي اتهمتها بتسديد رشاوى لمسؤولين كويتيين.

وتضيف المصادر ان «داو» لا ترغب في الغوص في متاهة قضائية اخرى في الكويت، وان الشركة «حريصة على ترميم علاقتها مع كل الجهات الرسمية الكويتية» بعد ان فازت بتعويض فاقت قيمته ملياري دولار بسبب قيام الحكومة الكويتية بفسخ عقد سابق معها.

لكن ليس في مصلحة «داو»، تنقل المصادر عن مسؤولين فيها، ان تترك اشاعات من شأنها ان تؤذي سمعتها تدور على ألسنة بعض الكويتيين.

من الناحية التقنية، تعتقد المصادر الاميركية ان «تحديد من يقف وراء الرسالة امر معقد، ولكنه ليس مستحيلا».

وتتابع المصادر انه «يمكن ملاحقة البصمة الالكترونية للرسالة، وكيفية انتشارها، فضلا عن استخدام وسائل اخرى ممكن ان يتوصل القضاء من خلالها لتحديد الفاعلين وتغريمهم».

وبحسب المصادر نفسها، فان الفرق القضائية الاميركية تعكف على دراسة بعض مواد القانون الكويتي، بالتعاون مع شركات قانونية كويتية، لتحديد ما يمكن البناء عليه، وفرص نجاح القضية.

ومن المتوقع ان ترفع الفرق القانونية المذكورة تقريرا الى مجلس ادارة «داو» حتى يقرر مدى فاعلية وجدوى الخوض في مواجهة قضائية امام المحاكم الكويتية.

السبت، 8 فبراير 2014

جهات إقليمية تزوّد ثوار سورية بتقنيات لإسقاط «طائرات البراميل» ... بـ «علم» واشنطن

• الإدارة الأميركية تعتقد أن الثوار وجهوا ضربة ديبلوماسية قوية للأسد في جنيفا

• أميركا تعتقد أن الأسد «ما زال يعيش وهم الحسم والبقاء في منصبه»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

لتضارب في المواقف الذي سربته وزارة الخارجية حول سورية اثار لغطا. فقد اعرب المسؤولون الاميركيون لوسائل الاعلام العربية، ومنها «الراي»عن ارتياحهم لمجريات جنيف وثقتهم بأن بشار الاسد سيلتزم بموعد تسليم ترسانته الكيماوية حسب المقرر في يونيو. امام اعضاء في مجلس الشيوخ، ومنهم الجمهوريان البارزان جون ماكين وليندسي غراهام، قال وزير الخارجية جون كيري انه يعتقد ان بلاده بحاجة لاستراتيجية جديدة في سورية، وان جنيف لا نتيجة مرجوة منه، وان الاسد يحقق تقدما على الارض.

على ان الرأي الاميركي الادق هو مزيج بين الاثنين. من ناحية تعتقد الادارة الاميركية ان «الثوار وجهوا ضربة ديبلوماسية قوية للأسد في جنيف عندما اجبروا وفده على الجلوس والتفاوض معهم»، كذلك عندما «شاهد العالم الامم المتحدة تقدم خطة، والثوار يقدمون رؤية، فيما اكتفى وفد الأسد بالمشاغبة».

وتتوقع المصادر الاميركية ان يعمل كل من الطرفين السوريين في اتجاه مختلف على مدى هذا العام.


فبعد نجاحهم السياسي، سيسعى الثوار الى استعادة زمام المبادرة على الارض. الخطوة الاولى تكمن في انهاء مجازر البراميل المتفجرة التي تلقيها مروحيات الاسد عشوائيا على رؤوس السوريين في حلب وداريا.

في هذا السياق، تقول المصادر الاميركية انها «على علم» بقيام اصدقاء اقليميين للثوار «بتزويدهم بالتقنية المطلوبة لاسقاط مروحيات الاسد»، من دون ان يحدد الاميركيون نوعية هذه «التقنية».


ويعتقد الخبراء الاميركيون ان الاسد يلجأ الى استخدام المروحيات لسببين: الاول هو تناقص عدد مقاتلاته وتعطل عدد كبير منها، والثاني هو شبه انعدام الدفاعات الارضية لدى الثوار، ما يسمح لمروحيات الاسد بالتحليق على علو منخفض والقاء البراميل.

ويقول الخبراء الاميركيون انهم يعتقدون ان لقوات الاسد معمل انتاج لهذه البراميل على نطاق واسع في شمالي محافظة حماة، ثم يتم نقلها جوا الى مطارات قريبة من حلب ودمشق حيث تحملها المروحيات وتلقيها عشوائيا.

على انه على الرغم من التقدم الذي حققته قوات الاسد منذ الخريف الماضي، يعتقد الخبراء الاميركيون ان الثوار، الذين تجري عمليات تدريبهم وتسليحهم بشكل افضل بعد نجاح توحيد الويتهم في اطار «الجبهة الاسلامية»، وبعد اسقاط واشنطن الشروط القاسية التي كانت تضعها على مراقبة هويات من يتم تسليحهم، يستعدون لشن «هجوم الربيع»، فور انتهاء ايام الشتاء الباردة في الاسابيع القليلة المقبلة.

وكتبت الخبيرة في «معهد دراسة الحرب» فاليري سزيبالا انه «فيما يستمر النظام في حملة العزل والتدمير التي يشنها، يستمر الثوار في اعادة تنظيم انفسهم». وقالت: «بعدما تحرروا من الشروط الاميركية الموضوعة على تسلمهم اية مساعدة قتالية اميركية، مثل عدم التحالف مع اي تنظيم اسلامي متشدد او المرور بعملية تدقيق مضنية قبل تسلم اسلحة خفيفة، يبدو ان موجات الثوار الجديدة اكثر نجاحا».

واضافت الخبيرة الاميركية، في الدراسة التي قدمتها اخيرا: «فيما لا يعني هذا بالضرورة ان الثوار سيقدرون على استعادة المكتسبات التي حققها الاسد في اواخر العام 2013، الا انه يعني ان المعارضة المسلحة في دمشق ستنجو من الشتاء، ومع حلول الربيع يصبح حصار الاسد اقل شدة على المدنيين».

وقالت سزيبالا: «مع ازدياد التدريب والتسليح من السعودية، من الممكن ان يكون الثوار اقوى بكثير في الربيع، وان ينجحوا مجددا في تحدي قبضة الاسد على دمشق القلعة».

وتقول الباحثة الاميركية انه ابتداء من اغسطس الماضي، شنت قوات الاسد عملية «درع العاصمة» لتحريرها من قبضة الثوار، وتضمن ذلك استخدام اسلحة كيماوية، ولكن على اثر التهديد الاميركي وتراجع الاسد، عاد الاخير لاستخدام وسائل تدميرية تقليدية، واستمرت العملية وترافقت مع عمليات اخرى اصغر على جبهات اخرى محيطة في دمشق.

واضافت سزيبالا انه رغم ان النظام حقق زخما في دمشق مطلع العام 2014، لا يبدو ان الحسم العسكري في متناول يديه.

في هذه الاثناء، سيسعى الاسد الى «تغيير الرواية» بهدف التركيز على اعادة انتخاب نفسه لولاية ثانية مع حلول الصيف، حسب المصادر الاميركية، التي تقول ان النظام السوري بدأ منذ فترة بالتشديد على موضوع الانتخابات، «وكأن احدا في العالم او سورية يعتقد ان اي انتخابات يجريها هي انتخابات فعلية او انها تمنحه شرعية من اي نوع كانت».

وتتوقع المصادر الاميركية ان يقوم حلفاء الاسد، وخصوصا الروس، بالاكثار من الحديث عن الانتخابات، وفي حث المعارضة على الترشح والمشاركة.

وتضيف مصادر واشنطن ان في سورية 6.5 مليون نازح داخليا، و2.5 مليون لاجئ خارج البلاد، وهؤلاء يشكلون 40 في المئة من اجمالي الشعب السوري، فضلا عن ان عددا كبير يقطن في مناطق هي تحت سيطرة الثوار بالكامل، و»عدم مشاركة هؤلاء في الانتخابات هو اول طعن في مصداقيتها».

وترصد المصادر نشاط نظام الاسد لتعديل القوانين واجراء انتخابات شكلية تبقيه رئيسا، وان يترافق ذلك مع حملة اعلامية تقوم بها وسائل اعلامه ووسائل الاعلام المؤيدة له في دول المنطقة.

لكن هل يسير الاسد قدما في تنظيم انتخاباته في حال نجح الثوار في استعادة زمام المبادرة العسكرية على الارض مع حلول الصيف؟

وتعتقد المصادر الاميركية ان «الاسد ما زال يعيش وهم الحسم والبقاء في منصبه، وهو امر تجاوزه السوريون والعالم»، فيما رجحت، كما الخبراء، استمرار العنف في سورية على مدى العام الحالي، واستبعدت ان ينجح اي من الطرفين في حسم المواجهة عسكريا.

الخميس، 6 فبراير 2014

اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يتعثر في مواجهة أوباما ... وإيران

• 80 عضواً في الكونغرس وقعوا عريضة تؤيد الديبلوماسية مع إيران وتعارض أي عقوبات

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
جريدة الراي

يعاني اللوبي المؤيد لاسرائيل، والذي تقوده «اللجنة الاميركية - الاسرائيلية للعلاقات العامة» المعروفة بـ «ايباك»، من تراجع كبير في المواجهة التي يخوضها ضد الرئيس باراك أوباما وادارته لاجبارهما على قبول اقرار الكونغرس سلسلة جديدة من العقوبات الاقتصادية على ايران، بمفعول مؤجّل يبدأ في حال لم تتوصل المفاوضات مع طهران الى حل يؤدي الى «تفكيكها الكامل لبرنامجها النووي».

وفيما حاول مجلس النواب في الكونغرس، والذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري الاقرب الى اسرائيل، اعادة اصدار قانون العقوبات على ايران بتأييد الحزبين، على غرار الجولة الاولى العام الماضي والتي حازت تأييد 400 من 435 عضوا، الا ان هذه الجولة تبدو اكثر تعقيدا.

وفي هذا السياق، سربت اوساط الحزب الديموقراطي رسالة موجهة الى اوباما وقعها حتى الآن ثمانون عضوا في الكونغرس، تعرب عن تأييد هؤلاء الاعضاء للديبلوماسية مع ايران، ومعارضتهم لاقرار اية عقوبات اثناء المفاوضات، عملا بنص «خطة العمل المشترك»، اي الاتفاقية الموقتة التي توصلت اليها مجموعة دول خمس زائد واحد، في جنيف، في 24 نوفمبر الماضي.

على ان المواجهة بين الطرفين المؤيد والمعارض للعقوبات تأتي تحت عنوان القيام بما هو اصلح لاسرائيل وأمنها.

ورغم وقوف «ايباك» الى جانب الفئة المؤيدة لعقوبات جديدة، الا ان تنظيمات يهودية اميركية اخرى، وان اقل نفوذا، تقف الى جانب معارضي العقوبات، ما يعقد من مهمة «ايباك» او تسويقها التشريع الجديد وكأنه يأتي نتيجة اجماع اصدقاء اسرائيل من اميركيين ويهود اميركيين.

رسالة الديموقراطيين المؤيدين لاوباما، والمعارضين لعقوبات جديدة على ايران، تصدرتها مقدمة جاء فيها ان تأخير اقرار العقوبات هي خطوة مخصصة لحماية امن اسرائيل: «كأعضاء في الكونغرس، وكأميركيين، نعلن وحدتنا ودعمنا المطلق لمنع ايران من حيازة سلاح نووي، فانتشار الاسلحة النووية في الشرق الاوسط يهدد امن الولايات المتحدة و(امن) حلفائنا في المنطقة، خصوصا اسرائيل».

واضافت الرسالة انه «في الوقت الحالي، نعتقد ان على الكونغرس اعطاء الديبوماسية فرصة»، وان اي قانون او قرار من شأنه ان يضعضع الائتلاف الدولي، او ان «يقلل من مصداقيتنا في جولات المفاوضات المقبلة ويضعف فرص التقدم نحو اتفاقية نهائية يمكن التحقق منها»، وهذا، حسب الاعضاء الديموقراطيين موقعي الرسالة، امر يجب تفاديه.

وتتابع الرسالة ان «الديبلوماسية تبقى افضل خيار استراتيجي لنا»، وانه «علينا ألا نضعف فرصة تحقيق نجاح ديبلوماسي قبل ان تسنح لنا فرصة اختباره».

وكان لافتا ان الرسالة وقعها عدد من اعضاء الكونغرس الديموقراطيين من اليهود.

في هذه الاثناء، تسعى قيادة الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، متمثلة بزعيمها عضو الكونغرس عن ولاية فرجينيا اريك كانتور، الى تحريك قانون العقوبات في محاولة لاقراره وارساله الى مجلس الشيوخ لوضع الاخير تحت الضغط بهدف الموافقة عليه.

وفي حال حاز القانون غالبية الثلثين في كل من المجلسين التشريعيين، يخسر أوباما حق النقض الفيتو. اما اذا اقرّ القانون غالبية تقلّ عن ستين عضوا في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه حزب أوباما الديموقراطي، ساعتذاك يمكن للرئيس الاميركي استخدام حق النقض «الفيتو» واعادة القانون الى الكونغرس للمزيد من النقاش.

وفيما المواجهة محتدمة في الكونغرس بين أوباما ومؤيديه، من جهة، واصدقاء اسرائيل والجمهوريين من جهة اخرى، تجري «عمليات لوبي» واسعة في الكواليس من الطرفين تقودها «ايباك» المؤيدة للعقوبات، من جهة، ولوبي مناوئ للعقوبات من جهة اخرى يتألف من مزيج مجموعات مؤيدة للنظام الايراني، واخرى يهودية معارضة لـ «ايباك»، ومجموعات يسارية معارضة للحرب بشكل عام وتعتقد ان اي تعثر للديبلوماسية مع طهران سيعني التوجه الى حرب معها كبديل وحيد.

ورغم ان القوة الهائلة التي يتمتع بها لوبي «ايباك» منذ العام 1976 عندما اجبر الرئيس الجمهوري جيرالد فورد على التراجع عن محاولته الضغط على اسرائيل، الا انه يبدو ان اللوبي المذكور فقد بريقه وسحره منذ فترة، ما دفع الاعلام الاميركي الى التقاط هذه الظاهرة والحديث عنها.

هكذا نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» على صفحتها الاولى هذا الاسبوع مقالة بعنوان «المجموعة القوية المؤيدة لاسرائيل ترى زخمها يتوقف».

ومن المتوقع ان تعقد «ايباك» في شهر مارس المقبل مؤتمرها السنوي، الذي يتحول عادة الى مهرجان تأييد مطلق لاسرائيل يشارك فيه اكبر المسؤولين الاميركيين بمن فيهم، مرارا، الرؤساء الاميركيون المتعاقبون ونوابهم، وكذلك كبار المسؤولين الاسرائيليين وعلى رأسهم رؤساء الحكومات.

الا انه بسبب المواجهة حول ايران هذا العام، صدرت دعوات داخل ادارة أوباما بوجوب محاولة مسؤوليها الابتعاد عن المؤتمر وتقليص المشاركة فيه، وهذا ان حصل، يزيد من تأزيم وضع «ايباك» وضعضعة نفوذها السياسي وصورتها كقوة سياسية كاسحة يصعب على الحكومات الاميركية المتعاقبة مواجهتها.

ومن حين لآخر، يحاول رؤساء اميركيون، خصوصا في ولايتهم الثانية وهم في طريقهم الى اعتزال العمل السياسي ولا يحتاجون، تاليا، الى تأييد شعبي او اموال انتخابية، مواجهة «ايباك»، وهو ما يبدو ان أوباما يقوم به حاليا.

الا ان الرؤساء، على اختلافهم، يحرصون على الحفاظ على ود هذا اللوبي الاميركي خوفا على مصير حزبهم في انتخابات الكونغرس، ما يعني ان المواجهة التي يخوضها أوباما ضد اصدقاء اسرائيل حاليا قد تؤثر سلبا في حظوظ حزبه مع بدء هذه السنة الانتخابية التي ستشهد انتخابات الكونغرس وعدد كبير من محافظي الولايات والمسؤولين المحليين.

ويعتقد الخبراء ان المواجهة التي قرر أوباما وادارته خوضها ضد «ايباك» اما تعني ان أوباما «وجد جرأة استثنائية»، وانه سيمضي نحو الاتفاق مع ايران بغض النظر عن التكاليف السياسية الداخلية له او لحزبه، او ان أوباما يقرأ المزاج الشعبي الاميركي ويعتقد ان اللوبي الاسرائيلي عموما، و«ايباك» خصوصا، بدأ يفقد قوته وهيبته لاسباب متعددة ومختلفة، وان الرئيس الاميركي قرر المضي في مواجهة قد ينجح خلالها بإالحاق هزيمة كاملة باصدقاء اسرائيل من الاميركيين للمرة الاولى منذ ان نجح الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان في بيع السعودية طائرات «ايواكس» الحربية، على الرغم من الاعتراضات الشديدة لـ «ايباك»، وكان ذلك قبل نحو ثلاثة عقود.



Since December 2008